الشيخ علي بن ظاهر المطيري النسب الحلي المولد والمنشأ
توفي في حدود سنة 1290 وهو منصرف من الحويزة إلى العراق.
كان أول أمره شابا يبيع اللفت في الحلة ويختلف أحيانا إلى جامع يجتمع الأدباء فيه فيسمع منهم وكانت له بداهة وطبع أرهف حدهما بالسماع وتعاطى النظم فدرت قريحته وأعجب الناس به ونفق على مدحت باشا والي بغداد فقدمه واختصه وانتفع به وكان يخرج إلى الحويزة، وكان رقيق الحال قاعد الجد سافر إلى طهران والى الأهواز وأقام مدة في كربلاء وفي النجف ومن شعره قوله:
سقى الفيحاء هطال سجوم | وخفق في خمائلها النسيم |
وباكرها ورف على رباها | نطاف الطل لا الدر النظيم |
ربوع لا عراها الجدب يوما | ولا عنها انثنى الغيث العميم |
تخللها الفرات فظل يفري | أديم الروض فاخضل الأديم |
وقد نعمت برياها النعامى | وأعطاها غضارته النعيم |
تظل على مناهلها العذارى | تحوم وحولها الأشواق حوم |
سوانح للورود وقد حمتها | عيون بالقلوب لها كلوم |
فواتر لا تطيش لها سهام | ويوشك إن تطيش بها الحلوم |
تناسينا معاهدها زمانا | وطفل الشوق رعراع فطيم |
فعاد القهقرى يمشي هواها | وجدد ذلك العهد القديم |
فاوقفن المطي بها سحيرا | وهن من السرى إنضاء هيم |
ورجلن الحدوج على رباها | مهابة إن موقفنا كريم |
فعانقن الغصون ولا نفوس | وأرسلن العيون ولا حسوم |
وبتنا والقلوب لها وجيب | وقد لاقي الحميم بها الحميم |
نسر كآبة ونبث أخرى | كما يشكو إلى الراقي السليم |
تشاكينا الهوى والكل مضنى | فكان لمثله يشكو السقيم |
وعالجنا بشرب الراح ساق | هضيم الكشح ساجي الطرف هيم |
أدار الكاس مترعة دهاقا | لها من طيب نفحته شميم |
سقاني أربعا وأدار أخرى | وبي من نشوة الأولى نميم |
فصكت جبهتي قدمي وخانت | يدي عزمي وقد ذل الشكيم |
فقلت ترفقي بي يا حميا | ومهلا في فؤادي يا حميم |
ورب خود من الإفرنج حاسرة | عن وجهها وعليها ثوب أنوار |
قضيت فيها الهوى شوقا فاوقفني | على شفا جرف هار من النار |
جاءتك في زورق بالماء تحسبه | عين المحب طفت في دمعها الجاري |
أو تلك شمس هلال الأفق يحملها | فيما يلي الأفق لا في دجلة ساري |
حتى إلى الجسر جاءت فانحنت حذرا | من إن يمر على أعطافها الذاري |
فيجرح الذر أعطافا منعمة | تكاد تجرح لو مرت بأفكار |
إن التي بالأمس كنت أرى لها | وجها كضوء البدر في إشراقه |
قد عاد زورقها ولم أرها به | فدعوت مجري الفلك في إغراقه |
بحر اقتداري طمى في النظم فانبجست | عين النشائد منه كالحيا الهطل |
قل لابن نوح إذا ما رام منقصتي | في النثر والنظم فليأو إلى جبل |
ولولا جفون تنفث السحر ما صبا | أخو ورع يوما إلى الأعين الحو |
ورعت زمانا وارتميت بنظرة | فلا ورعي فيها أفاد ولا عفوي |
ولائم أسبه لأنه | لما عشقت لامني وألهجا |
وآخر قال عليك حرج | فهل درى على محب حرجا |
ورابع يروعني بحادث | سأقحم البيد واصدع الدجى |
واركب الحزم إذا الطرف ونى | واسبق السهم إذا الهم زجى |
ولا قلت فيه قاصر بل عهدته | بليغا بعد طبع لديه سليم |
ولكن كما قد قال بعض ذوي النهى | لعل له عذرا وأنت تلوم |
أخدود أم روضة غناء | وقوام أم صعدة سمراء |
أو باللحظ سحر بابل أم خمر | أديرت لكنها سوداء |
أفسدت عقل ذي النباهة | إلا إنها صبو أعين لا احتساء |
أنا يوما ألفي عزيزا ويوما | بين أهل الإيمان ألفي ذليلا |
ولا حرى بان أذل لأني | أبتغي غير أهل حق خليلا |
فسأرضى بالذل إن كفر الذل | ذنوبي ولم أكن مسؤولا |
كعقيل لما تجافى عليا | ثم مذ جاءه أهان عقيلا |
يجلو لك الراح معسول اللمى شنب | فبت به مستخفا حلمك الطرب |
ما بين قوم بدت في الليل أوجههم | مثل الشموس لهم من كأسهم شهب |
بيض الثياب وهم سود القلوب غدوا | حمر الوجوه من الراح التي شربوا |
مالت بأعينهم بالكأس نشوتها | حتى تلاقى نطاف الدمع والحبب |
مستحوذين على اللذات ما برحت | تدعوهم لهواها الخرد العرب |
وهم يجيبون داعي الحب لا عذل | يلهيهم عندهم أمر الهوى يجب |
تباشروا بائتلاف من قلوبهم | بحيث لم يبق قلب وهو مضطرب |
مجلس كل أهله أهل ود | ما بهم لائم على الأشواق |
زينتهم أخلاقهم ولنعم الزينة | اليوم زينة الأخلاق |
جعلوا فيه كلما نشتهي الأنفس | مما يروق في الآماق |
فلكم عاكف على العود يشدو | باسمه والهوى وآخر ساقي |
عدلا بالهوى وما عدلا حين | رمينا بأسهم الأحداق |
والندامى على اختلاف الأماني | كل شخص لاه بما هو لاقي |
فجرى ما جرى من الوصل حتى | قيل لا هجر بعد يوم التلاقي |
فلبسنا من العفاف ثيابا | ومن الاعتناق كالأطواق |
عاد بعد الصدود والهجران | فأعاد الكرى على اجفاني |
شادن لين المعاطف ألمى | حاز نومي بطرفه الوسنان |
كلما هز منه كالغصن قدا | هم قلبي عليه بالطيران |
مرسلا صدغه ينبئ عنه | أنه في الجمال رب المعاني |
بفؤادي جهنم من هواه | وبخديه للورى جنتان |
حيه حين بشرت بلقاه | روح في قدس هيكل الإنسان |
قد وهبت البشر روحي وأضحى | لي هو الروح والهوى جثماني |
منحتك رفقا إذ شكوت صدودا | فأتتك تسحب للوصال برودا |
وسقتك من لعس المراشف ريقها | فشفت هنالك قلبك المكمودا |
وبدت كقرن الشمس يرفل في الدجى | وعلى الدجى نثرت عقاصا سودا |
ولها كجيد الظبي جيد إن بدا | في الليل أبدى للصباح عمودا |
وحلفت بالسلسال وهو رضابها | لا ابتغي بعد الرضاب ورودا |
أمبشري بالرود بعد صدودها | عطفت فدع عنك الفتاة الرودا |
إني لذي شغل بذي الفضل الرضا | حيا فأحيا للرياض همودا |
بحر تدفق من جميع جهاته | علما وغيثا ظل يمطر جودا |
فالناس بين مقلد حكما له | ومقلد من راحتيه عقودا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 249