سيف الدين المشد علي بن عمر بن قزل بن جلدك التركماني الياروقي، الأمير سيف الدين المشد صاحب الديوان المشهور. ولد بمصر سنة اثنتين وست مائة، وتوفي سنة ست وخمسين وست مائة. اشتغل في صباه وقال الشعر الرائق، وتولى شد الدواوين بدمشق للناصر مدة. وكان ظريفا طيب العشرة تام المروءة. وهو ابن أخي الأمير فخر الدين عثمان أستاذ دار الملك الكامل، ونسيب الأمير جمال الدين ابن يغمور. روى عنه الدمياطي والفخر إسماعيل ابن عساكر، ولما مات رثاه الكمال العباسي، وكانت وفاته يوم تاسوعاء:
أيا يوم عاشورا جعلت مصيبة | لفقد كريم أو عظيم مبجل |
وقد كان في قتل الحسين كفاية | فقد جل بالرزء المعظم في علي |
هي قامة أم صغدة سمراء | وذؤابة أم حية سوداء |
وأذا نظرت إلى اللحاظ وجدتها | هن السهام ورشقها الإيماء |
إن أنكرت نجل العيون جراحتي | فدليل قلبي أنها نجلاء |
وبمهجتي من لو سرى متبرقعا | في ظلمة لأنارت الظلماء |
بدر جعلت القلب أخبية له | كي لا يراه رقيبه العواء |
خلعت عليه الشمس رونق حسنها | وحبته رونق ثغره الجوزاء |
في نمل عارضه ونور جبينه | تتنافس الأحزاب والشعراء |
فبخده الزاهي نهيم صبابة | وبصدغه يتغزل الوأواء |
في يوم غيم من لذادة جوه | غنى الحمام وطابت الأنداء |
والروض بين تكبر وتواضع | شمخ القضيب به وخر الماء |
إن ترقا إلى المعالي أولو الفضـ | ـل وساخت تحت الثرى السفهاء |
فحباب المدام يعلو على الكأ | س محلا وترسب الأقذار |
ترى ابن سيناء في يديه | أقل ملعوبه الغناء |
قانونه المرتضى نجاة | كل إشاراته شفاء |
كأن دخان العود والند بيننا | وأقداحنا ليل تهاوى كواكبه |
ولاحت لنا شمس العقار فمزقت | دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه |
ولما زار من أهواه ليلا | وخفنا أن يلم بنا مراقب |
تعانقنا لأخفيه فصرنا | كأنا واحد في عقد حاسب |
يا مطربا أغنى النديم غناؤه | عن طيب مشموم وعن مشروب |
شبب إذا غنيتنا متغزلا | إن الغناء يطيب بالتشبيب |
أيا رام رمت فأصبن قلبي | سهام لحاظه قسي الحواجب |
فلا تهدر دمي فدمي جليل | وعقلي طائر والقلب واجب |
لئن تفرقنا ولم نجتمع | وزادت الفرقة عن وقتها |
فهذه العينان مع قربها | لا تنظر العين إلى أختها |
أقصى مرادي في الهوى | بأن تحلوا ساحتي |
وراحتي في قدح | أنظره في راحتي |
أقسمت من دمعي بالذاريات | ومن دموع العين بالمرسلات |
إني على الاخلاص في حبكم | حتى ترى روحي في النازعات |
يا جيرة الحي الذي قد سروا | على متون البزل العاديات |
أما رأى حاديكم في الدجا | نار ضلوعي وهي الموريات |
وصالكم منتسخ حكمه | وبينكم آياته بينات |
فحملوا ريح الصبا نشركم | إن تحيات الصبا طيبات |
ليل أضاء هلاله | أنا يضيء بكوكب |
دجاجة صفراء من شحمها | حمراء كالورد من الوهج |
كأنها والجمر من تحتها | أترجة من فوق نارنج |
وافى السكردان وفي ضمنه | مطجنات من دراريج |
كأنه بدر وقد رصعت | فيه ثريا من سكاريج |
وعارية من كل عيب حبيبة | إلى كل قلب بالبين مجروحا |
لها جسد ميت يعيش بنفخة | متى داخلته الريح صارت به روحا |
تعيد الذي يلقي عليها بلذة | تزيد فؤاد الصب وجدا وتبريحا |
وتنطق بالسحر الحلال عن الهوى | وتوحي إلى الأسماع أطيب ما يوحى |
لله يوم شربناها مشعسعة | تهدي إلينا سرورا دائما وفرح |
والمزن تهمي وقوس الغيم ذو حبك | والشمس تبدو وقمري الرعود صدح |
والجنك يخفق في كفي منعمة | يحكي الذي نحن فيه نزهة وملح |
فصوته الرعد والأوتار صوب حيا | والغادة الشمس حسنا وهو قوس قزح |
يا حبيبا جعلته نصب عيني | حين أمسى في الحسن وهو فريد |
أنت قصدي وقد جعلت ندائي | لك دون الورى فهلا تجود |
والمنادى المنصوب إن جاء يوما | لفظه مفردا هو المقصود |
لعبت بالشطرنج مع شادن | رشاقة الأغصان من قده |
أحل عقد البند من خصره | وألثم الشامات من خده |
وشادن همت فيه وجدا | لما غدت مقلتاه رمدا |
لم ينتقص حسنه ولكن | نرجس عينيه صار وردا |
قد أفحم الوأواء صدغ له | والخد أودى بالأبيوردي |
وشعره الطايل في حسنه | أربى على النابغة الجعدي |
صنم في الحسن خدا | ه لطرق الغي تهدي |
عدت فيه جاهلي الحـ | ـب من غير تعد |
لحظ عيني عبد شمس | وفؤادي عبد ود |
كأنما النهر إذ مر النسيم به | والغيم يهمي وضوء البرق حين بدا |
رشق السهام ولمع البيض يوم وغى | خاف الغدير سطاها فاكتسى زردا |
يا جيرة الحي من جرعاء كاظمة | طرفي لبعدكم ما التذ بالنظر |
لا تسألوا عن حديث الدمع كيف جرى | فقد كفى ما جرى منه على بصري |
إن عيني مذ غاب شخصك عنها | يأمر السهد في كراها وينهى |
بدموع كأنهن الغوادي | لا تسل ما جرى على الخد منها |
يسام للبيع على أنه | أبهى من الزهرة والمشتري |
دمعي لذاك الخال في خده | أرسل للأسود والأحمر |
كأنما ثغرها حباب | أطاف من ريقها بخمر |
مقرها في صميم قلبي | والشمس تجري لمستقر |
وافى إلي وكأس الراح في يده | فخلت من لفظه أن النسيم سرى |
لا تدرك الراح معنى من شمائله | والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا |
وبي غرير يحاكي الظبي ملتفتا | أغن أحور عقلي فيه قد حارا |
يصبو الحباب إلى تقبيل مبسمه | ويكتسي الراح من خديه أنوارا |
من آل عيسى يرى بعدي تقربه | ولم يخف في دم العشاق أوزارا |
لأجله أصبح الراووق منعكفا | على الصليب وشد الكاس زنارا |
أول عشقي فتور عينيـ | ـك ما له في الغرام آخر |
وعاشق المقلتين يفنى | وليس يسلو إلى المقابر |
أي شيء يكون مالا وذخرا | راق حسنا عند اللقاء ومخبر |
أسمر القد أزرق السن وصفا | إنما قلبه بلا شك أحمر |
إن عنابنا الذي قد أتانا | راقنا منظرا كما طاب مخير |
جاز ضدين يانعين فوافى | أحمر اللون قانيا وهو أخضر |
وأمرد كالجبل الراسي | أثقل من حمى وإفلاس |
لحيته تسبح من خفة | برأسه في بحر أمواس |
شتان ما بين قضيب النقا | وبين من في حبه أخضع |
لأن ذا يوصل مع قسوة | وذاك مع لين به يقطع |
لما رآني وقد فتنت به | من عظم وجدي وكثر أشواقي |
غنى وكاس المدام في يده | قامت حروب الهوى على ساق |
بدت عروسا عجنوا جناءها | بماء ورد لم يزل ممسكا |
للنقش في معصمها حلاوة | لما علا من فوقه مشبكا |
وغزال قلت: ما الاسم | حبيبي؟ قال: مالك |
قلت: صف لي وجهك الزا | هي وصف حسن اعتدالك |
قال: كالبدر وكالغصـ | ـن وما أشبه ذلك |
كاتب ذاك الخد قد | قومه إذ مشقه |
نسخ مجاز خصره | سرته المحققه |
حيرني حاجبه | بنونه المعرقه |
وعقرب الصدغ الذي | بواوه معلقه |
ما اسم إذا صحفته | فهو نبي مرسل |
وهو إذا عكسته | كتابه المنزل |
أساود شعره لبست فؤادي | وأمست بين أحشائي تجول |
كأن الشعر يطلبني بدين | فكم يجفو علي ويستطيل |
يا ساكنا حل في ضميري | وألزم القلب: أن تحول |
تعلم الشعر منك لما | رأى غرامي جفا وطول |
لعبت بالنرد مع رشيق | مهفهف لين القوام |
قال: تمامي، فقلت: مهلا | ما أحسن البدر في التمام |
كلفي بنردي يقول لصبه | وفؤاده ما قر منه قراره |
شعري الطويل جباله منصوبة | فلذاك غصن القد طار هزاره |
لعبت بالنرد مع رشيق | منه غصون النقا حيارى |
عشاقه في الأنام سادوا | بصبرهم إذ رأوه جارا |
إني وإن أصبحت سنيها | أحب آل المصطفى الهاشمي |
في حالة السخط أوالي الرضا | وأقتدي في الغيظ بالكاظم |
ومجلس راق من واش يكدره | ومن رقيب له في اللوم إيلام |
ما فيه ساع سوى الساقي وليس به | على الندامى سوى الريحان نمام |
الحمد لله في حلي ومرتحلي | على الذي نلت من علم ومن عمل |
بالأمس كنت إلى الديوان منتسبا | واليوم أصبحت والديوان ينسب لي |
أيا ملكا تأتي الخماص لبابه | وتغدو بطانا من نوال ومن جاه |
إذا جاء نصر الله والفتح بعده | وتبت يد الأعداء فالحمد لله |
يقتدي في طريقه بالحريري | ويبغي مذاهب الصوفيه |
أعجمي اللسان حلو الثنايا | عنه تروى الحلاوة العجميه |
فصل كأن البدر فيه مطرب | يبدو وهالته لديه طاره |
والشمس في أفق السماء خريدة | والجو ساق والأصيل عقاره |
وكأن قوس الغيم جنك مذهب | وكأنما صوب الحيا أوتاره |
سمت في الكاس لؤلؤا منثورا | حين أضحى مزاجها كافورا |
بدر تم ما زال يهدي لقلبي | ولعيني نظرة وسرورا |
تجتلي النفس دائما من عذاريـ | ـه وصدغيه جنة وحريرا |
وسقاني من ريقه البارد العذ | ب كؤوسا حوت شرابا طهورا |
بقوارير فضة من ثنايا | قدروها بلؤلؤ تقديرا |
وغيوم مثل الجنان فما تنـ | ـظر فيها شمسا ولا زمهريرا |
نصب روض مشي النسيم عليه | فانبرى سعيه به مشكورا |
أيها الحاسد المفند إما | أن ترى شاكرا وإما كفورا |
كيف تجفو التي يطير بها الهـ | ـم وإن كان شره مستطيرا |
عبد إحسان يوسف الملك النا | صر أفديه سيدا وحصورا |
منهل الواردين ذخر اليتامى | كم فقير أغنى وفك أسيرا |
ملك ما تراه يوما عبوسا | عند بذل الندى ولا قمطريرا |
وإذا ما استشاط في الحرب غيظا | كان يوما على العداة عسيرا |
يا مليكا أفاده الله علما | ونعيما جما وملكا كبيرا |
لم أكن قبل خدمتي ودعائي | لك شيئا ولم أكن مذكورا |
أسمعتني نعماك بل بصرتني | فتيممتها سميعا بصيرا |
عش سعيدا وانحر أعاديك واسلم | كل عيد مؤيدا منصورا |
علقتها نجلاء مثل المهى | فخان فيها الزمن الغادر |
أذهب عينيها فإنسانها | في ظلمة لا يهتدي حائر |
تجرح قلبي وهي مكفوفة | وهكذا قد يفعل الباتر |
ونرجس اللحظ غدا ذابلا | واحسرتا لو أنه ناضر |
قالوا: تعشقتها عمياء؟ قلت لهم: | ما شانها ذاك في عيني ولا قدحا |
بل زاد وجدي فيها أنها أبدا | لا تنظر الشيب في فودي إذا وضحا |
إن يجرح السيف مسلولا فلا عجب | وإنما أعجب لسيف مغمد جرحا |
كأنما هي بستان خلوت به | ونام ناطوره سكران قد طفحا |
تفتح الورد فيه من كمائمه | والنرجس الغض فيه بعدما انفتحا |
ورب أعمى وجهه روضة | تنزهي فيها كثير الديون |
في خده ورد غنينا به | عن نرجس ما فتحته العيون |
أيا حسن أعمى لم يجد حد طرفه | محب غدا سكران فيه وما صحا |
إذا طار قلب يرتعي في خدوده | غدا آمنا من مقلتيه الجوارحا |
إن الحصون لكالعيون فهدبها | شرفاتها وجفونها الأسوار |
وكذا محاجرها الخنادق حولها | والحافظون لها هم الأنوار |
يا من عذاره وأصداغه | حدائق همت بأزهارها |
لو لم يكن خداك لي كعبة | لما تعلقت بأستارها |
ورمي بيان خلته | لما تناثر دود قز |
بشع الروائح يابس | وكأنه ذرق الإوز |
لئن صرفت وحاشا | ك فالدنانير تصرف |
وما اعتقلت كريما | إلا وأنت مثقف |
وشاطدن أوردني حبه | لهيب حر الشوق والفرقه |
أصبحت حرانا إلى ريقه | فليت لي من قلبه رقه |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0