شهاب الدين الشواء محاسن بن إسماعيل بن علي، الأديب البارع شهاب الدين الشواء الكوفي الأصل، الحلبي الشاعر المشهور. قال ابن خلكان رحمه الله: وأهل حلب ما يعرفونه إلا بمحاسن الشواء، والصواب فيه: أبو المحاسن يوسف، وترجمه ابن الشعار في كتاب (عقود الجمان) على يوسف. قلت أنا: وقد رأيت ديوان ابن جفاجة المغربي وقد كتبه بخطه، وقال فيه: كتبه محاسن.. هكذا، لا كنية ولا يوسف، فأثبته في باب (محاسن)، لأنه أخبر بنفسه. ولا بد من التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في باب يوسف. وكان مغرى بكتابه هذا الديوان، لأنني رأيت نسختين بخطه، وملكت إحداهما. وقال ابن خلكان رحمه الله تعالى: وكان من المغالين في التشيع، وقال في أول ترجمته: وكان أديبا فاضلا. أتقن علم العروض والقوافي. وهو شاعر يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة، وله ديوان شعر يدخل في أربع مجلدات. وكان زيه على زي الحلبيين الأوائل في اللباس والعمامة المشقوقة. وكان كثير الملازمة لحلقة الشيخ تاج الدين أبي القاسم أحمد بن هبة الله المعروف بابن الجبراني الحلبي اللغوي النحوي، وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع. وعاشر التاج أبا الفتح مسعود بن أبى الفضل النقاش الحلبي الشاعر المشهور زمانا، وتخرج عليه في عمل الشعر. وتوفي في المحرم سنة خمس وثلاثين وست مائة، وله ثلاث وسبعون سنة. قلت: وشعره، جيد يستعمل قواعد النحو في نظمه، ويأتي بها في الغزل وغيره، فتجيء من ألطف شيء وأحسنه. وذكرت باسم (محاسن) الشواء ما نظمته في مليح شوى إوزا، وهو:
قلت لما شوى الحبيب إوزا | واكتسى باللهيب ثوب سناء |
لو يعيش الجزار مات معنى | في معاني محاسن الشواء |
وكأن أنجم ليلنا | في أفقها وبها انزعاجه |
شرر تطاير في دخا | ن أو نصول في عجاجه |
ولقد ذكرتك والنجوم كأنها | درر على أرض من الفيروزج |
يلمعن من خلل السحاب كأنها | شرر تطاير في دخان العرفج |
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا | وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه |
وغلام يحز بطيخة في | اللون مثلي وفي المذاقة مثله |
لأناس غر على طبق في | مجلس مشرق يشابه أهله |
قد بدر شمسا بأفق شهدت اللـ | ـيل في هالة ببرق أهله |
أتانا الغلام ببطيخة | وسكينة قد أجيدت صقالا |
فقطع بالبرق شمس الضحى | وأعطى لكل هلالا هلالا |
محدث تحدث أمراضنا | أجفانه الفاترة الساحره |
كأنه والناس من حوله | بدر عليه هالة دائره |
محدث صح عنه | في الناس حسن وظرف |
فقده فيه لين | وطرفه فيه ضعف |
محدث ذو قوام | تغار منه العوالي |
وطرفه ليس يغرى | إلا بجرح الرجال |
يلاعبني بالنرد يوما شويدن | مليح التثني مثله ما رأى الورى |
فأحببت أني لا أزال بكفه | طريحا ونردي لا يزال مششدرا |
كلفني بنردي يقول لصبه | وفؤاده ما قر منه قراره |
شعري الطويل حباله منصوبة | فلذاك غصن القد طار هزازه |
لعبت بالنرد مع رشيق | منه غصون النقا حيارى |
عشاقه في الأنام سادوا | بصبرهم إذ رأوه جارا |
لنا صديق له خلال | تعرب عن أصله الأخس |
أضحت له مثل حيث كف | وددت لو أنها كأمس |
هاتيك يا صاح ربا لعلع | ناشدتك الله فعرج معي |
حتى نطيل اليوم وقفا على | الساكن أو عطفا على الموضع |
وكنا خمس عشرة في التئام | على رغم الحسود بغير آفه |
فقد أصبحت تنوينا وأضحى | حبيبي لا تفارقه الإضافه |
ناديت وهو الشمس في شهره | والجسم للخفية كالفيء |
يا زاهيا أعرف من مضمر | صل واهيا أنكر من شيء |
أرسل فرعا ولوى هاجري | صدغا فأعيى بهما واصفه |
فخلت ذا من خلفه حية | تسعى وهذا عقربا واقفه |
ذا ألف ليست لوصل، وذا | واو ولكن ليست العاطفه |
أرى الصفع ورد منه القزالا | وأوسع في أخدعيه المجالا |
وأسلاه عن حب ذات اللمى | وإن هي راقت وفاقت جمالا |
لئن كان قد حال ما بينه | وبين الحبيبة صفع توالى |
فقد يحدث الظرف بين الصفا | ف وبين المضاف إليه انفصالا |
جارية قلت لها: ألا | رعيت في الحب لنا إلا |
وطرفك الأزرق ما باله | يحدث فينا لحظه القتلا |
قالت: ألا يفتك طرف حكى | لون سنان الرمح والشكلا |
قد علمت أن على أنها | حرف لأن أشبهت الفعلا |
خليلي إن أبديت سر هواكما | لواش، فقلا متعت منه بطائل |
وقلت بان العطف في النحو جائز | على المضمر المخفوض من غير عامل |
واها لأقمار تراءت أوجها | فوق غصون مثلت قدودا |
فأورقت غدائرا وأزهرت | مباسما وأثمرت نهودا |
ما على ألحاظه إن قتلت | بالورى في ملة الحسن قود |
كرة الخال غدا يرشقها | صولجان الصدغ في ميدان خد |
أفدي قواما به اعتدال | منه وجفنا به انكسار |
ووجنة كاد من حياء | يطير من مائها الشرار |
قد راح يسبح وهو عار | بين المماليك الصغار |
فكأنه بدر السما | ء وحوله زهر الدراري |
ورب ورقاء على بانة | قابلها منية قلبي عمر |
فحار قلبي بين غصني نقى | في ذاك قمري وفي ذا قمر |
يا من يهز قوامه سكر الصبي | وتكاد تصهره الصبا والشمأل |
ما زار جفني النوم إلا جاءني | منك الخيال بوصله يتطفل |
مررت بالروض فيه منك ملتمح | ترجى به زفرتي من عبرتي دما |
للزهر منتشقا للنور مرتشفا | للغصن معتنقا للورد مستلما |
فالورد يحيك قدا والقضيب حشا | والنرجس الغض طرفا والأقاح فما |
تجرد في حمامه عن معاطف | تكاد للمس الماء أن تتألما |
وعقد في صدغيه ميما وعقربا | وأرسل طورا صولجانا وأرقما |
فناديت لما غاب رشدي لصاحبي | وقد مر نحوي حاسرا متبسما |
ترى فرق شعر أم مجرة حندس | ووجها وثغرا أم هلالا وأنجما |
أتقبل عذرنا لك في عذار | أطل عيوننا لما أطلا |
بدا كالليل يغشى فوق خد | غدا مثل النهار إذا تجلى |
أيها الغائب الذي شخصه حو | لي فكيف التفت باشر طرفي |
عن يميني وعن شمالي ومن فو | قي وتحتي ومن أمامي وخلفي |
وليت فوليت الغرام على الحشا | ملالا ووكلت السهاد على الغمض |
وأضرمت بالإعراض نار حشاشتي | ويا حسنه إن كان من عشقك المحض |
لز ادن اسخط ارض اجف خن ارع حل | أدم ضع اعل اضحك ابك اهو ابد اخف عش اقض |
يا من إذا ما اهتز بنظر سافرا | وغدا وقد قتل النفوس ولم يقد |
ماس القنا وربا النقا وبدا الضحى | وعسا الدجا ورنا الرشا وسطا الأسد |
وكأنه والكف منه في | صعود أو انحدار |
شاد يعالج في جران | جفانة بيد يسار |
يا أسودا يسبح في بركة | فقت الورى حسنا وإحسانا |
كنت لخد الحسن خالا وقد | صرت لعين العين إنسانا |
واحربا من صنم ألحاظه | مأخوذة بقتلتي متهمه |
أوضحت إذ لم يك مختونا به | صفات حسن قبل كانت مبهمه |
شويدن فيشته الحمراء في | غلفتها كوردة مكممه |
زارت فمن جرأة إقدامها | ذهلت عن تقبيل أقدامها |
وإن تكن ردت حياتي فكم | قد قتلت في عامها عامها |
بيضاء ما أحسن من يشتري | أبهى مهى السرب بإبهامها |
رب ليل هلاله بات يحكي | قوس رام أو وجه ذات لثام |
والثريا كأنها غرض قد | لاح فيه آثار وقع السهام |
أخال صنجيه حبيبين | تشاكيا من الم البين |
هما خليلان متى استجمعا | تخاصما مثل العدوين |
قيدوه عمدا ولم يبد منه | مذ نشا زلة يذم عليها |
إنما حيث جاء من جنة الخلـ | ـد فخافوا من أن يعود إليها |
حزني كيف تحمل القيد منه | قدم تخضع الخدود لديها |
وأحول حول البرايا | في الحب عن عهد عاشقيه |
بناظر لا يكاد يبدو | شحا على من يلوح فيه |
أمر على الروض الذي راضه الندى | فتلمح عيني فيه منك معانيا |
فأرشف ثغر الأقحوانة ضاحكا | وألثم طرف النرجس الغض باكيا |
رأى الناس سقمي غير أن لم يعاينوا | حبيبي وسوء الحال حيلة من هوي |
وكنت كأني المبتدا وهو معرب | صحيح وفيه عامل الرفع معنوي |
فيا أيها العذال لا تنكروا على | ذوي الحب كل منهم هكذا ذوى |
صدودك أصداني وقدك قدني | وكفاك كفاني وخداك خداني |
وعفرت خدي حين عرفتني الضنى | ورعفت طرفي حين فرعت أشجاني |
وألفت غمي يوم أفلت أنجمي | ولذذت أعدائي وذللت أعواني |
وأفرقت روحي يوم أقفرت راحتي | وأرضاك هجري يوم أضراك هجراني |
فرقحت عذري حين حقرت حلتي | وحرقت أحشائي وقرحت أجفاني |
وأضمرت إبعادي وأرمضت مهجتي | وأضرمت نيراني وأمرضت جثماني |
بكى المستهام دما في الدمن | وحين تذكر أسماء حن |
ودود يود بأن لو غدت | فدا روحه لمهاه الفدان |
من القوم ما البدر في تمه | كمن في خدورهم قد كمن |
فداؤك يا بدوي اللمى | فتى ذا الجمال له قد فتن |
كثير السهاد قليل الرقاد | صحيح الوداد عليل البدن |
صدودك أوطأ جنبي الثرى | وشردني عن وطا في الوطن |
بليت بإعراض من حبه | من الوجد كلفني كل فن |
خطبت إلى ربه راغبا | وقد دن من كبر بنت دن |
فجاء بصرف تداوي السليم | قد سالمتها صروف الزمن |
فعاطيت كاساتها أهيفا | يغار إذا ما تثنى الوثن |
وقمت وقد لان مزروره | وأخرسه الشرب عن لا ولن |
أقبله وهو من سكره | لقى ليس فيه لعتب لقن |
شيخ يلوط ويزني والشهادة لو | تعطيه فلسا لولى كاذبا فيها |
فكل فجر على فرج تصادفه | وكل ظهر على ظهر يصليها |
وعذول فيكم عنفني | وسلوي قبل ما عن فني |
وإذا فندني عنكم أرى | عذله في مثلكم فنا دني |
هجركم أتلف جسمي فإذا | ناظر لاحظني لاح ضني |
بأبي من قرطه في أذنه | كلما جالسني جال سني |
آه قد دلهني من عيشة | حين حاز الحسن والدل هني |
كلما سمجني وجدي به | عنده جرعني السم جني |
ثم قد أفرغني الحب له | بعدما أفقرني فر غني |
أتينا بائع الفقاع يوما | وقد أودى العطش الشديد |
فحيانا بكيزان فقمنا | لها ولمثلها حق السجود |
نقبلها كما ضمت شفاه | ونرضعها كما درت نهود |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 25- ص: 0