أبو الوفاء شرف الدين راجح بن إسماعيل ابن أبي القاسم (أو أبي الهيثم) الأسدي الحلي الشاعر نزيل دمشق
ولد بالحلة منتصف ربيع الآخر سنة 580 وتوفي بدمشق 27 شعبان سنة 627 ودفن بقبة القلندرية في مقبرة باب الصغير.
هكذا أرخ وفاته البدري الدمشقي وذكر مدفنه في كتابه سحر العيون وهو كتاب يذكر فيه كلما يتعلق بالعين رأينا منه نسخة ناقصة مخطوطة في النجف سنة 1352 ثم تملكنا نسخته المطبوعة بمصر وقال ابن خلكان دفن بظاهر دمشق بجوار مسجد التاريخ شرقي مصلى العيد.
أقوال العلماء فيه
في الشذرات راجح بن إسماعيل الحلي شرف الدين صدر نبيل مدح الملوك بمصر والشام والجزيرة وسار شعره.
وعن كتاب الوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي أنه قال: راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الأسدي أبو الوفاء الشاعر الحلي دخل الشام وجال في بلادها ومدح ملوكها ونادمهم وكان فاضلا جيد النظم عذب الألفاظ حسن المعاني وتوفي بدمشق سنة سبع وعشرين وستمائة ومولده سنة سبعين وخمسمائة ثم ذكر جانبا من شعره قال في آخره (قلت شعر جيد) وعنه أيضا أنه ذكره في كتابه (أعوان النصر وأقيان العصر) استطرادا فقال في ترجمة (صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي) الشاعر الشهير ما نصه (أصبح به راجح الحلي ناقصا، وكان سابقا فأصبح على عقبه ناكصا) ثم ذكر قول جمال الدين محمد بن نباتة المصري يذكر رأيه في صفي الدين الحلي ومن ماثله من أهل الحلة:
يا سائلي عن رتبة الحلي في | نظم القريض وراضيا بي احكم |
للشعر حليان ذلك راجح | ذهب الزمان به وهذا قيم |
يقولون لي ما بال حظك ناقصا | لدى راجح رب الفهاهة والجهل |
فقلت لهم إني سمي ابن ملجم | وذلك اسم لا يقول به حلي |
نبه بحي على على الصهباء | من كان قد أغفى من الندماء |
فالفجر قد قبض الأجنة باسطا | للشمس طرة راية حمراء |
والغرب منه طعينة أحشاؤه | بأسنة من أنجم الجوزاء |
فانهض إلى جيش الصبوح فقد علا | ورد الصباح بنفسج الظلماء |
والترب مصقول الترائب نشره | متأرجح يثني على الأنواء |
والأرض ذات خمائل تمشي الصبا | فيها فتثنيها من الخيلاء |
رقصت قدود الروض نصب عيونها | وبكت جفون الديمة الوطفاء |
فاعتل خفاق النسيم وقد جرى | متعثرا بمساقط الأنداء |
فكأن عين الشمس قبل ذرورها | فيه نتيه (بين ظ) بمقلة ومداء |
والورد يقطع ماؤه من حوله | والجو لابس حلة دكناء |
وغصونها نشوى وضاع غمامة | وسماع شدو حمامة ورقاء |
فانهض إلى فرص السرور وخل من | أسر النديم لمطلق الإسراء |
واغنم على وجه الربيع وحسنه | في صدر يومك بهجة الصهباء |
واستعجل الساقي الأغر يديرها | في مستنير الروضة الغناء |
ماء الجفون بوجهه مذ أشرقا | كم ناظر بدموعه قد أشرقا |
رشا يفوق عن قسي حواجب | نبلا بغير مقاتلي لا يتقى |
ثمل المعاطف لم يزر قباؤه | إلا على مثل القضيب وأرشقا |
أنا من تمادي هجره في مأتم | فاعجب لخد بالدموع تخلقا |
كالبدر يسري في نجوم قلائد | متبلج من فوق غصن في نقا |
لم يكف ضعف الخصر عن أردافه | حتى اغتدى بعيوننا متمنطقا |
أجرى على عاداته دمعي ولو | كشف الظلامة رد ذاك المطلقا |
ورأى دليل خفوق قلبي إنه | بسلاسل الأصداغ أضحى موثقا |
جعل الغرام قوي ملاحته فكم | نار أثار وكم دم قد أهرقا |
عبثت ثناياه بخمر رضابه | حتى صفا في كاس فيه مروقا |
وبدت لنا آيات حسن لم يقم | برهانها إلا وكنت مصدقا |
فبلحظه وبوجنتيه وثغره | راح سكرت بنشرها متنشقا |
كتب العذار على صحيفة خده | بالمسك في الكافور سطرا ملحقا |
أمعنف العشاق وهو من الهوى | خالي الحشى لامت حتى تعشقا |
فزها بنفسجه الجني وقد غدا | بالورد في روض الملاحة محدقا |
إني لأظمأ ما يكون إذا جرى | ماء الحياة بوجهه وترقرقا |
قمر سقيم الطرف عقرب صدغه | يثني عزائمنا ويهزأ بالرقى |
يا مثريا من حسنه عطفا على | قلب يبيت من التصبر مملقا |
هل قد رأيت خضوع سائل أدمعي | أفكان عارا أن ترق متصدقا |
سل عن سوى جلدي فإني لم أدع | تعليله حتى قضى فلك البقا |
ما بات قلبي للصبابة ممسكا | حتى غدا جفني لدمعي منفقا |
سكن الضنا جسمي سكون مقيد | وفشا الغرام إلى فؤادي مطلقا |
فغداك قلب قد ملكت قياده | لم يرج من رق الصبابة معتقا |
لو كان قلبك مثل عطفك لينا | لرنا ورق لفيض دمع مارقا |
ماذا تعد لمن تعاديه إذا | ما طرفك اغتال المحب المشفقا |
يا حسنه من رشأ منصف | مبجل الصد كريم اللقا |
إن نفث السحر بأجفانه | عوذني من صدغه بالرقى |
يا سعد تلك رسوم سعدى | فاحبس فما للعيس مغدى |
قف لي ارجع أنة | بعراصها وأبث وجدا |
دمن بها ماء الجفو | ن يزيد نار القلب وقدا |
سقيا لها حيث الظبا | ء يصدن باللحظات أسدا |
ويكاد عين سحابها | يستضحك الزهر المندى |
أيام أجنى لهوها | غضا واقني العيش رغدا |
والطل ينظم دره | في جيد غصن البان عقدا |
يا معهدا ضيعت فيـ | ـه حشاشتي وحفظت عهدا |
ما بال إثلك ضوعت | نفحاته بانا ورندا |
وأراك قفرا من مها | ك فكيف حال ثراك ندا |
قل لي أجرت فوقه | سعدى غداة البين بردا |
أم حملت ريح الصبا | نشرا ألم به فأعدى |
ولزور طيف هاج لي | مسراه وجدا مستجدا |
واغن يمزج عجبه | ودلاله بالوصل صدا |
وسنان ما طرف السنا | ن كطرفه طرفا وحدا |
وآها لقلب مثلث | خفقاته للقلب نجدا |
إني لأعجب والمدى | متقاذف أنى تهدى |
كالحقف ردفا والقضيـ | ـب تأودا والورد خدا |
ساجي اللواحظ كم رنا | متعطفا لو كان أجدى |
يا من يحل عزائمي | إن شد فوق الخصر بندا |
ته كيف شئت فما أرى | لي عنك مهما عشت بدا |
وذي هيف للبان منه وللنقا | مشابه جلت أن تضم وتحصرا |
تأود غصنا فاجنتيت صبابة | وصدت غراما اذ تلفت جؤذرا |
وأرخى على ديباجة الخد صدغه | فسبحان كاسيه الجمال مشهرا |
وليلة صحت لي مواعيد وصله | وقد كان منه جانب الزور أزورا |
خلوت به أشكو جوى خامر الحشى | ومورد حب لم أجد عنه مصدرا |
أقطب حين أرمقه | كأني لست أعشقه |
لمن سهم تفوقه | إلى قلبي فيرشقه |
وما حبب على خمر | رضابي تعتقه |
ومن هذا الذي أبدى | بديع السحر منطقه |
وماذا طارحت عينا | ه قلبا بات يعشقه |
من اطلع البدر في ديجور طرته | وأودع السحر في تكسير مقلته |
ومن أدار يواقيت الشفاه على | كأس من الدر يحمي خمر ريقته |
ومن لتبريد قلب بات يلهبه | ترديد ماء الصبا في نار وجنته |
ما لي وما لرشادي فيه أنشده | والغي يقتاد قلبي في أزمته |
يا مرسل الصدغ ما هذا الدلال وقد | بلفت عن طرفه آيات فترته |
أرشد سواي فقد مثلته صنما | ما ساءني إنني من جاهليته |
من لي بأغيد ساجي الطرف أجيدلا | يرضيه شيء سوى ذلي لعزته |
يحنو النعيم عليه من لطافته | والدهر ألين منه عند قسوته |
لم أنسه والدجى مرخى الإزار وقد | زار اختلاسا فأحياني بزورته |
ثنت شمائله كأس الشمول فما | قابلت منها إلا بقبلته |
ودمت أكرع في عذب الرضاب فقل | في شاعر دأبه إفساد توبته |
فليت شعري وقد قبلت مبسمه | أمن تثنيه سكري أم ثنيته |
رتعت في ورد خديه ونرجس عيـ | ـنه وآس عذاريه وخضرته |
لم أؤت شيئا من الدنيا ألذ به | إلا وزاد عليه حسن صورته |
ما حرم العذل إلا في الغرام به | ولا التهتك إلا عند جفوته |
ولا أرانا يدا بيضاء من كرم | ترجى وتخشى سوى موسى وآيته |
أيا لله يوم صع فيه | سروري وهو معتل النسيم |
وصبح الكاس يطلع شمس راح | تنير على ندامى كالنجوم |
نقبلها ويسترنا أبوها | فكم للكرم من فعل كريم |
ما أوقع القلب بين الطرف والجيد | وعوض الجفن عن نوم بتسهيد |
أشكو ظلامة خصر منه مختصر | ينحل صبري ببند منه معقود |
اغن أهيف أغنت عن مدامته | لواحظ أنا منها في عرابيد |
بي علة لم أبت أشفي توقدها | لو جاد لي ريقه منها بتبريد |
فيا زمان الصبا هل أنت مرتجع | حتى أقول لأيام الحمى عودي |
غاداك داني المدى يروي الصدى كندى | يد الأمير عماد الدين داود |
أغر ينجاب جلباب الكلام به | مورث المجد عن آبائه الصيد |
تنضى إليه ركاب الحمد ظامية | ترتاد ري الصدى في منبع الجود |
هنيئا فإن السعد راح مخلدا | وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا |
حبانا إله الخلق بدا لنا | مبينا وأنعاما وعزا مؤيدا |
تهلل وجه الدهر بعد قطوبه | وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا |
ولما طغى البحر الخضم بأهله الـ | ـطغاة وأضحى بالمراكب مزبدا |
أقام لهذا الدين من سل سيفه | صقيلا كما سل الحسام مجردا |
فلم ينج إلا كل شلو مجدل | ثوى منهم أو من تراه مقيدا |
ونادى لسان الكون في الأرض رافعا | عقيرته في الخافقين ومنشدا |
أعباد عيسى إن عيسى وحزبه | وموسى جميعا يخدمون محمدا |
سل الخطب إن أصغى إلى من يخاطبه | بمن علقت أنيابه ومخالبه |
نشدتك عاتبه على ما أتى به | وإن كان نابي السمع عمن يعاتبه |
لي الله كم أرمي بطرفي ضلالة | إلى أفق مجد قد تهاوت كواكبه |
فما لي أرى الشهباء قد حال صبحها | على دجى لا تستنير غياهبه |
أحقا حمى الغازي الغياث ابن يوسف | أبيح وعادت خائبات مواكبه |
نعم كورت شمس المدائح وانطوت | سماء العلى والنجح ضاقت مذاهبه |
فمن مخبري عن ذلك الطود هل وهت | قواعده أم لان للخطب جانبه |
أجل ضعضعت بعد الثبات وزعزعت | بريح المنايا العاصفات مناكبه |
وغيض ذاك البحر من بعد ما طما | وطمت لغيبان البلاد غواربه |
فشلت يمين الخطب أي مهند | برغم العلى ثلث وفلت مضاربه |
لئن حبس الغيث الغياثي قطره | فقد سبحت في كل قطر سحائبه |
فكم من حمى صعب أباحت سيوفه | ومن مستباح قد حمته كتائبه |
أرى اليوم دست الملك أصبح خاليا | أما فيكم من مخبر أين صاحبه |
فمن سائلي عن سائل الدمع لم جرى | لعل فؤادي بالوجيب يجاوبه |
فأنى يلذ العيش بعد ابن يوسف | أخو أمل أكدت عليه مطالبه |
فيا ملبسي ثوبا من الحزن مسبلا | أيحسن بي إن التسلي سالبه |
وقد كنت تدنيني وترفع مجلسي | لمفروض مدح ما تعداك واجبه |
فإن يك نور من شهابك قد خبا | فيا طالما جلى دجى الليل ثاقبه |
فقد لاح بالملك العزيز محمد | صباح هدى كنا زمانا نراقبه |
وبالصالح استعلى صلاح رعية | لها منه رعي ليس بقلع دائبه |
سقت قبرك الغر الغوادي وجاده | من الغيث الملث وساربه |
أكذا يهد الدهر أطواد الهدى | ويرد با لنكبات شاردة الردى |
أكذا تغيب النيرات وينطفي | ما كان من أنوارها متوقدا |
يا للرجال لنكبة نبوية | طوت البعلى قلبا عليها مكمدا |
ولخطة شنعاء لاحظها الهدى | دامي الجفون يغض جفنا أرمدا |
لو كنت بالشهباء يوم تواترت | أبناؤها لرأيت يوما أسودا |
يوما تزاحمت الملائكة العلى | فيه فعزت عن علي أحمدا |
قصدت أمير المؤمنين رزية | عادات وقع سهامها أن تقصدا |
شنت على حرم الخليفة غارة | شعواء غادرت الفخار مطردا |
فسقى أبا حسن ثراك صنائع | لك ليس تبرح غاديات عودا |
ما للخلافة أصبحت مفجوعة | بأعزها حسبا وأزكى محتدا |
صلت ملائكة السماء عليه من | آفاقها فرقا وظلت سجدا |
جليت له حور الجنان وحليت | قبل التلاقي لؤلؤا وزبرجدا |
صبرا أمير المؤمنين ولم تزل | في كل حادثة بصبرك يقتدى |
وأسلم فلا سعت الليالي لعدها | أبدا إليك بما تسر به العدى |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 437