الشيخ محمد رضا الأزري (نشأته وحياته)
ولد سنة 1162 وتوفي 1240 في بغداد. درس العلوم العربية على أخيه الكبير الشيخ يوسف الأزري وعلى غيره من فضلاء عصره. وولع بحفظ القصائد الطوال من شعر العرب فقد رووا عنه إنه كان يحفظ المعلقات السبع وقسما عظيما من أشعار الجاهلية علاوة على الخطب والأحاديث المروية عن العرب. وكان نشيطا مفتول الساعدين قوي البنية معدودا من أبطال الفتوة بين أقرانه. وهو أصغر أخوته ولم يعقب.
(أدبه وشعره)
أهم شعره رثاء أهل البيت عليه السلام وهو المعول عليه وبه امتاز واشتهر أما الباقي من شعره ففي أغراض شتى. وقد حدثت في زمانه واقعة الوهابيين المعروفة في التاريخ حينما احتلوا كربلاء ونهبوها وقتلوا من أهلها ما يزيد على خمسة آلاف نسمة وذلك قي سنة 1216 فنظم على أثرها ثلاث قصائد تشتمل على مائتين وستين بيتا ذكر بها الواقعة المذكورة وختم كل منها بتاريخ.
وأما شعره فقد نهج به منهج المخضرمين. وإذا لاحظنا تاريخ قصائده رأينا أكثرها نظمت بعد وفاة أخيه الشيخ كاظم الأزري ومنها يظهر إنه لم يتصد إلى إظهار أدبه في زمن حياة أخيه. وقد تفرد بنظم قصائد جعل كل شطر منها تاريخا وهذا ليس بالعمل السهل وإن لم يكن مفيدا ولكنه يدل على قدرة فائقة وباع طويل.
أما ديوانه الموجود فلا يشتمل على أكثر من ألف وخمسمائة بيت.
قال في قصيدة:
لتعل بنا جرثومة الفخر وائل | وتمنع بنا عند الحفاظ القبائل |
فنحن الآلي لمن ينكر الدهر فضلهم | أو آخرهم معروفة والأوائل |
وحرب أثرناها بنجد فأصبحت | تزمجر منها في العراق زلازل |
مآثر من أبناء صدق ورثتها | وهل خلف الأنواء إلا الخمائل |
ومن لم يصب في دينه ونجاره | فلا يبتئس فيما تغول الغوائل |
بهذا تواصى قبلنا قدماؤنا | وتمشي على الآثار فينا الشمائل |
إلى مثل هذا فليسع من كان ساعيا | فخار له منه عليه دلائل |
لك الخير إن لم تعلمي بي فسائلي | إذا ما سراة العرب عدت أصولها |
ولو شئت من قومي لكنت معددا | مفاخر يسمو في معد أثيلها |
بحيث أساطيل القبائل شهدا | تقاذف في رمي الفخار نصولها |
لنا الغاية المعيي الغطاريف مثلها | إذا ما استجيدت بالرهان خيولها |
ضربنا جموع الدهر في أم رأسه | أباء فألوى بالشكيم تليلها |
وهاتيك أحقاب مضت بقرونها | كأضغاث أحلام يمر مخيلها |
هي الدار من سعدى سقى جارها القطر | وراق على عليائها المن والبشر |
قباب تناءت بالعلا كأنما | لها أرباب فوق السها أولها وتر |
متى آب منها متهم عاج منجد | مساكن فيها تحمد الزهر الزهر |
تحج إليها العيس في كل بلدة | مقام جلال بات جاهله الحجر |
تكاد بأقيال الحمية والعلا | تطاول مجد الفرقدين بها الصخر |
ففيها المنى والسعد عبد وخادم | وكم للنهي والسعد من ربها بشر |
تجل بأقيال لها السيف آية | ملوك بهم باهى الملوك ولا فخر |
معارج صدق بل بروج أنابة | تكاد لها تهوي الكواكب والبدر |
فكيف وقد طالت عمادا وهيبة | بذي حكم جلى بها النهي والأمر |
هو السيد المهدي كساب فضلها | نبيل له أمر السيادة والصدر |
نبيه بتاج العلم أمسى متوجا | وأكرم بملك تاجه العلم لا الدر |
عزيز ذرى لا يحل الهون بابه | على الدهر أو ينحاش للحمل النسر |
من الحي أما جدهم فهو أفخر | وأما هداهمفهو ما دله الذكر |
مصاليت طلابون كل بديعة | لها عنت الأفلاك والبر والبحر |
فزان مقام المجد في العلا والتقى | لقد زان أبراج السما الشمس والبدر |
بعيد مناط الهم افخر بحزمه | أبي له تحني الشواهق والزهر |
هو السيد ابن السيد الناطق الذي | تفوق على قس الأيادي به فهر |
علي رفيع البيت عز جواره | علاء على الشعري يجل له قدر |
وحسبي عذولي من عذول مكادح | لمدح نجيب وانه المجد والفخر |
فلا يطمع الأشعار أن نلن وصفه | حليم به القرآن جاء فما الشعر |
وقال لي اليوم الحميد مؤرخا | بمهدي أهل البيت عادونا البشر |
بدائع مدح كل بيت قصيدة | وحل استماعا للورى وبه السحر |
كسته من الممدوح أكمل بهجة | محاسن أشباه بها يحسن الشعر |
وفي كل مصراع شهدن حروفه | بأن لمن أزجى إلينا بها الفخر |
أمن مربع بالجزع أقوت معالمه | تكفكف دمعا قد سكبن لوازمه |
أم القوم قد صاح النفير بشملهم | فزالت من الشأن المجيد دعائمه |
ولما استقل الركب من سفح حائل | طما مدمعي مثل العقيق سواجمه |
سقى السفح مدرار الهوامر مسبل | تبس أعالي الشم صدغا زمازمه |
ليال تناهى في السعود شموسه | فصار أنيق الإنس تزهو كمائمه |
بحيث مهب الريح من أيمن الصفا | تنافح عن ند الشمال لطائمه |
نزلنا ثراه والصبا يانع الصبا | فأنعم صباحا إذ يحييك باسمه |
إذ السعد يسعى بالمجاسد طائلا | وتعرك حبك الأفق عجبا مناسمه |
فسقيا لربع حاول النجم عزة | ورعيا لعيش مزهر فيه ناعمه |
نعم هو سلع ما الأثيل ورنده | وما مرتع قيد العيون نواعمه |
وفي شعب بوان سقى الشعب أسحم | من السحب مبراق تصلن سواجمه |
مجاني هوى قد شف عن رونق الصبا | وأسفر عن صبح البشائر ناجمه |
ولعت بها والعيش بالسعد آنس | وسرب المنى في البشر ينساب حائمه |
إذا المجد جلا ساطعا عن علائه | وأنجمه في الأفق تسري عوائمه |
يبشرن في المهدي صاحب عصرها | ومن حل والشعري في الأفق قائمه |
نبيل على العيوق تسمو ربوعه | ويعلو الثريا في السماء عزائمه |
بحيث المعالي يعرك النجم عزها | علاء تسامي الشهب مجدا عواصمه |
فثم سماء زان بالنور سعدها | وبرق منى قد فاز في النجم شائعه |
ومنزل وقد بالتكرم قد علا | ومعرج قدس ساطعات معالمه |
هو العالم الأعلى الذي عز ناديا | فجلت بفود الفرقدين دعائمه |
فعج بي على تلك المراقي وأوجها | فللعز عرش قد سمون قوائمه |
بحيث سماء العرف ينهل وكفه | وينعش من محل الربوع رمائمه |
وكيف وفجر البشر يسطع بالمنى | فينجاب عن أفق القواطع قاتمه |
وكم ركع الأحشاء منه بمنجع | يقصر عنه في المنائح حاتمه |
منيع حمى يعلو الثريا علاؤه | وسور تقى جاس السماك عواصمه |
بحيث المنى باليمن يسطع يسرها | وبرق المنى والقصد ينهل شائعه |
وعزا مكانا بالنهي عنه قصرت | خوافي مكين في العلا وقوادمه |
ومنتصر لله قد طالع العلا | فزانت بأقمار السعود علائمه |
أخو المن والعز المعلى مقامه | بمجد على النسرين خفت قوائمه |
وسمح حكى صدر اليماني مشرفا | متى سلى عن النصر أو هز قائمه |
على عاتق العلياء يزهو بعرفه | ويشرق على صبح المقاصد باسمه |
وفي السنة الشهباء ينهل عن جدي | تجود على القصاد عرفا سواجمه |
لتهن العلا والشأن منه بمنجد | نتوقد على سرد المعالي عزائمه |
وذي نسب يعلو السماك علاؤه | فاسعد بسعد قارع الشهب عاصمه |
حميد تسامى في المحافل شأنه | وزينت على أفق السماح مكارمه |
من القوم قد طالوا على قمة العلا | فنالوا ثناء سار والنجم ناجمه |
مصاليت طال الفرقدين سناؤهم | بمهديهم شأن تسامى عواصمه |
فلا زال في شأن السعادة طائلا | ودام وأسنى نعمة العيش دائمه |
فلا تجهدن نفسا بعلمك شأنه | لقد خاب عن مس السماك مزاحمه |
أتطلب ملكا بالعوالي مشيدا | ولم تدر عنه اليوم تظعن أم غدا |
كأنك لم تعلم بأنك ميت | كفى بك جهلا إن تضل على هدى |
ألم تأتك الأنباء أنباء تبع | ومن قد بنى ذاك العماد و شيدا |
رمتهم يد الأقدار منها بحادث | فأضحوا أحاديثا لمن راح واغتدى |
ودارت على آل المهلهل دورها | فما تركت للقوم دارا ولا صدى |
أما آن أن تلوي عنانك عن مدى | كبت دونه الآمال مثنى وموحدا |
أفي كل يوم أنت طاوي مفازة | من الأرض يسعى الدهر فيها مقيدا |
فخذ بتلافي العمر قبل تلافه | إذا نفذ المقدور لم ينفع الفدا |
هو الدهر لا ينفك يجلب خيله | على كل مغشي الرواقين أصيدا |
أجل خر بدر من لؤي بن غالب | فكادت له شم الذرى أن تأودا |
فتى طاول العيوق فخرا بجده | وما كل جد في الرجال محمدا |
هو ابن رسول الله وابن وصيه | فخار على كيوان أضحى موتدا |
من القوم قد حلوا بعرعرة العلا | فطالوا على السادات فخرا ومحتدا |
أساطين يقرون الحلوم هداية | إلى كل فضل لا السديف المسرهدا |
لهم من قريش ما لأحمد من علا | وناهيك فخرا إن علمت وسؤددا |
وأبيض من علياء هاشم غاله | مصاب أحال الصبح في العيون أسودا |
وهيج منه صافيات تصاعدت | فأوثقها بالحزم منه وقيدا |
ويا ربما أبدى العزاء أخو حجى | وفي النفس منه ما أقام وأقعدا |
ألا في سبيل الله سار تقحمت | به عاديات السبق صبحا إلى مدى |
فمن مبلغ أهل التقى أن حصنها | تزلزل بعد المرتضى علم الهدى |
ولما نحا دار المقامة أرخوا | أبو العالم المهدي للجنة اهتدى |
أريحا فقد لاحت طلائع كربلاء | لنقبر أشلاء ونسعد مرملا |
لنبكي دورا راعها قارع الردى | فأوجف منها ما تستقر وما علا |
لعمري لقد عبت عليك مصائب | وجلى عليها الرعب للتحف قسطلا |
مبان محى آياتها الويل فانمحت | وكلل ثاويها الردى فتكللا |
وهب بجو الدين يخفق برقه | مصاب بجون الحزن أضحى مجللا |
يقل بثجاج يزمجر برقه | بوحف فيثني الدو بالدم أشكلا |
فثم ابن سعد سن أفعال حقده | ونجل سعود قو توطاه لا تلى |
ونادى به ناعي الصلاح مؤرخا | لقد عاودتنا اليوم أرزاء كربلا |
أجل بكر الناعي بمجهشة الوجد | فرحت بشأن لا أعيد ولا أبدي |
وسرعان ما نادى النفير بسفرها | فأصبح نادي جودها مرتعى الربد |
ويا سعد قف في النجب إن كنت مسعدي | لتسأل عن تلك المنائح والرفد |
ألم يأن أن يصغي إلى الحق عاقل | ويسلك نهج الاستقامة عادل |
ويصحو ذوو سكر ويبصر ذو عمى | ويبرأ ذو سقم ويحلم جاهل |
فهاتيك سبل المسلمين تفرقت | وشطت برأي المبدعين المخائل |
وجاؤا بها نكراء وعرا سبيلها | موام بها سيد الغواية عاسل |
فقل للآلى حادوا عن الدين ضلة | وبدر الهدكما في هالة الدين كامل |
تعالوا إلى قول سواء فبيننا | وبينكم ما فيه خلف وباطل |
نراجع بما فيه اختلفنا من الهدى | مذاهبنا اللاتي بها الحق شامل |
فإن تجنحوا للسلم نجنح لها | وإن أبيتم فحد السيف بالحق فاصل |
ترى هل عسيتم أن توليتم بأن | تسنوا سبيلا تقتفيه الأراذل |
ولم أدر ذا وحي عن الله جاءكم | حديثا ولم تدرك مداه الأوائل |
أم الأمر ممن قد حكمتم بشكهم | أتاكم وكل في الشريعة باطل |
ويا ليت شعري حيث قام زعيمكم | إذا لم يك الإسلام والدين زائل |
فإن قال إبراهيم قد كان أمة | فذاك له الوحي السماوي نازل |
وأن يدعي بالبعض والبعض فليقل | لنا من أولاك البعض إن هو قائل |
وإلا فكل مثل دعواه يدعي | إذا لم يصح نقل ما هو ناقل |
وإن يزعموا أن الكتاب دليله | فكل فريق بالكتاب يجادل |
على أنه ما نال في العلم شأوهم | ولا كان من أقرانهم لو تنازلوا |
ولا نال ما نالوه من قرب عهدهم | وشتان ما منه غريب وآهل |
ومن يراهل الاعتزال وعلمهم | فنسبتهم منه إياس وباقل |
على أنه لا نمتري بضلاله | فماذا عسى بالذكر يغني المجادل |
وإن تسألوا عن بعض ما اقترف الورى | من الإثم فالرحمن للتوب قابل |
هبوا أنهم جاءوا بكل كبيرة | فما ذاك كفر بل فسوق وباطل |
بل الكفر تحرير الدماء التي أتى | بتحريمها الإجماع والذكر نازل |
ولا خلف في ذلكم لو علمتم | وإن كنتم لا تعلمون فسائلوا |
وتلكم زيارات القبور تواترت | نصوص بها مشهورة ودلائل |
وجاءت إلينا عن يد بيد إلى | صحابة طه منهج متواصل |
وقد دفن الهادي النبي بحجرة | محجبة تزجى إليها الرواحل |
ومن بعد حلا صاحباه إزاءه | وبضعته والدين إذ ذاك كامل |
وحلف بغير الله لم يجز عندنا | بحد ولا فيه ندكما الشرع قاتل |
وإن جاء أحيانا ففيه كراهة | به نص أهل الاجتهاد الأفاضل |
ونحن أمرنا باتباع سبيلهم | ومن حاد عن تلك السبيل فجاهل |
ومن حرم التتن الذي لم يرد لنا | بتحريمه نص من الشرع فاصل |
وما لم يحرمه الإله فعندنا | مباح وفيما ذلك لا مجادل |
وأن يستدل الشيخ في كل مسكر | حرام فقول الشيخ بالسكر باطل |
فتعسا لشيخ خاض في الجهل لجة | غطامط لا يلغى لها الدهر ساحل |
وصير أمر الدين أحبولة الدنا | وما تلك للشيطان إلا حبائل |
وإن غركم إن أجل الله نصرنا | فما ذاك إلا للفتوح دلائل |
وهيهات يوم الغار من فتح مكة | ألا أن نصر المسلمين لآجل |
وأن قتل العبد المزنم سيدا | فليس ببدع ذاك حيث الأفاضل |
لقد قتل الرجس ابن ملجم حيدرا | وأردى حسينا أخبث الناس جاهل |
ومن فوقت أيدي القضا سهم حتفه | فكل الذي يلقاه في الدهر قاتل |
وغير عجيب إن نبا بك صارم | وليس ببدع إن كبا بك صاهل |
فما لأولاء القوم لم يسمعوا ندا | إذا ما دعوا للحق والحق فاصل |
وإن أبصروا رشدا تناهوا بغيهم | وعند التناهي يقصر المتطاول |
ولم يدر في الأبصار عن غيهم عمى | فلم يبصروا أم أبصروا وتغافلوا |
أفي أيما شرع إن تباع هجينة | بها لولي الأمر في الحق طائل |
وسيان أن تسرق مها وحمالة | إذا ما قام الحد فاض وعامل |
وهل جائز ذبح الرضيع بشرعة | فهاتيكم الأديان طرا فسائلوا |
وكان رسول الله في كل حربه | لإسلام أهل الشرك في الحرب قابل |
فإن قلتم في ردة بعد فطرة | ففي الشوك من آبائنا لا نجادل |
وفي الأمس أنتم حاكمون بشركهم | بناء لعمر الله بالنقض هائل |
وإن قستم لما رأوا بأسنا بها | فذاك قياس فارق ومزايل |
ولو جاز هذا بالتين حلفنا | كما حلف الباري قياس مماثل |
وقد أورد الله الردى أولياءه | فهل أحد ما يفعل الله فاعل |
فيا قوم هبهوا عن مضاجع جهلكم | ولبوا لداعي الله فالأمر فاعل |
ولا تعبثوا في الدين فالله غالب | على أمره سبحانه لا يناضل |
وكلمته العليا تعلى بشأنه | مدمر عاد إذ عتوا وتطاولوا |
ومن قبلكم فيها مسيلمة عتا | فدارت عليه الدائرات القواتل |
ومن قبل أهل الرس باؤوا بغيهم | وغالت بهاتيك القرون الغوائل |
فتلكم ديار القوم ينعى بها الصدى | خلاء بها تعوي الذئاب العواسل |
كأنهم لم يلبثوا غير ساعة | بلاغ فهل يبغي بها اليوم عاقل |
وسرعان مزجيها إليكم سحائبا | صواعقها بيض الظبا والعوامل |
عليها من الفتيان كل موحد | أشم طويل الساعدين وناحل |
يذب بها عن بيضة الدين قائلا | ألا في سبيل الله ما أنا فاعل |
من القوم لم يرضوا سوى الصعب مركبا | وليس لهم إلا السيوف وسائل |
غطاريف طلاعون كل ثنية | تناذر في الأقطار منها القبائل |
وآساد غيل غيلها حومة الوغى | ولا مخلب إلا القنا والمناصل |
إذا ما الملوك الصيد قالوا بمفخر | فما منهم إلا سنام وكاهل |
ولو خفقت تحت العجاج بنودهم | لكانت لها الشم الرعان تهايل |
صواد إلى شرب الدماء كأنهم | من البزل هيم عارضتها المناهل |
يقرون أن الأمر لله وحده | وكل له داع وإياه سائل |
ولم ينكروا للأنبياء مزية | ولا لرجال الله والله فاعل |
أولئك هم حزب الإله وجنده | إذا ما دهى الإسلام أفظع نازل |
ومن قبل دعوى الصيد كادت تغيظها | فلم نكترث هو لا بهم إذا تطاولوا |
بلى منذ وافتنا رسائل من لدن | صعاليك نجد أضحكتنا الرسائل |
وأغلب من جادلت من ليس يرعوي | وأقتل من حاولت من لا يماثل |
وأعلمنا في الدين من هو عالم | وأجهلنا بالدين من هو جاهل |
يمينا برب البدن تنحر في منى | صباح منى والحج هاد وغافل |
وأول بيت قام في الناس للذي | ببكة فيه للعصاة معاقل |
ومختلف الأملاك في ملكوتها | لهم عارج بالأمر منه ونازل |
بذاك اعتقادي قد أمطت حجابه | ولا منه بدلا ولا عنه حائل |
ورثناه عن آباء صدق أفاضل | حبتهم به آباء صدق أفاضل |
بهذا تواصوا قبلنا قدماؤنا | ونحن على آثارهم نتناسل |
إلى مثل ذا فليسع من كان ساعيا | منازله منه عليه دلائل |
فإن كان قدحي لم يطش وهو لم يطش | ستكثر في تلك العراص الثواكل |
ويصبح في أيدي القبائل فيئهم | تقاسمه أيمانهم والشمائل |
وهل أمنوا أقل القرى أن تزورهم | بغاشية قد ظللتها القساطل |
وهل أمنوا أهل القرى أن تحلهم | بياتا وكل راقد الطرف غافل |
وهل امنوا أهل ألقرى أن تشلهم | صباحا وكل في الضلال يجادل |
مجلجلة مبراقة الجو حشوها | شفار المواضي والعتاق الصواهل |
إذا طالعت نجدا أقلت بشمه | جحافل حنت أردفتها جحافل |
تدور بمردات طحون عليهم | لها لهوات للجيوش أواكل |
وتعرك روقي كل أرعن شاهق | تكاد تحك السحب منه الهياطل |
إلى الحرب عن أنيابها العضل كشرت | وحطت على الأفاق منها الكلاكل |
أقلت بها سوداء ضر يحوقها | لفيف من الجند السماوي نازل |
تعوم بثجاج من الدم واطف | إذا غب منهم هاطل عب هاطل |
إذا برفت تحت القتام حسبتها | بروقا تدلى أو نجوما هوائل |
تنوء بأعباء الردى أحمدية | بها صاعد تحت السماء ونازل |
لها شرر لو طار عن قبساتها | لكادت لها تحكي الجمال البوازل |
ويا قوم سمعا ما أقول فإنها | لتذكرة فيها هدى ودلائل |
حذارا فقد أنذرتكم بزواجر | تناشد غطفانا وتسمع وائل |
فإن تنتهوا يغفر لكم ما مضى وإن | تعودوا فما غير البنود رسائل |
وساء صباح المنذرين إذا هوت | صواعقها في أرضهم والزلازل |
أو ما تلك حديث وقعة كربلاء | أنى وقد بلغ السماء قتامها |
تعلمت أسباب الرضا خوف سخطها | وعلمها حبي لها كيف تغضب |
أرى القرب منه وهي تنأى بجانب | وما كنت لولا الحب تنآى وأقرب |
ويا عز قد عز التواصل بيننا | وطارت بذاك العيش عنقاء مغرب |
وإني على ما بي من الحزم والنهى | أغالب فيك ألشوق والشوق أغلب |
فمن لي لو يجدي التمني بزورة | فيأمن مرتاع ويرتاح متعب |
وإلا فبثي من نسيمك نفحة | إلا كل ما يبدو من الطيب طيب |
سلام على تلك المغاني التي بها | نعمنا وحياها من السحب صيب |
إذ الكرخ داري الأحبة جيرتي | وقومي ترضى إن رضيت وتغضب |
ليالي أعطتني مقاليدها المنى | وساقية الأفراح تملي واشرب |
أنخها على الأعلام واعقد ونادها | وسل أية جاست ركاب جوادها |
فسرعان ما بان النفير بعيرها | وجلت ملمات الردى ببدادها |
سقى الله أياما تفيأت جوها | إذ الجو نديا بعرف مهادها |
فيا صاحبي شاوي أريحا هنيهة | فقد ثار في الأكباد قدح زنادها |
أريحا لنا لوث الأزار فإنها | صبابة نفس زحزحت بفؤادها |
لتبكي أعلام هناك توزعت | ودارة نجح سار بدر سدادها |
ومما شجاني إن رأيت وفوده | كأذواد رسم جف ماء مزادها |
سرى وفده منا ويا ليت لا سرى | وجلل غيداء الهدى بسوادها |
منازل طول طالت النجم عزة | فأهوت عوادي الدهر ركن عمادها |
معالم مجد أوحشت من معالم | لها النفس شجوا عاجلت بنفادها |
حبست بها القود المهارى مساورا | تعاين هيماء فلت بفؤادها |
فمن لحشا قد راعها واجس الردى | بهائلة أصمت صميم جمادها |
ومن ناشد لي بالركائب نجدة | قضى بجلاء الشول يوم بعادها |
عزيز على العافين أن تر عامها | بجدب ولم تشرق بطل عهادها |
لتبك بنات الجود جهدا لرزئه | وتزج على الأزمان شبه رمادها |
لتبك العلى منه أشم شمردلا | له أعطت القادات أي مقادها |
لتبك الجياد الصافنات مجيبها | إذا ما أصم الصيد لدن صعادها |
ويا هل أرى السادات من حي هاشم | دروا بضياع الجود يوم جوادها |
وهل علمت بطحاء مكة من منى | بأن خز في الآداب أعلى عمادها |
فلو إن جند الموت رد بشزب | ولدن عوال أشرعت بجلادها |
لقل إذا للطعن من آل طالب | رجال تعد الموت أبهج زادها |
من الشوس سحابون كل عرمرم | يقوم لهم بالفخر طول نجادها |
وبي آسيا قالوا مضى لسبيله | فجردت نفسا حال سقم فؤادها |
سقى قبره من وكف الجود مزنة | تريك المراعي دان حين حصادها |
متى سمط الأزهار بالطيب عرفها | ترى كل طيب فائق من فدادها |
ولا فتأت جود السحائب عطفا | تساوره في حصرها وطرادها |
تلج بثجاج من السحب هامل | كسرب سرت أيدي الصبا بقيادها |
وعار زعلا من حلية عبقرية | علا حير الآراء لمن اتقادها |
وأثلج تنشق الدياجي بنوره | إذا لفع البيداء برد سوادها |
من البيض كم زفوا هجاين جودهم | تنوء بأبهى طارف وتلادها |
مضى في سبيل الله يزجي مطية | ليدرك بالجنات زهو مرادها |
وربع باهل المجد قد بات مربعا | عفا فأنخها رابيا في وهادها |
تناشده عن قاطنيه متى نأوا | وأمسى خلاء مرجها من عمادها |
وإني رأيت الدار منه بلاقعا | جهشت بمسرى عيسها وجيادها |
فقالت على الدنيا وقاطنها عفا | إذا جد بالعلياء سفر جوادها |
وسار إلى الجنات مدل بسفره | رحال الأماني قد نحت لمرادها |
لتبك له العافون في كل مشهد | وتبدله خود العلى بحدادها |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 283