الإمام ابن حنبل أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، الشيباني الوائلي: إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة. أصله من مرو، وكان أبوه والى سرخس. وولد ببغداد. فنشأ منكبا على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفارا كبيرة إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان والجبال والأطراف. وصنف (المسند - ط) ستة مجلدات، يحتوي على ثلاثين ألف حديث. وله كتب في (التاريخ) و (الناسخ و المنسوخ) و (الرد على من ادعى التناقض في القرآن) و (التفسير) و (فضائل الصحابة) و (المناسك) و (الزهد) و (الأشربة - خ) و (المسائل - خ) و (علل الحديث - خ) وكان أسمر اللون، حسن الوجه، طويل القامة، يلبس الأبيض ويخضب رأسه ولحيته بالحناء. وفي أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن ومات قبل أن يناظر ابن حنبل، وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهرا لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وأطلق سنة 220هـ. ولم يصبه شر في زمن الواثق بالله - بعد المعتصم - ولما توفى الواثق وولى أخوه المتوكل ابن المعتصم أكرم الإمام ابن حنبل وقدمه، ومكث مدة لا يولى أحدا إلا بمشورته، وتوفى الإمام وهو على تقدمه عند المتوكل. ومما صنف في سيرته (مناقب الإمام أحمد - ط) لابن الجوزي، و (ابن حنبل - ط) لمحمد أبي زهرة، من معاصرينا.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 203

الإمام أحمد بن حنبل أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الإمام أبو عبد الله الشيباني، هكذا نسبه ولده عبد الله واعتمده أبو بكر الخطيب وغيره، وأما قول عباس الدوري وأبي بكر ابن أبي داود الإمام أحمد كان من بني ذهل بن شيبان فقطعهما الخطيب قال: إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة وذهل بن ثعلبة هو عم ذهل بن شيبان بن ثعلبة فينبغي أن يقال فيه الذهلي على الإطلاق، وقد نسبه البخاري فقال: الشيباني الذهلي، وأما ابن ماكولا فقال: مازن بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، ولم يتابع عليه. قال صالح بن أحمد: ولد سنة أربع وستين ومائة في ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر، وطلب الحديث سنة تسع وسبعين ومن شيوخه: هشيم، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وجرير بن عبد الحميد، ويحيى القطان، والوليد بن مسلم، وإسماعيل بن علية، وعلي بن هاشم بن البريد، ومعتمر بن سليمان، وعمر بن محمد ابن أخت الثوري، ويحيى بن سليم الطائفي، وغندر، وبشر بن المفضل، وزياد البكائي، وأبو بكر بن عياش، وأبو خالد الأحمر، وعباد بن عباد المهلبي، وعباد بن العوام، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعمر بن عبيد الطنافسي، والمطلب بن زياد، ويحيى بن أبي زائدة، والقاضي أبو يوسف، ووكيع، وابن نمير، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، والشافعي وخلق. وممن روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن بقي بواسطة، والبخاري وداود أيضا بواسطة، وابناه صالح، وعبد الله، وشيوخه عبد الرزاق، والحسن بن موسى الأشيب، والشافعي في بعض الأماكن التي قال فيها، قال الثقة ولم يسمعه، وأقرانه علي بن المديني، ويحيى بن معين، ودحيم الشامي، وأحمد بن أبي الحواري، وأحمد بن صالح المصري، وأبو قدامة، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو زرعة، وعباس الدوري، وأبو حاتم، وبقي بن مخلد، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر الأثرم، وأبو بكر المروذي، وحرب الكرماني، وموسى بن هارون، ومطين، وخلق كثير آخرهم أبو القاسم البغوي. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا زرعة يقول: كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث، فقلت له: وما يدريك؟ فقال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب. وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول حفظت كل شيء سمعته من هشيم وهشيم حي. وعن أبي زرعة قال: حزر كتب أحمد يوم مات فكانت اثني عشر حملا. وقال المزني: قال الشافعي: رأيت شابا إذا قال حدثنا قال الناس كلهم صدق. قلت: من هو؟ قال: أحمد بن حنبل. وقال جماعة: حدثنا سلمة بن شبيب قال: كنا في أيام المعتصم عند أحمد بن حنبل فدخل رجل فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟ فقال أحمد: هأنذا، قال: جئت من أربع مائة فرسخ برا وبحرا كنت ليلة جمعة نائما فأتاني آت فقال لي: تعرف أحمد بن حنبل؟ قلت: لا، قال فأت بغداذ وسل عنه فإذا رأيته فقل إن الخضر يقرئك السلام ويقول إن ساكن السماء الذي على عرشه راض عنك والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك لله. ولما أظهر أبو يعقوب ابن شيبة الوقف حذر أبو عبد الله أحمد عنه وأمر بهجرانه لمن كلمه. ولأحمد بن حنبل في مسلة اللفظ نصوص متعددة وأول من أظهر اللفظ الحسين بن علي الكرابيسي وذلك سنة أربع وثلاثين ومائتين وكان الكرابيسي من كبار الفقهاء وما زال المسلمون على قانون السلف من أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق حتى نبغت المعتزلة والجهمية فقالوا بخلق القرآن. وكان هارون الرشيد قد قال في حياته: بلغني أن بشر بن غياث يقول إن القرآن مخلوق لله علي إن أظفرني به لأقتلنه. قال الدورقي: وكان بشر متواريا أيام الرشيد فلما مات ظهر ودعا إلى الضلالة. ثم إن المأمون نظر في الكلام وباحث المعتزلة وبقي يقدم رجلا ويؤخر أخرى في دعاء الناس إلى القول بخلق القرآن إلى أن قوي عزمه على ذلك في السنة التي مات فيها. وطلب أحمد بن حنبل إلى المأمون فأخبر في الطريق أنه مات لما وصل إلى أذنة ومات المأمون بالبذندون. وبقي أحمد محبوسا بالرقة حتى بويع المعتصم بالروم ورجع فرد أحمد إلى بغداذ وحبس وأرسل إليه في كل يوم رجلان يناظرانه وفي اليوم الرابع وجه المعتصم إليه بغا الكبير فحمله إليه وبات في بيت بلا سراج وهو مثقل بالقيود فأخرج تكة من سراويله وشد بها القيود يحملها وأدخل على المعتصم وأحمد ابن أبي دواد إلى جانبه وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه فأدناه المعتصم ثم أجلسه وقال: لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت إليك، ثم قال لهم: ناظروه وكلموه. فقال له عبد الرحمن بن إسحاق: ما تقول في القرآن؟’’ قال: فقال له أحمد: ما تقول في علم الله؟ فسكت. وقال بعضهم: أليس قال الله تعالى: { الله خالق كل شيء } والقرآن أليس بشيء؟ فقال: قال الله: {تدمر كل شيء بأمر ربها} فدمرت إلا ما أراد الله. فقال بعضهم: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} أفيكون محدثا غير مخلوق؟ فقال: قال الله: {ص والقرآن ذي الذكر} فالذكر هو القرآن وتلك ليس فيها ألف ولام. وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين: إن الله خلق الذكر، فقال: هذا خطأ حدثنا غير واحد أن الله كتب الذكر. واحتجوا بحديث ابن مسعود: ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، فقال: إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على القرآن. فقال بعضهم: حديث خباب: يا هنتاه تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه، فقال: هكذا هو. فقال ابن أبي دواد: يا أمير المؤمنين هو والله ضال مضل مبتدع. فقال المعتصم: كلموه وناظروه. فتطول المناظرة بينهم وبينه فيقول المعتصم: ويحك يا أحمد ما تقول؟ فيقول: أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله حتى أقول به. فيقول ابن أبي دواد: ما تقول إلا ما في كتاب الله أو سنة رسوله! فيقول أحمد بن حنبل: تأولت تأويلا فأنت أعلم وما تأولت ما يحبس عليه وما يقيد عليه. فقال المعتصم: لئن أجابني لأطلقن عنه بيدي ولأركبن إليه بجندي ولأطأن عقبه. ثم قال: يا أحمد إني والله عليك لشفيق وإني لأشفق عليك كشفقتي على هارون ابني ما تقول؟ فيقول: أعطني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله. فلما طال المجلس ضجر وقال: قوموا، وحبسه المعتصم عنده. ثم ناظروه ثاني يوم وجرى ما جرى في اليوم الأول وضجروا وقاموا. فلما كان في اليوم الثالث أخرجوه فإذا الدار غاصة وقوم معهم السيوف وقوم معهم السياط وغير ذلك فأقعده المعتصم وقلا: ناظروه. فلما ضجروا وطال الأمر قربه المعتصم وقال له ما قال في اليوم الأول فرد عليه أيضا كذلك. فقال: عليك، وذكر اللعن ثم قال: خذوه واسحبوه وخلعوه. فسحب ثم خلع وسعى بعضهم إلى القميص ليخرقه فنهاه المعتصم فنزعه قال أحمد بن حنبل: فظننت أنه إنما ذرئ عن القميص لئلا يخرق ما كان في كمي من الشعر الذي وصل إلي من شعر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم مدت يداه وخلعتا فجعل الرجل يضربه سوطين. فقيل له: شد، قطع الله يدك. فيتأخر ويتقدم غيره فيضربه سوطين كذلك. ونخسه عجيف بسيفه وقال: تريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟ وبعضهم يقول: يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقتله، ولم يزل يضربه إلى أن أغمي عليه وسحب وخرج به وألقي على ظهره بآرية وداسوه وهو مغشي عليه فأفاق بعد ذلك وجيء إليه بسويق وقالوا: اشرب، وتقيأ فقال: لا أفطر، وكان صائما. ثم خلي عنه فصار إلى منزله فكان مكثه في السجن منذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرا. وقال ابن أبي دواد: وضرب ابن حنبل نيفا وثلاثين أو أربعة وثلاثين سوطا وكان أثر الضرب بينا في ظهره إلى أن توفي رضي الله عنه. ولم يزل بعد أن برئ يحضر الجمعة والجماعة ويفتي ويحدث حتى مات المعتصم وولي الواثق فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دواد وفي أيامه منع ابن حنبل وقال: لا يجتمعن إليك أحد ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها فاذهب حيث شئت من أرض الله. فاختفى أحمد بن حنبل في غير منزله في القرب ثم عاد إليهم بعد أربعة أشهر أو ستة لما طفئ خبره ولم يزل مختفيا لا يخرج إلى صلاة ولا غيرها حتى مات الواثق. ثم إن المتوكل أحضره وأكرمه وأطلق له مالا فلم يقبله فألزم ففرقه بعدما قبله وأجرى على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر ولم تزل عليهم جارية حتى مات المتوكل. ثم إن أحمد بن حنبل اعتل فكان المتوكل يرسل إليه ابن ماسويه الطبيب فيصف له الأدوية فلا يتعالج منها بشيء ثم إنه أذن له في الانصراف إلى منزله وعظمه تعظيما كثيرا مدة مقامه عنده في العسكر. ثم إنه اعتل علة موته ومرض في أول يوم من شهر ربيع الأول ليلة الأربعاء وحم وتوفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت منه سنة إحدى وأربعين ومائتين وغلط ابن قانع وغيره فقالوا في ربيع الآخر. وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر وقد كان أولاده والهاشميون صلوا عليه في داره. وقال أبو بكر الخلال: سمعت عبد الوهاب يقول: ما بلغنا أن جمعا كان في الجاهلية والإسلام مثله حتى بلغنا أن الموضع مسح وحزر على الصحيح فإذا هو من نحو ألف ألف وحزرنا على القبور نحوا من ستين ألف امرأة وفتح الناس أبواب المنازل في الشروع والدروب ينادون من أراد الوضوء. وقال أبو سهل ابن زياد: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز. وقال الوركاني جار ابن حنبل: يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس وأسلم يوم مات من اليهود والنصارى والمجوس عشرون ألفا، وفي لفظ ابن أبي حاتم عشرة آلاف، وهي حكاية منكرة لا يعلم أحد رواها إلا الوركاني ولا رواها عنه إلا محمد بن العباس تفرد بها ابن أبي حاتم. قال الشيخ شمس الدين: الوركاني توفي في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين ومائتين. وقد جمع مناقب الإمام أحمد غير واحد منهم أبو بكر البيهقي في مجلد. وأبو إسماعيل الأنصاري في مجلد. وأبو الفرج ابن الجوزي. وذكرها الشيخ شمس الدين في تاريخه في ثلاثين ورقة قطع نصف البلدي. وكان أحمد بن حنبل حسن الوجه ربعة يخضب بالحنا خضابا ليس بالقاني في لحيته شعرات سود.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0

أحمد بن حنبل أبو عبد الله
هو: الإمام حقا، وشيخ الإسلام صدقا، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر وائل الذهلي، الشيباني، المروزي، ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام.
هكذا ساق نسبه: ولده عبد الله، واعتمده أبو بكر الخطيب في (تاريخه) ، وغيره.
وقال الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب (مناقب أحمد) :
حدثنا صالح بن أحمد، قال: وجدت في كتاب أبي نسبه، فساقه إلى مازن - كما مر - ثم قال: ابن هذيل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة، كذا قال: هذيل - وهو وهم - وزاد بعد وائل: ابن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم - صلوات الله عليه -.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا صالح بن أحمد، فذكر النسب، فقال فيه: ذهل على الصواب.
وهكذا نقل: إسحاق الغسيلي، عن صالح.
وأما قول عباس الدوري، وأبي بكر بن أبي داود: إن الإمام أحمد من بني ذهل بن شيبان، فوهم، غلطهما الخطيب، وقال: إنما هو من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة.
ثم قال: وذهل بن ثعلبة هم عم ذهل بن شيبان بن ثعلبة.
فينبغي أن يقال فيه: أحمد بن حنبل الذهلي، على الإطلاق.
وقد نسبه أبو عبد الله البخاري إليهما معا.
وأما ابن ماكولا، فمع بصره بهذا الشأن، وهم أيضا.
وقال في نسبه: مازن بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وما تابعه على هذا أحد.
وكان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مرو، مات شابا، له نحو من ثلاثين سنة.
وربي أحمد يتيما، وقيل: إن أمه تحولت من مرو وهي حامل به.
فقال صالح، قال لي أبي: ولدت في ربيع الأول، سنة أربع وستين ومائة.
قال صالح: جيء بأبي حمل من مرو، فمات أبوه شابا، فوليته أمه.
وقال عبد الله بن أحمد، وأحمد بن أبي خيثمة: ولد في ربيع الآخر.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول:
طلبت الحديث سنة تسع وسبعين، فسمعت بموت حماد بن زيد وأنا في مجلس هشيم.
قال صالح: قال أبي: ثقبت أمي أذني، فكانت تصير فيهما لؤلؤتين، فلما ترعرعت، نزعتهما، فكانت عندها، ثم دفعتهما إلي، فبعتهما بنحو من ثلاثين درهما.
قال أبو داود: سمعت يعقوب الدورقي، سمعت أحمد يقول:
ولدت في شهر ربيع الأول، سنة أربع وستين ومائة .
شيوخه:
طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، في العام الذي مات فيه مالك، وحماد بن زيد.
فسمع من: إبراهيم بن سعد قليلا.
ومن: هشيم بن بشير فأكثر وجود.
ومن: عباد بن عباد المهلبي، ومعتمر بن سليمان التيمي، وسفيان بن عيينة الهلالي، وأيوب بن النجار، ويحيى بن أبي زائدة، وعلي بن هاشم بن البريد ، وقران بن تمام، وعمار بن محمد الثوري، والقاضي أبي يوسف، وجابر بن نوح الحماني، وعلي بن غراب القاضي، وعمر بن عبيد الطنافسي، وأخويه؛ يعلى ومحمد.
والمطلب بن زياد، ويوسف بن الماجشون، وجرير بن عبد الحميد، وخالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وعباد بن العوام، وأبي بكر بن عياش، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعبدة بن سليمان.
ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، والنضر بن إسماعيل البجلي، وأبي خالد الأحمر، وعلي بن ثابت الجزري، وأبي عبيدة الحداد، وعبيدة بن حميد الحذاء، ومحمد بن سلمة الحراني، وأبي معاوية الضرير، وعبد الله بن إدريس.
ومروان بن معاوية، وغندر، وابن علية، ومخلد بن يزيد الحراني، وحفص بن غياث، وعبد الوهاب الثقفي، ومحمد بن فضيل، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، والوليد بن مسلم، ويحيى بن سليم - حديثا واحدا - ومحمد بن يزيد الواسطي، ومحمد بن الحسن المزني الواسطي.
ويزيد بن هارون، وعلي بن عاصم، وشعيب بن حرب، ووكيع - فأكثر - ويحيى القطان - فبالغ - ومسكين بن بكير، وأنس بن عياض الليثي، وإسحاق الأزرق، ومعاذ بن معاذ، ومعاذ بن هشام، وعبد الأعلى السامي، ومحمد بن أبي عدي.
وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن بشر، وزيد بن الحباب، وعبد الله بن بكر، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأبي عاصم، وعبد الرزاق، وأبي نعيم، وعفان، وحسين بن علي الجعفي.
وأبي النضر، ويحيى بن آدم، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وحجاج بن محمد، وأبي عامر العقدي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وروح بن عبادة، وأسود بن عامر، ووهب بن جرير، ويونس بن محمد، وسليمان بن حرب، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وخلائق.
إلى أن ينزل في الرواية عن: قتيبة بن سعيد، وعلي بن المديني، وأبي بكر بن أبي شيبة، وهارون بن معروف، وجماعة أقرانه.
فعدة شيوخه الذين روى عنهم في (المسند) : مائتان وثمانون ونيف.
قال عبد الله: حدثني أبي، قال: حدثنا علي بن عبد الله، وذلك قبل المحنة.
قال عبد الله: ولم يحدث أبي عنه بعد المحنة بشيء.
قلت: يريد عبد الله بهذا القول أن أباه لم يحمل عنه بعد المحنة شيئا، وإلا فسماع عبد الله بن أحمد لسائر كتاب (المسند) من أبيه كان بعد المحنة بسنوات، في حدود سنة سبع وثمان وعشرين ومائتين، وما سمع عبد الله شيئا من أبيه ولا من غيره إلا بعد المحنة، فإنه كان أيام المحنة صبيا مميزا، ما كان حله يسمع بعد - والله أعلم -.
حدث عنه: البخاري حديثا، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثا آخر في المغازي.
وحدث عنه: مسلم، وأبو داود بجملة وافرة.
وروى: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، عن رجل، عنه.
وحدث عنه أيضا: ولداه؛ صالح وعبد الله، وابن عمه؛ حنبل بن إسحاق، وشيوخه؛ عبد الرزاق،

والحسن بن موسى الأشيب، وأبو عبد الله الشافعي، لكن الشافعي لم يسمه، بل قال: حدثني الثقة.
وحدث عنه: علي بن المديني، ويحيى بن معين، ودحيم، وأحمد بن صالح، وأحمد بن أبي الحواري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن الفرات.
والحسن بن الصباح البزار، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وحجاج بن الشاعر، ورجاء بن مرجى، وسلمة بن شبيب، وأبو قلابة الرقاشي، والفضل بن سهل الأعرج، ومحمد بن منصور الطوسي، وزياد بن أيوب، وعباس الدوري.
وأبو زرعة، وأبو حاتم، وحرب بن إسماعيل الكرماني، وإسحاق الكوسج، وأبو بكر الأثرم، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر المروذي، وأبو زرعة الدمشقي، وبقي بن مخلد، وأحمد بن أصرم المغفلي، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن ملاعب، وأحمد بن أبي خيثمة، وموسى بن هارون، وأحمد بن علي الأبار، ومحمد بن عبد الله مطين ، وأبو طالب أحمد بن حميد.
وإبراهيم بن هانئ النيسابوري، وولده؛ إسحاق بن إبراهيم، وبدر المغازلي، وزكريا بن يحيى الناقد، ويوسف بن موسى الحربي، وأبو محمد فوران، وعبدوس بن مالك العطار، ويعقوب بن بختان، ومهنى بن يحيى الشامي، وحمدان بن علي الوراق، وأحمد بن محمد القاضي البرتي.
والحسين بن إسحاق التستري، وإبراهيم بن محمد بن الحارث الأصبهاني، وأحمد بن يحيى ثعلب، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وإدريس بن عبد الكريم الحداد، وعمر بن حفص السدوسي، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي، ومحمد بن عبد الرحمن السامي، وعبد الله بن محمد البغوي، وأمم سواهم.
وقد جمع أبو محمد الخلال جزءا في تسمية الرواة عن أحمد، سمعناه: من الحسن بن علي، عن جعفر، عن السلفي، عن جعفر السراج، عنه، فعد فيهم وكيع بن الجراح، ويحيى بن آدم.
قال الخطيب في كتاب (السابق) : أخبرنا أبو سعيد الصيرفي، حدثنا الأصم، حدثنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق:
أن عمر قال: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة .
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة:
أن أحمد أصله بصري، وخطته بمرو، وحدثنا صالح، سمعت أبي يقول: مات هشيم، فخرجت إلى الكوفة سنة ثلاث وثمانين، وأول رحلاتي إلى البصرة سنة ست، وخرجت إلى سفيان سنة سبع، فقدمنا، وقد مات الفضيل بن عياض.
وحججت خمس حجج، منها ثلاث راجلا، أنفقت في إحداها ثلاثين درهما.
وقدم ابن المبارك في سنة تسع وسبعين، وفيها أول سماعي من هشيم، فذهبت إلى مجلس ابن المبارك، فقالوا: قد خرج إلى طرسوس، وكتبت عن هشيم أكثر من ثلاثة آلاف.
ولو كان عندي خمسون درهما، لخرجت إلى جرير إلى الري - قلت: قد سمع منه أحاديث -.
قال: وسمعت أبي يقول: كتبت عن إبراهيم بن سعد في ألواح، وصليت خلفه غير مرة، فكان يسلم واحدة.
وقد روى عن أحمد من شيوخه: ابن مهدي.
فقرأت على إسماعيل بن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا المبارك بن خضير، أخبرنا أبو طالب اليوسفي، أخبرنا إبراهيم بن عمر، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول:
كان أحمد بن حنبل عندي، فقال: نظرنا فيما كان يخالفكم فيه وكيع، أو فيما يخالف وكيع الناس، فإذا هي نيف وستون حديثا.
روى: صالح بن أحمد، عن أبيه، قال:
مات هشيم وأنا ابن عشرين سنة، وأنا أحفظ ما سمعت منه.
ومن صفته:
قال ابن ذريح العكبري: طلبت أحمد بن حنبل ، فسلمت عليه، وكان شيخا مخضوبا، طوالا، أسمر، شديد السمرة.
قال أحمد: سمعت من علي بن هاشم سنة تسع وسبعين، فأتيته المجلس الآخر، وقد مات.
وهي السنة التي مات فيها مالك، وأقمت بمكة سنة سبع وتسعين، وأقمت عند عبد الرزاق سنة تسع وتسعين.
ورأيت ابن وهب بمكة، ولم أكتب عنه.
قال محمد بن حاتم: ولي حنبل - جد الإمام - سرخس، وكان من أبناء الدعوة، فحدثت أنه ضربه المسيب بن زهير ببخارى لكونه شغب الجند.
وعن محمد بن عباس النحوي، قال: رأيت أحمد بن حنبل حسن الوجه، ربعة، يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظا بيضا، ورأيته معتما، وعليه إزار.
وقال المروذي: رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت عامة جلوسه متربعا خاشعا.
فإذا كان برا، لم يتبين منه شدة خشوع، وكنت أدخل والجزء في يده يقرأ.
رحلته وحفظه:
قال صالح: سمعت أبي يقول:
خرجت إلى الكوفة، فكنت في بيت تحت رأسي لبنة، فحججت، فرجعت إلى أمي، ولم أكن استأذنتها.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول:
تزوجت وأنا ابن أربعين سنة، فرزق الله خيرا كثيرا.
قال أبو بكر الخلال في كتاب (أخلاق أحمد) - وهو مجلد -:
أملى علي زهير بن صالح بن أحمد، قال: تزوج جدي عباسة بنت الفضل؛ من العرب، فلم يولد له منها غير أبي، وتوفيت، فتزوج بعدها ريحانة، فولدت عبد الله؛ عمي، ثم توفيت، فاشترى حسن، فولدت أم علي زينب، وولدت الحسن والحسين توأما ، وماتا بقرب ولادتهما، ثم ولدت الحسن ومحمدا، فعاشا حتى صارا من السن إلى نحو من أربعين سنة، ثم ولدت سعيدا.
قيل: كانت والدة عبد الله عوراء، وأقامت معه سنين.
قال المروذي: قال لي أبو عبد الله: اختلفت إلى الكتاب، ثم اختلفت إلى الديوان، وأنا ابن أربع عشرة سنة.
وذكر الخلال حكايات في عقل أحمد وحياته في المكتب، وورعه في الصغر.
حدثنا المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:
مات هشيم ولي عشرون سنة، فخرجت أنا والأعرابي - رفيق كان لأبي عبد الله - قال: فخرجنا مشاة، فوصلنا الكوفة -يعني: في سنة ثلاث وثمانين- فأتينا أبا معاوية، وعنده الخلق، فأعطى الأعرابي حجة بستين درهما، فخرج وتركني في بيت وحدي، فاستوحشت، وليس معي إلا جراب فيه كتبي، كنت أضعه فوق لبنة، وأضع رأسي عليه.
وكنت أذاكر وكيعا بحديث الثوري، وذكر مرة شيئا، فقال: هذا عند هشيم؟
فقلت: لا.
وكان ربما ذكر العشر أحاديث، فأحفظها، فإذا قام، قالوا لي، فأمليها عليهم.
وحدثنا عبد الله بن أحمد، قال لي أبي:
خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام.
وحدثنا عبد الله بن أحمد: سمعت سفيان بن وكيع يقول:
أحفظ عن أبيك مسألة من نحو أربعين سنة.
سئل عن الطلاق قبل النكاح، فقال: يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن علي، وابن عباس، ونيف وعشرين من التابعين، لم يروا به بأسا.
فسألت أبي عن ذلك، فقال: صدق، كذا قلت.
قال: وحفظت أني سمعت أبا بكر بن حماد يقول:
سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: لا يقال لأحمد بن حنبل: من أين قلت؟
وسمعت أبا إسماعيل الترمذي، يذكر عن ابن نمير، قال:
كنت عند وكيع، فجاءه رجل -أو قال: جماعة- من أصحاب أبي حنيفة، فقالوا له: ها هنا رجل بغدادي يتكلم في بعض الكوفيين، فلم يعرفه وكيع. فبينا نحن إذ

طلع أحمد بن حنبل، فقالوا: هذا هو.
فقال وكيع: ها هنا يا أبا عبد الله.
فأفرجوا له، فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكرون.
وجعل أبو عبد الله يحتج بالأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فقالوا لوكيع: هذا بحضرتك ترى ما يقول؟
فقال: رجل يقول: قال رسول الله، أيش أقول له؟
ثم قال: ليس القول إلا كما قلت يا أبا عبد الله.
فقال القوم لوكيع: خدعك -والله- البغدادي.
قال عارم: وضع أحمد عندي نفقته، فقلت له يوما: يا أبا عبد الله، بلغني أنك من العرب.
فقال: يا أبا النعمان، نحن قوم مساكين.
فلم يزل يدافعني حتى خرج، ولم يقل لي شيئا.
قال الخلال: أخبرنا المروذي، أن أبا عبد الله قال: ما تزوجت إلا بعد الأربعين.
وعن أحمد الدورقي، عن أبي عبد الله، قال:
نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه وسبعة لم نضبطه، فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد؟!
قال عبد الله بن أحمد: قال لي أبو زرعة: أبوك يحفظ ألف ألف حديث.
فقيل له: وما يدريك؟
قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب.
فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك.
وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك.
قال ابن أبي حاتم: قال سعيد بن عمرو: يا أبا زرعة، أأنت أحفظ، أم أحمد؟
قال: بل أحمد.
قلت: كيف علمت؟
قال: وجدت كتبه، ليس في أوائل الأجزاء أسماء الذين حدثوه، فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه، وأنا لا أقدر على هذا.

وعن أبي زرعة، قال: حزرت كتب أحمد يوم مات، فبلغت اثني عشر حملا وعدلا ، ما كان على ظهر كتاب منها: حديث فلان، ولا في بطنه: حدثنا فلان، كل ذلك كان يحفظه .
وقال حسن بن منبه: سمعت أبا زرعة يقول:
أخرج إلي أبو عبد الله أجزاء كلها سفيان سفيان، ليس على حديث منها: حدثنا فلان، فظننتها عن رجل واحد، فانتخبت منها.
فلما قرأ ذلك علي، جعل يقول: حدثنا وكيع، ويحيى، وحدثنا فلان، فعجبت، ولم أقدر أنا على هذا .
قال إبراهيم الحربي: رأيت أبا عبد الله، كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين.
وعن رجل، قال: ما رأيت أحدا أعلم بفقه الحديث ومعانيه من أحمد.
أحمد بن سلمة: سمعت ابن راهويه يقول:
كنت أجالس أحمد وابن معين، ونتذاكر، فأقول: ما فقهه؟ ما تفسيره؟
فيسكتون إلا أحمد.
قال أبو بكر الخلال: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها، ثم لم يلتفت إليها.
قال إبراهيم بن شماس: سألنا وكيعا عن خارجة بن مصعب، فقال: نهاني أحمد أن أحدث عنه.
قال العباس بن محمد الخلال: حدثنا إبراهيم بن شماس، سمعت
وكيعا وحفص بن غياث يقولان:
ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى - يعنيان: أحمد بن حنبل -.
وقيل: إن أحمد أتى حسينا الجعفي بكتاب كبير يشفع في أحمد، فقال حسين: يا أبا عبد الله، لا تجعل بيني وبينك منعما، فليس تحمل علي بأحد، إلا وأنت أكبر منه .
الخلال: حدثنا المروذي، أخبرنا خضر المروذي بطرسوس، سمعت ابن راهويه، سمعت يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إمامنا.
الخلال: حدثنا محمد بن علي، حدثنا الأثرم، حدثني بعض من كان مع أبي عبد الله:
أنهم كانوا يجتمعون عند يحيى بن آدم، فيتشاغلون عن الحديث بمناظرة أحمد يحيى بن آدم، ويرتفع الصوت بينهما، وكان يحيى بن آدم واحد أهل زمانه في الفقه.
الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت محمد بن يحيى القطان يقول:
رأيت أبي مكرما لأحمد بن حنبل، لقد بذل له كتبه -أو قال: حديثه-.
وقال القواريري: قال يحيى القطان:
ما قدم علينا مثل هذين؛ أحمد، ويحيى بن معين، وما قدم علي من بغداد أحب إلي من أحمد بن حنبل.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول:
شق على يحيى بن سعيد يوم خرجت من البصرة.
عمرو بن العباس: سمعت عبد الرحمن بن مهدي - ذكر أصحاب الحديث - فقال: أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل.
قال: فأقبل أحمد، فقال ابن مهدي: من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري، فلينظر إلى هذا.
قال المروذي: قال أحمد: عنيت بحديث سفيان، حتى كتبته عن رجلين، حتى كلمنا يحيى بن آدم، فكلم لنا الأشجعي، فكان يخرج إلينا الكتب، فنكتب من غير أن نسمع.
وعن ابن مهدي، قال: ما نظرت إلى أحمد، إلا ذكرت به سفيان.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول:
خالف وكيع ابن مهدي في نحو من ستين حديثا من حديث سفيان، فذكرت ذلك لابن مهدي، وكان يحكيه عني.
عباس الدوري: سمعت أبا عاصم يقول لرجل بغدادي:
من تعدون عندكم اليوم من أصحاب الحديث؟
قال: عندنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، والمعيطي، والسويدي ... ، حتى عد له جماعة بالكوفة أيضا وبالبصرة.
فقال أبو عاصم: قد رأيت جميع من ذكرت، وجاؤوا إلي، لم أر مثل ذاك الفتى - يعني: أحمد بن حنبل -.
قال شجاع بن مخلد: سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول:
ما بالمصرين رجل أكرم علي من أحمد بن حنبل.
وعن سليمان بن حرب، أنه قال لرجل: سل أحمد بن حنبل، وما يقول في مسألة كذا؟ فإنه عندنا إمام.
الخلال: حدثنا علي بن سهل، قال:
رأيت يحيى بن معين عند عفان، ومعه أحمد بن حنبل، فقال: ليس هنا اليوم حديث.
فقال يحيى: ترد أحمد بن حنبل، وقد جاءك؟
فقال: الباب مقفل، والجارية ليست هنا.
قال يحيى: أنا أفتح.
فتكلم على القفل بشيء، ففتحه، فقال عفان: أفشاش أيضا! وحدثهم.
قال: وحدثنا المروذي: قلت لأحمد: أكان أغمي عليك - أو غشي عليك - عند ابن عيينة؟
قال: نعم، في دهليزه، زحمني الناس، فأغمي علي.
وروي: أن سفيان قال يومئذ: كيف أحدث وقد مات خير الناس؟
وقال مهنى بن يحيى: قد رأيت ابن عيينة، ووكيعا، وبقية، وعبد الرزاق، وضمرة، والناس، ما رأيت رجلا أجمع من أحمد في علمه وزهده وورعه، وذكر أشياء.
وقال نوح بن حبيب القومسي: سلمت على أحمد بن حنبل في سنة ثمان وتسعين ومائة بمسجد الخيف، وهو يفتي فتيا واسعة.
وعن شيخ: أنه كان عنده كتاب بخط أحمد بن حنبل، فقال:
كنا عند ابن عيينة سنة، ففقدت أحمد بن حنبل أياما، فدللت على موضعه، فجئت، فإذا هو في شبيه بكهف في جياد ، فقلت: سلام عليكم، أدخل؟
فقال: لا.
ثم قال: ادخل.
فدخلت، وإذا عليه قطعة لبد خلق،
فقلت: لم حجبتني؟
فقال: حتى استترت.
فقلت: ما شأنك؟
قال: سرقت ثيابي.
قال: فبادرت إلى منزلي، فجئته بمائة درهم، فعرضتها عليه، فامتنع، فقلت: قرضا.
فأبى، حتى بلغت عشرين درهما، ويأبى، فقمت، وقلت: ما يحل لك أن تقتل نفسك.
قال: ارجع.
فرجعت، فقال: أليس قد سمعت معي من ابن عيينة؟
قلت: بلى.
قال: تحب أن أنسخه لك؟
قلت: نعم.
قال: اشتر لي ورقا.
قال: فكتب بدراهم اكتسى منها ثوبين.
الحاكم: سمعت بكران بن أحمد الحنظلي الزاهد ببغداد، سمعت عبد الله بن أحمد، سمعت أبي يقول: قدمت صنعاء، أنا ويحيى بن معين، فمضيت إلى عبد الرزاق في قريته، وتخلف يحيى، فلما ذهبت أدق الباب، قال لي بقال تجاه داره: مه، لا تدق، فإن الشيخ يهاب.
فجلست حتى إذا كان قبل المغرب، خرج، فوثبت إليه، وفي يدي أحاديث انتقيتها، فسلمت، وقلت: حدثني بهذه - رحمك الله - فإني رجل غريب.
قال: ومن أنت؟
وزبرني، قلت: أنا أحمد بن حنبل.
قال: فتقاصر، وضمني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟
ثم أخذ الأحاديث، وجعل يقرؤها حتى أظلم.
فقال للبقال: هلم المصباح حتى خرج وقت المغرب، وكان عبد الرزاق يؤخر صلاة المغرب.
الخلال: حدثنا الرمادي، سمعت عبد الرزاق، وذكر أحمد بن حنبل، فدمعت عيناه، فقال:
بلغني أن نفقته نفدت، فأخذت بيده، فأقمته خلف الباب، وما معنا أحد، فقلت له: إنه لا تجتمع عندنا الدنانير، إذا بعنا الغلة، أشغلناها في شيء، وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير، فخذها، وأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ شيء.
فقال لي: يا أبا بكر، لو قبلت

من أحد شيئا، قبلت منك.
وقال عبد الله: قلت لأبي: بلغني أن عبد الرزاق عرض عليك دنانير؟
قال: نعم، وأعطاني يزيد بن هارون خمس مائة درهم - أظن - فلم أقبل، وأعطى يحيى بن معين، وأبا مسلم، فأخذا منه.
وقال محمد بن سهل بن عسكر: سمعت عبد الرزاق يقول:
إن يعش هذا الرجل، يكون خلفا من العلماء.
المروذي: حدثني أبو محمد النسائي، سمعت إسحاق بن راهويه، قال:
كنا عند عبد الرزاق أنا وأحمد بن حنبل، فمضينا معه إلى المصلى يوم عيد، فلم يكبر هو ولا أنا ولا أحمد.
فقال لنا: رأيت معمرا والثوري في هذا اليوم كبرا، وإني رأيتكما لم تكبرا فلم أكبر، فلم لم تكبرا؟
قلنا: نحن نرى التكبير، ولكن شغلنا بأي شيء نبتدئ من الكتب.
أبو إسحاق الجوزجاني، قال: كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق، فسها، فسأل عنه عبد الرزاق، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئا.
رواها الخلال، قال: سمعت أبا زرعة القاضي الدمشقي عن الجوزجاني.
قال الخلال: حدثنا أبو القاسم بن الجبلي، عن أبي إسماعيل الترمذي، عن إسحاق بن راهويه، قال:
كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكانت معي جارية، وسكنا فوق، وأحمد أسفل في البيت.
فقال لي: يا أبا يعقوب، هو ذا يعجبني ما أسمع من حركتكم.
قال: وكنت أطلع، فأراه يعمل التكك، ويبيعها، ويتقوت بها، هذا أو نحوه.

قال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:
كنت في إزري من اليمن إلى مكة، قلت: اكتريت نفسك من الجمالين؟
قال: قد اكتريت لكتبي، ولم يقل لا.
وعن إسماعيل ابن علية: أنه أقيمت الصلاة، فقال: ها هنا أحمد بن حنبل، قولوا له يتقدم يصلي بنا.
وقال الأثرم: أخبرني عبد الله بن المبارك - شيخ سمع قديما - قال:
كنا عند ابن علية، فضحك بعضنا، وثم أحمد.
قال: فأتينا إسماعيل بعد، فوجدناه غضبان.
فقال: تضحكون وعندي أحمد بن حنبل!
قال المروذي: قال لي أبو عبد الله:
كنا عند يزيد بن هارون، فوهم في شيء، فكلمته، فأخرج كتابه، فوجده كما قلت، فغيره، فكان إذا جلس، يقول:
يا ابن حنبل، ادن، يا ابن حنبل، ادن ها هنا.
ومرضت فعادني، فنطحه الباب.
المروذي: سمعت جعفر بن ميمون بن الأصبغ، سمعت أبي يقول: كنا عند يزيد بن هارون، وكان عنده المعيطي، وأبو خيثمة، وأحمد، وكانت في يزيد -رحمه الله- مداعبة، فذاكره المعيطي بشيء.
فقال له يزيد: فقدتك، فتنحنح أحمد، فالتفت إليه، فقال: من ذا؟
قالوا: أحمد بن حنبل.
فقال: ألا أعلمتموني أنه ها هنا؟
قال المروذي: فسمعت بعض الواسطيين يقول: ما رأيت يزيد بن هارون ترك المزاح لأحد إلا لأحمد بن حنبل.
قال أحمد بن سنان القطان: ما رأيت يزيد لأحد أشد تعظيما، منه لأحمد بن حنبل، ولا أكرم أحدا مثله، كان يقعده إلى جنبه، ويوقره، ولا يمازحه.

وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل.
قلت: قال هذا، وقد رأى مثل الثوري ومالك وابن جريج.
وقال حفص بن غياث: ما قدم الكوفة مثل أحمد.
وقال أبو اليمان: كنت أشبه أحمد بأرطاة بن المنذر.
وقال الهيثم بن جميل الحافظ: إن عاش أحمد، سيكون حجة على أهل زمانه.
وقال قتيبة: خير أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب -يعني: أحمد بن حنبل- وإذا رأيت رجلا يحب أحمد، فاعلم أنه صاحب سنة.
ولو أدرك عصر الثوري والأوزاعي والليث، لكان هو المقدم عليهم.
فقيل لقتيبة: يضم أحمد إلى التابعين؟
قال: إلى كبار التابعين.
وقال قتيبة: لولا الثوري، لمات الورع، ولولا أحمد، لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا.
قلت: قد روى أحمد في (مسنده) عن قتيبة كثيرا.
وقيل لأبي مسهر الغساني: تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها؟
قال: شاب في ناحية المشرق -يعني: أحمد-.
قال المزني: قال لي الشافعي: رأيت ببغداد شابا، إذا قال: حدثنا، قال الناس كلهم: صدق.
قلت: ومن هو؟
قال: أحمد بن حنبل.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول:
خرجت من بغداد، فما خلفت بها رجلا أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل.
وقال الزعفراني: قال لي الشافعي:
ما رأيت أعقل من أحمد، وسليمان بن داود الهاشمي.

قال محمد بن إسحاق بن راهويه: حدثني أبي، قال:
قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أريك من لم ير مثله، فذهب بي إلى الشافعي.
قال أبي: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل.
ولولا أحمد وبذل نفسه، لذهب الإسلام - يريد المحنة -.
وروي عن إسحاق بن راهويه، قال: أحمد حجة بين الله وبين خلقه.
وقال محمد بن عبدويه: سمعت علي بن المديني يقول: أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه؛ لأن سعيدا كان له نظراء.
وعن ابن المديني، قال: أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة.
وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل - وهو أفقههم - ... ، وذكر الحكاية.
وقال أبو عبيد: إني لأتدين بذكر أحمد، ما رأيت رجلا أعلم بالسنة منه.
وقال الحسن بن الربيع: ما شبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته.
الطبراني: حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي، قال: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل، فقال رجل: فبعض هذا.
فقال يحيى: وكثرة الثناء على أحمد تستنكر! لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه، ما ذكرنا فضائله بكمالها.
وروى عباس، عن ابن معين، قال: ما رأيت مثل أحمد.

وقال النفيلي: كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.
وقال المروذي: حضرت أبا ثور سئل عن مسألة، فقال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا كذا.
وقال ابن معين: ما رأيت من يحدث لله إلا ثلاثة: يعلى بن عبيد، والقعنبي ، وأحمد بن حنبل.
وقال ابن معين: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله لا أكون مثله أبدا.
وقال أبو خيثمة: ما رأيت مثل أحمد، ولا أشد منه قلبا.
وقال علي بن خشرم: سمعت بشر بن الحارث يقول: أنا أسأل عن أحمد بن حنبل؟! إن أحمد أدخل الكير، فخرج ذهبا أحمر.
وقال عبد الله بن أحمد: قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب أبي: لو أنك خرجت فقلت: إني على قول أحمد.
فقال: أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء؟!
القاسم بن محمد الصائغ: سمعت المروذي يقول: دخلت على ذي النون السجن، ونحن بالعسكر، فقال: أي شيء حال سيدنا؟
يعني: أحمد بن حنبل.
وقال محمد بن حماد الطهراني: سمعت أبا ثور الفقيه يقول: أحمد بن حنبل أعلم - أو أفقه - من الثوري.
وقال نصر بن علي الجهضمي: أحمد أفضل أهل زمانه.
قال صالح بن علي الحلبي: سمعت أبا همام السكوني يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، ولا رأى هو مثله.
وعن حجاج بن الشاعر، قال: ما رأيت أفضل من أحمد، وما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ولم أصل على أحمد، بلغ -والله- في الإمامة أكبر من مبلغ سفيان ومالك.
وقال عمرو الناقد: إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديث، لا أبالي من خالفني.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل، أيهما أحفظ؟
فقال: كانا في الحفظ متقاربين، وكان أحمد أفقه، إذا رأيت من يحب أحمد، فاعلم أنه صاحب سنة.
وقال أبو زرعة: أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه، ما رأيت أحدا أكمل من أحمد.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: جعلت أحمد إماما فيما بيني وبين الله.
وقال محمد بن مهران الجمال: ما بقي غير أحمد.
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: سمعت محمد بن سحتويه، سمعت أبا عمير بن النحاس الرملي، وذكر أحمد بن حنبل، فقال: رحمه الله، عن الدنيا ما كان أصبره! وبالماضين ما كان أشبهه!، وبالصالحين ما كان ألحقه! عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.
قال أبو حاتم: كان أبو عمير من عباد المسلمين.
قال لي: أمل علي شيئا عن أحمد بن حنبل.

وروى عن أبي عبد الله البوشنجي، قال:
ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد بن حنبل، ولا أعقل منه.
وقال ابن وارة: كان أحمد صاحب فقه، صاحب حفظ، صاحب معرفة.
وقال النسائي: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد والصبر.
وعن عبد الوهاب الوراق، قال:
لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فردوه إلى عالمه ) ، رددناه إلى أحمد بن حنبل، وكان أعلم أهل زمانه.
وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط.
قال صالح بن محمد جزرة: أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن حنبل.
قال علي بن خلف: سمعت الحميدي يقول:
ما دمت بالحجاز، وأحمد بالعراق، وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد.
الخلال: حدثنا محمد بن ياسين البلدي، سمعت ابن أبي أويس، وقيل له: ذهب أصحاب الحديث، فقال:
ما أبقى الله أحمد بن حنبل، فلم يذهب أصحاب الحديث.
وعن ابن المديني، قال: أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب.
الحسين بن الحسن أبو معين الرازي: سمعت ابن المديني يقول:
ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة.
وعنه، قال أحمد: اليوم حجة الله على خلقه.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليمن الكندي، أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا أبو يعقوب القراب، أخبرنا محمد بن عبد الله الجوزقي، سمعت أبا حامد الشرقي، سمعت أحمد بن سلمة، سمعت أحمد بن عاصم، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول:
انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل - وهو أفقههم فيه - وإلى ابن أبي شيبة - وهو أحفظهم له - وإلى علي بن المديني - وهو أعلمهم به - وإلى يحيى بن معين - وهو أكتبهم له -.
إسحاق المنجنيقي: حدثنا القاسم بن محمد المؤدب، عن محمد بن أبي بشر، قال:
أتيت أحمد بن حنبل في مسألة، فقال: ائت أبا عبيد، فإن له بيانا لا تسمعه من غيره.
فأتيته، فشفاني جوابه، فأخبرته بقول أحمد، فقال: ذاك رجل من عمال الله، نشر الله رداء عمله، وذخر له عنده الزلفى، أما تراه محببا مألوفا، ما رأت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه خصال هي فيه، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم، فإنه لكما قيل:

وبإسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا نصر بن أبي نصر الطوسي، سمعت علي بن أحمد بن خشيش، سمعت أبا الحديد الصوفي بمصر، عن أبيه، عن المزني، يقول:
أحمد بن حنبل يوم المحنة، أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين.
قال أحمد بن محمد الرشديني: سمعت أحمد بن صالح المصري يقول:
ما رأيت بالعراق مثل هذين: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، رجلين جامعين، لم أر مثلهما بالعراق.
وروى: أحمد بن سلمة النيسابوري، عن ابن وارة، قال:
أحمد بن حنبل ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، وأبو جعفر النفيلي بحران، وابن نمير بالكوفة، هؤلاء أركان الدين.
وقال علي بن الجنيد الرازي: سمعت أبا جعفر النفيلي يقول:
كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.
وعن محمد بن مصعب العابد، قال: لسوط ضربه أحمد بن حنبل في الله، أكبر من أيام بشر بن الحارث.
قلت: بشر: عظيم القدر كأحمد، ولا ندري وزن الأعمال، إنما الله يعلم ذلك.
قال أبو عبد الرحمن النهاوندي: سمعت يعقوب الفسوي يقول:
كتبت عن ألف شيخ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن حنبل، وأحمد بن صالح.
وبالإسناد إلى الأنصاري شيخ الإسلام: أخبرنا أبو يعقوب، أخبرنا منصور بن عبد الله الذهلي، حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري، سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي - وذكر أحمد بن حنبل - فقال:
هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري؛ وذلك أن سفيان لم يمتحن بمثل ما امتحن به أحمد، ولا علم سفيان ومن يقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن حنبل؛ لأنه كان أجمع لها، وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم.
قال: ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال:
قام أحمد مقام الأنبياء، وأحمد عندنا امتحن بالسراء والضراء، فكان فيهما معتصما بالله.
قال أبو يحيى الناقد: كنا عند إبراهيم بن عرعرة، فذكروا يعلى بن عاصم، فقال رجل: أحمد بن حنبل يضعفه.
فقال رجل: وما يضره إذا كان ثقة؟
فقال ابن عرعرة: والله لو تكلم أحمد في علقمة والأسود، لضرهما.
وقال الحنيني: سمعت إسماعيل بن الخليل يقول:
لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل، لكان آية.
وعن علي بن شعيب، قال: عندنا المثل الكائن في بني إسرائيل، من أن أحدهم كان يوضع المنشار على مفرق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه، ولولا أن أحمد قام بهذا الشأن، لكان عارا علينا أن قوما سبكوا، فلم يخرج منهم أحد.
قال ابن سلم: سمعت محمد بن نصر المروزي يقول: صرت إلى

دار أحمد بن حنبل مرارا، وسألته عن مسائل، فقيل له: أكان أكثر حديثا أم إسحاق؟
قال: بل أحمد أكثر حديثا وأورع، أحمد فاق أهل زمانه.
قلت: كان أحمد عظيم الشأن، رأسا في الحديث وفي الفقه، وفي التأله، أثنى عليه خلق من خصومه، فما الظن بإخوانه وأقرانه؟!
وكان مهيبا في ذات الله، حتى لقال أبو عبيد: ما هبت أحدا في مسألة، ما هبت أحمد بن حنبل.
وقال إبراهيم الحربي: عالم وقته: سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، وأحمد بن حنبل في زمانه.
قرأت على إسحاق الأسدي: أخبركم ابن خليل، أخبرنا اللبان، عن أبي علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو بكر بن مالك، حدثنا محمد بن يونس، حدثني سليمان الشاذكوني، قال:
يشبه علي بن المديني بأحمد بن حنبل؟ أيهات!! ما أشبه السك باللك ، لقد حضرت من ورعه شيئا بمكة:
أنه أرهن سطلا عند فامي ، فأخذ منه شيئا ليقوته، فجاء، فأعطاه فكاكه، فأخرج إليه سطلين، فقال: انظر أيهما سطلك؟
فقال: لا أدري أنت في حل منه، وما أعطيتك، ولم يأخذه.
قال الفامي: والله إنه لسطله، وإنما أردت أن أمتحنه فيه.
وبه: إلى أبي نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا الأبار، سمعت محمد بن يحيى النيسابوري - حين بلغه وفاة أحمد - يقول:
ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يقيموا عليه النياحة في دورهم.
قلت: تكلم الذهلي بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع .
قال أحمد بن القاسم المقرئ: سمعت الحسين الكرابيسي يقول:
مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل، مثل قوم يجيئون إلى أبي قبيس يريدون أن يهدموه بنعالهم.
الطبراني: حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ، قال:
رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة، ومصعب الزبيري، ويحيى بن معين، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأخيه، وعبد الأعلى بن حماد، وابن أبي الشوارب، وعلي بن المديني، والقواريري، وأبي خيثمة، وأبي معمر، والوركاني، وأحمد بن محمد بن أيوب، ومحمد بن بكار، وعمرو الناقد، ويحيى بن أيوب المقابري، وسريج بن يونس، وخلف بن هشام، وأبي الربيع الزهراني - فيمن لا أحصيهم - يعظمون أحمد ويجلونه ويوقرونه ويبجلونه ويقصدونه للسلام عليه.
قال أبو علي بن شاذان: قال لي محمد بن عبد الله الشافعي:
لما مات سعيد بن أحمد بن حنبل، جاء إبراهيم الحربي إلى عبد الله بن أحمد، فقام إليه عبد الله، فقال: تقوم إلي؟
قال: والله لو رآك أبي، لقام إليك.
فقال إبراهيم: والله لو رأى ابن عيينة أباك، لقام إليه.
قال محمد بن أيوب العكبري: سمعت إبراهيم الحربي يقول:
التابعون كلهم، وآخرهم أحمد بن حنبل - وهو عندي أجلهم - يقولون: من حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ثم فعله ناسيا، كلهم يلزمونه الطلاق.
وعن الأثرم، قال: ناظرت رجلا، فقال: من قال بهذه المسألة؟
قلت: من ليس في شرق ولا غرب مثله.
قال: من؟
قلت: أحمد بن حنبل.
وقد أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله، وتبركوا به.
روى ذلك: أبو الفرج بن الجوزي، وشيخ الإسلام، ولم يصح سند بعض ذلك.
أخبرنا إسماعيل بن عميرة، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو طالب بن خضير، أخبرنا أبو طالب اليوسفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا أبو زرعة، وقيل له: اختيار أحمد وإسحاق أحب إليك، أم قول الشافعي؟
قال: بل اختيار أحمد فإسحاق، ما أعلم في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد بن حنبل، وما رأيت أحدا أجمع منه.
في فضله وتألهه وشمائله:
وبه، قال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد، قال:
دخلت على أبي يوما أيام الواثق - والله يعلم على أي حال نحن - وقد خرج لصلاة العصر، وكان له لبد يجلس عليه، قد أتى عليه سنون كثيرة حتى بلي، وإذا تحته كتاب كاغد فيه:
بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق، وما عليك من الدين، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان، وما هي من صدقة ولا زكاة، وإنما هو شيء ورثته من أبي. فقرأت الكتاب، ووضعته،
فلما دخل، قلت: يا أبة، ما هذا الكتاب؟
فاحمر وجهه، وقال: رفعته منك.
ثم قال: تذهب لجوابه ؟
فكتب إلى الرجل: وصل كتابك إلي، ونحن في عافية.
فأما الدين، فإنه لرجل لا يرهقنا، وأما عيالنا، ففي نعمة الله.
فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل، فلما كان بعد حين، ورد كتاب الرجل مثل ذلك، فرد عليه بمثل ما رد.
فلما مضت سنة أو نحوها، ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها، كانت قد ذهبت.
وشهدت ابن الجروي وقد جاء بعد المغرب، فقال لأبي: أنا رجل مشهور، وقد أتيتك في هذا الوقت، وعندي شيء قد اعتددته لك، وهو ميراث، فأحب أن تقبله.
فلم يزل به، فلما أكثر عليه، قام ودخل.
قال صالح: فأخبرت عن ابن الجروي أنه قال:
قلت له: يا أبا عبد الله هي ثلاثة آلاف دينار.
فقام وتركني.
قال صالح: ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من المحدثين، ووجه بقمطر إلى أبي، فرده، وولد لي مولود، فأهدى صديق لي شيئا، ثم أتى على ذلك أشهر، وأراد الخروج إلى البصرة، فقال لي: تكلم أبا عبد الله يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة؟
فكلمته، فقال: لولا أنه أهدى إليك، كنت أكتب له.
وبه، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، قال:
بلغني أن أحمد بن حنبل رهن نعله عند خباز باليمن، وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه، وعرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة، فلم يقبلها.
وبعث ابن طاهر حين مات أحمد بأكفان وحنوط، فأبى صالح أن
يقبله، وقال: إن أبي قد أعد كفنه وحنوطه.
ورده، فراجعه، فقال: إن أمير المؤمنين أعفى أبا عبد الله مما يكره، وهذا مما يكره، فلست أقبله.
وبه حدثنا صالح، قال: قال أبي:
جاءني يحيى بن يحيى - قال أبي: وما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك رجلا يشبه يحيى بن يحيى - فجاءني ابنه، فقال: إن أبي أوصى بمبطنة له لك، وقال يذكرني بها.
فقلت: جئ بها.
فجاء برزمة ثياب، فقلت له: اذهب رحمك الله -يعني: ولم يقبلها-.
قلت: وقيل: أنه أخذ منها ثوبا واحدا.
وبه، قال: حدثنا صالح، قال: قلت لأبي: إن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار.
فقال: يا بني: {ورزق ربك خير وأبقى} [طه: 131] .
وبه: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثني عبيد القاري، قال:
دخل على أحمد عمه، فقال: يا ابن أخي، أيش هذا الغم؟
وأيش هذا الحزن؟
فرفع رأسه، وقال: يا عم، طوبى لمن أخمل الله ذكره.
وبه: سمعت أبي يقول:
كان أحمد إذا رأيته، تعلم أنه لا يظهر النسك، رأيت عليه نعلا لا يشبه نعال القراء، له رأس كبير معقد، وشراكه مسبل، ورأيت عليه إزارا وجبة برد مخططة.
أي: لم يكن بزي القراء.
وبه، حدثنا صالح: قال لي أبي:
جاءني أمس رجل كنت أحب أن تراه، بينا أنا قاعد في نحر الظهيرة، إذا برجل سلم بالباب، فكأن قلبي ارتاح، ففتحت، فإذا أنا برجل عليه فروة، وعلى رأسه خرقة، ما تحت فروه قميص، ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز، قد لوحته الشمس، فقلت:

ادخل.
فدخل الدهليز، فقلت: من أين أقبلت؟
قال: من ناحية المشرق أريد الساحل، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد، نويت السلام عليك.
قلت: على هذه الحال؟
قال: نعم، ما الزهد في الدنيا؟
قلت: قصر الأمل.
قال: فجعلت أعجب منه، فقلت في نفسي: ما عندي ذهب ولا فضة.
فدخلت البيت، فأخذت أربعة أرغفة، فخرجت إليه، فقال: أو يسرك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله؟
قلت: نعم.
فأخذها، فوضعها تحت حضنه، وقال: أرجو أن تكفيني إلى الرقة، أستودعك الله.
فكان يذكره كثيرا.
وبه: كتب إلي عبد الله بن أحمد، سمعت أبي، وذكر الدنيا، فقال: قليلها يجزئ، وكثيرها لا يجزئ.
وقال أبي - وقد ذكر عنده الفقر - فقال: الفقر مع الخير.
وبه: حدثنا صالح، قال:
أمسك أبي عن مكاتبة ابن راهويه، لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه.
وبه، قال: ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري، سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال:
ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا، ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا بشدة بياض من أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-.
كان ثيابه بين الثوبين، تسوى ملحفته خمسة عشر درهما، وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه، لم يكن له دقة تنكر، ولا غلظ ينكر، وكان ملحفته مهذبة.
وبه: حدثنا صالح، قال:
ربما رأيت أبي يأخذ الكسر، ينفض الغبار عنها، ويصيرها في قصعة، ويصب عليها ماء، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة - فيأكلها

بخبز - وعنبا وتمرا.
وقال لي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقا، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا، وكنا إذا اشترينا الشيء، نستره عنه كيلا يراه، فيوبخنا، وكان ربما خبز له، فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات شهريز ، فيجيء الصبيان، فيصوت ببعضهم، فيدفعه إليهم، فيضحكون ولا يأكلون.
وكان يأتدم بالخل كثيرا.
قال: وقال أبي: إذا لم يكن عندي قطعة، أفرح.
وكان إذا توضأ، لا يدع من يستقي له، وربما اعتللت فيأخذ قدحا فيه ماء، فيقرأ فيه، ثم يقول: اشرب منه، واغسل وجهك ويديك.
وكانت له قلنسوة خاطها بيده، فيها قطن، فإذا قام بالليل، لبسها.
وكان ربما أخذ القدوم، وخرج إلى دار السكان، يعمل الشيء بيده.
واعتل فتعالج.
وكان ربما خرج إلى البقال، فيشتري الجرزة الحطب والشيء، فيحمله بيده.
وكان يتنور في البيت.
فقال لي في يوم شتوي: أريد أدخل الحمام بعد المغرب، فقل لصاحب الحمام.
ثم بعث إلي: إني قد أضربت عن الدخول.
وتنور في البيت.
وكنت أسمعه كثيرا يقول: اللهم سلم سلم.
وبه: حدثنا أحمد بن سنان، قال:
بعث إلى أحمد بن حنبل حيث كان
عندنا أيام يزيد جوز ونبق كثير ، فقبل، وقال لي: كل هذا.
قال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي - وذكر عنده الشافعي رحمه الله - فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه.
ثم قال عبد الله: كل شيء في كتاب الشافعي: حدثنا الثقة، فهو عن أبي.
الخلال: حدثنا المروذي، قال:
قدم رجل من الزهاد، فأدخلته على أحمد، وعليه فرو خلق، وخريقة على رأسه، وهو حاف في برد شديد، فسلم، وقال: يا أبا عبد الله، قد جئت من موضع بعيد، وما أردت إلا السلام عليك، وأريد عبادان، وأريد إن أنا رجعت، أسلم عليك.
فقال: إن قدر.
فقام الرجل وسلم، وأبو عبد الله قاعد، فما رأيت أحدا قام من عند أبي عبد الله حتى يقوم هو، إلا هذا الرجل.
فقال لي أبو عبد الله: ما ترى ما أشبهه بالأبدال، أو قال: إني لأذكر به الأبدال.
وأخرج إليه أبو عبد الله أربعة أرغفة مشطورة بكامخ ، وقال: لو كان عندنا شيء، لواسيناك.
وأخبرنا المروذي: قلت لأبي عبد الله: ما أكثر الداعي لك!
قال: أخاف أن يكون هذا استدراجا بأي شيء هذا؟
وقلت له: قدم رجل من طرسوس، فقال: كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل، رفعوا أصواتهم بالدعاء، ادعوا لأبي عبد الله، وكنا نمد المنجنيق، ونرمي عن أبي عبد الله.
ولقد رمي عنه بحجر، والعلج على الحصن متترس بدرقة، فذهب برأسه وبالدرقة.
قال: فتغير وجه أبي عبد الله، وقال: ليته لا يكون استدراجا.
قلت: كلا.
وعن رجل، قال: عندنا بخراسان يظنون أن أحمد لا يشبه البشر، يظنون أنه من الملائكة.
وقال آخر: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة.
قلت: هذا غلو لا ينبغي، لكن الباعث له حب ولي الله في الله.
قال المروذي: رأيت طبيبا نصرانيا خرج من عند أحمد ومعه راهب، فقال: إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله.
وأدخلت نصرانيا على أبي عبد الله، فقال له: إني لأشتهي أن أراك منذ سنين، ما بقاؤك صلاح للإسلام وحدهم، بل للخلق جميعا، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك.
فقلت لأبي عبد الله: إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار.
فقال: يا أبا بكر، إذا عرف الرجل نفسه، فما ينفعه كلام الناس.
قال عبد الله بن أحمد: خرج أبي إلى طرسوس ماشيا، وحج حجتين أو ثلاثا ماشيا، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبشر لم يكن يصبر على الوحدة، كان يخرج إلى ذا وإلى ذا.
وقال عباس الدوري: حدثنا علي بن أبي فزارة - جارنا - قال:
كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة، فقالت لي يوما: اذهب إلى أحمد بن حنبل، فسله أن يدعو لي.
فأتيت، فدققت عليه وهو في دهليزه، فقال: من هذا؟
قلت: رجل سألتني أمي - وهي مقعدة - أن أسألك الدعاء.
فسمعت كلامه كلام رجل مغضب، فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا.
فوليت منصرفا، فخرجت عجوز، فقالت: قد تركته يدعو لها. فجئت إلى بيتنا،
ودققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي.
هذه الواقعة نقلها: ثقتان، عن عباس.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط، أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة.
وعن أبي إسماعيل الترمذي، قال: جاء رجل بعشرة آلاف من ربح تجارته إلى أحمد، فردها.
وقيل: إن صيرفيا بذل لأحمد خمس مائة دينار، فلم يقبل.
ومن آدابه:
قال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضعها على فيه يقبلها.
وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به.
ورأيته أخذ قصعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فغسلها في حب الماء، ثم شرب فيها، ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه.
قلت: أين المتنطع المنكر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويمس الحجرة النبوية، فقال: لا أرى بذلك بأسا.
أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع.
قال أحمد بن سعيد الدارمي: كتب إلي أحمد بن حنبل: لأبي جعفر - أكرمه الله - من أحمد بن حنبل.
قال عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري: حدثنا أبي، قال:
مضى عمي أحمد بن سعد إلى أحمد بن حنبل، فسلم عليه، فلما رآه، وثب قائما وأكرمه.

وقال المروذي: قال لي أحمد:
ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به، حتى مر بي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم، وأعطى أبا طيبة دينارا ، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت.
وعن المروذي: كان أبو عبد الله لا يدخل الحمام، ويتنور في البيت، وأصلحت غير مرة النورة، واشتريت له جلدا ليده يدخل يده فيه ويتنور.
وقال حنبل: رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام، قال لجلسائه: إذا شئتم.
قال المروذي: رأيت أبا عبد الله قد ألقى لختان درهمين في الطست.
وقال عبد الله: ما رأيت أبي حدث من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث، وسمعت أبي يقول:
قال الشافعي: يا أبا عبد الله، إذا صح عندكم الحديث، فأخبرونا حتى نرجع إليه، أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا.
قلت: لم يحتج إلى أن يقول: حجازيا، فإنه كان بصيرا بحديث
الحجاز، ولا قال: مصريا، فإن غيرهما كان أقعد بحديث مصر منهما.
الطبراني: حدثنا موسى بن هارون: سمعت ابن راهويه يقول:
لما خرج أحمد إلى عبد الرزاق، انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه من بعض الجمالين إلى أن وافى صنعاء، وعرض عليه أصحابه المواساة، فلم يأخذ.
قال عبد الله بن أحمد: حدثني إسماعيل بن أبي الحارث، قال:
مر بنا أحمد، فقلنا لإنسان: اتبعه، وانظر أين يذهب.
فقال: جاء إلى حنك المروزي، فما كان إلا ساعة حتى خرج.
فقلت لحنك بعد: جاءك أبو عبد الله؟
قال: هو صديق لي، واستقرض مني مائتي درهم، فجاءني بها، فقلت: ما نويت أخذها.
فقال: وأنا ما نويت إلا أن أردها إليك.
أبو نعيم: حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن موسى البربري، قال:
حمل إلى الحسن الجروي ميراثه من مصر مائة ألف دينار، فأتى أحمد بثلاثة آلاف دينار، فما قبلها.
أبو نعيم: حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا شاكر بن جعفر، سمعت أحمد بن محمد التستري يقول:
ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها، فبعث إلى صديق له، فاقترض منه دقيقا، فجهزوه بسرعة، فقال: كيف ذا؟
قالوا: تنور صالح مسجر، فخبرنا فيه.
فقال: ارفعوا.
وأمر بسد باب بينه وبين صالح.
قلت: لكونه أخذ جائزة المتوكل.
قال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد، صحبناه خمسين سنة، ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يقرأ كل يوم سبعا، وكان ينام نومة

خفيفة بعد العشاء، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو.
وقال صالح: كان أبي إذا دعا له رجل، قال:
ليس يحرز الرجل المؤمن إلا حفرته، الأعمال بخواتيمها.
وقال أبي في مرضه: أخرج كتاب عبد الله بن إدريس، فقال: اقرأ علي حديث ليث: أن طاووسا كان يكره الأنين في المرض.
فما سمعت لأبي أنينا حتى مات .
وسمعه ابنه؛ عبد الله يقول: تمنيت الموت، وهذا أمر أشد علي من ذلك، ذاك فتنة الضرب والحبس كنت أحمله، وهذه فتنة الدنيا.
قال أحمد الدورقي: لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق، رأيت به شحوبا بمكة، وقد تبين عليه النصب والتعب، فكلمته، فقال: هين فيما استفدنا من عبد الرزاق.
قال عبد الله: قال أبي: ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه إلا المجلس الأول، وذلك أنا دخلنا بالليل، فأملى علينا سبعين حديثا، وقد جالس معمرا تسع سنين، وكان يكتب عنه كل ما يقول.
قال عبد الله: من سمع من عبد الرزاق بعد المائتين، فسماعه ضعيف.
قال موسى بن هارون: سئل أحمد: أين نطلب البدلاء؟
فسكت، ثم قال: إن لم يكن من أصحاب الحديث، فلا أدري.
قال المروذي: كان أبو عبد الله إذا ذكر الموت، خنقته العبرة.
وكان يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموت، هان علي كل أمر الدنيا، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام
قلائل، ما أعدل بالفقر شيئا، ولو وجدت السبيل، لخرجت حتى لا يكون لي ذكر.
وقال: أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف، قد بليت بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحا ومساء.
قال المروذي: وذكر لأحمد أن رجلا يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له .
قال: لقد استرحت، ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا أحدث، وليتنا نترك، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث.
فقلت له: إن فلانا قال: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها.
قال: زهد في الناس.
فقال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟ الناس يريدون أن يزهدوا في.
وسمعته يكره للرجل النوم بعد العصر، يخاف على عقله .
وقال: لا يفلح من تعاطى الكلام، ولا يخلو من أن يتجهم .
وسئل عن القراءة بالألحان، فقال: هذه بدعة لا تسمع.
ومن سيرته:
قال الخلال: قلت لزهير بن صالح: هل رأيت جدك؟
قال: نعم، مات وأنا في عشر سنين، كنا ندخل إليه في كل يوم جمعة أنا وأخواتي، وكان بيننا وبينه باب، وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى فامي يعامله.
وربما مررت به وهو قاعد في الشمس، وظهره مكشوف، فيه أثر الضرب بين، وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي، فأراد أبي أن يختنه، فاتخذ له طعاما كثيرا، ودعا قوما.
فوجه إليه جدي: بلغني ما أحدثته لهذا، وإنك أسرفت، فابدأ بالفقراء والضعفاء.
فلما أن كان من الغد، حضر الحجام، وحضر أهلنا، جاء جدي حتى جلس عند الصبي، وأخرج صريرة، فدفعها إلى الحجام، وقام، فنظر الحجام في الصريرة، فإذا درهم واحد.
وكنا قد رفعنا كثيرا من الفرش، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة من الثياب الملونة، فلم ينكر ذلك.
وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي، فنزل على أبي، فدخلت معه إلى جدي، فجاءت الجارية بطبق خلاف، وعليه خبز وبقل وملح، وبغضارة، فوضعتها بين أيدينا، فيها مصلية فيها لحم وصلق كثير، فأكل معنا، وسأل ابن خالته عمن بقي من أهله بخراسان في خلال الأكل، فربما
استعجم عليه، فيكلمه جدي بالفارسية، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي.
ثم أخذ طبقا إلى جنبه، فوضع فيه تمر وجوز، وجعل يأكل ويناول الرجل.
قال الميموني: كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء، فيقول: لبيك لبيك.
وعن المروذي، قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد، كان مائلا إليهم، مقصرا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا، لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده، لم يتصدر.
قال عبد الله: رأيت أبي حرج على النمل أن يخرجوا من داره، فرأيت النمل قد خرجن بعد نملا سودا، فلم أرهم بعد ذلك.
ومن كرمه:
الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال:
قال أبو سعيد بن أبي حنيفة المؤدب: كنت آتي أباك، فيدفع إلي الثلاثة دراهم وأقل وأكثر، ويقعد معي، فيتحدث، وربما أعطاني الشيء، ويقول: أعطيتك نصف ما عندنا.
فجئت يوما، فأطلت القعود أنا وهو.
قال: ثم خرج ومعه تحت كسائه أربعة أرغفة، فقال: هذا نصف ما عندنا.
فقلت: هي أحب إلي من أربعة آلاف من غيرك.
قال المروذي: رأيت أبا عبد الله، وجاءه بعض قرابته، فأعطاه درهمين، وأتاه رجل، فبعث إلى البقال، فأعطاه نصف درهم.
وعن يحيى بن هلال، قال: جئت أحمد، فأعطاني أربعة دراهم.

وقال هارون المستملي: لقيت أحمد بن حنبل، فقلت: ما عندنا شيء.
فأعطاني خمسة دراهم، وقال: ما عندنا غيرها.
قال المروذي: رأيت أبا عبد الله قد وهب لرجل قميصه، وقال: ربما واسى من قوته.
وكان إذا جاءه أمر يهمه من أمر الدنيا، لم يفطر وواصل.
وجاءه أبو سعيد الضرير، وكان قال قصيدة في ابن أبي داود، فشكى إلى أبي عبد الله، فقال: يا أبا سعيد، ما عندنا إلا هذا الجذع.
فجيء بحمال، قال: فبعته بتسعة دراهم ودانقين.
وكان أبو عبد الله شديد الحياء، كريم الأخلاق، يعجبه السخاء.
قال المروذي: سمعت أبا الفوارس ساكن أبي عبد الله يقول:
قال لي أبو عبد الله: يا محمد، ألقى الصبي المقراض في البئر.
فنزلت، فأخرجته.
فكتب لي إلى البقال: أعطه نصف درهم.
قلت: هذا لا يسوى قيراطا، والله لا أخذته.
قال: فلما كان بعد، دعاني، فقال: كم عليك من الكراء؟
فقلت: ثلاثة أشهر.
قال: أنت في حل.
ثم قال أبو بكر الخلال: فاعتبروا يا أولي الألباب والعلم، هل تجدون أحدا بلغكم عنه هذه الأخلاق؟!!
حدثنا علي بن سهل بن المغيرة، قال: كنا عند عفان مع أحمد بن حنبل وأصحابهم، وصنع لهم عفان حملا وفالوذج، فجعل أحمد يأكل من كل شيء قدموا، إلا الفالوذج.
فسألته، فقال: كان يقال: هو أرفع الطعام فلا يأكله.
وفي حكاية أخرى: فأكل لقمة فالوذج.
وعن ابن صبح، قال: حضرت أبا عبد الله على طعام، فجاءوا بأرز، فقال أبو عبد الله: نعم الطعام، إن أكل في أول الطعام أشبع، وإن

أكل في آخره هضم.
ونقل عن أبي عبد الله إجابة غير دعوة.
قال حمدان بن علي: لم يكن لباس أحمد بذاك، إلا أنه قطن نظيف.
وقال الفضل بن زياد: رأيت على أبي عبد الله في الشتاء قميصين وجبة ملونة بينهما، وربما قميصا وفروا ثقيلا، ورأيته عليه عمامة فوق القلنسوة، وكساء ثقيلا.
فسمعت أبا عمران الوركاني يقول له يوما: يا أبا عبد الله، هذا اللباس كله؟
فضحك، ثم قال: أنا رقيق في البرد، وربما لبس القلنسوة بغير عمامة.
قال الفضل بن زياد: رأيت على أبي عبد الله في الصيف قميصا وسراويل ورداء، وكان كثيرا ما يتشح فوق القميص.
الخلال: أخبرنا الميموني:
ما رأيت أبا عبد الله عليه طيلسان قط، ولا رداء، إنما هو إزار صغير.
وقال أبو داود: كنت أرى أزرار أبي عبد الله محلولة، ورأيت عليه من النعال ومن الخفاف غير زوج، فما رأيت فيه مخضرا ولا شيئا له قبالان .
وقال أبو داود: رأيت على أبي عبد الله نعلين حمراوين لهما قبال واحد.
الخلال: حدثنا محمد بن الحسين، أن أبا بكر المروذي حدثهم في آداب أبي عبد الله، قال:
كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جهل عليه، حلم
واحتمل، ويقول: يكفي الله.
ولم يكن بالحقود ولا العجول، كثير التواضع، حسن الخلق، دائم البشر، لين الجانب، ليس بفظ، وكان يحب في الله، ويبغض في الله، وإذا كان في أمر من الدين، اشتد له غضبه، وكان يحتمل الأذى من الجيران.
قال حنبل: صليت بأبي عبد الله العصر، فصلى معنا رجل يقال له: محمد بن سعيد الختلي، وكان يعرفه بالسنة، فقعد أبو عبد الله بعد الصلاة، وبقيت أنا وهو والختلي في المسجد ما معنا رابع، فقال لأبي عبد الله: نهيت عن زيد بن خلف أن لا يكلم؟
قال: كتب إلي أهل الثغر يسألوني عن أمره، فكتبت إليهم، فأخبرتهم بمذهبه وما أحدث، وأمرتهم أن لا يجالسوه، فاندفع الختلي على أبي عبد الله، فقال: والله لأردنك إلى محبسك، ولأدقن أضلاعك...، في كلام كثير.
فقال لي أبو عبد الله: لا تكلمه ولا تجبه.
وأخذ أبو عبد الله نعليه، وقام، فدخل، وقال: مر السكان أن لا يكلموه ولا يردوا عليه.
فما زال يصيح، ثم خرج، فلما كان بعد ذلك، ذهب هذا الختلي إلى شعيب، وكان قد ولي على قضاء بغداد، وكانت له في يديه وصية، فسأله عنها، ثم قال له شعيب: يا عدو الله، وثبت على أحمد بالأمس، ثم جئت تطلب الوصية، إنما أردت أن تتقرب إلي بذا.
فزبره، ثم أقامه، فخرج بعد إلى حسبة العسكر.
وسرد الخلال حكايات فيمن أهدى شيئا إلى أحمد، فأثابه بأكثر من هديته.
قال الخلال: حدثنا إبراهيم بن جعفر بن حاتم، حدثني محمد بن الحسن بن الجنيد، عن هارون بن سفيان المستملي، قال:
جئت إلى أحمد بن حنبل حين أراد أن يفرق الدراهم التي جاءته من المتوكل، فأعطاني

مائتي درهم، فقلت: لا تكفيني.
قال: ليس هنا غيرها، ولكن هو ذا، أعمل بك شيئا ، أعطيك ثلاث مائة تفرقها.
قال: فلما أخذتها، قلت: ليس -والله- أعطي أحدا منها شيئا، فتبسم.
قال عبد الله: ما رأيت أبي دخل الحمام قط.
الخلال: حدثنا عبد الله بن حنبل: حدثني أبي، قال:
قيل لأبي عبد الله لما ضرب وبرئ، وكانت يده وجعة مما علق، وكانت تضرب عليه، فذكروا له الحمام، وألحوا عليه، فقال لأبي: يا أبا يوسف، كلم صاحب الحمام يخليه لي.
ففعل، ثم امتنع، وقال: ما أريد أن أدخل الحمام.
زهير بن صالح: حدثنا أبي، قال:
سمعت أبي كثيرا يتلو سورة الكهف، وكثيرا ما كنت أسمعه يقول: اللهم سلم سلم.
وحدثنا عن يونس بن محمد، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: اللهم سلم سلم.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي:
سمعت أحمد بن حنبل يقول في سنة ثمان وعشرين ومائتين، وقد حدث بحديث معونة في البلاء: اللهم رضينا، اللهم رضينا.
وقال المروذي: رأيت أبا عبد الله يقوم لورده قريبا من نصف الليل حتى يقارب السحر، ورأيته يركع فيما بين المغرب والعشاء.
وقال عبد الله: ربما سمعت أبي في السحر يدعو لأقوام بأسمائهم، وكان يكثر الدعاء ويخفيه، ويصلي بين العشاءين، فإذا صلى عشاء الآخرة، ركع ركعات صالحة، ثم يوتر، وينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيصلي.
وكانت قراءته لينة، ربما لم أفهم بعضها، وكان يصوم ويدمن، ثم يفطر ما شاء الله، ولا يترك صوم الاثنين والخميس وأيام البيض، فلما رجع من العسكر، أدمن الصوم إلى أن مات.
قال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:
حججت على قدمي حجتين، وكفاني إلى مكة أربعة عشر درهما.
تركه للجهات جملة:
عن محمد بن يحيى؛ خادم المزني، عنه، قال:
قال الشافعي: لما دخلت على الرشيد، قال: اليمن يحتاج إلى حاكم، فانظر رجلا نوليه.
فلما رجع الشافعي إلى مجلسه، ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم، كلمه في ذلك، وقال: تهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين.
فقال: إنما جئت لأقتبس منك العلم، وتأمرني أن أدخل في القضاء!
ووبخه، فاستحيا الشافعي.
قلت: إسناده مظلم.
قال ابن الجوزي: قيل: كان هذا في زمان الأمين.
وأخبرنا ابن ناصر، أخبرنا عبد القادر بن محمد، أنبأنا البرمكي، أخبرنا أبو بكر عبد العزيز، أخبرنا الخلال، أخبرنا محمد بن أبي هارون، حدثنا الأثرم، قال:
أخبرت أن الشافعي قال لأبي عبد الله: إن أمير المؤمنين -يعني محمدا- سألني أن ألتمس له قاضيا لليمن، وأنت تحب الخروج إلى عبد الرزاق، فقد نلت حاجتك، وتقضي بالحق.
فقال للشافعي: يا أبا عبد الله، إن سمعت هذا منك ثانية، لم ترني عندك.
فظننت أنه كان لأبي عبد الله ثلاثين سنة، أو سبعا وعشرين.
الصندلي: حدثنا أبو جعفر الترمذي، أخبرنا عبد الله بن محمد البلخي:
أن الشافعي كان كثيرا عند محمد ابن زبيدة -يعني: الأمين- فذكر له محمد يوما اغتمامه برجل يصلح للقضاء صاحب سنة.
قال: قد وجدت.
قال: ومن هو؟
فذكر أحمد بن حنبل.
قال: فلقيه أحمد، فقال: أخمل هذا، واعفني، وإلا خرجت من البلد.
قال صالح بن أحمد: كتب إلي إسحاق بن راهويه:
إن الأمير عبد الله بن طاهر وجه إلي، فدخلت إليه وفي يدي كتاب أبي عبد الله، فقال: ما هذا؟
قلت: كتاب أحمد بن حنبل.
فأخذه وقرأه، وقال: إني أحبه،

وأحب حمزة بن الهيصم البوشنجي؛ لأنهما لم يختلطا بأمر السلطان.
قال: فأمسك أبي عن مكاتبة إسحاق.
قال إبراهيم بن أبي طالب: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول:
قدمت على أحمد بن حنبل، فجعل لا يرفع رأسه إلي، فقلت:
يا أبا عبد الله، إنه يكتب عني بخراسان، وإن عاملتني هذه المعاملة، رموا حديثي.
قال: يا أحمد، هل بد يوم القيامة من أن يقال: أين عبد الله بن طاهر وأتباعه؟ فانظر أين تكون منه.
قال عبد الله بن بشر الطالقاني: سمعت محمد بن طارق البغدادي يقول:
قلت لأحمد بن حنبل: أستمد من محبرتك.
فنظر إلي، وقال: لم يبلغ ورعي ورعك هذا، وتبسم.
قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: الرجل يقال في وجهه: أحببت السنة.
قال: هذا فساد لقلبه.
الخلال: أخبرني محمد بن موسى، قال:
رأيت أبا عبد الله وقد قال له خراساني: الحمد لله الذي رأيتك.
قال: اقعد، أي شيء ذا؟ من أنا؟
وعن رجل، قال: رأيت أثر الغم في وجه أبي عبد الله، وقد أثنى عليه شخص، وقيل له: جزاك الله عن الإسلام خيرا.
قال: بل جزى الله الإسلام عني خيرا، من أنا؟ وما أنا؟!
الخلال: أخبرنا علي بن عبد الصمد الطيالسي، قال:
مسحت يدي على أحمد بن حنبل، وهو ينظر، فغضب، وجعل ينفض يده، ويقول: عمن أخذتم هذا؟
وقال خطاب بن بشر: سألت أحمد بن حنبل عن شيء من الورع، فتبين

الاغتمام عليه إزراء على نفسه.
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله ذكر أخلاق الورعين، فقال: أسأل الله أن لا يمقتنا، أين نحن من هؤلاء؟!!
فقال الأبار: سمعت رجلا سأل أحمد بن حنبل، قال: حلفت بيمين لا أدري أيش هي؟
فقال: ليتك إذا دريت، دريت أنا.
قال إبراهيم الحربي: كان أحمد يجيب في العرس والختان، ويأكل.
وذكر غيره: أن أحمد ربما استعفى من الإجابة.
وكان إن رأى إناء فضة أو منكرا، خرج.
وكان يحب الخمول والانزواء عن الناس، ويعود المريض، وكان يكره المشي في الأسواق، ويؤثر الوحدة.
قال أبو العباس السراج: سمعت فتح بن نوح، سمعت أحمد بن حنبل يقول:
أشتهي ما لا يكون، أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من الناس.
وقال الميموني: قال أحمد: رأيت الخلوة أروح لقلبي.
قال المروذي: قال لي أحمد:
قل لعبد الوهاب: أخمل ذكرك، فإني أنا قد بليت بالشهرة.
وقال محمد بن الحسن بن هارون: رأيت أبا عبد الله إذا مشى في الطريق، يكره أن يتبعه أحد.
قلت: إيثار الخمول والتواضع وكثرة الوجل من علامات التقوى والفلاح.
قال صالح بن أحمد: كان أبي إذا دعا له رجل، يقول: الأعمال بخواتيمها.

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول:
وددت أني نجوت من هذا الأمر كفافا، لا علي ولا لي.
وعن المروذي، قال: أدخلت إبراهيم الحصري على أبي عبد الله - وكان رجلا صالحا - فقال: إن أمي رأت لك مناما، هو كذا وكذا، وذكرت الجنة.
فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا، وخرج إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
قال المروذي: بال أبو عبد الله في مرض الموت دما عبيطا، فأريته الطبيب، فقال: هذا رجل قد فتت الغم - أو الخوف - جوفه.
وروي عن المروذي، قال: قلت لأحمد: كيف أصبحت؟
قال: كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرائض، ونبيه يطالبه بأداء السنة، والملكان يطلبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملك الموت يراقب قبض روحه، وعياله يطالبونه بالنفقة؟!
الخلال: أخبرنا المروذي، قال:
مررت وأبو عبد الله متوكئ على يدي، فاستقبلتنا امرأة بيدها طنبور، فأخذته، فكسرته، وجعلت أدوسه، وأبو عبد الله واقف منكس الرأس.
فلم يقل شيئا، وانتشر أمر الطنبور.
فقال أبو عبد الله: ما علمت أنك كسرت طنبورا إلى الساعة.
قال الميموني: قال لي القاضي محمد بن محمد بن إدريس الشافعي:
قال لي أحمد: أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم سحرا.

قال: وكنت لا أقوى معه على العبادة، وأفطر يوما واحدا، واحتجم.

قال الخلال: حدثنا محمد بن علي، حدثنا العباس بن أبي طالب: سمعت إبراهيم بن شماس، قال:
كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام، وهو يحيي الليل.
قال عمر بن محمد بن رجاء: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، فكان كثير المذاكرة له؛ فسمعت أبي يوما يقول: ما صليت اليوم غير الفريضة، استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.
وعن عبد الله بن أحمد، قال: كان في دهليزنا دكان، إذا جاء من يريد أبي أن يخلو معه، أجلسه ثم، وإذا لم يرد، أخذ بعضادتي الباب، وكلمه.
فلما كان ذات يوم، جاء إنسان فقال لي: قل: أبو إبراهيم السائح.
قال: فقال أبي: سلم عليه، فإنه من خيار المسلمين.
فسلمت عليه، فقال له أبي: حدثني يا أبا إبراهيم.
قال: خرجت إلى موضع، فأصابتني علة، فقلت: لو تقربت إلى الدير، لعل من فيه من الرهبان يداويني.
فإذا بسبع عظيم يقصدني، فاحتملني على ظهره حتى ألقاني عند الدير، فشاهد الرهبان ذلك، فأسلموا كلهم، وهم أربع مائة.
ثم قال لأبي: حدثني يا أبا عبد الله.
فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أحمد، حج.
فانتبهت، وجعلت في المزود فتيتا، وقصدت نحو الكوفة، فلما تقضى بعض النهار، إذا أنا بالكوفة، فدخلت الجامع، فإذا أنا بشاب حسن الوجه، طيب الريح.
فسلمت وكبرت، فلما فرغت من صلاتي، قلت: هل بقي من يخرج إلى الحج؟
فقال: انتظر حتى يجيء أخ من إخواننا، فإذا أنا برجل في مثل حالي.
فلم نزل نسير، فقال له الذي معي: رحمك الله، ارفق بنا.
فقال الشاب: إن كان معنا أحمد بن حنبل، فسوف يرفق بنا.
فوقع في نفسي أنه الخضر، فقلت للذي معي: هل لك في الطعام؟ فقال: كل مما

تعرف، وآكل مما أعرف.
فلما أكلنا، غاب الشاب، ثم كان يرجع بعد فراغنا، فلما كان بعد ثلاث، إذا نحن بمكة.
هذه حكاية منكرة.
قال القاضي أبو يعلى: نقلت من خط أبي إسحاق بن شاقلا:
أخبرني عمر بن علي، حدثنا جعفر الرزاز - جارنا - سمعت أبا جعفر محمد بن المولى، سمعت عبد الله....، فذكرها.
فلعلها من وضع الرزاز.
أنبؤونا عن ابن الجوزي، أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق، حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، حدثنا أبو جعفر محمد بن يعقوب الصفار، قال:
كنا عند أحمد بن حنبل، فقلت: ادع الله لنا.
فقال: اللهم إنك تعلم أنك لنا على أكثر مما نحب، فاجعلنا لك على ما تحب، اللهم إنا نسألك بالقدرة التي قلت للسموات والأرض: {ائتيا طوعا أو كرها، قالتا: أتينا طائعين} [فصلت: 11] ، اللهم وفقنا لمرضاتك، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك.
رواتها أئمة إلى الصفار، ولا أعرفه.
وهي منكرة.
أخبرنا عمر بن القواس، عن الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا شيخ الإسلام الأنصاري، أخبرنا أبو يعقوب، أخبرنا زاهر بن أحمد، حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر، سمعت الرمادي، سمعت عبد الرزاق - وذكر أحمد، فدمعت عينه - وقال:
قدم وبلغني أن نفقته نفدت، فأخذت عشرة دنانير، وعرضتها عليه، فتبسم، وقال: يا أبا بكر، لو قبلت شيئا من الناس، قبلت منك، ولم يقبل مني شيئا.
الخلال: أخبرني أبو غالب علي بن أحمد، حدثني صالح بن أحمد،

قال: جاءتني حسن، فقالت: قد جاء رجل بتليسة فيها فاكهة يابسة، وبكتاب.
فقمت، فقرأت الكتاب، فإذا فيه: يا أبا عبد الله، أبضعت لك بضاعة إلى سمرقند، فربحت، فبعثت بذلك إليك أربعة آلاف وفاكهة أنا لقطتها من بستاني ورثته من أبي.
قال: فجمعت الصبيان، ودخلنا، فبكيت، وقلت: يا أبة، ما ترق لي من أكل الزكاة؟
ثم كشف عن رأس الصبية، وبكيت.
فقال: من أين علمت؟ دع حتى أستخير الله الليلة.
قال: فلما كان من الغد، قال: استخرت الله، فعزم لي أن لا آخذها.
وفتح التليسة، ففرقها على الصبيان، وكان عنده ثوب عشاري، فبعث به إلى الرجل، ورد المال.
عبد الله بن أحمد: سمعت فوران يقول:
مرض أبو عبد الله، فعاده الناس -يعني: قبل المائتين- وعاده علي بن الجعد، فترك عند رأسه صرة، فقلت له عنها، فقال:
ما رأيت، اذهب فردها إليه.
أبو بكر بن شاذان: حدثنا أبو عيسى أحمد بن يعقوب، حدثتني فاطمة بنت أحمد بن حنبل، قالت:
وقع الحريق في بيت أخي صالح، وكان قد تزوج بفتية، فحملوا إليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار، فأكلته النار، فجعل صالح يقول: ما غمني ما ذهب إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه.
قالت: فطفئ الحريق، ودخلوا، فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حوله وسلم.
قال ابن الجوزي: وبلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي:
أنه حكى أن الحريق وقع في دارهم، فأحرق ما فيها إلا كتابا كان فيه شيء بخط الإمام أحمد.
قال: ولما وقع الغرق ببغداد في سنة 554 وغرقت
كتبي، سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام.
قلت: وكذا استفاض وثبت أن الغرق الكائن بعد العشرين وسبع مائة ببغداد عام على مقابر مقبرة أحمد، وأن الماء دخل في الدهليز علو ذراع، ووقف بقدرة الله، وبقيت الحصر حول قبر الإمام بغبارها، وكان ذلك آية.
أبو طالب: حدثنا المروذي: سمعت مجاهد بن موسى يقول:
رأيت أحمد وهو حدث، وما في وجهه طاقة، وهو يذكر.
وروى: حرمي بن يونس، عن أبيه: رأيت أحمد أيام هشيم وله قدر.
قال أحمد بن سعيد الرباطي: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
أخذنا هذا العلم بالذل، فلا ندفعه إلا بالذل.
محمد بن صالح بن هانئ: حدثنا أحمد بن شهاب الإسفراييني:
سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عمن نكتب في طريقنا؟ فقال:
عليكم بهناد، وبسفيان بن وكيع، وبمكة ابن أبي عمر، وإياكم أن تكتبوا -يعني: عن أحد من أصحاب الأهواء، قليلا ولا كثيرا- عليكم بأصحاب الآثار والسنن.
عبد الله بن أحمد: كتب إلي الفتح بن شخرف، أنه سمع موسى بن حزام الترمذي يقول:
كنت أختلف إلى أبي سليمان الجوزجاني في كتب محمد، فاستقبلني أحمد بن حنبل، فقال: إلى أين؟
قلت: إلى أبي سليمان.
فقال: العجب منكم! تركتم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يزيد، عن حميد، عن أنس، وأقبلتم على ثلاثة إلى أبي حنيفة -رحمه الله- أبو سليمان، عن محمد، عن أبي يوسف، عنه!
قال: فانحدرت إلى يزيد بن هارون.
ابن عدي: أخبرنا عبد الملك بن محمد، حدثنا صالح بن أحمد:

سمعت أبي يقول:
والله لقد أعطيت المجهود من نفسي، ولوددت أني أنجو كفافا.
الحاكم: حدثنا أبو علي الحافظ، سمعت محمد بن المسيب، سمعت زكريا بن يحيى الضرير يقول:
قلت لأحمد بن حنبل: كم يكفي الرجل من الحديث حتى يكون مفتيا؟ يكفيه مائة ألف؟
فقال: لا.
... إلى أن قال: فيكفيه خمس مائة ألف حديث؟
قال: أرجو.
المحنة :
قال عمرو بن حكام: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يمنعن أحدكم - مخافة الناس - أن يتكلم بحق علمه) .
تفرد به: عمرو، وليس بحجة .
وقال سليمان ابن بنت شرحبيل: حدثنا عيسى بن يونس، عن سليمان
التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بالحق إذا رآه أو سمعه ) .
غريب، فرد.
وقال حماد بن سلمة، ومعلى بن زياد - وهذا لفظه - عن أبي غالب، عن أبي أمامة:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال لإمام جائر ) .
إسحاق بن موسى الخطمي: حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن، حدثنا يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن القاري، عن أبيه، عن جده:
أن عمر كتب إلى معاوية: أما بعد، فالزم الحق، ينزلك الحق منازل أهل الحق، يوم لا يقضى إلا بالحق.
وبإسناد واه، عن أبي ذر: أبى الحق أن يترك له صديقا.
الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملا، فهو صديق، ومن ضعف، فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب، ليس وراء ذلك إيمان - فلا قوة إلا بالله -.
سفيان الثوري: عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزام، عن عبد الله بن عمرو، قال:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تودع منهم ) .
هكذا رواه: جماعة، عن سفيان.
ورواه: النضر بن إسماعيل، عن الحسن، فقال: عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعا.
ورواه: سيف بن هارون، عن الحسن، فقال:
عن أبي الزبير: سمعت عبد الله بن عمرو مرفوعا.
سفيان الثوري: عن زبيد، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري،
عن أبي سعيد، قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال، فلا يقول فيه، فيقال له: ما منعك؟
فيقول: مخافة الناس.
فيقول: فإياي كنت أحق أن تخاف ) .
رواه: الفريابي، وأبو نعيم، وخلاد، عنه.
حماد بن زيد: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون، وإذا وضع السيف عليهم، لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله ) .
الحسين بن موسى: حدثنا الحسين بن الفضل البجلي، حدثنا عبد العزيز بن يحيى المكي، حدثنا سليم بن مسلم ، عن ابن جريج، عن
عطاء، عن ابن عباس، قال:

هذا موضوع، ما رواه ابن جريج.
كان الناس أمة واحدة، ودينهم قائما في خلافة أبي بكر وعمر.
فلما استشهد قفل باب الفتنة؛ عمر -رضي الله عنه- وانكسر الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذبح صبرا، وتفرقت الكلمة، وتمت وقعة الجمل، ثم وقعة صفين.
فظهرت الخوارج، وكفرت سادة الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب.
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع ظهور السنة وأهلها إلى بعد المائتين، فظهر المأمون الخليفة - وكان ذكيا متكلما، له نظر في المعقول - فاستجلب كتب الأوائل، وعرب حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخب ووضع، ورفعت الجهمية والمعتزلة رؤوسها، بل والشيعة، فإنه كان كذلك.
وآل به الحال أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء، فلم يمهل.
وهلك لعامه، وخلى بعده شرا وبلاء في الدين، فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله -تعالى- ووحيه وتنزيله، لا يعرفون غير ذلك، حتى نبغ لهم القول بأنه كلام الله مخلوق مجعول، وأنه إنما يضاف إلى الله -تعالى- إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله.
فأنكر ذلك العلماء.
ولم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين، فلما ولي المأمون، كان منهم، وأظهر المقالة.
روى: أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن محمد بن نوح:
أن الرشيد قال: بلغني أن بشر بن غياث المريسي يقول: القرآن مخلوق، فلله علي

إن أظفرني به، لأقتلنه.
قال الدورقي: وكان متواريا أيام الرشيد، فلما مات الرشيد، ظهر، ودعا إلى الضلالة.
قلت: ثم إن المأمون نظر في الكلام، وناظر، وبقي متوقفا في الدعاء إلى بدعته.
قال أبو الفرج بن الجوزي: خالطه قوم من المعتزلة، فحسنوا له القول بخلق القرآن، وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ، ثم قوي عزمه، وامتحن الناس.
أخبرنا المسلم بن محمد في كتابه، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو بكر الحيري، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا يحيى بن أبي طالب، أخبرني الحسن بن شاذان الواسطي، حدثني ابن عرعرة، حدثني ابن أكثم، قال:
قال لنا المأمون: لولا مكان يزيد بن هارون، لأظهرت أن القرآن مخلوق.
فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، ومن يزيد حتى يتقى؟
فقال: ويحك! إني أخاف إن أظهرته فيرد علي، يختلف الناس، وتكون فتنة، وأنا أكره الفتنة.
فقال الرجل: فأنا أخبر ذلك منه.
قال له: نعم.
فخرج إلى واسط، فجاء إلى يزيد، وقال: يا أبا خالد، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول لك: إني أريد أن أظهر خلق القرآن.
فقال: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه، فإن كنت صادقا، فاقعد، فإذا اجتمع الناس في المجلس، فقل.
قال: فلما أن كان الغد، اجتمعوا، فقام، فقال كمقالته.
فقال يزيد: كذبت على أمير المؤمنين، إنه لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه وما لم يقل به أحد.
قال: فقدم، وقال: يا أمير المؤمنين، كنت أعلم، وقص عليه.
قال: ويحك يلعب بك!!

قال صالح بن أحمد: سمعت أبي يقول:
لما دخلنا على إسحاق بن إبراهيم للمحنة، قرأ علينا كتاب الذي صار إلى طرسوس -يعني: المأمون- فكان فيما قرئ علينا: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] : {وهو خالق كل شيء} [الأنعام: 102] .
فقلت: {وهو السميع البصير} .
قال صالح: ثم امتحن القوم، ووجه بمن امتنع إلى الحبس، فأجاب القوم جميعا غير أربعة: أبي، ومحمد بن نوح، والقواريري، والحسن بن حماد سجادة.
ثم أجاب هذان، وبقي أبي ومحمد في الحبس أياما، ثم جاء كتاب من طرسوس بحملهما مقيدين زميلين.
الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر القطيعي، قال:
لما أحضرنا إلى دار السلطان أيام المحنة، وكان أحمد بن حنبل قد أحضر، فلما رأى الناس يجيبون، وكان رجلا لينا، فانتفخت أوداجه، واحمرت عيناه، وذهب ذلك اللين.
فقلت: إنه قد غضب لله، فقلت: أبشر، حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة، قال:
كان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إذا أريد على شيء من أمر دينه، رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون.
أخبرنا عمر بن القواس: عن الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا شيخ الإسلام، أخبرنا أبو يعقوب، حدثنا الحسين بن محمد الخفاف: سمعت ابن أبي أسامة يقول:
حكي لنا أن أحمد قيل له أيام المحنة: يا أبا عبد الله، أولا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟
قال: كلا، إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحق.
الأصم: حدثنا عباس الدوري: سمعت أبا جعفر الأنباري يقول:

لما حمل أحمد إلى المأمون، أخبرت، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر، تعنيت.
فقلت: يا هذا، أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن، ليجيبن خلق، وإن أنت لم تجب، ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد من الموت، فاتق الله ولا تجب.
فجعل أحمد يبكي، ويقول: ما شاء الله.
ثم قال: يا أبا جعفر، أعد علي.
فأعدت عليه، وهو يقول: ما شاء الله.
قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي: حدثنا الفضل بن زياد، سمعت أحمد بن حنبل يقول:
أول يوم امتحنه إسحاق لما خرج من عنده، وذلك في جمادى الآخرة، سنة ثمان عشرة ومائتين، فقعد في مسجده، فقال له جماعة: أخبرنا بمن أجاب.
فكأنه ثقل عليه، فكلموه أيضا.
قال: فلم يجب أحد من أصحابنا - والحمد لله -.
ثم ذكر من أجاب ومن واتاهم على أكثر ما أرادوا، فقال: هو مجعول محدث.
وامتحنهم مرة مرة، وامتحنني مرتين مرتين، فقال لي: ما تقول في القرآن؟
قلت: كلام الله غير مخلوق.
فأقامني وأجلسني في ناحية، ثم سألهم، ثم ردني ثانية، فسألني وأخذني في التشبيه.
فقلت: {ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير} [الشورى:11] .
فقال لي: وما السميع البصير؟
فقلت: هكذا قال تعالى.
قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: جعلوا يذاكرون أبا عبد الله بالرقة في التقية وما روي فيها.
فقال: كيف تصنعون بحديث خباب: (إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار، لا يصده ذلك عن دينه ) .
فأيسنا منه.
وقال: لست أبالي بالحبس، ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلا بالسيف، إنما أخاف فتنة السوط.
فسمعه بعض أهل الحبس، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان، ثم لا تدري أين يقع الباقي، فكأنه سري عنه.
قال: وحدثني من أثق به، عن محمد بن إبراهيم بن مصعب، وهو يومئذ صاحب شرطة المعتصم خلافة لأخيه إسحاق بن إبراهيم، قال:
ما رأيت أحدا لم يداخل السلطان، ولا خالط الملوك، كان أثبت قلبا من أحمد يومئذ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب.
وحدثني بعض أصحابنا عن أبي عبد الرحمن الشافعي ، أو هو حدثني:
أنهم أنفذوه إلى أحمد في محبسه ليكلمه في معنى التقية، فلعله يجيب.
قال: فصرت إليه أكلمه، حتى إذا أكثرت وهو لا يجيبني.
ثم قال لي: ما قولك اليوم في سجدتي السهو؟
وإنما أرسلوه إلى أحمد للإلف الذي كان بينه وبين أحمد أيام لزومهم الشافعي.
فإن أبا عبد الرحمن كان يومئذ ممن يتقشف ويلبس الصوف، وكان أحفظ أصحاب الشافعي للحديث من قبل أن يتبطن بمذاهبه المذمومة.
ثم لم يحدث أبو عبد الله بعد ما أنبأتك أنه حدثني في أول خلافة الواثق، ثم قطعه إلى أن مات، إلا ما كان في زمن المتوكل.
قال صالح بن أحمد: حمل أبي ومحمد بن نوح من بغداد مقيدين، فصرنا معهما إلى الأنبار.
فسأل أبو بكر الأحول أبي: يا أبا عبد الله، إن عرضت على السيف، تجيب؟
قال: لا.
ثم سيرا، فسمعت أبي يقول: صرنا إلى الرحبة ، ورحلنا منها في جوف الليل، فعرض لنا رجل، فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟
فقيل له: هذا.
فقال للجمال: على رسلك.
ثم قال: يا هذا، ما عليك أن تقتل ها هنا، وتدخل الجنة؟
ثم قال: أستودعك الله، ومضى.
فسألت عنه، فقيل لي: هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشعر في البادية، يقال له: جابر بن عامر، يذكر بخير.
أحمد بن أبي الحواري: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال:
قال أحمد بن حنبل: ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق.
قال: يا أحمد، إن يقتلك الحق مت شهيدا، وإن عشت عشت حميدا.
فقوى قلبي.
قال صالح بن أحمد: قال أبي:
فلما صرنا إلى أذنة ، ورحلنا منها في جوف الليل، وفتح لنا بابها، إذا رجل قد دخل، فقال: البشرى! قد مات الرجل -يعني: المأمون-.
قال أبي: وكنت أدعو الله أن لا أراه.
محمد بن إبراهيم البوشنجي: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
تبينت الإجابة في دعوتين: دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون،
ودعوته أن لا أرى المتوكل.
فلم أر المأمون، مات بالبذندون ، قلت: وهو نهر الروم.
وبقي أحمد محبوسا بالرقة حتى بويع المعتصم إثر موت أخيه، فرد أحمد إلى بغداد.
وأما المتوكل فإنه نوه بذكر الإمام أحمد، والتمس الاجتماع به، فلما أن حضر أحمد دار الخلافة بسامراء ليحدث ولد المتوكل ويبرك عليه، جلس له المتوكل في طاقة، حتى نظر هو وأمه منها إلى أحمد، ولم يره أحمد.
قال صالح: لما صدر أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس، ردا في أقيادهما.
فلما صار إلى الرقة، حملا في سفينة، فلما وصلا إلى عانة ، توفي محمد، وفك قيده، وصلى عليه أبي.
وقال حنبل: قال أبو عبد الله: ما رأيت أحدا على حداثة سنه، وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير.
قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله الله، إنك لست مثلي، أنت رجل يقتدى بك.
قد مد الخلق أعناقهم إليك، لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله، أو نحو هذا.
فمات، وصليت عليه، ودفنته.
أظن قال: بعانة.
قال صالح: وصار أبي إلى بغداد مقيدا، فمكث بالياسرية أياما،
ثم حبس في دار اكتريت عند دار عمارة، ثم حول إلى حبس العامة في درب الموصلية.
فقال: كنت أصلي بأهل السجن، وأنا مقيد.
فلما كان في رمضان سنة تسع عشر - قلت: وذلك بعد موت المأمون بأربعة عشر شهرا - حولت إلى دار إسحاق بن إبراهيم -يعني: نائب بغداد-.
وأما حنبل، فقال: حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد، في إصطبل الأمير محمد بن إبراهيم؛ أخي إسحاق بن إبراهيم، وكان في حبس ضيق، ومرض في رمضان.
ثم حول بعد قليل إلى سجن العامة، فمكث في السجن نحوا من ثلاثين شهرا.
وكنا نأتيه، فقرأ علي كتاب (الإرجاء) وغيره في الحبس، ورأيته يصلي بهم في القيد، فكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصلاة والنوم.
قال صالح بن أحمد: قال أبي: كان يوجه إلي كل يوم برجلين، أحدهما يقال له: أحمد بن أحمد بن رباح، والآخر أبو شعيب الحجام، فلا يزالان يناظراني، حتى إذا قاما دعي بقيد، فزيد في قيودي، فصار في رجلي أربعة أقياد.
فلما كان في اليوم الثالث، دخل علي، فناظرني، فقلت له:
ما تقول في علم الله؟
قال: مخلوق.
قلت: كفرت بالله .
فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم: إن هذا رسول أمير المؤمنين.
فقلت: إن هذا قد كفر.
فلما كان في الليلة الرابعة، وجه -يعني: المعتصم- ببغا الكبير إلى إسحاق، فأمره بحملي إليه، فأدخلت على إسحاق، فقال:
يا أحمد، إنها -والله- نفسك، إنه لا يقتلك بالسيف، إنه قد آلى - إن لم تجبه - أن يضربك ضربا بعد ضرب، وأن يقتلك في موضع لا يرى فيه شمس ولا قمر، أليس قد قال الله -تعالى-: {إنا
جعلناه قرآنا عربيا}
[الزخرف: 3] ، أفيكون مجعولا إلا مخلوقا؟
فقلت: فقد قال -تعالى-: {فجعلهم كعصف مأكول} [الفيل:5] أفخلقهم؟
قال: فسكت.
فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان، أخرجت، وجيء بدابة، فأركبت وعلي الأقياد، ما معي من يمسكني، فكدت غير مرة أن أخر على وجهي لثقل القيود.
فجيء بي إلى دار المعتصم، فأدخلت حجرة، ثم أدخلت بيتا، وأقفل الباب علي في جوف الليل ولا سراج.
فأردت الوضوء، فمددت يدي، فإذا أنا بإناء فيه ماء، وطست موضوع، فتوضأت وصليت.
فلما كان من الغد، أخرجت تكتي، وشددت بها الأقياد أحملها، وعطفت سراويلي.
فجاء رسول المعتصم، فقال: أجب.
فأخذ بيدي، وأدخلني عليه، والتكة في يدي، أحمل بها الأقياد، وإذا هو جالس، وأحمد بن أبي دواد حاضر، وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه.
فقال لي المعتصم: ادنه، ادنه.
فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال: اجلس.
فجلست، وقد أثقلتني الأقياد، فمكثت قليلا، ثم
قلت: أتأذن في الكلام؟
قال: تكلم.
فقلت: إلى ما دعا الله ورسوله؟
فسكت هنية ، ثم قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
فقلت: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله.
ثم قلت: إن جدك ابن عباس يقول:
لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن الإيمان، فقال: (أتدرون ما الإيمان؟) .
قالوا: الله
ورسوله أعلم.
قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا الخمس من المغنم ) .
قال أبي: فقال -يعني: المعتصم-: لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي، ما عرضت لك.
ثم قال: يا عبد الرحمن بن إسحاق، ألم آمرك برفع المحنة؟
فقلت: الله أكبر! إن في هذا لفرجا للمسلمين.
ثم قال لهم: ناظروه، وكلموه، يا عبد الرحمن كلمه.
فقال: ما تقول في القرآن؟
قلت: ما تقول أنت في علم الله؟
فسكت، فقال لي بعضهم: أليس قال الله -تعالى-: {الله خالق كل شيء} [الرعد: 16] والقرآن أليس شيئا؟
فقلت: قال الله: {تدمر كل شيء} [الأحقاف: 25] فدمرت إلا ما أراد الله؟
فقال بعضهم: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء: 2] أفيكون محدث إلا مخلوقا؟
فقلت: قال الله: {ص، والقرآن ذي الذكر} [ص: 1]
، فالذكر هو القرآن، وتلك ليس فيها ألف ولام.
وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين: (إن الله خلق الذكر) ،
فقلت: هذا خطأ، حدثنا غير واحد: (إن الله كتب الذكر ) .
واحتجوا بحديث
ابن مسعود: (ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ) .
فقلت: إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض، ولم يقع على القرآن.
فقال بعضهم: حديث خباب: (يا هنتاه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه ) .
فقلت: هكذا هو.
قال صالح: وجعل ابن أبي دواد ينظر إلى أبي كالمغضب.
قال أبي: وكان يتكلم هذا، فأرد عليه، ويتكلم هذا، فأرد عليه، فإذا انقطع الرجل منهم، اعترض ابن أبي دواد، فيقول:
يا أمير المؤمنين، هو -والله- ضال مضل مبتدع!
فيقول: كلموه، ناظروه.
فيكلمني هذا، فأرد عليه، ويكلمني هذا، فأرد عليه، فإذا انقطعوا، يقول المعتصم: ويحك يا أحمد! ما تقول؟
فأقول: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئا من كتاب الله
أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقول به.
فيقول أحمد بن أبي دواد: أنت لا تقول إلا ما في الكتاب أو السنة؟
فقلت له: تأولت تأويلا، فأنت أعلم، وما تأولت ما يحبس عليه، ولا يقيد عليه .
قال حنبل: قال أبو عبد الله: لقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي، ولا ينطلق لساني أن أحكيه.
أنكروا الآثار، وما ظننتهم على هذا حتى سمعته، وجعلوا يرغون، يقول الخصم كذا وكذا ، فاحتججت عليهم بالقرآن بقوله: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر } [مريم: 42] ، أفهذا منكر عندكم؟
فقالوا: شبه، يا أمير المؤمنين، شبه.
قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: حدثني بعض أصحابنا:
أن أحمد بن أبي دواد أقبل على أحمد يكلمه، فلم يلتفت إليه، حتى قال المعتصم: يا أحمد، ألا تكلم أبا عبد الله؟
فقلت: لست أعرفه من أهل العلم فأكلمه!!
قال صالح: وجعل ابن أبي دواد يقول:
يا أمير المؤمنين، والله لئن أجابك، لهو أحب إلي من ألف دينار، ومائة ألف دينار، فيعد من ذلك ما شاء الله أن يعد.
فقال: لئن أجابني لأطلقكن عنه بيدي، ولأركبن إليه بجندي، ولأطأن عقبه.
ثم قال: يا أحمد، والله إني عليك لشفيق، وإني لأشفق عليك
كشفقتي على ابني هارون، ما تقول؟
فأقول: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله.
فلما طال المجلس، ضجر، وقال: قوموا، وحبسني -يعني عنده - وعبد الرحمن بن إسحاق يكلمني، وقال: ويحك! أجبني .
وقال: ويحك! ألم تكن تأتينا؟
فقال له عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أعرفه منذ ثلاثين سنة، يرى طاعتك والحج والجهاد معك.
فيقول: والله إنه لعالم، وإنه لفقيه، وما يسوءني أن يكون معي يرد عني أهل الملل.
ثم قال: ما كنت تعرف صالحا الرشيدي؟
قلت: قد سمعت به .
قال: كان مؤدبي، وكان في ذلك الموضع جالسا - وأشار إلى ناحية من الدار - فسألني عن القرآن، فخالفني، فأمرت به، فوطئ وسحب! يا أحمد، أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي.
قلت: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله.
فطال المجلس، وقام، ورددت إلى الموضع.
فلما كان بعد المغرب، وجه إلي رجلين من أصحاب ابن أبي داود، يبيتان عندي ويناظراني ويقيمان معي، حتى إذا كان وقت الإفطار، جيء بالطعام، ويجتهدان بي أن أفطر فلا أفعل - قلت: وكانت ليالي رمضان -.
قال: ووجه المعتصم إلي ابن أبي دواد في الليل، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول؟
فأرد عليه نحوا مما كنت أرد.
فقال ابن أبي دواد: والله
لقد كتب اسمك في السبعة: يحيى بن معين وغيره ، فمحوته، ولقد ساءني أخذهم إياك.
ثم يقول: إن أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك ضربا بعد ضرب، وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس.
ويقول: إن أجابني، جئت إليه حتى أطلق عنه بيدي، ثم انصرف.
فلما أصبحنا ، جاء رسوله، فأخذ بيدي حتى ذهب بي إليه، فقال لهم: ناظروه، وكلموه.
فجعلوا يناظروني، فأرد عليهم، فإذا جاؤوا بشيء من الكلام مما ليس في الكتاب والسنة، قلت: ما أدري ما هذا.
قال: فيقولون: يا أمير المؤمنين، إذا توجهت له الحجة علينا، ثبت، وإذا كلمناه بشيء، يقول: لا أدري ما هذا.
فقال: ناظروه.
فقال رجل: يا أحمد، أراك تذكر الحديث وتنتحله.
فقلت: ما تقول في قوله: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11] ؟
قال: خص الله بها المؤمنين.
قلت: ما تقول: إن كان قاتلا أو عبدا؟
فسكت، وإنما احتججت عليهم بهذا، لأنهم كانوا يحتجون بظاهر القرآن.
فحيث قال لي: أراك تنتحل الحديث، احتججت بالقرآن -يعني: وإن السنة خصصت القاتل والعبد، فأخرجتهما من العموم-.
قال: فلم يزالوا كذلك إلى قرب الزوال.
فلما ضجر، قال: قوموا.
ثم خلا بي، وبعبد الرحمن بن إسحاق، فلم يزل يكلمني، ثم قام ودخل، ورددت إلى الموضع.
قال: فلما كانت الليلة الثالثة، قلت: خليق أن يحدث غدا من أمري
شيء، فقلت للموكل بي: أريد خيطا.
فجاءني بخيط، فشددت به الأقياد، ورددت التكة إلى سراويلي مخافة أن يحدث من أمري شيء، فأتعرى.
فلما كان من الغد، أدخلت إلى الدار، فإذا هي غاصة، فجعلت أدخل من موضع إلى موضع، وقوم معهم السيوف، وقوم معهم السياط، وغير ذلك.
ولم يكن في اليومين الماضيين كبير أحد من هؤلاء، فلما انتهيت إليه، قال: اقعد.
ثم قال: ناظروه، كلموه.
فجعلوا يناظروني، يتكلم هذا، فأرد عليه، ويتكلم هذا، فأرد عليه، وجعل صوتي يعلو أصواتهم.
فجعل بعض من هو قائم على رأسي يومئ إلي بيده، فلما طال المجلس، نحاني، ثم خلا بهم، ثم نحاهم، وردني إلى عنده، وقال: ويحك يا أحمد! أجبني حتى أطلق عنك بيدي.
فرددت عليه نحو ردي، فقال: عليك.. - وذكر اللعن - خذوه، اسحبوه، خلعوه.
فسحبت، وخلعت.
قال: وقد كان صار إلي شعر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- في كم قميصي، فوجه إلي إسحاق بن إبراهيم يقول: ما هذا المصرور؟
قلت: شعر من شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسعى بعضهم ليخرق القميص عني.
فقال المعتصم: لا تخرقوه.
فنزع، فظننت أنه إنما درئ عن القميص الخرق بالشعر.
قال: وجلس المعتصم على كرسي، ثم قال: العقابين والسياط.
فجيء بالعقابين، فمدت يداي، فقال بعض من حضر خلفي: خذ ناتئ الخشبتين بيديك، وشد عليهما.
فلم أفهم ما قال، فتخلعت يداي.
قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: ذكروا أن المعتصم ألان في أمر أحمد لما علق في العقابين، ورأى ثباته وتصميمه وصلابته، حتى أغراه أحمد بن أبي دواد، وقال: يا أمير المؤمنين، إن تركته، قيل: قد ترك مذهب المأمون، وسخط قوله.
فهاجه ذلك على ضربه.
وقال صالح: قال أبي: ولما جيء بالسياط، نظر إليها المعتصم، فقال: ائتوني بغيرها.
ثم قال للجلادين: تقدموا.
فجعل يتقدم إلي الرجل منهم، فيضربني سوطين، فيقول له: شد، قطع الله يدك!
ثم يتنحى ويتقدم آخر، فيضربني سوطين، وهو يقول في كل ذلك: شد، قطع الله يدك!
فلما ضربت سبعة عشر سوطا، قام إلي -يعني: المعتصم- فقال: يا أحمد، علام تقتل نفسك؟ إني -والله- عليك لشفيق.
وجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه، وقال: أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟
وجعل بعضهم يقول: ويلك! إمامك على رأسك قائم.
وقال بعضهم: يا أمير المؤمنين، دمه في عنقي، اقتله.
وجعلوا يقولون: يا أمير المؤمنين، أنت صائم، وأنت في الشمس قائم!
فقال لي: ويحك يا أحمد، ما تقول؟
فأقول: أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله أقول به.
فرجع، وجلس، وقال للجلاد: تقدم، وأوجع، قطع الله يدك.
ثم قام الثانية، وجعل يقول: ويحك يا أحمد! أجبني.
فجعلوا يقبلون علي، ويقولون: يا أحمد، إمامك على رأسك قائم!
وجعل عبد الرحمن يقول: من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع؟
والمعتصم يقول: أجبني إلى شيء لك
فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي.
ثم رجع، وقال للجلاد: تقدم.
فجعل يضربني سوطين، ويتنحى، وهو في خلال ذلك يقول: شد، قطع الله يدك.
فذهب عقلي، ثم أفقت بعد، فإذا الأقياد قد أطلقت عني.
فقال لي رجل ممن حضر: كببناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية ودسناك!
قال أبي : فما شعرت بذلك، وأتوني بسويق، وقالوا: اشرب وتقيأ.
فقلت: لا أفطر.
ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرت الظهر، فتقدم ابن سماعة، فصلى، فلما انفتل من صلاته، وقال لي: صليت، والدم يسيل في ثوبك؟
قلت: قد صلى عمر وجرحه يثعب دما .
قال صالح: ثم خلي عنه، فصار إلى منزله.
وكان مكثه في السجن منذ أخذ إلى أن ضرب وخلي عنه، ثمانية وعشرين شهرا.
ولقد حدثني أحد الرجلين اللذين كانا معه، قال: يا ابن أخي، رحمة الله على أبي عبد الله، والله ما رأيت أحدا يشبهه، ولقد جعلت أقول له في وقت ما يوجه إلينا بالطعام: يا أبا عبد الله، أنت صائم، وأنت في موضع تفئة . ولقد
عطش، فقال لصاحب الشراب: ناولني.
فناوله قدحا فيه ماء وثلج، فأخذه، ونظر فيه، ثم رده، ولم يشرب، فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش، وهو فيما هو فيه من الهول.
قال صالح: فكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا في تلك الأيام، فلم أقدر.
وأخبرني رجل حضره: أنه تفقده في الأيام الثلاثة وهم يناظرونه، فما لحن في كلمة.
قال: وما ظننت أن أحدا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول:
ذهب عقلي مرارا، فكان إذا رفع عني الضرب، رجعت إلي نفسي، وإذا استرخيت وسقطت، رفع الضرب، أصابني ذلك مرارا.
ورأيته -يعني: المعتصم- قاعدا في الشمس بغير مظلة، فسمعته - وقد أفقت - يقول لابن أبي دواد: لقد ارتكبت إثما في أمر هذا الرجل.
فقال: يا أمير المؤمنين، إنه -والله- كافر مشرك، قد أشرك من غير وجه.
فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد.
وقد كان أراد تخليتي بلا ضرب، فلم يدعه، ولا إسحاق بن إبراهيم.
قال حنبل: وبلغني أن المعتصم قال لابن أبي دواد بعد ما ضرب أبو عبد الله: كم ضرب؟
قال: أربعة، أو نيفا وثلاثين سوطا.
قال أبو الفضل عبيد الله الزهري: قال المروذي:
قلت - وأبو عبد الله بين الهنبازين -: يا أستاذ، قال الله -تعالى-: {لا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] .
قال: يا مروذي، اخرج وانظر.
فخرجت إلى رحبة دار
الخلافة، فرأيت خلقا لا يحصيهم إلا الله، والصحف في أيديهم، والأقلام والمحابر، فقال لهم المروذي: ماذا تعملون؟
قالوا: ننظر ما يقول أحمد، فنكتبه.
فدخل، فأخبره، فقال: يا مروذي! أضل هؤلاء كلهم؟!
فهذه حكاية منقطعة .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي، قال:
لما حمل أحمد ليضرب، جاؤوا إلى بشر بن الحارث، وقالوا: قد وجب عليك أن تتكلم.
فقال: أتريدون مني أقوم مقام الأنبياء، ليس ذا عندي، حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه.
الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي: حدثنا داود بن عرفة، حدثنا ميمون بن أصبغ، قال:
كنت ببغداد ، وامتحن أحمد، فأخذت مالا له خطر، فذهبت به إلى من يدخلني إلى المجلس.
فأدخلت، فإذا السيوف قد جردت، وبالرماح قد ركزت، وبالتراس قد صففت، وبالسياط قد وضعت ، وألبست قباء أسود ومنطقة وسيفا، ووقفت حيث أسمع الكلام.
فأتى أمير المؤمنين، فجلس على كرسي، وأتى بأحمد، فقال
له: وقرابتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأضربنك بالسياط، أو تقول كما أقول.
ثم التفت إلى جلاد، فقال: خذه إليك.
فأخذه، فلما ضرب سوطا، قال: باسم الله.
فلما ضرب الثاني، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما ضرب الثالث، قال: القرآن كلام الله غير مخلوق.
فلما ضرب الرابع، قال: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} [التوبة: 51] ، فضرب تسعة وعشرين سوطا.
وكانت تكته حاشية ثوب، فانقطعت، فنزل السراويل إلى عانته، فقلت: الساعة ينهتك.
فرمى بطرفه إلى السماء، وحرك شفتيه، فما كان بأسرع من أن بقي السراويل لم ينزل.
فدخلت عليه بعد سبعة أيام، فقلت: يا أبا عبد الله! رأيتك وقد انحل سراويلك، فرفعت طرفك نحو السماء، فما قلت؟
قال: قلت: اللهم أسألك باسمك الذي ملأت به العرش، إن كنت تعلم أني على الصواب، فلا تهتك لي سترا.
هذه حكاية منكرة، أخاف أن يكون داود وضعها.
قال جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني: حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله، قال:
قال أحمد بن الفرج: حضرت أحمد بن حنبل لما ضرب، فتقدم أبو الدن فضربه بضعة عشر سوطا، فأقبل الدم من أكتافه، وكان عليه سراويل، فانقطع خيطه، فنزل.
فلحظته وقد حرك شفتيه، فعاد السراويل كما كان، فسألته، قال:
قلت: إلهي وسيدي، وقفتني هذا الموقف، فتهتكني على رؤوس الخلائق!
وهذه الحكاية لا تصح.
وقد ساق صاحب (الحلية) من الخرافات السمجة هنا ما يستحيا من ذكره.
فمن ذلك، قال: حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم القاضي، حدثني أبو عبد الله الجوهري، حدثنا يوسف بن يعقوب، سمعت علي بن محمد القرشي، قال:
لما جرد أحمد ليضرب، وبقي في سراويله، فبينما هو يضرب، انحل سراويله، فحرك شفتيه، فرأيت يدين خرجتا من تحته، فشدتا السراويل.
فلما فرغوا من الضرب، سألناه، قال:
قلت: يا من لا يعلم العرش منه أين هو إلا هو، إن كنت على الحق، فلا تبد عورتي.
أوردها البيهقي في مناقب أحمد، وما جسر على توهيتها، بل روى عن: أبي مسعود البجلي، عن ابن جهضم - ذاك الكذاب - حدثنا أبو بكر النجاد، حدثنا ابن أبي العوام الرياحي نحوا منها.
وفيها أن مئزره اضطرب، فحرك شفتيه، فرأيت كفا من ذهب خرج من تحت مئزره بقدرة الله، فصاحت العامة.
أخبرني ابن الفراء، حدثنا ابن قدامة، حدثنا ابن خضير، حدثنا ابن يوسف، حدثنا البرمكي، حدثنا علي بن مردك، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان:
أنه بلغه أن المعتصم نظر عند ضربه إياه إلى شيء مصرور في كمه، فقال: أي شيء هذا؟
قال: شعر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال: هاته، وأخذها منه.
ثم قال أحمد بن سنان: كان ينبغي أن يرحمه عندما رأى شعرة من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- معه في تلك الحال.
وبه، قال ابن أبي حاتم: قال أبو الفضل صالح:
خلي عنه، فصار إلى المنزل، ووجه إلى المطبق، فجيء برجل ممن يبصر الضرب والعلاج، فنظر إلى ضربه، فقال: قد رأيت من ضرب ألف سوط، ما رأيت ضربا مثل هذا، لقد جر عليه من خلفه، ومن قدامه، ثم أخذ ميلا، فأدخله في بعض

تلك الجراحات، فنظر إليه، فقال: لم ينقب؟
وجعل يأتيه، ويعالجه.
وكان قد أصاب وجهه غير ضربة، ومكث منكبا على وجهه كم شاء الله.
ثم قال له: إن ها هنا شيئا أريد أن أقطعه.
فجاء بحديدة، فجعل يعلق اللحم بها، فيقطعه بسكين معه، وهو صابر لذلك، يجهر بحمد الله في ذلك، فبرأ منه، ولم يزل يتوجع من مواضع منه، وكان أثر الضرب بينا في ظهره إلى أن توفي.
ودخلت يوما، فقلت له: بلغني أن رجلا جاء إليك، فقال: اجعلني في حل؛ إذ لم أقم بنصرتك.
فقلت: لا أجعل أحدا في حل.
فتبسم أبي، وسكت ، وسمعت أبي يقول: لقد جعلت الميت في حل من ضربه إياي.
ثم قال: مررت بهذه الآية: {فمن عفا وأصلح، فأجره على الله} [الشورى: 40] ، فنظرت في تفسيرها، فإذا هو ما أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا المبارك بن فضالة، قال:
أخبرني من سمع الحسن يقول: إذا كان يوم القيامة، جثت الأمم كلها بين يدي الله رب العالمين، ثم نودي أن لا يقوم إلا من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا.
قال: فجعلت الميت في حل.
ثم قال: وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه أحدا.
وبه، قال ابن أبي حاتم: حدثني أحمد بن سنان، قال:
بلغني أن أحمد بن حنبل جعل المعتصم في حل يوم فتح عاصمة بابك ، وظفر به، أو في
فتح عمورية، فقال: هو في حل من ضربي.
وسمعت أبي؛ أبا حاتم يقول:
أتيت أبا عبد الله بعد ما ضرب بثلاث سنين أو نحوها، فجرى ذكر الضرب، فقلت له: ذهب عنك ألم الضرب؟
فأخرج يديه، وقبض كوعيه اليمين واليسار، وقال: هذا، كأنه يقول: خلع، وإنه يجد منهما ألم ذلك.
وبه، قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر، قال:
قال أحمد بن حنبل: قيل لي: اكتب ثلاث كلمات، ويخلى سبيلك.
فقلت: هاتوا.
قالوا: اكتب: الله قديم لم يزل.
قال: فكتبت.
فقالوا: اكتب: كل شيء دون الله مخلوق.
وقالوا: اكتب: الله رب القرآن.
قلت: أما هذه فلا، ورميت بالقلم.
فقال بشر بن الحارث: لو كتبها، لأعطاهم ما يريدون.
وبه، قال: وقال إبراهيم بن الحارث العبادي - وكان رافقنا في بلاد الروم - قال:
حضر أحمد بن حنبل أبو محمد الطفاوي، فذكر له حديث، فقال أبو عبد الله: أخبرك بنظير هذا، لما أخرج بنا، جعلت أفكر فيما نحن
فيه، حتى إذا صرنا إلى الرحبة، أنزلنا بظاهرها، فمددت بصري، فإذا بشيء لم أستثبته، فلم يزل يدنو، وإذا أعرابي جعل يتخطى تلك المحامل حتى صار إلي، فوقف علي، فسلم، ثم قال: أنت أحمد بن حنبل؟
فسكت تعجبا!! ثم أعاد، فسكت، فبرك على ركبتيه، فقال: أنت أبو عبد الله أحمد بن حنبل؟
فقلت: نعم.
فقال: أبشر، واصبر، فإنما هي ضربة ها هنا، وتدخل الجنة ها هنا.
ثم مضى، فقال الطفاوي: يا أبا عبد الله! إنك محمود عند العامة.
فقال: أحمد الله على ديني، إنما هذا دين، لو قلت لهم، كفرت.
فقال الطفاوي: أخبرني بما صنعوا بك؟
قال: لما ضربت بالسياط، جعلت أذكر كلام الأعرابي، ثم جاء ذاك الطويل اللحية -يعني: عجيفا- فضربني بقائم السيف، ثم جاء ذاك، فقلت: قد جاء الفرج، يضرب عنقي، فأستريح.
فقال له ابن سماعة: يا أمير المؤمنين، اضرب عنقه، ودمه في رقبتي.
فقال ابن أبي دواد: لا يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنه إن قتل أو مات في دارك، قال الناس: صبر حتى قتل، فاتخذه الناس إماما، وثبتوا على ما هم عليه، ولكن أطلقه الساعة، فإن مات خارجا من منزلك، شك الناس في أمره، وقال بعضهم: أجاب، وقال بعضهم: لم يجب.
فقال الطفاوي: وما عليك لو قلت؟
قال أبو عبد الله: لو قلت، لكفرت.
وبه، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول:
دعا المعتصم بعم أحمد، ثم قال للناس: تعرفونه؟
قالوا: نعم، هو أحمد بن حنبل.
قال: فانظروا إليه، أليس هو صحيح البدن؟
قالوا: نعم، ولولا أنه فعل ذلك، لكنت أخاف أن يقع شيء لا يقام له.
قال: ولما قال: قد سلمته إليكم صحيح البدن، هدأ الناس وسكنوا.

قلت: ما قال هذا مع تمكنه في الخلافة وشجاعته إلا عن أمر كبير، كأنه خاف أن يموت من الضرب، فتخرج عليه العامة.
ولو خرج عليه عامة بغداد، لربما عجز عنهم.
وقال حنبل: لما أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله، خلع عليه مبطنة وقميصا، وطيلسانا وقلنسوة وخفا.
فبينا نحن على باب الدار، والناس في الميدان والدروب وغيرها، وغلقت الأسواق، إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار المعتصم في تلك الثياب، وأحمد بن أبي دواد عن يمينه، وإسحاق بن إبراهيم -يعني: نائب بغداد- عن يساره.
فلما صار في الدهليز قبل أن يخرج، قال لهم ابن أبي دواد: اكشفوا رأسه.
فكشفوه -يعني: من الطيلسان- وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس، فقال لهم إسحاق: خذوا به ها هنا - يريد دجلة -.
فذهب به إلى الزورق، وحمل إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فأقام عنده إلى أن صليت الظهر، وبعث إلى والدي وإلى جيراننا ومشايخ المحال، فجمعوا، وأدخلوا عليه، فقال لهم: هذا أحمد بن حنبل، وإن كان فيكم من يعرفه، وإلا فليعرفه.
قال ابن سماعة - حين دخل الجماعة - لهم: هذا أحمد بن حنبل، وإن أمير المؤمنين ناظره في أمره، وقد خلى سبيله، وها هو ذا، فأخرج على فرس لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس، فصار إلى منزله، ومعه السلطان والناس، وهو منحن، فلما ذهب لينزل، احتضنته، ولم أعلم، فوقعت يدي على موضع الضرب، فصاح، فنحيت يدي، فنزل متوكئا علي، وأغلق الباب، ودخلنا معه، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر أن يتحرك إلا بجهد،
ونزع ما كان خلع عليه، فأمر به، فبيع، وتصدق بثمنه.
وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره، وذلك أنه ترك فيما حكي لنا عند الإياس منه.
وبلغنا: أن المعتصم ندم، وأسقط في يده، حتى صلح، فكان صاحب خبر إسحاق بن إبراهيم يأتينا كل يوم يتعرف خبره، حتى صح، وبقيت إبهاماه منخلعتين، يضربان عليه في البرد، فيسخن له الماء، ولما أردنا علاجه، خفنا أن يدس أحمد بن أبي دواد سما إلى المعالج، فعملنا الدواء والمرهم في منزلنا.
وسمعته يقول: كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا، وقد جعلت أبا إسحاق -يعني: المعتصم- في حل، ورأيت الله يقول: {وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم} [النور: 22] وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر بالعفو في قصة مسطح .
قال أبو عبد الله: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك؟!!
قال حنبل: قال أبو عبد الله: قال برغوث -يعني: يوم المحنة-: يا
أمير المؤمنين، هو كافر حلال الدم، اضرب عنقه، ودمه في عنقي.
وقال شعيب كذلك أيضا: تقلد دمي، فلم يلتفت أبو إسحاق إليهما.
وقال أبو عبد الله: لم يكن في القوم أشد تكفيرا لي منهما، وأما ابن سماعة، فقال:
يا أمير المؤمنين، إنه من أهل بيت شرف ولهم قدم، ولعله يصير إلى الذي عليه أمير المؤمنين، فكأنه رق عندها، وكان إذا كلمني ابن أبي دواد، لم ألتفت إلى كلامه، وإذا كلمني أبو إسحاق، ألنت له القول.
قال: فقال في اليوم الثالث: أجبني يا أحمد، فإنه بلغني أنك تحب الرئاسة، وذلك لما أوغروا قلبه علي.
وجعل برغوث يقول: قال الجبري: كذا وكذا كلام هو الكفر بالله.
فجعلت أقول: ما أدري ما هذا، إلا أني أعلم أنه أحد صمد لا شبه له ولا عدل، وهو كما وصف نفسه، فسكت.
وقال لي أبو إسحاق: يا أحمد، إني لأشفق عليك كشفقتي على ابني هارون، فأجبني، والله لوددت أني لم أكن عرفتك يا أحمد، الله الله في دمك.
فلما كان في آخر ذلك، قال: لعنك الله، لقد طمعت أن تجيبني.
ثم قال: خذوه، واسحبوه.
فأخذت ثم خلعت، وجيء بعقابين وأسياط، وكان معي شعر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم صيرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين، الله الله، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث) ، يا أمير المؤمنين، فيم تستحل دمي؟ الله الله، لا تلق الله وبيني وبينك مطالبة، اذكر يا أمير المؤمنين وقوفك بين يدي الله -تعالى- كوقوفي بين يديك، وراقب الله.
فكأنه أمسك، فخاف ابن أبي دواد أن يكون منه عطف أو رأفة، فقال: إنه كافر بالله، ضال مضل.

قال حنبل: لما أردنا علاجه، خفنا أن يدس ابن أبي دواد إلى المعالج، فيلقي في دوائه سما، فعملنا الدواء والمرهم عندنا، فكان في برنية ، فإذا داواه رفعناها.
قال: وكان إذا أصابه البرد، ضرب عليه.
وقال: لقد ظننت أني أعطيت المجهود من نفسي.
محنة الواثق:
قال حنبل: لم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من الضرب يحضر الجمعة والجماعة، ويحدث ويفتي، حتى مات المعتصم، وولي ابنه الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دواد وأصحابه.
فلما اشتد الأمر على أهل بغداد، وأظهرت القضاة المحنة بخلق القرآن، وفرق بين فضل الأنماطي وبين امرأته، وبين أبي صالح وبين امرأته، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة، ويعيد الصلاة إذا رجع، ويقول: تؤتى الجمعة لفضلها، والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة.
وجاء نفر إلى أبي عبد الله، وقالوا: هذا الأمر قد فشا وتفاقم، ونحن نخافه على أكثر من هذا، وذكروا ابن أبي دواد، وأنه على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في المكاتب : القرآن كذا وكذا ، فنحن لا نرضى بإمارته.
فمنعهم من ذلك، وناظرهم.
وحكى أحمد قصده في مناظرتهم، وأمرهم بالصبر. قال: فبينا
نحن في أيام الواثق، إذ جاء يعقوب ليلا برسالة الأمير إسحاق بن إبراهيم إلى أبي عبد الله:
يقول لك الأمير: إن أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يجتمعن إليك أحد ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض الله.
قال: فاختفى أبو عبد الله بقية حياة الواثق.
وكانت تلك الفتنة، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي .
ولم يزل أبو عبد الله مختفيا في البيت لا يخرج إلى صلاة ولا إلى غيرها حتى هلك الواثق.
وعن إبراهيم بن هانئ، قال: اختفى أبو عبد الله عندي ثلاثا، ثم قال: اطلب لي موضعا.
قلت: لا آمن عليك.
قال: افعل، فإذا فعلت، أفدتك.
فطلبت له موضعا، فلما خرج، قال: اختفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار ثلاثة أيام ثم تحول .
العجب من أبي القاسم علي بن الحسن الحافظ ، كيف ذكر ترجمة أحمد مطولة كعوائده، ولكن ما أورد من أمر المحنة كلمة مع صحة أسانيدها ، فإن حنبلا ألفها في جزءين.
وكذلك صالح بن أحمد، وجماعة.
قال أبو الحسين بن المنادي: حدثني جدي؛ أبو جعفر، قال: لقيت أبا
عبد الله، فرأيت في يديه مجمرة يسخن خرقة، ثم يجعلها على جنبه من الضرب، فقال:
يا أبا جعفر، ما كان في القوم أرأف بي من المعتصم.
وعن أبي عبد الله البوشنجي، قال: حدث أحمد ببغداد جهرة حين مات المعتصم.
فرجعت من الكوفة، فأدركته في رجب، سنة سبع وعشرين، وهو يحدث، ثم قطع الحديث لثلاث بقين من شعبان بلا منع.
بل كتب الحسن بن علي بن الجعد قاضي بغداد إلى ابن أبي دواد:
إن أحمد قد انبسط في الحديث، فبلغ ذلك أحمد، فقطع الحديث وإلى أن توفي.
فصل في حال الإمام في دولة المتوكل
قال حنبل: ولي المتوكل جعفر، فأظهر الله السنة، وفرج عن الناس، وكان أبو عبد الله يحدثنا ويحدث أصحابه في أيام المتوكل.
وسمعته يقول: ما كان الناس إلى الحديث والعلم أحوج منهم إليه في زماننا.
قال حنبل: ثم إن المتوكل ذكره، وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم في إخراجه إليه، فجاء رسول إسحاق إلى أبي عبد الله يأمره بالحضور، فمضى أبو عبد الله ثم رجع، فسأله أبي عما دعي له؟
فقال: قرأ علي كتاب جعفر يأمرني بالخروج إلى العسكر -يعني: سر من رأى-.
قال: وقال لي إسحاق بن إبراهيم: ما تقول في القرآن؟
فقلت: إن أمير المؤمنين قد نهى عن هذا.
قال: وخرج إسحاق إلى العسكر، وقدم ابنه محمدا ينوب عنه ببغداد.
قال أبو عبد الله: وقال لي إسحاق بن إبراهيم: لا تعلم أحدا أني سألتك عن القرآن!
فقلت له: مسألة مسترشد أو مسألة متعنت؟
قال: بل مسترشد.
قلت: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.

قال صالح بن أحمد: قال أبي: قال لي إسحاق بن إبراهيم: اجعلني في حل من حضوري ضربك.
فقلت: قد جعلت كل من حضرني في حل.
وقال لي: من أين قلت: إنه غير مخلوق؟
فقلت: قال الله: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54] ، ففرق بين الخلق والأمر.
فقال إسحاق: الأمر مخلوق.
فقال: يا سبحان الله! أمخلوق يخلق خلقا؟!!
قلت: يعني: إنما خلق الكائنات بأمره، وهو قوله: (كن} [الأنعام: 73] .
قال: ثم قال لي: عمن تحكي أنه ليس بمخلوق؟
قلت: عن جعفر بن محمد، قال: ليس بخالق ولا مخلوق.
قال حنبل: ولم يكن عند أبي عبد الله ما يتحمل به أو ينفقه، وكانت عندي مائة درهم، فأتيت بها أبي، فذهب بها إليه، فأصلح بها ما احتاج إليه، واكترى وخرج، ولم يمض إلى محمد بن إسحاق بن إبراهيم ، ولا سلم عليه.
فكتب بذلك محمد إلى أبيه، فحقدها إسحاق عليه، وقال: يا أمير المؤمنين! إن أحمد خرج من بغداد، ولم يأت مولاك محمدا.
فقال المتوكل: يرد ولو وطئ بساطي - وكان أحمد قد بلغ بصرى -.
فرد، فرجع وامتنع من الحديث إلا لولده ولنا، وربما قرأ علينا في منزلنا.
ثم إن رافعا رفع إلى المتوكل: إن أحمد ربص علويا في منزله، يريد أن يخرجه ويبايع عليه.
قال: ولم يكن عندنا علم، فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف، سمعنا الجلبة، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله، فأسرعنا،
وإذا به قاعد في إزار، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر وجماعة معهم، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل:

ثم قال له مظفر: ما تقول؟
قال: ما أعرف من هذا شيئا، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ويسري، ومنشطي ومكرهي، وأثرة علي، وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار...، في كلام كثير.
فقال مظفر: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلفك.
قال: فأحلفه بالطلاق ثلاثا أن ما عنده طلبة أمير المؤمنين.
ثم فتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئا، ولم يحسوا بشيء، ورد الله الذين كفروا بغيظهم، وكتب بذلك إلى المتوكل، فوقع منه موقعا حسنا، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه.
وكان الذي دس عليه رجل من أهل البدع، ولم يمت حتى بين الله أمره للمسلمين، وهو ابن الثلجي .
فلما كان بعد أيام، بينا نحن جلوس بباب الدار، إذا يعقوب - أحد حجاب المتوكل - قد جاء، فاستأذن على أبي عبد الله، فدخل، ودخل أبي وأنا، ومع بعض غلمانه بدرة على بغل، ومعه كتاب المتوكل، فقرأه على أبي عبد الله:
إنه صح عند أمير المؤمنين براءة ساحتك، وقد وجه إليك بهذا المال
تستعين به.
فأبى أن يقبله، وقال: ما لي إليه حاجة.
فقال: يا أبا عبد الله، اقبل من أمير المؤمنين ما أمرك به، فإنه خير لك عنده، فإنك إن رددته، خفت أن يظن بك سوءا.
فحينئذ قبلها.
فلما خرج، قال: يا أبا علي.
قلت: لبيك.
قال: ارفع هذه الإنجانة وضعها -يعني: البدرة- تحتها.
ففعلت، وخرجنا.
فلما كان من الليل، إذا أم ولد أبي عبد الله تدق علينا الحائط، فقالت: مولاي يدعو عمه.
فأعلمت أبي، وخرجنا، فدخلنا على أبي عبد الله، وذلك في جوف الليل، فقال: يا عم! ما أخذني النوم.
قال: ولم؟
قال: لهذا المال.
وجعل يتوجع لأخذه، وأبي يسكنه، ويسهل عليه، وقال: حتى تصبح وترى فيه رأيك، فإن هذا ليل، والناس في المنازل.
فأمسك وخرجنا، فلما كان من السحر، وجه إلى عبدوس بن مالك، وإلى الحسن بن البزار، فحضرا ، وحضر جماعة، منهم: هارون الحمال، وأحمد بن منيع، وابن الدورقي، وأبي، وأنا، وصالح، وعبد الله، وجعلنا نكتب من يذكرونه من أهل الستر والصلاح ببغداد والكوفة، فوجه منها إلى أبي كريب، وللأشج، وإلى من يعلمون حاجته، ففرقها كلها ما بين الخمسين إلى المائة، وإلى المائتين، فما بقي في الكيس درهم .
فلما كان بعد ذلك، مات الأمير إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد، ثم ولي بغداد عبد الله بن إسحاق، فجاء رسول إلى أبي عبد الله، فذهب إليه، فقرأ عليه كتاب المتوكل، وقال له: يأمرك بالخروج -يعني: إلى سامراء-.
فقال: أنا شيخ ضعيف عليل.
فكتب عبد الله بما رد عليه، فورد جواب الكتاب: إن أمير المؤمنين يأمره بالخروج.
فوجه عبد الله أجنادا، فباتوا على بابنا أياما، حتى تهيأ أبو عبد الله للخروج، فخرج ومعه صالح وعبد الله وأبي زميلة .
وقال صالح: كان حمل أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين، ثم وإلى أن مات أبي قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه.
وقال صالح: وجه إسحاق إلى أبي: الزم بيتك، ولا تخرج إلى جماعة ولا جمعة، وإلا نزل بك ما نزل بك أيام أبي إسحاق.
وقال ابن الكلبي: أريد أن أفتش منزلك ومنزل ابنك.
فقام مظفر وابن الكلبي، وامرأتان معهما، ففتشوا، ودلوا شمعة في البئر، ونظروا، ثم خرجوا، فلما كان بعد يومين، ورد كتاب علي بن الجهم: إن أمير المؤمنين قد صح عنده براءتك، وذكر نحوا من رواية حنبل.
قال حنبل: فأخبرني أبي، قال:
دخلنا إلى العسكر، فإذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا، قالوا: هذا وصيف.
وإذا بفارس قد أقبل، فقال لأبي عبد الله: الأمير وصيف يقرئك السلام، ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك -يعني: ابن أبي دواد- وأمير المؤمنين يقبل منك، فلا تدع شيئا إلا تكلمت به.
فما رد عليه أبو عبد الله شيئا، وجعلت أنا أدعو لأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف، ومضينا، فأنزلنا في دار
إيتاخ ، ولم يعرف أبو عبد الله، فسأل بعد: لمن هذه الدار؟
قالوا: هذه دار إيتاخ .
قال: حولوني، اكتروا لي دارا.
قالوا: هذه دار أنزلكها أمير المؤمنين.
قال: لا أبيت ها هنا.
ولم يزل حتى اكترينا له دارا، وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والثلج والفاكهة وغير ذلك، فما ذاق منها أبو عبد الله شيئا، ولا نظر إليها، وكان نفقة المائدة في اليوم مائة وعشرين درهما.
وكان يحيى بن خاقان، وابنه عبيد الله، وعلي بن الجهم يختلفون إلى أبي عبد الله برسالة المتوكل، ودامت العلة بأبي عبد الله، وضعف شديدا.
وكان يواصل، ومكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب، ففي الثامن دخلت عليه، وقد كاد أن يطفأ، فقلت: يا أبا عبد الله! ابن الزبير كان يواصل سبعة، وهذا لك اليوم ثمانية أيام!
قال: إني مطيق.
قلت: بحقي عليك.
قال: فإني أفعل.
فأتيته بسويق، فشرب، ووجه إليه المتوكل بمال عظيم، فرده، فقال له عبيد الله بن يحيى: فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك.
قال: هم مستغنون.
فردها عليه، فأخذها عبيد الله، فقسمها على ولده، ثم أجرى المتوكل على أهله وولده في كل شهر أربعة آلاف، فبعث إليه أبو عبد الله: إنهم في كفاية، وليست بهم حاجة.
فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، فما لك ولهذا؟
فأمسك أبو عبد الله، فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل.
وجرى بين أبي عبد الله وبين أبي كلام كثير، وقال: يا عم! ما بقي من
أعمارنا، كأنك بالأمر قد نزل، فالله الله، فإن أولادنا إنما يريدون أن يأكلوا بنا، وإنما هي أيام قلائل، وإنما هذه فتنة.
قال أبي: فقلت: أرجو أن يؤمنك الله مما تحذر.
فقال: كيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم؟ لو تركتموها، لتركوكم، ماذا ننتظر؟ إنما هو الموت، فإما إلى جنة، وإما إلى نار، فطوبى لمن قدم على خير.
قال: فقلت: أليس قد أمرت ما جاءك من هذا المال من غير إشراف نفس ولا مسألة أن تأخذه؟
قال: قد أخذت مرة بلا إشراف نفس، فالثانية والثالثة؟ ألم تستشرف نفسك؟
قلت: أفلم يأخذ ابن عمر وابن عباس؟
فقال: ما هذا وذاك!
وقال: لو أعلم أن هذا المال يؤخذ من وجهه، ولا يكون فيه ظلم ولا حيف، لم أبال.
قال حنبل: ولما طالت علة أبي عبد الله، كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب، فيصف له الأدوية، فلا يتعالج، ويدخل ابن ماسويه، فقال: يا أمير المؤمنين، ليست بأحمد علة، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة.
فسكت المتوكل.
وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله، فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل.
فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز، ويدعو له، ويسلم عليه، ويجعله في حجره.
فامتنع، ثم أجاب، رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد، فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز، فامتنع، وكانت عليه ميثرة نمور، فقدم إليه بغل لتاجر، فركبه، وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق، فدخل أبو عبد الله على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه.
فلما رأته، قالت: يا بني، الله الله في هذا الرجل، فليس هذا ممن يريد ما عندكم، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله، فائذن له ليذهب.
فدخل أبو عبد الله على

المعتز، فقال: السلام عليكم.
وجلس، ولم يسلم عليه بالإمرة، فسمعت أبا عبد الله بعد يقول:
لما دخلت عليه، وجلست، قال مؤدبه: أصلح الله الأمير، هذا هو الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك؟
فقال الصبي: إن علمني شيئا، تعلمته.
قال أبو عبد الله: فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره، وكان صغيرا.
ودامت علة أبي عبد الله، وبلغ المتوكل ما هو فيه، وكلمه يحيى بن خاقان أيضا، وأخبره أنه رجل لا يريد الدنيا، فأذن له في الانصراف، فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر، فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر أن يفرش لك حراقة تنحدر فيها.
فقال أبو عبد الله: اطلبوا لي زورقا أنحدر الساعة.
فطلبوا له زورقا، فانحدر لوقته.
قال حنبل: فما علمنا بقدومه حتى قيل: إنه قد وافى.
فاستقبلته بناحية القطيعة، وقد خرج من الزورق، فمشيت معه، فقال لي: تقدم لا يراك الناس فيعرفوني، فتقدمته.
قال: فلما وصل ، ألقى نفسه على قفاه من التعب والعياء.
وكان ربما استعار الشيء من منزلنا ومنزل ولده، فلما صار إلينا من مال السلطان ما صار، امتنع من ذلك، حتى لقد وصف له في علته قرعة تشوى، فشويت في تنور صالح، فعلم، فلم يستعملها ، ومثل هذا كثير.
وقد ذكر صالح قصة خروج أبيه إلى العسكر، ورجوعه، وتفتيش بيوتهم على العلوي، وورود يعقوب بالبدرة ، وأن بعضها كان مائتي دينار، وأنه بكى، وقال: سلمت منهم، حتى إذا كان في آخر عمري، بليت بهم، عزمت عليك أن تفرقها غدا.
فلما أصبح، جاءه حسن بن البزار، فقال: جئني يا صالح بميزان، وجهوا إلى أبناء المهاجرين والأنصار، وإلى فلان.
حتى فرق الجميع، ونحن في حالة الله بها عليم، فجاءني ابن لي، فطلب درهما، فأخرجت قطعة، فأعطيته، فكتب صاحب البريد: إنه تصدق بالكل ليومه، حتى بالكيس.
قال علي بن الجهم: فقلت: يا أمير المؤمنين، قد تصدق بها، وعلم الناس أنه قد قبل منك، وما يصنع أحمد بالمال؟! وإنما قوته رغيف.
قال: صدقت.
قال صالح: ثم أخرج أبي ليلا، ومعنا حراس، فلما أصبح، قال: أمعك دراهم؟
قلت: نعم.
قال: أعطهم.
وجعل يعقوب يسير معه، فقال له: يا أبا عبد الله، ابن الثلجي بلغني أنه كان يذكرك.
قال: يا أبا يوسف، سل الله العافية.
قال: يا أبا عبد الله، تريد أن نؤدي عنك رسالة إلى أمير المؤمنين.
فسكت، فقال: إن عبد الله بن إسحاق أخبرني أن الوابصي قال له: إني أشهد عليه أنه قال: إن أحمد يعبد ماني !
فقال: يا أبا
يوسف، يكفي الله.
فغضب يعقوب، والتفت إلي، فقال: ما رأيت أعجب مما نحن فيه، أسأله أن يطلق لي كلمة أخبر بها أمير المؤمنين، فلا يفعل.
قال: ووجه يعقوب إلى المتوكل بما عمل، ودخلنا العسكر، وأبي منكس الرأس، ورأسه مغطى، فقال له يعقوب: اكشف رأسك.
فكشفه، ثم جاء وصيف يريد الدار، ووجه إلى أبي بيحيى بن هرثمة، فقال: يقرئك أمير المؤمنين السلام، ويقول: الحمد لله الذي لم يشمت بك أهل البدع، قد علمت حال ابن أبي دواد، فينبغي أن تتكلم فيه بما يجب لله.
ومضى يحيى، وأنزل أبي في دار إيتاخ، فجاء علي بن الجهم، وقال: قد أمر لكم أمير المؤمنين بعشرة آلاف مكان التي فرقها، وأن لا يعلم شيخكم بذلك فيغتم.
ثم جاءه محمد بن معاوية، فقال: إن أمير المؤمنين يكثر ذكرك، ويقول: تقيم هنا تحدث.
فقال: أنا ضعيف.
وصار إليه يحيى بن خاقان، فقال: يا أبا عبد الله، قد أمر أمير المؤمنين أن آتيك لتركب إلى ابنه المعتز.
وقال لي: أمرني أمير المؤمنين يجرى عليه وعلى قرابتكم أربعة آلاف .
ثم عاد يحيى من الغد، فقال: يا أبا عبد الله، تركب؟
قال: ذاك إليكم.
ولبس إزاره وخفه، وكان للخف عنده خمسة عشر عاما، قد رقع برقاع عدة ، فأشار يحيى أن يلبس قلنسوة.

قاعدا على مصطبة في الدار، فصعد، وقعد، فقال له يحيى: يا أبا عبد الله، إن أمير المؤمنين جاء بك ليسر بقربك، ويصير ابنه عبد الله في حجرك.
فأخبرني بعض الخدام أن المتوكل كان قاعدا وراء ستر، فقال لأمه: يا أمه، قد أنارت الدار.
ثم جاء خادم بمنديل، فأخذ يحيى المنديل، وذكر قصة في إلباس أبي عبد الله القميص والقلنسوة والطيلسان، وهو لا يحرك يده، ثم انصرف.
وقد كانوا تحدثوا: أنه يخلع عليه سوادا.
فلما جاء، نزع الثياب، وجعل يبكي، وقال: سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة، حتى إذا كان في آخر عمري، بليت بهم! ما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام، فكيف بمن يجب علي نصحه؟! يا صالح، وجه بهذه الثياب إلى بغداد تباع، ويتصدق بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئا.
فوجهت بها إلى يعقوب بن بختان ، فباعها، وفرق ثمنها، وبقيت عندي القلنسوة.
قال: ومكث خمسة عشر يوما يفطر كل ثلاث على ثمن سويق، ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة على رغيف، وليلة لا يفطر، وإذا جاؤوا بالمائدة، توضع في الدهليز لئلا يراها، وكان إذا أجهده الحر، بل خرقة، فيضعها على صدره، وفي كل يوم يوجه إليه بابن ماسويه، فينظر إليه، فقال: يا أبا عبد الله، أنا أميل إليك وإلى أصحابك، وما بك علة سوى الضعف وقلة الرز .
قال: وجعل يعقوب وغياث يصيران إليه، ويقولان له: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول في ابن أبي دواد وفي ماله؟
فلا يجيب بشيء.
وجعل يعقوب ويحيى يخبرانه بما يحدث في أمر ابن دواد.
ثم بعث إلى بغداد بعد ما أشهد عليه ببيع ضياعه، وكان ربما جاء يحيى بن خاقان - وأبو عبد الله يصلي - فيجلس في الدهليز حتى يفرغ من الصلاة.
وأمر المتوكل أن تشترى لنا دار، فقال: يا صالح.
قلت: لبيك.
قال: لئن أقررت لهم بشراء دار، لتكونن القطيعة بيني وبينكم، إنما يريدون أن يصيروا هذا البلد لي مأوى.
فلم يزل يدافع بشراء الدار حتى اندفع.
وجعلت رسل المتوكل تأتيه يسألونه عن خبره، ويرجعون، فيقولون: هو ضعيف.
وفي خلال ذلك يقولون: يا أبا عبد الله، لا بد من أن يراك.
وجاءه يعقوب، فقال: أمير المؤمنين مشتاق إليك، ويقول: انظر يوما تصير فيه - أي يوم - حتى أعرفه.
فقال: ذاك إليكم.
فقال: يوم الأربعاء، وخرج.
فلما كان من الغد، جاء، فقال: البشرى يا أبا عبد الله! إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، ويقول: قد أعفيتك من لبس السود والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار، فالبس ما شئت .
فجعل يحمد الله على ذلك.
ثم قال يعقوب: إن لي ابنا به معجب، وإن له في قلبي موقعا، فأحب أن تحدثه بأحاديث.
فسكت، فلما خرج، قال: أتراه لا يرى ما أنا فيه؟!!
وكان يختم القرآن من جمعة إلى جمعة، وإذا ختم، دعا، ونحن
نؤمن، فلما كان غداة الجمعة، وجه إلي وإلى أخي.
فلما ختم، جعل يدعو ونحن نؤمن، فلما فرغ، جعل يقول: أستخير الله مرات.
فجعلت أقول: ما يريد؟
ثم قال: إني أعطي الله عهدا، إن عهده كان مسؤولا، وقال -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] إني لا أحدث بحديث تمام أبدا حتى ألقى الله، ولا أستثني منكم أحدا.
فخرجنا، وجاء علي بن الجهم، فأخبرناه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وأخبر المتوكل بذلك.
وقال: إنما يريدون أحدث، ويكون هذا البلد حبسي، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا، وأمروا فحدثوا، والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان، وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك، إن هذا فتنة الدنيا ، وذاك كان فتنة الدين.
ثم جعل يضم أصابعه، ويقول: لو كان نفسي في يدي، لأرسلتها.
ثم يفتح أصابعه .
وكان المتوكل يكثر السؤال عنه، وفي خلال ذلك يأمر لنا بالمال، ويقول: لا يعلم شيخهم فيغتم، ما يريد منهم؟ إن كان هو لا يريد الدنيا، فلم يمنعهم؟!
وقالوا للمتوكل: إنه لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك، ويحرم الذي تشرب.
فقال: لو نشر لي المعتصم، وقال فيه شيئا، لم أقبل منه.
قال صالح: ثم انحدرت إلى بغداد، وخلفت عبد الله عنده، فإذا عبد الله قد قدم، فقلت: ما لك؟
قال: أمرني أن أنحدر.
وقال: قل لصالح:
لا تخرج، فأنتم كنتم آفتي، والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أخرجت واحدا منكم معي، لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة، وتفرش الفرش، وتجرى الأجراء ؟
فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد الله، فكتب إلي بخطه:
أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي حملني على الكتاب إليك الذي قلت لعبد الله، لا يأتيني منكم أحد رجاء أن ينقطع ذكري ويخمل ، وإذا كنتم ها هنا، فشا ذكري، وكان يجتمع إليكم قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خير، فإن أقمت فلم يأتني أنت ولا أخوك، فهو رضائي، ولا تجعل في نفسك إلا خيرا، والسلام عليك.
قال: ولما سافرنا، رفعت المائدة والفرش، وكل ما أقيم لنا.
قال صالح: وبعث المتوكل إلى أبي بألف دينار ليقسمها، فجاءه علي بن الجهم في جوف الليل، فأخبره بأنه يهيئ له حراقة، ثم جاء عبيد الله بألف دينار، فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر لك بهذا.
فقال: قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره.
فردها، وقال: أنا رقيق على البرد، والظهر أرفق بي.
فكتب له جواز، وكتب إلى محمد بن عبد الله في بره وتعاهده.
فقدم علينا، ثم قال: يا صالح.
قلت: لبيك.
قال: أحب أن تدع هذا الرزق، فإنما تأخذونه بسببي.
فسكت، فقال: ما لك؟
قلت: أكره أن أعطيك بلساني، وأخالف إلى غيره، وليس في القوم أكثر عيالا مني، ولا أعذر، وقد كنت أشكو إليك، وتقول: أمرك منعقد بأمري، ولعل الله أن يحل عني هذه العقدة، وقد كنت تدعو لي، فأرجو أن يكون الله قد استجاب لك.
فقال: والله لا تفعل.
فقلت: لا.
فقال: لم؟ فعل الله بك وفعل!!
وذكر قصة في دخول عبد الله أخيه عليه، وقوله وجوابه له، ثم دخول عمه عليه، وإنكاره للأخذ.
قال: فهجرنا أبي، وسد الأبواب بيننا وبينه، وتحامى منازلنا، ثم أخبر بأخذ عمه، فقال: نافقتني وكذبتني!!
ثم هجره، وترك الصلاة في المسجد، وخرج إلى مسجد آخر يصلي فيه.
ثم ذكر قصة في دعائه صالحا، ومعاتبته له، ثم في كتابته إلى يحيى بن خاقان ليترك معونة أولاده، وأن الخبر بلغ المتوكل، فأمر بحمل ما اجتمع لهم من عشرة أشهر إليهم، فكان أربعين ألف درهم.
وأن أبا عبد الله أخبر بذلك، فسكت قليلا، وأطرق، ثم قال: ما حيلتي إن أردت أمرا، وأراد الله أمرا؟!
قال صالح: وكان رسول المتوكل يأتي أبي يبلغه السلام، ويسأله عن حاله.
قال: فتأخذه قشعريرة حتى ندثره، ثم يقول: والله لو أن نفسي في يدي، لأرسلتها.
وجاء رسول المتوكل إليه يقول: لو سلم أحد من الناس، سلمت أنت، رفع رجل إلينا : أن علويا قدم من خراسان، وأنك وجهت إليه من يلقاه، وقد حبست الرجل، وأردت ضربه، فكرهت أن تغتم، فمر فيه.
قال: هذا باطل يخلى سبيله.
ثم ذكر صالح قصة في قدوم المتوكل بغداد، وإشارة أبي عبد الله على صالح بأن لا يذهب إليهم، ومجيء يحيى بن خاقان من عند المتوكل،
وقوله: قد أعفاني أمير المؤمنين من كل ما أكره، وفي توجيه أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أحمد ليحضر إليه، وامتناع أحمد، وقوله: أنا رجل لم أخالط السلطان، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، وهذا مما أكره.
قال: وكان قد أدمن الصوم لما قدم من سامراء، وجعل لا يأكل الدسم، وكان قبل ذلك يشترى له الشحم بدرهم، فيأكل منه شهرا !!
الخلال: حدثني محمد بن الحسين، أن المروذي حدثهم، قال:
كان أبو عبد الله بالعسكر يقول: انظر، هل تجد ماء باقلى ؟ فكنت ربما بللت خبزه بالماء، فيأكله بالملح .
ومنذ دخلنا العسكر إلى أن خرجنا، ما ذاق طبيخا ولا دسما.
وعن المروذي، قال: أنبهني أبو عبد الله ليلة، وكان قد واصل، فقال: هو ذا يدار بي من الجوع، فأطعمني شيئا.
فجئته بأقل من رغيف، فأكله، وقال: لولا أني أخاف العون على نفسي، ما أكلت.
وكان يقوم إلى المخرج، فيقعد يستريح من الجوع، حتى إن كنت لأبل الخرقة، فيلقيها على وجهه، لترجع نفسه إليه، حتى إنه أوصى من الضعف من غير مرض، فسمعته يقول - ونحن بالعسكر هذا -:
ما أوصى به أحمد بن محمد، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.
وقال عبد الله بن أحمد: أوصى أبي هذه:
هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، إلى أن قال:
وأوصى أن علي لفوران نحوا من خمسين دينارا، وهو مصدق فيما قال، فيقضى من غلة الدار، فإذا استوفى، أعطي ولد عبد الله وصالح، كل ذكر وأنثى عشرة دراهم.
شهد: أبو يوسف، وعبد الله وصالح؛ ابنا أحمد.
أنبؤونا عمن سمع أبا علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال:
كتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسألك عن القرآن، لا مسألة امتحان، لكن مسألة معرفة وتبصرة.
فأملى علي أبي: إلى عبيد الله بن يحيى، بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها، ودفع عنك المكاره برحمته، قد كتبت إليك - رضي الله عنك - بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني، وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، فقد كان الناس في خوض من الباطل، واختلاف شديد ينغمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفى الله به كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس ، فصرف الله ذلك كله، وذهب به بأمير المؤمنين، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما، ودعوا الله لأمير المؤمنين، وأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين ،
وأن يزيد في نيته، وأن يعينه على ما هو عليه.
فقد ذكر عن ابن عباس أنه قال: لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإنه يوقع الشك في قلوبكم.
وذكر عن عبد الله بن عمرو: أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟
وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟
فسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: (أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما ها هنا في شيء ، انظروا الذي أمرتم به، فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه، فانتهوا عنه ) .
وروي عن أبي هريرة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مراء في القرآن كفر) .
وروي عن أبي جهيم:
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تماروا في القرآن، فإن مراء فيه كفر ) .
وقال ابن عباس: قدم رجل على عمر، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا.
فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم في القرآن هذه المسارعة.
فزبرني عمر، وقال: مه.
فانطلقت إلى منزلي كئيبا حزينا، فبينا أنا كذلك، إذ أتاني رجل، فقال: أجب أمير المؤمنين.
فخرجت، فإذا هو بالباب ينتظرني، فأخذ بيدي، فخلا بي، وقال: ما الذي كرهت؟
قلت: يا أمير المؤمنين، متى يتسارعوا هذه المسارعة، يحتقوا ، ومتى ما يحتقوا، يختصموا، ومتى ما يختصموا، يختلفوا، ومتى ما يختلفوا، يقتتلوا.
قال: لله أبوك! والله إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها.
وروي عن جابر، قال:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على الناس بالموقف، فيقول: (هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي) .
وروي عن جبير بن نفير:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه) .
يعني: القرآن .
وروي عن ابن مسعود، قال: جردوا القرآن، لا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله.
وروي عن عمر أنه قال: هذا القرآن كلام الله، فضعوه مواضعه.
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إني إذا قرأت كتاب الله وتدبرته، كدت أن آيس ، وينقطع رجائي.
فقال: إن القرآن كلام الله، وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتقصير، فاعمل، وأبشر.
وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جارا لخباب، فخرجت يوما معه إلى المسجد، وهو أخذ بيدي، فقال: يا هناه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه .
وقال رجل للحكم: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟
قال: الخصومات.
وقال معاوية بن قرة: إياكم وهذه الخصومات، فإنها تحبط الأعمال.
وقال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء -أو قال: أصحاب الخصومات- فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟
قال: لا.
قالا: فنقرأ عليك آية؟
قال: لا، لتقومان عني، أو لأقومنه.
فقاما.
فقال بعض القوم: يا أبا بكر، وما عليك أن يقرأ عليك آية؟
قال :.....، وقال: خشيت أن يقرآ آية فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي.
وقال رجل من أهل البدع لأيوب: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة؟
فولى، وهو يقول بيده: لا، ولا نصف كلمة.
وقال ابن طاووس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع: يا بني، أدخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول.
ثم قال: اشدد اشدد.
وقال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات، أكثر التنقل.
وقال إبراهيم النخعي: إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم.
وكان الحسن يقول: شر داء خالط قلبا -يعني: الأهواء-.
وقال حذيفة: اتقوا الله، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم، لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا، لقد ضللتم
ضلالا بعيدا -أو قال: مبينا-.
قال أبي: وإنما تركت الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين، ولولا ذاك، ذكرتها بأسانيدها، وقد قال الله -تعالى-: {وإن أحد من المشركين استجارك، فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] .
وقال: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54] .
فأخبر أن الأمر غير الخلق.
وقال: {الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان} [الرحمن: 1 - 4] .
فأخبر أن القرآن من علمه.
وقال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل: إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، ما لك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة: 120]
وقال: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك} [البقرة: 145] .
وإلى قوله: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم، إنك إذا لمن الظالمين} [البقرة: 145] .
فالقرآن من علم الله.
وفي الآيات دليل على أن الذي جاءه هو القرآن.
وقد روي عن السلف أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو الذي أذهب إليه، لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان عن كتاب الله، أو حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن أصحابه، أو عن التابعين، فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود.
فهذه الرسالة إسنادها كالشمس، فانظر إلى هذا النفس النوراني، لا كرسالة الإصطخري ، ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد
الله ، فإن الرجل كان تقيا ورعا، لا يتفوه بمثل ذلك.
ولعله قاله، وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة.
وما ثبت عنه أصلا وفرعا ففيه كفاية، ومما ثبت عنه مسألة الإيمان، وقد صنف فيها.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، البر كله من الإيمان، والمعاصي تنقص الإيمان.
وقال إسحاق بن إبراهيم البغوي: سمعت أحمد يقول:
من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر.
وسمع سلمة بن شبيب أحمد يقول ذلك، وهذا متواتر عنه.
وقال أبو إسماعيل الترمذي: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
من قال: القرآن محدث، فهو كافر.
وقال إسماعيل بن الحسن السراج: سألت أحمد عمن يقول: القرآن مخلوق، قال: كافر.
وعمن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: جهمي.
وقال صالح بن أحمد: تناهى إلى أبي أن أبا طالب يحكي أنه يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق.
فأخبرت بذلك أبي، فقال: من حدثك؟
قلت: فلان.
قال: ابعث إلى أبي طالب.
فوجهت إليه، فجاء، وجاء فوران، فقال له أبي: أنا قلت لك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟!
وغضب، وجعل يرعد، فقال: قرأت عليك: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] ، فقلت لي: ليس هذا بمخلوق.
قال: فلم حكيت عني أني قلت: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ وبلغني أنك كتبت بذلك إلى قوم، فامحه، واكتب إليهم أني لم أقله لك.
فجعل فوران يعتذر إليه، فعاد أبو طالب، وذكر أنه حكى ذلك، وكتب إلى القوم يقول: وهمت على أبي عبد الله.
قلت: الذي استقر الحال عليه أن أبا عبد الله كان يقول:
من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، وأنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي.
فكان -رحمه الله- لا يقول هذا ولا هذا، وربما أوضح ذلك، فقال:
من قال: لفظي بالقرآن مخلوق - يريد به القرآن - فهو جهمي.

قال أحمد بن زنجوية: سمعت أحمد يقول: اللفظية شر من الجهمية.
وقال صالح: سمعت أبي يقول:
الجهمية ثلاث فرق: فرقة قالت: القرآن مخلوق، وفرقة قالوا: كلام الله وسكتوا، وفرقة قالوا: لفظنا به مخلوق.
ثم قال أبي: لا يصلى خلف واقفي، ولا لفظي.
وقال المروذي: أخبرت أبا عبد الله:
أن أبا شعيب السوسي الرقي، فرق بين بنته وزوجها لما وقف في القرآن، فقال: أحسن - عافاه الله -.
وجعل يدعو له.
قال المروذي: ولما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف، حذر عنه أبو عبد الله، وأمر بهجرانه.
لأبي عبد الله في مسألة اللفظ نقول عدة: فأول من أظهر مسألة اللفظ حسين بن علي الكرابيسي، وكان من أوعية العلم، ووضع كتابا في المدلسين، يحط على جماعة: فيه أن ابن الزبير من الخوارج.
وفيه أحاديث يقوي به الرافضة، فأعلم أحمد، فحذر منه، فبلغ الكرابيسي، فتنمر، وقال: لأقولن مقالة حتى يقول ابن حنبل بخلافها، فيكفر.
فقال: لفظي بالقرآن مخلوق.
فقال المروذي في كتاب (القصص) : فذكرت ذلك لأبي عبد الله أن الكرابيسي قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وأنه قال: أقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي به مخلوق، ومن لم يقل: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كافر.
فقال أبو عبد الله: بل هو الكافر - قاتله الله - وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا؟ وما ينفعه، وقد نقض كلامه الأخير كلامه الأول؟!
ثم قال: أيش خبر أبي ثور، أوافقه على هذا؟
قلت: قد هجره.
قال: أحسن، لن يفلح أصحاب الكلام.

قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي، وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة، فقال: من كان منهم يحسن الكلام، فهو جهمي.
الحكم بن معبد: حدثني أحمد الدورقي، قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في هؤلاء الذين يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق؟
فرأيته استوى، واجتمع، وقال: هذا شر من قول الجهمية.
من زعم هذا، فقد زعم أن جبريل تكلم بمخلوق، وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمخلوق.
فقد كان هذا الإمام لا يرى الخوض في هذا البحث؛ خوفا من أن يتذرع به إلى القول بخلق القرآن، والكف عن هذا أولى، آمنا بالله -تعالى- وبملائكته، وبكتبه، ورسله، وأقداره، والبعث والعرض على الله يوم الدين.
ولو بسط هذا السطر، وحرر وقرر فيها بأدلته، لجاء في خمس مجلدات، بل ذلك موجود مشروح لمن رامه، والقرآن فيه شفاء ورحمة للمؤمنين، ومعلوم أن التلفظ شيء من كسب القارئ غير الملفوظ، والقراءة غير الشيء المقروء، والتلاوة وحسنها وتجويدها غير المتلو، وصوت القارئ من كسبه فهو يحدث التلفظ والصوت والحركة والنطق، وإخراج الكلمات من أدواته المخلوقة، ولم يحدث كلمات القرآن، ولا ترتيبه، ولا تأليفه، ولا معانيه.
فلقد أحسن الإمام أبو عبد الله حيث منع من الخوض في المسألة من الطرفين، إذ كل واحد من إطلاق الخلقية وعدمها على اللفظ موهم، ولم يأت به كتاب ولا سنة، بل الذي لا نرتاب فيه أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق - والله أعلم -.
الحاكم: حدثنا الأصم، سمعت محمد بن إسحاق الصغاني، سمعت فوران صاحب أحمد يقول:
سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطي أن أطلب من أبي عبد الله خلوة، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين اللفظ والمحكي.
فسألته، فقال: القرآن كيف تصرف في أقواله وأفعاله، فغير مخلوق.
فأما أفعالنا فمخلوقة.
قلت: فاللفظية تعدهم يا أبا عبد الله في جملة الجهمية؟
فقال: لا، الجهمية الذين قالوا: القرآن مخلوق.
وبه، قال: وسمعت فوران يقول:
جاءني ابن شداد برقعة فيها مسائل، وفيها: إن لفظي بالقرآن غير مخلوق، فضرب أحمد بن حنبل على هذه، وكتب: القرآن حيث تصرف غير مخلوق.
قال صالح بن أحمد: سمعت أبي يقول: من زعم أن أسماء الله مخلوقة، فقد كفر.
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:
من تعاطى الكلام لا يفلح، من تعاطى الكلام، لم يخل من أن يتجهم.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول:
من أحب الكلام لم يفلح، لأنه يؤول أمرهم إلى حيرة، عليكم بالسنة والحديث، وإياكم والخوض في الجدال والمراء، أدركنا الناس وما يعرفون هذا الكلام، عاقبة الكلام لا تؤول إلى خير.
وللإمام أحمد كلام كثير في التحذير من البدع وأهلها، وأقوال في السنة.
ومن نظر في كتاب (السنة) لأبي بكر الخلال، رأى فيه علما غزيرا ونقلا كثيرا.
وقد أوردت من ذلك جملة في ترجمة أبي عبد الله في (تاريخ الإسلام) ، وفي كتاب (العزة للعلي العظيم) .
فترني عن إعادته هنا عدم النية.
فنسأل الله الهدى، وحسن القصد. وإلى الإمام أحمد المنتهى في

معرفة السنة علما وعملا، وفي معرفة الحديث وفنونه، ومعرفة الفقه وفروعه.
وكان رأسا في الزهد والورع والعبادة والصدق.
قال صالح بن أحمد: قدم المتوكل، فنزل الشماسية ، يريد المدائن، فقال لي أبي: أحب أن لا تذهب إليهم تنبه علي.
فلما كان بعد يوم أنا قاعد، وكان يوما مطيرا، فإذا بيحيى بن خاقان قد جاء في موكب عظيم، والمطر عليه، فقال لي: سبحان الله! لم تصر إلينا حتى تبلغ أمير المؤمنين السلام عن شيخك، حتى وجه بي، ثم نزل خارج الزقاق، فجهدت به أن يدخل على الدابة، فلم يفعل، فجعل يخوض المطر.
فلما وصل نزع جرموقه ، ودخل، وأبي في الزاوية عليه كساء، فسلم عليه، وقبل جبهته، وساءله عن حاله، وقال: أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول: كيف أنت في نفسك، وكيف حالك؟ وقد أنست بقربك، ويسألك أن تدعو له.
فقال: ما يأتي علي يوم إلا وأنا أدعو الله له.
ثم قال: قد وجه معي ألف دينار تفرقها على أهل الحاجة.
فقال: يا أبا زكريا، أنا في بيت منقطع، وقد أعفاني من كل ما أكره، وهذا مما أكره.
فقال: يا أبا عبد الله، الخلفاء لا يحتملون هذا.
فقال: يا أبا زكريا، تلطف في ذلك.
فدعا له، ثم قام، فلما صار إلى الدار، رجع، وقال: هكذا لو وجه إليك بعض إخوانك كنت تفعل؟
قال: نعم.
فلما صرنا إلى الدهليز، قال: أمرني أمير المؤمنين أدفعها إليك تفرقها.
فقلت: تكون عندك إلى أن تمضي هذه الأيام.
أحمد بن محمد بن الحسين بن معاوية الرازي: حدثنا بكر بن عبد الله
بن حبيب، سمعت المسعري محمد بن وهب، قال:
كنت مؤدبا للمتوكل، فلما استخلف، أدناني، وكان يسألني وأجيبه على مذهب الحديث، والعلم.
وإنه جلس للخاصة يوما، ثم قام، حتى دخل بيتا له من قوارير؛ سقفه وحيطانه وأرضه، وقد أجري له الماء فيه، يتقلب فيه.
فمن دخله، فكأنه في جوف الماء جالس.
وجلس عن يمينه: الفتح بن خاقان، وعبيد الله بن يحيى بن خاقان.
وعن يساره: بغا الكبير، ووصيف، وأنا واقف إذ ضحك، فأرم القوم، فقال:
ألا تسألوني من ما ضحكت؟! إني ذات يوم واقف على رأس الواثق، وقد قعد للخاصة، ثم دخل هنا، ورمت الدخول، فمنعت، ووقفت حيث ذاك الخادم واقف، وعنده ابن أبي دواد، وابن الزيات، وإسحاق بن إبراهيم.
فقال الواثق: لقد فكرت فيما دعوت إليه الناس من أن القرآن مخلوق، وسرعة إجابة من أجابنا، وشدة خلاف من خالفنا مع الضرب والسيف، فوجدت من أجابنا رغب فيما في أيدينا، ووجدت من خالفنا منعه دين وورع، فدخل قلبي من ذلك أمر وشك حتى هممت بترك ذلك.
فقال ابن أبي دواد: الله الله يا أمير المؤمنين! أن تميت سنة قد أحييتها، وأن تبطل دينا قد أقمته.
ثم أطرقوا، وخاف ابن أبي دواد، فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن هذا القول الذي تدعو الناس إليه لهو الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله، وبعث به نبيه، ولكن الناس عموا عن قبوله.
قال الواثق: فباهلوني على ذلك.
فقال أحمد: ضربه الله بالفالج إن لم يكن ما يقول حقا.
وقال ابن الزيات: وهو، فسمر الله بدنه بمسامير في الدنيا قبل الآخرة، إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقا بأن القرآن مخلوق.
وقال إسحاق بن إبراهيم: وهو، فأنتن الله ريحه في الدنيا إن لم يكن
ما يقول حقا.
وقال نجاح: وهو، فقتله الله في أضيق محبس.
وقال إيتاخ: وهو، فغرقه الله.
فقال الواثق: وهو، فأحرق الله بدنه بالنار أن لم يكن ما يقول حقا من أن القرآن مخلوق، فأضحك أنه لم يدع أحد منهم يومئذ إلا استجيب فيه.
أما ابن أبي دواد، فقد ضربه الله بالفالج، وأما ابن الزيات، فأنا أقعدته في تنور من حديد، وسمرت بدنه بمسامير، وأما إسحاق، فأقبل يعرق في مرضه عرقا منتنا حتى هرب منه الحميم والقريب، وأما نجاح، فأنا بنيت عليه بيتا ذراعا في ذراعين حتى مات، وأما إيتاخ، فكتبت إلى إسحاق بن إبراهيم وقد رجع من الحج فقيده وغرقه، وأما الواثق، فكان يحب الجماع، فقال: يا مخائيل: ابغني دواء للباه.
فقال: يا أمير المؤمنين، بدنك فلا تهده، لا سيما إذا تكلف الرجل الجماع.
فقال: لا بد منه، وإذا بين فخذيه مع ذلك وصيفة.
فقال: من يصبر عن مثل هذه؟
قال: فعليك بلحم السبع، يوخذ رطل، فيغلى سبع غليات بخل خمر عتيق، فإذا جلست على شربك، فخذ منه زنة ثلاثة دراهم، فإنك تجد بغيتك.
فلها أياما، وقال: علي بلحم سبع الساعة.
فأخرج له سبع، فذبح واستعمله.
قال: فسقي بطنه، فجمع له الأطباء، فأجمعوا على أنه لا دواء له إلا أن يسجر له تنور بحطب الزيتون، حتى يمتلئ جمرا، ثم يكسح ما فيه، ويحشى بالرطبة، ويقعد فيه ثلاث ساعات، فإن طلب ماء لم يسق، ثم يخرج فإنه يجد وجعا شديدا، ولا يعاد إلى التنور إلى بعد ساعتين، فإنه يجري ذلك الماء، ويخرج من مخارج البول.
وإن هو سقي أو رد إلى التنور، تلف.
قال: فسجر له تنور، ثم أخرج الجمر، وجعل على ظهر التنور، ثم حشي بالرطبة.
فعري الواثق، وأجلس فيه، فصاح، وقال: أحرقتموني، اسقوني ماء.
فمنع، فتنفط بدنه كله، وصار نفاخات كالبطيخ، ثم أخرج وقد كاد أن يحترق، فأجلسه الأطباء.
فلما شم الهواء، اشتد به الألم، فأقبل يصيح

ويخور كالثور، ويقول:
ردوني إلى التنور، واجتمع نساؤه وخواصه، وردوه إلى التنور، ورجوا الفرج.
فلما حمي، سكن صياحه، وتفطرت تلك النفاخات، وأخرج وقد احترق واسود، وقضى بعد ساعة.
قلت: راويها لا أعرفه.
وعن جرير بن أحمد بن أبي دواد، قال: قال أبي:
ما رأيت أحدا أشد قلبا من هذا -يعني: أحمد- جعلنا نكلمه، جعل الخليفة يكلمه، يسميه مرة ويكنيه مرة، وهو يقول:
يا أمير المؤمنين، أوجدني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أجيبك إليه.
أبو يعقوب القراب: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل، أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرام، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي، قال:
دخلت أنا والحارث بن مسكين على أحمد حدثان ضربه، فقال لنا: ضربت فسقطت وسمعت ذاك -يعني: ابن أبي دواد- يقول:
يا أمير المؤمنين، هو والله ضال مضل.
فقال له الحارث: أخبرني يوسف بن عمر، عن مالك، أن الزهري سعي به حتى ضرب بالسياط.
وقيل: علقت كتبه في عنقه.
ثم قال مالك: وقد ضرب سعيد بن المسيب، وحلق رأسه ولحيته، وضرب أبو الزناد، وضرب محمد بن المنكدر، وأصحاب له في حمام بالسياط.
وما ذكر مالك نفسه، فأعجب أحمد بقول الحارث.
قال مكي بن عبدان: ضرب جعفر بن سليمان مالكا تسعين سوطا سنة 147.
وروي عن محمد بن أبي سمينة، عن شاباص التائب، قال:
لقد ضرب أحمد بن حنبل ثمانين سوطا، لو ضربته على فيل، لهدته.
البيهقي: أخبرنا الحاكم، حدثنا حسان بن محمد الفقيه، سمعت

إبراهيم بن أبي طالب يقول:
دخلت على أحمد بن حنبل بعد المحنة غير مرة، وذاكرته رجاء أن آخذ عنه حديثا، إلى أن قلت: يا أبا عبد الله، حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار ) .
فقال: قيل: عن الزهري، عن أبي سلمة، فقلت: من عن الزهري؟
قال: أبو الجهم.
فقلت: من رواه عن أبي الجهم؟
فسكت، فلما عاودته فيه، قال: اللهم سلم.
قال الميموني: قال لي أحمد: يا أبا الحسن، إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
الخلال: حدثنا المروذي، قال لي أبو عبد الله:
ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به، حتى مر بي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا ، فاحتجمت وأعطيت الحجام دينارا.
أخبرنا جماعة إجازة، عن ابن الجوزي، أخبرنا ابن ناصر، أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، حدثنا ابن أبي الفوارس، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، حدثنا المروذي:
قلت لأبي عبد الله: من مات على الإسلام والسنة، مات على خير؟
فقال: اسكت، بل مات على الخير كله.
قال موسى بن هارون البزاز: سئل أحمد: أين نطلب البدلاء؟
فسكت ثم قال: إن لم يكن من أصحاب الحديث، فلا أدري.
قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي: أخبرنا الفضل بن زياد، سمعت أحمد بن حنبل يقول:
من رد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو على شفا هلكة.
قال أبو مزاحم الخاقاني: قال لي عمي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان:
أمر المتوكل بمسألة أحمد عمن يقلد القضاء، فسألت عمي أن يخرج إلي جوابه، فوجه إلي نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم، نسخة الرقعة التي عرضتها على أحمد بن محمد بن حنبل بعد أن سألته، فأجابني بما قد كتبته.
سألته عن أحمد بن رباح، فقال فيه: جهمي معروف، وإنه إن قلد شيئا من أمور المسلمين، كان فيه ضرر عليهم.
وسألته عن الخلنجي ، فقال فيه: كذلك.
وسألته عن شعيب بن سهل، فقال: جهمي معروف بذلك.
وسألته عن عبيد الله بن أحمد، فقال: كذلك.
وسألته عن المعروف بأبي شعيب، فقال: كذلك.
وسألته عن محمد بن منصور قاضي الأهواز، فقال: كان مع ابن أبي دواد، وفي ناحيته وأعماله، إلا أنه كان من أمثلهم.
وسألته عن علي بن الجعد، فقال: كان معروفا بالتجهم، ثم بلغني أنه رجع.
وسألته عن الفتح بن سهل، فقال: جهمي من أصحاب المريسي.
وسألته عن الثلجي، فقال: مبتدع، صاحب هوى.
وسألته عن إبراهيم بن عتاب، فقال: لا أعرفه إلا أنه كان من أصحاب بشر المريسي.
وفي الجملة أن أهل البدع والأهواء، لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين، مع ما
عليه رأي أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - من التمسك بالسنة والمخالفة لأهل البدع.
يقول أحمد بن محمد بن حنبل: قد سألني عبد الرحمن بن يحيى عن جميع من في هذا الكتاب، وأجبته بما كتب، وكنت عليل العين، ضعيفا في بدني، فلم أقدر أن أكتب بخطي، فوقع هذا التوقيع في أسفل القرطاس عبد الله ابني بأمري، وبين يدي.
ومن سيرته:
قال عبد الملك الميموني: ما رأيت عمامة أبي عبد الله قط إلا تحت ذقنه، ورأيته يكره غير ذلك.
أبو مسلم محمد بن إسماعيل: حدثنا صالح بن أحمد، قال: مضيت مع أبي يوم جمعة إلى الجامع، فوافقنا الناس قد انصرفوا.
فدخل إلى المسجد، وكان معنا إبراهيم بن هانئ، فتقدم أبي فصلى بنا الظهر أربعا.
وقال: قد فعله ابن مسعود بعلقمة والأسود.
وكان أبي إذا دخل مقبرة، خلع نعليه، وأمسكهما بيده.
قال يحيى بن مندة في (مناقب أحمد) : أخبرنا البيهقي، أخبرنا الحاكم، سمعت يحيى بن منصور، سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود، سمعت محمد بن سهل بن عسكر يقول:
كنت عند أحمد بن حنبل، فدخل محمد بن يحيى، فقام إليه أحمد وتعجب منه الناس، ثم قال لبنيه وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله، فاكتبوا عنه.
إبراهيم بن محمد بن سفيان: سمعت عاصم بن عصام البيهقي يقول:
بت ليلة عند أحمد بن حنبل، فجاء بماء فوضعه، فلما أصبح نظر إلى الماء بحاله، فقال: سبحان الله! رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل.

قال محمد بن إسماعيل الترمذي: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أحمد بن حنبل، فقال له أحمد: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء.
فقام أبو عبد الله ينفض ثوبه، ويقول: زنديق زنديق، ودخل البيت.
الطبراني: أنشدنا محمد بن موسى بن حماد لمحمد بن عبد الله بن طاهر:

قال عثمان بن سعيد الدرامي: رأيت أحمد بن حنبل يذهب إلى كراهية الاكتناء بأبي القاسم .
أحمد بن مروان الدينوري: حدثنا إدريس الحداد، قال: كان أحمد بن حنبل إذا ضاق به الأمر آجر نفسه من الحاكة، فسوى لهم، فلما كان أيام المحنة، وصرف إلى بيته، حمل إليه مال، فرده وهو محتاج إلى رغيف، فجعل عمه إسحاق يحسب ما يرد، فإذا هو نحو خمس مائة ألف.
قال: فقال: يا عم، لو طلبناه لم يأتنا، وإنما أتانا لما تركناه.
البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عبد الواحد البلدي، سمعت جعفر بن محمد الطيالسي يقول:
صلى أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين قالا:
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة، عن أنس:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قال: لا إله إلا الله، خلق الله من كل كلمة طيرا، منقاره من ذهب، وريشه من مرجان) .
وأخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة ، وجعل أحمد ينظر إلى يحيى، ويحيى ينظر إلى أحمد، فقال: أنت حدثته بهذا؟
فيقول: والله ما سمعت به إلا الساعة.
فسكتا حتى فرغ، وأخذ قطاعه، فقال له يحيى بيده: أن تعال.
فجاء متوهما لنوال.
فقال: من حدثك بهذا؟
فقال: أحمد وابن معين.
فقال: أنا يحيى، وهذا أحمد، ما
سمعنا بهذا قط، فإن كان ولا بد والكذب، فعلى غيرنا.
فقال: أنت يحيى بن معين؟
قال: نعم.
قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما علمت إلا الساعة، كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل غيركما!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين غيركما.
فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما.
هذه الحكاية اشتهرت على ألسنة الجماعة، وهي باطلة، أظن البلدي وضعها، ويعرف بالمعصوب.
رواها عنه أيضا أبو حاتم بن حبان فارتفعت عنه الجهالة.
ذكر المروذي، عن أحمد: أنه بقي بسامراء ثمانية أيام، لم يشرب إلا أقل من ربع سويق.
أحمد بن بندار الشعار: حدثنا أبو يحيى بن الرازي، سمعت علي بن سعيد الرازي، قال: صرنا مع أحمد بن حنبل إلى باب المتوكل، فلما أدخلوه من باب الخاصة، قال: انصرفوا، عافاكم الله، فما مرض منا أحد بعد ذلك اليوم.
الكديمي: حدثنا علي بن المديني، قال لي أحمد بن حنبل:
إني لأشتهي أن أصحبك إلى مكة، وما يمنعني إلا خوف أن أملك أو تملني.
فلما ودعته، قلت: أوصني.
قال: اجعل التقوى زادك، وانصب الآخرة أمامك.
قال أبو حاتم: أول ما لقيت أحمد سنه ثلاث عشرة ومائتين، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة كتاب (الأشربة) ، وكتاب (الإيمان) فصلى، ولم
يسأله أحد، فرده إلى بيته.
وأتيته يوما آخر، فإذا قد أخرج الكتابين، فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك، لأن كتاب (الإيمان) أصل الدين، وكتاب (الأشربة) صرف الناس عن الشر، فإن كل الشر من السكر.
وقال صالح: أهدى إلى أبي رجل - ولد له مولود - خوان فالوذج، فكافأه بسكر بدراهم صالحة.
وقال ابن وارة: أتيت أحمد، فأخرج إلي قدحا فيه سويق، وقال: اشربه.
أنبؤونا: عن محمد بن إسماعيل، عن يحيى بن مندة الحافظ، أخبرنا أبو الوليد الدربندي سنة أربعين وأربع مائة، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الأسود بدمشق، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر النهاوندي، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن زوران لفظا، حدثنا أحمد بن جعفر الإصطخري قال:
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: هذا مذاهب أهل العلم والأثر، فمن خالف شيئا من ذلك أو عاب قائلها، فهو مبتدع.
وكان قولهم: إن الإيمان قول وعمل ونية، وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص، ومن زعم أن الإيمان قول، والأعمال شرائع، فهو جهمي، ومن لم ير الاستثناء في الإيمان، فهو مرجئ، والزنى والسرقة وقتل النفس والشرك كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لأحد على الله حجة.
إلى أن قال: والجنة والنار خلقتا، ثم الخلق لهما لا تفنيان، ولا يفنى ما فيهما أبدا.
إلى أن قال: والله -تعالى- على العرش، والكرسي موضع قدميه. إلى
أن قال: وللعرش حملة، ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن، وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفره، فهو مثله، وكلم الله موسى تكليما من فيه.
إلى أن ذكر أشياء من هذا الأنموذج المنكر، والأشياء التي -والله- ما قالها الإمام، فقاتل الله واضعها.
ومن أسمج ما فيها قوله: ومن زعم أنه لا يرى التقليد، ولا يقلد دينه أحدا، فهذا قول فاسق عدو لله، فانظر إلى جهل المحدثين كيف يروون هذه الخرافة، ويسكتون عنها .
الدارقطني: حدثنا جعفر الخلدي ، أخبرنا العباس بن يوسف، حدثني عمي محمد بن إسماعيل بن العلاء، حدثني أبي، قال: دعاني رزق الله بن الكلوذاني، فقدم إلينا طعاما كثيرا، وفينا أحمد، وابن معين، وأبو خيثمة، فقدمت لوزينج أنفق عليها ثمانين درهما.
فقال أبو خيثمة: هذا إسراف.
فقال أحمد بن حنبل: لو أن الدنيا في مقدار لقمة، ثم أخذها مسلم، فوضعها في فم أخيه لما كان مسرفا.
فقال له يحيى: صدقت.
وهذه حكاية منكرة.
قال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبد الله، عن الأحاديث التي تروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا ) .
فقال: نؤمن بها، ونصدق
بها، ولا نرد شيئا منها، إذا كانت أسانيد صحاحا، ولا نرد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله، ونعلم أن ما جاء به حق.
الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: رأيت كثيرا من العلماء والفقهاء والمحدثين، وبني هاشم وقريش والأنصار، يقبلون أبي، بعضهم يده، وبعضهم رأسه، ويعظمونه تعظيما لم أرهم يفعلون ذلك بأحد من الفقهاء غيره، ولم أره يشتهي ذلك.
ورأيت الهيثم بن خارجة، والقواريري، وأبا معمر، وعلي بن المديني، وبشارا الخفاف، وعبد الله بن عون الخراز ، وابن أبي الشوارب، وإبراهيم الهروي، ومحمد بن بكار، ويحيى بن أيوب، وسريج بن يونس، وأبا خيثمة، ويحيى بن معين، وابن أبي شيبة، وعبد الأعلى النرسي، وخلف بن هشام، وجماعة لا أحصيهم، يعظمونه ويوقرونه.
الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت عبد الوهاب الوارق يقول:
أبو عبد الله إمامنا، وهو من الراسخين في العلم، إذا وقفت غدا بين يدي الله، فسألني بمن اقتديت، أي شيء أقول؟ وأي شيء ذهب على أبي عبد الله من أمر الإسلام؟!
وعن أبي جعفر محمد بن عبد الرحمن الصيرفي، قال: نظرت، فرأيت أن أحمد أفضل من سفيان.
ثم قال: أحمد لم يخلف شيئا، وكان يقدم عثمان، وكان لا يشرب .
قال صالح بن علي الحلبي: سمعت أبا همام يقول: ما رأى أحمد مثل نفسه.
قال الخلال: بلينا بقوم جهال، يظنون أنهم علماء، فإذا ذكرنا فضائل أبي عبد الله، يخرجهم الحسد إلى أن قال بعضهم فيما أخبرني ثقة عنه: أحمد بن حنبل نبيهم.
قال الخلال: حدثنا سليمان بن الأشعث، قال:
رأيت في المنام سنة ثمان وعشرين ومائتين كأني في مسجد الجامع، فأقبل رجل شبه الخصي من ناحية المقصورة، وهو يقول:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اقتدوا باللذين من بعدي، أحمد بن حنبل وفلان ) .
قال أبو داود: لا أحفظ اسمه، فجعلت أقول في نفسي: هذا حديث غريب.
ففسرته على رجل، فقال: الخصي في المنام ملك.
قال الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت أبا عبد الله يقول:
الخوف منعني أكل الطعام والشراب، فما اشتهيته، وما أبالي أن لا يراني أحد ولا أراه، وإني لأشتهي أن أرى عبد الوهاب، قل لعبد الوهاب: أخمل ذكرك، فإني قد بليت بالشهرة.
الخلال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يزيد الوراق، سمعت أحمد بن حنبل يقول:
ما شبهت الشباب إلا بشيء كان في كمي، فسقط.
قال إسحاق بن هانئ: مات أبو عبد الله وما خلف إلا ست قطع في خرقة قدر دانقين.
قال المروذي: قال أحمد:
كنت أبكر في الحديث، لم يكن لي فيه تلك النية في بعض ما كنت فيه.
وقال عبد الله: سمعت أبي يقول:
ربما أردت البكور في الحديث، فتأخذ أمي بثوبي، وتقول: حتى يؤذن المؤذن.
وكنت ربما بكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش.
وقال عباس الدوري: سمعت أحمد يقول: أول ما طلبت اختلفت إلى أبي يوسف القاضي.
قال عبد الله: كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد الكتب، وكان يحفظها، فقال لي مهنى: كنت أسأله فيقول: ليس ذا في كتبهم.
فأرجع إليهم، فيقولون: صاحبك أعلم منا بالكتب.
المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:
ما خرجت إلى الشام إلا بعد ما ولد لي صالح، أظن كان ابن ست سنين حين خرجت.
قلت: ما أظن خرجت بعدها؟
قال: لا.
قلت: فكم أقمت باليمن؟
قال: ذهابي ومجيئي عشرة أشهر، خرجنا من مكة في صفر، ووافينا الموسم.
قلت: كتبت عن هشام بن يوسف؟
قال: لا، مات قبلنا.
عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا يزيد بن مسلم الهمداني أنه ابن خمس وثلاثين ومائة سنة:
قدم محمد بن يوسف أخو الحجاج، وأنا ابن خمس سنين في سنة ثلاث وسبعين.
قال المروذي: قال أبو عبد الله: فأتينا شيخا خارجا من صنعاء، كان

عنده.
عن وهب بن منبه، كان يقال: له أربعون ومائة سنة.
قال عبد الله: سمعت أبي يقول:
رأيت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، وكان رجلا صالحا.
وسمعت أبي يقول: حدثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون، وما لقيت في المحدثين أسن منه.
وعن أبي عبد الله، قال: أتيت يوسف بن الماجشون، وكان عنده قريب من مائتي حديث، ولم أر معنا القزاز.
المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:
ما كتبت عن أحد أكثر من وكيع، وسمعت من عبد السلام بن حرب ثلاثين حديثا.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن أبي صيفي ، يحدث عن مجاهد، قال:
قد كتبنا عنه، عن مجاهد، وعن المقبري، وعن الحكم: ليس بشيء ، ولم أسمع من عيسى بن يونس، ورأيت سليمان المقرئ بالكوفة، وغلام يقرأ عليه بالتحقيق والهمز .
وعن أبي عبد الله، قال: كان إسماعيل بن مجالد هنا أدركته، ولم أسمع منه، ورأيت الأشجعي.
وأتيت خلف بن خليفة، فتكلم، فلم أفهم عنه، كان يرعد من الكبر.
وكتبت عن أبي نعيم في سنة خمس وثمانين.
وكتبت عن ابن مهدي نحو عشرة آلاف.
وكتبنا حديث غندر على الوجه، وأعطانا الكتب، فكنا ننسخ منها.
قال عبد الله: سمعت أبي يقول:
سمعت من عباد بن عباد سنة ثمانين ومائة، ومن الطفاوي سنة إحدى.
وعن أحمد، قال: كتبت عن مبشر الحلبي خمسة أحاديث بمسجد حلب، كنا خرجنا إلى طرسوس على أرجلنا.
وقال: قد أكثرت عن عمر بن هارون، ولا أروي عنه شيئا.
عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي، سمعت إسحاق بن راهويه يذكر عن عيسى بن يونس.
الخلال: أخبرنا عصمة، حدثنا حنبل، سمعت أحمد يقول:
سمعت من إبراهيم بن سعد سنة ثنتين وثمانين.
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي:
شهدت إبراهيم بن سعد، وجاءه رجل من مدينة أبي جعفر، فقال: يا أبا إسحاق ، حدثني.
فقال: كيف أحدثك وهذا ها هنا؟ - يعنيني -.
فاستحييت فقمت.
وسمعت أبي يقول: حدثتنا أم عمر ابنة حسان، عن أبيها، قال:
دخلت المسجد، فإذا علي بن أبي طالب على المنبر، وهو يقول: إنما مثلي
ومثل عثمان كما قال الله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل } [الأعراف: 43] و [الحجر: 47] .
الخلال: أخبرنا أبو بكر بن صدقة، سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي قال:
أتيت أحمد بن حنبل أنا وعبد الله بن سعيد الجمال، وذاك في آخر سنة مائتين.
فقال أبو عبد الله للجمال: يا أبا محمد، إن أقواما يسألوني أن أحدث، فهل ترى ذاك؟
فسكت، فقلت: أنا أجيبك.
قال: تكلم.
قلت: أرى لك إن كنت تشتهي أن تحدث، فلا تحدث، وإن كنت تشتهي أن لا تحدث، فحدث.
فكأنه استحسنه.
عبد الله بن أحمد: سمعت نوح بن حبيب القومسي يقول:
رأيت أحمد بن حنبل في مسجد الخيف سنة ثمان وتسعين، وابن عيينة حي، وهو يفتي فتوى واسعة، فسلمت عليه.
قال عبد الله: سمعت أبي سنة 237 يقول:
قد استخرت الله أن لا أحدث حديثا على تمامه أبدا.
ثم قال: إن الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] ، وإني أعاهد الله أن لا أحدث بحديث على تمامه أبدا.
ثم قال: ولا لك، وإن كنت تشتهي.
فقلت له بعد ذلك بأشهر: أليس يروى عن شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس.
قال: العهد يمين ؟
قال: نعم.
ثم سكت، فظننت
أنه سيكفر، فلما كان بعد أيام، قلت له في ذلك، فلم ينشط للكفارة، ثم لم أسمعه يحدث بحديث على تمامه.
قال المروذي: سمعت أبا عبد الله في العسكر يقول لولده:
قال الله -تعالى-: {أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] ، أتدرون ما العقود؟ إنما هو العهود، وإني أعاهد الله - جل وعز -.
ثم قال: والله، والله، والله، وعلي عهد الله وميثاقه أن لا حدثت بحديث لقريب ولا لبعيد حديثا تاما حتى ألقى الله.
ثم التفت إلى ولده، وقال: وإن كان هذا يشتهي منه ما يشتهي.
ثم بلغه عن رجل من الدولة - وهو ابن أكثم - أنه قال: قد أردت أن يأمره الخليفة أن يكفر عن يمينه، ويحدث.
فسمعت أبا عبد الله يقول لرجل من قبل صاحب الكلام: لو ضربت ظهري بالسياط، ما حدثت.
من تواضعه:
الخلال: حدثنا محمد بن المنذر، حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال:
رأيت أبا عبد الله يشتري الخبز من السوق، ويحمله في الزنبيل، ورأيته يشتري الباقلاء غير مرة، ويجعله في خرقة، فيحمله آخذا بيد عبد الله ابنه.
الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت أبا عبد الله يقول: أراد ذاك
الذي بخراسان ومات بالثغر أن يحدث ها هنا بشيء، وكان يزيد بن هارون حيا، فكتب إليه: إن يزيد حي، وإن قال: لا، فهو لا إلى يوم القيامة، فلم يظهر شيئا حتى مات يزيد.
الميموني: قال لي أبو عبيد:
يا أبا الحسن، قد جالست أبا يوسف ومحمدا، وأحسبه ذكر يحيى بن سعيد، ما هبت أحدا ما هبت أحمد بن حنبل.
من جهاده:
قال عبد الله بن محمود بن الفرج: سمعت عبد الله بن أحمد يقول:
خرج أبي إلى طرسوس، ورابط بها، وغزا.
ثم قال أبي: رأيت العلم بها يموت.
وعن أحمد، أنه قال لرجل: عليك بالثغر، عليك بقزوين، وكانت ثغرا.
باب
ابن عدي: حدثنا عبد المؤمن بن أحمد الجرجاني، سمعت عمار بن رجاء، سمعت أحمد بن حنبل يقول:
طلب إسناد العلو من السنة .
الخلال: حدثنا المروذي: قلت لأبي عبد الله: قال لي رجل:
من هنا إلى بلاد الترك يدعون لك، فكيف تؤدي شكر ما أنعم الله عليك، وما بث لك في الناس؟
فقال: أسأل الله أن لا يجعلنا مرائين.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا:
أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، قال:
سمعت أحمد بن حنبل في سنة ثمان وعشرين ومائتين في أولها، وقد حدث حديث معاوية، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة ) ، فأعدوا للبلاء صبرا، فجعل يقول: اللهم رضنا، اللهم رضنا.
أخبرنا المسلم بن علان، وغيره كتابة: أن أبا اليمن الكندي أخبرهم، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا محمد بن الفرج البزاز، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسي، حدثنا جعفر بن شعيب الشاشي، حدثني محمد بن يوسف الشاشي، حدثني إبراهيم بن أمية، سمعت طاهر بن خلف، سمعت المهتدي بالله محمد ابن الواثق يقول:
كان أبي إذا أراد أن يقتل أحدا أحضرنا، فأتي بشيخ مخضوب مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه -يعني: ابن أبي دواد-.
قال: فأدخل الشيخ، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
فقال: لا سلم الله عليك.
فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك، قال الله -تعالى-: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86] .
فقال ابن أبي دواد: الرجل متكلم.
قال له: كلمه.
فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن؟
قال: لم ينصفني، ولي السؤال.
قال: سل.
قال: ما تقول في القرآن؟
قال: مخلوق.
قال الشيخ: هذا شيء علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمر، والخلفاء الراشدون، أم شيء لم يعلموه؟
قال: شيء لم يعلموه.
فقال: سبحان الله! شيء لم يعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- علمته أنت؟
فخجل، فقال: أقلني.
قال: المسألة بحالها.
قال: نعم، علموه.
فقال: علموه، ولم يدعوا الناس إليه؟
قال: نعم.
قال: أفلا وسعك ما وسعهم؟
قال: فقام أبي، فدخل مجلسا، واستلقى وهو يقول:
شيء لم يعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت! سبحان الله! شيء علموه، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟!
ثم أمر برفع قيوده، وأن يعطى أربع مائة دينار، ويؤذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي دواد، ولم يمتحن بعدها أحدا.
هذه قصة مليحة، وإن كان في طريقها من يجهل، ولها شاهد.
وبإسنادنا إلى الخطيب: أخبرنا ابن رزقويه، أخبرنا أحمد بن سندي الحداد، أخبرنا أحمد بن الممتنع، أخبرنا صالح بن علي الهاشمي، قال:
حضرت المهتدي بالله، وجلس لينظر في أمور المظلومين، فنظرت في

القصص تقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع فيها، وتحرر، وتدفع إلى صاحبها، فيسرني ذلك، فجعلت أنظر إليه ففطن، ونظر إلي، فغضضت عنه، حتى كان ذلك مني ومنه مرارا، فقال: يا صالح.
قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، ووثبت.
فقال: في نفسك شيء تريد أن تقوله؟!
قلت: نعم.
فقال: عد إلى موضعك.
فلما قام، خلا بي، وقال: يا صالح، تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا؟
قلت: يا أمير المؤمنين، ما تأمر؟
قال: أقول: إنه دار في نفسك أنك استحسنت ما رأيت منا.
فقلت: أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق.
فورد علي أمر عظيم، ثم قلت: يا نفس، هل تموتين قبل أجلك؟
فقلت: ما دار في نفسي إلا ما قلت.
فأطرق مليا، ثم قال: ويحك! اسمع، فو الله لتسمعن الحق.
فسري عني، فقلت: يا سيدي، ومن أولى بقول الحق منك، وأنت خليفة رب العالمين.
قال: ما زلت أقول: إن القرآن مخلوق صدرا من أيام الواثق - قلت: كان صغيرا أيام الواثق، والحكاية فمنكرة -.
ثم قال: حتى أقدم أحمد بن أبي دواد علينا شيخا من أذنة، فأدخل على الواثق مقيدا، فرأيته استحيا منه، ورق له، وقربه، فسلم، ودعا، فقال: يا شيخ، ناظر ابن أبي دواد.
فقال: يا أمير المؤمنين، نصبوا ابن أبي دواد، ويضعف عن المناظرة.
فغضب الواثق، وقال: أيضعف عن مناظرتك أنت؟
فقال: يا أمير المؤمنين، هون عليك، فائذن لي في مناظرته، فإن رأيت أن تحفظ علي وعليه.
قال: أفعل.
فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى تقال فيه؟
قال: نعم.
قال: فأخبرني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بعث، هل ستر شيئا مما أمره الله به من أمر دينهم؟
قال: لا.
قال: فدعا الأمة إلى مقالتك هذه؟
فسكت، فالتفت الشيخ إلى الواثق، وقال: يا أمير المؤمنين واحدة. قال:

نعم.
فقال الشيخ: فأخبرني عن الله حين قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3] ، هل كان الصادق في إكمال دينه، أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال بمقالتك هذه؟
فسكت، فقال: أجب، فلم يجب.
فقال: يا أمير المؤمنين، اثنتان.
ثم قال: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك، أعلمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟
قال: علمها.
قال: فدعا الناس إليها؟
فسكت.
فقال: يا أمير المؤمنين، ثلاث.
ثم قال: يا أحمد، فاتسع لرسول الله أن يعلمها وأمسك عنها كما زعمت، ولم يطالب أمته بها؟
قال: نعم.
واتسع ذلك لأبي بكر وعمر؟
قال: نعم.
فأعرض الشيخ، وقال: يا أمير المؤمنين، قد قدمت أنه يضعف عن المناظرة، إن لم يتسع لنا الإمساك عنها، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم.
فقال الواثق: نعم، اقطعوا قيد الشيخ.
فلما قطع، ضرب بيده إلى القيد ليأخذه، فجاذبه الحداد عليه.
فقال الواثق: لم أخذته؟
قال: لأني نويت أن أوصي أن يجعل في كفني حتى أخاصم به هذا الظالم غدا.
وبكى، فبكى الواثق وبكينا، ثم سأله الواثق أن يجعله في حل، فقال: لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لكونك من أهله.
فقال له: أقم قبلنا فننتفع بك، وتنتفع بنا.
قال: إن ردك إياي إلى موضعي أنفع لك، أصير إلى أهلي وولدي، فأكف دعاءهم عليك، فقد خلفتهم على ذلك.
قال: فتقبل منا صلة؟
قال: لا تحل لي، أنا عنها غني.
قال المهتدي: فرجعت عن هذه المقالة، وأظن أن أبي رجع عنها منذ ذلك الوقت.

قال أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ: هذا الأذني هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي .
قال إبراهيم نفطويه: حدثني حامد بن العباس، عن رجل، عن المهتدي:
أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن.
فصل
عن الحسين بن إسماعيل، عن أبيه، قال:
كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف - أو يزيدون نحو خمس مائة - يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.
ابن بطة: سمع النجاد يقول: سمعت أبا بكر بن المطوعي يقول:
اختلفت إلى أبي عبد الله ثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ (المسند) على أولاده، فما كتبت عنه حديثا واحدا، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه.
قال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي: يقال: لم يكن أحد من الصحابة أشبه هديا وسمتا ودلا من ابن مسعود بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أشبه
الناس به علقمة، وكان أشبه الناس بعلقمة إبراهيم، وكان أشبههم بإبراهيم منصور بن المعتمر، وأشبه الناس به سفيان الثوري، وأشبه الناس به وكيع، وأشبه الناس بوكيع - فيما قاله محمد بن يونس الجمال - أحمد بن حنبل.
عبد الله بن محمد الوراق: كنت في مجلس أحمد بن حنبل، فقال: من أين أقبلتم؟
قلنا: من مجلس أبي كريب.
فقال: اكتبوا عنه، فإنه شيخ صالح.
فقلنا: إنه يطعن عليك.
فقال: فأي شيء حيلتي، شيخ صالح قد بلي بي.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي سئل: لم لم تسمع من إبراهيم بن سعد كثيرا، وقد نزل في جوارك بدار عمارة ؟
فقال: حضرنا مجلسه مرة فحدثنا، فلما كان المجلس الثاني، رأى شبابا تقدموا بين يدي الشيوخ، فغضب، وقال: والله لا حدثت سنة.
فمات ولم يحدث.
الخلال: أخبرني محمد بن الحسين، أخبرنا المروذي، قال:
قال جارنا فلان: دخلت على إسحاق بن إبراهيم الأمير، وفلان وفلان - ذكر سلاطين - ما رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرت إليه أكلمه في شيء، فوقعت علي الرعدة من هيبته.
ثم قال المروذي: ولقد طرقه الكلبي - صاحب خبر السر - ليلا، فمن هيبته لم يقرعوا، ودقوا باب عمه.
وعن الميموني، قال: ما رأيت أنقى ثوبا، ولا أشد بياضا من أحمد.
ابن المنادي: عن جده؛ أبي جعفر، قال:
كان أحمد من أحيى الناس وأكرمهم، وأحسنهم عشرة وأدبا، كثير الإطراق، لا يسمع منه
إلا المذاكرة للحديث، وذكر الصالحين في وقار وسكون، ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان، بش به، وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ شديدا، وكانوا يعظمونه، وكان يفعل بيحيى بن معين ما لم أره يعمل بغيره من التواضع والتكريم والتبجيل، كان يحيى أكبر منه بسبع سنين.
الخطبي : حدثنا عبد الله بن أحمد، قال:
كان أبي إذا أتى البيت من المسجد، ضرب برجله حتى يسمعوا صوت نعله، وربما تنحنح ليعلموا به.
الخلال: حدثنا محمد بن علي، حدثنا مهنى، قال:
رأيت أبا عبد الله مرات يقبل وجهه ورأسه، ولا يقول شيئا ولا يمتنع، ورأيت سليمان بن داود الهاشمي يقبل رأسه وجبهته، لا يمتنع من ذلك، ولا يكرهه.
وقال عبدوس العطار: وجهت بابني مع الجارية يسلم على أبي عبد الله، فرحب به، وأجلسه في حجره، وساءله، واتخذ له خبيصا، وقال للجارية: كلي معه، وجعل يبسطه.
وقال الميموني: كان أبو عبد الله حسن الخلق، دائم البشر، يحتمل الأذى من الجار.
علوان بن الحسين: سمعت عبد الله بن أحمد، قال:
سئل أبي: لم لا تصحب الناس؟
قال: لوحشة الفراق.
ابن بطة: حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم الحربي، سمعت أحمد بن حنبل يقول لأحمد الوكيعي:
يا أبا عبد الرحمن! إني لأحبك، حدثنا يحيى، عن ثور، عن حبيب بن عبيد، عن المقدام، قال:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أحب أحدكم أخاه، فليعلمه ) .
ابن بطة: حدثنا جعفر بن محمد القافلاني، حدثنا إسحاق بن هانئ، قال:
كنا عند أحمد بن حنبل في منزله، ومعه المروذي، ومهنى، فدق داق الباب، وقال: آلمروذي ها هنا؟
فكأن المروذي كره أن يعلم موضعه، فوضع مهنى أصبعه في راحته، وقال: ليس المروذي ها هنا، وما يصنع المروذي ها هنا؟
فضحك أحمد، ولم ينكر.
في معيشته:
قال ابن الجوزي: خلف له أبوه طرزا ودارا يسكنها، فكان يكري تلك الطرز، ويتعفف بها.
قال ابن المنادي: حدثنا جدي، قال لي أحمد بن حنبل:
أنا أذرع هذه الدار، وأخرج الزكاة عنها في كل سنة، أذهب إلى قول عمر في أرض السواد .
قال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول:
الغلة ما يكون قوتنا، وإنما أذهب فيه إلى أن لنا فيه شيئا.
فقلت له: قال رجل: لو ترك أبو عبد الله الغلة، وكان يصنع له صديق له، كان أعجب إلي.
فقال: هذه طعمة سوء، ومن تعود هذا، لم يصبر عنه.
ثم قال: هذا أعجب إلي من غيره -يعني: الغلة- وأنت تعلم أنها لا تقيمنا، وإنما أخذها على الاضطرار.
قال ابن الجوزي: ربما احتاج أحمد، فخرج إلى اللقاط .
قال الخلال: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا المروذي، قال:
حدثني أبو جعفر الطرسوسي، قال:
حدثني الذي نزل عليه أبو عبد الله، قال: لما نزل علي، خرج إلى اللقاط، فجاء وقد لقط شيئا يسيرا، فقلت له: قد أكلت أكثر مما لقطت!
فقال: رأيت أمرا استحييت منه، رأيتهم يلتقطون، فيقوم الرجل على أربع، وكنت أزحف.
أحمد بن محمد بن عبد الخالق: حدثنا المروذي، قال أبو عبد الله:
خرجت إلى الثغر على قدمي، فالتقطت، لو قد رأيت قوما يفسدون مزارع الناس، قال: وكنا نخرج إلى اللقاط.
قلت: وربما نسخ بأجرة، وربما عمل التكك، وأجر نفسه لجمال - رحمة الله عليه -.
فصل
قال إبراهيم الحربي: سئل أحمد عن المسلم يقول للنصراني: أكرمك الله.
قال: نعم، ينوي بها الإسلام.
وقيل: سئل أحمد عن رجل نذر أن يطوف على أربع، فقال:
يطوف طوافين، ولا يطف على أربع.
قال ابن عقيل: من عجيب ما سمعته عن هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه، لكنه محدث.
قال: وهذا غاية الجهل؛ لأن له اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم، وربما زاد على كبارهم.
قلت: أحسبهم يظنونه كان محدثا وبس ، بل يتخيلونه من بابة محدثي زماننا، ووالله لقد بلغ في الفقه خاصة رتبة الليث، ومالك، والشافعي، وأبي يوسف، وفي الزهد والورع رتبة الفضل، وإبراهيم بن أدهم، وفي الحفظ رتبة شعبة، ويحيى القطان، وابن المديني، ولكن الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره.
حكاية موضوعة:
لم يستحي ابن الجوزي من إيرادها، فقال:
أخبرنا ابن ناصر، أخبرنا ابن الطيوري، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسين، أخبرنا القاضي همام بن محمد الأبلي، حدثنا أحمد بن علي بن حسين الخطيب، حدثنا الحسين بن بكر الوراق، أخبرنا أبو الطيب محمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال:
لما أطلق أبي من المحنة، خشي أن يجيء إليه إسحاق بن راهويه، فرحل إليه، فلما بلغ الري، دخل مسجدا، فجاء مطر
كأفواه القرب، فقالوا له: اخرج من المسجد لنغلقه.
فأبى، فقالوا: اخرج، أو تجر برجلك.
فقلت: سلاما.
فخرجت، والمطر والرعد، ولا أدري أين أضع رجلي، فإذا رجل قد خرج من داره، فقال: يا هذا، أين تمر؟
فقلت: لا أدري.
قال: فأدخلني إلى بيت فيه كانون فحم ولبود ومائدة، فأكلت، فقال: من أنت؟
قلت: من بغداد.
قال: تعرف أحمد بن حنبل؟
فقلت: أنا هو.
فقال: وأنا إسحاق بن راهويه.
سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت أبا زرعة يقول:
كان أحمد لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن فأجاب.
أبو عوانة: سمعت الميموني يقول:
صح عندي أن أحمد لم يحضر أبا نصر التمار لما مات، فحسبت أن ذلك لإجابته في المحنة.
وعن حجاج بن الشاعر، سمع أحمد يقول:
لو حدثت عن أحد ممن أجاب، لحدثت عن أبي معمر وأبي كريب.
قلت: لأن أبا معمر الهذلي ندم ومقت نفسه، والآخر أجروا له دينارين بعد الإجابة، فردهما مع فقره.
الصولي: حدثنا الحسين بن قهم، حدثنا أبي، قال ابن أبي دواد للمعتصم:
يا أمير المؤمنين، هذا يزعم -يعني: أحمد- أن الله يرى في الآخرة، والعين لا تقع إلا على محدود.
فقال: ما عندك في هذا؟ قال:
عندي قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وروى حديث جرير: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر) .
فقال لأحمد بن أبي دواد: ما عندك؟
فقال: انظر في إسناده.
وانصرف، ووجه إلى ابن المديني وهو ببغداد مملق، فأحضره، ووصله بعشرة آلاف درهم، وقال: يا أبا الحسن، حديث جرير في الرؤية، وذكر قصة .
أحمد بن علي الأبار: حدثنا يحيى بن عثمان الحربي، سمعت بشر بن الحارث يقول:
وددت أن رؤوسهم خضبت بدمائهم، وأنهم لم يجيبوا.
نقل أبو علي بن البناء، عن شيخ، عن آخر، أن هذه الأبيات لأحمد في علي:

ابن مخلد العطار: حدثنا عمر بن سليمان المؤدب، قال:
صليت مع أحمد بن حنبل التراويح، وكان يصلي بدار عمه، فلما أوتر رفع يديه إلى ثدييه، وما سمعنا من دعائه شيئا، وكان في المسجد سراج على الدرجة لم يكن فيه قناديل ولا حصير ولا خلوق.
قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: بلغني أن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار.
فقال: يا بني، {ورزق ربك خير وأبقى} [طه: 131] .
وذكرت له ابن أبي شيبة، وعبد الأعلى النرسي، ومن قدم به إلى العسكر من المحدثين، فقال: إنما كان أياما قلائل، ثم تلاحقوا، وما تحلوا منها بكبير شيء.
قال صالح: قال لي أبي: كانت أمك في الغلاء تغزل غزلا دقيقا، فتبيع الأستار بدرهمين أو نحوه، فكان ذلك قوتنا.
قال صالح: كنا ربما اشترينا الشيء، فنستره منه، لئلا يوبخنا عليه.
الخلال: أخبرنا المروذي، قال:
رأيت أحمد بن عيسى المصري، ومعه قوم من المحدثين، دخلوا على أبي عبد الله بالعسكر، فقال له أحمد: يا أبا عبد الله، ما هذا الغم؟ الإسلام حنيفية سمحة، وبيت واسع. فنظر
إليهم، وكان مضطجعا، فلما خرجوا، قال: ما أريد أن يدخل علي هؤلاء.
الخلال: أخبرنا محمد بن علي السمسار، حدثني إسحاق بن هانئ، قال لي أبو عبد الله:
بكر حتى نعارض بشيء من الزهد .
فبكرت إليه، وقلت لأم ولده: أعطيني حصيرا ومخدة.
وبسطت في الدهليز، فخرج أبو عبد الله، ومعه الكتب والمحبرة، فقال: ما هذا؟
فقلت: لنجلس عليه.
فقال: ارفعه، الزهد لا يحسن إلا بالزهد.
فرفعته، وجلس على التراب.
قال: وأخبرني يوسف بن الضحاك، حدثني ابن جبلة، قال:
كنت على باب أحمد بن حنبل، والباب مجاف، وأم ولده تكلمه، وتقول: أنا معك في ضيق، وأهل صالح يأكلون ويفعلون، وهو يقول: قولي خيرا.
وخرج الصبي معه، فبكى، فقال: ما تريد؟
قال: زبيب.
قال: اذهب، خذ من البقال بحبة .
وقال الميموني: كان منزل أبي عبد الله ضيقا صغيرا، وينام في الحر في أسفله.
وقال لي عمه: ربما قلت له فلا يفعل، ينام فوق.
وقد رأيت موضع مضجعه، وفيه شاذكونة وبرذعة ، قد غلب عليها الوسخ.
الخلال: أخبرني حامد بن أحمد، سمعت الحسن بن محمد بن الحارث يقول:
دخلت دار أحمد، فرأيت في بهوه حصيرا خلقا ومخدة - وكتبه مطروحة حواليه - وحب خزف.
وقيل: كان على بابه مسح من شعر.
الخلال: أخبرنا المروذي، عن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري، قال لي الأمير: إذا حل إفطار أبي عبد الله، فأرنيه.
قال: فجاؤوا برغيفين: خبز وخبازة ، فأريته الأمير، فقال: هذا لا يجيبنا إذا كان هذا يعفه.
قال المروذي: قال أبو عبد الله في أيام عيد: اشتروا لنا أمس باقلى، فأي شيء كان به من الجودة.
وسمعته يقول: وجدت البرد في أطرافي، ما أراه إلا من إدامي الملح والخل.
قال أحمد بن محمد بن مسروق: قال لي عبد الله بن أحمد:
دخل علي أبي يعودني في مرضي، فقلت: يا أبة، عندنا شيء مما كان يبرنا به المتوكل، أفأحج منه؟
قال: نعم.
قلت: فإذا كان هذا عندك هكذا، فلم لا تأخذ منه؟
قال: ليس هو عندي حرام، ولكن تنزهت عنه.
رواه: الخلدي، عنه.
أنبأنا ابن علان، أخبرنا أبو اليمن، أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب، أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا الضبي، سمعت أحمد بن إسحاق الضبعي، سمعت إبراهيم بن إسحاق السراج يقول:
قال أحمد بن حنبل يوما: يبلغني أن الحارث هذا -يعني: المحاسبي- يكثر الكون عندك، فلو أحضرته، وأجلستني من حيث لا يراني، فأسمع كلامه.
قلت: السمع
والطاعة.
وسرني هذا الابتداء من أبي عبد الله، فقصدت الحارث، وسألته أن يحضر، وقلت: تسأل أصحابك أن يحضروا.
فقال: يا إسماعيل، فيهم كثرة فلا تزدهم على الكسب والتمر، وأكثر منهما ما استطعت.
ففعلت ما أمرني، وأعلمت أبا عبد الله، فحضر بعد المغرب، وصعد غرفة، واجتهد في ورده، وحضر الحارث وأصحابه، فأكلوا، ثم قاموا إلى الصلاة، ولم يصلوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث وهم سكوت إلى قريب من نصف الليل، وابتدأ واحد منهم، وسأل عن مسألة، فأخذ الحارث في الكلام، وهم يسمعون، وكأن على رؤوسهم الطير، فمنهم من يبكي، ومنهم من يزعق، فصعدت لأتعرف حال أبي عبد الله، وهو متغير الحال، فقلت: كيف رأيت؟
قال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا، وعلى ما وصفت، فلا أرى لك صحبتهم.
ثم قام، وخرج.
قال السلمي: سمعت أبا القاسم النصراباذي يقول:
بلغني أن الحارث تكلم في شيء من الكلام، فهجره أحمد، فاختفى في دار مات فيها، ولم يصل عليه إلا أربعة أنفس.
فصل
قال ابن الجوزي: كان الإمام لا يرى وضع الكتب، وينهى عن كتبة كلامه ومسائله، ولو رأى ذلك، لكانت له تصانيف كثيرة، وصنف (المسند) ؛ وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا (المسند) ، فإنه سيكون للناس إماما ، و (التفسير) وهو مائة وعشرون ألفا،
و (الناسخ والمنسوخ) ، و (التاريخ) ، و (حديث شعبة) ، و (المقدم والمؤخر في القرآن) ، و (جوابات القرآن) ، و (المناسك) الكبير والصغير، وأشياء أخر.
قلت: وكتاب (الإيمان) ، وكتاب (الأشربة ) ، ورأيت له ورقة من كتاب (الفرائض) .
فتفسيره المذكور شيء لا وجود له، ولو وجد، لاجتهد الفضلاء في تحصيله، ولاشتهر، ثم لو ألف تفسيرا، لما كان يكون أزيد من عشرة آلاف أثر، ولاقتضى أن يكون في خمس مجلدات.
فهذا (تفسير ابن جرير) الذي جمع فيه فأوعى، لا يبلغ عشرين ألفا.
وما ذكر (تفسير أحمد) أحد سوى أبي الحسين بن المنادي، فقال في (تاريخه) : لم
يكن أحد أروى في الدنيا عن أبيه من عبد الله بن أحمد؛ لأنه سمع منه (المسند) وهو ثلاثون ألفا، و (التفسير) وهو مائة وعشرون ألفا، سمع ثلثيه، والباقي وجادة .
ابن السماك: حدثنا حنبل، قال:
جمعنا أحمد بن حنبل، أنا وصالح وعبد الله، وقرأ علينا (المسند) ، ما سمعه غيرنا.
وقال: هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مائة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه، وإلا فليس بحجة.
قلت: في (الصحيحين) أحاديث قليلة ليست في (المسند) .
لكن قد يقال: لا ترد على قوله، فإن المسلمين ما اختلفوا فيها، ثم ما يلزم من هذا القول: أن ما وجد فيه أن يكون حجة، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها، وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة، ولكنها قطرة في بحر .
وفي غضون (المسند) زيادات جمة لعبد الله بن أحمد.
قال ابن الجوزي: وله -يعني: أبا عبد الله- من المصنفات:
كتاب (نفي التشبيه) مجلدة، وكتاب (الإمامة) مجلدة صغيرة، وكتاب (الرد على الزنادقة) ثلاثة أجزاء، وكتاب (الزهد) مجلد كبير، وكتاب (الرسالة في الصلاة) - قلت: هو موضوع على الإمام -.
قال: وكتاب (فضائل الصحابة) مجلدة.
قلت: فيه زيادات لعبد الله؛ ابنه، ولأبي بكر القطيعي؛ صاحبه.
وقد دون عنه كبار تلامذته مسائل وافرة في عدة مجلدات، كالمروذي، والأثرم، وحرب، وابن هانئ، والكوسج، وأبي طالب، وفوران، وبدر المغازلي، وأبي يحيى الناقد، ويوسف بن موسى الحربي، وعبدوس العطار، ومحمد بن موسى بن مشيش، ويعقوب بن بختان، ومهنى الشامي، وصالح بن أحمد، وأخيه، وابن عمهما؛ حنبل، وأبي الحارث أحمد بن محمد الصائغ، والفضل بن زياد، وأبي الحسن الميموني، والحسن بن ثواب، وأبي داود السجستاني، وهارون الحمال، والقاضي أحمد بن محمد البرتي، وأيوب بن إسحاق بن سافري، وهارون المستملي، وبشر بن موسى، وأحمد بن القاسم - صاحب أبي عبيد - ويعقوب بن العباس الهاشمي، وحبيش بن سندي، وأبي الصقر يحيى بن يزداد الوراق، وأبي جعفر محمد بن يحيى الكحال، ومحمد بن حبيب البزاز، ومحمد بن موسى النهرتيري، ومحمد بن أحمد بن واصل المقرئ، وأحمد بن أصرم المزني، وعبدوس الحربي - قديم، عنده عن أحمد نحو من عشرة آلاف مسألة لم يحدث بها - وإبراهيم الحربي، وأبي جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا، وجعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي - وكان يشبهونه في الجلالة بمحمد بن عبد الله بن نمير - وأبي شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله مطين، وجعفر بن

أحمد الواسطي، والحسن بن علي الإسكافي، والحسن بن علي بن بحر بن بري القطان، والحسين بن إسحاق التستري، والحسن بن محمد بن الحارث السجستاني - قال الخلال: يقرب من أبي داود في المعرفة وبصر الحديث والتفقه - وإسماعيل بن عمر السجزي الحافظ، وأحمد بن الفرات الرازي الحافظ، وخلق سوى هؤلاء، سماهم الخلال في أصحاب أبي عبد الله، نقلوا المسائل الكثيرة والقليلة.
وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد، وفتاويه، وكلامه في العلل والرجال والسنة والفروع، حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة.
ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو من مائة نفس من أصحاب الإمام.
ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه، وبعضه عن رجل، عن آخر، عن آخر، عن الإمام أحمد، ثم أخذ في ترتيب ذلك وتهذيبه، وتبويبه.
وعمل كتاب (العلم) ، وكتاب (العلل) ، وكتاب (السنة) ، كل واحد من الثلاثة في ثلاث مجلدات.
ويروي في غضون ذلك من الأحاديث العالية عنده، عن أقران أحمد من أصحاب ابن عيينة، ووكيع، وبقية، مما يشهد له بالإمامة والتقدم.
وألف كتاب (الجامع) في بضعة عشر مجلدة، أو أكثر.
وقد قال: في كتاب (أخلاق أحمد بن حنبل) لم يكن أحد علمت عني بمسائل أبي عبد الله قط، ما عنيت بها أنا.
وكذلك كان أبو بكر المروذي -رحمه الله- يقول لي: إنه لم يعن أحد بمسائل أبي عبد الله ما عنيت بها أنت، إلا رجل بهمدان، يقال له متويه، واسمه: محمد بن أبي عبد الله، جمع سبعين جزءا كبارا.
ومولد الخلال كان في حياة الإمام أحمد، يمكن أن يكون رآه وهو صبي.

زوجاته وآله:
قال زهير بن صالح: تزوج جدي بأم أبي عباسة، فلم يولد له منها سوى أبي، ثم توفيت، ثم تزوج بعدها ريحانة - امرأة من العرب - فما ولدت له سوى عمي عبد الله.
قال الخلال: سمعت المروذي، سمعت أبا عبد الله ذكر أهله، فترحم عليها، وقال:
مكثنا عشرين سنة، ما اختلفنا في كلمة، وما علمنا أحمد تزوج ثالثة.
قال يعقوب بن بختان: أمرنا أبو عبد الله أن نشتري له جارية، فمضيت أنا وفوران، فتبعني أبو عبد الله، وقال: يا أبا يوسف، يكون لها لحم.
وقال زهير: لما توفيت أم عبد الله، اشترى جدي حسن، فولدت له أم علي زينب، والحسن والحسين توأما، وماتا بالقرب من ولادتهما، ثم ولدت الحسن ومحمدا، فعاشا نحو الأربعين، ثم ولدت بعدهما سعيدا.
قال الخلال: حدثنا محمد بن علي بن بحر، قال:
سمعت حسن أم ولد أبي عبد الله تقول: قلت لمولاي: اصرف فرد خلخالي.
قال: وتطيب نفسك؟
قلت: نعم.
فبيع بثمانية دنانير ونصف، وفرقها وقت حملي.
فلما ولدت حسنا، أعطى مولاتي كرامة درهما، فقال: اشتري بهذا رأسا.
فجاءت به، فأكلنا، فقال: يا حسن، ما أملك غير هذا الدرهم.
قالت: وكان إذا لم يكن عنده شيء، فرح يومه.
وقال يوما: أريد أحتجم، وما معه شيء، فبعت نصيفا من غزل
بأربعة دراهم، فاشتريت لحما بنصف، وأعطى الحجام درهما.
قالت: واشتريت طيبا بدرهم.
ولما خرج إلى سر من رأى، كنت قد غزلت غزلا لينا، وعملت ثوبا حسنا، فلما قدم، أخرجته إليه، وكنت قد أعطيت كراءه خمسة عشر درهما من الغلة، فلما نظر إليه، قال: ما أريده.
قلت: يا مولاي، عندي غير هذا.
فدفعت الثوب إلى فوران، فباعه باثنين وأربعين درهما، وغزلت ثوبا كبيرا، فقال: لا تقطعيه، دعيه، فكان كفنه.
وكان أسن بني أحمد بن حنبل صالح، فولي قضاء أصبهان، ومات بها سنة خمس وستين ومائتين، عن نيف وستين سنة.
يروي عن: أبي وليد الطيالسي، والكبار.
وخلف ابنين: أحدهما زهير بن صالح، محدث، ثقة، مات سنة ثلاث وثلاث مائة.
والآخر أحمد بن صالح، لا أعلم متى توفي، يروي عنه ولده محمد بن أحمد بن صالح.
فمات محمد هذا سنة ثلاثين وثلاث مائة، كهلا.
وأما الولد الثاني، فهو الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد، راوية أبيه، من كبار الأئمة، مات سنة تسعين ومائتين، عن سبع وسبعين سنة، وله ترجمة أفردتها.
والولد الثالث سعيد بن أحمد، فهذا ولد لأحمد قبل موته بخمسين يوما، فكبر وتفقه، ومات قبل أخيه عبد الله.
وأما حسن ومحمد وزينب، فلم يبلغنا شيء من أحوالهم، وانقطع عقب أبي عبد الله فيما نعلم.

وصية أحمد:
عن أبي بكر المروذي، قال: نبهني أبو عبد الله ذات ليلة، وكان قد واصل، فإذا هو قاعد، فقال: هو ذا يدار بي من الجوع، فأطعمني شيئا.
فجئته بأقل من رغيف، فأكله.
وكان يقوم إلى الحاجة فيستريح، ويقعد من ضعفه، حتى إن كنت لأبل الخرقة، فيلقيها على وجهه لترجع إليه نفسه بحيث إنه أوصى، فسمعته يقول عند وصيته - نحن بالعسكر - وأشهد على وصيته:
هذا ما أوصى به أحمد بن محمد، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.
وقال عبد الله بن أحمد: مكث أبي بالعسكر ستة عشر يوما، ورأيت مآقيه دخلتا في حدقتيه.

مرضه:
قال عبد الله: سمعت أبي يقول:
استكملت سبعا وسبعين سنة، ودخلت في ثمان، فحم من ليلته، ومات اليوم العاشر.
وقال صالح: لما كان أول ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومائتين، حم أبي ليلة الأربعاء، وبات وهو محموم، يتنفس تنفسا شديدا، وكنت قد عرفت علته، وكنت أمرضه إذا اعتل، فقلت له: يا أبة، على ما أفطرت البارحة؟
قال: على ماء باقلى.
ثم أراد القيام، فقال: خذ بيدي.
فأخذت بيده، فلما صار إلى الخلاء، ضعف، وتوكأ علي ، وكان يختلف إليه
غير متطبب كلهم مسلمون، فوصف له متطبب قرعة تشوى، ويسقى ماءها - وهذا كان يوم الثلاثاء، فمات يوم الجمعة - فقال: يا صالح.
قلت: لبيك.
قال: لا تشوى في منزلك، ولا في منزل أخيك.
وصار الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده، فحجبته ، وأتى ابن علي بن الجعد، فحبسته ، وكثر الناس، فقال: فما ترى؟
قلت: تأذن لهم، فيدعون لك.
قال: أستخير الله.
فجعلوا يدخلون عليه أفواجا، حتى تمتلئ الدار، فيسألونه، ويدعون له، ويخرجون، ويدخل فوج، وكثر الناس، وامتلأ الشارع، وأغلقنا باب الزقاق، وجاء جار لنا قد خضب، فقال أبي: إني لأرى الرجل يحيي شيئا من السنة، فأفرح به .
فقال لي: وجه فاشتر تمرا، وكفر عني كفارة يمين.
قال: فبقي في خريقته نحو ثلاثة دراهم.
فأخبرته، فقال: الحمد لله.
وقال: اقرأ علي الوصية.
فقرأتها، فأقرها.
وكنت أنام إلى جنبه، فإذا أراد حاجة، حركني فأناوله، وجعل يحرك لسانه، ولم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها، ولم يزل يصلي قائما، أمسكه فيركع ويسجد، وأرفعه في ركوعه.
قال: واجتمعت عليه أوجاع الحصر، وغير ذلك، ولم يزل عقله ثابتا، فلما كان يوم الجمعة، لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، لساعتين من النهار، توفي.
وقال المروذي: مرض أحمد تسعة أيام، وكان ربما أذن للناس، فيدخلون عليه أفواجا، يسلمون ويرد بيده، وتسامع الناس وكثروا.
وسمع السلطان بكثرة الناس، فوكل السلطان ببابه وبباب الزقاق الرابطة وأصحاب الأخبار، ثم أغلق باب الزقاق، فكان الناس في الشوارع والمساجد، حتى تعطل بعض الباعة.
وكان الرجل إذا أراد أن يدخل عليه، ربما دخل من بعض الدور وطرز الحاكة، وربما تسلق، وجاء أصحاب الأخبار، فقعدوا على الأبواب.
وجاءه حاجب ابن طاهر، فقال: إن الأمير يقرئك السلام، وهو يشتهي أن يراك.
فقال: هذا مما أكره، وأمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره.
قال: وأصحاب الخبر يكتبون بخبره إلى العسكر، والبرد تختلف كل يوم.
وجاء بنو هاشم، فدخلوا عليه، وجعلوا يبكون عليه.
وجاء قوم من القضاة وغيرهم، فلم يؤذن لهم.
ودخل عليه شيخ، فقال: اذكر وقوفك بين يدي الله.
فشهق أبو عبد الله، وسالت دموعه، فلما كان قبل وفاته بيوم أو يومين، قال: ادعوا لي الصبيان بلسان ثقيل.
قال: فجعلوا ينضمون إليه، وجعل يشمهم ويمسح رؤوسهم، وعينه تدمع، وأدخلت تحته الطست، فرأيت بوله دما عبيطا، فقلت للطبيب، فقال: هذا رجل قد فتت الحزن والغم جوفه.
واشتدت علته يوم الخميس، ووضأته، فقال: خلل الأصابع.
فلما كانت ليلة الجمعة، ثقل، وقبض صدر النهار، فصاح الناس، وعلت الأصوات بالبكاء، حتى كأن الدنيا قد ارتجت، وامتلأت السكك والشوارع.
الخلال: أخبرني عصمة بن عصام، حدثنا حنبل، قال:
أعطى بعض ولد الفضل بن الربيع أبا عبد الله - وهو في الحبس - ثلاث شعرات، فقال: هذه من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فأوصى أبو عبد الله عند موته أن يجعل على كل عين شعرة، وشعرة على لسانه، ففعل ذلك به عند موته.
وقال عبد الله بن أحمد، ومطين، وغيرهما: مات لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، يوم الجمعة.
وقال ذلك: البخاري، وعباس الدوري.
فقد غلط ابن قانع حيث يقول: ربيع الآخر.
الخلال: حدثنا المروذي، قال: أخرجت الجنازة بعد منصرف الناس من الجمعة.
أحمد في (مسنده) : حدثنا أبو عامر، حدثنا هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو:
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر) .
قال صالح بن أحمد: وجه ابن طاهر -يعني: نائب بغداد- بحاجبه مظفر، ومعه غلامان معهما مناديل فيها ثياب وطيب، فقالوا: الأمير يقرئك السلام، ويقول: قد فعلت ما لو كان أمير المؤمنين حاضره كان يفعله.
فقلت: أقرئ الأمير السلام، وقل له: إن أمير المؤمنين قد أعفى أبا عبد الله في حياته مما يكره، ولا أحب أن أتبعه بعد موته بما كان يكرهه.
فعاد، وقال: يكون شعاره، فأعدت عليه مثل قولي.
وقد كان غزلت له الجارية ثوبا عشاريا قوم بثمانية وعشرين درهما، ليقطع منه قميصين، فقطعنا له لفافتين، وأخذنا من فوران لفافة أخرى ، فأدرجناه في ثلاث لفائف.
واشترينا له حنوطا، وفرغ من غسله، وكفناه، وحضر نحو مائة من بني هاشم، ونحن نكفنه، وجعلوا يقبلون جبهته حتى رفعناه على السرير.
قال عبد الله: صلى على أبي محمد بن عبد الله بن طاهر، غلبنا على الصلاة عليه، وقد كنا صلينا عليه نحن والهاشميون في الدار.
وقال صالح: وجه ابن طاهر إلي: من يصلي على أبي عبد الله؟
قلت: أنا.
فلما صرنا إلى الصحراء، إذا بابن طاهر واقف، فخطا إلينا خطوات، وعزانا، ووضع السرير، فلما انتظرت هنية، تقدمت، وجعلنا نسوي الصفوف ، فجاءني ابن طاهر، فقبض هذا على يدي، ومحمد بن نصر على يدي، وقالوا: الأمير.
فمانعتهم، فنحياني وصلى هو ، ولم يعلم
الناس بذلك، فلما كان في الغد، علموا، فجعلوا يجيئون، ويصلون على القبر، ومكث الناس ما شاء الله، يأتون فيصلون على القبر.
قال عبيد الله بن يحيى بن خاقان: سمعت المتوكل يقول لمحمد بن عبد الله:
طوبى لك يا محمد، صليت على أحمد بن حنبل - رحمة الله عليه -.
قال الخلال: سمعت عبد الوهاب الوراق يقول:
ما بلغنا أن جمعا في الجاهلية ولا الإسلام مثله -يعني: من شهد الجنازة- حتى بلغنا أن الموضع مسح وحزر على الصحيح، فإذا هو نحو من ألف ألف.
وحزرنا على القبور نحوا من ستين ألف امرأة، وفتح الناس أبواب المنازل في الشوارع والدروب، ينادون من أراد الوضوء.
وروى عبد الله بن إسحاق الخراساني: أخبرنا بنان بن أحمد القصباني :
أنه حضر جنازة أحمد، فكانت الصفوف من الميدان إلى قنطرة باب القطيعة.
وحزر من حضرها من الرجال بثمان مائة ألف، ومن النساء بستين ألف امرأة، ونظروا فيمن صلى العصر يومئذ في مسجد الرصافة، فكانوا نيفا وعشرين ألفا.
قال موسى بن هارون الحافظ: يقال: إن أحمد لما مات، مسحت الأمكنة المبسوطة التي وقف الناس للصلاة عليها، فحزر مقادير الناس بالمساحة على التقدير ست مائة ألف أو أكثر، سوى ما كان في الأطراف والحوالي والسطوح والمواضع المتفرقة أكثر من ألف ألف.
قال جعفر بن محمد بن الحسين النيسابوري: حدثني فتح بن الحجاج، قال:
سمعت في دار ابن طاهر الأمير، أن الأمير بعث عشرين رجلا، فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل، فحزروا، فبلغ ألف ألف وثمانين ألفا سوى من كان في السفن.
رواها خشنام بن سعد ، فقال: بلغوا ألف ألف وثلاث مائة ألف.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول:
بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف عليه الناس حيث صلي على أحمد، فبلغ مقام ألفي ألف وخمسة مائة ألف.
وقال أبو بكر البيهقي: بلغني عن أبي القاسم البغوي:
أن ابن طاهر أمر أن يحزر الخلق الذين في جنازة أحمد، فاتفقوا على سبع مائة ألف نفس.
قال أبو همام السكوني: حضرت جنازة شريك، وجنازة أبي بكر بن عياش، ورأيت حضور الناس، فما رأيت جمعا قط مثل هذا -يعني: جنازة أبي عبد الله-.
قال السلمي: حضرت جنازة أبي الفتح القواس مع الدارقطني، فلما نظر إلى الجمع، قال: سمعت أبا سهل بن زياد يقول:
سمعت عبد الله بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول:
قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز .
قال صالح: ودخل على أبي مجاهد بن موسى، فقال:
يا أبا عبد الله، قد جاءتك البشرى، هذا الخلق يشهدون لك، ما تبالي لو وردت على الله الساعة.
وجعل يقبل يده ويبكي، ويقول: أوصني يا أبا عبد الله.
فأشار إلى لسانه.
ودخل سوار القاضي، فجعل يبشره ويخبره بالرخص.
وذكر عن معتمر: أن أباه قال له عند موته: حدثني بالرخص.
وقال لي أبي: جئني بالكتاب الذي فيه حديث ابن إدريس، عن أبيه، عن طاووس:
أنه كان يكره الأنين، فقرأته عليه، فلم يئن إلا ليلة وفاته .
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أخرج حديث الأنين.
فقرأته عليه، فما سمع له أنين حتى مات.
وفي جزء محمد بن عبد الله بن علم الدين: سمعناه قال:
سمعت عبد الله بن أحمد يقول:
لما حضرت أبي الوفاة، جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه، فجعل يغرق ثم يفيق، ثم يفتح عينيه، ويقول بيده هكذا لا بعد لا بعد، ثلاث مرات.
فلما كان في الثالثة، قلت: يا أبة، أي شيء هذا الذي لهجت به في هذا الوقت؟
فقال: يا بني، ما تدري؟
قلت: لا.
قال: إبليس - لعنه الله - قائم بحذائي، وهو عاض على أنامله، يقول:
يا أحمد فتني، وأنا أقول: لا بعد حتى أموت.
فهذه حكاية غريبة، تفرد بها ابن علم - فالله أعلم -.
وقد أنبأنا الثقة، عن أبي المكارم التيمي، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: سئل عبد الله بن أحمد: هل عقل أبوك عند المعاينة؟
قال: نعم.
كنا نوضئه، فجعل يشير بيده، فقال لي صالح: أي شيء يقول؟
فقلت: هو ذا يقول: خللوا أصابعي، فخللنا أصابعه، ثم ترك الإشارة، فمات من ساعته.
وقال صالح: جعل أبي يحرك لسانه إلى أن توفي.
وعن أحمد بن داود الأحمسي، قال: رفعنا جنازة أحمد مع العصر، ودفناه مع الغروب.
قال صالح: لم يحضر أبي وقت غسله غريب، فأردنا أن نكفنه، فغلبنا عليه بنو هاشم، وجعلوا يبكون عليه، ويأتون بأولادهم فيكبونهم عليه، ويقبلونه، ووضعناه على السرير، وشددنا بالعمائم.
قال الخلال: سمعت ابن أبي صالح القنطري يقول:
شهدت الموسم أربعين عاما، فما رأيت جمعا قط مثل هذا -يعني: مشهد أبي عبد الله-.
الخلال: سمعت عبد الوهاب الوراق يقول:
أظهر الناس في جنازة أحمد بن حنبل السنة والطعن على أهل البدع، فسر الله المسلمين بذلك على ما عندهم من المصيبة لما رأوا من العز وعلو الإسلام وكبت أهل الزيغ.
ولزم بعض الناس القبر، وباتوا عنده، وجعل النساء يأتين حتى منعن.
وسمعت المروذي يقول عن علي بن مهرويه، عن خالته، قالت:
ما صلوا ببغداد في مسجد العصر يوم وفاة أحمد.
وقيل: إن الزحمة دامت على القبر أياما.

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا اللبان، عن الحداد، أخبرنا أبو نعيم، سمعت ظفر بن أحمد، حدثني الحسين بن علي، حدثني أحمد بن الوراق، حدثني عبد الرحمن بن محمد (ح) .
وأخبرنا ابن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا ابن خضير، أخبرنا ابن يوسف، أخبرنا البرمكي، أخبرنا ابن مردك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثني أبو بكر محمد بن عباس المكي، سمعت الوركاني - جار أحمد بن حنبل - قال:
يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف: المسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس.
وأسلم يوم مات عشرون ألفا.
وفي رواية ظفر: عشرة آلاف من اليهود والنصارى والمجوس.
هذه حكاية منكرة، تفرد بنقلها هذا المكي عن هذا الوركاني، ولا يعرف، وماذا بالوركاني المشهور محمد بن جعفر الذي مات قبل أحمد بن حنبل بثلاث عشرة سنة، وهو الذي قال فيه أبو زرعة: كان جارا لأحمد بن حنبل.
ثم العادة والعقل تحيل وقوع مثل هذا، وهو إسلام ألوف من الناس لموت ولي لله، ولا ينقل ذلك إلا مجهول لا يعرف.
فلو وقع ذلك، لاشتهر ولتواتر، لتوفر الهمم، والدواعي على نقل مثله.
بل لو أسلم لموته مائة نفس، لقضي من ذلك العجب، فما ظنك ؟!
قال صالح: وبعد أيام جاء كتاب المتوكل على الله إلى ابن طاهر، يأمره بتعزيتنا، ويأمر بحمل الكتب.
قال: فحملتها، وقلت: إنها لنا سماع، فتكون في أيدينا وتنسخ عندنا.
فقال: أقول لأمير المؤمنين.
فلم يزل يدافع الأمير، ولم تخرج عن أيدينا - والحمد لله -.
الخلال: حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا المروذي، حدثني أبو محمد اليماني بطرسوس، قال:
كنت باليمن، فقال لي رجل: إن بنتي قد عرض لها عارض، فمضيت معه إلى عزام باليمن، فعزم عليها، وأخذ علي الذي عزم عليه العهد أن لا يعود، فمكث نحوا من ستة أشهر.
ثم جاءني أبوها، فقال: قد عاد إليها.
قلت: فاذهب العزام.
فذهب إليه، فعزم عليها، فكلمه الجني، فقال: ويلك! أليس قد أخذت عليك العهد أن لا تقربها؟
قال: ورد علينا موت أحمد بن حنبل، فلم يبق أحد من صالحي الجن إلا حضره إلا المردة، فإني تخلفت معهم.
ومن المنامات:
وبالإسناد إلى ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، سمعت محمد بن مهران الجمال يقول:
رأيت أحمد بن حنبل في النوم كأن عليه بردا مخططا أو مغيرا، وكأنه بالري يريد المصير إلى الجامع.
قال: فاستعبرت بعض أهل التعبير، فقال: هذا رجل يشتهر بالخير.
وبه: إلى الجمال، قال: فما أتى عليه إلا قريب حتى ورد من خبره من أمر المحنة.
وبه: قال ابن أبي حاتم: وسمعت أبي يقول:
رأيت أحمد في المنام، فرأيته أضخم مما كان وأحسن وجها وسحنا مما كان.
فجعلت أسأله الحديث وأذاكره.
وبه، قال: وسمعت عبد الله بن الحسين بن موسى يقول:
رأيت رجلا من أهل الحديث توفي، فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي.
فقلت: بالله؟!
قال: بالله إنه غفر لي.
فقلت: بماذا غفر الله لك؟
قال: بمحبتي أحمد بن حنبل.
وبه، قال: حدثنا محمد بن مسلم، حدثني أبو عبد الله الطهراني ، عن الحسن بن عيسى، عن أخي أبي عقيل، قال:
رأيت شابا توفي بقزوين، فقلت: ما فعل بك ربك؟
قال: غفر لي.
ورأيته مستعجلا فسألته، فقال: لأن أهل السموات قد اشتغلوا بعقد الألوية لاستقبال أحمد بن حنبل، وأنا أريد استقباله.
وكان أحمد توفي تلك الأيام.
قال ابن مسلم: ثم لقيت أخا أبي عقيل، فحدثني بالرؤيا.
وبه، قال: وحدثنا محمد بن مسلم، حدثنا الهيثم بن خالويه، قال: رأيت السندي في النوم، فقلت: ما حالك؟
قال: أنا بخير، لكن اشتغلوا عني بمجيء أحمد بن حنبل.
أخبرنا علي بن عبد الدائم، أخبرنا محمد بن يوسف بن مسافر، أخبرنا عبد المغيث بن زهير، وأبو منصور بن حمدية، وأخوه محمد، قالوا:
أخبرنا
أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبي أبو علي، أخبرنا عبيد الله بن أحمد الأزهري، حدثنا محمد بن العباس، أن ابن مخلد أخبرهم، أخبرنا يزيد بن خالد بن طهمان، أخبرنا القواريري عبيد الله بن عمر، قال:
جاءني شيخ، فخلا بي، فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- قاعدا، ومعه أحمد بن نصر، فقال: على فلان لعنة الله ثلاث مرات، وعلى فلان وفلان، فإنهما يكيدان الدين وأهله، ويكيدان أحمد بن حنبل، والقواريري، وليس يصلان إلى شيء منهما - إن شاء الله -.
ثم قال: أقرأ أحمد والقواريري السلام، وقل لهما: جزاكما الله عني خيرا وعن أمتي.
وبه، قال أبو علي: أخبرنا الحسين بن محمد الناقد، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا ابن أبي دواد، حدثني أبي، قال: رأيت في المنام أيام المحنة؛ كأن رجلا خرج من المقصورة، وهو يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اقتدوا باللذين من بعدي: أحمد بن حنبل، وفلان .
وقال: نسيت اسمه إلا أنه كان أيام قتل أحمد بن نصر، -يعني: اقتدوا في وقتكم هذا-.
وبه: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ، أخبرنا أبو بكر الآجري، أخبرنا عبد الله بن العباس الطيالسي، حدثنا بندار، ومحمد بن المثنى، قالا:
كنا نقرأ على شيخ ضرير، فلما أحدثوا ببغداد القول بخلق القرآن، قال الشيخ: إن لم يكن القرآن مخلوقا، فمحى الله القرآن من صدري.
فلما سمعنا هذا، تركناه، فلما كان بعد مدة، لقيناه، فقلنا: يا فلان، ما فعل القرآن؟
قال: ما بقي في صدري منه شيء.
قلنا: ولا: {قل هو الله أحد} .
قال: ولا {قل هو الله أحد} ، إلا أن أسمعها من غيري يقرؤها.
أخبرنا أبو حفص بن القواس، أنبأنا الكندي، أخبرنا عبد الملك الكروخي ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا محمد بن عبد الجليل، أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم (ح) .
وقال أبو محمد الخلال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، قالا:
أخبرنا أحمد بن محمد بن مقسم، سمعت عبد العزيز بن أحمد النهاوندي، سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، سمعت أبي يقول:
رأيت رب العزة في المنام، فقلت: يا رب، ما أفضل ما تقرب به إليك المتقربون؟
قال: بكلامي يا أحمد.
قلت: يا رب، بفهم، أو بغير فهم؟
قال: بفهم، وبغير فهم.
وفي (الحلية) بإسناد إلى إبراهيم بن خرزاد، قال:
رأى جار لنا كأن ملكا نزل من السماء، معه سبعة تيجان، فأول من توج من الدنيا أحمد بن حنبل.
أبو عمر بن حيويه: حدثنا علي بن إبراهيم الشافعي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين، حدثنا عزرة بن عبد الله، وطالوت بن لقمان، قالا:
سمعنا زكريا بن يحيى السمسار يقول:
رأيت أحمد بن حنبل في المنام، على رأسه تاج مرصع بالجوهر، في رجليه نعلان، وهو يخطر بهما.
قلت: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي، وأدناني، وتوجني بيده بهذا التاج، وقال لي: هذا بقولك: القرآن كلام الله غير مخلوق.
قلت: ما هذه الخطرة التي لم أعرفها لك في دار الدنيا؟
قال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
أبو حاتم بن حبان: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد المروزي،
حدثنا محمد بن الحسن السلمي، سمعت طالوت بن لقمان، فذكرها.
مسبح بن حاتم العكلي: حدثنا إبراهيم بن جعفر المروذي، قال: رأيت أحمد بن حنبل يمشي في النوم مشية يختال فيها، قلت: ما هذه المشية يا أبا عبد الله؟
قال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
عن المروذي، قال: رأيت أحمد في النوم، وعليه حلتان خضراوان، وعلى رأسه تاج من النور، وإذا هو يمشي مشية لم أكن أعرفها، فقلت: ما هذا؟
قال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
وذكر القصة في إسنادها المفيد.
وفي (الحلية) : أخبرنا أبو نصر الحنبلي، أخبرنا عبد الله بن أحمد النهرواني، حدثنا أبو القاسم القرشي، حدثنا المروذي بنحو منها.
أبو عبد الله بن خفيف الصوفي: حدثنا أبو القاسم القصري، سمعت ابن خزيمة بالإسكندرية يقول:
رأيت أحمد بن حنبل في النوم لما مات يتبختر، فقلت: ما هذه المشية؟
قال: مشية الخدام في دار السلام.
فقلت: ماذا فعل الله بك؟
قال: غفر لي، وتوجني، وألبسني نعلين من ذهب، وقال: يا أحمد، هذا بقولك: القرآن كلامي.
ثم قال لي: يا أحمد، لم كتبت عن حريز بن عثمان؟، وذكر حكاية طويلة منكرة.
ومن أين يلحق أحمد حريزا؟!
أنبأنا ابن قدامة، عن ابن الجوزي، أخبرنا المبارك بن علي، أخبرنا سعد الله بن علي بن أيوب، حدثنا هناد بن إبراهيم، أخبرنا أحمد بن عمر، حدثنا أحمد بن الحسن التكريتي، حدثنا أبو بكر التميمي، حدثنا عبد الله بن بهرام، رأيت أحمد بن حنبل في النوم وعليه نعلان من ذهب، وهو يخطر....، الحكاية.

ثم رواها بطولها ابن الجوزي بإسناد آخر مظلم إلى علي بن محمد القصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن: أنه رأى ذلك.
وقال شيخ الإسلام الأنصاري: سمعت بعض أهل باخرز - وهي من نواحي نيسابور - يقول: رأيت كأن القيامة قد قامت، وإذا برجل على فرس به من الحسن ما الله به عليم، ومناد ينادي: ألا لا يتقدمنه اليوم أحد.
قلت: من هذا؟
قالوا: أحمد بن حنبل.
قال أبو عمر السماك: حدثنا محمد بن أحمد بن مهدي، حدثنا أحمد بن محمد الكندي، قال: رأيت أحمد بن حنبل في المنام، فقلت: ما صنع الله بك؟
قال: غفر لي.
وقال: يا أحمد، ضربت في.
قلت: نعم.
قال: هذا وجهي، فانظر إليه، قد أبحتك النظر إليه.
وروى مثلها شيخ الإسلام بإسناد مظلم إلى عبد الله بن أحمد، أنه رأى نحو ذلك.
وفي (مناقب أحمد) لشيخ الإسلام بإسناد مظلم إلى علي بن الموفق، قال:
رأيت كأني دخلت الجنة، فإذا بثلاثة: رجل قاعد على مائدة قد وكل الله به ملكين: فملك يطعمه، وملك يسقيه، وآخر واقف على باب الجنة ينظر في وجوه قوم فيدخلهم الجنة، وآخر واقف في وسط الجنة شاخص ببصره إلى العرش، ينظر إلى الرب -تعالى-.
فقلت لرضوان: من هؤلاء؟
قال: الأول بشر الحافي، خرج من الدنيا وهو جائع عطشان، والواقف في الوسط هو معروف، عبد الله شوقا للنظر إليه، فأعطيه، والواقف في باب الجنة فأحمد بن حنبل، أمر أن ينظر في وجوه أهل السنة، فيدخلهم الجنة.

وذكر شيخ الإسلام بإسناد طويل عن محمد بن يحيى الرملي قاضي دمشق، قال:
دخلت العراق والحجاز، وكتبت، فمن كثرة الاختلاف لم أدر بأيها آخذ، فقلت: اللهم اهدني.
فنمت، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أسند ظهره إلى الكعبة، وعن يمينه الشافعي، وأحمد بن حنبل، وهو يبتسم إليهما.
فقلت: يا رسول الله، بم آخذ؟
فأومأ إلى الشافعي وأحمد، وقال: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة} [الأنعام: 89] ، وذكر القصة.
أبو بكر بن أبي داود: حدثنا علي بن إسماعيل السجستاني، قال:
رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس جاؤوا إلى قنطرة، ورجل يختم ويعطيهم، فمن جاء بخاتم جاز، فقلت: من هذا الذي يعطي الناس الخواتيم؟
قالوا: أحمد بن حنبل.
الخلال: حدثنا عبد الرحيم بن محمد المخرمي، سمعت إسحاق بن إبراهيم لؤلؤا يقول:
رأيت أحمد بن حنبل في النوم، فقلت: يا أبا عبد الله، أليس قد مت؟
قال: بلى.
قلت: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي ولكل من صلى علي.
قلت: فقد كان فيهم أصحاب بدع.
قال: أولئك أخروا.
أبو بكر بن شاذان: حدثنا يحيى بن عبد الوهاب بن أبي عصمة، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا بندار، قال:
رأيت أحمد بن حنبل في النوم كالمغضب، فقلت: ما لي أراك مغضبا؟
قال: وكيف لا أغضب، وجاءني منكر ونكير، يسألاني من ربك؟
فقلت: ولمثلي يقال هذا؟
فقالا: صدقت يا أبا عبد الله، ولكن بهذا أمرنا.
الطبراني: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل، حدثنا أبو جعفر محمد

بن الفرج - جار أحمد بن حنبل - قال:
لما نزل بأحمد ما نزل، دخل علي مصيبة، فأتيت في منامي، فقيل لي: ألا ترضى أن يكون أحمد عند الله بمنزلة أبي السوار العدوي، أو لست تروي خبره؟
قال محمد بن الفرج: حدثنا علي بن عاصم، عن بسطام بن مسلم، عن الحسن، قال:
دعا بعض مترفي هذه الأمة أبا السوار العدوي، فسأله عن شيء من أمر دينه، فأجابه بما يعلم، فلم يوافقه ذلك، فقال: وإلا أنت بريء من الإسلام.
قال: إلى أي دين أفر؟
قال: وإلا امرأته طالق.
قال: فإلى من آوي بالليل؟
فضربه أربعين سوطا.
قال: فأتيت أبا عبد الله، فأخبرته بذلك، فسر به.
رواها: عبد الله بن أحمد، عن محمد بن الفرج مختصرة.
وأبو السوار: هو حسان بن حريث، يروي عن علي وغيره.
قال حماد بن زيد، عن هشام، قال:
كان أبو السوار يعرض له الرجل، فيشتمه، فيقول: إن كنت كما قلت، إني إذا لرجل سوء.
أبو نعيم: حدثنا محمد بن علي بن حبيش، أخبرنا عبد الله بن إسحاق المدائني، حدثني أبي، قال:
رأيت في المنام كأن الحجر الأسود انصدع، وخرج منه لواء، فقلت: ما هذا؟
فقيل: أحمد بن حنبل قد بايع الله -عز وجل-.
جماعة: سمعوا سلمة بن شبيب يقول:
كنا جلوسا مع أحمد بن حنبل، إذ جاءه رجل، فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟
فسكتنا، فقال: أنا أحمد، ما حاجتك؟
قال: صرت إليك من أربع مائة فرسخ برها وبحرها، جاءني الخضر في منامي، فقال: تعرف أحمد بن حنبل؟
قلت: لا.
قال: ائت بغداد، وسل عنه، وقل له: إن الخضر يقرئك السلام، ويقول: إن

ساكن السماء الذي على عرشه راض عنك، والملائكة راضون عنك بما صيرت نفسك لله.
فقال أحمد: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، ألك حاجة غير هذه؟
قال: ما جئتك إلا لهذا، وانصرف.
رواها: أبو نعيم، عن أبي الشيخ، حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر، حدثنا سلمة بهذا.
ورواها: عبد الله بن محمد الحامض، عن محمد بن أحمد بن حسين المروزي، سمع سلمة بنحوها.
ورواها: شيخ الإسلام - بإسناد له - عن الحسن بن إدريس، عن سلمة.
ورواها: الخطيب، عن ابن أبي الفوارس، عن أبي حيويه، عن محمد بن حفص الخطيب، أخبرنا محمد بن أحمد بن داود المؤدب، عن سلمة.
وتروى بإسناد، عن حنبل، عن سلمة مختصرة.
وقال: إن الله باهى بضربك الملائكة.
الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثني حبيش بن أبي الورد، قال:
رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقال: يا نبي الله، ما بال أحمد بن حنبل؟
قال: سيأتيك موسى -عليه السلام- فسله.
فإذا أنا بموسى، فسألته، فقال: أحمد بن حنبل بلي في السراء والضراء، فوجد صادقا، فألحق بالصديقين.
الخلال: حدثنا أبو يحيى الناقد، سمعت حجاج بن الشاعر يقول:
رأيت عما لي في المنام، كان قد كتب عن هشيم، فسألته عن أحمد بن حنبل، فقال: ذاك من أصحاب عمر بن الخطاب.
قال الخلال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني عبد الله بن أبي قرة،

قال:
رأيت في النوم كأني دخلت الجنة، فإذا قصر من فضة، فانفتح بابه، فخرج أحمد بن حنبل، وعليه رداء من نور، فقال لي: قد جئت؟
قلت: نعم.
فلم يزل يردد حتى انتهيت.
قال: ورأيت في النوم جبال المسك، والناس مجتمعون، وهم يقولون: قد جاء الغازي، فدخل أحمد بن حنبل متقلدا السيف، ومعه رمح، فقال: هذه الجنة.
ولقد جمع ابن الجوزي فأوعى من المنامات في نحو من ثلاثين ورقة.
وأفرد ابن البناء جزءا في ذلك.
وليس أبو عبد الله ممن يحتاج تقرير ولايته إلى منامات، ولكنها جند من الله، تسر المؤمن، ولا سيما إذا تواترت.
قال الخلال: حدثني أحمد بن محمد بن محمود، قال:
كنت في البحر مقبلا من ناحية السند في الليل، فإذا هاتف يقول: مات العبد الصالح.
فقلت لبعض من معنا: من هذا؟
قال: هذا من صالحي الجن.
ومات أحمد تلك الليلة.
قال الخلال: وسمعت إبراهيم الحربي يقول:
قال علي بن الجهم: لما قدمت من عمان، أرسينا إلى جزيرة، وقوم جاؤوا من العراق، إنما نستعذب الماء.
قال: فسمعت صيحة وتكبيرا وصياحا.
قال: قلت: ما هذا؟
قال: فقال: قد مات خير البغداديين - يعنون: عالمهم أحمد بن حنبل -.
الخلال: حدثنا محمد بن العباس، سمعت عبيد بن شريك يقول:
مات مخنث، فرئي في النوم، فقال: قد غفر لي، دفن عندنا أحمد بن حنبل، فغفر لأهل القبور.

الخلال: أخبرني علي بن إبراهيم بالرقة، حدثنا نصر بن عبد الملك السنجاري، حدثنا الأثرم، سمعت أبا محمد فوران يقول: رأى إنسان رؤيا، قال:
رأيت أحمد بن حنبل، فقلت: إلى ما صرت؟
قال: أنا مع العشرة.
قلت: أنت عاشر القوم؟
قال: لا، أنا حادي عشر.
الخلال: حدثنا عبد الله بن إسماعيل، حدثنا محمد بن يعقوب الوزان، حدثنا الحسين بن علي الأذرمي، حدثنا بندار بن بشار، قال:
رأيت سفيان الثوري، فقلت: إلى ما صرت؟
قال: إلى أكثر مما أملت.
فقلت: ما هذا في كمك؟
قال: در وياقوت، قدمت علينا روح أحمد بن حنبل، فأمر الله أن ينثر عليه ذلك، فهذا نصيبي.
الخلال: حدثنا محمد بن حصن، قال:
بلغني أن أحمد بن حنبل لما مات فوصل الخبر إلى الشاش، سعى بعضهم إلى بعض، فقال: قوموا حتى نصلي على أحمد بن حنبل كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على النجاشي .
فخرجوا إلى المصلى، فصفوا، فصلوا عليه.
الرواية عنه:
قرأت على أبي العباس أحمد بن أحمد بن نعمة المقدسي - مفتي دمشق وخطيبها - عن الإمام أبي حفص عمر بن محمد السهروردي، ثم قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق المقرئ، قال:
أخبرنا عمر بن محمد في سنة عشرين وست مائة، أخبرنا أبو المظفر هبة الله بن أحمد الشبلي (ح) .
وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية، أخبرنا محمد بن أحمد بن عمر، أخبرنا محمد بن عبيد الله المجلد، قالا:
أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن الذهبي، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد أبو عبد الله الشيباني، قال:
حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعيبة، قال:
أخبرني أبو جمرة، قال: سمعت ابن عباس يقول:
قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمرهم بالإيمان بالله -عز وجل- قال: (تدرون ما الإيمان بالله؟) .
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم ) .
متفق عليه.
وأخرجه: أبو داود، عن أحمد.
قرأت على الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل النابلسي بمسجده، وقرأت بدمشق على يوسف بن أحمد بن عالية الحجار، قالا:
أخبرنا أبو نصر موسى بن عبد القادر سنة ثماني عشرة وست مائة، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن، أخبرنا علي بن أحمد البندار ، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، وعبيد الله القواريري، قالا:
حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس:
أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، إني شيخ كبير يشق علي القيام، فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر، فقال: (عليك بالسابعة ) .
لفظ أحمد بن حنبل.
قال عبد الله البغوي: ولا أعلم روى هذا الحديث بهذا الإسناد غير معاذ.
أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي عمر في كتابه، أخبرنا حنبل
بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا الحسن بن علي الواعظ، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا ابن نمير، حدثنا سفيان، عن سمي، عن النعمان بن أبي عياش الزرقي، عن أبي سعيد، قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يصوم عبد يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا ) .
أخرجه: النسائي، عن عبد الله، فوافقناه بعلو درجتين.
من (الطهارة) للخلال:
حدثنا عبد الله بن أحمد، قال:
رأيت أبي إذا بال، له مواضع يمسح بها ذكره، وينتره مرارا كثيرة، ورأيته إذا بال، استبرأ استبراء شديدا.
حدثني محمد بن أبي هارون، حدثنا إسحاق بن إبراهيم:
رأيت أبا عبد الله إذا بال، يشد على فرجه خرقة قبل أن يتوضأ.
حدثنا عبد الله بن أحمد، قال أبي: إذا كانت تعاهده الأبردة، فإنه يسبغ الوضوء، ثم ينتضح، ولا يلتفت إلى شيء يظن أنه خرج منه، فإنه يذهب عنه - إن شاء الله -.
حدثني جماعة، قالوا: أخبرنا حنبل، قال: رأيت أبا عبد الله إذا خرج من الخلاء، تردد في الدار، ويقعد قعدة قبل أن يتوضأ، فظننت أنه يريد بذلك الاستبراء.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 9- ص: 192

الإمام أحمد بن حنبل قال الشيخ رحمه الله: ومنهم الإمام المبجل والهمام المفضل أبو عبد الله أحمد بن حنبل. لزم الاقتداء، وظفر بالاهتداء، علم الزهاد، وقلم النقاد، امتحن فكان في المحنة صبورا، واجتبي فكان للنعمة شكورا، كان للعلم والحلم واعيا، وللهم والفكر راعيا. وقيل إن التصوف التجلي بالآثار، والتحلي بالأكدار

ذكر نسبه ومولده ووفاته رضي الله تعالى عنه

حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيذار بن إسماعيل بن الخليل عليه السلام حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن يونس والحسن بن محمد بن علي، وعلي بن أحمد بن يزداد قالوا: ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد المديني، ثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن حنبل قال: وجدت في بعض كتب أبي رحمه الله نسبه: أحمد بن محمد بن حنبل. . . فذكر مثله، إلا أنه قال: ابن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة

أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي: " ولدت سنة أربع وستين ومائة، في شهر ربيع الأول، وأول سماعي من هشيم سنة تسع وسبعين. وكان ابن المبارك قدم في تلك السنة - وهي آخر قدمة قدمها - وذهبت إلى مجلسه فقالوا: خرج إلى طرسوس، فتوفي سنة إحدى وثمانين "

حدثنا سليمان بن أحمد، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: سمعت والدي، يقول: «ولدت سنة أربع وستين ومائة في أولها في شهر ربيع الآخر». قال عبد الله: وتوفي أبي رحمه الله يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر، وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر غلبنا على الصلاة عليه، وقد كنا صلينا عليه نحن والهاشميون داخل الدار لثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، وكانت له ثمان وسبعون سنة

قال عبد الله: «وخضب أبي رأسه ولحيته بالحناء، وهو ابن ثلاث وستين سنة»

قال عبد الله قال أبي: «طلبت الحديث وأنا ابن ست عشرة سنة، وأول سماعي من هشيم سنة تسع وسبعين ومائة»

حدثنا محمد بن جعفر، وعلي بن أحمد، قالا: ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، ثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: «ولدت سنة أربع وستين ومائة في أولها في ربيع الأول»، وجيء به حملا من مرو، وتوفي أبوه محمد بن حنبل وله ثلاثون سنة فوليته أمه. قال أبي: " وكان قد بعث أدما لي فكانت أمي رحمها الله تصبر فيها حبة لؤلؤ فلما ترعرعت، فكانت عندها، فدفعتها إلي فبعتها بنحو من ثلاثين درهما

قال أبو الفضل: " وتوفي أبي رحمه الله ليلة الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومائتين فكانت سنه من يوم ولد إلى أن توفي سبعا وسبعين سنة

قال أبو الفضل قال أبي: " طلبت الحديث وأنا ابن ست عشرة سنة، ومات هشيم وأنا ابن عشرين سنة، وأول سماعي من هشيم سنة تسع وسبعين، وكان ابن المبارك قدم في هذه السنة وهي آخر قدمة قدمها فذهبت إلى مجلسه، فقالوا: قد خرج إلى طرسوس. وتوفي سنة إحدى وثمانين "

حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق المعدل، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت زياد بن أيوب، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: «أتيت مجلس ابن المبارك وقد قدم علينا سنة سبع وسبعين»

ذكر جلالته عند العلماء ونبالته عند المحدثين والفقهاء

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني محمد بن عبد الملك بن زنجويه، قال: رأيت يزيد بن هارون يصلي فجاء إليه أبوعبد الله أحمد بن حنبل فلما سلم يزيد من الصلاة التفت إلى أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في العارية؟ قال: مؤداة. فقال له يزيد: أخبرنا حجاج، عن الحكم، قال: ليست بمضمونة. فقال له أحمد بن حنبل: قد استعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدرعا فقال له عارية مؤداة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «العارية مؤداة». فسكت يزيد، وصار إلى قول أحمد بن حنبل

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا موسى بن هارون، ثنا نوح بن حبيب النرسي، قال: «رأيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في مسجد الخيف في سنة ثمان وتسعين ومائة مستندا إلى المنارة وجاءه أصحاب الحديث، وهو مستند فجعل يعلمهم الفقه والحديث ويفتي لنا في المناسك»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن محمد القاضي، قال: سمعت أبا داود السجستاني، يقول: «لقيت مائتين من مشايخ العلم، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل؛ لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلم تكلم»

حدثنا الحسين، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا أحمد بن سنان القطان، عن عبد الرحمن بن مهدي، أنه رأى أحمد بن حنبل أقبل إلينا، وقام إليه ومن عنده فقال: «هذا أعلم الناس بحديث سفيان الثوري»

حدثنا محمد بن جعفر، ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، ثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن حنبل قال: قال أبي: " جاء إنسان إلى باب ابن علية ومعه كتب هشيم فجعل يلقيها علي، وأنا أقول: هذا إسناده كذا. فجاءه المعيطي، وكان يحفظ، فقلت له: أجبه فيها، فسها "، وقال: إني لم أعرف من حديثه ما لم أسمع

وقال أبي: «وكتبت عن هشيم سنة سبع وسبعين ولم أعقل بعض سماعي ولزمته سنة ثمانين، وإحدى وثمانين، وثنتين، وثلاث، ومات في سنة ثلاث وثمانين كتبنا عنه كتاب الحج نحوا من ألف حديث، وبعض التفسير وكتاب القضاء، وكتبا صغارا» قال: قلت: يكون ثلاثة آلاف حديث؟ قال: «أكثر»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا إسحاق بن أحمد، قال: سمعت أبا زرعة، يقول: «ما رأيت مثل أحمد بن حنبل في فنون العلم، وما قام أحد مثل ما قام أحمد به»

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، قال: سمعت أبا زرعة، يقول: «ما رأت عيناي مثل أحمد بن حنبل»

قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: «حفظت كل شيء سمعته من هشيم، وهشيم حي قبل موته»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا محمد بن أبي حاتم، ثنا الحسن بن الحسين الرازي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: «ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل إنه لا يحدث إلا من كتابه، ولنا فيه أسوة حسنة». حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد القابني قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا قريش، يقول: حكيت عن علي بن المديني، أنه قال: ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله فذكر مثله

سمعت محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: «ما رأيت أبي حدث من حفظه من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا الحسين بن محمد بن حاتم بن عبيد، ثنا مهنا بن يحيى الشامي قال: «ما رأيت أحدا أجمع لكل خير من أحمد بن حنبل، ورأيت سفيان بن عيينة ووكيعا وعبد الرزاق وبقية بن الوليد وضمرة بن ربيعة وكثيرا من العلماء فما رأيت مثل أحمد بن حنبل في علمه وفقهه وزهده وورعه»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: «أحمد بن حنبل سيدنا»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن علي بن شبيب السمسار، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: قال لي يحيى بن سعيد القطان: «ما قدم علي مثل هذين الرجلين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين»

حدثنا أبي رحمه الله، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الرحمن بن أحمد، يقول: حضر قوم من أصحاب الحديث في مجلس أبي عاصم الضحاك بن مخلد، فقال لهم: «ألا تتفقهون، وليس فيكم فقيه؟» وجعل يذمهم فقالوا: فينا رجل. فقال: «من هو؟» فقلنا: الساعة يجيء فلما جاء أبي قالوا: قد جاء فنظر إليه فقال له: «تقدم». فقال: أكره أن أتخطى الناس. فقال أبو عاصم: «هذا من فقهه»، وأخذه، فقال: «وسعوا له»، فوسعوا، فدخل، فأجلسه بين يديه، فألقى إليه مسألة، فأجاب، وألقى ثانية، فأجاب، وثالثة، فأجاب ومسائل فأجاب. فقال أبو عاصم: «هذا من دواب البحر»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن جعفر بن سفيان الرقي، ثنا أبو الحسن، عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: " جالست أبا يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن وأكثر علي، وقال: ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، فما هبت أحدا في مسألة ما هبت أبا عبد الله أحمد بن حنبل "

حدثنا محمد بن الفتح، وعمر بن أحمد، قالا: سمعنا عبد الله بن محمد بن زياد، يقول: سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي، يقول: «سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه وأحمد بن حنبل في زمانه»

حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سلم القابني قال: سمعت عبد الله بن أحمد الزوزني، يقول: سمعت محمد بن الفضل بن العباس البلخي، يقول: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: «لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم»

حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، ثنا عبد الله بن محمد بن زياد، ثنا محمد بن الحسين بن أبي الحسين، قال: سمعت سعيد بن الخليل الخراز، يقول: «لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية»

حدثنا أبي والحسين بن محمد، قالا: ثنا أحمد بن محمد بن أبان، ثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الصوفي قال: قال لي رجل من أهل العلم - وكان حبرا فاضلا يكنى بأبي جعفر في العشية التي دفنا فيها أبا عبد الله -: «تدري من دفنا اليوم». قلت: من؟ قال: «سادس خمسة». قلت: من؟ قال «أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، وأحمد بن حنبل»، قال أبو العباس: فاستحسنت ذلك منه، وعنى بذلك أن كل واحد في زمانه "

حدثنا أبي والحسين، قالا: ثنا أحمد بن محمد، قال: سمعت أبا العباس أحمد بن إبراهيم يقول: «من دون أحمد كلهم في ميزان أحمد. كما أن الناس من دون أبي بكر في ميزان أبي بكر الصديق»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: كتب لي الفتح بن شخرف الخراساني بخط يده قال: ذكر أبو عبد الله أحمد بن حنبل عند الحارث بن أسد، قال الفتح فقلت للحارث سمعت عبد الرزاق، يقول: سمعت ابن عيينة، يقول: " علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه والثوري في زمانه ". قال الفتح: فقلت أنا للحارث: وابن حنبل في زمانه، فقال لي الحارث: أحمد بن حنبل نزل به ما لم ينزل بسفيان الثوري والأوزاعي

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبو يوسف يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد حدثني نصر بن علي، قال: قال عبد الله بن داود الخريبي: «كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه، وكان بعده أبو إسحاق الفزاري أفضل أهل زمانه»، قال نصر بن علي: وأنا أقول: كان أحمد بن حنبل أفضل أهل زمانه

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، ثنا أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت الهيثم بن جميل، يقول: " إن لكل زمان رجلا يكون حجة على الخلق وإن فضيل بن عياض حجة أهل زمانه. قال الهيثم: «وأظن إن عاش هذا الفتى أحمد بن حنبل سيكون حجة على أهل زمانه»

حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت محمد بن يونس، يقول: سمعت أبا عاصم، وذكر الفقه، يقول: «ليس ثم من أحد - يعني ببغداد - إلا ذلك الرجل - يعني أحمد بن حنبل - ما جاءنا أحد من ثم غيره يحسن الفقه». فذكر له علي بن المديني، فقال بيده ونفضها

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا محمد بن يونس، قال: سمعت أبا الوليد، يقول: «كان يحيى بن سعيد معجبا بأحمد بن حنبل»

قال: وقال عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال لي يحيى بن سعيد القطان: «ما قدم علي مثل أحمد بن حنبل»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن عمر، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني عبيد الله بن عمر الجشمي، قال: قال لي يحيى بن سعيد القطان: «ما قدم علي مثل أحمد بن حنبل»

حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سلم قال: سمعت عبد الله بن أحمد المروزي، يقول: سمعت محمد بن الفضل بن العباس البلخي، يقول: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: «لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبدان بن محمد المروزي، قال: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: «لولا أحمد بن حنبل لمات الورع»

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، قال: سمعت زكريا الساجي، يقول: سمعت عبد الله بن شوته، يقول: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: «بموت أحمد بن حنبل تظهر البدع، وبموت الشافعي ماتت السنن، وبموت الثوري مات الورع»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أبو ذر أحمد بن محمد بن محمد قال: سمعت عباس بن محمد، يقول: سمعت يحيى بن معين، يقول: وذكروا أحمد بن حنبل فقال يحيى: «أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل، لا والله ما تقوى على ما يقوى عليه أحمد بن حنبل، ولا على طريقة أحمد»

حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، قال: سمعت أبا زرعة، يقول: «لم أزل أرى الناس يذكرون أحمد بن حنبل ويقدمونه على يحيى بن معين وأبي خيثمة»

حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا عمر بن الحسن القاضي، قال: سمعت أبا يحيى الناقد، يقول: كنا عند إبراهيم بن عرعرة، فذكروا علي بن عاصم فقال رجل: أحمد بن حنبل يضعفه. فقال رجل: وما يضره من ذلك إذا كان ثقة؟ فقال إبراهيم بن عرعرة: «والله لو تكلم أحمد بن حنبل في علقمة والأسود لضرهما»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: ثنا أحمد بن علي الأبار، ثنا علي بن شعيب، قال " حضرت يزيد بن هارون وهم يسألونه: متى سمعت من فلان؟ وأين سمعت من فلان؟ وهو يخبرهم ". قلت له: من كان يسألونه؟ قال: «يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: «كنت مقيما على يحيى بن سعيد القطان ثم خرجت إلى واسط، فسأل يحيى بن سعيد عني»، فقالوا: خرج إلى واسط. فقال: أي شيء يصنع بواسط؟ قالوا: مقيم على يزيد بن هارون. قال: وأي شيء يصنع عند يزيد بن هارون؟ قال أبو عبد الرحمن: يعني هو أعلم منه

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا الحسن بن علي المعمري، قال: سمعت خلف بن سالم، يقول: كنا في مجلس يزيد بن هارون فمزح يزيد مع مستمليه، فتنحنح أحمد بن حنبل - وكان في المجلس - فقال يزيد: «من المتنحنح» فقيل له: أحمد بن حنبل فضرب بيده على جبينه، وقال «ألا أعلمتموني أن أحمد هاهنا حتى لا أمزح»

حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا ابن أبي حاتم، ثنا علي بن الجنيد، قال: سمعت أبا جعفر النفيلي، يقول: «كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن أبان، حدثني محمد بن يونس، حدثني أحمد بن يزيد الطحان، خادم عبد الرحمن بن مهدي، قال: قال لي عبد الرحمن: «بعثت إليكم فلم توجد» قال قلت: غدوت مع أحمد بن حنبل في حاجة له، قال: «أحسنت، ما نظرت إلى هذا الرجل إلا تذكرت به سفيان الثوري»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا محمد بن يونس، ح وحدثنا أبي، ثنا أحمد، قال: حدثني محمد بن يونس، حدثني سليمان بن داود بن زياد الشاذكوني، قال: " علي بن المديني يشبه بابن حنبل؟ أيهات، ما أشبه السك باللك، لقد حضرت من ورعه شيئا بمكة أنه رهن سطلا عند قاض فأخذ منه شيئا يتقوته، فجاء فأعطاه فكاكه فأخرج إليه سطلين، وقال: انظر أيهما سطلك فخذه، قال: لا أدري، أنت في حل منه، ومما أعطيتك في حل ولم يأخذه. قال القاضي: والله إنه لسطله، وإنما أردت أن أمتحنه فيه "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن الحسين الأنماطي، قال: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب وجماعة من كبار العلماء فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ويذكرون من فضائله. فقال رجل: لا تكثروا، بعض هذا القول فقال يحيى بن معين وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل يستكثر؟ لو جالسنا مجالسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن علي الأبار، قال: سمعت محمد بن يحيى النيسابوري، حين بلغه وفاة أحمد بن حنبل يقول: «ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يقيموا على أحمد بن حنبل النياحة في دورهم»

حدثنا سليمان بن أحمد، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: سمعت أبي يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: «يا أبا عبد الله إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرونا به، حتى نرجع إليه»

حدثنا سليمان، قال: سمعت عبد الله بن أحمد، يقول: سمعت أبي يقول، قال لي محمد بن إدريس الشافعي: «يا أبا عبد الله، أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا» قال عبد الله: جميع ما حدث به الشافعي في كتابه فقال: حدثني الثقة، أو أخبرني الثقة، فهو أبي رحمه الله. قال عبد الله: وكتابه الذي صنفه ببغداد هو أعدل من كتابه الذي صنفه بمصر، وذلك أنه حيث كان هاهنا يسأل، وسمعت أبي يقول: استفاد منا الشافعي ما لم نستفد منه

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت أبي يقول: قال لي أحمد بن حنبل: «تعال حتى أريك رجلا لم تر مثله. فذهب بي إلى الشافعي» قال محمد بن إسحاق قال لي أبي: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ح وحدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إسحاق بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه، ثنا إبراهيم بن الحارث، لو تكلمت أيام ضرب أحمد بن حنبل فقال بشر: «أتأمروني أن أقوم مقام الأنبياء»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا قيس بن مسلم البخاري، - ببغداد - قال: سمعت علي بن خشرم، يقول: سمعت بشر بن الحارث، يقول «أدخل أحمد بن حنبل الكير فخرج ذهبة حمراء»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا إسحاق بن أحمد، قال: سمعت أبا زرعة، يقول: «ما رأيت مثل أحمد بن حنبل في فنون العلم وما قام أحد مثل ما قام أحمد»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق بن أحمد، قال: سمعت أبا زرعة، يقول: سمعت زهير بن حرب، يقول: «ما رأيت مثل أحمد بن حنبل أشد قلبا منه أن يكون، قام ذلك المقام، ويرى ما يمر به من الضرب والقتل»، قال: «وما قام أحد مثل ما قام أحمد؛ امتحن كذا كذا سنة، وطلب فما ثبت أحد على ما ثبت عليه»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت أبي يقول: «لولا أحمد بن حنبل، وبذل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام»

حدثنا سليمان، ثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: «أحمد بن حنبل سيدنا»

حدثنا سليمان، ثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ الحداد قال: «رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة، ومصعب الزبيري، ويحيى بن معين، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وعلي بن المديني، وعبيد الله بن عمر القواريري، وأبي خيثمة زهير بن حرب، وأبي معمر القطيعي، ومحمد بن جعفر الوركاني، وأحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي، ومحمد بن بكار بن الريان، وعمرو بن محمد الناقد ويحيى بن أيوب المقابري العابد، وشريح بن يونس، وخلف بن هشام البزار، وأبي الربيع الزهراني فيمن لا أحصيهم من أهل العلم والفقه يعظمون أحمد بن حنبل، ويجلونه، ويوقرونه، ويبجلونه، ويقصدونه للسلام عليه»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبدوس بن كامل، حدثني شجاع بن مخلد، قال: كنت عند أبي الوليد الطيالسي، فورد عليه كتاب أحمد بن حنبل فسمعته يقول: «ما بالبصرتين - يعني بالبصرة والكوفة - أحد أحب إلي من أحمد بن حنبل، ولا أرفع قدرا في نفسي منه»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا الحسين بن محمد بن جنيد العجلي، ثنا مهنا بن يحيى، قال: «رأيت يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري حين أخرج أحمد بن حنبل من الحبس، وهو يقبل جبهة أحمد ووجهه، ورأيت سليمان بن داود الهاشمي يقبل جبهة أحمد بن حنبل ورأسه»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا عمر بن الحسن بن علي بن الجعد، قال: سمعت أحمد بن منصور، يقول: قال لي أبو عاصم حين أردت أن أخرج - أو قال أودعه - «أقرئ الرجل الصالح أحمد بن حنبل السلام»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا عمر بن الحسين القاضي، ثنا محمد بن يعقوب الكرابيسي قال: لما قدم أحمد بن حنبل البصرة ساء من الشاذكوني مكانه. قال: فكأنه ذكره عند يحيى بن سعيد القطان، فقال له يحيى بن سعيد: «حتى أراه». فلما رأى أحمد بن حنبل، قال له: «ويلك يا أبا سليمان ما اتقيت الله، تذكر حبرا من أحبار هذه الأمة»

حدثنا الحسين بن محمد، قال أخبرنا عمر بن الحسن القاضي، ثنا أبو جعفر أحمد بن القاسم، قال: سمعت الحسين الكرابيسي، يقول: «مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مثل قوم يجيئون إلى أبي قبيس يريدون أن يهدموه بنعالهم»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا عمر بن الحسن القاضي، حدثني هارون بن يوسف، حدثني ابن أبي الورد العابد، قال: سمعت يحيى الجلا - وكان من أكابر الناس وأفاضلهم - قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام واقفا في صينية، وابن أبي دؤاد جالسا عن يسرته، وأحمد بن حنبل جالسا عن يمينه، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار إلى ابن أبي دؤاد فقال: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} [الأنعام: 89] وأشار إلى أحمد بن حنبل "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو بكر بن ماهان، ثنا علي بن أبي طاهر، ثنا أبو عثمان الرقي، عن الهيثم بن جميل، قال: «أحسب هذا الفتى - يعني أحمد بن حنبل - إن عاش يكون حجة على أهل زمانه»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، حدثني نصر بن خزيمة، ثنا محمد بن مخلد، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن داود بن سيار قال حدث يوسف بن مسلم، قال: حدث الهيثم بن جميل، بحديث عن هشيم فوهم فيه فقيل له: خالفوك في هذا قال: «من خالفني» قالوا: أحمد بن حنبل فقال: «وددت أنه لو نقص من عمري وزيد في عمر أحمد بن حنبل»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا علي بن المديني، قال: قال لي أحمد بن حنبل: «إني لأحب أن أصحبك إلى مكة، وما يمنعني من ذاك إلا أني أخاف أن أملك أو تملني»: قال: فلما ودعته قلت له: يا أبا عبد الله، توصيني بشيء؟ قال: «نعم، ألزم التقوى قلبك، وانصب الآخرة أمامك»

حدثنا أبي، ثنا أبو الحسن بن أبان، قال: سمعت مقاتل بن صالح الأنماطي، صاحب الأثرم يقول: سمعت محمد بن مصعب العابد، يقول: «لسوط ضرب أحمد بن حنبل في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث»

حدثنا أبي، ثنا أبو الحسن بن أبان، ثنا أبو عمارة، - في مجلس الكديمي - ثنا أبو يحيى الناقد، قال: سمعت حجاج بن الشاعر، يقول: «ما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ولم أصل على أحمد بن حنبل»

قال: وحدثنا أبو عمارة، ثنا القاسم بن نصر، قال: مر المروزي بحجاج بن الشاعر، فقام إليه، وقال: «سلام عليك يا خادم الصديقين»

حدثنا أبي، ثنا أبو الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني نوح بن حبيب، قال: «كان عندنا - يعني في بلدهم - امرأتان مجوسيتان فاختصمتا في مواريث لهما إلى رجل من المسلمين، فقضى لواحدة منهما على الأخرى»، فقالت له: إن كنت قضيت علي بقضاء أحمد بن حنبل رضيت، وإلا فإني لا أرضى. قال نوح: «فحدثت به أهل طرسوس والشامات»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، حدثني نصر بن خزيمة، ثنا محمد بن الحسين بن مكرم، قال: «كنت إذا سددت بالنهار رأيت أحمد بن حنبل بالليل، وإذا خلطت في النهار رأيت في الليل يحيى بن معين»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا عمر بن الحسين القاضي، قال: أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساور، قال: كنا عند يحيى بن معين، وعنده مصعب الزبيري، فذكر رجل أحمد بن حنبل، فأطراه، وزاد، فقال له رجل: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} [النساء: 171] فقال يحيى بن معين: «وكان مدح أبي عبد الله غلوا؟ ذكر أبي عبد الله من مجلس الذكر». وصاح يحيى بالرجل

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد بن زياد بن هانئ، قال: كنت عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله قد اغتبتك، فاجعلني في حل، قال: «أنت في حل إن لم تعد»، فقلت له: أتجعله في حل يا أبا عبد الله وقد اغتابك؟ قال: «ألم ترني اشترطت عليه» قال الشيخ الحافظ أبو نعيم رحمة الله تعالى عليه: وكان رحمه الله عالما زاهدا وعاملا عابدا. وقد قيل: إن التصوف الزهد على العالم العابد كالحلي على العاتق الناهد

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا الحسين بن محمد بن عبيد، حدثني مهنا بن يحيى الشامي، قال: «ما رأيت أحدا أجمع لكل خير من أحمد بن حنبل، وقد رأيت سفيان بن عيينة ووكيعا، وعدد من العلماء، فما رأيت مثل أحمد في علمه وفقهه وزهده وورعه»

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثني أحمد بن محمد بن بلال، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: «دخلت منزل أحمد بن حنبل، فما بيته إلا بما وصف به بيت سويد بن غفلة من زهده وتواضعه»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا موسى بن هارون، قال: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: «لما خرج أحمد بن حنبل إلى عبد الرزاق انقطعت به النفقة فأكرى نفسه من بعض الحمالين إلى أن وافى صنعاء وقد كان أصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئا»

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال كتب إلي أبو نصر الفتح بن شخرف الخراساني - بخط يده - أنه سمع عبد بن حميد، يقول: سمعت عبد الرزاق، يقول: " قدم علينا أحمد بن حنبل هاهنا فقام سنتين إلا شيئا، فقلت له: يا أبا عبد الله خذ هذا الشيء فانتفع به، فإن أرضنا ليست بأرض متجر ولا مكسب "، وأرانا عبد الرزاق كفه، ومدها فيها دنانير. قال أحمد: أنا بخير، «ولم يقبل مني»

حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد القابني قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد الجنابذي، قال: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، يقول: سمعت أحمد بن سليمان الواسطي، يقول: بلغني أن أحمد بن حنبل، رهن نعله عند خباز على طعام أخذه منه عند خروجه من اليمن، وأكرى نفسه من ناس من الحمالين عند خروجه، وعرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة فلم يقبلها منه

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: «حج أبي خمس حجج ماشيا واثنتين راكبا وأنفق في بعض حجاته عشرين درهما»

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: " رأيت أبي ذاهبا في قطيعة الربيع، فقلنا لإنسان: اتبعه، وانظر أين يذهب " فقال: جاء إلى حتك المروزي - شيخ كان عندنا - فما كان إلا ساعة حتى خرج، فقلت لحتك بعد ما خرج: «في أي شيء جاءك أبو عبد الله؟» قال: هو لي صديق، وبيني وبينه أنس، وكأنه تلكأ أن يخبرنا بعد ذلك، فألححنا عليه، فقال: كان استقرض مني مائتي درهم أو ثلاثمائة درهم فجاءني بها فقلت: يا أبا عبد الله ما دفعتها وأنا أنوي أن آخذها منك فقال: وأنا ما أخذتها إلا وأنا أنوي أن أردها عليك "

حدثنا سليمان، ثنا محمد بن موسى بن حماد اليزيدي، قال: حمل إلى الحسن بن عبد العزيز الجروي ميراثه من مصر مائة ألف دينار، فحمل إلى أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس في كل كيس ألف دينار، فقال: يا أبا عبد الله، هذه من ميراث حلال، فخذها، واستعن بها على عيلتك قال: «لا حاجة لي بها أنا في كفاية، فردها ولم يقبل منها شيئا»

حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثني أبو بكر بن حمدان النيسابوري، ثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: " خرج أبي وأحمد بن حنبل في البحر في طلب العلم فكسر بهما المركب، فوقعا في جزيرة قفراء على صخرة معنونة عليها مكتوب: غدا يتبين الغني والفقير إذا انصرف المنصرفون من بين يدي الله تعالى؛ إما إلى جنة وإما إلى نار "

حدثنا الحسين بن محمد التستري، يقول: كان غلام من الصيرفة يختلف إلى أحمد بن حنبل فناوله يوما درهمين فقال: «اشتر بهما كاغدا». فخرج الغلام واشترى له، وجعل في جوف الكاغد خمسمائة دينار، وشده وأوصله إلى بيت أحمد، فسأل، وقال: «حمل إلينا من البياض؟» فقالوا: بلى، فوضع بين يديه، فلما أن فتحه تناثرت الدنانير، فردها في مكانها، وسأل عن الغلام حتى دل عليه، فوضعه بين يديه، فتبعه الفتى، وهو يقول: الكاغد اشتريته بدراهمك، خذه. فأبى أن يأخذ الكاغد أيضا

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا أبو جعفر بن دريج العكبري، قال: «طلبت أحمد بن محمد بن حنبل في سنة ست وثلاثين ومائتين لأسأله عن مسألة، فسألت عنه»، فقالوا: خرج يصلى خارجا، «فجلست له على باب الدرب حتى جاء، فقمت فسلمت عليه فرد علي السلام، وكان شيخا مخضوبا طوالا أسمر شديد السمرة فدخل الزقاق، وأنا معه أماشيه خطوة بخطوة فلما بلغنا آخر الدرب إذا باب يفرج فدخله وصار ينظر خلفه» وقال: اذهب عافاك الله فتثبت عليه فقال: اذهب عافاك الله. قال «فالتفت فإذا مسجد على الباب، وشيخ مخضوب قائم يصلي بالناس فجلست حتى سلم الإمام فخرج رجل، فسألته عن أحمد بن حنبل، وعن تخلفه عن صلاته»، فقال: ادعي عليه عند السلطان أن عنده علويا فجاء محمد بن نصر، فأحاط بالمحلة، ففتشت فلم يوجد شيء مما ذكر فأحجم من كلام العامة. فقلت: «من هذا الشيخ؟» قال: عمه إسحاق. قلت: «فما له لا يصلي خلفه». فقال ليس يكلم ذا ولا ابنيه؛ لأنهم أخذوا جائزة السلطان

حدثنا أبي، ثنا أبو الحسن بن أبان، ثنا محمد بن أحمد بن الحبر المروزي، قال: سمعت إبراهيم بن متة السمرقندي، يقول: سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن عن أحمد بن حنبل، قلت: هو إمام؟ قال: «إي والله، وكما يكون الإمام، إن أحمد أخذ بقلوب الناس، إن أحمد صبر على الفقر سبعين سنة»

حدثنا أبي، ثنا أبو الحسن بن أبان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: «عرض علي يزيد بن هارون خمسمائة درهم، أو أكثر أو أقل، فلم أقبل منه، وأعطى يحيى بن معين وأبا مسلم المستملي فأخذا منه»

حدثنا الحسن بن محمد، ثنا عمر بن الحسن القاضي، ثنا محمد بن حاتم، قال: قال حمدان بن سنان الواسطي: قدم علينا أحمد بن حنبل، ومعه جماعة قال: فنفدت نفقاتهم فأخذوا. قال: وجاء أحمد بن حنبل بفروة فقال: «قل لمن يبيع هذه ويجيئني بثمنها فأتسع به» قال: فأخذت صرة دراهم، فمضيت بها إليه، فردها قال فقالت امرأتي: هذا رجل صالح، لعله لم يرضها فأضعفها. قال: فأضعفتها، فلم يقبل، فأخذ الفروة مني وخرج

حدثنا الحسين بن محمد، قال: سمعت شاكر بن جعفر، يقول: سمعت أحمد بن محمد التستري، يقول: " ذكروا أنه مر عليه - يعني أحمد بن حنبل - ثلاثة أيام ما كان طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاستقرض شيئا من الدقيق، فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام فخبزوا بالعجلة، فلما وضع بين يديه قال: كيف عملتم؟ خبزتم بسرعة هذا؟ فقيل له: كان التنور في دار صالح - ابنه - مسجرا وخبزنا بالعجلة. فقال: ارفعوا، ولم يأكل فأمر بسد بابه إلى دار صالح "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني علي بن الجهم بن بدر، قال: «كان لنا جار فأخرج إلينا كتابا» فقال: أتعرفون هذا الخط قلنا: «نعم هذا خط أحمد بن حنبل». فقلنا له: «كيف كتب ذلك» قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة فقصدنا أحمد بن حنبل أياما، فلم نره، ثم جئنا إليه لنسأل عنه، فقال لنا أهل الدار التي هو فيها. هو في ذلك البيت، فجئنا إليه، والباب مردود عليه، وإذا عليه خلقان. فقلنا له: يا أبا عبد الله ما خبرك؟ لم نرك منذ أيام؟ فقال: سرقت ثيابي فقلت: له معي دنانير فإن شئت خذ قرضا وإن شئت صلة. فأبى أن يفعل فقلت: تكتب لي بأخذه؟ قال: نعم، فأخرجت دينارا، فأبى أن يأخذه، وقال: اشتر لي ثوبا، واقطعه بنصفين فأومى أنه يأتزر بنصف ويرتدي بالنصف الآخر. وقال : جئني ببقيته، ففعلت وجئت بورق وكاغد، فكتب لي، فهذا خطه

حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، ثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: " دخلت على أبي في أيام الواثق - والله يعلم في أي حالة نحن - وقد خرج لصلاة العصر، وقد كان له لبد يجلس عليها، قد أتت عليه سنون كثيرة حتى قد بلي، فإذا تحته كتاب كاغد، وإذا فيه: بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق، وما عليك من الدين، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك وتوسع بها على عيالك، وما هي من صدقة، ولا زكاة، وإنما هو شيء ورثته من أبي. فقرأت الكتاب، ووضعته فلما دخل قلت: يا أبت ما هذا الكتاب. فاحمر وجهه " وقال: رفعته منك، ثم قال: تذهب بجوابه، فكتب إلى الرجل: وصل كتابك إلي، ونحن في عافية، فأما الدين فإنه لرجل لا يرهقنا، وأما عيالنا فهم في نعمة والحمد لله. «فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل» فقال: ويحك لو أن أبا عبد الله قبل هذا الشيء ورمى به مثلا في الدجلة كان مأجورا؛ لأن هذا رجل لا يعرف له معروف، فلما كان بعد حين، ورد كتاب الرجل بمثل ذلك، فرد عليه الجواب بمثل ما رد، فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت

حدثنا محمد بن جعفر، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا صالح بن أحمد، قال: شهدت ابن الجروي - أخا الحسن - وقد جاءه بعد المغرب فقال: «أنا رجل مشهور وقد أتيتك في هذا الوقت وعندي شيء قد أعددته لك، فأحب أن تقبله، وهو ميراث». فلم يقبل، فلم يزل به. فلما أكثر عليه قام ودخل. قال صالح: فأخبرت عن الحسن، قال: قال لي أخي: " لما رأيته كلما ألححت عليه ازداد بعدا قلت: أخبره كم هي، قلت: يا أبا عبد الله هي ثلاثة آلاف دينار فقام وتركني "

قال 8062 صالح: وقال لي يوما: «أنا إذا لم يكن عندي قطعة أفرح»

حدثنا علي بن أحمد بن أحمد، والحسين بن محمد، قالا: ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قال بوران أبو محمد لأبي: «عندي حق أبعث به إليك». فسكت، فلما عاد إليه أبو محمد قال: يا أبا محمد، لا تبعث بالحق، فقد شغل قلبي علي

قال صالح: «ووجه رجل من الصين إلى جماعة المحدثين فيهم يحيى وغيره ووجه بقمطر إلى أبي فردها»

قال صالح، قال أبي: «جاءني ابن يحيى، وما خرج من خراسان بعد ابن المبارك رجل يشبه يحيى بن يحيى فجاءني ابنه» فقال: إن أبي أوصى بمنطقة له لك وقال: تذكرني بها. فقلت: «جئني بها»، فجاء برزمة ثياب فقال: «اذهب رحمك الله»، فقلت لأبي: بلغني أن أحمد الدورقي أعطى ألف دينار: فقال. " يا بني {ورزق ربك خير وأبقى} [طه: 131] وذكر عنده يوما رجل فقال: «يا بني الفائز من فاز غدا، ولم يكن لأحد عنده تبعة». وذكرت له ابن أبي رسته، وعبد الأعلى النرسي، ومن قدم به إلى العسكر من المحدثين، فقال: «إنما كانت أيام قلائل ثم تلاحقوا، وما تحلوا منها بكثير شيء»

حدثنا أبي، والحسين بن محمد، قالا: ثنا أحمد بن عمر، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: «مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوما ما ذاق إلا مقدار ربع سويق كل ليلة كان يشرب شربة ماء. وفي كل ثلاث ليال يستف حفنة من السويق فرجع إلى البيت ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر، ورأيت موقيه دخلتا في حدقتيه»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد، قال حدثني أبو حفص عمر بن صالح الطرسوسي قال: " وقع من يد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل مقراض في البئر فجاء ساكن له فأخرجه، فلما أن أخرجه ناوله أبو عبد الله مقدار نصف درهم أو أقل أو أكثر فقال: المقراض يسوي قيراطا لا آخذ شيئا. فخرج فلما كان بعد أيام قال له: كم عليك من كراء الحانوت قال: كراء ثلاثة أشهر، وكراؤه في كل شهر ثلاثة دراهم، فضرب على حسابه، وقال: أنت في حل "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، قال: أملى علي عبد الله بن أحمد بن حفصة قال: " نزلنا بمكة دارا، وكان فيها شيخ يكنى بأبي بكر بن سماعة، وكان من أهل مكة، قال: نزل علينا أبو عبد الله في هذه الدار، وأنا غلام، فقال: فقالت لي أمي : الزم هذا الرجل فاخدمه، فإنه رجل صالح. فكنت أخدمه، وكان يخرج يطلب الحديث، فسرق متاعه وقماشه، فجاء، فقالت له أمي: دخل عليك السراق، فسرقوا قماشك، فقال: ما فعلت بالألواح؟ فقالت له أمي: في الطاق. وما سأل عن شيء غيرها "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، قال: سمعت أبا عبد الرحمن، يقول: سمعت القاضي إسماعيل بن إسحاق يقول: سمعت نصر بن علي، يقول: «أحمد بن حنبل أمره بالآخرة كان أفضل؛ لأنه أتته الدنيا فدفعها عنه»

أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، في كتابه قال: حدثني أبو حامد قرابة أسد المعلم قال: قال إبراهيم بن هانئ: اختفى عندي أحمد بن حنبل ثلاثة أيام ثم قال: «اطلب لي موضعا حتى أتحول إليه». قلت: لا آمن عليك يا أبا عبد الله قال: «إذا فعلت أفدتك»، فطلبت له موضعا، فلما خرج قال لي: «اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام، ثم تحول، وليس ينبغي أن نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرخاء ونتركه في الشدة». قال أبو حامد: فحدثت به عبد الله، وصالحا، ابني أحمد فقالا: لم نسمع بهذه الحكاية، وحدثت بها، إسحاق بن إبراهيم بن هانئ فقال: ما حدثني أبي بها

سمعت ظفر بن أحمد، يقول: ثنا أبو سهل بشر بن أحمد الإسفراييني قال: سمعت محمد بن هشام بن سعد، يقول: أخبرني الفتح بن الحجاج، أو غيره، قال: «بعث أمير المؤمنين عشرين حارزا ليحرزوا كم صلى على أحمد بن حنبل فحرزوا ألف ألف وثلاثمائة ألف سوى ما كان في السفر»

سمعت ظفر بن أحمد، يقول حدثني الحسن بن علي، قال حدثني أحمد الوراق، ثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثني محمد بن عباس الشكتي، قال: سمعت الوركاني، يقول «أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرة آلاف من اليهود والنصارى والمجوس». قال: وسمعت الوركاني يقول: «يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف من الناس المسلمين واليهود والنصارى والمجوس»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن محمد بن صدقة، قال: سمعت هلال بن العلاء، يقول: " شيئان لو لم يكونا في الدنيا لاحتاج الناس إليهما: محنة أحمد بن حنبل لولاها لصار الناس جهمية، ومحمد بن إدريس الشافعي؛ فإنه فتح للناس الأقفال "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت عباس بن محمد الدوري، يقول: سمعت يحيى بن معين، يقول: «ما رأيت مثل أحمد بن حنبل؛ صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الصلاح والخير»

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: «كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وكان قرب الثمانين»

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد، قال: «كان أبي يقرأ في كل يوم سبعا يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال، سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلى عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو»

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا زكريا الساجي، حدثني محمد بن عبد الرحيم بن صالح الأزدي، حدثني إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: «دفع إلي المأمون مالا أقسمه على أصحاب الحديث؛ فإن فيهم ضعفاء، فما بقي منهم أحد إلا أخذ، إلا أحمد بن حنبل فإنه أبى»

حدثنا الحسين بن محمد، قال: سمعت شاكر بن جعفر، يقول: سمعت ابن محمد بن يعقوب، يقول: جاءه يوما رسول من داره - يعني أحمد بن حنبل - يذكر له أن أبا عبد الرحمن عليل واشتهى الزبد، فناول رجلا من أصحابه قطعة، وقال: «اشتر له بها زبدا»، فجاء به على ورق سلق، فلما أن نظر إليه قال: «من أين هذا الورق؟» قال: أخذته من عند البقال. فقال: «استأذنته في ذلك؟» قال: لا، قال: «رده»

حدثنا محمد بن جعفر، ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، ثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: كان أبي إذا دعا له رجل يقول: «ليس يحرز المؤمن إلا حفرته، الأعمال بخواتيمها». وكنت أسمعه كثيرا يقول: «اللهم سلم سلم»

حدثنا محمد بن جعفر، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا صالح بن أحمد، قال: " كان رجل يختلف مع خلف المخرمي إلى عفان، يقال له أحمد بن الحكيم العطار، فختن بعض ولده، فدعا يحيى وأبا خيثمة، وجماعة من أصحاب الحديث، وطلب أبي أن يحضر، فمضوا، ومضى أبي بعدهم، وأنا معه، فلما دخل أجلس في بيت، ومعه جماعة من أصحاب الحديث ممن كان يختلف معه إلى عفان، فكان فيهم رجل يكنى بأبي بكر، يعرف بالأحول، فقال له: يا أبا عبد الله هاهنا آنية الفضة، فالتفت فإذا كرسي، فقام وخرج، وتبعه من كان في البيت، وسأل من كان في الدار عن خروجه، فأخبروا فتبعه منهم جماعة، وأخبر الرجل، فخرج، فلحق أبي فحلف له أنه ما علم بذلك، ولا أمر به. وجاء يطلب إليه، فأبى، وجاء الرجل عفان: فقال له الرجل: يا أبا عثمان اطلب إلى أبي عبد الله يرجع، فكلمه عفان، فأبى أن يرجع، ونزل بالرجل أمر عظيم "

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا أبو حفص عمر بن صالح الطرسوسي قال: ذهبت أنا ويحيى الجلاء، وكان يقال إنه من الأبدال، إلى أبي عبد الله فسألته، وكان إلى جنبه بوران، وزهير، وهارون الجمال، فقلت: رحمك الله يا أبا عبد الله، بم تلين القلوب؟ فأبصر إلى أصحابه، فغمزهم بعينه، ثم أطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: «يا بني بأكل الحلال». فمررت كما أنا إلى أبي نصر بشر بن الحارث، فقلت له: يا أبا نصر، بم تلين القلوب قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28] قلت: فإني جئت من عند أبي عبد الله فقال: هيه إيش قال لك أبو عبد الله؟ قلت «بأكل الحلال». فقال: جاء بالأصل. فمررت إلى عبد الوهاب بن أبي الحسن فقلت: يا أبا الحسن بم تلين القلوب؟ قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28] قلت: فإني جئت من عند أبي عبد الله. فاحمرت وجنتاه من الفرح وقال لي: أيش قال أبو عبد الله. فقلت: قال: «بأكل الحلال». فقال: جاءك بالجوهر. جاءك بالجوهر. الأصل كما قال. الأصل كما قال

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: «خرج أبي إلى طرسوس ماشيا، وخرج إلى اليمن ماشيا، وحج خمس حجج؛ ثلاثة منها ماشيا، ولا يمكن لأحد أن يقول رأى أبي في هذه النواحي يوما إلا إذا خرج إلى الجمعة، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبشر رحمه الله، فيما كان فيه، لم يكن يصبر على الوحدة، فكان يخرج إلى ذا ساعة، وإلى ذا ساعة»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، قال: سئل عبد الله بن أحمد: عقل أبوك عند المعاينة فقال: «نعم، كنا نوصيه، فكان يشير بيده»، فقال صالح: إيش يقول: فقلت: أهو ذا يقول: «خللوا أصابعي فخللنا أصابعه، ثم ترك الإشارة فمات من ساعته»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا عبد الله، قال: قال لي أبي رحمه الله في مرضه الذي توفي فيه، وذكر في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين -: «أخرج كتاب عبد الله بن إدريس»، فأخرجت الكتاب، فقال: «أخرج أحاديث ليث»، قال: قلت لطلحة: إن طاوسا كان يكره الأنين في المرض. فما سمع له أنين حتى مات رحمه الله، فقرأت الحديث على أبي فما سمعت أبي أن في مرضه ذلك إلى أن توفي رحمه الله

حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، ثنا محمد بن عمرويه، قال: قال لي عبد الله بن أحمد بن حنبل: " حضرت أبي الوفاة فجلست عنده، وبيدي الخرقة، وهو في النزع؛ لأشد لحييه، فكان يغرق حتى نظن أن قد قضي، ثم يفيق، ويقول: لا بعد لا بعد بيده، ففعل هذا مرة، وثانية، فلما كان في الثالثة قلت له: يا أبت، إيش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت فقال لي: يا بني ما تدري، فقلت: لا فقال: إبليس لعنه الله، قام بحذائي عاضا على أنامله يقول: يا أحمد فتني، وأنا أقول: لا بعد. حتى أموت "

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: «رأيت أبي حرج على النمل أن يخرجن من داره، ثم رأيت النمل قد خرجن بعد ذلك نملا سوداء، فلم أرهم بعد ذلك»

«ورأيت أبي آخذا شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء، ثم يشربه، ثم يستشفي بها. ورأيته قد أخذ قصعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فغسلها في جب الماء، ثم شرب فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه»

قال: وسمعت أبي وذكر عنده الفقر فقال: «الفقر مع الخير»

وسمعته يقول: «وددت أني نجوت من هذا الأمر كفافا لا علي ولا لي»

وسمعته يقول: «تمنيت الموت، وهذا أمر أشد علي من ذلك فتنة الدين، الضرب والحبس كنت أحمله في نفسي، وهذا فتنة الدنيا»

حدثنا سليمان بن أحمد، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: «كنت جالسا عند أبي رحمه الله يوما فنظر إلى رجلي وهما لينتان ليس فيهما شقاق»، فقال لي: ما هذان الرجلان، لم لا تمشي حافيا حتى تصير رجلين خشنتين. قال عبد الله: «وخرج إلى طرسوس ماشيا على قدميه» قال عبد الله: «وكان أبي أصبر الناس على الوحدة لم يره أحد إلا في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض، وكان يكره المشي في الأسواق»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: لما قدم ابن حنبل مكة من عند عبد الرزاق رأيت به شحوبا، وقد تبين عليه أثر النصب والتعب، فقلت: يا أبا عبد الله، لقد شققت على نفسك في خروجك إلى عبد الرزاق. فقال: «ما أهون المشقة فيما استفدنا من عبد الرزاق، كتبنا عنه حديث الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وحديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد، قال: سمعت عبد الله بن أحمد، يقول: قال أبي رحمه الله «ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه شيئا إلا المجلس الأول، وذلك أنا دخلنا بالليل فوجدناه في موضع جالسا، فأملى علينا سبعين حديثا» ثم التفت إلى القوم فقال: لولا هذا ما حدثتكم - يعني أبي - وجالس عبد الرزاق معمرا تسع سنين، فكان يكتب عنه كل شيء يقول، قال عبد الله: وكل من سمع من عبد الرزاق، بعد الثمانين فسماعه ضعيف، وسمع منه أبي قديما

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني عثمان بن يحيى القرقساني، قال: " كنا عند سفيان بن عيينة، وكان في مجلسه زحمة شديدة فغشي على أحمد بن حنبل، وكان أصابه حر الزحمة، فقال رجل من أهل المجلس يقال له زكريا، وكان يخدم سفيان، ويحمله إلى المجلس، فقال لسفيان: تحدث وقد مات خير الناس أحمد بن حنبل، فقال: هات ماء فأخرج من منزل سفيان كوز ماء فقال: صبوه على أحمد، فلما أحس ببرودة الماء كشف عن وجهه، واتقى الماء بيده، وأفاق، وقطع سفيان الحديث وقام "

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: كتب إلي الفتح بن خشرف يذكر أنه سمع موسى بن حزام الترمذي - بترمذ - يقول: «كنت أختلف إلى أبي سليمان الجرجاني في كتب محمد بن الحسن، فاستقبلني أحمد بن حنبل عند الجسر»، فقال لي: إلى أين؟ فقلت: «إلى أبي سليمان». فقال: العجب منكم تركتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وأقبلتم على ثلاثة، إلى أبي حنيفة، فقلت: «كيف يا أبا عبد الله؟» قال يزيد بن هارون - بواسط - يقول: حدثنا حميد. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقول: حدثنا محمد بن الحسن عن يعقوب، عن أبي حنيفة، قال: موسى بن حزام: «فوقع في قلبي قوله فاكتريت زورقا من ساعتي فانحدرت إلى واسط فسمعت من يزيد بن هارون»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: أملى علي أبو العباس، محدثا قال: سمعت أبا داود، يقول: " رأيت في المنام كأن رجلا خرج من المقصورة - يعني مسجد طرسوس - فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي أحمد بن حنبل ورجل آخر نسيته. قال أبو داود: نسيته، وكان خضرا، ففسره على أبي داود إنسان كان بطرسوس فقال الخضر: مالك "

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن محمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبو نصر: سمعت عبد بن حميد يقول: " كنا في مسجد - أظنه ببغداد - وأصحاب الحديث يتذاكرون وأحمد يومئذ شاب إلا أنه المنظور إليه من بينهم، فجاء أبو سعيد - شيخ عندنا بلخي - فدنا من أبي عبد الله، فسأله عن شيء، فأجابه فقلب الشيخ عليه الكلام، وكان أحمد قليل الكلام فلا يرد إلا أنه قال بيده اليمنى هكذا - أي تنح - ففطن بعض أصحابه أنه سأله عما لا يعنيه، فأقبل أحمد على أبي سعيد البلخي، فقال: يا هذا إنما مجلسنا مجلس مذاكرة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث أصحابه، فأما الذي تريد أنت فعليك بابن أبي دؤاد "

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أبو الأسود عبد الرحمن بن الفيض، قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن الحسن، يقول: أدخل أحمد بن حنبل على الخليفة - وكانوا هولوا عليه، وقد كان ضرب عنق رجلين - فنظر أحمد إلى أبي عبد الرحمن الشافعي، فقال: «أي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح؟» فقال ابن أبي دؤاد انظروا رجلا هو ذا يقدم لضرب عنقه يناظر في الفقه

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أحمد بن ثابت بن شبويه، " فضيلة على أحمد بن حنبل، للجهاد وفكاك الأسارى، ولزوم الثغور، فسألت أخي عبد الله بن أحمد أيهما كان أرجح في نفسك؟ فقال أبو عبد الله: أحمد بن حنبل فلم أقنع بقوله وأبيت إلا العجب بأبي أحمد بن شبويه، فأريت بعد سنة في منامي كأن شيخا حوله الناس يسمعون منه ويسألون فقعدت إليه فلما قام تبعته فقلت: أبا عبد الله أخبرني أحمد بن حنبل بن محمد بن حنبل، وأحمد بن شبويه أيهما عندك أفضل وأعلى؟ فقال: سبحان الله: إن أحمد بن حنبل ابتلي فصبر وإن أحمد بن شبويه عوفي، المبتلى الصابر كالمعافى؟ هيهات ما أبعد ما بينهما "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا الهيثم بن خلف، ثنا العباس بن محمد الدوري، حدثني علي بن أبي حرارة - جار لنا - قال: " كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت لي يوما: اذهب إلى أحمد بن حنبل فاسأله أن يدعو الله لي، فسرت إليه، فدققت عليه الباب، وهو في دهليزه فلم يفتح لي وقال: من هذا؟ فقلت: أنا رجل من أهل ذاك الجانب، سألتني أمي وهي زمنة مقعدة أن أسألك أن تدعو الله لها فسمعت كلامه كلام رجل مغضب، فقال: نحن أحوج إلى أن تدعو الله لنا. فوليت منصرفا فخرجت امرأة عجوز من داره، فقالت: أنت الذي كلمت أبا عبد الله؟ قلت: نعم، قالت: قد تركته يدعو الله لها. قال: فجئت من فوري إلى البيت، فدققت الباب فخرجت أمي على رجليها تمشي حتى فتحت الباب، فقالت: قد وهب الله لي العافية "

حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت يعقوب بن يوسف، يقول: سمعت محمد بن عبيدة، يقول: قال صدقة: " رأيت في النوم كأنا بعرفة وكأن الناس ينتظرون الصلاة، فقلت: ما لهم لا يصلون؟ قالوا: ينتظرون الإمام، فجاء أحمد بن حنبل فصلى بالناس "، قال محمد: " وكان صدقة يذهب إلى رأي الكوفيين، فكان بعد ذلك إذا سئل عن شيء قال: سلوا الإمام "

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا عبد الله بن إسحاق المدائني، ثنا محمد بن حرب، ثنا عبيد بن محمد، ثنا عمار، قال: " رأيت الخضر عليه السلام في المنام فسألته قلت: أخبرني عن أحمد بن محمد بن حنبل، قال: صديق "

حدثنا ظفر بن أحمد، ثنا عبد الله بن إبراهيم الحريري، قال أبو جعفر محمد بن صالح يعني ابن ذريح قال بلال الخواص: " رأيت الخضر عليه السلام في النوم فقلت له: ما تقول في بشر؟ قال: لم يخلف بعده مثله. قلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: صديق، قلت: ما تقول في أبي ثور؟ قال: رجل طالب حق، قلت: فأنا بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك بأمك "

حدثنا ظفر بن أحمد، ثنا عبد الله بن القاسم القرشي، ثنا محمد بن إسحاق القاشاني ثنا إسحاق بن حكيم قال: "رأيت أحمد بن حنبل في المنام فإذا بين كتفيه سطران مكتوبان من نور كأنهما بحبر {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} [البقرة: 137]"

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا عبد الله بن إسحاق المدائني، قال: سمعت أبي يقول: " رأيت في المنام كأن الحجر قد انصدع وخرج منه لواء فقلت: ما هذا؟ فقيل: أحمد بن حنبل بايع الله عز وجل، وقيل إنه كان في اليوم الذي ضرب فيه "

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا عبد الله بن أبي داود، ثنا علي بن سهيل السجستاني، - وكان مرجئا - فجعلت أقول له ارجع عن هذا، فقال: «أنا لم أرجع عن قول أحمد بن حنبل بقولك» فقلت له: أرأيت أحمد؟ قال: «نعم رأيته في المنام». قلت: كيف رأيت؟ قال: " رأيت كأن القيامة قد قامت وكأن الناس جاءوا إلى موضع عنده قنطرة لا تترك أحدا يجوز حتى يجيء بخاتم ورجل ناحية يختم الناس ويعطيهم، فمن جاء بخاتم جاز، فقلت: من هذا الذي يعطي الناس الخواتم؟ فقالوا: هذا أحمد بن حنبل رحمه الله "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن الفضل السقطي، ح وحدثنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر، قالا: ثنا سلمة بن شبيب، قال: " كنا في أيام المعتصم يوما جلوسا عند أحمد بن حنبل، فدخل رجل، فقال: من منكم أحمد بن حنبل فسكتنا فلم نقل له شيئا، فقال أحمد بن حنبل: ها أنا أحمد، فما حاجتك؟ قال: جئتك من أربعمائة فرسخ برا وبحرا، كنت ليلة جمعة نائما فأتاني آت، فقال: أتعرف أحمد بن حنبل؟ قلت: لا، قال: فأت بغداد وسل عنه فإذا رأيته، فقل له: إن الخضر يقرئك السلام، ويقول لك إن ساكن السماء الذي على عرشه راض عنك، والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك لله. زاد ابن بحر في حديثه فقال له أحمد: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ألك حاجة غير هذه؟ قال: ما جئتك إلا لهذا فتركه وانصرف "

قال الشيخ رحمة الله تعالى عليه: حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، ثنا حمزة بن الحسين، قال: سمعت أحمد بن الجلد الدعا، يقول: " اليوم الذي مات فيه أحمد بن حنبل كان يوم الجمعة، فانصرفت فلما أردت أن أنام قلت: اللهم أرنيه هذه الليلة في منامي، فرأيته كأنه بين السماء والأرض على نجيب من نور وبيده خطام من نور فضربت بيدي الخطام، فأخذته فقال: أقر ليس الخبر كالمعاينة فتركته وانتبهت "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن علي الأبار، حدثني حبيش بن الورد، قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا نبي الله ما بال أحمد بن حنبل. فقال: سيأتيك موسى عليه السلام فاسأله فإذا أنا بموسى، عليه السلام فقلت: يا نبي الله ما بال أحمد بن حنبل؟ فقال: أحمد بن حنبل بلي في السراء والضراء فوجد صديقا فألحق بالصديقين "

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: قرأت على مسلم بن حاتم العكلي، ثنا إبراهيم بن جعفر المروزي، قال: " رأيت أحمد بن حنبل في المنام يمشي مشية يختال فيها، فقلت: ما هذه المشية يا أبا عبد الله؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام "

حدثنا أبو نصر الصوفي الحنبلي، ثنا عبد الله بن أحمد النهرواني، ثنا أبو القاسم عبد الله بن القاسم القرشي، قال: سمعت المروزي، يقول: " رأيت أحمد بن حنبل في المنام وعليه حلتان خضراوتان وفي رجليه نعلان من الذهب الأحمر شراكهما من الزمرد الأخضر وعلى رأسه تاج من النور مرصع بالجوهر، وإذا هو يخطر في مشيته، فقلت له: حبيبي يا أبا عبد الله تمشي مشية تختال فيها، فقلت: ما هذه المشية يا أبا عبد الله؟ قال: قال: هذه مشية الخدام في دار السلام "

حدثنا أبو نصر الصوفي الحنبلي، ثنا عبد الله بن أحمد النهرواني، ثنا أبو القاسم عبد الله بن القاسم القرشي، قال: سمعت المروزي، يقول: " رأيت أحمد بن حنبل في المنام وعليه حلتان خضراوتان وفي رجليه نعلان من الذهب الأحمر شراكهما من الزمرد الأخضر وعلى رأسه تاج من النور مرصع بالجوهر وإذا هو يخطر في مشيته، فقلت له: حبيبي يا أبا عبد الله ما هذه المشية التي لا أعرفها لك؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام. فقلت: حبيبي يا أبا عبد الله، ما هذا التاج الذي أراه على رأسك؟ قال: إن الله عز وجل غفر لي وأدخلني الجنة وحباني وكساني وتوجني بيده وأباحني النظر إليه، وقال لي: يا أحمد فعلت بك هذا لقولك القرآن كلامي غير مخلوق "

أخبرني محمد بن عبد الله الرازي، في كتابه قال: سمعت أبا القاسم أحمد بن محمد بن السائح، حدثني أبو عبد الله عبد الله بن خزيمة - بالإسكندرية - قال: " لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غما شديدا فبت من ليلتي فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت له: يا أبا عبد الله أي مشية هذه؟ قال: مشية الخدام في دار السلام. قال: قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد، هذا بقولك القرآن كلامي غير مخلوق. ثم قال: يا أحمد: ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري كنت تدعو بها في دار الدنيا. قال فقلت: يا رب كل شيء بقدرتك فبقدرتك على كل شيء لا تسألني عن شيء واغفر لي كل شيء، فقال: يا أحمد هذه الجنة، فقم فادخل إليها فدخلت فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة، وهو يقول: {الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين} قال: فقلت: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحر من نور في زلالة من نور يزور ربه الملك الغفور. فقلت له: ما فعل ببشر، قال لي: بخ بخ ومن مثل بشر، تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل جل جلاله مقبل عليه وهو يقول: كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم ينعم، أو كما قال "

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن عمر، حدثني نصر بن خزيمة، قال: ذكر ابن مجمع بن مسلم، قال: " كان لنا جار قتل بقزوين، فلما كان الليلة التي مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه في صبيحتها، فقال: إني رأيت رؤيا عجيبة، رأيت أخي الليلة في أحسن صورة راكبا على فرس فقلت له: يا أخي، أليس قد قتلت بقزوين؟ قال: إن الله عز وجل أمر الشهداء وأهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل، فكنت فيمن أمر بالحضور، فأرخنا تلك الليلة فإذا أحمد بن حنبل مات فيها "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا نصر، قال ذكر ابن مجمع، عن حجاج بن يوسف، قال: " رأيت عمي في النوم وقد كان كتب عن هشيم، فسألته عن أحمد بن حنبل، فقال: ذاك من أصحاب عمر بن الخطاب "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا نصر، قال: ذكر ابن مجمع، عن أبي القاسم الأحول، ثنا يعقوب بن عبد الله، قال: " رأيت سريا السقطي في النوم، فقلت: ما فعل الله بك، قال: أباحني النظر إلى وجهه. فقلت: ما فعل بأحمد بن حنبل وأحمد بن نصر؟ فقال: شغلا بأكل الثمار في الجنة "

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا أبو بكر محمد بن علي بن بحر، قال: سمعت أبا عبد الرحمن بن الصباح، قال: " رأيت في المنام كأني على شيء مرتفع وكان بين يدي رجلان يبكيان إذ سمعت أحدهما، يقول لصاحبه: قد أخذ صاحب ابن عمر بهجر وقال الآخر: إنهم لا يجترئون عليه، إذ أقبل رجل من بعيد مخضوب الرأس واللحية، فقال أحدهما لصاحبه: هذا جليس ابن عمر حتى نسأله، فلما دنا الرجل فإذا هو أحمد بن حنبل قال: فالتفت يساري في الموضع المرتفع، فإذا أنا بابن عمر واقف ينفض لحيته وهو مصفر اللحية فسمعته يقول: أبناء الأنجاس، وأبناء الأرجاس ما لهم ولهذا وما كلامهم في هذا، لا يقوون عليه، ثم انتبهت، وقال: رأيت هذه الرؤيا قبل أن رأيت أحمد بن حنبل، ثم رأيت أحمد بن حنبل بعد، فكان كما رأيته في المنام مستويا "

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا أبو بكر بن يحيى، ثنا محمد بن الهيثم بن علي القسوري، قال: " لما أن قدم حمدون البردعي على أبي زرعة لكتابة الحديث دخل ورأى في داره أواني وفرشا كثيرة، قال: وكان ذلك لأخيه، فهم أن يرجع ولا يكتب عنه، فلما كان من الليل رأى كأنه على شط بركة ورأى ظل شخص في الماء، فقال: أنت الذي زهدت في أبي زرعة، أعلمت أن أحمد بن حنبل كان من الأبدال؟ فلما أن مات أحمد بن حنبل أبدل الله مكانه أبا زرعة "

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا نصر بن خزيمة، قال ذكر ابن مجمع عن عبد الرزاق، حدثني عمار، وكان رجلا صالحا ورعا قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله ادع الله لي بالمغفرة، فدعا لي، فلما كان بعد ذلك رأيت الخضر عليه السلام في النوم فقلت له : أخبرني عن بشر بن الحارث، قال: مات يوم مات وما على الأرض أتقى لله منه. قلت: أحمد بن حنبل. قال: ذاك صديق. قلت: حسين الكرابيسي. فغلظ فيه حتى كاد أن يخرجه من الإسلام. قلت: أخبرني عن القرآن، قال: كلام الله وليس بمخلوق. قال قلت: أخبرني عن النبيذ، قال: انه الناس عنه. قال: قلت: لا يقبلون. قال: من قبل فقد قبل ومن لم يقبل فدعه "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا نصر بن خزيمة، ثنا محمد بن بشر بن مطر، أخو خطاب قال: سمعت عبد الرزاق، يقول: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت له: ما تقول في بشر بن الحارث. فقال: كان خير أهل زمانه، قلت: فأحمد بن حنبل، قال: ذا صديق "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، حدثني نصر بن خزيمة، قال: ذكر ابن مجمع عن عبد الرزاق، قال: " رأيت أحمد بن حنبل في النوم، وهو في الجنة، فسألته عن بشر بن الحارث، فقال: ذاك من أهل عليين "

قال نصر: وذكر ابن مجمع عن أبي بكر بن حماد المقري، قال: " كنت نائما في مسجد الخيف فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ما فعل بشر بن الحارث، فقال لي: أنزل في وسط الجنة. فقلت: يا رسول الله فأحمد بن حنبل، قال: أما حدث عبد الله بن عمر أن الله إذا أدخل أهل الذكر الجنة ضحك إليهم "

حدثنا أبي، ثنا نصر، حدثني محمد بن مخلد، ثنا أحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي، قال: سمعت إبراهيم بن حرزان، قال: " رأى جار لنا رؤيا كأن ملكا نزل من السماء ومعه سبعة تيجان فأول من توج من الدنيا أحمد بن حنبل ثم بدأ بصدقة فتوجه، قال لي أحمد: فحدثت بالرؤيا صدقة بن إبراهيم فقص علي رؤيا فقال: رأى صاحب الرؤيا كأن النبي صلى الله عليه وسلم واقف عند الجسر الثاني وأول من صافحه وعانقه أحمد بن حنبل "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا نصر بن مخلد، ثنا محمد بن الحسين بن أبي عبد الرحمن بن القاسم الأنماطي، عن أحمد بن عمر بن يونس، ثنا شيخ، رأيته بمكة يكنى أبا عبد الله من أهل سجستان ذكر له عنه فضلا ودينا قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله، من تركت لنا في عصرنا هذا من أمتك نقتدي به في ديننا؟ قال: عليكم بأحمد بن حنبل "

أخبرنا محمد بن أحمد بن حمويه العسكري، وحدثني عنه الحسين بن محمد، ثنا أحمد بن علي بن سعيد، قاضي حمص، ثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، ثنا يحيى بن أيوب المقدسي، قال: «رأيت كأن النبي صلى الله عليه وسلم نائم وعليه ثوب مغطى وأحمد ويحيى يذبان عنه»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد، قال: كتب إلي أبو نصر الفتح بن شخرف بخط يده، قال: قال أبو حطيط - رجل قد سماه من أهل الفضل من أهل خراسان - قال: حبس أحمد بن حنبل، وبعض أصحابه في المحنة قبل أن يضرب، قال أحمد بن حنبل: «لما كان الليل نام من كان معي من أصحابي، وأنا متفكر في أمري، فإذا أنا برجل طويل يتخطى الناس حتى دنا مني»، فقال: أنت أحمد بن حنبل؟ فسكت، فقالها ثانية فسكت، فقال في الثالثة: أنت أبو عبد الله أحمد بن حنبل؟ قلت: «نعم»، قال: اصبر ولك الجنة، قال أبو عبد الله: «فلما مسني حر السوط ذكرت قول الرجل»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن علي الأبار، حدثني يعقوب أبو يوسف ابن أخي معروف الكرخي، قال: " بينما أنا نائم في أيام المحنة، إذ دخل رجل عليه جبة صوف بلا كمين فقلت له: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، فقلت: أنت موسى بن عمران الذي كلمك الله وما بينك وبينه ترجمان، فبينما أنا كذلك إذ هبط علينا رجل من السقف عليه حلتان جعد الشعر فقلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم، ثم قال موسى: أنا موسى بن عمران الذي كلمني الله وما بيني وبينه ترجمان، وهذا عيسى ابن مريم، ونبيكم صلى الله عليه وسلم وأحمد بن حنبل وحملة العرش وجميع الملائكة يشهدون أن القرآن كلام الله غير مخلوق "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبدوس بن كامل، ثنا محمد بن الفرج أبو جعفر، جار أحمد بن حنبل، قال: " لما نزل بأحمد بن حنبل ما نزل من الحبس والظلم والضرب دخلت علي من ذلك مصيبة فأتيت في منامي فقيل لي: أما ترضى أن يكون أحمد بن حنبل عند الله تعالى بمنزلة أبي السواد العدوي أو لست تروي خبر أبي السواد؟ قلت: بلى، قال: فإنه عند الله بتلك المنزلة "

قال أبو جعفر محمد بن الفرج: وحدثنا علي بن أبي عاصم، عن بسطام بن مسلم، عن الحسن بن أبي الحسن قال: دعا بعض مترفي هذه الأمة أبا السواد العدوي فسأله عن شيء من أمر دينه فأجابه بما يعلم، فلم يوافقه على ذلك، فقال: وإلا فأنت بريء من الإسلام، قال: «فإلى أي دين أفر؟» قال: وإلا فامرأته طالق، قال: «فإلى من آوي بالليل»، فضربه أربعين سوطا، فقال: «والله لا تذهب أسواطه عند الله» قال أبو جعفر محمد بن الفرج فأتيت أبا عبد الله فأخبرته بذلك فسر به

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو معمر القطيعي، قال: " لما حضرنا في دار السلطان أيام المحنة، وكان أبو عبد الله أحمد بن حنبل، قد أحضر، فلما رأى الناس يجيئون انتفخت أوداجه واحمرت عيناه وذهب ذلك اللين الذي كان فيه، قلت: إنه قد غضب لله ". قال أبو معمر: " فلما رأيت ما به قلت: يا أبا عبد الله أبشر "

وقد حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: «كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من إذا أريد على شيء من دينه رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون»

حدثنا الحسين بن محمد، ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو عبد الله السلال قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن نوح، قال: قلت لأبي عبد الله: إن رأيتني ضعفت أو خذلت فلا تضعف، فلست أنت كأنا، فقال لي: " أبشر فإنك على إحدى ثلاث: إما أن لا تراه ولا يراك، وإما رأيته فكذبته فقتلك فكنت من أفضل الشهداء، وإما رأيته فصدقته فحال الله بينك وبينه "

أخبرنا عبد الله بن جعفر، وحدثني عنه الحسين بن محمد، ثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الله، قال: قال أحمد بن غسان: حملت أنا وأحمد بن حنبل في محمل على جمل يراد بنا المأمون، فلما صرنا قريب عانة قال لي أحمد: «قلبي يحس أن رجاء الحصار يأتي في هذه الليلة فإن أتى وأنا نائم فأيقظني وإن أتى وأنت نائم أيقظتك». فبينما نحن نسير إذ قرع المحمل قارع فأشرف أحمد، فإذا برجل يعرفه بالصفة وكان لا يأوي المدائن والقرى وعليه عباءة قد شدها على عنقه، فقال: يا أبا عبد الله إن الله قد رضيك له وافدا فانظر لا يكون وفودك على المسلمين وفودا مشئوما، واعلم أن الناس إنما ينتظرونك لأن تقول فيقولوا، واعلم أنما هو الموت والجنة. فلما أشرفنا على البذيذون قال لي: " يا أحمد بن غسان إني موصيك بوصية فاحفظها عني: راقب الله في السراء والضراء واشكره على الشدة والرخاء، وإن دعانا هذا الرجل أن نقول القرآن مخلوق فلا تقل، وإن أنا قلت فلا تركن إلي وتأول قول الله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} [هود: 113] "، فتعجبت من حداثة سنه وثبات قلبه. فلم يكن بأسرع أن خرج خادم وهو يمسح عن وجهه بكمه وهو يقول: عز علي يا أبا عبد الله أن جرد أمير المؤمنين سيفا لم يجرده قط، وبسط نطعا لم يبسطه قط، ثم قال: وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رفعت عن أحمد وصاحبه حتى يقولا القرآن مخلوق، قال: فنظرت إلى أحمد وقد برك على ركبتيه ولحظ السماء بعينيه ثم قال: «سيدي غر هذا الفاجر حلمك حتى يتجرأ على أوليائك بالقتل والضرب، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته». قال: فوالله ما مضى الثلث الأول من الليل إلا ونحن بصيحة وضجة وإذا رجاء الحصار قد أقبل علينا فقال: صدقت يا أبا عبد الله القرآن كلام الله غير مخلوق. قد مات والله أمير المؤمنين

حدثنا الحسين بن محمد بن إبراهيم القاضي الإيذجي بها، حدثني أبو عبد الله الجوهري، ثنا يوسف بن يعقوب بن الفرج، قال: سمعت علي بن محمد القرشي، قال: لما قدم أحمد بن حنبل ليضرب بالسياط أيام المحنة وجرد وبقي في سراويله فبينما هو يضرب إذ انحل السراويل فجعل يحرك شفتيه بشيء فرأيت يدين خرجا من تحته وهو يضرب فشدا السراويل قال: فلما فرغوا من الضرب قلنا له: ما كنت تقول حين انحل السراويل؟ قال: قلت: «يا من لا يعلم العرش منه أين هو إلا هو إن كنت أنا على الحق فلا تبد عورتي، فهذا الذي قلت»

حدثنا محمد بن جعفر، وعلي بن أحمد، قالا: ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، ثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: " لما دخلنا على إسحاق بن إبراهيم قرئ علينا كتابه الذي كان صار إلى طرسوس فكان فيما قرئ علينا: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] وهو خالق كل شيء فقلت: {وهو السميع البصير} [الشورى: 11] فقال بعض من حضر سله ما أراد بقوله: {وهو السميع البصير} [الشورى: 11] " فقال أبي رحمه الله فقلت: «كما قال الله تعالى». قال صالح: ثم امتحن القوم فوجه بمن امتنع إلى الحبس فأجاب القوم جميعا غير أربعة: أبي ومحمد بن نوح، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد سجادة، ثم أجاب عبيد الله بن عمر والحسن بن حماد وبقي أبي ومحمد بن نوح في الحبس، فمكثا أياما في الحبس، ثم ورد الكتاب من طرسوس بحملنا فحمل أبي ومحمد بن نوح مقيدين زميلين وأخرجا من بغداد، فسرنا معهما إلى الأنبار فسأل أبو بكر الأحول أبي فقال: يا أبا عبد الله إن عرضت على السيف تجيب؟ فقال: «لا»، قال أبي: فانطلق بنا حتى نزلنا الرحبة، فلما رحلنا منها - وذلك في جوف الليل - وخرجنا من الرحبة عرض لنا رجل فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا. فسلم على أبي ثم قال له: يا هذا ما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة هاهنا، ثم سلم وانصرف. فقلت: من هذا؟ فقالوا: " هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشعر في البادية يقال له جابر بن عامر، فلما صرنا إلى أذنة ورحلنا منها - وذلك في جوف الليل - فتح لنا بابها فلقينا رجل ونحن خارجون من الباب وهو داخل، فقال: البشرى، قد مات الرجل "، قال أبي: «وكنت أدعو الله أن لا أراه»، قال أبو الفضل صالح: فصار أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس وجاء - يعني المأمون - من البذيذون ورفدوا في أقيادهما إلى الرقة في سفينة مع قوم محتبسين، فلما صارا بعمان توفي محمد بن نوح رحمه الله فتقدم أبي فصلى عليه ثم صار إلى بغداد وهو مقيد فمكث بالياسرية أياما ثم صير إلى الحبس في دار اكتريت له عند دار عمارة، ثم نقل بعد ذلك إلى حبس العامة في درب الموصلية ومكث في السجن منذ أخذ وحمل إلى أن ضرب، وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرا، قال أبي: «فكنت أصلي بهم وأنا مقيد، وكنت أرى بوران يحمل له في زورق ماء بارد فيذهب به إلى السجن»

حدثنا محمد بن جعفر، وعلي بن أحمد، والحسين بن محمد، قالوا: ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن حنبل، قال أبي: لما كان في شهر رمضان لليلة سبع عشرة خلت منه حولت من السجن إلى دار إسحاق بن إبراهيم، وأنا مقيد بقيد واحد يوجه إلي في كل يوم رجلان سماهما أبي، قال أبو الفضل: وهما أحمد بن رباح، وأبو شعيب الحجاج، يكلماني ويناظراني فإذا أرادا الانصراف دعوا بقيد فقيدت به، فمكثت على هذه الحال ثلاثة أيام فصار في رجلي أربعة أقياد، فقال لي أحدهما في بعض الأيام في كلام دار بيننا وسألته عن علم الله فقال: علم الله مخلوق. فقلت له: يا كافر كفرت، فقال لي الرسول الذي كان يحضر معهم من قبل إسحاق: هذا رسول أمير المؤمنين قال: فقلت له: إن هذا زعم أن علم الله مخلوق، فنظر إليه كالمنكر عليه ما قال ثم انصرفا. قال أبي: وأسماء الله في القرآن والقرآن من علم الله فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، ومن زعم أن أسماء الله مخلوقة فقد كفر. قال أبي رحمه الله: فلما كانت ليلة الرابعة بعد العشاء الآخرة وجه المعتصم بنا إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي يأمره بحملي فأدخلت على إسحاق، فقال لي: يا أحمد إنها والله نفسك إنه حلف أن لا يقتلك بالسيف وأن يضربك ضربا بعد ضرب وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس، أليس قد قال الله عز وجل: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} [الزخرف: 3] فيكون مجعولا إلا مخلوق؟ قال أبي: فقلت له: قد قال: {فجعلهم كعصف مأكول} [الفيل: 5] أفخلقهم؟، فقال: اذهبوا به، قال أبي: فأنزلت إلى شاطئ دجلة فأحدرت إلى الموضع المعروف بباب البستان ومعي بغا الكبير ورسول من قبل إسحاق. قال: فقال بغا لمحمد المحاربي بالفارسية: ما تريدون من هذا الرجل؟ قال: يريدون منه أن يقول: القرآن مخلوق. فقال: ما أعرف شيئا من هذه الأقوال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقرابة أمير المؤمنين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبي: فلما صرنا إلى الشط أخرجت من الزورق فجعلت أكاد أخر على وجهي حتى انتهي بي إلى الدار فأدخلت، ثم عرج بي إلى الحجرة فصيرت في بيت منها وأغلق علي الباب وأقعد عليه رجل وذلك في جوف الليل وليس في البيت سراج، فاحتجت إلى الوضوء فمددت يدي أطلب شيئا فإذا أنا بإناء فيه ماء وطشت، فتهيأت للصلاة وقمت أصلي، فلما أصبحت جاءني الرسول فأخذ بيدي فأدخلني الدار، وإذا هو جالس وابن أبي دؤاد حاضر قد جمع أصحابه والدار غاصة بأهلها، فلما دنوت سلمت، فقال لي: ادن فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال لي: اجلس فجلست وقد أثقلتني الأقياد، فلما مكثت هنيهة قلت: تأذن في الكلام، فقال: تكلم، فقلت: إلام دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قال: قلت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قلت له: إن جدك ابن عباس يحكي أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان بالله قال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من الغنم». قال أبو الفضل: حدثناه أبي، ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني أبو حمزة، قال: قال سمعت ابن عباس، قال: إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان بالله فذكر الحديث قال أبو الفضل: قال أبي: فقال لي عند ذلك: لولا أن وجدتك في يد من كان قبلي ما تعرضت لك، ثم التفت إلى عبد الرحمن بن إسحاق، فقال له: يا عبد الرحمن ألم آمرك أن ترفع المحنة؟ قال أبي: فقلت في نفسي: الله أكبر إن في هذا فرجا للمسلمين. قال: ثم قال: ناظروه وكلموه ثم قال: يا عبد الرحمن كلمه، فقال لي عبد الرحمن: ما تقول في القرآن؟ قال: قلت: ما تقول في علم الله؟ فسكت. قال أبي: فجعل يكلمني هذا وهذا فأرد على هذا وأكلم هذا ثم أقول: يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام أقول به، أراه قال: فيقول ابن أبي دؤاد: فأنت ما تقول إلا ما في كتاب الله أو سنة رسوله. قال: فقلت تأولت تأويلا فأنت أعلم وما تأولت تحبس عليه وتقيد عليه، قال: فقال ابن أبي دؤاد: هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع وهؤلاء قضاتك والفقهاء فسلهم، فيقول: ما تقولون فيه؟ فيقولون: يا أمير المؤمنين هو ضال مضل مبتدع. قال: ولا يزالون يكلموني، قال وجعل صوتي يعلو أصواتهم، وقال إنسان منهم، قال الله تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء: 2] أفيكون محدثا إلا مخلوقا، قال: فقلت له: قال تعالى: {ص والقرآن ذي الذكر} [ص: 1] فالقرآن هو الذكر والذكر هو القرآن ويلك ليس فيها ألف ولام، قال: فجعل ابن سماعة لا يفهم ما أقول قال: فجعل يقول لهم: ما يقول قال: فقالوا: إنه يقول كذا وكذا قال: فقال لي إنسان منهم: حديث خباب «تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه» قال: أبي، فقلت لهم: نعم هكذا هو. فجعل ابن أبي دؤاد ينظر إليه ويلحظه متغيظا عليه. قال أبي: وقال بعضهم أليس قال: {خالق كل شيء} [الأنعام: 102] قلت: قد قال: {تدمر كل شيء} [الأحقاف: 25] فدمرت إلا ما أراد الله. قال: فقال بعضهم: فما تقول وذكر حديث عمران بن حصين: «إن الله كتب الذكر» فقال: إن الله خلق الذكر، فقلت: هذا خطأ حدثناه غير واحد «إن الله كتب الذكر» قال أبي: فكان إذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دؤاد فتكلم. فلما قارب الزوال، قال لهم: قوموا ثم حبس عبد الرحمن بن إسحاق، فخلا بي وبعبد الرحمن فجعل يقول: أما تعرف صالحا الرشيدي كان مؤدبي وكان في هذا الموضع جالسا وأشار إلى ناحية من الدار، قال فتكلم وذكر القرآن فخالفني فأمرت به فسحب ووطئ، ثم جعل يقول لي: ما أعرفك ألم تكن تأتينا، فقال له عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين أعرفه منذ ثلاثين سنة يرى طاعتك والحج والجهاد معك وهو ملازم لمنزله. قال: فجعل يقول: والله إنه لفقيه وإنه لعالم وما يسوءني أن يكون معي يرد على أهل الملك، ولئن أجابني إلى شيء له فيه أدنى فرج لأطلقن عنه بيدي، ولأطأن عقبه ولأركبن إليه بجندي. قال: ثم يلتفت إلي فيقول: ويحك يا أحمد ما تقول؟ قال: فأقول: يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما طال بنا المجلس ضجر فقام فرددت إلى الموضع الذي كنت فيه، ثم وجه إلي برجلين سماهما وهما صاحب الشافعي وغسان من أصحاب ابن أبي دؤاد يناظراني فيقيمان معي حتى إذا حضر الإفطار وجه إلينا بمائدة عليها طعام فجعلا يأكلان وجعلت أتعلل حتى ترفع المائدة وأقاما إلى غدو في خلال ذلك يجيء ابن أبي دؤاد فيقول لي: يا أحمد يقول لك أمير المؤمنين ما تقول؟ فأقول له: أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به، فقال لي ابن أبي دؤاد: والله لقد كتب اسمك في السبعة فمحوته، ولقد ساءني أخذهم إياك، وإنه والله ليس السيف إنه ضرب بعد ضرب، ثم يقول لي: ما تقول، فأرد عليه نحوا مما رددت عليه. ثم يأتيني رسوله فيقول: أين أحمد بن عمار أجب الرجل الذي أنزلت في حجرته، فيذهب ثم يعود، فيقول: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول؟ فأرد عليه نحوا مما رددت على ابن أبي دؤاد، فلا تزال رسله تأتي أحمد بن عمار وهو يختلف فيما بيني وبينه ويقول: يقول لك أمير المؤمنين: أجبني حتى أجيء فأطلق عنك بيدي قال: فلما كان في اليوم الثاني أدخلت عليه فقال: ناظروه وكلموه، قال: فجعلوا يتكلمون هذا من هاهنا وهذا من هاهنا فأرد على هذا وهذا، فإذا جاءوا بشيء من الكلام مما ليس في كتاب الله عز وجل ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فيه خبر ولا أثر قلت: ما أدري ما هذا، قال: فيقولون: يا أمير المؤمنين إذا توجهت له الحجة علينا وثب، وإذا كلمناه بشيء يقول: لا أدري ما هذا؟ قال: فيقول: ناظروه ثم يقول: يا أحمد إني عليك شفيق. فقال رجل منهم: أراك تذكر الحديث وتنتحله، فقال له: ما تقول في قول الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11] فقال: خص الله بها المؤمنين، قال: فقلت له: ما تقول إن كان قاتلا أو عبدا أو يهوديا أو نصرانيا فسكت، قال أبي: وإنما احتججت عليهم بهذا لأنهم كانوا يحتجون علي بظاهر القرآن ولقوله أراك تنتحل الحديث، وكان إذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دؤاد فيقول: يا أمير المؤمنين والله لئن أجابك لهو أحب إلي من مائة ألف دينار ومائة ألف دينار فيعدد ما شاء الله من ذلك. ثم أمرهم بعد ذلك بالقيام وخلا بي وبعبد الرحمن فيدور بيننا كلام كثير وفي خلال ذلك يقول: ندعو أحمد بن أبي دؤاد فأقول ذلك إليك، فيوجه إليه فيجيء فيتكلم. فلما طال بنا المجلس قام ورددت إلى الموضع الذي كنت فيه، وجاءني الرجلان اللذان كانا عندي بالأمس فجعلا يتكلمان فدار بيننا كلام كثير فلما كان وقت الإفطار جيء بطعام على نحو مما أتي به في أول ليلة، فأفطروا فتعللت وجعلت رسله تأتي أحمد بن عمار فيمضي إليه فيأتيني برسالة على نحو مما كان في أول ليلة. وجاء ابن أبي دؤاد، فقال: إنه قد حلف أن يضربك ضربا وأن يحبسك في موضع لا ترى فيه الشمس، فقلت له: فما أصنع، حتى إذا كدت أن أصبح قلت لخليق أن يحدث في هذا اليوم من أمري شيء، وقد كنت خرجت تكتي من سراويلي فشددت بها الأقياد أحملها بها إذا توجهت إليه، فقلت لبعض من كان معي الموكل بي: أريد لي خيطا فجاءني بخيط فشددت به الأقياد وأعدت التكة في سراويلي ولبستها كراهية أن يحدث شيء من أمري فأتعرى. فلما كان في اليوم الثالث أدخلت عليه والقوم حضور، فجعلت أدخل من دار إلى دار، وقوم معهم السيوف وقوم معهم السياط وغير ذلك من الزي والسلاح، وقد حشيت الدار بالجند ولم يكن في اليومين الماضيين كبير أحد من هؤلاء حتى إذا صرت إليه قال: ناظروه وكلموه، فعادوا لمثل مناظرتهم، فدار بيننا وبينهم كلام كثير حتى إذا كان في الوقت الذي كان يخلو بي فيه فجاءني ثم اجتمعوا فشاورهم ثم نحاهم ودعاني فخلا بي وبعبد الرحمن، فقال لي: ويحك يا أحمد أنا والله عليك شفيق، وإني لأشفق عليك مثل شفقتي على هارون ابني فأجبني، فقلت: يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فلما ضجر وطال المجلس، قال عليك لعنة الله لقد طمعت فيك، خذوه، اخلعوه، اسحبوه. قال: فأخذت فسحبت، ثم خلعت، ثم قال: العقابين والسياط فجيء بعقابين والسياط. قال: أبي وقد كان صار إلي شعرتان من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فصررتهما في كم قميصي فنظر إسحاق بن إبراهيم إلى الصرة في كم قميصي فوجه إلي: ما هذا المصرور في كمك فقلت: شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم. فسعى بعض القوم إلى القميص ليحرقه في وقت ما أقمت بين العقابين فقال لهم: لا تحرقوه وانزعوه عنه، قال أبي: فظننت أنه بسبب الشعر الذي كان فيه. ثم صيرت بين العقابين وشدت يدي وجيء بكرسي فوضع له وابن أبي دؤاد قائم على رأسه والناس اجتمعوا وهم قيام ممن حضر، فقال لي إنسان ممن شدني خذ أي الخشبتين بيدك وشد عليها. فلم أفهم ما قال. قال: فتخلعت يدي لما شدت ولم أمسك الخشبتين، قال أبو الفضل، ولم يزل أبي رحمه الله يتوجع منها من الرسغ إلى أن توفي، ثم قال للجلادين تقدموا فنظر إلى السياط فقال: ائتوا بغيرها، ثم قال لهم: تقدموا، فقال لأحدهم: أدنه أوجع قطع الله يدك. فتقدم فضربني سوطين ثم تنحى فلم يزل يدعو واحدا بعد واحد فيضربني سوطين ويتنحى، ثم قام حتى جاءني وهم محدقون به، فقال: ويحك يا أحمد تقتل نفسك، ويحك أجبني حتى أطلق عنك بيدي. قال فجعل بعضهم يقول لي: ويحك إمامك على رأسك قائم، قال: وجعل يعجب وينخسني بقائم سيفه ويقول: تريد أن تغلب هؤلاء كلهم، وجعل إسحاق بن إبراهيم يقول: ويلك الخليفة على رأسك قائم: قال ثم يقول بعضهم: يا أمير المؤمنين دمه في عنقي، قال: ثم رجع فجلس على الكرسي ثم قال للجلاد: أدنه شد - قطع الله يدك - ثم لم يزل يدعو بجلاد بعد جلاد فيضربني سوطين ويتنحى وهو يقول له شد قطع الله يدك، ثم قام لي الثانية فجعل يقول: يا أحمد أجبني وجعل عبد الرحمن بن إسحاق يقول لي: من صنع بنفسه من أصحابك في هذا الأمر ما صنعت؟ هذا يحيى بن معين وهذا أبو خيثمة وابن أبي. . . . . . وجعل يعدد علي من أجاب وجعل هو يقول: ويحك أجبني قال: فجعلت أقول نحوا مما كنت أقول لهم، قال: فرجع فجلس ثم جعل يقول للجلاد: شد - قطع الله يدك - قال أبي: فذهب عقلي وما عقلت إلا وأنا في حجرة طلق عني الأقياد، فقال إنسان ممن حضر: إنا كببناك على وجهك وطرحنا على ظهرك سارية ودسناك، قال أبي: فقلت: ما شعرت بذلك. قال: فجاءوني بسويق فقالوا لي: اشرب وتقيأ فقلت: لا أفطر ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، قال أبي: فنودي بصلاة الظهر فصلينا الظهر، قال ابن سماعة صليت والدم يسيل من ضربك؟ فقلت: قد صلى عمر وجرحه يثعب دما فسكت، ثم خلى عنه ووجه إليه برجل ممن يبصر الضرب والجراحات ليعالج فيها فنظر إليه، فقال لنا: والله لقد رأيت من ضرب ألف سوط ما رأيت ضربا أشد من هذا، لقد جر عليه من خلفه ومن قدامه ثم أدخل ميلا في بعض تلك الجراحات، وقال: لم يثعب فجعل يأتيه ويعالجه، وقد كان أصاب وجهه غير ضربة، ثم مكث يعالجه ما شاء الله، ثم قال: إن هاهنا شيئا أريد أن أقطعه فجاء بحديدة فجعل يعلق اللحم بها ويقطعه بسكين معه، وهو صابر لذلك يحمد الله في ذلك فيراه منه ولم يزل يتوجع من مواضع منه وكان أثر الضرب بينا في ظهره إلى أن توفي رحمه الله

قال أبو الفضل: سمعت أبي يقول: «والله لقد أعطيت المجهود من نفسي، ولوددت أن أنجو من هذا الأمر كفافا لا علي ولا لي»، قال أبو الفضل: فأخبرني أحد الرجلين اللذين كانا معه وقد كان هذا الرجل - يعني صاحب الشافعي - صاحب حديث قد سمع ونظر ثم جاءني بعد، فقال لي: يا ابن أخي رحمة الله على أبي عبد الله، والله ما رأيت أحدا يشبهه قد جعلت أقول له في وقت ما يوجه إلينا بالطعام: يا أبا عبد الله أنت صائم وأنت في موضع مسغبة، ولقد عطش فقال لصاحب الشراب ناولني فناوله قدحا فيه ماء وثلج فأخذه فنظر إليه هنيهة ثم رده عليه قال: فجعلت أعجب إليه من صبره على الجوع والعطش وما هو فيه من الهول، قال أبو الفضل: وكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا أو رغيفين في هذه الأيام، فلم أقدر على ذلك، وأخبرني رجل حضره، قال: تفقدته في هذه الأيام وهم يناظرونه ويكلمونه، فما لحن في كلمة وما ظننت أن أحدا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه

قال أبو الفضل: " دخلت على أبي يوما فقلت له: بلغني أن رجلا جاء إلى فضل الأنماطي فقال له: اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك، فقال فضل: لا جعلت أحدا في حل. فتبسم أبي وسكت. فلما كان بعد أيام قال: مررت بهذه الآية: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما حدثني به هاشم بن القاسم، ثنا المبارك، قال: حدثني من سمع الحسن، يقول: إذا جاءت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة نودوا ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا قال أبي: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي ثم جعل يقول: وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه أحدا " قال الشيخ أبو نعيم رحمة الله تعالى عليه: ذكرنا أصح الروايات في المحنة وهو ما رواه أبو الفضل صالح ابنه

ونروي فيها أيضا ما حدثناه عبد الله بن جعفر بن أحمد، وحدثني عنه الحسين بن محمد، ثنا أبي، ثنا أحمد بن أبي عبيد الله، وليس بالوراق، قال: قال أحمد بن الفرج: كنت أتولى شيئا من أعمال السلطان فبينما أنا ذات يوم قاعد في مجلس إذا أنا بالناس قد أغلقوا أبواب دكاكينهم وأخذوا أسلحتهم فقلت: ما لي أرى الناس قد استعدوا للفتنة؟ فقالوا: إن أحمد بن حنبل يحمل ليمتحن في القرآن، فلبست ثيابي وأتيت حاجب الخليفة وكان لي صادقا، فقلت: أريد أن تدخلني حتى أنظر كيف يناظر أحمد الخليفة، فقال: أتطيب نفسك بذلك؟ فقلت: نعم فجمع جماعة وأشهدهم علي وتبرأ من إثمي، ثم قال لي: امض، فإذا كان يوم الدخول بعثت إليك. فلما أن كان اليوم الذي أدخل فيه أحمد على الخليفة أتاني رسوله، فقال: البس ثيابك واستعد للدخول، فلبست قباء فوقه قفطان وتمنطقت بمنطقة وتقلدت سيفا وأتيت الحاجب فأخذ بيدي وأدخلني إلى الفوج الأول مما يلي أمير المؤمنين، وإذا أنا بابن الزيات، وإذا بكرسي من ذهب مرصع بالجوهر قد غشي أعلاه بالديباج، فخرج الخليفة فقعد عليه، ثم قال: أين هذا الذي يزعم أن الله عز وجل يتكلم بجارحتين؟ علي به فأدخل أحمد وعليه قميص هروي وطيلسان أزرق وقد وضع يدا على يد وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، حتى وقف بين يدي الخليفة، فقال: أنت أحمد بن حنبل؟ فقال: أنا أحمد بن محمد بن حنبل، فقال: أنت الذي بلغني عنك أنك تقول القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من أين قلت هذا؟ قال أحمد: من كتاب الله تعالى وخبر نبيه صلى الله عليه وسلم. قال: وما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حدثني عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كلم موسى بمائة ألف كلمة وعشرين ألف كلمة وثلاثمائة كلمة وثلاث عشرة كلمة فكان الكلام من الله والاستماع من موسى، فقال موسى: أي رب أنت الذي تكلمني أم غيرك؟ قال الله تعالى: يا موسى أنا أكلمك، لا رسول بيني وبينك " قال: كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد: فإن يك هذا كذبا مني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى: {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13] فإن يكن القول من غير الله فهو مخلوق، وإن كان مخلوقا فقد ادعى حركة لا يطيق فعلها فالتفت إلى أحمد وابن الزيات فقال: ناظروه، قالوا: يا أمير المؤمنين اقتله ودمه في أعناقنا، قال: فرفع يده فلطم حر وجهه فخر مغشيا عليه فتفرق وجوه قواد خراسان وكان أبوه من أبناء قواد خراسان، فخاف الخليفة على نفسه منهم فدعا بكوز من ماء فجعل يرش على وجهه. فلما أفاق رفع رأسه إلى عمه وهو واقف بين يدي الخليفة فقال: يا عم لعل هذا الماء الذي يصب على وجهي غضب صاحبه عليه، فقال الخليفة: ويحكم ما ترون ما يهجم علي من هذا الحديث وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا رفعت عنه السوط حتى يقول القرآن مخلوق. ثم دعا بجلاد يقال له أبو الدن فقال: في كم تقتله قال: في خمسة أو عشرة أو خمس عشرة أو عشرين، فقال: اقتله فكلما أسرعت كان أخفى للأمر، ثم قال: جردوه، قال: فنزعت ثيابه، ووقف بين العقابين وتقدم أبو الدن - قطع الله يده - فضربه بضعة عشر سوطا فأقبل الدم من أكتافه إلى الأرض، وكان أحمد ضعيف الجسم، فقال إسحاق بن إبراهيم: يا أمير المؤمنين إنه إنسان ضعيف الجسم، فقال: قد سمعت قولي: وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رفعت السوط عنه حتى يقول كما أقول. فقال: يا أبا عبد الله البشرى إن أمير المؤمنين قد تاب عن مقالته وهو يقول لا إله إلا الله. فقال أحمد: كلمة الإخلاص وأنا أقول لا إله إلا الله، فقال: يا أمير المؤمنين إنه قد قال كما تقول. فقال: خل سبيله. وارتفعت بالباب، فقال: اخرج فانظر ما هذه الضجة. فخرج ثم دخل، فقال: يا أمير المؤمنين إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج أحمد بن حنبل إني لك من الناصحين، فأخرج وقد وضع طيلسانه وقميصه على يده وكنت أول من وافى الباب، فقال الناس: ما قلت يا أبا عبد الله حتى نقول، قال: وما عسى أن أقول اكتبوا يا أصحاب الأخبار واشهدوا يا معشر العامة أن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود. قال: أحمد بن الفرج، وكنت أنظر إلى أحمد بن حنبل والسوط قد أخذ كتفيه وعليه سراويل فيه خيط فانقطع الخيط ونزل السراويل فلحظته وقد حرك شفتيه فعاد السراويل كما كان فسألته عن ذلك، فقال: نعم إنه لما انقطع الخيط قلت: اللهم إلهي وسيدي واقفتني هذا الموقف فلا تهتكني على رءوس الخلائق، فعاد السراويل كما كان ". قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله: وهم أحمد بن الفرج في حفظ إسناد هذا الحديث حين ذكره عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وإنما يحفظ بعض هذا الحديث من حديث الضحاك عن ابن عباس. ذكر ورود كتاب المتوكل بمحنته أولا، ثم تجاوزه له وإعادته إلى العسكر ثانيا

حدثنا محمد بن جعفر، والحسين بن محمد، وعلي بن أحمد، قالوا: ثنا محمد بن إسماعيل بن أحمد، ثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن حنبل، قال: " لما توفي إسحاق بن إبراهيم ومحمد ابنه وولي عبد الله بن إسحاق كتب المتوكل إليه: أن وجه إلي أحمد بن حنبل إن عندك طلبة أمير المؤمنين، فوجهه بحاجبه مظفر وحضر معه صاحب البريد، وكان يعرف بابن الكلبي، وكتب إليه أيضا فقال له مظفر: يقول لك الأمير قد كتب إلي أمير المؤمنين أن عندك طلبته، وقال له ابن الكلبي مثل ذلك، وكان قد نام الناس فدفع الباب وكان على أبي إزار ففتح لهم الباب وقعد على بابه ومعه النساء، فلما قرأ عليه الكتاب، قال لهم: إني ما أعرف هذا، وإني لأرى طاعته في العسر واليسر والمنشط والمكره والأثرة، وإني أستأسف عن تأخري عن الصلاة وعن حضور الجمعة ودعوة المسلمين. وقد كان إسحاق بن إبراهيم وجه إلى أبي رحمه الله: الزم بيتك ولا تخرج إلى جمعة ولا جماعة وإلا ننزل بك ما نزل بك في أيام أبي إسحاق. ثم قال ابن الكلبي: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلفك ما عندك طلبته فتحلف، قال: إن استحلفتني حلفت، فأحلفه بالله وبالطلاق ما عندك طلبة أمير المؤمنين وكأنهم أومأوا إلى أن عنده علويا، ثم قال: أريد أن أفتش منزلك. قال أبو الفضل: وكنت حاضرا فقال: ومنزل ابنك. فقام مظفر وابن الكلبي وامرأتان معهما فدخلا ففتشا البيت ثم فتشت الامرأتان النساء والصبيان. قال أبو الفضل: ثم دخلوا منزلي ففتشوه وأدلوا شمعة في البئر فنظروا ووجهوا نسوة ففتشوا الحريم وخرجوا، ولما كان بعد يومين ورد كتاب علي بن الجهم: إن أمير المؤمنين قد صح عنده براءتك مما قذفت به، وقد كان أهل البدع قد مدوا أعناقهم فالحمد لله الذي لم يشمتهم بك، وقد وجه إليك أمير المؤمنين يعقوب المعروف بقوصرة ومعه جائزة ويأمرك بالخروج فالله الله أن تستعقبني وترد الجائزة، قال أبو الفضل: ثم ورد من الغد يعقوب فدخل إلى أبي فقال له: يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد صح نقاء ساحتك وقد أحببت أن آنس بقربك وأتبرك بدعائك وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك، وأخرج بدرة فيها صرة نحو مما ذكر مائتي دينار والباقي دراهم صحاح ينظر إليها، ثم شدها يعقوب، وقال: أعود غدا حتى أنظر علام تعزم عليه، وقال له: يا أبا عبد الله، الحمد لله الذي لم يشمت بك أهل البدع، وانصرف. فجئت بإجانة خضراء كفأتها على البدرة، فلما كان عند المغرب، قال: يا صالح خذ هذه فصيرها عندك فصيرتها عند رأسي فوق البيت، فلما كان السحر إذا هو ينادي يا صالح، فقمت إليه فقال: يا صالح ما نمت ليلتي هذه فقلت: لم، فجعل يبكي، وقال: سلمت من هؤلاء حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم، قد عرضت علي أن أفرق هذا الشيء إذا أصبحت. قلت: ذاك إليك. فلما أصبح جاءه الحسين بن البزار والمشايخ، فقال: جئني يا صالح بالميزان، فقال: وجهوا إلى أبناء المهاجرين والأنصار، ثم قال: وجه إلى فلان حتى يفرق في ناحيته وإلى فلان، فلم يزل حتى فرقها كلها ونفض الكيس ونحن في حالة الله بها عليم. فجاء بني له فقال: يا أبت أعطني درهما فنظر إلي فأخرجت قطعة أعطيته وكتب صاحب البريد أنه تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس، قال: علي بن الجهم: فقلت له يا أمير المؤمنين قد تصدق بها وقد علم الناس أنه قد قبل منك، ما يصنع أحمد بالمال وإنما قوته رغيف، قال: فقال لي صدقت يا علي. قال أبو الفضل: ثم خرج أبي رحمه الله ليلا ومعنا حراس معهم النفاطات فلما أضاء الفجر، قال لي يا صالح أمعك دراهم؟ قلت: نعم، قال: أعطهم. فأعطيتهم درهما، فلما أصبحنا جعل يعقوب يسير معه، فقال له: يا أبا عبد الله، أريد أن أؤدي عنك رسالة إلى أمير المؤمنين فسكت. فقال: إن عبد الله بن إسحاق أخبرني أن الفرايضي قال له أني أشهد عليه أنه قال: إن أحمد يعيد ما لي، فقال: يا أبا يوسف يكفي الله، فغضب يعقوب، فالتفت إلي، فقال: ما رأيت أعجب مما نحن فيه أسأله أن يطلق لي كلمة أخبر بها أمير المؤمنين فلا يفعل. قال أبو الفضل: وقصر أبي في خروجه إلى العسكر، وقال: تقصر الصلاة في أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا، وصليت به يوما العصر فقال لي: طويت بنا العصر، فقرأ في الركعة مقدار خمس عشرة آية، وكنت أصلي به في العسكر فلما صرنا بين الحائطين، قال لنا يعقوب: أقيموا، ثم وجه إلى المتوكل بما عمل، فدخلنا العسكر وأبي منكس الرأس، ورأسه مغطى، فقال له يعقوب: اكشف عن رأسك يا أبا عبد الله. فكشف ثم جاء وصيف يريد الدار فلما نظر إلى الناس وجمعهم قال: ما هؤلاء؟ قالوا: أحمد بن حنبل. فوجه إليه بعد ما جاز فجاء ابن هرثمة، فقال: الأمير يقرئك السلام ويقول: الحمد لله الذي لم يشمت بك الأعداء أهل البدع، قد علمت ما كان حال ابن أبي دؤاد فينبغي أن تتكلم ما يجب لله ومضى يحيى. قال أبو الفضل: أنزل أبي دار إيتاح فجاء علي بن الجهم، فقال: قد أمر لكم أمير المؤمنين بعشرة آلاف مكان التي فرقتها، وأمر أن لا يعلم بذلك فيغتم. ثم جاءه محمد بن معاوية، فقال: إن أمير المؤمنين يكثر ذكرك ويقول تقيم هاهنا تحدث، فقال: أنا ضعيف، ثم وضع إصبعه على بعض أسنانه، فقال: إن بعض أسناني تتحرك وما أخبرت بذلك ولدي، ثم وجه إليه: ما تقول في بهيمتين انتطحتا فعقرت إحداهما الأخرى فسقطت فذبح؟ فقال: إن كان أطرف بعينه ومصع بذنبه وسال دمه يؤكل، قال أبو الفضل: ثم صار إليه يحيى بن خاقان، فقال: يا أبا عبد الله، قد أمرني أمير المؤمنين أن أصير إليك لتركب إلى أبي عبد الله، ثم قال لي: قد أمرني أن أقطع له سوادا وطيلسانا وقلنسوة فأي قلنسوة يلبس؟ فقلت له: ما رأيته لبس قلنسوة قط، فقال له: إن أمير المؤمنين قد أمرني أن أصير لك مرتبة في أعلى، ويصير أبو عبد الله في حجرك، ثم قال لي: قد أمر أمير المؤمنين أن يجري عليكم وعلى قراباتكم أربعة آلاف درهم ففرقها عليكم. ثم عاد يحيى من الغد وقال: يا أبا عبد الله تركب، فقال: ذاك إليكم. فقالوا: استخر الله فلبس إزاره وخفيه، وقد كان خفه قد أتي عليه، له عنده نحو من خمس عشرة سنة مرقوعا برقاع عدة، فأشار يحيى إلي بلبس قلنسوة فقلت: ما له قلنسوة، فقال: كيف يدخل عليه حاسرا ويحيى قائم. فطلبنا له دابة يركب عليها فقام يحيى يصلي فجلس على التراب، وقال: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم} [طه: 55] ثم ركب بغل بعض التجار فمضينا معه حتى أدخل دار المعتز فأجلس في بيت الدهليز، ثم جاء يحيى فأخذ بيده حتى أدخله ورفع الستر، ونحن ننظر وكان المعتز قاعدا على دكان في الدار وقد كان يحيى تقدم إليه، فقال يحيى: يا أبا عبد الله إن أمير المؤمنين جاء بك ليسر بقربك ويصير أبو عبد الله في حجرك. فأخبرني بعض الخدم أن المتوكل كان قاعدا وراء الستر، فلما دخل الدار قال لأمه: يا أمه قد أنارت الدار، ثم جاء خادم بمنديل فأخذ يحيى المنديل فأخرج منه مبطنة فيها قميص فأدخل يده في جيب القميص والمبطنة في رأسه ثم أدخل يده فأخرج يده اليمنى وكذا اليسرى، وهو لا يحرك يده ثم أخذ قلنسوة فوضعها على رأسه وألبسه طيلسانا ولحفه به ولم يجيئوا بخف فبقي الخف عليه ثم صرف وقد كانوا تحدثوا أنه يخلع عليه سوادا فلما صاروا إلى الدار نزع الثياب عنه ثم جعل يبكي وقال: قد سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم، ما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام فكيف بمن يجب علي نصحه من وقت أن تقع عيني عليه إلى أن أخرج من عنده. ثم قال: يا صالح وجه بهذه الثياب إلى بغداد تباع ويتصدق بثمنها ولا يشتري أحد منكم شيئا منها فوجهت بها إلى يعقوب بن التختكان فباعها وفرق ثمنها وبقيت عندي القلنسوة، ثم أخبرناه أن الدار التي هو فيها كانت لأيتام فقال: اكتب رقعة إلى محمد بن الجراح يستعفي لي من هذه الدار، فكتبنا رقعة فأمر المتوكل أن يعفى منها، ووجه إلى قوم ليخرجوا عن منازلهم فسأل أن يعفى من ذلك فاشتريت له دار بمائتي درهم فصار إليها، وأجري لنا مائدة وبلح، وضرب الخيش وفرش الطري، فلما رأى الخيش والطري نحى نفسه عن ذلك الموضع، وألقى نفسه على مضربة له. واشتكت عينه ثم برئت، فقال لي: ألا تعجب كانت عيني تشتكي فتمكث حينا حتى تبرأ ثم برأت في سرعة، وجعل يواصل يفطر كل ثلاث على تمر وسويق، فمكث خمس عشرة يفطر في كل ثلاث، ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة وليلة لا يفطر إلا على رغيف، فكان إذا جيء بالمائدة توضع في الدهليز لكيلا يراها فيأكل من حضر، فكان إذا أجهده الحر تبل له خرقة فيضعها على صدره وفي كل يوم يوجه إليه ابن ماسويه فينظر إليه ويقول: يا أبا عبد الله، أنا أميل إليك وإلى أصحابك وما بك علة إلا الضعف وقلة البر. فقال له ابن ماسويه: إنا ربما أمرنا عيالنا بأكل الدهن والخل فإنه يلين وجعل بالشيء ليشربه فيصبه، وقطع له يحيى دراعة وطيلسانا سوادا وجعل يعقوب وعتاب يصيران إليه فيقولان له: يقول لك أمير المؤمنين ما تقول في ابن أبي دؤاد في ماله؟ فلا يجيب في ذلك بشيء، وجعل يعقوب وعتاب يخبرانه بما يحدث في أمر ابن أبي دؤاد في كل يوم، ثم أحدر ابن أبي دؤاد إلى بغداد بعد ما أشهد عليه ببيع ضياعه، وكان ربما صار إليه يحيى وهو يصلي فيجلس في الدهليز حتى يفرغ ويحيى وعلي بن الجهم فينتزع سيفه وقلنسوته ويدخل عليه، وأمر المتوكل أن يشترى لنا دار فقال: يا صالح، قلت: لبيك، قال: لئن أقررت لهم بشراء ذلك لتكونن القطيعة بيني وبينكم، إنما تريدون أن تصيروا هذا البلد لي مأوى ومسكنا فلم يزل يدفع شراء الدار حتى اندفع وصار إلى صاحب المنزل، فقال أعطيك كل شهر ثلاثة آلاف مكان المائدة، فقلت: لا أفعل، وجعلت رسل المتوكل تأتيه يسألونه عن خبره، فيصيرون إليه ويقولون له: يا أبا عبد الله لا بد له من أن يراك، فيسكت، فإذا خرجوا قال: ألا تعجب من قوله لا بد له من أن يراك وما عليهم من أن يراني، وكان في هذه الدار حجرة صغيرة فيها بيتان، فقال: أدخلوني تلك الحجرة ولا تسرجوا سراجا. فأدخلناه إليها فجاءه يعقوب، فقال: يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين مشتاق إليك، ويقول: انظر اليوم الذي تصير إلي فيه أي يوم هو حتى أعرفه؟ فقال: ذاك إليكم. فقال: يوم الأربعاء يوم خال، وخرج يعقوب، فلما كان من الغد جاء، فقال: البشرى يا أبا عبد الله أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول قد أعفيتك عن لبس السواد، والركوب إلي وإلى ولاة العهود وإلى الدار فإن شئت فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف. فجعل يحمد الله على ذلك. وقال له يعقوب: إن لي ابنا وأنا به معجب وله في قلبي موقع فأحب أن تحدثه بأحاديث فسكت، فلما خرج قال: أتراه لا يرى ما أنا فيه. وكان يختم من جمعة إلى جمعة، فإذا ختم دعا فيدعو ونؤمن على دعائه، فلما كان غداة الجمعة وجه إلي وإلى أخي عبد الله، فلما أن ختم جعل يدعو ونؤمن على دعائه، فلما فرغ جعل يقول: أستخير الله مرارا، فجعلت أقول: ما تريد، ثم قال: إني أعطي الله عهدا إن العهد كان مسئولا وقد قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] إني لا أحدث حديثا تاما أبدا حتى ألقى الله ولا أستثني منكم أحدا. فخرجنا وجاء علي بن الجهم، فقلنا له، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون فأخبر المتوكل، بذلك وقال: إنما يريدون أن أحدث فيكون هذا البلد حبسي، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا وأمروا فحدثوا وكان يخبرونه فيتوجه لذلك وجعل يقول: والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك، إن هذا فتنة الدنيا وكان ذاك فتنة الدين. ثم جعل يضم أصابع يده ويقول: لو كانت نفسي في يدي لأرسلتها، ثم يفتح أصابعه، وكان المتوكل يوجه إليه في كل وقت يسأله عن حاله وكان في خلال ذلك يؤمر لنا بالمال، فيقول يوصل إليهم ولا يعلم شيخهم فيغتم ما يريد منهم إن كان هؤلاء يريدون الدنيا فما يمنعهم، وقالوا للمتوكل: إنه كان لا يأكل من طعامك ولا يجلس على فرشك ويحرم الذي تشرب. فقال لهم: لو نشر لي المعتصم لم أقبل منه. قال أبو الفضل: ثم إني انحدرت إلى بغداد وخلفت عبد الله عنده فإذا عبد الله قد قدم وجاء بثيابي التي كانت عنده فقلت: ما جاء بك؟ قال: قال لي انحدر وقل لصالح لا تخرج، فأنتم كنتم أفتى، والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أخرجت منكم واحدا معي لولا مكانكم لمن كان توضع هذه المائدة ولمن كان يفرش هذا الفرش ويجرى هذا الإجراء؟ قال أبو الفضل: فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد الله، فكتب إلي بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي حملني على الكتاب إليك والذي قلت لعبد الله لا يأتيني منكم أحد، ربما أن ينقطع ذكري ونحمل، فإنكم إذا كنتم هاهنا فشا ذكري، وكان يجتمع إليك قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خيرا، واعلم يا بني إن أقمت فلا تأت أنت ولا أخوك فهو رضائي فلا تجعل في نفسك إلا خيرا، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قال أبو الفضل: ثم ورد إلي كتاب آخر بخطه يذكر فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك ودفع عنك السوء برحمته، كتابي إليك وأنا في نعمة من الله متظاهرة أسأله إتمامها والعون على أداء شكرها، قد انفكت عنا عقدة إنما كان حبس من هاهنا لما أعطوا فقبلوا وأجري عليهم فصاروا في الحد الذي صاروا إليه، وحدثوا ودخلوا عليهم فهذه كانت قيودهم، فنسأل الله أن يعيذنا من شرهم ويخلصنا فقد كان ينبغي لكم لو قربتموني بأموالكم وأهاليكم فهان ذلك عليكم للذي أنا فيه فلا يكبر عليك ما أكتب به إليكم فالزموا بيوتكم، فلعل الله تعالى أن يخلصني والسلام عليكم ورحمة الله. ثم ورد غير كتاب إلي بخطه بنحو من هذا، فلما خرجنا من العسكر رفعت المائدة والفرش وكل ما أقيم لنا. قال أبو الفضل: وأوصى وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل، ما أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأوصى من أطاعه من أهله وقرابته أن يعبدوا الله في العابدين ويحمدوه في الحامدين، وأن ينصحوا لجماعة المسلمين، وأوصي إني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وأوصي: أن لعبد الله بن محمد المعروف ببوران علي نحو من خمسين دينارا وهو مصدق فيما قال، فيقضى ما له علي من غلة الدار إن شاء الله، فإذا استوفى أعطي ولدي صالح وعبد الله ابنا أحمد بن محمد بن حنبل كل ذكر وأنثى عشرة دراهم بعد وفاء ما علي لابن محمد. شهد أبو يوسف وصالح وعبد الله ابنا أحمد بن محمد بن حنبل. قال أبو الفضل: ثم سأل أبي أن يحول من الدار التي اكتريت له، فاكترى هو دارا وتحول إليها، فسأل المتوكل عنه فقيل إنه عليل، فقال: قد كنت أحب أن يكون في قربي وقد أذنت له يا عبيد الله، احمل إليه ألف دينار ينفقها، وقال لسعيد: تهيئ له حراقة ينحدر فيها فجاءه علي بن الجهم في جوف الليل، فأخبره ثم جاء عبيد الله ومعه ألف دينار، فقال إن أمير المؤمنين قد أذن لك وقد أمر لك بهذه الألف دينار، فقال قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره فردها، وقال: أنا رفيق علي البرد والطهر ارفق بي. فكتب إلى محمد بن عبد الله في بره وتعاهده، فقدم علينا فيما بين الظهر والعصر فلما انحدر إلى بغداد ومكث قليلا قال لي: يا صالح: قلت: لبيك قال: أحب أن تدع هذا الرزق فلا تأخذه ولا توكل فيه أحدا فقد علمت أنكم إنما تأخذونه بسببي فسكت، فقال: ما لك؟ فقلت: أكره أن أعطيك شيئا بلساني وأخالف إلى غيره فأكون قد كذبتك ونافقتك وليس في القوم أكثر عيالا مني ولا أعذر، وقد كنت أشكو إليك فتقول أمرك منعقد بأمري ولعل الله أن يحل عني هذه العقدة. ثم قلت له: وقد كنت تدعو لي فأرجو أن يكون الله قد استجاب لك. قال: ولا تفعل، قلت: لا قال: قم فعل الله بك وفعل، فأمر بسد الباب بيني وبينه فتلقاني عبد الله فسألني فأخبرته فقال: ما أقول؟ قلت: ذاك إليك. فقال له مثل ما قال لي، فقال: لا أفعل. فكان منه إليه نحو ما كان منه إلي، فلقينا عمه فقال: لو أردتم أن تقولوا له وما علمه إذا أخذتم شيئا؟ فدخل عليه فقال: يا أبا عبد الله لست آخذ شيئا من هذا. فقال: الحمد لله وهجرنا وسد الأبواب بيننا وبينه وتحامى منزلنا أن يدخل منه إلى منزله شيء، وقد كان

حدثني أبي، ثنا حسين الأشقر، ثنا أبو بكر بن عياش، قال: استعمل يحيى بن أبي وائل على قضاء الكناسة. فقال أبو وائل لجاريته: يا بركة لا تطعميني شيئا إلا ما يجيء به يحيى من الكناسة. قال أبو الفضل: " فلما مضى نحو من شهرين كتب لنا بشيء فجيء به إلينا فأول من جاء عمه فأخذ، فأخبر فجاء إلى الباب الذي كان سده بيني وبينه، وقد كان فتح الصبيان كوة، فقال: ادعوا لي صالحا فجاء الرسول وقلت له: قل له لست أجيء، فوجه إلي لم لا تجيء؟ فقلت: قل له هذا الرزق يرتزقه جماعة كثيرة وإنما أنا واحد منهم، وليس فيهم أعذر مني وإذا كان توبيخ خصصت به أنا. فلما نادى عمه بالأذان خرج، فلما خرج قيل لي إنه قد خرج إلى المسجد فجئت حتى صرت في موضع أسمع فيه كلامه، فلما فرغ من الصلاة التفت إلى عمه، ثم قال له: نافقتني وكذبتني وكان غيرك أعذر منك، زعمت أنك لا تأخذ من هذا شيئا ثم أخذته، وأنت تستغل مائتي درهم وعمدت إلى طريق المسلمين تستغله، إنما أشفق عليك أن تطوق يوم القيامة بسبع أرضين، أخذت هذا الشيء بغير حقه، فقال: قد تصدقت. قال تصدقت بنصف درهم ثم هجره وترك الصلاة في المسجد، وخرج إلى مسجد خارج يصلي فيه "

قال صالح: وحدثني أبي، ثنا عبد الله بن محمد، قال: سمعت شيخنا يحدث قال: استعمل بعض أمراء البصرة عبد الله بن محمد بن واسع على الشرطة، فأتاه محمد بن واسع فقيل للأمير محمد بالباب. فقال للقوم: ظنوا به، فقال بعضهم: جاء يشكر للأمير استعمل ابنه. فقال: لا ولكنه جاء يطلب لابنه الإعفاء - أو قال العافية - قال فأذن له فلما دخل، قال: أيها الأمير بلغني أنك استعملت ابني وإني أحب أن تسترنا يسترك الله. قال: قد أعفيناه يا أبا عبد الله. قال أبو الفضل صالح: «ثم كتب لنا بشيء فبلغه فجاء إلى الكوة التي في الباب» فقال: يا صالح انظر ما كان للحسن علي فاذهب به إلى بوران حتى يتصدق به في الموضع الذي أخذ منه. فقلت: وما علم بوران من أي موضع أخذ هذا، فقال: افعل ما أقول لك، فوجهت بما كان أصابهما إلى بوران وكان إذا بلغه أنا قبضنا شيئا طوى تلك الليلة فلم يفطر، ثم مكث أشهرا لا أدخل إليه، ثم فتح الصبيان الباب ودخلوا غير أنه لا يدخل إليه من منزلي شيء، ثم وجهت إليه يا أبت قد طال هذا الأمر وقد اشتقت إليك فسكت. فدخلت إليه فأكببت عليه وقلت له: يا أبت تدخل على نفسك هذا الغم. فقال، يا بني يأتيني ما لا أملكه، ثم مكثنا مدة لم نأخذ شيئا، ثم كتب لنا بشيء فقبضنا فلما بلغه هجرنا أشهرا فكلمه بوران ووجه إلى بوران فدخلت فقال له يا أبا عبد الله: صالح يرضيك الله. فقال: يا أبا محمد والله لقد كان أعز الخلق علي وأي شيء أردت له ما أردت له إلا ما أردت لنفسي. فقلت له: يا أبت ومن رأيت أنت أو من لقيت قوي على ما قويت أنت عليه؟ قال: وتحتج علي؟ قال أبو الفضل: ثم كتب أبي رحمه الله إلى يحيى بن خاقان يسأله ويعزم عليه أن لا يعيننا على شيء من أرزاقنا ولا يتكلم فيه، فبلغني فوجهت إلى القيم لنا وهو ابن غالب بن بنت معاوية بن عمرو، وقد كنت قلت له: يا أبت إنه يكبر عليك وقد عزمت إذا حدث أمر أخبرتك به، فلما وصل رسوله بالكتاب إلى يحيى أخذه من صاحب الخبر قال: فأخذت نسخته ووصلت إلى المتوكل، فقال لعبد الله: كم من شهر لولد أحمد بن حنبل، فقال: عشرة أشهر، قال تحمل الساعة إليهم أربعون ألف درهم من بيت المال صحاحا ولا يعلم بها، فقال يحيى للقيم: أنا أكتب إلى صالح وأعلمه، فورد علي كتابه فوجهت إلى أبي أعلمه فقال الذي أخبره إنه سكت قليلا وضرب بذقنه ساعة ثم رفع رأسه فقال: ما حيلتي إذا أردت أمرا وأراد الله أمرا. قال أبو الفضل: وجاء رسول المتوكل إلى أبي يقول: لو سلم أحد من الناس سلمت، رفع رجل إلي وقت كذا أن علويا قدم من خراسان وأنك وجهت إليه بمن يلقاه وقد حبست الرجل وأردت ضربه وكرهت أن تغتم فمر فيه. فقال: هذا باطل تخلي سبيله. قال: وكان رسول المتوكل يأتي أبي يبلغه السلام ويسأله عن حاله فنسر نحن بذلك فتأخذه نفضة حتى ندثره ويقول: والله لو أن نفسي في يدي لأرسلتها ويضم أصابعه ويفتحها

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ح وحدثنا محمد بن علي أبو الحسين، قالوا: ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: كتب عبيد الله بن يحيى إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين، أمرني أن أكتب إليك كتابا أسألك من أمر القرآن لا مسألة امتحان ولكن مسألة معرفة وبصيرة. فأملى علي أبي رحمه الله إلى عبيد الله بن يحيى - وحدي ما معنا أحد - بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها ودفع عنك مكاره الدنيا برحمته، قد كتبت إلي رضي الله تعالى عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني، وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، قد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد يغتمسون فيه حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين فنفى الله بأمير المؤمنين كل بدعة وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس فصرف الله ذلك كله، وذهب به بأمير المؤمنين ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما، ودعوا الله لأمير المؤمنين وأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين، وأن يزيد في بيته ويعينه على ما هو عليه، فقد ذكر عن عبد الله بن عباس، أنه قال: «لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم»

وذكر عن عبد الله بن عمر أن فقراء كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا، قال فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: «أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما هنا في شيء، انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه»

وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مراء في القرآن كفر»

وروي عن أبي جهم - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر»

وقال عبد الله بن العباس: قدم على عمر بن الخطاب رجل فجعل عمر يسأل عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا. فقال ابن عباس، " فقلت : والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة " قال: فنهرني عمر وقال: مه، فانطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينا، فبينما أنا كذلك إذ أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين. فخرجت، فإذا هو بالباب ينتظرني فأخذ بيدي فخلا بي، وقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفا. فقلت: «يا أمير المؤمنين متى ما يتسارعوا هذه المسارعة يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا»، قال: لله أبوك، والله إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها

وروي عن جابر بن عبد الله، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: «هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي؟»

وروي عن جبير بن نفير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم لن ترجعوا بشيء أفضل مما خرج منه» يعني القرآن

وروي عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: «جردوا القرآن لا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله عز وجل»

وروي عن عمر بن الخطاب، أنه قال: «هذا القرآن كلام الله فضعوه مواضعه»

وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إني إذا قرأت كتاب الله وتدبرته كدت أن أيأس وينقطع رجائي، قال: فقال الحسن: «إن القرآن كلام الله وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتقصير، فاعمل وأبشر»

وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جارا لخباب - وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - فخرجت معه يوما من المسجد وهو آخذ بيدي فقال: «يا هذا تقرب لله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه»

وقال رجل للحكم بن عتبة: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: «الخصومات»

وقال معاوية بن قرة - وكان أبوه ممن أتى النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال»

وقال أبو قلابة - وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجالسوا أصحاب الأهواء أو قال: أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون "

ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث؟ فقال: «لا». قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: «لتقومان عني أو لأقوم عنكما». قال: فقام الرجلان فخرجا: فقال بعض القوم: يا أبا بكر وما عليك أن يقرأ عليك آية من كتاب الله تعالى، فقال له ابن سيرين: «إني خشيت أن يقرأ علي آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي». وقال محمد: «لو أعلم أني أكون مبتلى الساعة لتركتها»

وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة، فولى وهو يقول بيده: «ولا نصف كلمة»

وقال ابن طاوس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع: «يا بني أدخل إصبعيك في أذنيك لا تسمع ما يقول». ثم قال: «اشدد»

وقال عمر بن عبد العزيز «من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل»

وقال إبراهيم النخعي: «إن القوم لم يدخل عنهم شيء خير لكم لفضل عندكم»

وكان الحسن رحمه الله يقول: «شر داء خالط قلبا». يعني الأهواء

وقال حذيفة بن اليمان - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -: «اتقوا الله معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا - أو قال مبينا -». قال أبي رحمه الله: وإنما تركت ذكر الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين لولا ذلك لذكرتها بأسانيدها، وقد قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6]، وقال: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54] فأخبر بالخلق، ثم قال والأمر، فأخبر أن الأمر غير المخلوق، وقال عز وجل: {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان} [الرحمن: 2] فأخبر تعالى أن القرآن من علمه وقال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة: 120] وقال: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين} [البقرة: 145] وقال تعالى: {وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق} [الرعد: 37] فالقرآن من علم الله تعالى. وفي هذه الآيات دليل على أن الذي جاءه صلى الله عليه وسلم هو القرآن لقوله: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم} [البقرة: 120] وقد روي عن غير واحد ممن مضى من سلفنا أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وهو الذي أذهب إليه لست بصاحب كلام ولا أدري الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين رحمهم الله، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود. قال أبو الفضل: وقدم المتوكل فنزل الشماسية يريد المدائن، فقال لي أبي: يا صالح أحب أن لا تذهب اليوم ولا تنبه علي، فلما كان بعد يوم وأنا قاعد خارجا، وكان يوم مطر إذا يحيى بن خاقان قد جاء والمطر عليه في موكب عظيم، فقال: سبحان الله لم تصل إلينا حتى نبلغ أمير المؤمنين السلام عن شيخك حتى وجه بي، ثم نزل خارج الزقاق فجهدت به أن يدخل على الدابة، فلم يفعل فجعل يخوض المطر، فلما صار إلى الباب نزع جرموقه وكان على خفه ودخل وأبي في الزاوية قاعد عليه كساء مربع وعمامة والستر الذي على الباب قطعة خيش فسلم عليه وقبل جبهته وسأله عن حاله، وقال: أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول: كيف أنت في نفسك وكيف حالك، وقد آنست بقربك ويسألك أن تدعو له. فقال: ما يأتي علي يوم إلا وأنا أدعو الله له. ثم قال: قد وجه معي ألف دينار تفرقها على أهل الحاجة، فقال له: يا أبا زكريا أنا في البيت منقطع عن الناس وقد أعفاني من كل ما أكرهه. فقال: يا أبا عبد الله، الخلفاء لا يحتملون هذا. فقال: يا أبا زكريا تلطف في ذلك فدعا له ثم قام، فلما صار إلى الدار رجع، وقال: أهكذا كنت لو وجه إليك بعض إخوانك تفعل؟ قال: نعم، فلما صرنا إلى الدهليز قال: قد أمرني أمير المؤمنين أن أدفعها إليك تفرقها، فقلت: تكون عندك إلى أن تمضي هذه الأيام. قال أبو الفضل: وقد كان وجه محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أبي في وقت قدومه بالعسكر: أحب أن تصير إلي وتعلمني الذي تعزم عليه حتى لا يكون عندي أحد. فوجه إليه: أنا رجل لم أخالط السلطان وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره وهذا مما أكره. فجهد أن يصير إليه فأبى، وكان قد أدمن الصوم لما قدم وجعل لا يأكل الدسم، وكان قبل ذلك يشترى له شحم بدرهم فيأكل منه شهرا فترك أكل الشحم وأدام الصوم والعمل وتوهمت أنه قد كان جعل على نفسه أن يفعل ذلك إن سلم، وكان حمل إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين ثم مكث إلى سنة إحدى وأربعين وكان قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه، فلما كان أول شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين حم ليلة الأربعاء وكان في خريقته قطيعات فإذا أراد الشيء أعطينا من يشتري له، وقال لي يوم الثلاثاء وأنا عنده انظر في خريقتي شيء؟ فنظرت فإذا فيها درهم، فقال: وجه، اقتض بعد السكان فوجهت فأعطيت شيئا، فقال وجه فاشتر لي تمرا وكفر عني كفارة يمين. فاشتريت وكفرت عن يمينه، وبقي من ثمن التمر ثلاثة دراهم فأخبرته، فقال: الحمد لله. وكنت أنام بالليل إلى جنبه فإذا أراد حاجة حركني فأناوله وجعل يحرك لسانه ولم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها ولم يزل يصلي قائما أمسكه فيركع ويسجد وأرفعه واجتمعت عليه أوجاع الخصر وغير ذلك ولم يزل عقله ثابتا، فلما كان يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول لساعتين من النهار توفي رحمة الله تعالى عليه

حدثنا أبو علي عيسى بن محمد الجريجي ثنا أحمد بن يحيى ثعلب النحوي، قال: كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل، فدخلت عليه فقال لي: «فيم تنظر؟» فقلت: في النحو والعربية والشعر فأنشدني أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى عليه: «[البحر الطويل]

حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، ثنا محمد بن إسحاق السراج، قال : سمعت محمد بن مسلم بن وارة، يقول: " رأيت أبا زرعة في المنام، فقلت له: ما حالك يا أبا زرعة؟ فقال: أحمد الله على الأحوال كلها، إني أحضرت فأوقفت بين يدي الله تعالى، فقال لي: يا عبيد الله لم لا تورعت من القول في عبادي، فقلت: يا رب إنهم حاولوا دينك، فقال: صدقت. ثم أتي بطاهر الحلقاني فاستعديت عليه إلى ربي فضرب الحد مائة، ثم أمر به إلى الحبس، ثم قال: ألحقوا عبيد الله بأصحابه بأبي عبد الله، وأبي عبد الله، وأبي عبد الله سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل " قال الشيخ أبو نعيم رحمة الله تعالى عليه: وكان الإمام أحمد بن حنبل موضعه من الإمامة موضع الدعامة لقدوته بالآثار وملازمته للأخيار، لا يرى له عن الآثار معدلا ولا يرى للرأي معقلا، كان في حفظ الآثار الجبل العظيم، وفي العلل والتعليل البحر العميم، ذكرنا له من رواياته اليسير وإن كان هو البحر الغزير. أدرك من أتباع التابعين ما لا يحصون كثرة

فمن غرائب حديثه ما حدثناه محمد بن الحسن، وأحمد بن جعفر بن حمدان، وسليمان بن أحمد، في آخرين قالوا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أحمد بن جعفر وحجاج قاله: ثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه». وحدثنا محمد، وأحمد، وسليمان، قالوا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا حجاج، عن شعبة، قال: أخبرني عبد الله بن عون، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وحديث شعبة عن محمد بن زياد ثابت مشهور. وحديث سعيد عن ابن عون، تفرد به حجاج ولم نكتبه إلا عن أحمد

حدثنا محمد، وأحمد، وسليمان، قالوا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا حماد بن خالد، عن مالك بن أنس، ثنا زياد بن سعيد، عن الزهري، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته ما شاء الله أن يسدل ثم فرق بعد هذا. من غرائب حديث مالك تفرد به حماد وعنه أحمد

حدثنا محمد، وأحمد، وسليمان قالوا: ثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، ثنا عبد الله بن الحارث، ثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن أيوب بن موسى، عن أيوب السختياني، عن ثابت البناني، عن أنس، قال: كنا عند ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لبى فسمعته يقول: «لبيك بحجة وعمرة معا». تفرد به أيوب بن موسى عن أيوب السختياني، ولم نكتبه إلا من حديث أحمد

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا سيار بن حاتم، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء» غريب من حديث ثابت تفرد به سيار عن جعفر. قال عبد الله: قال أبي: هذا حديث منكر، وما حدثني به إلا مرة

حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا أيوب السختياني، عن ابن نافع، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل فأرسل ما ضمر منها من الحفيا إلى ثنية الوداع، وأرسل ما لم يضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق. قال عبد الله: وكنت فارسا فسبقت الناس. غريب من حديث ابن نافع تفرد به إسماعيل بن علية عن أيوب

حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن سالم، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» غريب من حديث شعبة عن ورقاء، قيل: إنه تفرد به غندر عنه

حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم في جماعة، قالوا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ثابت، عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد ما دفن». تفرد به غندر عن شعبة

حدثنا أحمد بن يوسف بن خلاد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي قال قرأت على أبي قرة موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن أبي صالح السمان، وعطاء بن يسار، أو أحدهما، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء قولوا: اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك " غريب من حديث موسى بن عقبة تفرد به أبو قرة موسى بن طارق

حدثنا أحمد بن يوسف، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا هشيم، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع رأسه لا يجاوز بهما أذنيه». قال عبد الله: قال أبي: لم يسمعه هشيم عن الزهري، قال عبد الله: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا هشيم، عن سفيان، عن حسين، عن الزهري نحوه

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن سعيد، عن المثنى، عن قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أنه عاد أخا له فرأى جبينه يعرق، فقال: الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المؤمن يموت بعرق الجبين» غريب من حديث قتادة لم يروه عنه إلا المثنى بن سعيد الضبعي

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده، ثنا الأسود بن عامر، ثنا الحسن بن صالح، عن ابن أبي ليلى، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم يموت: «يكفن في ثوبيه ولا يغطى رأسه ولا يمس طيبا ويغسل بماء وسدر، فإنه يبعث يوم القيامة يلبي» لم يروه عن الحسن بن صالح إلا الأسود بن عامر

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، ثنا وكيع، عن أبيه، عن محمد بن أبي المجالد، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة قصاص بقصاص». تفرد به وكيع عن أبيه

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، وأحمد بن جعفر، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» ثابت صحيح متفق عليه من حديث عمارة

حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقى على الصفا: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده وصدق عبده وهزم الأحزاب وحده» ثابت صحيح من حديث جعفر

حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان، وعلي بن محمد بن حبيش، قالا: ثنا موسى بن هارون، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس، ثنا حجاج، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة فرفع يديه حتى جاوز بهما أذنيه»

حدثنا الحسن بن محمد، ثنا موسى بن هارون، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج أفأشترط؟ قال: «نعم» قالت: فكيف أقول؟ قال: " قولي: لبيك اللهم لبيك محلي من الأرض حيث تحبسني "

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا موسى بن هارون، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا روح بن عبادة، ثنا هشام بن حسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يضر امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار أو نزلت بين أبويها»

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا موسى بن هارون، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا هشيم، ثنا عبد الله بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمينك على ما صدقك به صاحبك»

قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله: حدثنا محمد بن علي، ثنا موسى بن هارون، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الوليد بن أبي هشام، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة، قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو قاعد، وإذا أراد أن يركع قام بقدر ما يقرأ الإنسان أربعين آية، قال موسى: سمعت أبا عبد الله يذكر أن يونس بن عبيد روى عن الوليد بن أبي هشام، وسمعت أبا عبد الله يقول هو ثقة

حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن أيوب، ثنا الحلواني، ثنا أحمد بن حنبل، - في سنة ثمان وعشرين في المحرم - ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية، ثنا سعيد الجريري، عن أبي عائذ سيف السعدي، عن يزيد بن البراء بن عازب - قال وكان أميرا بعمان وكان من خير الأمراء - قال: قال أبي رحمه الله تعالى: اجتمعوا فلنركم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وكيف كان يصلي فإني لا أدري ما قدر صحبتي إياكم، فجمع بنيه وأهله فدعا بوضوء فمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثا وغسل هذه اليد - يعني اليمنى - ثلاثا وغسل يده هذه ثلاثا - يعني اليسرى - ثم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل هذه الرجل ثلاثا - يعني اليمنى - وغسل هذه الرجل ثلاثا - يعني اليسرى -، قال: هكذا ما آلوت أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ثم دخل بيته فصلى صلاة ما ندري ما هي، ثم خرج فأمر بالصلاة فأقيمت فصلى بنا الظهر فأحسب أني سمعت منه آيات من يس، ثم صلى العصر، ثم صلى بنا المغرب، ثم صلى بنا العشاء، ثم قال: هكذا ما آلوت أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وكيف كان يصلي

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس بن مالك، قال: «خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين فما أعلمه قال لي قط هلا فعلت كذا وكذا ولا عاب علي شيئا قط»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا زياد بن الربيع أبو خداش اليحمدي، قال: سمعت أبا عمران الجوني، يقول: سمعت أنس بن مالك، يقول: «ما عرف اليوم شيء مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال: قلنا: فأين الصلاة؟ قال: «أو لم تضعوا في الصلاة ما قد علمتم»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا صفوان بن عيسى، وزيد بن الحباب، قالا: ثنا أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على حمزة فوقف عليه فرآه قد مثل به فقال: «لولا أن نجد صعبة لتركته حتى تأكله العافية - وما نريد العاهة - حتى يحشر من بطونها» قال: ثم دعا بنمرة فكفنه فيها فكانت إذا مدت على رأسه بدت قدماه وإذا مدت على قدميه بدا رأسه، قال فكثر القتلى وقلت الثياب، وكان يكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن أكثرهم قرآنا فيقدمه إلى القبلة، قال فدفنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليهم، وقال زيد: وكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في ثوب واحد

حدثنا أبو بكر بن خلاد، وأحمد بن جعفر بن حمدان، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا مروان بن معاوية ثنا أبو عبد الله المكي، ثنا عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العسيلة الجماع»

حدثنا أبو بكر، وأحمد بن جعفر، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الله بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة، ثنا أبو معاوية، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل حيات البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين فإنهما يخطفان - أو قال: يطمسان - الأبصار ويطرحان الأجنة من بطون النساء ومن تركهما فليس منا "

حدثنا أبو بكر، وأحمد بن جعفر، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد، ثنا أبي، ثنا عباد، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «إني لأعرف غضبك إذا غضبتي ورضاك إذا رضيتي» قالت: وكيف تعرف ذلك يا رسول الله قال: «إذا غضبت قلت يا محمد، وإذا رضيت قلت يا رسول الله»

حدثنا أبو بكر ومحمد بن علي بن حبيش، قالا: ثنا موسى بن هارون، ح وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا إدريس بن عبد الكريم الحداد المقري، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن، عباد، قال: دخلت على عائشة فقالت: «ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة ولقد اعتمرنا ثلاث عمر»

حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن أحمد المقرئ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ح، وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ، قالا: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرازق، ثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يكن فتمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء "

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبي، ثنا أبو سعيد، مولى بني هاشم، ثنا عثمان بن عبد الملك أبو قدامة العمري، حدثتنا عائشة بنت سعد، عن أم ذرة، قالت: رأيت عائشة تصلي الضحى وتقول: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أربع ركعات»

حدثنا سليمان، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا حسن بن الحسن الأشقر، ثنا جعفر الأحمر، عن مخول، عن منذر الثوري، عن أم سلمة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب لم يجترئ عليه أحد إلا علي كرم الله وجهه»

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا إدريس بن عبد الكريم، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن قتادة، عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا والله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه: فارفض عرقا "

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا إدريس بن عبد الكريم، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا إسحاق الأزرق، عن شريك، عن بيان بن بشر، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، قال: كنا نصلي مع نبينا عليه الصلاة والسلام الظهر بالهاجرة فقال لنا: «أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم»

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا إبراهيم بن خالد الصنعاني، ثنا رباح، ثنا عمر بن حبيب، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنعن الرجل أهله أن تأتي المسجد». فقال ابن لعبد الله بن عمر: إنا لنمنعهن، فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا قال: فما كلمه عبد الله حتى مات

حدثنا محمد، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا إبراهيم بن خالد، ثنا رباح، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا إسماعيل ابن علية، ثنا محمد بن السائب، عن أمه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه، قال إنه: «مثل. . . فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا مرحوم بن عبد العزيز، حدثني أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة: أن أبا بكر، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يده على صدغيه وقال: «وانبياه واخليلاه واصفياه»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن منصور أبو النصر الزعفراني، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: سألت جابرا: متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة؟ قال: " كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنريح نواضحنا، قال جعفر وإراحة النواضح حين تزول الشمس

حدثنا أبو بكر، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا محمد بن ميمون، ثنا جعفر، عن أبيه، عن جابر: أن البدن التي، نحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مائة بدنة نحر بيده ثلاثا وستين ونحر علي كرم الله وجهه ما غبر، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر ثم شرب من مرقها "

حدثنا أبو بكر، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر أبو جعفر المدائني، ثنا ورقاء، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانتهينا إلى مشرعة، فقال: «ألا تشرع يا جابر؟» قال: فقلت: بلى، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعت، قال: ثم ذهب لحاجته ووضعت له وضوءا فجاء فتوضأ ثم قام فصلى في ثوب واحد خالف بين طرفيه فقمت خلفه فأخذ بأذني فجعلني عن يمينه "

حدثنا أبو بكر، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا حماد بن خالد الخياط، ثنا عاصم بن عمر، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أضحى يوما محرما ملبيا حتى غربت الشمس غربت بذنوبه كما ولدته أمه»

حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن سالم الختلي، ثنا محمد بن يحيى المروزي، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو القاسم بن أبي الزناد، ثنا إسحاق بن حازم، عن عبد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحر فقال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»

حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن أيوب، ثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا أحمد بن حنبل إملاء من كتابه في شعبان سنة سبع وعشرين، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، أن عائشة أخبرته: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس "

حدثنا أبو بكر أحمد بن السندي بن بحر، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فمرني بليلة يوفقني الله فيها لليلة القدر قال: «عليك بالسابعة»

حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثتنا أم عمرو بنت حسان بن زيد أبو الفيض، قال عبد الله، قال أبي: وكانت عجوز صدق وما حدث أبي عن امرأة، غيرها، قالت: حدثني سعيد بن يحيى بن قيس بن عيسى - قال أبي: وكان زوجها غير أبيه - قال: بلغني أن حفصة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنت مرضت قدمت أبا بكر قال: «ليس أنا أقدمه ولكن الله عز وجل يقدمه»

حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا محمد بن عبد العزيز، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معمر بن سليمان، عن خصيف، عن مجاهد، عن عائشة، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والذهب "

حدثنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن جعفر، وروح، قالا: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «صرخ بهما جميعا أو لبى بهما جميعا»

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، وأحمد بن جعفر، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا هشيم، ثنا يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمرو بن عون، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم قال: «يقتل العقرب والفويسقة والحدأة والغراب والكلب العقور»

حدثنا محمد بن أحمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت بردا، يحدث عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبيت أحد ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة» قال: فما بت من ليلة إلا ووصيتي عندي موضوعة

حدثنا محمد بن أحمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا عثمان بن عمر القطان، أخبرنا عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع». والقزع أن يحلق الرجل رأس الصبي ويترك بعض شعره

حدثنا محمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون»

حدثنا محمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس كالإبل المائة لا توجد فيها راحلة»

حدثنا محمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى بن سعيد، عن حسين، ثنا عمرو بن شعيب، حدثني سليمان، مولى ميمونة، قالت: أتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والناس يصلون في المسجد قلت: ما يمنعك أن تصلي مع القوم؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصلوا صلاة يوم مرتين»

حدثنا محمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله، حدثني أبي قال: ثنا عبد الله بن يحيى الصنعاني القاضي، أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني، أخبره أنه، سمع ابن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت - وأحسبه قال - وسورة هود»

حدثنا محمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا معاذ بن معاذ، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام»

حدثنا محمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا الصبح بالوتر»

حدثنا محمد، وأحمد، قالا: ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى بن زكريا، قال: أخبرني عاصم الأحول، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا الصبح بالوتر»

حدثنا محمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا محمد بن مسلم، ثنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى من طريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط»

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا شجاع بن الوليد، ثنا أبو جناب الكلبي، عن عمرة، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ثلاث علي فرائض وهن عليكم تطوع: الوتر والنحر وصلاة الضحى "

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا جرير، ثنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلح قبلتان بأرض وليس على مسلم جزية»

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا جرير، ثنا قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب»

حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن أيوب، ثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك»

حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق، قال: ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للرزق»

حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا عبد القدوس، عن مسعر، عن أبي البلاد، عن الشعبي، قال: دخل رجل على عائشة وعندها ابن أم مكتوم، وهي تقطع الأترج بعسل وتطعمه فقيل لها، فقالت: «ما زال هذا له من آل محمد عليه الصلاة والسلام منذ عاتب الله عز وجل فيه نبيه»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا هشيم، قال: أخبرنا عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: " لما نزل عذري من السماء جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني فقلت: نحمد الله ولا نحمدك "

حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق السراج، ثنا محمد بن طريف أبو بكر الأعين، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم يعني خالد بن أبي يزيد، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: " سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال: «لا وجدتم»

حدثنا أبو عيسى بن محمد الجريجي، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: كنت أسمع أبي كثيرا يقول في سجوده: «اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك»، فقلت له: أسمعك كثيرا تقول في سجودك فعندك فيه أثر، فقال لي: " نعم، كنت أسمع وكيع بن الجراح كثيرا ما يقول هذا في سجوده، فسألته كما سألتني فقال: نعم، كنت سمعت سفيان الثوري يقول هذا كثيرا في سجوده فسألته كما سألتني فقال: نعم، كنت أسمع منصور بن المعتمر يقول هذا كثيرا "

  • دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 9- ص: 161

  • السعادة -ط 1( 1974) , ج: 9- ص: 161

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني.

مروزي الأصل ولد ببغداد ومات بها.

  • دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 1- ص: 66

  • دار البخاري - المدينة المنورة - بريدة-ط 1( 1995) , ج: 1- ص: 70

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل

هكذا نسبه ولده عبد الله واعتمده الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره وأما قول عباس الدوري وأبى بكر بن أبي داود إن الإمام أحمد كان من بني ذهل بن شيبان فغلطهما الخطيب وقال إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة قال وذهل بن ثعلبة هو عم ذهل بن شيبان بن ثعلبة

هو الإمام الجليل أبو عبد الله الشيباني المروزي ثم البغدادي صاحب المذهب الصابر على المحنة الناصر للسنة شيخ العصابة ومقتدى الطائفة ومن قال فيه الشافعي فيما رواه حرملة خرجت من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم من أحمد

وقال المزني أبو بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلى يوم صفين وأحمد بن حنبل يوم المحنة

وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبا زرعة يقول كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث فقلت وما يدريك فقال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب

وعن أبى زرعة حزر كتب أحمد يوم مات فبلغت اثني عشر حملا وعدلا ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حدثنا فلان وكل ذلك كان يحفظه على ظهر قلبه

وقال قتيبة بن سعيد كان وكيع إذا كانت العتمة ينصرف معه أحمد بن حنبل فيقف على الباب فيذاكره فأخذ ليلة بعضادتي الباب ثم قال يا أبا عبد الله أريد أن ألقي عليك حديث سفيان قال هات قال تحفظ عن سفيان عن سلمة بن كهيل كذا قال نعم حدثنا يحيى فيقول سلمة كذا وكذا فيقول حدثنا عبد الرحمن فيقول وعن سلمة كذا وكذا فيقول أنت حدثتنا حتى يفرغ من سلمة

ثم يقول أحمد فتحفظ عن سلمة كذا وكذا فيقول وكيع لا ثم يأخذ في حديث شيخ شيخ

قال فلم يزل قائما حتى جاءت الجارية فقالت قد طلع الكوكب أو قالت الزهرة

وقال عبد الله قال لي أبي خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك عن الكلام

وقال الخلال سمعت أبا القاسم بن الجبلي وكفاك به يقول أكثر الناس يظنون أن أحمد إذا سئل كأن علم الدنيا بين عينيه

وقال إبراهيم الحربي رأيت أحمد كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين

وقال عبد الرزاق ما رأيت أفقه من أحمد بن حنبل ولا أورع

وقال عبد الرحمن بن مهدي ما نظرت إلى أحمد بن حنبل إلا تذكرت به سفيان الثوري

وقال قتيبة خير أهل زماننا ابن المبارك ثم هذا الشاب يعني أحمد بن حنبل

وقال أيضا إذا رأيت الرجل يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة

وقال أيضا وقد قيل له تضم أحمد إلى التابعين فقال إلى كبار التابعين

وقال أيضا لولا الثوري لمات الورع ولولا أحمد لأحدثوا في الدين

وقال أيضا أحمد إمام الدنيا

وقال أيضا كما رواه الدارقطني في أسماء من روى عن الشافعي مات الثوري ومات الورع ومات الشافعي وماتت السنن ويموت أحمد ابن حنبل وتظهر البدع

وقال أبو مسهر وقد قيل له هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا أعلمه إلا شاب في ناحية المشرق يعني أحمد بن حنبل

وعن إسحاق أحمد حجة بين الله وخلقه

وقال أبو ثور وقد سئل عن مسألة قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا

فهذا يسير من ثناء الأئمة عليه رضي الله عنه

ولد سنة أربع وستين ومائة ببغداد جئ به إليها من مرو حملا

وتفقه على الشافعي وهو الحاكي عنه أنه جوز بيع الباقلاء في قشريه

وأن السيد يلاعن أمته وكان يقول ألا تعجبون من أبي عبد الله يقول يلاعن السيد عن أم ولده

واختلف الأصحاب في هذا فمنهم من قطع بخلافه وحمل قول أحمد على أن مراده بأبي عبد الله إما مالك وإما سفيان

وضعف الروياني هذا بأنه روى عنه أنه قال ألا تعجبون من الشافعي ومنهم من تأوله بتأويل آخر

قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول طلبت الحديث سنة تسع وسبعين

قلت ومن شيوخه هشيم وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعد وجرير بن عبد الحميد ويحيى القطان والوليد بن مسلم وإسماعيل بن علية وعلي بن هاشم بن البريد ومعتمر بن سليمان وغندر وبشر بن المفضل وزياد البكائي ويحيى بن

أبي زائدة وأبو يوسف القاضي ووكيع وابن نمير وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وعبد الرزاق والشافعي وخلق

وممن روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وابناه صالح وعبد الله

ومن شيوخه عبد الرزاق والحسن بن موسى الأشيب قيل والشافعي في بعض الأماكن التي قال فيها أخبرنا الثقة

وقد كنت أنا لما قرأت مسند الشافعي على شيخنا أبي عبد الله الحافظ سألته في كل مكان من تلك فكان بعضها يتعين أن يكون مراده به يحيى بن حسان كما قيل إنه المقصود به دائما وبعضها يتعين أنه يريد به إبراهيم بن أبي يحيى وبعضها يتردد

وذلك معلق عندي في مجموع مما علقته عن شيخنا رحمه الله وأكثرها لا يمكن أنه يريد به أحمد بن حنبل مثل قوله أخبرنا الثقة عن أبي إسحاق فلا يمكن أن يريد به أحمد بل إما إبراهيم بن سعد أو غيره

ومثل قوله أخبرنا الثقة عن ابن شهاب يحتمل مالكا وابن سعد وسفيان ابن عيينة ولا ثالث لهم في أشياخ الشافعي

ومثل قوله الثقة عن معمر فهو إما هشام بن يوسف الصغاني أو عبد الرزاق

ومثل قوله الثقة من أصحابنا عن هشام بن حسان قال شيخنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الحافظ لعله يحيى القطان

ومثل قوله الثقة عن زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله قال لي محمد ابن أحمد الحافظ إنه يحيى بن حسان التنيسي

ومثل مواضع أخر تركتها اختصارا

وروى عنه من أقرانه على بن المديني ويحيى بن معين ودحيم الشامي وغيرهم

قال الخطيب ولد أبو عبد الله ببغداد ونشأ بها وبهامات وطلب العلم ثم رحل

إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة

قلت وألف مسنده وهو أصل من أصول هذه الأمة

قال الإمام الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني رضي الله عنه هذا الكتاب يعني مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني قدس الله روحه أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث انتقي من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة فجعل إماما ومعتمدا وعند التنازع ملجأ ومستندا على ما أخبرنا والدي وغيره رحمهما الله أن المبارك بن عبد الجبار أبا الحسين كتب إليهما من بغداد قال

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قراءة عليه أخبرنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن عمر بن بطة قراءة عليه حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجا حدثنا موسى بن حمدون البزار قال قال لنا حنبل بن إسحاق جمعنا عمي يعني الإمام أحمد لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه يعنى تاما غيرنا وقال لنا إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلا ليس بحجة

وقال عبد الله بن أحمد رضي الله عنهما كتب أبي عشرة آلاف ألف حديث لم يكتب سوادا في بياض إلا حفظه

وقال عبد الله أيضا قلت لأبي لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند فقال عملت هذا الكتاب إماما إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إليه

وقال أيضا خرج أبى المسند من سبعمائة ألف حديث

قال أبو موسى المديني ولم يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته

ثم ذكر بإسناده إلى عبد الله ابن الإمام أحمد رضي الله عنهما قال سألت أبي

عن عبد العزيز بن أبان فقال لم أخرج عنه في المسند شيئا لما حدث بحديث المواقيت تركته

قال أبو موسى فأما عدد أحاديث المسند فلم أزل أسمع من أفواه الناس أنها أربعون ألفا إلى أن قرأت على أبي منصور بن زريق ببغداد قال أخبرنا أبو بكر الخطيب قال وقال ابن المنادي لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه يعني عبد الله ابن الإمام أحمد ابن حنبل لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفا والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفا سمع منها ثلاثين ألفا والباقي زيادة فلا أدري هذا الذي ذكر ابن المنادي أراد به مالا مكرر فيه أو أراد غيره مع المكرر فيصح القولان جميعا والاعتماد على قول ابن المنادي دون غيره

قال ولو وجدنا فراغا لعددناه إن شاء الله تعالى فأما عدد الصحابة رضي الله عنهم فيه فنحو من سبعمائة رجل

قال أبو موسى ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد رضي الله عنه مسنده قد احتاط فيه إسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح سنده ما أخبرنا به أبو علي الحداد

قال أخبرنا أبو نعيم وأخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب قالا أخبرنا القطيعي حدثنا عبد الله قال حدثنا أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (يهلك أمتي هذا الحي من قريش قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال لو أن الناس اعتزلوهم)

قال عبد الله قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله صلى الله عليه وسلم (اسمعوا وأطيعوا)

وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه فكان على ما قلناه آخر ما ذكره أبو موسى المديني رحمه الله مختصرا

قال الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه الله تعالى أخبرنا الحسين بن شجاع الصوفي قال أخبرنا عمر بن جعفر بن محمد بن سلم حدثنا أحمد بن علي الأبار قال سمعت سفيان بن وكيع يقول أحمد عندنا محنة من عاب أحمد عندنا فهو فاسق

وقال الخطيب أيضا حدثني الحسن بن أبي طالب حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان حدثنا محمد بن علي المقري قال أنشدنا أبو جعفر محمد بن بدينا الموصلي قال أنشدني ابن أعين في الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه

روى كلام سفيان بن وكيع وهذين البيتين الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر رحمه الله في بعض تصانيفه فقال

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الفقيه وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون قالا أخبرنا الخطيب فذكرهما

وأما زهد الإمام أحمد رضي الله عنه وورعه وتقلله من الدنيا فقد سارت بأخباره الركبان

وقد أفرد جماعة من الأئمة التصنيف في مناقبه منهم البيهقي وأبو إسماعيل الأنصاري وأبو الفرج بن الجوزي

توفي رحمه الله سنة إحدى وأربعين ومائتين لا ثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وقد غلط ابن قانع وغيره فقالوا ربيع الآخر

قال المروذي مرض أبو عبد الله ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من ربيع الأول ومرض تسعة أيام وكان ربما أذن للناس فيدخلون عليه أفواجا يسلمون عليه ويرد عليهم وتسامع الناس وكثروا وسمع السلطان بكثرة الناس فوكل ببابه وبباب الزقاق الرابطة وأصحاب الأخبار ثم أغلق باب الزقاق فكان الناس في الشوارع والمساجد حتى تعطل بعض الباعة وحيل بينهم وبين البيع والشراء وكان الرجل إذا أراد أن يدخل إليه ربما دخل من بعض الدور وطرز الحاكة وربما تسلق وجاء أصحاب الأخبار فقعدوا على الأبواب وجاءه حاجب ابن طاهر فقال إن الأمير يقرئك السلام وهو يشتهي أن يراك فقال هذا مما أكره وأمير المؤمنين أعفاني مما أكره وأصحاب الخبر يكتبون بخبره إلى العسكر والبرد تختلف كل يوم وجاء بنو هاشم فدخلوا عليه وجعلوا يبكون عليه وجاء قوم من القضاة وغيرهم فلم يؤذن لهم ودخل عليه شيخ فقال اذكر وقوفك بين يدي الله فشهق أبو عبد الله وسالت الدموع على خديه

فلما كان قبل وفاته بيوم أو يومين قال ادعوا لي الصبيان بلسان ثقيل فجعلوا ينضمون إليه فجعل يشمهم ويمسح بيده على رؤوسهم وعينه تدمع وأدخلت الطست تحته فرأيت بوله دما عبيطا ليس فيه بول فقلت للطبيب فقال هذا رجل قد فتت الحزن والغم جوفه

واشتدت علته يوم الخميس ووضأته فقال خلل الأصابع فلما كانت ليلة الجمعة ثقل وقبض صدر النهار فصاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء حتى كأن الدنيا قد ارتجت وامتلأت السكك والشوارع

قال المروذي أخرجت الجنازة بعد منصرف الناس من الجمعة

قال موسى بن هارون الحافظ يقال إن أحمد لما مات مسحت الأرض المبسوطة التي وقف الناس للصلاة عليها فحصر مقادير الناس بالمساحة على التقدير ستمائة ألف وأكثر سوى ما كان في الأطراف والأماكن المتفرقة

قلت وقيل في عدد المصلين عليه كثير قيل كانوا ألف ألف وثلثمائة ألف سوى من كان في السفن في الماء كذا رواه خشنام بن سعيد

وقال ابن أبي حاتم سمعت أبا زرعة يقول بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف عليه الناس حيث صلى على أحمد فبلغ مقام ألفى ألف وخمسمائة ألف

وعن الوركاني وهو رجل كان يسكن إلى جوار الإمام أحمد قال أسلم يوم مات أحمد من اليهود والنصارى والمجوس عشرون ألفا وفي لفظ عشرة آلاف

قال شيخنا الذهبي وهي حكاية منكرة تفرد بها الوركاني والراوى عنه قال والعقل يحيل أن يقع مثل هذا الحادث في بغداد ولا يرويه جماعة تتوفر دواعيهم على نقل ما هو دونه بكثير وكيف يقع مثل هذا الأمر ولا يذكره المروزى ولا صالح ابن أحمد ولا عبد الله ولا حنبل الذين حكوا من أخبار أبي عبد الله جزئيات كثيرة

قال فوالله لو أسلم يوم موته عشرة أنفس لكان عظيما ينبغي أن يرويه نحو من عشرة أنفس

أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا عبد الواسع بن عبد الكافي الأبهري إجازة أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي جعفر بن علي القرظي سماعا أخبرنا القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن علي بن عساكر أخبرنا عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري إجازة وحدثنا عنه به أبي سماعا

ح قال ابن المظفر وأخبرنا يوسف بن محمد المصري إجازة أخبرنا إبراهيم بن بركات الخشوعي سماعا أخبرنا الحافظ أبو القاسم إجازة أخبرنا عبد الجبار الخواري حدثنا الإمام أبو سعيد القشيري إملاء حدثنا الحاكم أبو جعفر محمد بن محمد الصفار أخبرنا عبد الله بن يوسف قال سمعت محمد بن عبد لله الرازي قال سمعت أبا جعفر محمد الملطي يقول قال الربيع بن سليمان إن الشافعي رضي الله عنه خرج إلى مصر فقال لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به وسلمه إلى أبي عبد الله وائتني بالجواب

قال الربيع فدخلت بغداد ومعي الكتاب فصادفت أحمد ابن حنبل في صلاة الصبح فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر فقال لي أحمد نظرت فيه فقلت لا فكسر الختم وقرأ وتغرغرت عيناه فقلت له أيش فيه أبا عبد الله فقال يذكر فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له اكتب إلى أبي عبد الله فاقرأ عليه السلام وقل له إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم فيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت له البشارة يا أبا عبد الله فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده فأعطانيه فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى الشافعي رضي الله عنه فقال أيش الذي أعطاك فقلت قميصه فقال الشافعي ليس نفجعك به ولكن بله وادفع إلي الماء لأتبرك به

قال العباس بن محمد الدوري سمعت أبا جعفر الأنباري يقول لما حمل أحمد يراد به المأمون اجتزت فعبرت الفرات إليه فإذا هو في الخان فسلمت عليه فقال يا أبا جعفر تعنيت فقلت ليس هذا عناء قال فقلت له يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك فوالله إن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت

ولابد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شئ فجعل أحمد يبكى وهو يقول ما شاء الله ما شاء الله قال ثم قال لي أحمد يا أبا جعفر أعد علي ما قلت قال فأعدت عليه قال فجعل أحمد يقول ما شاء الله ما شاء الله

وقال دعلج بن أحمد السجستاني حدثنا أبو بكر السهروردي بمكة قال رأيت أبا ذر بسهرورد وقد قدم مع واليها وكان مقطعا بالبرص يعني وكان ممن ضرب أحمد بين يدي المعتصم قال دعينا في تلك الليلة ونحن خمسون ومائة جلاد فلما أمرنا بضربه كنا نغدوا على ضربه ونمر ثم يجئ الآخر على أثره ثم يضرب

وقال دعلج أيضا حدثنا الخضر بن داود أخبرني أبو بكر النحامي قال لما كان في تلك الغداة التي ضرب فيها أحمد بن حنبل زلزلنا ونحن بعبادان

وقال البخاري لما ضرب أحمد كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد يقول لو كان هذا في بني إسرائيل لكان أحدوثة

ذكر الداهية الدهياء والمصيبة الصماء وهي محنة علماء الزمان ودعاؤهم إلى القول بخلق القرآن وقيام الأحمدين ابن حنبل الشيباني وابن نصر الخزاعي رضي الله عنهما مقام الصديقين وما اتفق في تلك الكائنة من أعاجيب تتناقلها الرواة على ممر السنين

كان القاضي أحمد بن أبي دؤاد ممن نشأ في العلم وتضلع بعلم الكلام وصحب فيه هياج بن العلاء السلمي صاحب واصل بن عطاء أحد رءوس المعتزلة وكان ابن أبي دؤاد رجلا فصيحا قال أبو العيناء ما رأيت رئيسا قط أفصح ولا أنطق منه وكان كريما ممدحا وفيه يقول بعضهم

وكان معظما عند المأمون أمير المؤمنين يقبل شفاعاته ويصغي إلى كلامه وأخباره في هذا كثيرة

فدس ابن أبي دؤاد له القول بخلق القرآن وحسنه عنده وصيره يعتقده حقا مبينا إلى أن أجمع رأيه في سنة ثمان عشرة ومائتين على الدعاء إليه فكتب إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين في امتحان العلماء كتابا يقول فيه

وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ولا استضاء بنور العلم وبرهانه أهل جهالة بالله وعمى عنه وضلالة عن حقيقة دينه وقصور أن يقدروا الله حق قدره ويعرفوه كنه معرفته ويفرقوا بينه وبين خلقه وذلك أنهم ساووا بين الله وبين خلقه وبين ما أنزل من القرآن فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه وقد قال تعالى {إنا جعلناه قرآنا عربيا} فكل ما جعله الله فقد خلقه كما قال {وجعل الظلمات والنور} وقال {نقص عليك من أنباء ما قد سبق} فأخبره أنه قصص لأمور أحدثه بعدها وقال {أحكمت آياته ثم فصلت} والله محكم كتابه ومفصله فهو خالقه ومبتدعه ثم انتسبوا إلى السنة وأنهم أهل الحق والجماعة وأن من سواهم أهل الباطل والكفر فاستطالوا بذلك وغروا به الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم فنزعوا الحق إلى باطلهم واتخذوا دون الله وليجة إلى ضلالهم

إلى أن قال فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة المنقوصون من التوحيد حظا

أوعية الجهالة وأعلام الكذب ولسان إبليس الناطق في أوليائه والهائل على أعدائه من أهل دين الله وأحق أن يتهم في صدقه وتطرح شهادته ولا يوثق به من عمي عن رشده وحظه من الإيمان بالتوحيد وكان عما سوى ذلك أعمى وأضل سبيلا ولعمر أمير المؤمنين إن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه وتخرص الباطل ولم يعرف الله حق معرفته فاجمع من بحضرتك من القضاة فاقرأ عليهم كتابنا وامتحنهم فيما يقولون واكشفهم عما يعتقدون في خلق الله وإحداثه وأعلمهم أني غير مستعين في عمل ولا واثق بمن لا يوثق بدينه

فإذا أقروا بذلك ووافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود ومسألتهم عن علمهم في القرآن وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك

وكتب المأمون إليه أيضا في إشخاص سبعة أنفس وهم

محمد بن سعد كاتب الواقدي ويحيى بن معين وأبو خيثمة وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون وإسماعيل بن داود وإسماعيل بن أبي مسعود وأحمد بن إبراهيم الدورقي

فأشخصوا إليه فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه فردهم من الرقة إلى بغداد وسبب طلبهم أنهم توقفوا أولا ثم أجابوه تقية

وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يحضر الفقهاء ومشايخ الحديث ويخبرهم بما أجاب به هؤلاء السبعة ففعل ذلك فأجابه طائفة وامتنع آخرون

فكان يحيى بن معين وغيره يقولون أجبنا خوفا من السيف

ثم كتب المأمون كتابا آخر من جنس الأول إلى إسحاق وأمره بإحضار من امتنع فأحضر جماعة منهم أحمد ابن حنبل وبشر بن الوليد الكندي وأبو حسان الزيادى

وعلي بن أبي مقاتل والفضل بن غانم وعبيد الله بن عمر القواريري وعلي بن الجعد وسجادة والذيال بن الهيثم وقتيبة بن سعيد وكان حينئذ ببغداد وسعدويه الواسطي وإسحاق بن أبي إسرائيل وابن الهرش وابن علية الأكبر ومحمد بن نوح العجلي ويحيى بن عبد الرحمن العمري وأبو نصر التمار وأبو معمر القطيعي ومحمد بن حاتم بن ميمون وغيرهم وعرض عليهم كتاب المأمون فعرضوا ووروا ولم يجيبوا ولم ينكروا

فقال لبشر بن الوليد ما تقول قال قد عرفت أمير المؤمنين غير مرة قال والآن فقد تجدد من أمير المؤمنين كتاب قال أقول كلام الله قال لم أسألك عن هذا أمخلوق هو قال ما أحسن غير ما قلت لك وقد استعهدت أمير المؤمنين أن لا أتكلم فيه

ثم قال لعلي بن أبي مقاتل ما تقول قال القرآن كلام الله وإن أمرنا أمير المؤمنين بشئ سمعنا وأطعنا

وأجاب أبو حسان الزيادي بنحو من ذلك

ثم قال لأحمد ابن حنبل ما تقول قال كلام الله قال أمخلوق هو قال هو كلام الله لا أزيد على هذا

ثم امتحن الباقين وكتب بجواباتهم

وقال ابن البكاء الأكبر أقول القرآن مجعول ومحدث لورود النص بذلك فقال له إسحاق بن إبراهيم والمجعول مخلوق قال نعم قال فالقرآن مخلوق قال لا أقول مخلوق

ثم وجه بجواباتهم إلى المأمون فورد عليه كتاب المأمون

بلغنا ما أجاب به متصنعة أهل القبلة وملتمسو الرياسة فيما ليسوا له بأهل فمن لم يجب أنه مخلوق فامنعه من الفتوى والرواية

ويقول في الكتاب فأما ما قال بشر فقد كذب ولم يكن جرى بين أمير المؤمنين وبينه في ذلك عهد أكثر من إخبار أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص والقول بأن القرآن مخلوق فادع به إليك فإن تاب فأشهر أمره وإن أصر على شركه ودفع أن يكون القرآن مخلوقا بكفره وإلحاده فاضرب عنقه وابعث إلينا برأسه

وكذلك إبراهيم بن المهدي فامتحنه فإن أجاب وإلا فاضرب عنقه

وأما علي بن أبي مقاتل فقل له ألست القائل لأمير المؤمنين إنك تحلل وتحرم وأما الذيال فأعلمه أنه كان في الطعام الذي سرقه من الأنبار ما يشغله

وأما أحمد بن يزيد أبو العوام وقوله إنه لا يحسن الجواب في القرآن فأعلمه أنه صبي في عقله لا في سنه جاهل سيحسن الجواب إذا أدب ثم إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك

وأما أحمد بن حنبل فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى مقالته واستدل على جهله وآفته بها

وأما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان فيه بمصر وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة يعني في ولايته القضاء

وأما الزيادي فأعلمه أنه كان منتحلا ولاء دعي فأنكر أبو حسان أن يكون مولى لزياد بن أبيه وإنما قيل له الزيادي لأمر من الأمور

قال وأما أبو نصر التمار فإن أمير المؤمنين شبه خساسة عقله بخساسة متجره وأما ابن نوح وابن حاتم فأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على التوحيد

وأن أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله إلا لإربائهم وما نزل به كتاب الله في أمثالهم لاستحل ذلك فكيف بهم وقد جمعوا مع الإرباء شركا وصاروا للنصارى شبها

وأما ابن شجاع فأعلمه أنك صاحبه بالأمس والمستخرج منه ما استخرجته من المال الذي كان استحل من مال الأمير علي بن هشام

وأما سعدويه الواسطي فقل له قبح الله رجلا بلغ به التصنع للحديث والحرص على الرياسة فيه أن يتمنى وقت المحنة

وأما المعروف بسجادة وإنكاره أن يكون سمع ممن كان يجالس من العلماء القول بأن القرآن مخلوق فأعلمه أن في شغله بإعداد النوى وحكه لإصلاح سجادته وبالودائع التي دفعها إليه علي بن يحيى وغيره ما أذهله عن التوحيد

وأما القواريري ففيما تكشف من أحواله وقبوله الرشا والمصانعات ما أبان عن مذهبه وسوء طريقته وسخافة عقله ودينه

وأما يحيى العمري فإن كان من ولد عمر بن الخطاب فجوابه معروف

وأما محمد بن الحسن بن علي بن عاصم فإنه لو كان مقتديا بمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة التي حكيت عنه وأنه بعد صبي يحتاج إلى أن يعلم

وقد كان أمير المؤمنين وجه إليك المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أمير المؤمنين عن محنته في القرآن فجمجم عنها ولجلج فيها حتى دعاه أمير المؤمنين بالسيف فأقر ذميما فانصصه عن إقراره فإن كان مقيما عليه فأشهر ذلك وأظهره

ومن لم يرجع عن شركه ممن سميت بعد بشر وابن المهدي فاحملهم موثوقين إلى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم فإن لم يرجعوا حملهم على السيف

قال فأجابوا كلهم عند ذلك إلا أحمد بن حنبل وسجادة ومحمد بن نوح والقواريري فأمر بهم إسحاق فقيدوا ثم سألهم من الغد وهم في القيود فأجاب سجادة ثم عاودهم ثالثا فأجاب القواريري ووجه بأحمد بن حنبل ومحمد بن نوح المضروب إلى طرسوس ثم بلغ المأمون أنهم أجابوا مكرهين فغضب وأمر بإحضارهم

إليه فلما صاروا إلى الرقة بلغتهم وفاة المأمون وكذا جاء الخبر بموت المأمون إلى أحمد ولطف الله وفرج

وأما محمد بن نوح فكان عديلا لأحمد بن حنبل في المحمل فمات فغسله أحمد بالرحبة وصلى عليه ودفنه رحمه الله تعالى

وأما المأمون فمرض بالروم فلما اشتد مرضه طلب ابنه العباس ليقدم عليه وهو يظن أنه لا يدركه فأتاه وهو مجهود

وقد نفذت الكتب إلى البلدان فيها من عبد الله المأمون وأخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده بهذا النص فقيل إن ذلك وقع بأمر المأمون وقيل بل كتبوا ذلك وقت غشي أصابه فأقام العباس عنده أياما حتى مات

وكان المأمون قد كتب وصية تطول حكايتها ضمنها تحريض الخليفة بعده على حمل الخلق على القول بخلق القرآن ثم توفي في رجب ودفن بطرسوس واستقل أمير المؤمنين المعتصم بالخلافة

فكان من سعادة المأمون موته قبل أن يحضر أحمد بن حنبل إلى بين يديه فلم يكن ضربه على يديه

وكانت هذه الفتنة عظيمة الموقع وأول من امتحن فيها من العلماء عفان بن مسلم الحافظ ولما دعي وعرض عليه القول بخلق القرآن فامتنع قيل قد رسمنا بقطع عطائك وكان يعطى ألف درهم في كل شهر فقال {وفي السماء رزقكم وما توعدون} وكانت عنده عائلة كبيرة قيل فدق عليه الباب داق في ذلك اليوم لا يعرف وقال خذ هذه الألف ولك كل شهر عندي ألف يا أبا عثمان ثبتك الله كما ثبت الدين ثم امتحن الناس بعده

قال محمد بن إبراهيم البوشنجي سمعت أحمد ابن حنبل يقول تبينت الإجابة في دعوتين دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون ودعوته أن لا أرى المتوكل فلم أر المأمون مات بالبذندون وهو نهر الروم وأحمد محبوس بالرقة حتى بويع المعتصم بالروم ورجع فرد أحمد إلى بغداد

وأما المتوكل فإنه لما أحضر أحمد دار الخلافة ليحدث ولده قعد له المتوكل في خوخة حتى نظر إلى أحمد ولم يره أحمد

قال صالح لما صدر أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس ردا في أقيادهما فلما صار إلى الرقة حملا في سفينة فلما وصلا إلى عانات توفي محمد فأطلق عنه قيده وصلى عليه أبي

وقال حنبل قال أبو عبد الله ما رأيت أحدا على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح وإني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير قال لي ذات يوم يا أبا عبد الله الله الله إنك لست مثلي أنت رجل يقتدى بك قد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله أو نحو هذا فمات وصليت عليه ودفنته أظنه قال بعانة

قال صالح صار أبي إلى بغداد مقيدا فمكث بالياسرية أياما ثم حبس بدار اكتريت له عند دار عمارة ثم نقل بعد ذلك إلى حبس العامة في درب الموصلية فقال إني كنت أصلي بأهل السجن وأنا مقيد فلما كان في رمضان سنة تسع عشرة حولت إلى دار إسحاق بن إبراهيم

وأما حنبل بن إسحاق فقال حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد في إسطبل لمحمد بن إبراهيم أخي إسحاق بن إبراهيم وكان في حبس ضيق ومرض في رمضان فحبس في ذلك الحبس قليلا ثم حول إلى حبس العامة فمكث في السجن نحوا من ثلاثين شهرا فكنا نأتيه ونقرأ عليه كتاب الإرجاء وغيره في الحبس فرأيته يصلي بأهل الحبس

وعليه القيد وكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصلاة والنوم

وكان يوجه إلي كل يوم برجلين أحدهما يقال له أحمد بن رباح والآخر أبو شعيب الحجام فلا يزالان يناظراني حتى إذا أرادا الانصراف دعي بقيد فزيد في قيودي قال فصار في رجله أربعة أقياد

قال أبي فلما كان في اليوم الثالث دخل علي أحد الرجلين فناظرني فقلت له ما تقول في علم الله

قال علم الله مخلوق

فقلت له كفرت

فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم إن هذا رسول أمير المؤمنين

فقلت له إن هذا قد كفر

فلما كان في الليلة الرابعة وجه يعني المعتصم ببغا الذي كان يقال له الكبير إلى إسحاق فأمره بحملي إليه فأدخلت على إسحاق فقال يا أحمد إنها والله نفسك إنه لا يقتلك بالسيف إنه قد آلى إن لم تجبه أن يضربك ضربا بعد ضرب وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه شمس ولا قمر أليس قد قال الله عز وجل {إنا جعلناه قرآنا عربيا} أفيكون مجعولا إلا مخلوقا قلت فقد قال تعالى {فجعلهم كعصف مأكول} أفخلقهم قال فسكت

فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان أخرجت وجئ بدابة فحملت عليها وعلي الأقياد ما معي أحد يمسكني فكدت غير مرة أن أخر على وجهى

لثقل القيود فجئ بي إلى دار المعتصم فأدخلت حجرة وأدخلت إلى بيت وأقفل الباب علي وذلك في جوف الليل وليس في البيت سراج فأردت أن أتمسح للصلاة فمددت يدي فإذا أنا بإناء فيه ماء وطست موضوع فتوضأت وصليت

فلما كان من الغد أخرجت تكتي من سراويلي وشددت بها الأقياد أحملها وعطفت سراويلي فجاء رسول المعتصم فقال أجب فأخذ بيدي وأدخلني عليه والتكة في يدي أحمل بها الأقياد وإذا هو جالس وابن أبي دؤاد حاضر وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه فقال له يعني المعتصم أدنه أدنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال لي اجلس فجلست وقد أثقلتني الأقياد فمكثت قليلا ثم قلت أتأذن لي في الكلام فقال تكلم

فقلت إلى ما دعا الله ورسوله

فسكت هنيئة ثم قال إلى شهادة أن لا إله إلا الله

فقلت فأنا أشهد أن لا إله إلا الله

ثم قلت إن جدك ابن عباس يقول لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الإيمان فقال (أتدرون ما الإيمان قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا الخمس من المغنم)

قال أبي قال يعني المعتصم لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت لك ثم قال يا عبد الرحمن بن إسحاق ألم آمرك برفع المحنة فقلت الله أكبر إن في هذا لفرجا للمسلمين

ثم قال لهم ناظروه كلموه يا عبد الرحمن كلمه

فقال لي عبد الرحمن ما تقول في القرآن

قلت له ما تقول في علم الله فسكت

فقال لي بعضهم أليس قد قال الله تعالى {الله خالق كل شيء} والقرآن أليس هو شئ فقلت قال الله {تدمر كل شيء بأمر ربها} فدمرت إلا ما أراد الله فقال بعضهم قال الله عز وجل {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} أفيكون محدثا إلا مخلوقا

فقلت قال الله {ص والقرآن ذي الذكر} فالذكر هو القرآن وتلك ليس فيها ألف ولا لام

وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين أن الله عز وجل خلق الذكر

فقلت هذا خطأ حدثنا غير واحد أن الله كتب الذكر

واحتجوا بحديث ابن مسعود ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي

فقلت إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على القرآن

فقال بعضهم حديث خباب يا هنتاه تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشئ أحب إليه من كلامه

فقلت هكذا هو

قال صالح بن أحمد فجعل أحمد بن أبي دؤاد ينظر إلى أبي كالمغضب

قال أبي وكان يتكلم هذا فأرد عليه ويتكلم هذا فأرد عليه فإذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دؤاد فيقول يا أمير المؤمنين هو والله ضال مضل مبتدع فيقول

كلموه ناظروه فيكلمني هذا فأرد عليه ويكلمني هذا فأرد عليه فإذا انقطعوا يقول لي المعتصم ويحك يا أحمد ما تقول فأقول يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به فيقول ابن أبي دؤاد أنت لا تقول إلا ما في كتاب الله أو سنة رسول الله فقلت له تأولت تأويلا فأنت أعلم وما تأولت ما يحبس عليه وما يقيد عليه

ثم إن المعتصم دعا أحمد مرتين في مجلسين يطول شرحهما وهو يدعوه إلى البدعة وأحمد رضي الله عنه يأبى عليه أشد الإباء

قال أحمد رضي الله عنه ولما كانت الليلة الثالثة قلت خليق أن يحدث غدا من أمرى شئ فقلت لبعض من كان معي الموكل بي ارتد لي خيطا فجاءني بخيط فشددت به الأقياد ورددت التكة إلى سراويلي مخافة أن يحدث من أمرى شئ فأتعرى

فلما كان من الغد في اليوم الثالث وجه إلي فأدخلت فإذا الدار غاصة فجعلت أدخل من موضع إلى موضع وقوم معهم السيوف وقوم معهم السياط وغير ذلك ولم يكن في اليومين الماضيين كثير أحد من هؤلاء فلما انتهيت إليه قال اقعد ثم قال ناظروه كلموه فجعلوا يناظروني ويتكلم هذا فأرد عليه وجعل صوتي يعلو أصواتهم فجعل بعض من على رأسه قائم يومي إلي بيده فلما طال المجلس نحاني ثم خلا بهم ثم نحاهم وردني إلى عنده وقال ويحك يا أحمد أجبني حتى أطلق عنك بيدي فرددت عليه نحوا مما كنت أرد فقال لي عليك وذكر اللعن وقال خذوه واسحبوه واخلعوه قال فسحبت ثم خلعت

قال وقد كان صار إلي شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم في كم قميصى فوجه إلى إسحاق ابن إبراهيم ما هذا المصرور في كمك قلت شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال وسعى بعض القوم إلى القميص ليخرقه علي فقال لهم يعني المعتصم لا تخرقوه فنزع القميص عني قال فظننت أنه إنما درئ عن القميص الخرق بسبب الشعر الذي كان فيه

قال وجلس على كرسي يعني المعتصم ثم قال العقابين والسياط فجيء بالعقابين فمدت يداي فقال بعض من حضر خلفي خذ بأي الخشبتين بيديك وشد عليهما فلم أفهم ما قال فتخلعت يداي

وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي ذكروا أن المعتصم لان في أمر أحمد لما علق في العقابين ورأى ثبوته وتصميمه وصلابته في أمره حتى أغراه ابن أبي دؤاد وقال له إن تركته قيل إنك تركت مذهب المأمون وسخطت قوله فهاجه ذلك على ضربه

قال صالح قال أبى لما جئ بالسياط نظر إليها المعتصم وقال ائتوني بغيرها ثم قال للجلادين تقدموا فجعل يتقدم إلي الرجل منهم فيضربني سوطين فيقول له شد قطع الله يدك ثم يتنحى ويتقدم الآخر فيضربني سوطين وهو يقول في كل ذلك شد قطع الله يدك فلما ضربت تسعة عشر سوطا قام إلي يعني المعتصم فقال يا أحمد علام تقتل نفسك إني والله عليك لشفيق

قال فجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه ويقول أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم

وجعل بعضهم يقول ويلك الخليفة على رأسك قائم وقال بعضهم يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقتله وجعلوا يقولون يا أمير المؤمنين أنت صائم وأنت في الشمس قائم فقال لي ويحك يا أحمد ما تقول فأقول أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول به فرجع وجلس وقال للجلاد تقدم وأوجع قطع الله يدك ثم قام الثانية فجعل يقول ويحك يا أحمد أجبني فجعلوا يقبلون علي ويقولون يا أحمد

إمامك على رأسك قائم وجعل عبد الرحمن يقول من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع وجعل المعتصم يقول ويحك أجبنى إلى شئ لك فيه أدني فرج حتى أطلق عنك بيدي فقلت يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله فرجع وقال للجلادين تقدموا فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتنحي في خلال ذلك يقول شد قطع الله يدك

قال أبي فذهب عقلي فأفقت بعد ذلك فإذا الأقياد قد أطلقت عني فقال لي رجل ممن حضر إنا كببناك على وجهك وطرحناك على ظهرك ودسناك قال أبي فما شعرت بذلك وأتوني بسويق فقالوا لي اشرب وتقيأ فقلت لا أفطر

ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم فحضرت صلاة الظهر فتقدم ابن سماعة فصلى فلما انفتل من الصلاة قال لي صليت والدم يسيل في ثوبك فقلت قد صلى عمر وجرحه يثغب دما

قال صالح ثم خلي عنه فصار إلى منزله وكان مكثه في السجن مذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرا

ولقد أخبرني أحد الرجلين اللذين كانا معه قال يا ابن أخي رحمة الله على أبي عبد الله والله ما رأيت أحدا يشبهه ولقد جعلت أقول له في وقت ما يوجه إلينا بالطعام يا أبا عبد الله أنت صائم وأنت في موضع تقية ولقد عطش فقال لصاحب الشراب ناولني فناوله قدحا فيه ماء وثلج فأخذه ونظر إليه هنيئه ثم رده ولم يشرب فجعلت أتعجب من صبره على الجوع والعطش وهو فيما هو فيه من الهول

قال صالح كنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا في تلك الأيام فلم أقدر

وأخبرني رجل حضره أنه تفقده في هذه الأيام الثلاثة وهم يناظرونه فما لحن في كلمة قال وما ظننت أن أحدا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه

وروى أنه لما ضرب سوطا قال بسم الله فلما ضرب الثاني قال لا حول ولا قوة إلا بالله فلما ضرب الثالث قال القرآن كلام الله غير مخلوق فلما ضرب الرابع قال {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} فضربه تسعة وعشرين سوطا

وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل إلى عانته فرمى بطرفه إلى السماء وحرك شفتيه فما كان بأسرع من ثبوت السراويل على حاله لم تتزحزح

قال الراوي فدخلت على أحمد بعد سبعة أيام فقلت يا أبا عبد الله رأيتك وقد انحل سراويلك فرفعت طرفك نحو السماء فثبت ما الذي قلت قال قلت اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي سترا

وفي رواية لما أقبل الدم من أكتافه انقطع خيط السراويل ونزل فرفع طرفه إلى السماء فعاد من لحظته فسئل أحمد فقال قلت إلهي وسيدي وقفتني هذا الموقف فلا تهتكني على رءوس الخلائق

وروي أنه كان كلما ضرب سوطا أبرأ ذمة المعتصم فسئل فقال كرهت أن آتي يوم القيامة فيقال هذا غريم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أو رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

فهذا مختصر من حال الإمام أحمد في المحنة رحمه الله تعالى ورضي عنه

وأما الأستاذ أحمد بن نصر الخزاعي ذو الجنان واللسان والثبات وإن اضطرب المهند والسنان والوثبات وإن ملأت نار الفتنة كل مكان فإنه كان شيخا جليلا قوالا بالحق أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر وكان من أولاد الأمراء وكانت محنته على يد الواثق

قال له ما تقول في القرآن قال كلام الله وأصر على ذلك غير متلعثم فقال بعض الحاضرين هو حلال الدم فقال ابن أبى دؤاد يا أمير المؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقل يؤخر أمره ويستتاب فقال الواثق ما أراه إلا مؤديا لكفره قائما بما يعتقده منه ثم دعا بالصمصامة وقال إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد وأمر أن يشد رأسه بحبل وأمرهم أن يمدوه ومشى إليه فضرب عنقه وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فنصبت بالجانب الشرقي أياما وفي الجانب الغربي أياما وتتبع رؤوس أصحابه فسجنوا

وقال الحسن بن محمد الخرقي سمعت جعفر بن محمد الصائغ يقول رأيت أحمد بن نصر حيث ضربت عنقه قال رأسه لا إله إلا الله

قال المروذي سمعت أبا عبد الله وذكر أحمد بن نصر فقال رحمه الله ما كان أسخاه لقد جاد بنفسه

وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ في ترجمة أبي العباس أحمد بن سعيد المروذي وهو في الطبقة الخامسة من تاريخ نيسابور سمعت أبا العباس السياري يقول سمعت أبا العباس بن سعد يقول لم يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مرو أحمد بن حنبل أبو عبد الله وأحمد بن نصر بن مالك الخزاعي ومحمد بن نوح بن ميمون المضروب ونعيم بن حماد وقد مات في السجن مقيدا

فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه وهذه نسخة الرقعة المعلقة في أذن أحمد بن نصر بن مالك

بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام

هارون وهو الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة فجعله الله إلى ناره وكتب محمد بن عبد الملك

ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون

والمعتصم ضرب أحمد ابن حنبل

والواثق قتل أحمد بن نصر بن مالك وكذلك نعيم بن حماد

ولما جلس المتوكل دخل عليه عبد العزيز بن يحيى الكناني فقال يا أمير المؤمنين ما رؤي أعجب من أمر الواثق قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن قال فوجد المتوكل من ذلك وساءه ما سمعه في أخيه إذ دخل عليه محمد بن عبد الملك الزيات فقال له يا ابن عبد الملك في قلبي من قتل أحمد بن نصر فقال يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا

قال ودخل عليه هرثمة فقال يا هرثمة في قلبي من قتل أحمد بن نصر فقال يا أمير المؤمنين قطعني الله إربا إربا إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا

قال ودخل عليه أحمد بن أبي دؤاد فقال يا أحمد في قلبي من قتل أحمد بن نصر فقال يا أمير المؤمنين ضربني الله بالفالج إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا

قال المتوكل فأما الزيات فأنا أحرقته بالنار وأما هرثمة فإنه هرب وتبدى واجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي فقال يا معشر خزاعة هذا الذي قتل أحمد بن نصر فقطعوه إربا إربا

وأما أحمد بن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده

قلت وبلغني وما أراه إلا في تاريخ الحاكم أن بعض الأمراء خرج يتصيد فألقاه السير على أرض فنزل بها فبحث بعض غلمانه في التراب فحفر حتى رأي ميتا في قبره طريا وهو في ناحية ورأسه في ناحية وفى أذنه رقعة عليها شئ مكتوب فأحضر

من قرأه فإذا هو بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس أحمد بن نصر الكلمات السابقة فعلموا أنه رأس أحمد الخزاعي فدفن ورفع سنام قبره وكان هذا في زمن الحاكم أبي عبد الله الحافظ وهو على طراوته وكيف لا وهو شهيد رحمه الله ورضي عنه

وقد طال أمر هذه الفتنة وطار شررها واستمرت من هذه السنة التي هي سنة ثمان عشرة ومائتين إلى سنة أربع وثلاثين ومائتين فرفعها المتوكل في مجلسه ونهى عن القول بخلق القرآن وكتب بذلك إلى الآفاق وتوفر دعاء الخلق له وبالغوا في الثناء عليه والتعظيم له حتى قال قائلهم الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصديق يوم الردة وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم والمتوكل في إحياء السنة

وسكت الناس عن ذنوب المتوكل وقد كانت العامة تنقم عليه شيئين أحدهما أنه ندب لدمشق أفريدون التركي أحد مماليكه وسيره واليا عليها وكان ظالما فاتكا فقدم في سبعة آلاف فارس وأباح له المتوكل القتل في دمشق والنهب على ما نقل إلينا ثلاث ساعات فنزل ببيت لهيا وأراد أن يصبح البلد فلما أصبح نظر إلى البلد وقال يا يوم تصبحك مني فقدمت له بغلة فضربته بالزوج فقتلته وقبره ببيت لهيا ورد الجيش الذي معه خائبين وبلغ المتوكل فصلحت نيته لأهل دمشق

والثاني أنه أمر بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما حوله من الدور وأن يعمل مزارع ومنع الناس من زيارته وحرث وبقي صحراء فتألم المسلمون لذلك وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد وهجاه دعبل وغيره من الشعراء وقال قائلهم

قلت لقد كانت هاتان الواقعتان الفظيعتان في سنة ست وثلاثين ومائتين ورفع المحنة قبلها بسنتين فهي ذنوب لاحقة لرفع الفتنة لا سابقة عليها

وكان من الأسباب في رفع الفتنة أن الواثق أتي بشيخ مقيد فقال له ابن أبي دؤاد يا شيخ ما تقول في القرآن أمخلوق هو

فقال له الشيخ لم تنصفني المسألة أنا أسألك قبل الجواب هذا الذى تقوله يا ابن أبى دؤاد من خلق القرآن شئ علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أو جهلوه

فقال بل علموه

فقال فهل دعوا إليه الناس كما دعوتهم أنت أو سكتوا

قال بل سكتوا

قال فهلا وسعك ما وسعهم من السكوت

فسكت ابن أبي دؤاد وأعجب الواثق كلامه وأمر بإطلاق سبيله وقام الواثق من مجلسه وهو على ما حكى يقول هلا وسعك ما وسعهم يكرر هذه الكلمة وكان ذلك من الأسباب في خمود الفتنة وإن كان رفعها بالكلية إنما كان على يد المتوكل

وهذا الذي أوردناه في هذه الحكاية هو ما ثبت من غير زيادة ولا نقصان ومنهم من زاد فيها ما لا يثبت فاضبط ما أثبتناه ودع ما عداه فليس عند ابن أبي دؤاد من الجهل ما يصل به إلى أن يقول جهلوه وإنما نسبة هذا إليه تعصب عليه والحق وسط فابن أبي دؤاد مبتدع ضال مبطل لا محالة ولا ينتهي أمره إلى أن يدعي أن شيئا ظهر له وخفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كما حكي عنه في هذه الحكاية فهذا معاذ الله أن يقوله أو يظنه أحد يتزيى بزي المسلمين ولو فاه به ابن أبي دؤاد لفرق الواثق من ساعته بين رأسه وبدنه

وشيخنا الذهبي وإن كان في ترجمة ابن أبي دؤاد حكى الحكاية على الوجه الذي لا نرضاه فقد أوردها في ترجمة الواثق من غير ما وجه على الوجه الثابت

ولنقطع عنان الكلام في هذه الفتنة ففيما أوردناه فيها مقنع وبلاغ وقد أعلمناك أنها لبثت شطرا من خلافة المأمون واستوعبت خلافة المعتصم والواثق وارتفعت في خلافة المتوكل وقد كان المأمون الذي افتتحت في أيامه

وهو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد ممن عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها واجتمع عليه جمع من علمائها فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن وذكر المؤرخون أنه كان بارعا في الفقه والعربية وأيام الناس ولكنه كان ذا حزم وعزم وحلم وعلم ودهاء وهيبة وذكاء وسماحة وفطنة وفصاحة ودين

قيل ختم في رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة وصعد في يوم منبرا وحدث فأورد بسنده نحوا من ثلاثين حديثا بحضور القاضي يحيى بن أكثم ثم قال له يا يحيى كيف رأيت مجلسنا فقال أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة فقال ما رأيت له حلاوة إنما المجلس لأصحاب الخلقان والمحابر

وقيل تقدم إليه رجل غريب بيده محبرة وقال يا أمير المؤمنين صاحب حديث منقطع به السبل فقال ما تحفظ في باب كذا فلم يذكر شيئا قيل فما زال المأمون يقول حدثنا هشيم وحدثنا يحيى وحدثنا حجاج حتى ذكر الباب ثم سأله عن باب آخر فلم يذكر فيه شيئا فقال المأمون حدثنا فلان وحدثنا فلان إلى أن قال لأصحابه يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث أعطوه ثلاثة دراهم قلت وكان المأمون من الكرم بمكان مكين بحيث إنه فرق في ساعة ستة وعشرين ألف ألف درهم وحكايات مكارمه تستوعب الأوراق وإنما اقتصر في عطاء هذا السائل فيما نراه والله أعلم لما رأى منه من التمعلم وليس هو هناك ولعله فهم عنه التعاظم بالعلم عليه كما هو شأن كثير ممن يدخل إلى الأمراء ويظنهم جهلة على العادة الغالبة

وكان المأمون كثير العفو والصفح

ومن كلامه لو عرف الناس حبي للعفو لتقربوا إلي بالجرائم وأخاف أن لا أؤجر فيه يعني لكونه طبعا له

قال يحيى بن أكثم كان المأمون يحلم حتى يغيظنا

وقيل إن ملاحا مر والمأمون جالس فقال أتظنون أن هذا ينبل في عيني وقد قتل أخاه الأمين يشير إلى المأمون فسمعه المأمون وظن الحاضرون أنه سيقضي عليه فلم يزد المأمون على أن تبسم وقال ما الحيلة حتى أنبل في عين هذا السيد الجليل

ولسنا نستوعب ترجمة المأمون فإن الأوراق تضيق بها وكتابنا غير موضوع لها وإنما غرضنا أنه كان من أهل العلم والخير وجره القليل الذي كان يدريه من علوم الأوائل إلى القول بخلق القرآن كما جره اليسير الذي كان يدريه في الفقه إلى القول بإباحة متعة النساء ثم كان ملكا مطاعا فحمل الناس على معتقده ولقد نادى بإباحة متعة النساء ثم لم يزل به يحيى بن أكثم رحمه الله حتى أبطلها وروي له حديث الزهري عن ابني الحنفية عن أبيهما محمد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر فلما صحح له الحديث رجع إلى الحق وأما مسأله خلق القرآن فلم يرجع عنها

وكان قد ابتدأ بالكلام فيها في سنة اثنتي عشرة ولكن لم يصمم ويحمل الناس إلا في سنة ثمان عشرة ثم عوجل ولم يمهل بل توجه غازيا إلى أرض الروم فمرض ومات في سنة ثمان عشرة ومائتين

واستقل بالخلافة بعده أخوه المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد بعهد منه وكان ملكا شجاعا بطلا مهيبا وهو الذي فتح عمورية وقد كان المنجمون قضوا بأنه يكسر فانتصر نصرا مؤزرا وأنشد فيه أبو تمام الطائي قصيدته السائرة التي أولها

ولقد تضيق الأوراق عن شرح ما كان عليه من الشجاعة والمهابة والمكارم والأموال والحيل والدهاء وكثرة العساكر والعدد والعدد

قال الخطيب ولكثرة عساكره وضيق بغداد عنه بنى سر من رأى وانتقل بالعساكر إليها وسميت العسكر

وقيل بلغ عدد غلمانه الأتراك فقط سبعة عشر ألفا

وقيل إنه كان عريا من العلم مع أنه رويت عنه كلمات تدل على فصاحته ومعرفته

قال أبو الفضل الرياشي كتب ملك الروم لعنه الله إلى المعتصم يهدده فأمر بجوابه فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه وقال للكاتب اكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب ما ترى لا ما تسمع {وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار}

ومن كلامه اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي

قلت والناس يستحسنون هذا الكلام منه ومعناه أن الخوف من قبلي لما اقترفته من الذنوب لا من قبلك فإنك عادل لا تظلم فلولا الذنوب لما كان للخوف معنى وأما الرجاء فمن قبلك لأنك متفضل لا من قبلي لأنه ليس عندي من الطاعات والمحاسن ما أرتجيك بها

والشق الثاني عندنا صحيح لا غبار عليه وأما الأول فإنا نقول إن الرب تعالى نخاف

من قبله كما نخاف من قبلنا لأنه الملك القهار يخافه الطائعون والعصاة وهذا واضح لمن تدبره

قال المؤرخون ومع كونه كان لا يدري شيئا من العلم حمل الناس على القول بخلق القرآن

قلت لأن أخاه المأمون أوصى إليه بذلك وانضم إلى ذلك القاضي أحمد بن أبي دؤاد وأمثاله من فقهاء السوء فإنما يتلف السلاطين فسقة الفقهاء فإن الفقهاء ما بين صالح وطالح فالصالح غالبا لا يتردد إلى أبواب الملوك والطالح غالبا يترامى عليهم ثم لا يسعه إلا أن يجري معهم على أهوائهم ويهون عليهم العظائم ولهو على الناس شر من ألف شيطان كما أن صالح الفقهاء خير من ألف عابد ولولا اجتماع فقهاء السوء على المعتصم لنجاه الله مما فرط منه ولو أن الذين عنده من الفقهاء على حق لأروه الحق أبلج واضحا ولأبعدوه عن ضرب مثل الإمام أحمد ولكن ما الحيلة والزمان بني على هذا وبهذا تظهر حكمة الله في خلقه

ولقد كان شيخ الإسلام والمسلمين الوالد رحمه الله يقوم في الحق ويفوه بين يدي الأمراء بما لا يقوم به غيره فيذعنون لطاعته ثم إذا خرج من عندهم دخل إليهم من فقهاء السوء من يعكس ذلك الأمر وينسب الشيخ الإمام إلى خلاف ما هو عليه فلا يندفع شئ من المفاسد بل يزداد الحال ولقد قال مرة لبعض الأمراء وقد رأى عليه طرزا من ذهب عريضا على قباء حرير يا أمير أليس في الثياب الصوف ما هو أحسن من هذا الحرير أليس في السكندري ما هو أظرف من هذا الطرز أي لذة لك في لبس الحرير والذهب وعلى أى شئ يدخل المرء جهنم وعذله في ذلك حتى قال له ذلك الأمير اشهد علي أني لا ألبس بعدها حريرا ولا طرزا وقد تركت ذلك لله على يديك فلما فارقه جاءه من أعرفه من الفقهاء وقال له أما الطرز فقد جوز أبو حنيفة ما دون أربعة أصابع وأما الحرير

فقد أباحه فلان وأما وأما ورخص له ثم قال له لم لا نهى عن المكوس لم لا نهى عن كذا وكذا وذكر ما لو نهى الشيخ الإمام أو غيره عنه لما أفاد وقال له إنما قصد بهذا إهانتك وأن يبين للناس أنك تعمل حراما فلم يخرج من عنده حتى عاد إلى حاله الأول وحنق على الشيخ الإمام وظنه قصد تنقيصه عند الخلق ولم يكن قصد هذا الفقيه إلا إيقاع الفتنة بين الشيخ الإمام والأمير ولا عليه أن يفتي بمحرم في قضاء غرضه

وهذا المسكين لم يكن يخفى عليه أن ترك النهي عما لا يفيد النهي عنه من المفاسد لا يوجب الإمساك عن غيره ولكن حمله هواه على الوقوع في هذه العظائم والأمير مسكين ليس له من العلم والعقل ما يميز به

والحكايات في هذا الباب كثيرة ومسك اللسان أولى والله المستعان

ومات المعتصم في سنة سبع وعشرين ومائتين وولى الواثق بالله أبو جعفر هارون ابن المعتصم بن الرشيد وكان مليح الشعر يروى أنه كان يحب خادما أهدي له من مصر فأغضبه الواثق يوما ثم إنه سمعه يقول لبعض الخدم والله إنه ليروم أن أكلمه من أمس فما أفعل فقال الواثق

وقد ظرف عبادة الملقب بعبادة المخنث حيث دخل إليه وقال يا أمير المؤمنين أعظم الله أجرك في القرآن قال ويلك القرآن يموت قال يا أمير المؤمنين كل مخلوق يموت بالله يا أمير المؤمنين من يصلي بالناس التراويح إذا مات القرآن فضحك الخليفة وقال قاتلك الله أمسك

قال الخطيب وكان ابن أبي دؤاد قد استولى عليه وحمله على التشديد في المحنة

قلت وكيف لا يشدد المسكين فيها وقد أقروا في ذهنه أنها حق يقربه إلى الله حتى إنه لما كان الفداء في سنة إحدى وثلاثين ومائتين واستفك الواثق من طاغية الروم أربعة آلاف وستمائة نفس قال ابن أبي دؤاد على ما حكي عنه ولكن لم يثبت عندنا من قال من الأسارى القرآن مخلوق خلصوه وأعطوه دينارين ومن امتنع دعوه في الأسر وهذه الحكاية إن صحت عنه دلت على جهل عظيم وإفراط في الكفر

وهذا من الطراز الأول فإذا رأى الخليفة قاضيا يقول هذا الكلام أليس يوقعه ذلك في أشد مما وقع منه فنعوذ بالله من علماء السوء ونسأله التوفيق والإعانة ونعود إلى الكلام في ترجمة الإمام أحمد

مناظرة بين الشافعي وأحمد ابن حنبل رضي الله عنهما

حكي أن أحمد ناظر الشافعي في تارك الصلاة فقال له الشافعي يا أحمد أتقول إنه يكفر

قال نعم

قال إذا كان كافرا فبم يسلم

قال يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال الشافعي فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه

قال يسلم بأن يصلي

قال صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم بالإسلام بها فانقطع أحمد وسكت حكى هذه المناظرة أبو علي الحسن بن عمار من أصحابنا وهو رجل موصلي من تلامذة فخر الإسلام الشاشي

رأيت في تاريخ نيسابور للحاكم في ترجمة الحافظ محمد بن رافع

أخبرنا أبو الفضل حدثنا أحمد بن سلمة قال سمعت محمد بن رافع يقول سمعت أحمد ابن حنبل يقول إذا قال المؤذن في أذانه صلوا في الرحال فلك أن تتخلف وإن لم يقل فقد وجب عليك إذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح

وأسند الرفاعي في أماليه أن أبا الوليد الجرار قال أنشدت بين يدي الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ورضي عنه

فقال أحمد بن حنبل صدق الشاعر لا بارك الله في الهوى

وروى الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور في ترجمة محمد بن نصر الفراء وهو في الطبقة الخامسة أنه سمع أحمد بن حنبل يقول حدثنا الشافعي عن مالك بن أنس عن ابن عجلان قال إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله وإن أحمد بن حنبل قال لم يسمع مالك من ابن عجلان إلا هذا قلت هذه فائدة

أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي وعبد الرحيم بن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي اليسر قراءة عليهما وأنا أسمع قال الأول أخبرنا علي بن أحمد بن البخاري وأحمد بن شيبان بن ثعلب والمسلم بن علان وزينب بنت مكي ابن كامل الحراني وقال الثاني أخبرني جدي أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر سماعا قالوا أخبرنا حنبل بن عبد الله أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا أبو علي ابن المذهب أخبرنا أبو بكر بن حمدان أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي رضي الله عنه حدثنا محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه أخبرنا مالك رضي الله عنه عن نافع رضي الله عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يبع بعضكم على بيع بعض) ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا

هذا الحديث مستحسن الإسناد لرواية الأكابر فيه بعضهم عن بعض وسيأتي إن شاء الله تعالى مثله في ترجمة المزني وأنا أسمي هذا الإسناد عقد الجوهر وإذا سمي مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب فقل إذا شئت في أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر والمزني عن الشافعي هكذا والبويطى عن الشافعي هكذا وهذا عقد الجوهر ولا حرج عليك

وليس في مسند أحمد رواية أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر غير هذا الحديث

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 2- ص: 27

أحمد بن محمد بن حنبل. ابن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس ابن عرف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، الشيباني المروزي، نزيل بغداد، أبو عبد الله أحد الأئمة، حافظ فقيه، حجة زاهد ورع، وهو رأس الطبقة العاشرة.
ولد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، ومات سنة إحدى وأربعين ومأتين وله سبع وسبعون سنة.
قال ابن الجوزي في مناقبه في الباب السابع والعشرين منها ذكر مصنفاته: كان الإمام أحمد رضي الله عنه لا يرى وضع الكتب، وينهى أن يكتب عنه كلامه ومسائله، ولو رأى ذلك لكانت له تصانيف كثيرة ولنقلت عنه كتب. فكانت تصانيفه المنقولات؛ فصنف «المسند» وهو إحدى وثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماما.
قال ولده عبد الله: وصنف أبي «المسند» سنة ثمانين، و «التفسير» وهو مائة ألف وعشرون ألفا. و «الناسخ والمنسوخ» و «التاريخ» و «حديث شعبه»، و «المقدم والمؤخر في القرآن»، و «جوابات القرآن»، و «المناسك الكبير والصغير» و «العلل» و «الزهد» و «المسائل» و «الفضائل» و «الفرائض» و «الايمان». و «الرد على الجهمية» و «الأشربة». و «طاعة الرسول» وأشياء أخر.
وكان ينهى الناس عن كتابة كلامه، فنظر الله تعالى إلى حسن قصده فنقلت ألفاظه وحفظت، فقل أن تقع مسألة إلا وله فيها نص من الفروع والأصول، وربما عدمت في تلك المسألة نصوص الفقهاء الذين صنعوا وجمعوا.
قال حنبل بن إسحاق: جمعنا أحمد بن حنبل أنا، وصالح، وعبد الله، وقرأ علينا المسند وما سمعه منه غيرنا، وقال لنا: هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 1- ص: 71

أحمد بن محمد بن حنبل. رضي الله عنه. ويكنى أبا عبد الله. وهو ثقة ثبت صدوق كثير الحديث. وقد كان امتحن وضرب بالسياط. أمر بضربه أبو إسحاق أمير المؤمنين على أن يقول القرآن مخلوق فأبى أن يقول. وقد كان حبس قبل ذلك فثبت على قوله ولم يجبهم إلى شيء. ثم دعي ليخرج إلى الخليفة المتوكل على الله. ثم أعطي مالا فأبى أن يقبل ذلك المال. وتوفي يوم الجمعة ارتفاع النهار. ودفن بعد العصر. وحضره خلق كثير من أهل بغداد وغيرهم.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 7- ص: 253

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني: ولد سنة أربع وستين ومائة ومات في رجب يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين. قال قتيبة بن سعيد: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم، فقيل لقتيبة: تضم أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين. قال أبو ثور: أحمد بن حنبل علم وأفقه من الثوري.

  • دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 91

أحمد بن محمد بن حنبل - وقد مضى تاريخ موته وذكر طرف من فضله - قال الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: ما قرأت على الشافعي حرفا إلا وأحمد حاضر، وما ذهبت إلى الشافعي مجلسا إلا وجدت أحمد فيه. وقال إبراهيم الحربي: الشافعي أستاذ الأستاذين، أليس هو أستاذ أحمد؟
وقال صالح بن أحمد: مش

  • دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 100

أحمد بن حنبل
..

  • دار الوعي - حلب-ط 1( 1950) , ج: 1- ص: 130

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، أبو عبد الله، الشيباني.
سكن بغداد.
مات سنة إحدى وأربعين ومئتين.
الذهلي، من ربيعة.
سمع إبراهيم بن سعد، وابن عيينة.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 2- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي
الإمام الشهير صاحب المسند والزهد وغير ذلك
خرج به من مرو حملا وولد ببغداد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة ونشأ بها وطلب الحديث سنة تسع وسبعين ومائة وطاف البلاد ودخل الكوفة والبصرة والحجاز واليمن والشام والجزيرة في طلب العلم
روى عن إبراهيم بن سعد وإسماعيل بن علية وبهز بن أسد وبشر ابن المفصل وخلائق
وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وإبراهيم الحربي وآخرون آخرهم أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي
وكان من كبار الحفاظ الأئمة ومن أحبار هذه الأمة
قال وكيع وجعفر بن غياث ما قدم الكوفة مثله
وقال ابن مهدي هذا أعلم الناس بحديث سفيان الثوري
وقال عبد الرزاق أما يحيى بن معين فما رأيت مثله ولا أعلم بالحديث منه من غير سرد وأما ابن المديني فحافظ سراد وأما أحمد فما رأيت أفقه منه ولا أورع
وقال يحيى بن آدم إمامنا وقال الشافعي رضي الله عنه خرجت من بغداد فما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه
وقال ابن المديني ليس في أصحابنا أحفظ منه وقال أبو جعفر النفيلي كان أحمد من علام الدين
وقال الحارث بن عباس قلت لأبي مسهر هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا إلا شابا في ناحية المشرق يعني الإمام أحمد
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام انتهى علم الحديث إلى أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وكان أحمد أفقههم فيه وكان على أعلمهم به وكان يحيى أجمعهم له وكان أبو بكر أحفظهم له
وقال أبو زرعة الرازي كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث قيل وما يدريك قال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب
وقال هلال بن العلاء الرقي من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ولولا ذلك لكفر الناس وبالشافعي تفقه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيحيى بن معين نفي الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسر الغريب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لأقحم الناس في الخطأ
مات ببغداد يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 189

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال أبو عبد الله الإمام
عن إبراهيم بن سعد وهشيم وأمم وعنه البخاري ومسلم وأبو داود والباقون بواسطة والبخاري أيضا وصالح وعبد الله ابناه والبغوي وأمم توفي 241 في ربيع الأول عن سبع وسبعين سنة وترجمته في مجلد ع

  • دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله
بن حيان بن عبد الله بن إدريس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة الشيباني الذهلي من ربيعة أصله مروزي سكن بغداد كنيته أبو عبد الله
كان حافظاً متقنا فقيها لازما للورع الخفي مواظبا على العبادة الدائمة أغاث الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله من الكفر وجعله علما يقتدى به وملجأ يلتجأ إليه
مات سنة إحدى وأربعين ومائتين
روى عن محمد بن جعفر غندر في الإيمان وعن هشيم بن بشير في الإيمان وعن معتمر بن سليمان في الصلاة والجهاد ويحيى بن سعيد القطان في الصلاة والأدب وعبد الله بن كثير في الحج ومحمد بن سلمة في الحج وعبد الرحمن بن مهدي في الحدود وعبد الرزاق في الجهاد وأبي داود الطيالسي سليمان بن داود في الصيد ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة في اللباس وإسماعيل بن علية في اللباس وشرف النبي صلى الله عليه وسلم وسفيان بن عيينة في الأدب والفضائل ويعقوب بن إبراهيم في الفضائل

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل الأمام

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 82

(ع) أحمد بن محمد بن حنبل.
قال في " الزهرة ": قيل إنه لم يعقب، روى عنه البخاري أربعة أحاديث في " كتاب اللباس " في باب: " هل يجعل الخاتم ثلاثة أسطر "؟ في عقب محمد الأنصاري: وزادني أحمد، ثم روى عن أحمد بن الحسن الترمذي وغيره عنه، وقد روى خارج " الصحيح " في كتبه عن أحمد بن حنبل عدة أحاديث.
وقال الباجي: أخرج البخاري في آخر " المغازي " عن أحمد بن الحسن عنه، ولم يرو في كتابه حديثا مسندا عنه غيره.
وقال في " النكاح ": وقال لنا أحمد بن حنبل وفي " اللباس ": وزادنا
أحمد. قال الباجي: وهو أحد الأئمة في الحديث.
وفي كتاب " ابن خلفون ": قال البغوي: ثنا أحمد بن حنبل إمام الدنيا.
وفي تاريخ " القراب ": قال عبد الله: مات أبي يوم العاشر.
وقال الخليلي في " الإرشاد ": ثنا علي بن عمر الفقيه سمعت أبا الحسن الدرستيني يقول: كان يقال عبد الله بن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم سمتا وهديا، وقال عبد الله: من أراد أن ينظر إلى سمتي وهديي فلينظر إلى علقمة، وقال علقمة مثل ذلك في النخعي، وقال إبراهيم مثل ذلك في منصور بن المعتمر، وقال منصور مثل ذلك في الثوري، وقال الثوري، مثل ذلك في وكيع، وقال وكيع مثل ذلك في أحمد بن حنبل.
قال الخليلي: كان أفقه أقرانه وأورعهم وأكفهم عن الكلام في المحدثين إلا عند الاضطرار، وكان يملي الكتب من حفظه على تلامذته، وتوفي ببغداد في شهر رجب سنة إحدى [وأربعين ومائتين] وقد كان أمسك عن الرواية من وقت الامتحان، فما كان يروي إلا لبنيه في بيته.
وكذا ذكر وفاته ابن أبي خيثمة.
وقال ابن الأخضر في " مشيخة أبي القاسم البغوي ": هو راهب الأئمة وعالم الأمة، به يضرب الأمثال، وعند ذكره يحضر الإجلال، وسار الاجتهاد أحد أسبابه، وجده حنبل ولي سرخس، وقد صنف في فضائله جماعة من العلماء: كأبى عبد الله الحاكم، وكذلك الجرجاني، وأبي بكر الخطيب، فيما ذكره صاحب " تاريخ حران ".
وقال البزار: كان أهل العلم والفقه يعظمونه ويجلونه ويقصدونه بالسلام عليه.
وقال ابن حبان في " الثقات ": كان حافظا متقنا فقيها ملازما للورع الحنفي، مواظبا على العبادة الدائمة، به أغاث الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال إنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله تعالى عن الكفر، وجعله علما يقتدى به وملجأ يلجأ إليه.
وذكر صاحب " تاريخ حران " أن له اختيار في القراءة، قال: وكان لا يميل شيئا في القرآن ويروي " أنزل مفخما ففخموه "، ولما أشكل على مسدد ما وقع فيه الناس من القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن كتب إلى أحمد: اكتب إليّ سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ففعل.
وقال ابن خلفون: كان إماما من أئمة المسلمين في الحديث والفقه والسنة.
وفي كتاب الخلال: كان أبو عبد الله كثيرا ما يأتي مسجد بني مازن - يعني: - ابن شيبان بن ذهل فيصلي فيه، فقيل له في ذلك، فقال: هذا مسجد آبائي.
روى عن جماعة من كبار العلماء منهم - فيما ذكره أبو الفرج بن الجوزي -: أحمد بن إبراهيم بن خالد، وأحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي، وأبو يوسف أحمد بن جميل من أهل مرو، وأحمد بن جناب ابن المغيرة أبو الوليد، وأبو صالح أحمد بن جناح، وأبو جعفر أحمد بن حاتم ابن يزيد الطويل الخياط، وأحمد بن الحجاج أبو العباس الذهلي المروزي، وأبو سعيد الحداد أحمد بن داود الواسطي، وأحمد بن أبي شعيب عبد الله بن مسلم أبو الحسن الحراني [مولى عمر بن عبد العزيز، وأحمد بن عبد الملك بن واقد أبو الحسن الجزري الحراني]، وأحمد بن صالح، وأحمد بن محمد بن أيوب أبو جعفر الوراق، وإبراهيم بن إسحاق بن عيسى أبو إسحاق الطالقاني، وإبراهيم بن بكار أبو مرداس الأسدي، وإبراهيم بن الحكم بن أبان أبو إسحاق [العدني]، وإبراهيم بن حبيب بن الشهيد أبو إسحاق الأزدي، وإبراهيم بن زياد أبو إسحاق البغدادي يلقب سبلان، وإبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه اليماني، وإبراهيم بن مهدي المصيصي، وإبراهيم بن مرزوق البصري، إبراهيم ابن أبي العباس، وقيل ابن العباس أبو إسحاق السامري - وهذا ذكره المزي ولم ينبه على الخلاف الذي في اسم أبيه - وإبراهيم بن أبي الليث نصر أبو إسحاق الترمذي، وإسماعيل بن إبراهيم بن معمر أبو معمر الهذلي، وإسماعيل بن عبد الكريم بن معقل أبو هشام الصنعاني، وإسماعيل بن عمر أبو المنذر الواسطي، وإسماعيل بن محمد بن جبلة، وإبراهيم السراج وإسماعيل بن محمد بن جحادة أبو محمد العطار الكوفي، وإسماعيل بن المغيرة، وإسماعيل ابن يزيد البرقي، وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد أبو يعقوب الحنظلي عرف بابن راهويه، وإسحاق بن إبراهيم الرازي ختن سلمة بن الفضل، وإسحاق بن سليمان الرازي العبدي، وإسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند أبو هاشم، وإسحاق بن عيسى بن نجيح أبو يعقوب الطباع، وإسحاق بن منصور ابن حيان أبو عبد الرحمن السلولي، وإسحاق ابن مرار أبو عمرو الشيباني، وإسحاق الطالقاني صاحب ابن المبارك، وأحوص بن جواب أبو الجواب الضبي، وأزهر بن سعد أو بكر السمان، [وأزهر بن القاسم أبو بكر] الراسبي، وأسباط بن محمد بن محمد مولى السائب بن يزيد، وأسد بن عمر ابن عامر أبو المنذر الكوفي، وأنس بن عياض أبو ضمرة الليثي، وأصرم بن غياث أبو غياث النيسابوري، وأمية بن خالد بن الأسود الأزدي، وأيوب بن النجار أبو إسماعيل اليمامي، وبشر بن سعيد بن أبي حمزة أبو القاسم الحمصي، وبكر بن عيسى أبو بشر المراسي، وبكر بن يزيد الطويل الحمصي، وبشار بن موسى أبو عمار العجلي الخفاف، وبهلول بن حكيم القرقيسي الشامي، وجابر بن سليم، وقيل: ابن سليمان - وهذا ذكره المزي ولم ينبه عليه - والحارث بن سليمان القارئ، والحارث بن مرة بن مجاعة أبو مرة الحفني، والحارث بن النعمان بن سالم أبو نصر الطوسي الأكفاني، وحجاج بن محمد الترمذي، وحجاج بن نصير أبو محمد الفساطيطي، والحسن ابن الربيع بن سليمان أبو علي الخشاب، والحسن بن سوار أبو العلاء الخراساني البغوي، والحسن بن علي بن عاصم أبو محمد، والحسن بن عيسى ابن ماسرجس النيسابوري، والحسن بن يحيى المروزي، والحسين بن الحسن أبو بشر، والحسين بن محمد المروزي، والحسين بن موسى الأشيب، وحفص بن جابان أبو طالب القارئ، وحفص بن الحارث أبو عمر الضرير الحوضي، وحفص بن عمر أبو عبد الصمد البصري، والحكم بن موسى بن أبي زهير أبو صالح القنطري، والحكم بن مروان أبو محمد الضرير، والحكم بن رافع أبو اليمان، وحامد بن يحيى بن هانئ أبو عبد الله البلخي، وحجين بن المثنى أبو عمرو اليمامي، وحذيفة بن حكيم أبو عبد الرحمن المذحجي الرقي، وحرمي بن عمارة بن أبي حفصة أبو روح الأزدي، وحريش بن القاسم المدائني، وحكام ابن سلم أبو عبد الرحمن الكناني الرازي، وحيوة بن شريح بن يزيد أبو العباس الحضرمي، وخالد بن حيان أبو يزيد الرقي، وخالد بن خداش بن عجلان أبو القاسم المهلبي، وخالد بن مخلد أبو الهيثم القطواني، وخلف بن أيوب العامري، وخلف بن هشام أبو محمد البزار، وداود بن عمرو أبو سليمان الضبي، والربيع بن نافع أبو توبة الحلبي، ورباح بن خالد، ورزق بن رزق بن منده أبو سعيد، وزياد بن أيوب بن زياد أبو هاشم الطوسي ويعرف بدلويه، وزياد بن الربيع أبو خداش اليحمدي الأزدي، وزكريا بن عدي بن الصلت، وزكريا بن أبي زكريا يحيى، وسريج بن النعمان بن مروان أبو الحسين الجوهري، وسريج بن يونس الجرمي وليس بالبغدادي، وسعيد بن خيثم أبو معمر الهلالي، وسعيد بن زكريا أبو عمر القرشي، وسعيد بن عامر أبو محمد العجيفي، وسعيد بن منصور أبو عثمان البزاز الخراساني، وسعيد بن محمد أبو الحسن الوراق الثقفي، وسفيان بن وكيع بن الجراح أبو محمد الرؤاسي، وسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني - روى عنه حديثا واحدا وهو: سئل صلى الله عليه وسلم عن العتيرة - وسليمان بن أحمد بن محمد أبو محمد السامي، وسليمان ابن حرب أبو أيوب الواشحي الأزدي، وسليمان بن حيان أبو خالد الأحمر الأزدي، وسليمان بن داود أبو الربيع الزهراني، وسهل ابن حسان أبو يحيى البصري، وسهل بن يوسف أبو عبد الله المسمعي الأنماطي، وسعد بن إبراهيم ابن سعد أبو إسحاق الزهري، والسكن بن مانع أبو الحسن الباهلي، وسلام بن مسلم أبو سلمة الأيلي، وسلم بن قتيبة الأزدي الخراساني، وسنان بن حاتم أبو سلمة الغبري، وشجاع بن مخلد أبو الفضل، وشعيب بن حرب أبو صالح المدائني، وصدقة بن سابق، والصلت بن محمد الجحدري، وعاصم بن زكريا أبو المثنى الكندي، وعبد الله بن إبراهيم بن عمر أبو محمد الصنعاني، وعبد الله ابن الحارث بن عبد الملك أبو محمد المخزومي، وعبد الله بن حجر العسقلاني القاضي، وعبد الله بن حمران أبو عبد الرحمن البصري، وعبد الله بن رجاء أبو عمران البصري، وعبد الله بن أبو خلف الحراز، وعبد الله بن عثمان بن جبلة أبو عبد الرحمن العتكي مولاهم، وعبد الله ابن عصمة النصيبي وعبد الله بن محمد، وعبد الله بن معاوية بن عاصم أبو معاوية الزبيري، وعبد الله بن ميمون أبو عبد الرحمن الرقي، وعبد الله بن الوليد أبو محمد العدني، وعبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني، وعبيد الله بن ثور بن عوف بن أبي الحلال العتكي، وعبيد الله بن زياد أبو عبد الرحمن الهروي، وعبيد الله بن عمر القواريري، وعبيد الله بن محمد بن حفص التيمي عرف بابن عائشة، وعبيد الله بن موسى أبو محمد العبسي مولاهم، [وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري، وعبد الرحمن ابن عبد الله بن عبيد أبو سعيد مولى بني هاشم، وعبد الرحمن بن علقمة أبو يزيد السعدي المروزي، وعبد الله بن محمد أبو محمد المحاربي، وعبد الملك بن إبراهيم أبو عبد الله الجدي، وعبد الملك بن عبد الرحمن أبو هشام الذماري، وعبد العزيز بن أبان أبو خالد الأموي، وعبد الوهاب بن همام بن.. أبو إسماعيل أخو عبد الرزاق، وعبد الصمد بن سعيد أبو سهل التنوري، وعبد الصمد الرقي، وعبد الأعلى بن سليمان أبو عبد الرحمن الزراد، وعمر بن أيوب أبو حفص العبدي، [وعمر بن أيوب أبو حفص]، وعمر بن حفص أبو حفص المعيطي، وعمر بن سعد أبو داود الحفري، وعمر بن علي بن عطاء أبو حفص المقدمي، وعمر بن هارون بن يزيد أبو حفص البلخي، وعثمان بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن العبسي، وعلي بن إبراهيم البتائي المروزي، وعلى ابن إسحاق السلمي مولاهم أبو الحسن المروزي، وعلي بن بحر بن بري أبو الحسن القطان، وعلي بن ثابت مولى العباس بن محمد الهاشمي أبو أحمد، ويقال: أبو الحسن، وعلي بن الجعد، [وعلي بن الحسن] بن شقيق أبو عبد الرحمن المروزي، وعلي بن حفص أبو الحسن المدايني، وعلي بن حجر السعدي، وعلي بن مجاهد بن مسلم أبو مجاهد الكابلي، وعلي بن هاشم بن البريد أبو الحسن الحراز العائذي مولاهم، وعلي بن أبي إسرائيل البغدادي، وعمرو بن أيوب العائد، وعمرو بن سليمان أبو الربيع الواسطي وعمرو بن عاصم بن عبيد الله بن الوازع أبو عثمان الكلابي، وعمرو بن محمد أبو سعيد العنقزي، وعمرو بن مجمع بن سليمان أبو المنذر السلولي، وعمرو بن الهيثم ابن قطن بن كعب أبو قطن الزبيدي، وعصام بن خالد أبو إسحاق الحضرمي، وعصام بن عمرو أبو حميد الطائي، وعبد الحميد ابن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أبو عبد الحميد الأزدي، وعبد الجبار بن محمد بن عبد الحميد أبو عبد الرحمن الخطابي، من ولد زيد بن الخطاب، وعبد السلام بن حرب أبو بكر الملائي، وعبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله بن شريك أبو بكر البصري، وعبد المؤمن بن عبيد الله بن خالد أبو الحسن العبسي، وعبد المتعال بن عبد الوهاب، وعبيد بن أبي فروة البغدادي، وعبدة بن سليمان بن حاجب الكلابي، وعامر بن صالح ابن عبد الله أبو الحارث الزبيري الأسدي، وعائذ ابن حبيب أبو أحمد العبسي، وعتاب بن زياد المروزي، وعثام بن علي أبو علي الكلابي، وعمار بن محمد أخو يوسف بن محمد أبو اليقظان الكوفي، وغسان بن الربيع بن منصور أبو محمد الأزدي، وغسان بن مضر أبو مضر الأزدي، ومرار بن عمر أبو الفضل، وفياض بن محمد بن سنان أبو محمد الرقي، وقريش بن أنس أبو أنس الأنصاري، وقريش بن إبراهيم الصيدلاني، وقرط بن حريث أبو سهل الباهلي، ومحمد بن أبي عدي إبراهيم مولى بني سليم يكنى أبا عمرو البصري، ومحمد بن إبراهيم العطار البلخي، ومحمد بن إسماعيل بن مسلم أبو إسماعيل المدني، ومحمد بن بشر بن الفرافصة أبو عبد الله، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن جعفر أبو جعفر المديني، ومحمد بن جعفر بن زياد أبو عمران الوركاني، ومحمد بن الحسن بن هلال أبو جعفر البصري، ومحمد بن الحسن بن آتش أبو عبد الله اليماني، ومحمد بن حميد أبو سفيان البصري المعمري، لأنه رحل إلى معمر بن راشد، ومحمد بن حميد بن حبان [أبو عبد الله الرازي، ومحمد بن حماد بن بكر أبو بكر المقرئ، ومحمد بن حيان] أبو الأحوص البغوي، ومحمد بن رافع أبو عبد الله النيسابوري، ومحمد بن ربيعة بن سمير بن الحارث أبو عبد الله الكلابي، ومحمد بن سوار بن عنبر أبو الخطاب السدوسي البصري، ومحمد بن سابق أبو جعفر البزاز [ومحمد بن عبد الله بن عبد الأعلى الأسدي، ومحمد بن عبد الله أبو جعفر الحذاء الأنباري]، ومحمد بن عبد الله بن نمير أبو عبد الرحمن الكوفي، ومحمد بن عبد الرحمن أبو المنذر، ومحمد بن عثمان بن صفوان الجمحي، ومحمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي [مولاهم - يلقب بعارم]، [ومحمد بن القاسم أبو إبراهيم الأسدي ومحمد] بن كثير السلمي القصاب، ومحمد بن كثير أبو عبد الله العبدي، ومحمد بن مصعب بن صدقة أبو عبد الله القرقساني، ومحمد ابن مبشر أبو سعد الصاعدي الضرير، ومحمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي، ومحمد بن موسى أبو طليق، ومحمد بن النوشجان أبو جعفر السويدي لأنه رحل إلى سويد بن عبد العزيز، ومحمد بن وهب أبو يوسف أبو الأنباري ومحمد ابن يزيد سعيد الكلاعي، ومحمد بن يوسف أبو يوسف الأنباري، ومحمد بن داود أبو عبد الله الضبي، وموسى بن عبد الحميد أبو عمران، وموسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي، موسى بن هلال أبو عمران العبدي، ومعاذ بن أسد بن عبد الرحمن المروزي، ومعاذ بن هشام أبو عبد الله البصري، ومنصور بن وردان أبو عبد الله العطار الأسدي، ومنصور ابن أبي مزاحم أبو نصر التركي الكاتب، كان من سبي الترك، ومعاوية بن عمرو بن المهلب أبو عمرو الأزدي، ومعاوية ابن هشام أبو الحسن القصار الأسدي، ومروان بن سوار لقبه شبابة - وقد سبق - ومروان بن شجاع أبو عمرو الجزري، ومروان بن معاوية أبو عبد الله الفزاري، ومصعب بن سلام التميمي، ومصعب بن المقدام أبو عبد الله الخثعمي، ومالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، ومحاضر بن المورع أبو المورع الهمداني، ومحمد بن الحسن ولقبه محبوب، وقد سبق، ومخلد بن يزيد أبو خداش الحراني الجزري، ومرحوم بن عبد العزيز بن مهران أبو عبد الله العطار، ومسكين بن بكير أبو عبد الرحمن الحذاء، ومسلمة بن الصلت الشيباني، ومطلب بن زياد بن أبي زهير أبو محمد الثقفي، ومعاذ بن حميضة ابن محفوظ البصري، والمعلي بن أسد أبو الهيثم البصري، ومعمر بن سليمان أبو عبد الله النخعي الرقي، ومكي بن إبراهيم بن بشير أبو السكن التميمي البخلي، ومهدى بن حفص أبو محمد الرملي، ومهنا بن عبد الحميد أبو شبل البصري، والمؤمل بن إسماعيل أبو عبد الرحمن البصري، ونوح بن يزيد بن سنان أبو محمد المؤدب، والنضر بن يحيى بن أسلم الصوفي، ونعيم بن حماد المروزي، ونوفل بن مسعود الضبي، وهارون بن معروف أبو علي المروزي، وهارون بن إسماعيل أبو موسى الأنصاري، وهشام بن سعيد أبو أحمد البزار، وهشام بن لاحق أبو عثمان المدايني، وهشام بن يوسف الصنعاني، والهيثم بن جميل أبو سهل البغدادي، والهيثم بن خارجة أبو أحمد الخراساني، والهيثم بن عبد الرحمن البصري، وهريم بن عبد الأعلى أبو حمزة البصري، والهزيل بن ميمون الجعفي، وهوذة بن خليفة أبو الأشهب البكراوي، ووهب بن إسماعيل أبو محمد الأسدي، ويعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي، ويعقوب بن عيسى بن ماهان أبو يوسف المؤذن، ويحيى بن إسحاق أبو بكر السيلحيني، ويحيى بن إسماعيل الواسطي، ويحيى بن أيوب أبو زكريا العابد المقابري، ويحيى بن أيوب البلخي، ويحيى بن حماد أبو بكر الشيباني، ويحيى بن راشد المصري، ويحيى بن السكن أبو محمد البصري، ويحيى بن سليم الطائفي، ويحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية أبو زكريا الكوفي، ويحيى بن عبد الله بن يزيد أبو زكريا الأنيسي، ويحيى بن عباد أبو عباد الضبعي، ويحيى بن عبد ربه أبو محمد مولى عبد الله بن المهدي، ويحيى بن عجلان بن عبد الله ابن أسماء أبو الفضل الأزدي الأسلمي، ويحيى بن معين أبو زكريا البغدادي، ويحيى بن واضح أبو تميلة الأزدي، ويحيى بن اليمان أبو زكريا العجلي، ويحيى بن يزيد بن عبد الملك الهاشمي، ويحيى بن أبي بكير أبو زكريا الكوفي.
ويونس بن عبد الصمد بن معقل بن منبه الصنعاني، ويزيد بن مسلم الهمداني، ويزيد بن أبي حكيم أبو عبد الله العدني، ويوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون أبو سلمة المدني، ويعمر بن بشر أبو عمرو المروزي، وأبو جحر القاضي، وأبو عبد الله الحلبي، وأبو يعقوب مولى أبي عبيد الله وزير المهدي، وأم عمرو بنت حسان بن زيد الثقفي.
وكتب عن جماعة كثيرة وخرق حديثهم، منهم: أيوب التمار، وإسماعيل بن أبان الغنوي، وخالد بن القاسم المدايني، وعمرو بن سعيد الدمشقي، ومحمد بن حجاج المصفر، ومسعدة بن اليسع، وأبو صيفي المديني.
ورأى خلقا من العباد، منهم: عبد الله بن إدريس، وأبو داود الحفري، وأيوب بن النجار، والعزفي العابد، وحسين الجعفي.
روى عنه: أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي، وأحمد بن إبراهيم الكوفي، وأحمد بن أصرم بن خزيمة المزني، وأحمد بن بشر بن سعد أبو أيوب الطيالسي، وأحمد بن بشر بن سعيد الكندي، وأحمد بن بكر، وأحمد بن ثابت أبو يحيى، وأحمد بن جعفر أبو عبد الرحمن الوكيعي، وأحمد بن جعفر بن يعقوب أبو العباس الفارسي الإصطخري وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار أبو عبد الله الصوفي، وأحمد بن الحسن أبو الحسن الترمذي، وأحمد بن الحسين بن حسان السامري، وأحمد بن حميد أبو طالب المشكاني، وأحمد بن حفص السعدي، وأحمد بن حارث بن مسمع، وأحمد بن الحكم أبو بكر الأحول، وأحمد بن حبان أبو جعفر القطيعي، وأحمد بن خالد الخلال، وأحمد بن الخصيب بن عبد الرحمن، وأحمد بن الخليل القومسي، وأحمد بن داود أبو سعيد الواسطي، وأحمد بن الربيع بن دينار، وأحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب أبو بكر النسائي، وأحمد بن زرارة أبو العباس المقرئ، وأحمد بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وأحمد بن سعيد أبو العباس اللحياني، وأحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله الرباطي، وأحمد بن سعيد أبو جعفر الدارمي، وأحمد بن سعيد الترمذي، وأحمد بن سهل أبو حامد، وأحمد بن شاذان بن خالد الهمداني، وأحمد بن شاكر، وأحمد بن شبويه، وأحمد بن الشهيد، [وأحمد بن صالح أبو جعفر - وهو من شيوخه] وأحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل، وأحمد بن الصباح الكندي، وأحمد بن عبد الله بن أحمد بن حنبل بن هلال ابن عم أحمد بن حنبل، وأحمد بن عبد الله النرسي، وأحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية أبو عبد الله بن أبي عوف البزوري، وأحمد بن عمر بن هارون أبو سعيد البخاري، وأحمد بن عثمان بن سعيد بن أبي يحيى أبو بكر الأحوال، وأحمد بن علي بن سعيد القاضي، وأحمد بن علي المثنى أبو يعلى الموصلي، وأحمد بن علي بن مسلم أبو العباس الأبار النخشبي، وأحمد بن العباس بن أشرس، وأحمد بن القاسم الطوسي، وأحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد، وأحمد بن خالد أبو العباس البراثي، وأحمد بن محمد بن خالد أبو بكر القاضي، وأحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة أبو بكر، وأحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح بن شيخ بن عميرة أبو الحسن الأسدي، وأحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي، وأحمد بن محمد بن عيسى أبو العباس البرتي، وأحمد بن محمد المزني.
وأحمد بن محمد الساوي، وأحمد بن محمد أبو الحارث الصايغ، وأحمد بن محمد بن نصر اللباد، وأحمد بن محمد بن مطر أبو العباس، وأحمد بن محمد بن واصل أبو العباس المقرئ، وأحمد بن محمد بن يزيد الوراق الإيتاخي، وأحمد بن محمد بن يحيى الكحال، وأحمد بن منيع ابن عبد الرحمن البغوي، وأحمد بن المستنير، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن أبي بكر بن المنذر بن بكر أبو بكر المغازلي، الغالب عليه بدر وهو لقبه، وأحمد بن المسكين الأنطاكي، وأحمد بن ملاعب بن حيان المخرمي، وأحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، وأحمد بن نصر أبو حامد الخفاف، وأحمد بن هشام، وأحمد بن هاشم بن الحكم الأنطاكي، وأحمد بن يحيى الحلواني، وأحمد بن يحيى بن زيد أبو العباس ثعلب، وأحمد بن أبي عبيدة أبو جعفر الهمداني، وأحمد بن أبي بكر بن حماد المقرئ، وأحمد بن أبي يحيى البغدادي، وإبراهيم بن أبان الموصلي، وإبراهيم بن جابر المروزي، وإبراهيم بن جعفر، وإبراهيم بن إسحاق أبو إسحاق السراج الثقفي، وإبراهيم بن الحكم القصار، وإبراهيم بن الحارث بن مصعب أبو إسحاق الطرسوسي، وإبراهيم بن زياد الصائغ، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وإبراهيم بن سعيد الأطروش، وإبراهيم بن سويد، وإبراهيم بن شداد، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي السامري، وإبراهيم بن عبد الله بن ميموني الدينوري، وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو شيبة الكوفي، وإبراهيم بن محمد ابن الحارث الأصبهاني، وإبراهيم بن موسى بن أزر الفقيه، وإبراهيم بن نصر الحذاء الكندي، وإبراهيم بن هانئ أبو إسحاق النيسابوري، وإبراهيم بن هاشم بن الحسين أبو إسحاق البغوي، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وإسماعيل بن إبراهيم أبو بشر الأسدي، وهو ابن علية، وإسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم أبو بكر السراج النيسابوري، وإسماعيل بن إسحاق بن الحصين أبو محمد الرقي، وإسماعيل بن بكر السكري، وإسماعيل بن الحارث، وإسماعيل بن سعيد أبو إسحاق الشالنجي، وإسماعيل بن عبد الله بن ميمون أبو النضر العجلي، وإسماعيل بن عمر أبو إسحاق السجزي، وإسماعيل بن العلاء، وإسماعيل بن عيينة، وإسماعيل بن يوسف أبو علي الديلمي، وإسحاق بن إبراهيم عرف بابن راهويه، - وهو من شيوخه - وإسحاق بن إبراهيم بن هانئ أبو يعقوب النيسابوري، وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب البغوي، وإسحاق بن إبراهيم الفارسي، وإسحاق بن إبراهيم الختلي وإسحاق بن بيان، وإسحاق بن بهلول الأنباري، وإسحاق بن حنبل أبو يعقوب الشيباني عم الإمام أحمد، وإسحاق بن الجراح الأذني، وإسحاق بن الحسن بن ميمون بن سعد أبو يعقوب الحربي، وإسحاق بن حنة أبو يعقوب الأعمش، وإسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي، وإدريس بن جعفر بن يزيد أبو محمد العطار، وأيوب بن إسحاق بن سافري أبو سليمان، وأعين بن يزيد، وبدر بن أبي بدر، شيخ ابن عميرة، وقد سبق في من اسمه أحمد، وبكر بن محمد النسائي، وبيان بن أحمد بن خفاف، وتميم بن محمد أبو عبد الرحمن الطوسي، وجعفر بن أحمد الأذني، وجعفر بن أحمد بن معبد المؤدب، وجعفر بن شاكر، وجعفر بن عامر، وجعفر بن عبد الواحد، وجعفر بن محمد بن هاشم أبو الفضل، وجعفر بن محمد بن أبي عثمان أبو الفضل الطيالسي، وجعفر بن محمد أبو محمد النسائي، وجعفر بن محمد الشاشي، وجعفر بن محمد بن شاكر أبو محمد الصائغ، وجعفر بن محمد بن عبيد الله بن زيد بن المنادى، وجعفر بن محمد بن علي أبو القاسم الوراق البلخي، وجعفر بن محمد بن معبد، وجعفر بن محمد بن هذيل أبو عبد الله الكوفي، وجعفر بن مكرم بن جعفر الأنماطي، والجنيد بن محمد الصوفي، وجهم العكبري، والحسن بن أحمد الإسفراييني، والحسن بن إسماعيل الربعي، والحسن بن أيوب البغدادي، والحسن بن ثواب أبو علي البغدادي، والحسن بن الحسين، والحسن بن زياد، والحسن بن الليث الرازي، والحسن بن عبد العزيز الجروي، والحسن بن عرفة، والحسن بن علي الحلواني، والحسن بن علي أبو علي الإسكاف، والحسن بن علي بن محمد بن بكر القطان، والحسن بن علي الأشناني، والحسن بن القاسم جار أحمد، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، والحسن بن محمد الأنماطي، والحسن ابن محمد بن الحارث السجستاني، والحسن بن موسى أبو علي الأشيب - وهو من شيوخه - والحسن بن منصور الجصاص، والحسن بن مخلد بن الحارث، والحسن بن الوضاح أبو محمد المؤدب، والحسن بن الهيثم البزاز، والحسين بن إسحاق الحرقي، والحسين بن إسحاق التستري، والحسين بن الحسن المروزي، والحسين بن بشار المخرمي، والحسين بن علي أبو علي، وحسين بن الصائغ، وحميد بن الربيع أبو الحسن اللخمي، وحميد بن زنجويه أبو أحمد الأزدي، وحميد بن الصباح مولى المنصور، وحبيش بن سندي، وحبيش بن مبشر الثقفي، وحريث أبو عمار، وحاتم بن الليث أبو الفضل الجوهري، والحارث بن شريح البقال، وحرب بن إسماعيل الكرماني، وحرمي بن يونس، والحكم بن رافع أبو اليمان، وحمدويه بن شداد، وحمدان حمدان ابن ذي النون، وخالد بن خداش المهلبي، وخشنام بن سعد، وخطاب بن بشر بن مطر أبو عمر البغدادي، وخلف بن هشام بن بشر بن مطر أبو عمر البغدادي، وخلف بن هشام بن بشر، ودلان بن الفضل البخاري، وزهير بن صالح بن أحمد بن حنبل، وزهير بن أبي زهير، وزكريا بن يحيى أبو يحيى الناقد، وسليمان بن الأشعث أبو داود، وسليمان بن داود الشاذكوني، وسليمان بن عبد الله السجزي، وسليمان بن عبد الله أبو مقاتل، وسليمان بن المعافى بن سليمان الحراني، وسليمان القصير، وسعيد بن سامري الواسطي، وسعيد بن محمد الرفا، وسعيد بن نوح العجلي، وسعيد بن يعقوب، سعيد بن أبي سعيد أبو نصر الأراطي، وسعدان بن يزيد، وسندي أبو بكر الخواتمي، وشجاع بن مخلد، وصالح بن أحمد الحلبي، وصالح بن إسماعيل، وصالح بن زياد السوسي، وصالح بن علي الهاشمي، وصالح بن علي النوفلي، وصالح بن عمران أبو شعيب، وصالح بن موسى أبو الوجيه، وصدقة بن موسى بن تميم، وصفدي بن الموفق السراج، وطاهر بن محمد الحلبي، وطالب بن حرة الأدنى، وطلحة بن عبيد الله البغدادي، وظليم بن حطيط، وعبد الله بن بشر.
الطالقاني، وعبد الله بن جعفر أبو بكر التاجر، وعبد الله بن حاضر الرازي، وعبد الله بن شبويه، وعبد الله بن العباس بن الطيالسي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعبد الله بن محمد بن سلام، وعبد الله بن محمد بن شاكر أبو البحتري العنبري، وعبد الله بن محمد بن صالح بن شيخ ابن عميرة الأسدي، وعبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي، وعبد الله بن محمد أبو محمد اليمامي، وعبد الله بن يزيد العكبري، وعبد الله بن أبي عوانة الشاشي، وعبيد الله بن أحمد بن عبيد الله أبو عبد الرحمن، وعبيد الله بن سعيد الزهري، وعبيد الله بن عبد الله أبو عبد الرحمن النيسابوري، وعبيد الله بن محمد المروزي، وعبيد الله بن يحيى بن خاقان، وعبد الرحمن بن زاذان أبو عيسى الرزاز، وعبد الرحمن بن يحيى بن خافان، وعبد الرحمن أبو الفضل المتطيب، وعبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر، وعبد الصمد بن الفضل، وعبد الصمد بن محمد البغدادي، وعبد الصمد بن يحيى، وعبد الملك بن محمد أبو قلابة الرقاشي، وعبد الخالق بن منصور، وعبد الوهاب الوراق، عبد الكريم بن الهيثم أبو يحيى القطان، وعبد الكريم غير منسوب، وعثمان بن أحمد الموصلي، وعثمان بن صالح الأنطاكي، وعثمان الحارثي، وعمر بن بكار القافلاني، وعمر بن حفص السدوسي، وعمر بن صالح بن عبد الله، وعمر بن سليمان أبو حفص المؤدب، وعمر بن عبد العزيز جليس بشر الحافي، وعمر بن مدرك أبو حفص القاص، وعمر بن الناقد، وعلي بن أحمد الأنطاكي، وعلي بن أحمد ابن بنت معاوية بن عمرو البغدادي، وعلي بن أحمد الأنماطي، وعلي بن أحمد بن النضر أبو غالب الأزدي، وعلي بن الجهم، وعلي بن الحسن الهسنجاني، وعلي بن الحسن المصري، وعلي بن الحسن بن زياد، وعلي بن حجر، وعلي بن حرب الطائي، وعلي بن زيد، وعلي بن سعيد بن جرير النسائي، وعلي بن سهل بن المغيرة البراز، وعلي بن شوكر، وعلي بن عبد الصمد الطيالسي، وعلي بن عبد الصمد البغدادي، وعلي بن عبد الصمد المكي، وعلي بن عثمان بن سعيد الحراني، وعلي بن الفرات الأصبهاني، وعلي بن محمد المصري، وعلي بن محمد القرشي، وعلي بن الموفق العابد، وعلي بن أبي خالد، وعلي الخواص، والعباس بن أحمد اليمامي، والعباس بن عبد الله النخشبي، والعباس بن علي بن بسام، والعباس بن محمد بن حاتم الرازي، والعباس بن محمد الجوهري، والعباس بن محمد بن موسى الجلال، والعباس بن مسكويه الهمداني، وعمرو بن الأشعث الكندي، وعمرو بن تميم، وعمرو بن معمر أبو عثمان، وعبدوس بن عبد الواحد أبو السري، وعبدوس بن مالك أبو محمد العطار، وعصمة بن أبي عصام أبو طالب العكبري، وعصمة بن عصام، وعامر أبو نعمان البصري، وعمار بن رجاء، وعلان بن عبد الصمد، وعيسى بن جعفر أبو موسى الوراق، وعيسى بن فيروز الأنباري، وعسكر بن الحصين أبو تراب النخشبي، وعقبة بن مكرم، والفضل بن أحمد بن منصور المقرئ.
والفضل بن الحباب أبو خليفة الجمحي، والفضل بن عبد الله الحميري، والفضل بن عبد الله الأصبهاني، والفضل بن مضر، والفضل بن مهران، والفضل بن نوح، والفرج بن الصباح البرزاطي، والفتح بن شخوف، والقاسم بن الحارث المروزي، والقاسم بن سلام أبو عبيد، والقاسم بن عبد الله البغدادي، والقاسم بن نضر المخرمي، والقاسم بن نصر المصري، والقاسم بن يونس الحمصي، وقاسم الفرغاني، ومحمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني، ومحمد بن أحمد بن المثنى أبو جعفر، ومحمد ابن أحمد بن أبي العوام الرياحي، ومحمد بن أحمد المروزي، ومحمد بن إبراهيم بن زياد، ومحمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، ومحمد بن إبراهيم بن الفضل السمرقندي، ومحمد بن إبراهيم بن مسلم الطوسي، ومحمد بن إبراهيم بن يعقوب، ومحمد بن أبان أبو بكر، ومحمد بن بشر بن مطر، ومحمد بن إبراهيم أبو حمزة الصوفي، ومحمد بن إبراهيم الماستري، ومحمد بن إبراهيم الأشناني، ومحمد بن إبراهيم القيسي، ومحمد بن إسحاق ابن راهويه، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، ومحمد بن إسحاق أبو الفتح المؤدب، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن أشرس الحربي، ومحمد بن بندار الجرجاني، ومحمد بن جعفر الوركاني، ومحمد بن جعفر القطيعي، ومحمد بن الجنيد الرقاق، ومحمد بن الحسين البرجلاني وهو من أقرانه - ومحمد بن حمدان العطار، ومحمد بن حماد بن بكر أبو المقرئ، ومحمد بن حبيب البزار، ومحمد بن الحكم أبو بكر الأحول، ومحمد بن حسنويه الأدمي، ومحمد بن حميد الأندراني، ومحمد بن خالد الشيباني، ومحمد بن رجاء، ومحمد بن روح، ومحمد بن زنجويه، ومحمد بن زهير، ومحمد بن سهل بن عسكر، ومحمد بن سعيد بن صباح، ومحمد بن سليمان النباوري، ومحمد بن شداد الصغدي، ومحمد بن طريف الأعين، ومحمد بن طارق البغدادي، ومحمد بن عبد الله بن ثابت، ومحمد بن عبد الله بن جعفر الزهيري، ومحمد بن عبد الله بن مهران الدينوري، ومحمد بن عبد الله بن عتاب أبو بكر الأنماطي، ومحمد بن عبد الله أبو جعفر الدنيوري، ومحمد بن عبد الرحمن الصيرفي، ومحمد بن عبد العزيز الأنبوردي، ومحمد بن عبد الرحمن الدينوري، ومحمد ابن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، ومحمد بن عبد الوهاب أبو أحمد، ومحمد بن عبد الجبار، ومحمد بن عبدك الفراز، ومحمد بن عبدوس بن كامل السراج، ومحمد بن علي بن داود أبو بكر المعروف بابن أخت غزال، ومحمد بن علي بن عبد الله بن مهران أبو جعفر الوراق الجرجاني، عرف بحمدان، ومحمد بن علي أبو جعفر الجوزجاني، ومحمد بن عمران الخياط، ومحمد بن عيسى الجصاص.
ومحمد بن العباس النسائي، ومحمد بن عتاب أبو بكر الأعين، ومحمد بن غسان الغلابي، ومحمد بن الفضل العياني، ومحمد بن قدامة الجوهري، ومحمد بن محمد بن إدريس الشافعي، ومحمد بن محمد ابن أبي الورد، ومحمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن مصعب أبو جعفر الدعاء، ومحمد بن ماهان النيسابوري، ومحمد بن المسيب، ومحمد بن موسى بن قسيس، ومحمد بن موسى النهرتيري، ومحمد بن مسلم بن واره، ومحمد بن المصفى - وهو من أقرانه - ومحمد بن مطهر المصيصي، ومحمد بن مقاتل البغدادي، ومحمد بن نصر بن منصور الصائغ، ومحمد بن النقيب بن أبي حرب الجرجاني، ومحمد بن الوليد بن أبان، ومحمد بن الهيثم المقرئ، ومحمد بن هبيرة البغوي، ومحمد بن هارون الحمال، ومحمد بن ياسين البلدي، ومحمد ابن يحيى الكحال، ومحمد بن يوسف الطباع، ومحمد بن يونس الكريمي، ومحمد بن يونس السرخسي، ومحمد بن أبي حرب الجرجائي، ومحمد بن أبي السري أبو جعفر البغدادي، ومحمد بن أبي صالح المكي، ومحمد بن أبي عبد الله الهمداني عرف بمتويه، ومحمد بن أبي عبدة الهمداني، وموسى بن إسحاق بن موسى الخطمي، وموسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان أبو مزاحم، وموسى بن عيسى الجصاص، ومبارك بن سليمان، ومثنى بن جامع الأنباري، ومجاهد بن موسى، ومحمود بن خداش، ومحمود بن خالد، ومحمود بن غيلان ومذكور، ومرار بن أحمد، ومسلم بن الحجاج، ومسدد بن مسرهد، ومضر بن محمد الأسدي، ومعاذ بن المثنى العنبري، ومعاوية بن صالح، ومعروف الكرخي - وهو من مشايخه - والمفضل بن غسان البصري، ومقاتل بن صالح الأنماطي، ومنصور بن إبراهيم القزويني، ومنصور أبو محمد ابن خالد الأسدي، والمنذر بن شاذان، ومهنا بن يحيى، وميمون بن الأصبغ، ونعيم بن زاعم، ونعيم بن طريف، ونوح بن حبيب القومسي، ووزير بن محمد الحمصي، وهارون بن سفيان المستملي، وهارون بن عبد الله الحمال، وهارون ابن عبد الرحمن العكبري، وهارون بن عيسى أبو حامد الخياط، وهارون بن يعقوب الهاشمي، وهارون الأنطاكي، وهشام بن منصور أبو سعيد، والهيثم بن خارجة، وهيزام بن قتيبة المروزي، ويحيى بن أيوب العابد، ويحيى بن خاقان، ويحيى بن زكريا المروزي، ويحيى بن زكريا أبو زكريا الأحول، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن صالح الوحاظي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، ويحيى بن المختار النيسابوري، ويحيى بن منصور بن الحسن الهروي، ويحيى بن نعيم، ويحيى بن هلال الوراق، ويحيى بن يزداد أبو الصقر، ويعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي، ويعقوب بن إسحاق بن حيان أبو يوسف، ويعقوب بن إسحاق الحلبي، ويعقوب بن العباس الهاشمي، ويعقوب بن يوسف أبو بكر المطوعي، ويعقوب بن يوسف الحربي، ويعقوب ابن أخي معروف الكرخي، ويوسف بن بحر، ويوسف بن الحسين اللؤلؤي، ويوسف بن موسى القطان، ويوسف بن موسى بن أسد الكوفي، ويزيد بن جهور أبو الليث، ويزيد بن خالد بن طمهان، ويزيد بن هارون، وياسين بن سهل الفلاس، وأبو بكر بن عنبر الخراساني، وأبو بكر الطبراني، وأبو داود الكادي، وأبو داود الخفاف، وأبو بكر السري، وأبو عبد الله السلمي، وأبو عبد الله النوفلي، وأبو عبد الله ابن أبي هشام، وأبو عبيد الله، وأبو عمران الصوفي، وأبو غالب ابن بنت معاوية، وأبو قلابة الرفاعي، وأبو محمد ابن أخي عبيد ابن شريك، وأبو المثني الفهري، وحسن جاريته رضي الله عنه، وريحانة ابنة عمه وهي أم عبد الله زوجه، وخديجة أم محمد، وعباسة بنت الفضل وهي زوج أحمد أم صالح، ومجة أخت بشر الحافي.
وقال وكيع بن الجراح: نهاني أحمد بن حنبل أن أحدث عن خارجة بن مصعب.
وكان يزيد بن هارون في مجلس فمزح مستمليه فتنحنح أحمد فضرب بيده على جبينه وقال: ألا أعلمتموني أن أحمد ها هنا حتى لا أمزح.
وقال المروذي: قلت لأبى عبد الله: إيش كان سبب يزيد بن هارون حين عادل؟ قال: كنت بواسط وكنت أجلس بالقرب منه إذا حدث، فقال يوما: ثنا يحيى بن سعيد قال سمعت سالما يقول: فقلت: ليس في هذا سمعت، إنما هو أن سالما.
فدخل فأخرج الكتاب فإذا هو: أن سالما، فقال: من رد عليَّ؟ فقالوا: أحمد بن حنبل، فقال: صيروه كما قال، فكان إذا جلس يقول: يا ابن حنبل ادن ها هنا.
وقال المروذي عن أبي بكر بن أبي عون ومحمد بن هشام: رأينا إسماعيل ابن علية إذا أقيمت الصلاة قال: ها هنا أحمد بن حنبل، قولوا له يتقدم.
وقال محمد بن سهل بن عسكر، قال عبد الرزاق: وصل إلينا أربعة: الشاذكوني وكان أحفظهم للحديث، وابن المديني فكان أعرفهم باختلافه، ويحيى بن معين كان أعرفهم بالرجال، وأحمد وكان أجمعهم لذلك كله.
وفي كتاب الوفيات " للبغوي ": مرض أحمد عشرة أيام ومات في صدر النهار وشهدت جنازته.
وقال أبو بكر: محمد بن أبان: كنت وأحمد وإسحاق عند عبد الرزاق، وكان إذا استفهمه أحمد قال: أنا لا أحدثكم، إنما أحدث هؤلاء لا ثلاثة.
وقال محمد بن عسكر: سمعت عبد الرزاق يقول: إن يعش هذا الرجل يكن خلفا من العلماء يعني: أبا عبد الله.
وفي رواية الباوردي عنه: ما رأيت مثله.
وقال محمد بن عبد الله بن منصور سمعت قتيبة يقول: خير أهل زماننا ابن المبارك ثم هذا الشاب، فقال له أبو بكر الرازي: من الشاب؟ قال: أحمد بن حنبل.
فقال: يقول شاب وهو شيخ أهل العراق؟ فقال: لقيته وهو شاب، وقال أبو داود عن قتيبة: إذا رأيت الرجل يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة، وفي رواية غيره: وجماعة، وفي رواية: فاعلم أنه على الطريق.
وفي رواية: لو أدرك عصر الثوري، ومالك، والليث، والأوزاعي لكان هو المقدم.
وذكر الهيثم بن جميل أن أحمد خالفه في حديث، فقال: وددت أنه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد.
وفي لفظ: أسأل الله أن يزيد في عمره وينقص من عمري، ثم قال قلت هذا عسى أن ينتفع به المسلمون، وقال سليمان بن حرب لرجل: سل أحمد عن هذه المسألة، فإنه إمام.
وقال عيسى بن عفان: وجاء يحيى بن معين وأبو خيثمة وغيرهما يسمعون من أبي، وجاء أحمد فسمع من أبي ثم خرج، فقال أبي: هذا سوى أولئك. يعني من فضله.
وقال المزني عن الشافعي: ثلاثة من العلماء من عجايب الدنيا، عربي لا يعرف كلمة وهو أبو ثور، وأعجمي لا يخطئ في كلمة وهو الزعفراني، وصغير كلما قال شيئا صدقه العلماء وهو أحمد بن حنبل.
وقال الحميدي: ما دمت بالحجاز، وأحمد بالعراق، وإسحاق بخراسان، ما يغلبنا أحد.
وقيل يوما عند ابن أبي أويس: ذهب أصحاب الحديث. فقال ابن أبي أويس: ما أبقى الله أحمد فلم يذهب أصحاب الحديث.
وقال إبراهيم بن إسماعيل: قدم علينا علي ابن المديني فسألناه أن يحدثنا، فقال: إن سيدي أحمد أمرني أن ألا أحدث إلا من كتاب.
وفي رواية ابن عبدويه: هو عندي أفضل من سعيد بن جبير في زمانه، لأن سعيدا كان له نظراء وهذا ليس له نظير.
وفي رواية: لأن أسأل أحمد عن مسألة أحب إلي من أن أسأل أبا عاصم، وعبد الله بن داود، العلم ليس هو بالسن. وفي رواية: أبو عبد الله اليوم حجة الله على خلقه.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: قد جعلت أحمد بن حنبل إماما فيما بيني وبين الله تعالى.
وقال سفيان بن وكيع: أحمد محنة، من عاب أحمد عندنا فهو فاسق.
وقال أحمد بن صالح المصري: ما رأيت بالعراق مثل أحمد وابن نمير.
وقال النسائي: لم يكن في عصر أحمد مثل هؤلاء الأربعة: علي، ويحيى، وأحمد، وإسحاق. قال نصر بن علي: كان أحمد أفضل أهل زمانه.
وقال عمرو بن محمد: إذا وافقني أحمد على حديث فلا أبالي من خالفني.
وقال أحمد بن الحجاج: لم تر عيناي مثل أحمد، ولو كان في زمن ابن المبارك كنا نؤثره عليه.
وقال محمد بن مهران الجمال: ما بقي غير أحمد.
وقال ابن وارة: ابن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، والنفيلي بحران، وابن نمير بالكوفة، هؤلاء أركان الدين.
وقال محمد بن مصعب العابد: لسوط ضرب أحمد في الله أكثر من أيام بشر بن الحارث.
وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي: ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد، ولا أعقل، وهو عندي أفضل وأفقه من الثوري.
وقال أبو يحيى: كنا عند إبراهيم بن عرعرة فذكروا علي بن عاصم، فقال رجل: أحمد بن حنبل يضعفه.
فقال رجل: وما يضره من ذلك إذا كان ثقة، فقال إبراهيم بن عرعرة: والله لو تكلم أحمد في علقمة والأسود لضرهما.
وقال محمد بن نصر المروزي: فاق أحمد أهل زمانه.
وقال أبو داود: لقيت مائتي شيخ من أهل العلم فما رأيت مثل أحمد.
وقال عبد الوهاب الوراق: كان أعلم أهل زمانه، وهو إمامنا، وهو من الراسخين في العلم.
وقال أبو نصر بن ماكولا: كان إماما في النقل، وعلما في الزهد والورع، وأعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين.
وقال أبو بكر الخطيب: كان إمام المحدثين، وناصر الدين، والمناضل عن السنن، والصابر في المحنة.
وقال ابن سعد: هو ثقة ثبت صدوق كثير الحديث.
وقال المنتجيلي: ثقة سدوسي من أنفسهم، نزه، صبور على الفقر، مسلم، عالم بالحديث، متثبت فيه، أقام في الحبس سبعة وعشرين شهرا ثم أطلق، ولما سئل محمد بن السري عنه قال: علم فعمل.
وفي " تاريخ القدس ": مات وله ست وسبعون سنة، وهو إمام المحدثين.
وقال أبو علي الجياني: كان سيد المسلمين في زمانه، ومناقبه رحمه الله كثيرة تركنا معظمها إيثارا للإيجاز على ما أصلناه قبل من طلب الاختصار.

  • الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 1- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس
بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هثب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان كنيته أبو عبد الله أصله من مرو مولده ببغداد
يروي عن ابن عيينة وهشيم وإبراهيم بن سعد روى عنه أهل العراق والغرباء مات سنة إحدى وأربعين ومائتين وكان حافظاً متقنا ورعا فقيها لازما للورع الخفي مواظبا على العبادة الدائمة به أغاث الله جل وعلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذاك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله عز وجل حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله عن الكفر وجعله علما يقتدى به وملجأ يلتجئ إليه سمعت محمد بن أحمد المسندي يقول سمعت أحمد بن نصر الفراء يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول طلبت الحديث سنة تسع وسبعين وكان لي يومئذٍ ست عشرة سنة

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 8- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل
يكنى أبا عبد الله سدوسي من أنفسهم بصري من أهل خراسان ولد ببغداد ونشأ بها ثقة ثبت في الحديث نزه النفس فقيه في الحديث متبع يتبع الآثار صاحب سنة وخير
حدثنا أبو مسلم قال حدثني أبي قال دخلت على أحمد بن حنبل وأحمد بن نوح وهما محبوسان بالصور فسألت أحمد بن نوح كيف كان تقييده يعنى أحمد وأحمد قريب منا يسمع قال لما امتحن أحمد جمع له كل جهمي ببغداد فقال بعضهم إنه مشبه وقال إسحاق بن إبراهيم والى بغداد أليس تقول {ليس كمثله شيء} قال بلى {وهو السميع البصير} قالوا شبه قال أي شيء أردت بهذا قال ما أردت به شيئاً قلت كما قال القرآن
فسألوه عن حديث جامع بن شداد وكتب في الذكر قال كان محمد بن عبيد يخطئ فيه قال إن كان محمد بن عبيد يقول وخلق في الذكر ثم تركه وسألوه عن حديث مجاهد {إلى ربها ناظرة} وحديث آخر عن مجاهد قال قد اختلط بأخرة قال له إسحاق بن إبراهيم أليس زعمت أنك لا تحسن الكلام أراك قائما بحجتك فطرح القيد في رجله قال العجلي وأخرج إلى أحمد بن نوح نفقة دنانير كثيرة فقال خذ منها حاجتك أراك رث الهيئة فأخرجت إليه منطقة لي فيها دنانير بعت بها بزا بأنطاكية فقلت له لو كنت أحوج الخلق أجئ إلى أسير آخذ منه

  • دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1

أحمد بن حنبل (ع)
شيخ الإسلام، وسيد المسلمين في عصره، الإمام الحافظ
الحجة، أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي.
ولد سنة أربعٍ وستين ومئة.
وسمع: هشيماً، وإبراهيم بن سعد، وابن عيينة، وعباد بن عباد، ويحيى بن أبي زائدة، وطبقتهم.
وعنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، ومطين، وابنه عبد الله، وأبو القاسم البغوي، وخلائق.
وكان أبوه جندياً من أبناء الدعوة، مات شاباً.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبا زرعة يقول: كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث، ذاكرته الأبواب.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: حفظت كل شيءٍ سمعته من هشيم في حياته.
وقال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كان الله قد جمع له علم الأولين والآخرين.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول، خرجت من بغداد، فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل.
وقال علي بن المديني: إن الله أيد هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.
وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعةٍ أفقههم أحمد.
وقال عباس، عن ابن معين: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله لا أكون مثله أبداً.
وقال أبو همام السكوني: ما رأى أحمد بن حنبل مثل نفسه.
وقال أبو ثور: أحمد أعلم - أو قال: أفقه - من الثوري.
وسيرة الإمام أحمد قد أفردها الدارقطني، والبيهقي، وشيخ الإسلام الأنصاري، وابن الجوزي، وغيرهم.
وتوفي إلى رحمة الله ورضوانه في يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين، وله سبعٌ وسبعون سنةً. أدخله الله الجنة برحمته ورضوانه.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 2- ص: 1

أحمد بن حنبل.
أحد الأئمة، مناقبه مفردة بالتصنيف وممن صنف فيها ابن الجوزي مجلدة ضخمة. وهو من جملة من روى عن الشافعي القديم، وروى في ’’مسنده’’ عنه. ثنا مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال صلى اللَّه عليه وسلم: ’’إنَّما نَسمةُ المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه اللَّه إلى جسده يوم يبعثه’’ .
صححه الترمذي من حديث الزهري، وقد اجتمع فيه ثلاث من الأئمة كما يروى، وفى ’’مسنده’’ من رواية ابنه عبد اللَّه ثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا الشافعي عن يحيى بن سكيم عن عبد اللَّه عن نافع عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام: ’’صلى صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات’’ وللحافظ أبي بكر الحازمى كتاب ’’سلسلة الذهب’’ فيما رواه أحمد عن الشافعي. مات -رضي اللَّه عنه- سنة إحدى وأربعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة على المشهور. وروى أحمد عن الشافعي أنه يجوز بيع الباقلاء في قشره، وأنَّ السيد يلاعن أمته حكاه أبو عاصم في ’’الطبقات’’.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل

  • مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت - لبنان-ط 1( 1985) , ج: 1- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل

  • مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت - لبنان-ط 1( 1985) , ج: 2- ص: 1

أحمد بن حنبل
ومن العلماء الجهابذة النقاد من الطبقة الثالثة من أهل بغداد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني رحمه الله
باب ما ذكر من علم أحمد بن محمد بن حنبل وفقهه
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال حدثني الحارث بن العباس قال قلت لأبي مسهر تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا أعلمه إلا شاباً في ناحية المشرق يعني أحمد بن حنبل. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان الواسطي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه رأى أحمد بن حنبل أقبل إليه أو قام من عنده فقال هذا أعلم الناس بحديث سفيان الثوري. حدثنا عبد الرحمن نا أبو بكر أحمد بن القاسم بن عطية الرازي نا عبد الله بن أحمد بن شبويه قال سمعت قتيبة بن سعيد يقول لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكن هو المقدم قلت لقتيبة يضم أحمد بن حنبل إلى التابعين قال إلى كبار التابعين. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري قال قال عبد الله بن أبي زياد سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول انتهى العلم إلى أربعة إلى أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له وإلى أبي بكر بن أبي شيبة وهو أحفظهم له. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال ذكرت لقتيبة بن سعيد يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل فقال أحمد بن حنبل أكثر من سميتهم كلهم. حدثنا عبد الرحمن قال أبو عبد الله الطهراني قال سمعت أبا ثور إبراهيم بن خالد يقول أحمد بن حنبل أعلم أو أفقه من الثوري. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال سمعت إسحاق بن راهويه يقول كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأصحابنا فكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة فيقول يحيى بن معين من بينهم وطريق كذا فأقول أليس قد صح هذا بإجماع منا فيقولون نعم فأقول ما مراده ما تفسيره ما فقهه فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل. حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبي رحمه الله عن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني أيهما كان أحفظ قال كانا في الحفظ متقاربين وكان أحمد أفقه. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول ما رأيت أحداً أجمع من أحمد بن حنبل وما رأيت أكمل منه اجتمع فيه زهد وفضل وفقه وأشياء كثيرة قيل له إسحاق وأفقه من إسحاق ولم أزل أسمع الناس يذكرون أحمد بن حنبل يقدمونه على يحيى بن معين وعلى أبي خثيمة. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت محمد بن مسلم بن وارة وسئل عن علي بن المديني ويحيى بن معين أيهما كان أحفظ قال علي كان أسرد وأتقن ويحيى أفهم بصحيح الحديث وسقيمه وأجمعهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل كان صاحب فقه وصاحب حفظ وصاحب معرفة. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة وقيل له اختيار أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أحب إلي من قول الشافعي حدثنا عبد الرحمن قال وسمعت أبا زرعة يقول ما أعلم في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد بن حنبل قيل له إسحاق بن راهويه فقال حسبك بأبي يعقوب فقيهاً.
باب ما ذكر من إمامة أحمد بن حنبل لأهل زمانه
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال سمعت قتيبة بن سعيد يقول أحمد بن حنبل إمام الدنيا حدثنا عبد الرحمن نا يعقوب بن إسحاق قال سمعت محمد بن يحيى النيسابوري يقول إمامنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسين بن الجنيد قال سمعت أبا جعفر النفيلي يقول كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين حدثنا عبد الرحمن نا أبي رضي الله تعالى عنه نا أحمد بن أبي الحواري نا أبو عثمان الرقي قال سمعت الهيثم بن جميل يقول إن عاش هذا الفتى يعني أحمد بن حنبل سيكون حجة على أهل زمانه.
باب ما ذكر من حفظ أحمد بن حنبل رحمه الله
حدثنا عبد الرحمن نا الحسين بن الحسن الرازي قال سمعت علي بن المديني يقول ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب ولنا فيه أسوة حسنة. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول مات هشيم وأنا بن عشرين سنة وأنا أحفظ ما سمعت منه ولقد جاء إنسان إلى باب بن علية ومعه كتب هشيم فجعل يلقيها علي وأنا أقول إسناد هذا كذا فجاء المعيطي وكان يحفظ فقال له أجبه فبقي ولقد عرفت من حديثه ما لم أسمعه. حدثنا عبد الرحمن نا الحسين بن الحسن الرازي قال سمعت عمرو بن محمد الناقد يقول إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديث فلا أبالي من خالفني قال أبو محمد قال سعيد بن عمرو البردعي يوماً لأبي زرعة يا أبا زرعة أنت أحفظ أم أحمد بن حنبل قال بل أحمد بن حنبل قال وكيف علمت ذاك قال وجدت كتب أحمد بن حنبل ليس في أوائل الأجزاء ترجمة أسماء المحدثين الذين سمع منهم فكان يحفظ كل جزء ممن سمع وأنا فلا أقدر على هذا.
باب ما ذكر من عقل أحمد بن حنبل رحمه الله
حدثنا عبد الرحمن نا إبراهيم بن خالد الرازي قال سمعت محمد بن مسلم يقول سمعت الحسن بن محمد بن الصباح يقول قال لي الشافعي ما رأيت رجلين أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي حدثنا عبد الرحمن نا إبراهيم بن خالد الرازي قال سمعت محمد بن مسلم بن وارة يقول سمعت أبا الوليد الجارودي يقول قدم علينا الشافعي يعني مكة فقال ما خلفت بالعراق رجلين أعقل منهما أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي.
باب ما ذكر من تعظيم العلماء المتقدمين لأحمد بن حنبل رحمه الله
حدثنا عبد الرحمن نا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب إلي قال سمعت أبا اليمان يقول كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطاة بن المنذر حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان الواسطي قال ما رأيت يزيد بن هارون لأحد أشد تعظيماً منه لأحمد بن حنبل وكان يقعده إلى جنبه إذا حدثنا ومرض أحمد بن حنبل فركب إليه يزيد بن هارون وعاده. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان الواسطي قال ما رأيت يزيد بن هارون أكرم أحداً إكرامه لأحمد بن حنبل وكان يوقر أحمد بن حنبل ولا يمازحه حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول كان أحمد بن حنبل عندي فقال نظرنا فيما يخالفكم فيه وكيع أو فيما يخالف وكيع الناس قاذاً هي نيف وستون حرفاً قال أبو محمد هذه رواية عبد الرحمن بن مهدي عن أحمد بن حنبل كلامه حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال سألت أحمد بن حنبل أن يكتب لي إلى الهيثم بن جميل فكتب إليه فأتيته وكتبت عنه قال أبو محمد إنما سأله الكتاب إلى الهيثم بن جميل لم علم من محله وجلالته عنده. حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال انصرفت من عند الهيثم بن جميل أريد محمد ابن المبارك الصوري فأتاني نعي أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج وقيل لي صلى عليه أحمد بن حنبل قال أبو محمد كان علماء أهل حمص متوافرين في ذلك الزمان فقدموا أحمد بن حنبل وهو شاب لجلالته عندهم. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كان أبو عمر عيسى بن محمد بن النحاس الرملي من عباد المسلمين فدخلت يوماً عليه فقال لي كتبت عن أحمد بن حنبل شيئا قلت نعم قال فأمل على فأمليت عليه ما حفظت من حديث أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال كتب إلى إسحاق بن راهويه أن الأمير عبد الله بن طاهر فقال ما هذا الكتاب فقلت كتاب أحمد بن حنبل فأخذه وقرأه وقال إني أحبه لأنه لم يختلط بأمر السلطان قال أبو محمد حمل إسحاق بن راهويه كتاب أحمد إلى عبد الله بن طاهر يتزين به. حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول أراد الناس أن أكون مثل أحمد بن حنبل لا والله ما أكون مثل أحمد أبداً. حدثنا عبد الرحمن نا أبي قال سمعت الحسن بن الربيع يقول أتاني أحمد بن حنبل فسألني عن أحاديث وذكر حديثين فقال هذا مما سألني أحمد عنه قال أبو محمد يتبجح بذلك. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كان الحسن بن الصباح البزار إذا بلغه أن إنساناً ذكر أحمد بن حنبل جمع المشايخ وأتاه وقال أستدعي عليه. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال حضرت عند إبراهيم بن أبي الليث وحضر علي بن المديني وعباس العنبري وجماعة كثيرة فنودي بصلاة الظهر فقال علي بن المديني نخرج إلى المسجد أو نصلي ههنا فقال أحمد نحن جماعة نصلي ههنا فصلوا قال أبو محمد رجوع الجماعة الذين حضروا إلى قول أحمد في ترك الخروج إلى المسجد وجمع الصلاة هناك من جلالة أحمد وموقع كلامه عندهم. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول رأيت قتيبة بمكة يجئ ويذهب ولا يكتب عنه فقلت لأصحاب الحديث كيف تغفلون عن قتيبة وقد رأيت أحمد بن حنبل في مجلسه فلما سمعوا منى أخذوا نحوه وكتبوا عنه. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول رأيت في كتب إبراهيم بن موسى إلى أحمد بن حنبل يسأله في مسألة حدثنا عبد الرحمن قال ذكر عبد الله بن عمر البكري قال سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال قال لي أحمد بن يونس بالكوفة أبلغ أحمد بن حنبل السلام.
باب ما ذكر من صيانة أحمد بن حنبل نفسه وظلفه عن طلب الدنيا
حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال دخلت يوماً على أبي رحمه الله أيام الواثق والله يعلم على أي حالة نحن وقد خرج لصلاة العصر وكان له لبد يجلس عليه وقد أتى عليه سنين كثيرة حتى قد بلى وإذا تحته كتاب كاغذ وإذا فيه بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق وما عليك من الدين وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك وتوسع على عيالك وما هي من صدقة ولا زكاة وإنما هو شيء ورثته من أبي فقرأت الكتاب ووضعته فلما دخلت قلت يا أبة ما هذا الكتاب فاحمر وجهه وقال رفعته منك ثم قال تذهب بجوابه فكتب إلى الرجل وصل كتابك إلي ونحن في عافية فأما الدين فإنه لرجل لا يرهقنا وأما عيالنا فهم في نعمة والحمد لله فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل فلما كان بعد حين ورد عليه كتاب الرجل بمثل ذلك فرد عليه الجواب بمثل ما ورد فلما مضت سنة أقل أو أكثر ذكرناها فقال لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد قال شهدت بن الجروي أخا الحسن قد جاءه بعد المغرب فقال أنا رجل مشهور وقد أتيتك في هذا الوقت وعندي شيء قد أعددته لك فأحب أن تقبله وهو ميراث فلم يزل به فلما أكثر عليه قام ودخل. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد قال فأخبرت عن حسن قال قال لي أخي لما رأيته كلما ألححت عليه ازداد بعداً قلت أخبره كم هي قلت يا أبا عبد الله هي ثلاثة آلاف دينار فقام وتركني حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال فوزان لأبي عندي خف أبعث به إليك فسكت فلما أعاد عليه قال يا أبا أحمد لا تبعث بالخف فقد شغل على قلبي. حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال وجه رجل من الصين بكاغذ صيني إلى جماعة من المحدثين فيهم يحيى وغيره ووجه بقمطر إلى أبي فردها. حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال كان ولد لي مولود فأهدى صديق لي شيئاً ثم أتى على ذلك أشهر وأراد الخروج إلى البصرة قال لي تكلم أبا عبد الله يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة فكلمته فقال لولا أنه أهدى إليك كنت أكتب له. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان قال بلغني أن أحمد بن حنبل رهن بغلاً له عند خباز على طعام أخذه منه عند خروجه من اليمن وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه وعرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة فلم يقبلها. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان قال بعث بن طاهر حين مات أحمد بن حنبل بصينيتين عظيمتين عليهما كفنه وحنوطه فأبى صالح أن يقبلها وقال إن أبا عبد الله قد أعد كفنه فرد صالح ما بعث به بن طاهر قال فرد بن طاهر مرة أخرى وقال إني أكره أن يجد أمير المؤمنين علي فقال له صالح إن أمير المؤمنين أعفى أبا عبد الله مما يكره وهذا مما يكره فلست أقبله فرده صالح حدثنا عبد الرحمن ثنا صالح قال قال أبي جاءني بن يحيى بن يحيى قال أبي وما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك رجلاً يشبه يحيى بن يحيى فجاءني ابنه فقال إن أبي أوصى بمبطنة له لك وقال يذكرني بها قال أبي فقلت جئ بها فجاء برزمة ثياب فقلت له اذهب رحمك الله يعني ولم يقبله. حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال قلت لأبي أن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار قال يا بني ورزق ربك خير وأبقى.
باب ما ذكر من معرفة أحمد بن حنبل بعلل الحديث بصحيحة وسقيمه وتعديله ناقلة الأخبار وكلامه فيهم
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت هارون بن إسحاق الهمداني وذكر له خطأ في إسناد حديث فقال هذا كلام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول كان أحمد بن حنبل بارع الفهم لمعرفة الحديث بصحيحه وسقيمه وتعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث منه وكان الشافعي يقول لأحمد حديث كذا وكذا قوي الإسناد محفوظ فإذا قال أحمد نعم جعله أصلاً وبنى عليه. حدثنا عبد الرحمن قال ذكره عبد الله بن أبي عمر البكري الطالقاني قال سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال سمعت أحمد بن حنبل يقول لم نصب لهشيم عن الزهري إلا أربعة أحاديث.
باب ما ذكر من حسن نية أحمد بن حنبل في نشر العلم
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول أتيت أحمد بن حنبل في أول ما التقيت معه سنة ثلاث عشرة ومائتين فإذا قد اخرج معه إلى الصلاة كتاب الأشربة وكتاب الإيمان فصلى ولم يسأله أحد فرده إلى بيته وأتيته يوماً آخر فإذا قد أخرج الكتابين فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك لأن كتاب الإيمان أصل الدين وكتاب الأشربة صرف للناس عن الشر فإن أصل كل شر من السكر.
باب ما ذكر من سخاء أحمد بن حنبل مع خفة ذات يده
حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال أهدي إلى أبي رجل ولد له مولود خوان فالوذج فكافأه بسكر ودراهم صالحة. حدثنا عبد الرحمن حدثني محمد بن صالح قال دخلت يوماً على أحمد بن حنبل فإذا هو قد أخرج إلي قدحاً فيه سويق وقال أشرب.
باب ما سهل الله لأحمد بن حنبل من أعمال البر
حدثنا عبد الرحمن ثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال أبي حججت خمس حجج منها ثلاث حجج راجلاً أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً.
باب ما ذكر من زهد أحمد بن حنبل وورعه
حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال ربما رأيت أبي رحمه الله يأخذ الكسر فينفض الغبار عنها ثم يصيرها في قصعة ويصب عليها ماء حتى تبتل ثم يأكلها بالملح. حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال ما رأيت أبي قط اشترى رماناً ولا سفرجلاً ولا شيئاً من الفاكهة إلا أن يكون يشترى بطيخة فيأكلها بخبز أو عنباً أو تمراً فأما غير ذلك فما رأيته قط اشتراه حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال قال أبي إن كانت والدتك في الغلا تغزل غزلاً دقيقاً فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر فكان ذلك قوتنا. حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال كان ربما خبز له فيجعل في فخارة عدساً وشحماً وتمرات شهريز فيجئ إلى الصبيان بقصعة فيصوت ببعضهم فيدفعه إليهم فيضحكون ولا يأكلون وكثيراً ما يأتدم بالخل. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال جئت يوماً إلى المنزل فقيل لي قد وجه أبوك أمس في طلبك فقلت وجهت في طلبي قال جاءني أمس رجل كنت أحب أن تراه بينا أنا قاعد في نحر الظهيرة إذا أنا برجل يسلم بالباب فكأن قلبي ارتاح فقمت ففتحت الباب فإذا أنا برجل عليه فرو على أم رأسه خرقة ما تحت فروة قميص ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز قد لوحته الشمس فقلت ادخل فدخل الدهليز فقلت من أين أقبلت فقال من ناحية المشرق أريد بعض هذه السواحل ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد إلا أني نويت السلام عليك قال قلت له على هذه الحال قال نعم ما الزهد في الدنيا قلت قصر الأمل قال فجعلت أعجب منه فقلت في نفسي ما عندي ذهب ولا فضة فدخلت البيت فأخذت أربعة أرغفة فخرجت إليه فقلت ما عندي ذهب ولا فضة وإنما هذا من قوتي فقال أو يسرك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله قلت نعم قال فأخذها فوضعها تحت حضنه وقال أرجو أن تكفني هذه زادي إلى الرقة أستودعك الله قال فلم أزل قائماً أنظر إليه إلى أن خرج وكان يذكره كثيراً. حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال ذكر يوماً عنده يعني أبيه رجل فقال يا بني الفائز من فاز غدا ولم يكن لأحد عنده تبعة وذكرت له بن أبي شيبة وعبد الأعلى البرسي ومن قدم به إلى العسكر من المحدثين فقال إنما كانت أياماً قلائل ثم تلاحقوا وما نحلوا منها بكبير شيء. حدثنا عبد الرحمن انا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال سمعت أبي يقول وذكر الدنيا فقال قليلها يجزي وكثيرها لا يجزي قال وسمعت أبي وذكر عنده الفقر فقال الفقر مع الخير. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد قال أمسك أبي رحمه الله عن مكاتبة إسحاق بن راهويه لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا أحمد بن أبي الحواري نا عبيد القاري قال دخل عم أحمد بن حنبل على أحمد بن حنبل ويده تحت خده فقال بن أخي أي شيء هذا الغم أي شيء هذا الحزن فرفع أحمد رأسه إليه فقال يا عم طوبى لمن أخمل الله ذكره. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك رأيت عليه نعلاً لا يشبه نعل القراء له رأس كبير معقف وشراك مسبل كأنه اشترى له من السوق ورأيت عليه إزاراً وجبة برد مخطط آسمانجوني قال أبو محمد أراد بهذا والله أعلم ترك التزين بزي القراء وإزالته عن نفسه ما يشتهر به. حدثنا عبد الرحمن نا صالح قال قال أبي أنا إذا لم يكن عندي قطع أفرح. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن حنبل قال اشتريت جارية فشكت إليه أهلي فقال لها قد كنت أكره لكم الدنيا وكان ربما بلغني عنك الشيء فقالت يا عم ومن يكره الدنيا غيرك قال لها فشأنك إذا. حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد قال ربما اشترينا الشيء فنستره كي لا يراه فيوبخنا على ذلك. حدثنا عبد الرحمن نا أبو معين الحسين بن الحسن الرازي قال حضرت أحمد بن حنبل وجاءه فيج بكتاب أظنه من البسطامي فوضعه ولم يقرأه وقال ما عندنا شيء نعطيك إلا أستغفر الله الخبز إن رضيت به. حدثنا عبد الرحمن أبو معين الحسين بن الحسن الرازي قال رأيت انا علي بن أحمد بن حنبل كبلاً يعني الفرو الغليظ حدثنا عبد الرحمن قال ذكره عبد الله بن أبي عمر البكري الطالقاني قال سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني يقول ما رأيت مصلياً قط أحسن صلاة من أحمد بن حنبل تكبيره ورفع رأسه وسجوده وقعوده بين السجدتين وتشهده وتسليمه حتى كنت أرى فيه ما يحكى عن علي يعني بن يحيى بن خلاد ويسترخي كل عضو منه ويرجع إلى مكانه وكان إذا رفع يديه في التكبير حاذى بهما منكبيه وقرب إبهاميه من أذنيه وما رأيت أحداً أشد اتباعاً لأحاديث السنن منه يضعها مواضعها.
باب ما قذف الله من محبة أحمد بن حنبل في قلوب الناس
حدثنا عبد الرحمن نا أبو معين الحسين بن الحسن الرازي قال حضرت بمصر عند بقال فأحسن إلينا ثم جرى بيننا وبينه الحديث فسألني عن أحمد بن حنبل فقلت كتبت عنه فلم يأخذ ما أعطيته وقال لا آخذ أنا ثمن المتاع ممن يعرف أحمد بن حنبل أو رآه. حدثنا عبد الرحمن نا أبو معين قال حكم يقول أحمد بن حنبل بسمرقند وأحمد حي.
باب استحقاق الرجل السنة بمحبة أحمد بن حنبل
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن القاسم بن عطية قال سمعت عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي يقول سمعت أبا رجاء يعني قتيبة بن سعيد يقول إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة وجماعة. حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن علي بن سعيد النشائي قال سمعت قتيبة بن سعيد يقول إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه على الطريق. حدثنا عبد الرحمن سمعت عبد الله بن الحسين بن موسى يقول رأيت رجلاً من أهل الحديث توفي فيما يرى النائم فقلت له بالله عليك ما فعل الله بك قال غفر الله لي فقلت بالله فقال بالله إنه غفر الله لي فقلت بماذا غفر الله لك قال بمحبتي لأحمد بن حنبل فقلت فأنت في راحة فتبسم وقال أنا في راحة وفي فرح. حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا جعفر محمد بن هارون المخرمي المعروف بالفلاس يقول إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع ضال.
باب ما ذكر من احتساب أحمد بن حنبل بنفسه لله عند المحنة وصبره على الضراء في محنته
حدثنا عبد الرحمن نا أبو زرعة رحمه الله قال سمعت محمد بن مهران الجمال يقول رأيت أحمد بن حنبل في المنام كأن عليه برداً مخططاً أو معيناً وكأنه بالري يريد المصير إلى الجامع يوم الجمعة قال أبو جعفر فاستعبرت بعض أهل التعبير فقال هذا رجل يشتهر في الخير فما أتي عليه إلا قريب حتى ورد ما ورد من خبره في أمر المحنة سمعت أبا زرعة يقول لم أزل أسمع الناس يذكرون أحمد بن حنبل بخير ويقدمونه على يحيى بن معين وأبي خثيمة غير أنه لم يكن من ذكره ما كان بعد ما امتحن فلما امتحن ارتفع ذكره في الآفاق ولولا ما حصف المعتصم ودعا بعم أحمد بن حنبل ثم قال للناس تعرفونه قالوا نعم هو أحمد بن حنبل قال فانظروا إليه أليس هو صحيح البدن قالوا نعم ولولا ذلك لكنت أخاف أن يقع شر لا يقام له. فلما قال قد سلمته إليكم صحيحاً هدأ الناس وسكنوا. حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال سمعت سلمة بن شبيب قال كنت عند أحمد بن حنبل فدخل عليه رجل في يده عكازة عليه أثر السفر فقال من فيكم أحمد فأشاروا إلى أحمد فقال إني ضربت البر والبحر من أربع مائة فرسخ أتاني الخضر عليه السلام وقال ائت أحمد بن حنبل فقل له إن ساكن السماء راض عنك لما بذلت نفسك في هذا الأمر. حدثنا عبد الرحمن نا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن المقرئ قال سمعت أحمد بن يونس روى الحديث في الجنة قصر لا يدخله إلا بني أو صديق أو محكم في نفسه فقيل لأحمد بن يونس يا أبا عبد الله من المحكم في نفسه فقال أحمد بن حنبل المحكم في نفسه. حدثنا عبد الرحمن نا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي الصيداوي المعروف بأبي بكر الأسدي قال لما حمل أحمد بن حنبل ليضرب جاءوا إلى بشر بن الحارث فقالوا له قد حمل أحمد بن حنبل وحملت السياط وقد وجب عليك أن تتكلم فقال تريدون مني مقام الأنبياء ليس ذا عندي حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه. حدثنا عبد الرحمن نا زكريا بن داود بن بكر النيسابوري قال حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال حدثني إبراهيم بن الحارث من ولد عبادة بن الصامت قال قيل لبشر بن الحارث حين ضرب أحمد بن حنبل لو قمت فتكلمت كما تكلم أحمد بن حنبل فقال بشر بن الحارث لا أقوى عليه إن أحمد قام مقام الأنبياء. حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن القاسم بن عطية نا عبد الله بن أحمد بن شبويه بإسناده مثله وزاد فيه فقال بشر تأمروني أن أقوم مقام الأنبياء إن أحمد بن حنبل قام مقام الأنبياء حدثنا عبد الرحمن نا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي قال كنا عند بن عائشة يعني عبيد الله بن محمد القرشي فساره إنسان بخبر أحمد بن حنبل أنه قد حمل إلى الضرب وسأله إنسان حديثاً وهو على هذه الحالة فقال:

باب ما روئي لأحمد بن حنبل من الرؤيا في حياته وبعد موته
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول رأيت أحمد بن حنبل في المنام فرأيته أضخم مما كان وأحسن وجهاً وسحنة مما كان فجعلت اسأله الحديث وإذا كره. حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم حدثني أبو عبد الله الطهراني عن الحسن بن عيسى عن أخي أبي عقيل القزويني ثم سمعت من الحسن بن عيسى ثم لقيت أخا أبي عقيل فسمعت منه قال رأيت شاباً توفي بقزوين في النوم فقلت ما فعل بك ربك قال غفر لي قلت غفر لك قال نعم وتعجب ولفلان ولفلان قلت ما لي أراك مستعجلاً ورأيته مستعجلاً قال لأن أهل السماوات من السماء السابعة إلى سماء الدنيا قد اشتغلوا بعقد الألوية لاستقبال أحمد بن حنبل وأنا أريد استقباله وكان توفي أحمد في تلك الأيام. حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم حدثني الهيثم بن خالوية قال رأيت السندي والد حمط بن السندي في النوم فقلت ما حالك قال أنا بخير ولكن قد اشتغلوا عني بمجيء أحمد بن حنبل فسمعت محمد بن مسلم يقول يعتبر ما رآه الشاب القزويني بهذه الرؤيا.
باب ما أظهر الله لأحمد بن حنبل من العز يوم وفاته
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت صالح بن أحمد بن حنبل قال توفي أبي أحمد بن حنبل يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول لساعتين من النهار واجتمع الناس في الشوارع فوجهت إليهم أعلمهم بوفاته وأني أخرجه بعد العصر فلم يقنعوا بالرسول حتى وردت عليهم فغسلناه وأدرجناه في ثلاث لفائف وكفناه وحضر نحو من مائة من بني هاشم ونحن نكفنه وجعلوا يقبلون جبهته فبعد حين رفعناه على السرير وبلغ كراء الزواريق ما شاء الله وعبر الناس بالسفن الكبار وجعل يصب على الناس الماء حتى صرنا إلى الصحراء ووضع السرير والناس قد أخذوا في الشوارع والدروب فصلى عليه الأمير بن طاهر ولم يعلم الناس بذلك فلما كان من الغد علم الناس فجعلوا يجيئون ويصلون على القبر ومكث الناس كم شاء الله يأتون يصلون على القبر. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف الناس عليه حيث صلى على أحمد بن حنبل فبلغ مقام ألفي ألف وخمسمائة ألف حدثنا عبد الرحمن حدثني أبو بكر محمد بن عباس المكي قال سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل قال أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس قال وسمعت الوركاني يقول يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف المسلمين واليهود والنصارى والمجوس.
باب ما رثي به أحمد بن حنبل رحمه الله بعد وفاته
حدثنا عبد الرحمن نا أبي رضي الله تعالى عنه قال قال علي بن حجر المروزي في أحمد بن حنبل يرثيه:

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 1- ص: 1

أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد أبو عبد الله الشيباني
روى عن إبراهيم بن سعد وهشيم وخالد بن الحارث وابن علية خطتهم بمرو يعد في البغداديين حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك. ويقولان كتبنا عنه ورويا عنه.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي أنه رأى أحمد بن حنبل أقبل إليه أو قام من عنده فقال هذا أعلم الناس بحديث سفيان الثوري حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال حدثني الحارث بن العباس قال قلت لأبي مسهر تعرف أحد يحفظ على هذه الأمة أمر دينها؟ قال لا أعلمه إلا شاب في ناحية المشرق - يعني أحمد بن حنبل - .
حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول مات هشيم وأنا بن عشرين سنة وأنا أحفظ ما سمعت منه ولقد جاء إنسان إلى باب بن علية ومعه كتب هشيم فجعل يلقيها علي وأنا أقول إسناد هذا كذا فجاء المعيطي وكان يحفظ فقلت له أجبه فبقي ولقد عرفت من حديثه ما لم أسمع.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو بكر بن القاسم بن عطية الرازي نا عبد الله بن أحمد بن شبوية قال سمعت قتيبة يقول لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم قلت لقتيبة يضم أحمد بن حنبل إلى التابعين قال إلي كبار التابعين.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال ذكرت لقتيبة بن سعيد يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهوية وأحمد بن حنبل فقال أحمد بن حنبل أكثر ممن سميتم كلهم.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول لم أزل اسمع الناس يذكرون أحمد بن حنبل ويقدمونه على يحيى بن معين وعلي بن خثيمة.
حدثنا عبد الرحمن نا الحسين بن الحسن الرازي سمعت علي بن المديني يقول ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب ولنا فيه أسوة حسنة.
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول ما رأيت أحداً أجمع من أحمد بن حنبل قيل له إسحاق بن راهوية فقال أحمد بن جنبل أكثر من إسحاق وأفقه من إسحاق.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال سمعت قتيبة بن سعيد يقول أحمد بن حنبل إمام الدنيا.
حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسين بن الجنيد قال سمعت أبا جعفر النفيلي يقول كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.
حدثنا عبد الرحمن نا يعقوب بن إسحاق قال سمعت محمد بن يحيى النيسابوري يقول إمامنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبي عن أحمد بن حنبل فقال هو إمام وهو حجة.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 2- ص: 1