تعتبر "الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة" لأبي القاسم علي بن جعفر السعدي المعروف بابن القطاع الصقلي (433-515هـ) أهم مصدر عن الحركة الأدبية والفكرية في صقلية إبان الحكم العربي الإسلامي لها، فقد احتوى على مائة وسبعين شاعراً وعشرين ألف بيت من الشعر حسب رواية ياقوت.
والظاهر من النصوص الواصلة إلينا من "الدرة" أن المؤلف قد حاول التعريف بالشعراء الذين أنجبتهم الجزيرة منذ أن توطدت دعائم الحكم العربي وترسخت فيها قدم اللغة العربية إلى عهده، أوائل القرن السادس للهجري.
ومن أهم مميزات "الدرة الخطيرة" أن تراجمها متنوعة تمثل تمازج العناصر التي يتكون منها المجتمع الصقلي المسلم أحسن تمثيل، فمن المترجمين أرباب البيوت، كالكلبيين –حكام صقلية- وبني القطاع، وبني الشامي، وبني الوداني، وبني الرقباني، ومنهم المنتسبون في البربر كاللواتي والمكلاتي.
أما ذوو الأنساب العربية، فهم قسمان: يمني قحطاني، كالأزدي والمعافري والكلاعي واللخمي والخولاني والزبيدي. ويقابلهم في القسم الآخر ذوو النسبة العدنانية كالقرشي والفهري والسهمي والتميمي والتغلبي والقيسي.
ومنهم من يتخذ نسبة إسلامية كالأنصاري وهناك من انتسبوا إلى بلدانهم ومواضعهم كالطرابنشي والسمنطاري والوداني والقرني والطوبي والكموني. كما يمثل شعراء الدرة كافة أنواع الثقافة السائدة في ذلك العصر، فمن القراء والمحدثين والزهاد والمتصوفة إلى الأطباء والمنجمين والحاسبين، إلا أن أكثر المترجمين هم من كتاب الإنشاء وعلماء النحو واللغة.
وتكشف لنا "الدرة" عن طائفة مهمة ممن تولى الخطط الرسمية في الجزيرة، من قواد وقضاة وأصحاب دواوين: ديوان الإنشاء وديوان الخاصة وديوان الصناعة وديوان الخمس، وهو أشهرها.
ومما تميز به عمل ابن القطاع في "الدرة"، تتبعه لشعراء بلده في أماكن استقرارهم، بعد هجرتهم ونزوحهم عنه، سواء من أقام منهم بمصر، حتى قبل انفراط عقد الدولة الصقلية، أو من استقرّ منهم بالأندلس وإفريقية.
ولا بد لنا في النهاية أن يؤكد على أن كتاب "الدرة" هو الكتاب الوحيد الذي يختص بالتأريخ للحركة الأدبية والفكرية بالجزيرة، خلافاً لما كتب في عصره أو بعده، مثل "الحديثة" لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز (ت536) التي جمعت إلى جانب شعراء صقلية، شعراء من إفريقية والمغرب والأندلس ومصر.