محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، من قريش، من عدنان، من ابناء اسماعيل بن ابراهيم الخليل: النبي العربي، مؤسس الجامعة الاسلامية، وواضع بناء حضارتها، جامع شمل العرب، ومجدد حياتهم السياسية والتشريعبة، أبو القاسم (عليه الصلاة والسلام). ولد بمكة. ونشأ يتيماً، ربته أمه آمنة بنت وهب، وماتت وعمره ست سنين، فكفله جده (عبد المطلب) ومات جده بعد سنتين، فكفله عمه (ابو طالب) ونشأ شجاعاً عالي الهمة، صادقاً، فاضل الاخلاق، كامل العقل، لقبه قومه بالأمين. ولما بلغ الخامسة والعشرين زوجه عمه بخديجة بنت خويلد الأسدية القريشة، وهي تكبره بنحو 15 سنة، وكانت غنية أرسلته قبل الزواج بتجارة إلى الشام فافلح وربح. ولما بلغ الأربعين من عمره بدئ بالرؤيا الصادقة، وحببت إليه الخلوة، فكان يقضي شهراً من كل عام في حراء (على مقربة من مكة) يتحنث (كما كانت قريش تفعل في الجاهلية، والتحنث التعبد) فلما بلغ الثالثة والأربعينـ في رمضان (13 ق هـ - 610م) أوحي إليه في غار حراء بآية {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق}. وشرع يدعو من حوله سراً، فآمنت به زوجته خديجة وابن عمه علي بن أبي طالب، وصديقه أبو بكر، ومولاه زيد بن حارثة، وجماعة من قومه، فأعلن الدعوة إلى الإسلام بالتوحيد ونبذ الأوثان وخرافاتها. وهزأت به قريش وآذته، فصبر؛ وحماه عمه أبو طالب حتى مات. وأسلم عمه حمزة وعمر بن الخطاب، فقوي بهما. واشتد أذى قريش لأصحابه، فاذن لمن ليس له عشيرة تحميه بان يهاجر إلى ارض (الحبشة) فهاجر ثلاثة وثمانون رجلا عدا النساء والاولاد. ثم اسلم بمكة ستة من الاوس والخزرج من أهل المدينة (وكانت تسمى يثرب) وعادوا اليها، فلم يلبث ان جاءه منها اثنا عشر رجلا فآمنوا به، فبعث معهم (مصعب بن عمير) ليعلمهم شرائع الاسلام والقرآن، فلم يمض غير قليل حتى انتشر الاسلام في المدينة، ووفد عليه جمع من اهلها فدعوه واصحابه إلى الهجرة اليهم، وعاهدوا على الدفاع عنه، فاجاب دعوتهم، وامر اصحابه بالخروج من مكة، ثم لحقهم. وبلغ قريشا خبر هجرته، فتبعوه ليقتلوه، فنجا.
ودخل المدينة، فبنى فيها مسجده، وجهر بنشر الدعوة، وكانت قريش تحول بينه وبين ذلك، في مكة، بالقوة. وبسنة دخوله المدينة يبتدئ التاريخ الهجري، وكان سنة 622م.
ولم يدعه مشركو قريش آمناُ في دار هجرته، بل كانوا يقصدونه لقتاله فيها، فنزلت آيات (الاذن بالقتال) مبينة سببه، ووجه الحاجة اليه. وأولها {اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا} الاية. وكانت المعركة الأولى بينه وبين قومه (قريش) في (بدر) بجوار المدينة. وفي شأنه نزلت آية: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} الخ.
وكانت غزوة (بدر الكبرى) هذه في رمضان من السنة الثانية للهجرة. وتلتها غزوة (بني قينقاع) وهم قبيلة من اليهود كان النبي (ص) قد عاهدوهم وأمنهم على أنفسهم ولأموالهم وحرية دينهم، فنقضوا عهده.
وفي السنة الثالثة كانت غزوة (أحد) في الجبل المشرف على المدينة الممسى بهذا الأسم.
وفي الرابعة غزوة (ذات الرقاع) و (بدر الثانية).
وفي الخامسة غزوة (الخندق) وغزوة (بني قريظة).
وفي السادسة غزوة (ذي قرد) و (بني المصطلق) وفيها بعث النبي صلى الله عليه وسلم الرسل إلى كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من عظماء الملوك كالمقوقس بمصر والحارث الغساني بالشام، يدعوعم إلى الاسلام.
وفي السنة السابعة كانت غزوة (خيبر) وفي الثامنة غزوة (مؤتة) و (حنين) وفيها، قبل حنين، فتح المسلمون (مكة) وكانت معقل المشركين، من قريش وغيرهم.
وفي التاسعة غزوة (تبوك) وكان النصر في اكثر هذه الوقائع للمسلمين.
وفي العاشرة اقبلت وفود العرب قاطبة على النبي (ص) وهو بالمدينة. وبعث ابن عمه (علي بن ابي طالب) إلى اليمن فاسلمت (همدان) كلها وتتابع أهل اليمن وملوك حمير على الاسلام.
وحج حجة الوداع (سنة 10) وكانت خطبته فيها، وهو على ناقته، من اطول خطبه واكثرهن استيعابا لامور الدين والدنيا.
وفي اواخر صفر (سنة 11 هـ) حم بالمدينة، وتوفي بها في 12 ربيع الاول، ودفن في مرقده الشريف.
اما معجزته الخالدة التي بنيت عليها الدعوة، فالقرآن الكريم.
واما صفاته: فكان اذا خطب (في نهى او زجر) احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأن منذر جيش؛ واذا خطب في الحرب اعتمد على قوس، وفي السلم على عصا. وكان طويل الصمت، قليل لضحك، واذا ضحك وضع يده على فيه، واذا تكلم تبسم. يجلس ويأكل على الارض، ويجيب دعوة المملوك، على خبز الشعير. وكان اذا مشى لم يلتفت، واذا التفت التفت جميعا، يتكفأ في مشيه كانما ينحط من صبب. واذا اهتم لامر اكثر من مس لحيته. واذا اراد غزوة وري بغيرها. فيه دعابة قليلة، وا1ذا مزح غض بصره. في كلامه ترتيل وترسيل. شديد الحياء. ضخم الرأس واليدين والقدمين. ليس بالطويل والا القصير. سبط الشعر. لونه اسمر، وخلقته تامة، وعيناه سوداوان، وفي خديه حمرة. متواضع في غير مذلة. يمسح رأسه ولحيته بالمسك، ويرسل شعره إلى انصاف اذنيه، ويلبس قلنسوة بيضاء. وما صافحه احد فترك يده حتى يكون ذلك الذي يترك يده. وكان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويجالس المسكين. خطيبا اوتي جواع الكلم، شجاعا بطلا - قال علي ابن ابي طالب: كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله، فكان أقربنا إلى العدو - ولكنه لم يقتل بيده إلا رجلا واحدا حاول قتله (ص) فسبقه بطعنة في لبته.
من كلامه عليه الصلاة والسلام:
(خير ما أعطى الناس: خلق حسن)، (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)، (احب الجهاد إلى الله: كلمة حق تقال لإمام جائر)، (الأرواح جنود مجندة: فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، (خيركم من يرجي خيره ولا يؤمن شره)، (لكل شيء آفة تفسده، وآفة هذا الدين ولاة السوء)، (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)، (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، (الجنة تحت أقدام الأمهات)، (ألا أدلكم على أشدكم؟ املككم لنفسه عند الغضب)، أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما؛ وابغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما)
وأما أسرته (صلى الله عليه وسلم) فان زوجته الأولى (خديجة) استمرت معه وحدها إلى أن توفيت (سنة 3 ق هـ) وقد ولدت له (القاسم) و (عبد الله) و (زينب) و (رقية) و (ام كلثوم) و (فاطمة). ومات القاسم وعبد الله صغيرين، فلم يبق له ولد ذكر، فتزوج بعدها أربع عشرة امرأة دخل باثنتي عشرة منهم، وتوفي وعنده تسع، ولم يولد له غير إبراهيم (من سريته مارية) ومات إبراهيم طفلا لم يبلغ سنتيم. وتوفي جميع أولاده في حياته إلا ابنته فاطمة، وكان قد تزوجها ابن عمه علي بن أبي طالب، فولدت له (الحسن) و (الحسين) فانحصرت فيهما نسبة كل منتسب إلى رسول الله. وولدت ولدا ثالثا سمته محسنا، مات صغيرا.
وكان للنبي (ص) كتاب يملي عليهم، لأنه لم يتعلم الكتابة؛ وحراس اتخذهم، حتى أوحي إليه: (والله يعصمك من الناس) فتركهم؛ ومؤذنون، وسيافون، ورسل، وشعراء، وخطباء، وخدم، وخيل وبغال وابل، وسلاح كثير من سيوف ودروع وقسي ورماح وغيرها. وكان عدد صحابته يوم توفي (124000).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 218

النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وتتضمن سيرته الشريفة: نسبه الشريف. وحمله المبارك. ومولده الميمون. ورضاعه. وكفالة عبد المطلب إياه وتزوجه بخديجة وصفته في خلقه وحليته وأخلاقه وأطواره وخصائصه وأزواجه وأولاده وأعمامه وعماته وبوابه وشعرائه ومؤذنيه وسلاحه ودوابه ونقش خاتمه وكتابه والمبعث وإجمال الشريعة الإسلامية ومحاسنها والهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة وقصة الغرانيق والأعمى وحصار الشعب والإسراء والمعراج والعقبة الأولى والعقبة الثانية والمؤاخاة بين أصحابه والهجرة إلى المدينة ووفادات العرب عليه وكتبه إلى الملوك وحروبه وغزواته وسراياه وحجة الوداع وحديث الغدير ووفاته وخبر السقيفة وبعض خطبه وحكمه القصيرة وجوامع كلماته في الأحكام الشرعية والطب وبعض أدعيته.

نسبه الشريف

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب واسمه حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر واسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسمه عامر بن إلياس بن مضر واسمه عمرو بن نزار بن معد بن عدنان. ونسبه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان متفق عليه وبعد عدنان فيه اختلاف كثير وكنيته أبو القاسم. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وأمها برة بنت أسد بن عبد العزى وكان وهب سيد بني زهرة خطبها لعبد الله وزوجه بها أبوه عبد المطلب وكان سن عبد الله يومئذ أربعا وعشرين سنة.

حمله المبارك

حملت به أمه أيام التشريق قالت: فما وجدت له مشقة حتى وضعته ثم خرج أبوه عبد الله وأمه حامل به في تجارة له إلى الشام فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض هناك ومات ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل وقيل كان عمره سنتين وأربعة أشهر وقيل كان عمره سبعة أشهر وقيل شهرين وكان عبد الله فقيرا لم يخلف غير خمسة من الإبل وقطيع غنم وجارية اسمها بركة وتكنى أم أيمن وهي التي حضنت النبي صلى الله عليه وسلم .

مولده الميمون

ولد صلى الله عليه وسلم بمكة يوم الجمعة أو يوم الإثنين عند طلوع الشمس أو عند طلوع الفجر أو عند الزوال على اختلاف الأقوال السابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور بين الإمامية وقال الكليني منهم لاثنتي عشرة ليلة مضت منه وهو المشهور عند غيرهم وبعضهم وافقنا.

واتفق الرواة على أنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل بعد خمسة وخمسين يوما أو خمسة وأربعين أو ثلاثين يوما من هلاك أصحاب الفيل لأربع وثلاثين سنة وثمانية أشهر أو لاثنتين وأربعين سنة مضت من ملك كسرى انوشروان ولسبع بقين من ملكه. وأرسلت آمنة إلى عبد المطلب تبشره فسر بذلك ودخل عليها وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وقال:

#من حاسد مضطرب العنان

وكانت ولادته في الدار المعروفة بدار ابن يوسف وهو محمد بن يوسف أخو الحجاج وكان صلى الله عليه وسلم وهبها لعقيل بن أبي طالب فلما توفي عقيل باعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج فلما بنى داره المعروفة بدار ابن يوسف ادخل ذلك البيت في الدار ثم أخذته الخيزران أم الرشيد فأخرجته وجعلته مسجدا يصلي فيه وهو معروف إلى الآن يزار ويصلى فيه ويتبرك به ولما أخذ الوهابيون مكة في عصرنا هذا هدموه ومنعوا من زيارته على عادتهم في المنع من التبرك بآثار الأنبياء والصالحين وجعلوه مربطا للدواب.

رضاعه

أرضعته أولا ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة وكانت أرضعت قبله عمه حمزة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمها وتكرمها زوجته خديجة أم المؤمنين وأعتقها أبو لهب بعد الهجرة فكان صلى الله عليه وسلم يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت فسأل عن ابنها مسروح فقيل مات فسال عن قرابتها فقيل ماتوا.

ثم أرضعته حتى شب حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله السعدية من بني سعد بن بكر وكان أهل مكة يسترضعون لأولادهم نساء أهل البادية طلبا للفصاحة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد. فجاء عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع وفيهن حليمة فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة وكان معها زوجها الحارث المكني أبا ذؤيب وولدها منه عبد الله فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يتيم ولا مال له وما عست أمه أن تفعل فخرج النسوة وخلفنها فقالت لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي وليس بمكة غلام يسترضع إلا هذا الغلام اليتيم فلو إنا أخذناه فإني أكره أن أرجع بغير شيء فقال لها خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا فأخذته فوضعته في حجرها فدر ثدياها حتى روي وروي أخوه وكان أخوه لا ينام من الجوع فبقي عندها سنتين حتى فطم فقدموا به على أمه زائرين لها وأخبرتها حليمة ما رأت من بركته فردته معها ثم ردته على أمه وهو ابن خمس سنين ويومين.

وقدمت حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوج فبسط لها رداءه وأعطتها خديجة أربعين شاة وأعطتها بعيرا. وجاءت إليه يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه.

وجاءه وفد هوازن يوم حنين وفيهم أبو ثروان أو أبو برقان عمه من الرضاعة وقد سبي منهم وغنم وطلبوا أن يمن عليهم فخيرهم بين السبي والأموال فقالوا خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا وما كنا لنعدل بالأحساب شيئا فقال أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأسأل لكم الناس فقال المهاجرون والأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله وأبى بعض المؤلفة قلوبهم من قبائل العرب وقبائلهم فأعطاهم إبلا عوضا من ذلك ويأتي تفصيله في وقعة حنين وجاءوا يوم حنين بأخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وهي الشيماء بنت الحارث فقالت يا رسول الله أني أختك من الرضاعة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه وقال أن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أعطيك وترجعي إلى قومك فقالت بل تعطيني وتردني إلى قومي.

كفالة عبد المطلب النبي صلى الله عليه وسلم

كفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبيه جده عبد المطلب وقام بتربيته وحفظه أحسن قيام ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وكان يقربه منه ويدنيه ولا يأكل طعاما إلا أحضره وكان يدخل عليه إذا خلا وإذا نام ويجلس على فراشه فيقول دعوه.

ولما صار عمره ست سنين وذلك بعد مجيئه من عند حليمة بسنة أخرجته أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ومعه أم أيمن تحضنه فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت به أمه إلى مكة فتوفيت بالأبواء بين المدينة ومكة فعادت به أم أيمن إلى مكة إلى جده عبد المطلب وبقيت تحضنه فبقي في كفالة عبد المطلب من حين وفاة أبيه ثمان سنين. وتوفي عبد المطلب وعمره ثمانون سنة فلما حضرته الوفاة أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياطته وكفالته ولم يكن أبو طالب أكبر أخوته سنا ولا أكثرهم مالا فقد كان الحارث أسن منه والعباس أكثرهم مالا لكن عبد المطلب اختار لكفالته أبا طالب لما توسمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه كان على فقره أنبل أخوته وأكرمهم وأعظمهم مكانة في قريش وأجلهم قدرا فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام، وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه وصب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط وكان يخصه بالطعام وكان أولاده يصبحون رمصا شعثا ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم كحيلا دهبنا وكان أبو طالب توضع له وسادة بالبطحاء يتكئ عليها أو يجلس عليها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فجلس عليها فقال أبو طالب أن ابن أخي هذا ليحس بنعيم وخرج به معه إلى الشام وهو ابن اثنتي عشرة سنة بعد ما عزم على إبقائه بمكة لكنه أبى إلا أن يصحبه فأخذه معه حتى بلغ به بصرى فرآه بحيرا الراهب، ولم يزل أبو طالب يكرمه ويحميه وينصره بيده ولسانه طول حياته. وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب أن أبا طالب كان كثيرا ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيات فكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبة أني مقتول فقال له أبو طالب:

واستسقى به أبو طالب وهو صغير. أخرج ابن عساكر أن أهل مكة قحطوا فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنها سحابة قتماء فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه وما في السماء قزعة فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق وأخصبت الأرض وفي ذلك يقول أبو طالب:

وشهد الفجار وهو ابن عشرين سنة والفجار من حروب العرب المشهورة كانت بين قيس وبين قريش وكنانة فكانت الدبرة أول النهار لقيس على قريش وكنانة ثم صارت لقريش وكنانة على قيس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحب أني لم أكن فعلت. وسميت الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم.

حلف الفضول

وحضر حلف الفضول وكان منصرف قريش من الفجار وكان أشرف حلف وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان فتعاقدوا وتعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة، وفي التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول ولا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم ولو دعيت به لأجبت.

تزوجه بخديجة

وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة مع غلامها ميسرة وكانت خديجة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في تجارتها ولما علم أبو طالب بأنها تهيئ تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له: يا ابن أخي إنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وقد بلغني أن خديجة استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها قال ما أحببت فقال لها أبو طالب هل لك أن تستأجري محمدا فقد بلغنا انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار فقالت لو سالت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف وقد سألته لحبيب قريب فقال له أبو طالب هذا رزق وقد ساقه الله إليك فخرج صلى الله عليه وسلم مع ميسرة بعد أن أوصاه أعمامه به وباعوا تجارتهم وربحوا أضعاف ما كانوا يربحون وعادوا فسرت خديجة بذلك ووقعت في نفسها محبة النبي صلى الله عليه وسلم وحدثت نفسها بالتزوج به وكانت قد تزوجت برجلين من بني مخزوم توفيا وكان قد خطبها أشراف قريش فردتهم فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منية فذهبت إليه وقالت ما يمنعك أن تتزوج قال ما بيدي ما أتزوج به قالت فان كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة إلا تجيب قال فمن هي قالت خديجة قال كيف لي بذلك قالت علي ذلك فأجابها بالقبول وخطبها إلى عمها أو أبيها وحضر مع أعمامه فزوجها به عمها لأن أباها كان قد مات وقيل زوجها أبوها وأصدقها عشرين بكرة وانتقل إلى دارها وكان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين وأيام وعمرها أربعون سنة وكانت أمراة حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم أول بعثته وأعانته بأموالها على تبليغ رسالته وخففت من تألمه لخلاف قومه وقوت عقيدته ببراهين نبوته أول ظهورها وعزيمته في المضي لما بعث به. وقد جاء إنه إنما قام الإسلام بأموال خديجة وسيف علي بن أبي طالب ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى لها المكانة العظمى في حياتها وبعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه.

بناء الكعبة المعظمة

وبنيت الكعبة وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكانت قد تشعثت من السيل فخافت قريش من هدمها ثم أقدمت عليه فلما بلغ البناء موضع الحجر الأسود اختلفت بينها فيمن يضعه في مكانه وكل قبيلة أرادت ذلك لنفسها حتى كادت تقع فتنة ثم رضوا بحكمه فحكم أن يوضع الحجر في ثوب ويحمل أطرافه من كل قبيلة رجل فرضوا بذلك ثم أخذه من الثوب ووضعه في مكانه.

صفته في خلقه وحليته

وقد جاءت صفته هذه في كلام أم معبد وأمير المؤمنين علي عليه السلام وأنس بن مالك وهند بن أبي هالة وفي كلامهم مع ذلك صفة بعض أخلاقه وأفعاله ولم نفصل بين الأمرين ليتبع الكلام بعضه بعضا ولا يكون مبتورا. وصفته أم معبد الخزاعية حين مر عليها في هجرته إلى المدينة كما يأتي حين قال لها زوجها صفيه لي. فقالت:

رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صحل أحور أكحل أزج اقرن شديد سواد الشعر في عنقه سطع وفي لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء وكان منطقه خرزات نظم يتحدرن اجهر الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر ربعة لا تشنؤه من طول ولا تقحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله وان أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند. وقيل لأمير المؤمنين علي عليه السلام كيف لم يصف أحد النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفته أم معبد قال لأن النساء يصفن الرجال بأهوائهن فيجدن في صفاتهن. ووصفه صلى الله عليه وسلم علي أمير المؤمنين عليه السلام روى ذلك ابن سعد في الطبقات بعدة روايات بينها بعض التفاوت والاختلاف في الألفاظ وكأنه وصفه عدة مرار ونحن نجمع بينها ونذكر حاصلها قال عليه السلام: كان صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العين سبط الشعر أسوده وفي رواية لم يكن بالجعد القطط ولا السبط كان جعدا رجلا كث اللحية سهل الخد صلت الجبين ذا وفرة دقيق المسربة وفي رواية طويل المسربة كان عنقه إبريق فضة له شعر من لبته إلى سرته يجري كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر عيره شثن الكف والقدم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر وفي رواية إذا مشى تقلع كأنما ينحدر من صبب أو كأنما يمشي في صبب وفي أخرى إذا مشى تكفا كأنما يمشي في صعد وفي رواية تكفا تكفؤا كأنما ينحط من صبب إذا التفت التفت جميعا كان عرقه في وجهه اللؤلؤ ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر إذا جاء مع القوم غمرهم ليس بالقصير ولا بالطويل وفي رواية كان ربعة من القوم وفي رواية ليس بالذاهب طولا وفوق الربعة وفي أخرى وهو إلى الطول أقرب. ولا بالعاجز ولا اللئيم لم أر قبله ولا بعده مثله تدوير أجرد أجود الناس كفا وأجرأ الناس قلبا وأوسع الناس صدرا واصدق الناس لهجة وأوفى الناس بذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول باغته أو ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم .

ومما وصفه به بوابه أنس بن مالك فيما رواه ابن سعد في الطبقات فقال: ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم (وفي رواية) كان أسمر وهو ينافي الروايات الكثيرة القائلة إنه كان أبيض مشربا بحمرة: وما شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من ريحه كثير العرق. وسئل سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا كان شيبه في عنفقته وناصيته ولو أشاء أعدها لعددتها. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن الحسن بن علي عليه السلام إنه سال خاله هند بن أبي هالة التميمي عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وصافا فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر أن أنفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن. بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية ضليع الفم مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة سبط القصب شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفؤا ويمشي هونا ذريع المشية خافض الصوت نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسبق من لقيه بالسلام ويبدر أصحابه بالمصافحة دائم الفكرة ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير دمثا ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وان دقت لا يذم ذواقا ولا يمدحه لا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث يضرب براحته اليمنى باطن ابهامه اليسرى وإذا غضب اعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام.

أخلاقه وأطواره وآدابه

قال ابن شهراشوب في المناقب: أما آدابه فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار.

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم وأسخاهم لا يثبت عنده دينار ولا درهم لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام أن لم يأته شيء وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويخصف النعل ويرقع الثوب ويفتح الباب ويحلب الشاة ويعقل البعير ويطحن مع الخادم إذا أعيا ويضع طهوره بالليل بيده ولا يجلس متكئا ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم ولم يتجشأ قط ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا يثبت بصره في وجه أحد يغضب لربه ولا يغضب لنفسه وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد لا يلبس ثوبين يلبس بردا حبرة يمنية وشملة وجبة صوف والغليظ من القطن والكتان وأكثر ثيابه البياض ويلبس القميص من قبل ميامنه وكان له ثوب للجمعة خاصة وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن ويكره الريح الردية ويستاك عند الوضوء ويردف خلفه عبده أو غيره ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار ويمشي راجلا ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده و يكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشر بالبر لهم يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله ولا يجفو على أحد يقبل معذرة المعتذر إليه وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه القرآن أو تجر عظة وربما ضحك من غير قهقهة لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن أمراة ولا خادما بلعنة ولا لاموا أحدا إلا قال دعوه لا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح يبدأ من لقيه بالسلام وإذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته واقبل عليه وقال ألك حاجة وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته وكان في الرضى والغضب لا يقول إلا حقا وكان يأكل القثاء بالرطب والملح وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وأكثر طعامه الماء والتمر وكان يتمجع اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين وكان أحب الطعام إليه اللحم ويأكل الثريد باللحم وكان يحب القرع وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة ومن البقول الهندبا وكان يمزح ولا يقول إلا حقا.

قال ابن سعد في الطبقات: كان قبل النبوة أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة وأحسنهم حوارا وأعظمهم حلما وأمانة وأصدقهم حديثا وأعدهم من الفحش والأذى وما رئي ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى سماه قومه الأمين لما جمع الله من الأمور الصالحة فيه.

وفيه عن عائشة مجموعا من عدة أحاديث قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار الذي هو الأيسر وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله ولا سئل شيئا قط فمنعه إلا أن يسال مأثما وفيه عن عبيد بن عمير بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتي في غير حد إلا عفا عنه.

وعن زياد بن أبي زياد كانت خصلتان لا يكلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد الوضوء من الليل حين يقوم والسائل يقوم حتى يعطيه وهو معنى ما ورد في خبر آخر: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكل صدقته إلى غير نفسه حتى يكون هو الذي يضعها في يد السائل ولا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل وضوءه إلى غير نفسه حتى يكون هو الذي يهيء وضوءه لنفسه حين يقوم من الليل وروي إنه لم يكن خلق أبغض إليه من الكذب وفي طبقات ابن سعد أن الحسين بن علي عليه السلام سأل أباه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة وكان يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم أو قال ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ويتفقد أصحابه ويسال الناس عما فيه الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة يعطي كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا في الحق عنده سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثي فلتأته يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب قد ترك نفسه من ثلاث المراء والإكثار ومما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ولا يتنازعون عنده من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرع يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ولا يقطع على أحد حديثه.

ومما جاء في صفته صلى الله عليه وسلم إنه كان يسال عن أصحابه فإن كان أحدهم غائبا دعا له وإن كان شاهدا زاره وإن كان مريضا عاده وإذا لقيه الرجل فصافحه لم ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه وإذا لقيه أحد فقام معه أو جالسه أحد لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وما وضع أحد فمه في أذنه إلا استمر صاغيا حتى يفرع من حديثه ويذهب. وكان ضحوك السن أشد الناس خشية وخوفا من الله وما ضرب أمراة له ولا خادما يسبق حلمه غضبه ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما أحسن الناس خلقا وأرجحهم حلما وأعظمهم عفوا أجود بالخير من الريح المرسلة أشجع الناس قلبا وأشدهم بأسا وأشدهم حياء أشد حياء من العذراء في خدرها وإذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه يحب ألفال الحسن ويغير الاسم القبيح بالحسن يشاور أصحابه في الأمر أكثر الناس إغضاء عن العورات إذا كره شيئا عرف في وجهه ولم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه عن أحد ما يكره لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا بل ما بال أقوام أوسع الناس صدرا ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال لبيك يخالط أصحابه ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ولا يدعوه احمر ولا أسود من الناس إلا أجابه لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه ولا مقدما ركبتيه بين يدي جليس له قط وقال أنس خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما رأيته قط أدنى ركبتيه من ركبة جليسه إلى أن قال وما قال لشيء صنعته لم صنعت كذا ولقد شممت العطر فما شممت ريح شيء أطيب ريحا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه بأحب أسمائهم ويكنيهم وإذا سمع بكاء الصغير وهو يصلي خفف صلاته. أكثر الناس شفقة على خلق الله وأرأفهم بهم وأرحمهم بهم أوصل الناس للرحم وأقومهم بالوفاء وحسن العهد يأكل على الأرض وقال آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد فإنما إنا عبد يلبس الغليظ ويحب التيامن في شانه كله في طهوره وترجله وتنعله يعود المساكين بين أصحابه ويعلف ناضحة ويقم البيت ويجلس ويأكل مع الخادم ويحمل بضاعته من السوق لا يجمع في بطنه بين طعامين أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا. ما سئل شيئا قط فقال لا إذا أراد أن يفعل قال نعم وإذا لم يرد أن يفعل سكت وكان إذا جاء شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل وكان أصبر الناس على أوزار الناس وإذا مشى أسرع ليس بالعاجز ولا الكسلان وما رئي يأكل متكئا قط. وكثيرا ما يصلي في نعليه ويلبس القلانس اللاطئة ويلبس القلنسوة تحت العمامة وبدون عمامة ويتعمم بدون قلنسوة وكان له عمامة سوداء دخل يوم فتح مكة وهو لابسها وكان يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه وروي أنها كانت تسعة أكوار وقال بعضهم الظاهر أنها كانت نحو عشرة أذرع بذراع اليد وكانت له بردة يخطب فيها توارثها الخلفاء وادعوا أنها بردته صلى الله عليه وسلم .

ومما جاء في وصفه صلى الله عليه وسلم إنه كان حسن الإصغاء إلى محدثه لا يلوي عن أحد وجهه ولا يكتفي بالاستماع إلى من يحدثه بل يلتفت إليه بكل جسمه وكان قليل الكلام كثير الإنصات ميالا للجد من القول ويضحك أحيانا حتى تبدو نواجذه فإذا غضب لم يظهر من اثر غضبه إلا نفرة عرق بين حاجبيه.

قصة زينب بنت جحش

هذه القصة تستحق التمحيص فقد نزل فيها القرآن الكريم واشتملت على عدة أحكام خالفت أحكام الجاهلية وذكر فيها بعض المفسرين من المسلمين ما يشوهها ويخرجها عن حقيقتها كما ذكروا في قصة يوسف وزليخا وداود وأمراة أوريا. مثل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى منزل زوجها زيد وكان غائبا فرآها تغتسل فقال سبحان خالقك أو أن الهواء رفع الستر فرآها نائمة فوقعت في نفسه فقال شبه ذلك وانه لما جاء زيد أخبرته فظن أنها وقعت في نفسه فأراد طلاقها ليتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له "أمسك عليك زوجك" ونحو ذلك واستغل ذلك من يريد عيب الإسلام. والحقيقة أن زينب كانت بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب وقد كان صلى الله عليه وسلم يعرفها طفلة وشابة وهي بمنزلة إحدى بناته وهذا يكذب إنه لما رآها وقعت في قلبه ثم هو الذي خطبها على زيد مولاه وساق عنه المهر فلو كان لها هذا الجمال البارع وهذه لمكانة من قلبه لخطبها إلى أهلها بدلا من أن يخطبها على مولاه ولكان أهلها أسرع إلى إجابته من إجابتهم إلى تزويجها بمولاه وعتيقه واحتمال أنها وقعت في قلبه بعد ما تزوجت ولم تقع في قلبه وهي خلية سخيف كما ترى فان دواعي الطبيعة قبل تزوجها أكثر وأشد ولكن زينب كانت تستطيل على زيد بقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها ابنة عمته وأنها قرشية وهو مولى والعرب ترى التزوج بالموالي عارا وإنما زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيد كسرا لنخوة الجاهلية ورغما عن إبائها وإباء عمها عبد الله حتى نزل فيهما على بعض الروايات "وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" فلم يجد بدا من إطاعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان تزويجها بزيد عن غير رغبة منها أحد أسباب نفورها منه. فاشتكى زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا سوء خلقها معه وأراد طلاقها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له أمسك عليك زوجك. ثم لما طال به الأمر طلقها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبناه فكان يقال له زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فقيل زيد بن حارثة وكان أهل الجاهلية يجرون على المتبني أحكام الابن النسبي من الميراث وتحريم النكاح فأنزل الله تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}. فلما طلقها أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ليمحو تلك العادة الجاهلية بالفعل كما محيت بالقول وبقي في نفسه بعض الأحجام لما عسى أن يقوله الناس في مخالفة هذه العادة المتأصلة في نفوسهم فيقولوا تزوج زوجة ابنه فخاطبه الله تعالى مقويا عزيمته بقوله: "وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" فنفذ ما أمره الله تعالى به من أبطال أحكام الجاهلية وتزوجها فنزل قوله تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا}.

أولاده

1- القاسم وبه كان يكنى عاش حتى مشى ومات بمكة

2- عبد الله ويلقب بالطيب والطاهر لولادته بعد الوحي ولد بمكة بعد الإسلام ومات بها وبعضهم يعد الطيب والطاهر اثنين

3- فاطمة وهي صغرى بناته تزوجها علي عليه السلام بعد الهجرة

4- زينب وهي كبراهن تزوجها قبل الإسلام أبو العاص القاسم. قال المرزباني في معجم الشعراء: وهو الثبت ويقال لقيط ويقال مهشم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف. وهو ابن أخت خديجة أمه هالة بنت خويلد فمحمد النبي صلى الله عليه وسلم صهره

5- رقية

6- أم كلثوم زوجهما النبي صلى الله عليه وسلم من عتبة وعتيبة ابني عمه أبي لهب فلما جاء الإسلام بلغ من عداوة قريش للنبي صلى الله عليه وسلم أن قالوا فرغتم محمدا من همه بتزويج بناته فقالوا لأبي العاص طلق ابنة محمد ونزوجك بنت من أردت من قريش فأبى وطلبوا مثل ذلك إلى عتبة وعتيبة فطلقا زوجتيهما فتزوجهما عثمان واحدة بعد واحدة وأم الكل خديجة

7- إبراهيم بن مارية القبطية ولد بالمدينة ومات وهو ابن ثمانية عشر شهرا. أعمامه صلى الله عليه وسلم

أبو طالب واسمه عبد مناف والزبير وحمزة والمقوم والعباس وضرار والحارث وقثم وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق واسمه مصعب أو نوفل وزاد بعضهم جحل واسمه المغيرة وعبد الكعبة.

عماته صلى الله عليه وسلم

صفية أم الزبير بن العوام وهي شقيقة حمزة وعاتكة وأم حكيم وبرة وأميمة وأروى.

بوابة صلى الله عليه وسلم

أنس بن مالك مولاه

شعراؤه صلى الله عليه وسلم

حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.

مؤذنوه صلى الله عليه وسلم

بلال وابن أم مكتوم بالمدينة وسعد القرط مولى عمار بن ياسر بقبا،

سلاحه صلى الله عليه وسلم

كان له تسعة سيوف منها ذو الفقار وسبع دروع منها ذات الفضول وست قسي وثلاث أتراس ورمحان وثلاث حراب وخوذتان.

دوابه صلى الله عليه وسلم

"أفراسه" أربع لزاز والظرب والمرتجز واليعسوب وقيل ست فزيد السكب واللحيف ونوقه المعدة للركوب ثلاث القصواء والعضباء والصهباء وبغاله ست أشهرها دلدل وكانت شهباء وحمره اثنان أحدهما يعفور.

نقش خاتمة صلى الله عليه وسلم

محمد رسول الله ثلاثة أسطر وقيل كان نقش خاتمه (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وكان خاتمه من حديد ملوي عليه فضة.

مشاهير كتابه

في السيرة الحلبية عن جماعة: كان كتابه ستة وعشرين كاتبا وقيل اثنين وأربعين قال وأول من كتب له من قريش بمكة عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ثم أرتد وكان يقول كنت اصرف محمدا حيث أريد كان يملي علي عزيز حكيم فأقول أو عليم حكيم فيقول نعم، ونزل فيه: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وأمر صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة أرضعته أم عثمان فغيبه عثمان ثم جاء به واستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت طويلاص ثم قال نعم فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صمت عنه إلا لتقتلوه. قال وأول من كتب له من الأنصار بالمدينة أبي بن كعب كان في أغلب أحواله يكتب الوحي قال وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أرقم وكان يكتب الرسائل للملوك وغيرهم وثابت بن قيس بن شماس وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وأخوه يزيد والمغيرة بن شعبة والزبير بن العوام وخالد بن الوليد والعلاء بن الحضرمي وعمرو بن العاص وعبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول ملخصا وكانت كتابة جلهم بالمناوبة وعند الحاجة. وحكى صاحب السيرة الحلبية عن بعضهم كان معاوية وزيد بن ثابت ملازمين للكتابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي وغيره لا عمل لهما غير ذلك قال ابن حجر في الإصابة قال المدائني كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين العرب. فقول هذا البعض مع جهالته في الوحي وغيره يراد به كتابة زيد الوحي ومعاوية رسائل العرب وإلا فلا يعارض قول المدائني وفي الاستيعاب معاوية أحد الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو كان يكتب الوحي لذكره ثم قال في الاستيعاب: روى أبو داود الطيالسي قال "نا" هشيم وأبو عوانة عن أبي حمزة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية يكتب له فقيل إنه يأكل ثم بعث إليه فقيل إنه يأكل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا أشبع الله بطنه".

المبعث

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة في السابع والعشرين من شهر رجب يوم الإثنين على ما روي عن أئمة أهل البيت عليه السلام وعمره أربعون سنة. وكان قبيل البعثة يختلي للعبادة في غار في أعلى جبل يقال له حراء على ثلاثة أميال من شمال مكة فبقي على ذلك عدة سنين وفي ذلك الغار نزل عليه الوحي وكان أوله الرؤيا الصادقة روى البخاري ومسلم أن أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه (وهو التعبد) الليالي ذوات العدد حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق*اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم} فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة ما لي؟ وأخبرها الخبر وقال قد خشيت علي فقالت له كلا ابشر فوالله لا يخزيك الله أبدا أنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضعيف وتعين على نوائب الحق وروى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن عكرمة والحسن: أن أول ما أنزل سورة العلق ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري إنه سئل أي القرآن أنزل قبل قال يا أيها المدثر قبل أو اقرأ باسم ربك فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال جاورت بحراء شهرا ثم نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت إمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو في الهواء يعني جبريل فاخذتني رجفة فاتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله علي {يا أيها المدثر*قم فانذر} ثم جمع بين الروايتين بالحديث عن جابر عن النبي بينما إنا أمشي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فوجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله: {يا أيها المدثر}. قال الطبرسي في مجمع البيان بعد نقل ذلك: وفي هذا ما فيه لأن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة والآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق وقيل إنه كان قد تدثر بشملة صغيرة لينام فنزلت وقيل أول ما أنزل سورة ألفاتحة ففي مجمع البيان أن الحاكم روى بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: "إذا خلوت سمعت نداء" فقالت ما يفعل الله بك إلا خيرا فوالله أنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث قالت خديجة فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة وكان من أهل العلم الأول فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى فقال له ورقة إذا أتاك فأثبت له حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين قل لا إله إلا الله فأتى ورقة فذكر له ذلك فقال له أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك سوف تؤمر بالجهاد ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك وروي أن ورقة قال في ذلك شعرا:

(أقول) وفي هذا أيضا ما فيه كما سبق عن مجمع البيان من أن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة ولم يكن ورقة أعرف بالله وبآياته منه صلى الله عليه وسلم حتى يأتي إليه ويستثبت منه ويوشك أن تكون هذه الروايات كروايات الغرانيق الآتية وسهوه في الصلاة وشبه ذلك.

احتباس الوحي عن رسول الله

في مجمع البيان: احتبس عنه الوحي خمسة عشر يوما عن ابن عباس وقيل اثني عشر يوما عن ابن جريح وقيل أربعين يوما عن مقاتل قال ابن عباس فقال المشركون أن محمدا قد ودعه ربه وقلاه ودعه تركه وقلاه أبغضه ولو كان أمره من الله لتتابع عليه الوحي فنزلت {والضحى*والليل إذا سجى*ما ودعك ربك وما قلى} وروى الواحدي في أسباب النزول عن البخاري ومسلم أن أمراة من قريش قالت له ما أرى شيطانك إلا ودعك فنزلت وحكى الطبرسي في مجمع البيان أن القائلة له ذلك هي أم جميل بنت حرب زوجة أبي لهب. وروى الواحدي في أسباب النزول إنه أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة قد قلاك ربك لما يرى من جزعك فنزلت (أقول) الصواب أن القائل له ذلك المشركون أو أم جميل أو الجميع أما خديجة فكانت أعرف بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تقابله بهذا الكلام وكانت عادتها إذا رأت منه ما يهمه أن تسليه لا أن تزيد في همه وتجابهه بقولها: قد قلاك ربك.

حالة الناس قبل الإسلام

كان الناس قبل الإسلام يعبدون الأصنام كمشركي العرب وغيرهم ومنهم من يعبد النار وهم المجوس. ومنهم من يعبد النجوم والكواكب منهم من يعبد الملائكة. ومنهم من يعبد الآدميين. ومن عبدة الأصنام والأوثان من لا يؤمن بالبعث ويرى أن الأصنام تنفعه في دنياه ويقول: أن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا. أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون. أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون. وقال في ذلك شاعرهم:

والذين كانوا على شرائع الأنبياء كانوا قد غيروا وبدلوا واتخذوا رؤساءهم أربابا من دون الله حللوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم وأشركوا بالله تعالى جعلوا له شركاء من خلقه ومن الآدميين وكانت العرب ومنها قريش عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبد الأصنام من الأحجار والأشجار والرصاص والنحاس والخشب تعملها بأيديها ثم تعبدها وتقول ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. وكان لكل قبيلة صنم وفي كل بيت صنم أو أصنام فيسجدون لها وينحرون ويذبحون لها ويسألونها حوائجهم ويجعلون لها السدنة وينذرون لها النذور. وكانوا يأخذون الربا ويشربون الخمر ويطوفون بالبيت عراة رجالا ونساء وقد فشا فيهم الزنا وارتكاب الفواحش.

فبماذا بعث النبي

فبعث الله تعالى نبيه على حين فترة من الرسل خاتما للنبيين وناسخا شرائع من كان قبله من المرسلين إلى الناس كافة أسودهم وأبيضهم عربيهم وعجميهم وقد ملئت الأرض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسخافات والبدع والقبائح وعبادة الأوثان.

فقام صلى الله عليه وسلم في وجه العالم كافة ودعا إلى الإيمان بإله واحد خالق رازق مالك لكل أمر وبيده النفع والضر لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ولم يتخذ صاحبة ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أمرا بعبادته وحده لا شريك له مبطلا عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ولا تعقل ولا تسمع ولا تدفع عن أنفسها ولا عن غيرها ضرا ولا ضيما متمما لمكارم الأخلاق حاثا على محاسن الصفات أمرا بكل حسن ناهيا عن كل قبيح. قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.

سهولة الشريعة الإسلامية وسماحتها

واكتفى من الناس بان يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان ويحجوا البيت ويلتزموا بأحكام الإسلام. وكان قول هاتين الكلمتين لا إله إلا الله محمد رسول الله موجبا أن يكون لقائلهما ما للمسلمين وعليه مما عليهم على أي حال كان ولو قالهما والسيف على رأسه.

سمو التعاليم الإسلامية

بعث بالمساواة في الحقوق بين جميع الخلق وإن أحد خير من أحد إلا بالتقوى. وبالأخوة بين جميع المؤمنين: إنما المؤمنون أخوة وبالكفاءة بينهم: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض. المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وبالعفو العام عمن دخل في الإسلام: الإسلام يجب ما قبله.

وسن شريعة باهرة وقانونا عادلا تلقاه عن الله تعالى وتلقاه عنه المسلمون وحفظوه في صدورهم وفي كتبهم ولم يختلفوا في لبه وجوهره وأجمعوا واتفقوا عليه وإن اختلفوا في بعض تفاريعه مع كون كل منهم يرى إنه يرجع في رأيه إلى الأصل المسلم بينهم ويرد تلك التفاريع إليه فكان هذا القانون جامعا لأحكام عباداتهم معاملاتهم وما يحتاجونه في معاشهم ومعادهم فكان عباديا اجتماعيا سياسيا أخلاقيا لا يشذ عنه شيء مما يمكن وقوعه في الكون ويحتاج إليه بنو آدم فما من واقعة تقع ولا حادثة تحدث إلا ولها في الشريعة الإسلامية أصل مسلم عند المسلمين ترجع إليه وهذا مما امتازت به الشريعة الإسلامية ذلك لأنها خاتمة الشرائع وباقية إلى انقراض عمر الدنيا. ففي العبادات الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. وفي المعاملات والاجتماعيات: البيع، والإجارة، والمزارعة، والمساقاة، والهبة. وفي أحكام هذه المذكورات حفظ نظام الاجتماع. وفيها النكاح لبقاء النسل وقطع مادة الفساد، والميراث، والوصية والوقف لئلا يحرم المرء من منفعة ماله بعد موته، والقضاء لرفع الخصام على قاعدة العدل وفي الأخلاقيات العشرة والآداب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي السياسيات الجهاد لحفظ بيضة الإسلام والدفاع عن الوطن، والسبق والرماية لتعليم فنون الحرب والجندية، والحدود والديات لحفظ النفوس والأموال وقمع الجرائم. على أن العبادات في الدين الإسلامي لا تتمحض لمجرد العبادة ففيها منافع بدنية واجتماعية وسياسية فالطهارة تفيد النظافة، وفي الصلاة رياضة البدن، وفي صلاة الجماعة والحج فوائد اجتماعية وسياسية ظاهرة وفي الصوم فوائد صحية لا تنكر والإحاطة بفوائد الأحكام الإسلامية الظاهرة فضلا عن الخفية تتعسر أو تتعذر، ولما في هذا الدين من محاسن وموافقة أحكامه للعقول وسهولتها وسماحتها ورفع الحرج فيه والاكتفاء بإظهار الشهادتين ولما في تعاليمه من السمو والحزم والجد دخل الناس فيه أفواجا وقضى أهله على أعظم ممالك الأرض مملكة الأكاسرة ومملكة الروم واخترق شرق الأرض وغربها ودخل جميع أقاليمها وأقطارها ودانت به الأمم على اختلاف عناصرها ولغاتها. ولم يمض زمن قليل حتى أصبح هذا الرجل الذي فر من مكة مستخفيا وأصحابه يعذبون ويستذلون ويفتنون عن دينهم يعتصمون تارة بالخروج إلى الحبشة مستخفين وأخرى بالخروج إلى المدينة متسللين يدخل مكة بأصحابه هؤلاء في عمرة القضاء ظاهرا على رغم جبابرة قريش لا يستطيعون دفعه ولا منعه ولم تمض إلا مدة قليلة حتى دخل مكة فاتحا لها مالكا رقاب أهلها فدخلوا في الإسلام طوعا وكرها وتوافدت عليه رؤساء العرب مقدمة طاعتها وسمت نفسه إلى مكاتبة ملوك الأرض كسرى وقيصر ومن دونهما ودعاهما إلى الإسلام أو الجزية وغزا بلاد قيصر مع بعد الشقة وظهر دينه على الدين كله كما وعده ربه وفتح أتباعه ممالك الدنيا ولم يقم هذا الدين بالسيف والقهر كما يصوره من يريد الوقيعة فيه بل كما أمر الله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، ولم يحارب أهل مكة وسائر العرب حتى حاربوه وأرادوا قتله وأخرجوه وأقر أهل الأديان التي نزلت بها الكتب السماوية على أديانهم ولم يجبرهم على الدخول في الإسلام واجبر الوثنيين على ذلك ولم يغز بلاد قيصر ليجبر على الإسلام كما مر.

ولم يكن تأخر إتباع هذا الدين وضعفهم ناشئا إلا عن عدم تمسكهم بتعاليم دينهم. ولم يكن فتح بلادهم وممالكهم إلا لتهاونهم بما أمرهم به ربهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم بقوله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل"، وعدم فهمهم مغزى قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد}.

القرآن الكريم

وأنزل الله تعالى على نبيه حين بعثه بالنبوة قرآنا عربيا مبينا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أعجز به البلغاء وأخرس الفصحاء وتحداهم فيه بالمعارضة وعجزهم فلم يستطيعوا معارضته وهم أفصح العرب واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة فحوى من أحكام الدين وأخبار الماضين وتهذيب الأخلاق والأمر بالعدل والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ما يزال يتلي على كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحير ببيانه العقول ولا تمله الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده.

أمر الشريعة الإسلامية بالعلم والنظر والتفكير وأعمال العقل

(العلم)

قال الله تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. {ولنبينه لقوم يعلمون}. {فاعلم إنه لا إله إلا الله}. {اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم}. {ذلكما مما علمني ربي}. {وقل رب زدني علما}. {شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم}. {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} {وما يعقلها إلا العالمون}.

وقال صاحب الشريعة الإسلامية صلى الله عليه وسلم : "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. اطلبوا العلم ولو في الصين. فضل العالم على غيره كفضل القمر على سائر النجوم" وأوجب الشرع الإسلامي تعلم كل علم نافع ديني أو صناعي أو يتوقف عليه علم ديني على الكفاية فإذا وجد في الأمة من عنده من هذه العلوم ما يقوم بحاجة الخلق في دينهم ودنياهم سقط وجوب التعلم عن الباقين وبقي الاستحباب والندب وإذا لم يوجد في الأمة من عنده ما يقوم بحاجة الخلق وجب عليهم التعلم فإذا لم يتعلموا كانوا مذنبين كلهم مستحقين للعقاب في الآخرة.

علم الصناعات وآلات الحرب

قال الله تعالى: {وعلمناه صنعة لبوس لكم} {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد}.

(علم الجغرافيا وإلهياة)

{ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}. {أفلم يسيروا في الأرض}. {ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق}. {وإلى السماء كيف*رفعت وإلى الجبال كيف نصبت*وإلى الأرض كيف سطحت}. {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج*والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج}. {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}. {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى}. {وهو الذي مد الأرض جعل فيها رواسي وأنهارا}. {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل}. {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم*لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}. {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}. {وعلامات وبالنجم هم يهتدون}.

(علم التوحيد والكلام)

{فاعلم إنه لا إله إلا الله}. {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}. {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان}. {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد}. {يا أيها الناس أن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة} {ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم}. {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج*ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير}. {قال من يحيي العظام وهي رميم*قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}. {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت أن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}.

(علم التاريخ)

وفيما اقتص الله تعالى في القرآن الكريم من أخبار الماضين حث على علم التاريخ.

(النظر)

قال الله تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه}. {فلينظر الإنسان مم خلق}. {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت*وإلى السماء كيف رفعت} الآية. {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها} الآية. {فانظر إلى طعامك} {وانظر إلى حمارك} {وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما}. {فانظر إلى آثار رحمة الله}. {انظروا إلى ثمرة إذا أثمر}. {قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض}. {فانظروا كيف بدأ الخلق}. {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق}.

(التفكير)

{ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا}. {لعلهم يتفكرون}. {نفصل الآيات لقوم يتفكرون}. {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}. {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق}.

(أعمال العقل)

{إن في ذلك لآية لقوم يعقلون}. {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}. {كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون}. {ويريكم آياته لعلكم تعقلون}. {وصاكم به لعلكم تعقلون}. {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.

أمرها بال أخذ بالدليل والبرهان ونهيها عن التقليد واتباع الظن

(فمن) الأمر بال أخذ بالدليل والبرهان قوله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه}. {قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين}. {فقلنا هاتوا برهانكم} (ومن) ذم التقليد قوله تعالى: {قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} {قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون}. {قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير}. {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين*قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين}. {إنا وجدنا آباءنا على أمة وأنا على آثارهم مقتدون}. {قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم}. (ومن) النهي عن إتباع الظن ولزوم إتباع العلم قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا أن الظن لا يغني من الحق شيئا}. {ما لهم به من علم إلا إتباع الظن}. {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا أن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}.

حثها على السعي والجد والعمل وترك البطالة والكسل

{وان ليس للإنسان إلا ما سعى*وان سعيه سوف يرى}. {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله}. {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره*ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.

الأخوة الخاصة في الإسلام

أول مؤاخاة في الإسلام كانت بين المهاجرين ثم بين المهاجرين والأنصار آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي وسميناه مؤاخاة خاصة باعتبار أنها بين جماعة معدودين وإن كانت عامة باعتبار أنها بين جميع المسلمين الموجودين يومئذ لانحصار المسلمين فيهم في ذلك الوقت بخلاف المؤاخاة العامة الآتية فهي بين المسلمين الموجودين ومن سيوجد إلى يوم القيامة وأراد صلى الله عليه وسلم بناء الإسلام على أساس ثابت وطيد هو تأليف القلوب ورفع الشحناء من النفوس والتناصر والتعاون في الأعمال لأن ذلك هو السبب الوحيد في نجاح الأعمال ورقي الأمم.

الأخوة العامة في الإسلام

آخى الإسلام بين عموم أهله قريبهم وبعيدهم عربيهم وعجميهم شريفهم ووضيعهم ملوكهم وسوقتهم رجالهم ونسائهم من وجد منهم ومن سيوجد إلى يوم القيامة أعلن الله تعالى ذلك في كتابه العزيز على لسان نبيه الذي أرسله بهذا الدين وتلاه النبي جهارا على المسلمين فسمعوه وقرأوه وحفظوه وكرروا تلاوته مجتمعين ومنفردين فقال {إنما المؤمنون أخوة} بلفظ إنما المفيد للحصر فأصبح بمقتضى ذلك المسلم الذي في أقصى المغرب أخا للمسلم الذي في أقصى المشرق. وبهذه الأخوة وعلى أساسها المتين والمحافظة عليها قام الإسلام وظهر وانتشر وبالتهاون بها ضعف وتقهقر. ثم جعل لهذه الأخوة حقوقا وحدودا ولوازم فأمر بالأصلاح بين المتخاصمين منهم وأردف قوله هذا بقوله {فأصلحوا بين أخويكم} وفرعه عليه منبها على أن الأصلاح هو من مقتضى تلك الأخوة وموجبها وبالنصرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". ظالما بردعه عن الظلم ومظلوما بدفع الظلم عنه وهذه هي الأخوة الصحيحة الشريفة لا أنصر أخاك ظالما أو مظلما ظالما على ظلمه ومظلوما على من ظلمه. وقال صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يثلمه. وحرم عليه عرضه وماله ودمه، ونهى عن أن يهجر أخاه فوق ثلاث. وهذا يسير من كثير من لوازم الأخوة في الإسلام فانظر بعين عقلك كم في هذه الاخوة من فوائد ومنافع ومصالح عامة سياسية واجتماعية وأخلاقية وكم فيها من تأليف للقلوب وحفظ للنظام الاجتماعي وحرص على هناء العيش وسعادة البشر.

العدالة والمساواة في الحقوق في الشريعة الإسلامية

الشريعة الإسلامية يتساوى فيها جميع الخلق في الحقوق: الملوك والرعايا والأمراء والسوقة والأشراف وغيرهم والأغنياء والفقراء لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفسه ولا شفاعة في حد والعدل شامل للكل. {وأمرت لاعدل بينكم}. {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}. {اعدلوا هو أقرب للتقوى}، {وإذا قلتم فاعدلوا}، {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}. {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، {فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا أن الله يحب المقسطين}.

القضاء في الشريعة الإسلامية

يجب في القاضي أن يكون عدلا عالما بالقضاء، ومن آدابه أن يجلس في وسط البلد وأن لا يقضي مع شغل القلب بغضب وجوع وعطش وهم وفرح وغيرها وعليه أن يسوي بين الخصمين في الكلام والسلام والمكان والنظر والإنصات والميل القلبي إلا أن يخرج عن الاختيار وليس له أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر ولا أن ينظر إلى أحدهما ويقول له تكلم بل أما أن يسكت حتى يتكلم واحد منهما أو ينظر إليهما معا ويقول ليتكلم المدعي أو يقول ذلك بدون أن ينظر إلى أحد ويجب العدل في الحكم ويحرم الرشوة وقبول الهدية وأن يلقن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه ولا يجوز أن يتعتع الشاهد بأن يداخله في كلامه ما فيه نفع أو ضرر للمشهود له أو لخصمه أو يرغبه في الشهادة ويلزم في الشاهد العدالة ولا تقبل شهادة الشريك لشريكه ولا العدو ولا شهادة المتبرع بشهادته قبل أن يسال ويجمع القاضي قضايا كل يوم ويكتب عليها قضايا يوم كذا في شهر كذا في سنة كذا ثم قضايا كل أسبوع ويكتب عليها كذلك ثم قضايا كل شهر ويكتب عليها كذلك ثم قضايا كل سنة ويكتب عليها كذلك حتى يهون عليه استخراج كل قضية عند الحاجة إليها. وخوف النبي صلى الله عليه وسلم من يدعي ما ليس له بحق فقال: "إنما أقضي بينكم بالبينات والإيمان فمن اقتطعت له قطعة من مال أخيه فكأنما اقتطعت له قطعة من نار جهنم".

حفظ الأمن في الشريعة الإسلامية

وبالغ الدين الإسلامي في حفظ الأمن والمحافظة على الأموال والدماء وشدد فيه وفرض العقوبات الشديدة على مخالفيه التي قد تنتهي إلى القتل فجعل جزاء الذين يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. وأمر بقطع يد السارق {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا} وبقتل القاتل عمدا تغريم الدية في الخطأ مع الحث على العفو. وبان النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والجروح قصاص ومن عفا فهو خير له.

حفظ الصحة في الإسلام

واعتنى الدين الإسلامي بحفظ الصحة عناية فائقة فجعل النظافة من الإيمان. وأمر بقص الأظفار والشوارب وتسريح الشعر والغسل عند الجنابة وبعد الحيض ومس الميت وبتغسيل الميت والوضوء عند كل صلاة وتجديده وغسل الثياب والبدن والأواني من النجاسة والقذارة وفركها بالتراب من بعض النجاسات التي لا يطمأن بزوالها بدون ذلك وأمر بالتنزه عن الماء الآجن والاستنجاء من البول والغائط. وأباح للمريض ترك الصوم بل أوجبه ورخص في ترك كل عبادة يخاف منها الإضرار بالصحة وحرم تناول كل طعام أو شراب مضر بالصحة ومنه الزيادة في الأكل على الشبع. وقال النبي صلى الله عليه وسلم المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأمر بان لا يجلس على الطعام إلا وهو يشتهيه ولا يقوم عنه إلا وهو يشتهيه. وقال الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} فجمع بذلك أساس علم الطلب وحفظ الصحة وأهم أموره وأوجب تعلم علم الطب وملحقاته على الكفاية.

الواجبات والمندوبات في الإسلام

ومما أوجب الدين الإسلامي الصلاة في خمسة أوقات ليكون العبد ذاكرا لربه متوجها إليه آناء الليل والنهار في أول النهار ووسطه وآخره وفي أول الليل وعند العشاء شكرا له على ما أنعم. وخضوعا له تعالى بالركوع والانحناء والسجود ووضع أشرف أعضاء البدن على الأرض ولم يوجب بعد العشاء صلاة لأنه وقت الراحة والنوم وإنما ندب إلى الصلاة في آخر الليل وفي ساعة الغفلة وندب إلى الصلاة الجماعة لما في الاجتماع من الفوائد الظاهرة.

وأمر بالنظافة والطهارة والتنزه عن النجاسة والقذارة: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}. {وثيابك فطهر*والرجز فاهجر}. وإيتاء الزكاة مواساة للفقراء: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم} {وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} وصوم شهر رمضان كفا للنفس عن الشهوات ورياضة لها وتشبها بالروحانيين، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا مع نزع المخيط وكشف الرؤوس للرجال والامتناع عن الشهوات والاجتماع في موقف تتساوى فيه الملوك والصعاليك والسادات والعبيد متوجهين إلى الله تعالى قائلين بصوت واحد لبيك اللهم لبيك يتعارفون ويتآلفون من جميع أقطار الدنيا ويتذكرون بموقفهم ذلك وقوفهم في المحشر. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واليد. وإنكار المنكر بالقلب {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون} وأمر بالصدق وأداء الأمانة والعدل والإنصاف. فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته، {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}. {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}. {قل أمر ربي بالقسط}. والوفاء بالعهد واليمين: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها}. {وبعهد الله أوفوا}. {وأوفوا بالعهد أن العهد كان مسؤولا} وصلة الأرحام وحسن الجوار وبر الوالدين. {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}. وان يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه. ومعاونة الضعيف، وحفظ مال اليتيم والرأفة به، والحنو على السائل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}. {وأما اليتيم فلا تقهر*وأما السائل فلا تنهر}. وندب إلى أخذ الزينة في المساجد في الأعياد والجمعات وعند جميع الصلوات يلبس الثياب الجدد والتمشط وغير ذلك: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، ومن أحكام الشرع الإسلامي الباهرة وأوامره في حفظ الحقوق والأموال من الضياع ما أمر به تعالى من كتابة الدين والاشهاد عليه وأخذ الرهن أن لم يكن الكتابة وسن قانون كاتب العدل الذي اتبعت فيه جميع دول الأرض قانون الإسلام: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله}. {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وأمراتان ممن ترضون من الشهداء} {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} {وأشهدوا إذا تبايعتم}. {ولا يضار كاتب ولا شهيد} {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}.

المحرمات والمناهي في الإسلام

ومما حرم الدين الإسلامي الربا والزنا والفواحش وشرب الخمر قليله وكثيره وكل مسكر والقمار: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}. والغيبة: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} والنميمة والحسد والكذب إلا في الأصلاح بين الناس ورفع الضرر. وحرم كتمان الشهادة {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}. والسرقة وقتل النفس المحترمة وقطع الطريق والغش والخيانة والقاء الفتن والبغي والرشا وخلف العهد والغش والاسراف وتضييع المال وأكل المال بالباطل. {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام}، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والخبائث وكل مضر بالبدن ونهى عن الضرر والضرار وعن التنازع والتنابز بالألقاب: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاثم الفسوق بعد الإيمان}. {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا} {وان تقولوا على الله ما لا تعلمون}. {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من أملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون*ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا تكلف نفس إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون}.

ولم يحرم إلا ما فيه مفسدة ومضرة ظاهرة للعيان متكرر حصولها في كل وقت وأوان. فكم ترى من المفاسد في الربا بذهاب الثروات والحرمان من ثواب القرض. وفي الزنا من اختلاط الأنساب وفساد نظام العائلة وقتل النفوس وتفشي الأمراض المهلكة. وفي شرب الخمر من زوال العقل وصيرورة المرء أضحوكة للناس ووصوله إلى أقصى درجات المهانة والسفالة ومن هلاك النفوس وتلف الأموال والإضرار بالبدن والنسل وضياع العرض والشرف حتى أن دولة الولايات المتحدة حرمته بعد ألف وثلاثمائة سنة وزيادة من تحريم الإسلام وقادتها عقولها إلى متابعة الإسلام في تحريمه وهي تدين بغيره. وفي القمار من تلف الأموال وهياج الشر وفي الغيبة والنميمة من حصول العداوات والفتن والإخلال بالهيئة الاجتماعية إلى غير ذلك ولم يكتف الشرع الإسلامي في جملة من المحرمات بالنهي والتحريم والعقاب في الآخرة حتى فرض عليها التأديب والعقوبة في الدنيا فأوجب حد الزاني والزانية بضرب مائة جلدة وشارب الخمر بضرب ثمانين جلدة والسارق بقطع يده ومخالف العهد واليمين بكفارة مالية وفرض العقوبات التأديبية غير المحدودة في شتى المواضع.

المباحات في الإسلام

أحل الدين الإسلامي الطيبات وأباح كل لذة وزينة وتنعم في الدنيا لا تخل بالآداب ولا تضر بالمجتمع الإنساني ولا تنافي حق الغير ولا توجب ارتكاب محرم أو ترك واجب: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}. فأي أحكام عبادية واجتماعية وسياسية وأخلاقية اسمى وأرقى وانفع واجمع وأصلح وأنجع وأسهل واعدل وأشرف والطف وأنزه وارفه وأقرب إلى تهذيب الأخلاق وسعادة البشر وهناء العيش من هذه الأحكام أم أي أحكام تدانيها في جميع الشرائع والأديان.

الشمم والاباء وعزة النفس في الشريعة الإسلامية

مع المحافظة على العدل

{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. وإذا ظلمت فلا تظلم. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

عناية الشرع الإسلامي بالمرأة

اعتنى الشرع الإسلامي بالمرأة عناية كبيرة حتى نزل في القرآن الكريم سورة أكثرها في الوصاية بالنساء والعناية بأمورهن فسميت سورة النساء ومنع وأد البنات الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية وساوى بين المرأة والرجل في الحقوق عدا الميراث والشهادة والدية فهي في ذلك على النصف من الرجل ولكنه ميزها على الرجل بان جعل لها عليه المهر ولا مهر له عليها وجعل نفقتها لازمة عليه من ماله ولو كانت غنية ولا نفقة له عليها وأوجب عليه القيام بكل ما تحتاج إليه من إسكان وإخدام وكسوة وطعام وغيرها وجعل نفقتها مقدمة على نفقة أبويه العظيم حقهما عليه وعلى نفقة أولاده وأجداده فينفق على نفسه فان زاد عنه أنفق على زوجته فان زاد أنفق على أبويه وسائر أقاربه وجعل نفقتها حقا واجبا كالدين فإن لم يؤده في وقته وجب قضاؤه مع اليسار أما نفقة أقاربه فلا قضاء لها لأنها إسعاف ومواساة وليست كالدين وحيث أوجب عليه المهر والنفقة لها فلا جرم أن فضله عليها في الميراث وكانت شهادة أمراتين كشهادة رجل لما فيها من الضعف الظاهر عن الرجل الذي لا ينكره إلا مكابر وشدة العاطفة فلا جرم أن وضع عنها الجهاد إلا بإسعاف الجرحى بسقي الماء وشبه ذلك. وجعل ديتها نصف دية الرجل لأنها لا تغني غناءه ولا تسد مسده في كثير من المقامات.

المحافظة على حقوق الزوجة

وأبطل العادات الجائرة التي سنتها الجاهلية في حق النساء. فكان الرجل إذا زوج أيمة أخذ صداقها دونها. والأعراب ومن ضارعهم يفعلون ذلك إلى اليوم. وكان الرجل يزوج آخر أخته ويأخذ أخت الرجل بدون مهر وهو نكاح الشغار أو بمهر قليل فنهى الله تعالى عن ذلك وحرم أخذ شيء من المهر إلا عن طيب نفس بقوله: {وآتوا النساء صدقاتهن} أي مهورهن تحلة {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}. وقال تعالى: {وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}. وكانوا لا يورثون المرأة فأنزل الله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}. وكان الرجل إذا مات كان أولياؤه أحق بأمراته من أهلها أن شاء بعضهم تزوجها وان شاؤوا زوجوها وإن شاؤوا لم يزوجوها. وكان الرجل أما مات وترك جارية ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}. وكان الرجل منهم تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها لتفتدي، فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله: {ولا تعضلوهن} (أي تقهروهن أو تمنعوهن بعض حقوقهن) {لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}. وهي النشوز فإذا نشزت حل له أن يأخذ منها الفداء ليطلقها، واكد النبي صلى الله عليه وسلم الوصاية بالمرأة في مواضع كثيرة ليس هذا محل بيانها، وأوجب معاشرتها بالمعروف: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا يجعل الله فيه خيرا كثيرا}. وفي قانون التزيج والمضاجعة والمواقعة والقسم بين الزوجات وغير ذلك في الشرع الإسلامي ما يدل على المحافظة الشديدة على حقوق المرأة ومحل ذلك كتب الفقه. ولم يحجر الدين الإسلامي على المرأة زيارة أهلها وأقاربها وصديقاتها والسفر للحج والزيارة وغيرهما وترويح النفس والاقبال على ما يورث السرور والغناء في الأعراس واستماعه مع عدم سماع الأجنبي كل ذلك مع مراعاة الحشمة والآداب والبعد عما يوجب الظنة والارتياب وعدم الاختلاط بالأجانب ومجانبة ما يوقع في الفساد، فالإسلام قد أكرم المرأة كرامة ليس عليها من مزيد وصانها الصيانة التي تليق بكرامتها.

تعدد الزوجات

وأباح الشرع الإسلامي تعدد الزوجات: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم أن لا تعدلوا} (أي في الحقوق) {فواحدة}. وأكد الوصاية بالعدل بين الزوجات فقال: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} (أي في الميل القلبي){ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة}، فبين أن العدل التام بينهن (حتى في الميل القلبي) غير مستطاع فإن لم يكن عدل تام فلا يكن جور تام. فالعدل في: فان خفتم، غير العدل في: {ولن تستطيعوا}. وفي إباحة تعدد الزوجات من الحكم والمصالح وما ينكره إلا مكابر ليس هذا موضع بيانه.

التحكيم

ومن عناية الشرع الإسلامي بالمرأة ومحافظته على حفظ نظام العائلة أن سن التحكيم عند وقوع الاختلاف بين الزوجين الذي قد يؤدي إلى الشقاق {وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا أصلاحا يوفق الله بينهما}. كل ذلك يدل على العناية بأمر الزوجة والمحافظة على حقوقها عناية ومحافظة لا مزيد عليها.

الطلاق

وأباح الشرع الإسلامي الطلاق مع عدم التئام الأخلاق وعدم تمكن الحكمين من الأصلاح والتوفيق: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. {فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}. وكره الطلاق ونفر منه: قال صاحب الشرع ما جعل الله مباحا أبغض إليه من الطلاق أو كمال قال. وأقام العراقيل في سبيله فلم يجوزه في طهر المواقعة وأجل المسترابة بالحمل ثلاثة أشهر وأوجب فيه حضور شاهدين عدلين وجعل المطلقة الرجعية في حكم الزوجة وأوجب أسكانها في منزله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فيرجع إليها وأباح للمختلعة أن ترجع في البذل قبل انقضاء العدة فيرجع زوجها في الطلاق وهذا الذي ذكرناه هو مذهب أئمة أهل البيت. ولا يتمسك من يعيب الطلاق إلا بالمكابرة وهل يسوغ في قانون العدل إلزام أحد الزوجين بالصبر على أخلاق الآخر التي يكون في الصبر عليها مشقة عظيمة والحكماء تقول أشد الأشياء صحبة من لا يمكنك فراقه ولا توافقك أخلاقه أو إلزام الزوج بالصبر على الزوجة العاقر وحرمانه من النسل أو إلزامها بالصبر على الزوج الذي لا يولد له وحرمانها من رؤية الأولاد.

الرجال قوامون على النساء

وجعل الرجال قوامين على النساء يرجعن إلى رأيهم وتدبيرهم لما في المرأة من الضعف ولأن الرجل هو الذي يدفع المهر ويقوم بنفقة الزوجة. {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}. ثم مدح المرأة بعد هذا بقوله تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}. تأديب المرأة

ولم يجعل للرجل على المرأة سبيلا وأباح تأديبها عند نشوزها وخروجها عن الطاعة وإرادتها خرق النظام العائلي وإفساده حفظا لنظام العائلة وليعيشا بهناء وسرور لا بنزاع وشقاق ولكن جعل هذا التأديب باللطف واللين والابتداء بالأهون وعدم الانتقال إلى الأصعب إلا مع عدم نجع الأهون فقال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} فأمر أولا بالوعظ بالكلام فإن لم ينجع فالبهجر في المضاجع بان يوليها ظهره فإن لم ينجع فبالضرب بالثوب فإن لم ينجع فالأشد فإن كانت مطيعة غير خارقة لنظام العائلة فلا سبيل له عليها.

لا رهبانية في الإسلام

وأبطل الإسلام الرهبانية واستعاض عنها بالاعتكاف في المساجد أي التخلي للعبادة وتجنب النساء مع الصيام أياما معدودة أقلها ثلاثة لما في الرهبانية من تقليل النسل وخوف الوقوع في الزنا ومن المشقة. والإسلام شريعة سهلة سمحة وحث على التزوج لما فيه من كف النفس عن التطلع إلى ما لا يحل وتكثير النسل.

آداب عائلية

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت إيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر} {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء} {ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض}. وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم. والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وان يستعففن خير لهن.

أمر الله تعالى العبيد والصبيان المميزين من الأحرار بالاستئذان عند إرادة الدخول في أوقات ثلاثة من الليل والنهار آخر الليل وعند القائلة وبعد صلاة العشاء الآخرة لأن الإنسان يتكشف ويتبذل في هذه الأوقات الثلاثة ويكون على حال لا يحب أن يرى عليها وأباح لهم الدخول في غير هذه الأوقات بدون إذن لأنهم خدم يطوفون عليكم لقضاء حوائجكم فلا بد لهم من الدخول عليكم في غير هذه الأوقات الثلاثة ويعسر عليهم الاستئذان في كل وقت. وأمر البالغين بالاستئذان في كل حال وأباح للمسنات من النساء وضع الجلباب الذي فوق الخمار بشرط عدم التبرج وخير لهن أن لا يضعنه مطلقا كالشابات.

دعاؤه بني عبد المطلب إلى الإسلام

في تاريخ الطبري: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال: لما أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانذر عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي "يا علي أن الله امرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعلمت أني متى أبادئهم (أبادرهم خ ل) بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاءني جبريل فقال يا محمد أنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة وأملأ لنا عسا من لبن ثم أجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به" ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال "خذوا باسم الله" فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة ثم قال "اسق القوم" فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله ص. فقال الغد "يا علي أن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعدلنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم إلي" ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة ثم قال أسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا بني عبد المطلب أني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به أني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم" قال فأحجم القوم عنها جميعا وقلت واني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا إنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال "إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا" فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

رواه الطبري في تفسيره مثله سندا ومتنا إلا أن الطابعين جريا على الشنشنة الأخزمية حربوه فابدلوا قوله على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم بلفظ على أن يكون أخي وكذا وكذا وأبدلوا قوله أن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم بلفظ أن هذا أخي وكذا وكذا وابقوا قوله فاسمعوا له وأطيعوا وفيه كفاية: وما حذفوه وأبدلوه هو إشارة إلى ما صرح به في التاريخ يقينا لاتحاد السند والمتن فيهما إلا في كلمتي وكذا وكذا. وعلمت أن الدكتور محمد حسين هيكل المصري أثبته في كتابه حياة محمد في الطبعة الأولى وحذفه في الطبعة الثانية نزولا عند إرادة من ضغط عليه فانظر واعجب.

ولما كان تصحيح هذا الحديث من الأهمية بمكان فلا باس بالإشارة إلى جملة ممن رواه من أجلاء علماء المسلمين ليعلم بذلك اشتهاره واستفاضته بينهم فرواه من مشاهير علماء أهل السنة محمد بن جرير الطبري في تاريخه وتفسيره كما سمعت ورواه منهم البغوي كما ستسمع.

ورواه منهم الثعلبي في تفسيره قال: اخبرني الحسين بن محمد بن الحسين حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عبد الله بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت {وانذر عشيرتك الأقربين} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم أربعون رجلا فأمر عليا برجل شاة فأدمها ثم قال أدنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال اشربوا باسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم فقال يا بني عبد المطلب أني إنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فاسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال من يواخيني ويوازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي عليه السلام إنا فقال في المرة الثالثة أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك.

وأورد هذا الحديث النسائي في الخصائص قال: أخبرنا الفضل بن سهل حدثني ابن عفان بن مسلم حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ماجد أن رجلا قال لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين لم ورثت دون أعمامك قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال دعا رسول الله بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا فقال يا بني عبد المطلب أني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة أيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم فقال أجلس ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس حتى إذا كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. ثم قال فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي أقول هذا التعليل في الميراث لا يصح أن أريد أرث المال أما عندنا فلأن الميراث للبنت بالفرض والرد وأما عند غيرنا فلأن الأنبياء لا تورث إلا أن يراد ارث العلم ولكن ظاهر السياق خلافه.

وأورد هذا الحديث صاحب السيرة الحلبية بنحو ما مر عن الطبري إلى أن قال يا بني عبد المطلب أن الله قد بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال وأنذر عشيرتك الأقربين وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به؟ قال علي إنا يا رسول الله قال وزاد بعضهم في الرواية يكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال إنا يا رسول الله قال أجلس ثم أعاد القول على القوم ثانيا فصمتوا فقام علي وقال إنا يا رسول الله فقال أجلس ثم أعاد القول ثالثا فلم يجبه أحد منهم فقام علي فقال إنا يا رسول الله فقال أجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. ثم حكى عن ابن تيمية إنه قال في الزيادة المذكورة أنها كذب وحديث موضوع من له أدنى معرفة في الحديث يعلم ذلك وقد رواه مع زيادته المذكورة ابن جرير والبغوي بإسناد فيه أبو مريم الكوفي وهو مجمع على تركه وقال أحمد إنه ليس بثقة عامة أحاديثه بواطيل وقال ابن المديني كان يضع الحديث أقول لا شيء أعجب من قدح ابن تيمية المجسم بشهادة ابن بطوطة مشاهدة والذي مات سجينا بيد أهل نحلته على الأقوال والعقائد المنافية لملة الإسلام في الأحاديث المستفيضة عند جميع المسلمين بالهوى والغرض وقوله أن من له أدنى معرفة بالحديث يعلم ذلك مع أن من عنده أدنى معرفة يعلم أن قدح ابن تيمية فيه لم يستند إلى معرفة بل إلى التحامل على علي وأهل بيته والنصب فقد سمعت سند هذا الحديث في رواية الطبري في تاريخه وتفسيره ورواية الثعلبي له في تفسيره وليس فيه أبو مريم الكوفي على فرض صحة ما قاله في رواية البغوي وأن في سندها أبو مريم الكوفي وأنه ضعيف فهل إذا كان الحديث مرويا بعدة طرق بعضها ضعيف يكون قدحا في سنده بل الرواية الضعيفة أن لم تكن معتضدة ومتقوية بالروايات الصحيحة غيرها لا يكون ضعفها موجبا للقدح في الصحيحة وكل من له أدنى معرفة في الحديث يعلم ذلك.

ورواه من مشاهير علماء الشيعة وثقات محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني حدثنا عبد العزيز حدثنا المغيرة بن محمد حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي حدثنا قيس بن الربيع وشريك بن عبد الله عن الأعمش عن منهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فقال أيكم يكون أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي فعرض ذلك عليهم رجلا رجلا كلهم يأبى ذلك حتى أتى علي فقال إنا يا رسول الله فقال يا بني عبد المطلب هذا أخي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا الغلام.

ورواه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مجالسه قال حدثنا جماعة عن أبي المفضل حدثنا أبو جعفر الطبري سنة 308 حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا سلمة بن الفضل الأبرش حدثني محمد بن إسحاق بن عبد الغفار قال أبو الفضل حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي واللفظ له حدثنا محمد بن الصباح الجرحلوي حدثنا سلمة بن صالح الجعفي عن سليمان الأعمش وأبي مريم جميعا عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت هذه الآية وذكر مثل رواية الطبري بعينها مع تفاوت يسير في بعض الألفاظ لا يخل بالمعنى إلى غير ذلك. وبعد توافق علماء الفريقين على هذه الرواية لم يبق لما ذكره ابن تيمية قيمة.

وروي الطبري في تاريخه وتفسير بسنده إلى ابن عباس قال لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فقال يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف فاجتمعوا إليه فقال أرأيتكم أن أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب وتب إلى آخر السورة.

الدعوة العامة لقريش

وروى الطبري انه صلى الله عليه وسلم صعد يوما على الصفا ونادى يا معشر قريش قالت قريش محمد على الصفا يهتف واقبلوا إليه فقالوا ما لك قال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقوني قالوا نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف يا بني زهرة يا بني تميم يا بني مخزوم يا بني أسد أن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين واني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله فقال أبو لهب ما تقدم.

مجيء قريش إلى أبي طالب في أمر رسول الله

ولما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيب الأصنام ويسخر منها ويتلو الآيات في شأنها مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب وكان مؤمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكتم إيمانه وفيهم أبو سفيان بن حرب فقالوا يا أبا طالب أن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فأما أن تكفه عنا وأما أن تخلي بيننا وبينه فردهم أبو طالب ردا جميلا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ولم يزل الإسلام يفشو ويظهر ثم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى. قال ابن سعد لما رأت قريش ظهور الإسلام جاءوا إلى أبي طالب فقالوا أنت سيدنا وأفضلنا في أنفسنا وقد رأيت الذي فعل هؤلاء السفهاء مع ابن أخيك من تركهم آلهتنا وتسفيههم أحلامنا. وجاءوا بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا جئناك بفتى قريش جمالا ونسبا ونهادة وشعرا يكون لك نصره وميراثه وتدفع إلينا ابن أخيك نقتله فقال والله ما أنصفتموني تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه أتعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره.

فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع أبو طالب فتيان قومه وقال لي أخذ كل واحد منكم حديدة صارمة واتبعوني إذا دخلت المسجد وليجلس كل واحد إلى جنب عظيم من عظمائهم فليقتله أن كان محمد قد قتل ففعلوا ثم أخبره زيد بن حارثة بسلامة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبح أخذ بيده فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان فأخبر قريشا بما كان يريد فعله لو قتل النبي صلى الله عليه وسلم وأراهم السلاح فانكسر القوم وكان أشدهم انكسارا أبو جهل.

ثم جاءوا إلى أبي طالب مرة ثالثة وقالوا يا أبا طالب أن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وقد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وأنا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلآمنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين وعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام ابن أخيه فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقالة قريش وقال له فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فأطرق النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه وقام وقد خنقته العبرة فلما رأى ذلك أبو طالب دعاه فقال اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدا وقام بنو هاشم وبنو المطلب بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا لهب ونفر غيره.

مجيء عتبة بن ربيعة إلى النبي ليرجع عن دعوته

ولما رأت قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم يزداد كل يوم ظهورا وأصحابه يكثرون رغب إليهم عتبة بن ربيعة وهو من رؤسائهم في أن يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمورا لعله يقبل بعضها ويكف عن دعوته فقال له يا ابن أخي انك منا حيث قد علمت من المكان في النسب وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم فاسمع مني اعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها. أن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد تشريفا سودناك علينا فلا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رأيا لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب حتى تبرأ فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم سورة السجدة وعتبة منصت فلما انتهى انصرف عنه إلى قريش وأخبرها إنه لا طمع له في مال ولا سلطان وأشار عليهم أن يخلوا بينه وبين العرب فان تغلبت عليه استراحوا منه وان اتبعته فلقريش فخاره فلم يعجبهم ذلك.

ولم تدع قريش وسيلة ترجو منها القضاء على الإسلام وأهله والحيلولة دون انتشاره إلا توسلت بها ولا سبيلا تأمل الوصول منه إلى ذلك إلا سلكتها وبلغت في ذلك جهدها وغاية استطاعتها فأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون. عمدت أولا إلى تكذيبه والحط من قدره باللسان بالذم والتنقيص لتكف الناس عن أتباعه فقالت تارة إنه ساحر وأخرى إنه كاهن ومرة إنه شاعر ومرة إنه يعلمه بشر وأغروا به شعراءهم أبا سفيان بن الحارث وعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبعري فلما لم ينجع ذلك فيه وبقي جادا في أمره وأتباعه يزدادون كثرة كل يوم عمدت إلى أذاه وأذى أصحابه باليد فرجمته في داره ووضعت السلاء على ثيابه وسلطت أطفالها عليه يرمونه بالحجارة وفعلت أفعالا شبه ذلك وعذبت أصحابه بالحبس والضرب والقتل والألقاء في الرمضاء وغير هذا واضطرتهم بذلك إلى الهرب من بلادهم والهجرة إلى الحبشة ولم تقنع بذلك حتى أرسلت إليهم من يردهم فما زاد هو في دعوته إلا مضاء وأصحابه إلا كثرة وثبات يقين فعرضت عليه المال والملك وكل ما يطمع الناس فيه عادة فلم يمل إلى شيء من ذلك وهددته وأهله وأنذرتهم بالحرب ومشت إلى عمه أبي طالب مرارا لتصده عن نصره وتحمله على إرجاعه عن عزمه بالتهديد وأنواع الحيل فلم يجد ذلك شيئا فعمدت إلى مقاطعتهم وحصرهم في شعب من شعاب مكة لا يجالسون ولا يكلمون ولا يبايعون ولا يناكحون حتى يموتوا جوعا أو يرجع محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته فصبروا على ذلك ثلاث سنين فلما أعيتها الحيل ائتمرت فيه وعزمت على قتله وبعثت إليه من يهجم عليه ليلا في داره فيقتله فخرج هاربا منهم إلى المدينة.

الهجرة إلى الحبشة

ولما كثر المسلمون ثار كثير من كفار قريش بمن آمن من قبائلهم فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم ومنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم منهم بعمه أبي طالب فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأرض قالوا أين نذهب فأشار إلى الحبشة فهاجروا إليها وذلك في رجب من السنة الخامسة من النبوة وكانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة منهم من هاجر وحده خرجوا متسللين إلى الشعيبة منهم الراكب والماشي فوجدوا ساعة وصولهم سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى الحبشة بنصف دينار عن كل نفس وخرجت قريش في طلبهم إلى البحر فلم يدركوهم. قالوا وقدمنا أرض الحبشة فجاورنا خير جار آمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذي ولا نسمع ما نكره وكانت الحبشة على دين النصرانية فأقاموا شعبان وشهر رمضان ثم عادوا إلى مكة في شوال لما بلغهم أن قريش أسلمت فلما قاربوا مكة علموا أن ما بلغهم باطل فلم يدخلها أحد منهم إلا بجوار غير ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ثم عاد إلى أرض الحبشة فلقوا أذى كثيرا فإذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة ثانيا.

الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة

وكانوا ثمانين رجلا وثماني عشرة أمراة فيهم جعفر بن أبي طالب ومعه زوجته أسماء بنت عميس فأحسن النجاشي جوارهم وساء ذلك قريشا فأرسلوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد الذي أرادت قريش دفعه لأبي طالب عوضا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل كان مع عمرو عبد الله بن أبي ربيعة ليكلموا النجاشي في ردهم وأهدوا له ولبطارقته هدايا وكتب عمرو عهدا بين قومه وقوم عمارة أن كلا من القبيلتين بريئة من جناية صاحبها وكانت مع عمرو زوجته وكان عمرو قصيرا دميما وعمارة جميلا وسيما فهويته أمراة عمرو فقال له عمارة مر أمراتك أن تقبلني فقال عمرو إلا تستحي وجلس عمرو على جانب السفينة يبول فدفعه عمارة في الماء فجعل يسبح وينادي أصحاب السفينة ويناشد عمارة فأنقذوه وحقدها عليه عمرو وقال لزوجته قبلي ابن عمك لتطيب بذلك نفسه فيحتال بعد ذلك في هلاكه ولما دخلا على النجاشي سجدا له ودفعا إليه الهدية فقبلها وكذلك بطارقته فقالا له أن نفرا من قومنا تركوا ديننا ولم يدخلوا في دينك وقد أرسلنا عظماء قريش لتردهم إليهم وكانا اتفقا مع بطارقة النجاشي بعد أن أعطوهما الهدايا على أن يعاونوهما على رد المسلمين إلى قريش دون أن يسمع النجاشي كلامهم فأبى النجاشي أن يفعل حتى يسمع ما يقولون وأرسل إليهم فقال بعضهم لبعض ما تقولون له؟ قال جعفر نقول له ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون ما يكون فدخلوا عليه ولم يسجدوا له فقال عمرو إلا ترى أيها الملك إنهم لم يسجدوا لك فقال النجاشي ما منعكم أن تسجدوا لي فقال جعفر إنا لا نسجد إلا لله عز وجل فقال ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني فقال جعفر أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فبعث الله فينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فأمرنا أن نعبد الله وحده ونخلع ما كنا نعبد من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات فصدقناه وآمنا به فعدا علينا قومنا ليردونا إلى عبادة الأصنام واستحلال الخبائث فلما قهرونا وظلمونا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك. قال النجاشي هل عندك شيء مما جاء به؟ قال نعم! فقرأ عليه من سورة مريم حتى انتهى إلى قوله تعالى: {فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا*قال أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا*وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}. فبكى النجاشي وبكى أساقفته وقال النجاشي أن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. فنزلت وإذا سمعوا ما أنزل الله إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع بما عرفوا من الحق (وفي رواية) أن جعفرا رضوان الله عليه قال للنجاشي سلهما أعبيد نحن أم أحرار قال عمرو بل أحرار كرام قال فهل أرقنا دما بغير حق قال لا قال هل لهم علينا دين قال ليس لنا عليهم دين قال النجاشي: انطلقنا فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا ورد الهدية عليهما فلما كان الغد عاد ابن العاص إلى النجاشي فقال له إنهم ليقولون في عيسى قولا عظيما فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه فلما دخلوا عليه قال له جعفر نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فأخذ النجاشي عودا وخط به على الأرض وقال ليس بين دينكم وديننا أكثر من هذا الخط. ولما يئس عمرو من مساعدة النجاشي له على ردهم توجه إلى ما كان قصد له من أعمال الحيلة في هلاك عمارة فقال له عمرو وقد اطمأن إليه وظن إنه قد زال ما في نفسه: أنت رجل جميل والنساء يحببن الجمال فتعرض لزوجة النجاشي لعلها تشفع لنا عنده فتعرض لها وأخبر عمرا بذلك فقال أن كنت صادقا فلتعطك من طيب الملك فأعطته فأخبر عمرو النجاشي وأراه الطيب فقال لولا إنه جاري لقتلته.

وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو بن أمية الضميري يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان وكانت مع زوجها عبد الله بن جحش فتنصر ومات فزوجه إياها وأصدقها عنه أربعمائة دينار. ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع من بأرض الحبشة من المسلمين ورجع جعفر وذلك يوم فتح خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري بأيهما إنا أشد فرحا بفتح خيبر أو برجوع جعفر.

قصة الغرانيق

قال الله تعالى في سورة الحج: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم*ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد}.

قال الواحدي في أسباب النزول وابن سعد في الطبقات الكبير والطبري في تاريخه وجماعة من مفسري أهل السنة إنه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاء به تمنى أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه فجلس يوما في ناد من أندية قريش حول الكعبة فأنزل الله تعالى عليه سورة النجم فقرأها حتى إذا بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمناه: تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى (وفي رواية) وشفاعتهن ترتجى فلما سمعت قريش بذلك فرحوا ومضى في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق كافر ولا مسلم إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وفرحت قريش وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما ذا صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله وقلت ما لم أقل لك وفي رواية إنه قال له إعرض علي كلام الله فلما عرض عليه قال أما هذا فلم آتك به هذا من الشيطان فأنزل الله تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول} "الآية" (أقول) العجب من هؤلاء الذين أودعوا كتبهم هذه الروايات التي لا يحتاج بطلانها وفسادها إلى بيان والتي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقبح النسب من الزيادة في القرآن بما يقتضي الكفر من مدح الأصنام والقول فيها بقول المشركين أنها تشفع وعدم تنبهه حتى نبهه جبرئيل كبرت كلمة تخرج من أفواههم وكيف سر المشركون بذلك وقد قرأ صلى الله عليه وسلم السورة إلى آخرها وفيها بعد ذلك ذمهم وذم آلهتهم بقوله {ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى أن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان أن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} وما هذه الروايات إلا كالذي رووه من أن النبي صلى الله عليه وسلم اثر فيه السحر مصدقين قول الكفار: أن تتبعون إلا رجلا مسحورا وغيرها. أما الذي ذكره مفسرونا فقال الطبرسي في مجمع البيان: روي عن ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا سورة النجم وبلغ إلى قوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترجى فسر بذلك المشركون فل ما انتهى إلى السجدة سجد المسلمون وسجد أيضا المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم قال فهذا الخبر أن صح محمول على إنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته إنه يعيبها قال بعض الحاضرين من الكافرين تلك الغرانيق العلى وألقى ذلك في تلاوته بوهم أن ذلك من القرآن فأضافه الله سبحانه إلى الشيطان لأنه إنما حصل باغوائه ووسوسته قال وهذا أورده المرتضى قدس الله روحه في كتاب التنزيه وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية وهو وجه حسن في تأويله.

من الذي عبس وتولى أن جاءه الأعمى

روى في سبب نزولها: أن عبد الله بن مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل والعباس بن عبد المطلب وأبيا وأمية ابني خلف كما في مجمع البيان وفي الكشاف عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل والعباس وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم فقال يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك ولا يدري تشاغله بالقوم حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه فأعرض عنه وأقبل على القوم يكلمهم فنزلت: {عبس وتولى*أن جاءه الأعمى*وما يدريك لعله يزكى*أو يذكر فتنفعه الذكرى*أما من استغنى*فأنت له تصدى*وما عليك ألا يزكى*وأما من جاءك يسعى*وهو يخشى*فأنت عنه تلهى}. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه وإذا رآه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي واستخلفه على المدينة غير مرة. حكى ذلك صاحب مجمع البيان وغيره. وقال الشريف المرتضى علم الهدى في كتابه تنزيه الأنبياء والأئمة: أما ظاهر الآية فغير دال على توجهها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا فيها ما يدل على إنه خطاب بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه وفيها ما يدل عند التأمل على أن المعني بها غير النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفاته صلى الله عليه وسلم في قرآن ولا خبر مع الأعداء المنابذين فضلا عن المؤمنين المسترشدين ثم وصفه بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء وهذا مما لا يصف به نبينا عليه السلام من يعرفه فليس هذا مشبها لأخلاقه الواسعة وتحننه على قومه وتعطفه وكيف يقول له وما عليك إلا يزكى وهو صلى الله عليه وسلم مبعوث للدعاء وللتنبيه وكيف لا يكون ذلك عليه وكان هذا القول إغراء بترك الحرص على إيمان قومه وقد قيل أن هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منه هذا الفعل المنعوت فيها ونحن أن شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي أن نشك في أنها لم يعن بها النبي صلى الله عليه وسلم وأي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهي عنهم والإقبال على الأغنياء الكافرين والتصدي لهم وقد نزه الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم عما دون هذا في التنفير بكثير وفي مجمع البيان: ويؤيده قوله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم}. وقوله: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}. فالظاهر أن الذي عبس وتولى غيره وقد روي عن الصادق عليه السلام إنه رجل من بني أمية كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه أقول: لا مانع من وقوع العتاب منه تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم على ترك الأولى. وفعل المكروه أو خلاف الأولى لا ينافي العصمة والقول بان العبوس ليس من صفاته صلى الله عليه وسلم إنما يتم إذا لم يكن العبوس لأمر أخروي مهم وهو قطع الحديث مع عظماء قريش الذين يرجو إسلامهم وأن يكون بإسلامهم تأييد عظيم للدين وكذلك القول بأن الوصف بالتصدي للأغنياء والتلهي عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة إنما يتم إذا كان تصديه للأغنياء لغناهم لا إرجاء إسلامهم وتلهية عن الفقراء لفقرهم لا لقطعهم حديثه مع من يرجو إسلامه ومع ذلك لا ينافي العتاب له وكون الأولى خلافه أما ما روي عن الصادق عليه السلام فقد ينافي صحة هذه الرواية قوله تعالى: {وما يدريك لعله يزكى}، فان ذلك الرجل إنما عبس في وجه الأعمى تقذرا له لا لأنه لا يرجو تزكيه أو تذكره فالمناسب أن يقال وما يدريك لعله خير من أهل النظافة والبصر وكذا قوله: وما عليك أن لا يزكى فان تصدى الأموي للغني لغناه لا لرجاء أن يزكى وكذا قوله وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى. فان ابن أم مكتوم إنما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا الأموي والأموي إنما تقذره وانكمش منه لا إنه تلهى عنه فالمناسب أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك يبطل صدور هذه الرواية من معدن بيت الوحي.

حصار الشعب وأمر الصحيفة

ولما بلغ قريشا فعل النجاشي بجعفر وأصحابه وكرامه إياهم ورأوا عدم وصولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقيام عمه أبي طالب دونه كتبوا كتابا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم أو يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختم عليها أربعون خاتما وكتبها منصور بن عكرمة فشلت يده، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة وحصروهم في شعب أبي طالب أول المحرم سنة سبعة من البعثة فدخل بنو هاشم الشعب، مسلمهم وكافرهم عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب لشدة عداوتهما للرسول صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وانحاز إليهم بنو المطلب بن عبد مناف فكانوا أربعين رجلا وحصن أبو طالب الشعب وكان يحرسه ليلا ونهارا وأخافتهم قريش فكانوا لا يخرجون ولا يأمنون إلا من موسم إلى موسم، موسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذي الحجة وقطعوا عنهم الميرة إلا ما كان يحمل سرا وهو شيء يسير لا يمسك أرماقهم حتى بلغ بهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب وذلك أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بمكة. وكان هشام بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي يأتي بالبعير بعد البعير قد أوقره طعاما أو تمرا إلى فم الشعب فينزع عنه خطامه ويضربه على جنبيه فيدخل الشعب فبقوا في الشعب سنتين أو ثلاث سنين وأرسل الله تعالى على الصحيفة الأرضة فلحستها إلا باسمك اللهم فأخبر الله تعالى نبيه بذلك فذكره لعمه أبي طالب فقال لقريش أن ابن أخي اخبرني أن الله قد سلط على صحيفتكم الأرضة فأكلتها غير اسم الله فإن كان صادقا نزعتم عن سوء رأيكم وإن كان كاذبا دفعته إليكم قالوا قد أنصفتنا ففتحوا فإذا هي كما قال فقالوا هذا سحر ابن أخيك وتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم فمشي هشام بن عمرو إلى زهير ابن أبي أمية المخزومي وزهير ختن أبي طالب على ابنته عاتكة وقال أرضيت أن يكون أخوالك هكذا قال فما اصنع وأنا رجل واحد قال وجدت ثانيا قال أبغنا ثالثا فما زالوا كذلك حتى صاروا خمسة فيهم غير هشام وزهير مطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود فاقبلوا إلى أندية قريش فقال زهير يا أهل مكة نأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى والله لا اقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة فقال أبو جهل كذبت والله لا تشق فقال زمعة أنت والله اكذب فقال أبو البختري صدق والله زمعة وقال مطعم وهشام مثل ذلك فقال أبو جهل هذا أمر قضي بليل وقام مطعم إلى الصحيفة فشقها وخرج بنو هاشم من حصار الشعب في السنة العاشرة أو التاسعة من النبوة إلى مساكنهم وتوفيت خديجة وأبو طالب وفي تاريخ وفاتهما اختلاف كثير فقيل توفيا في عام واحد توفي أبو طالب بعد البعثة بست سنين وثمانية أشهر وأربعة وعشرين يوما وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العام عام الحزن وقيل ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعب ومات أبو طالب بعدها بسنة. وكما أوصى عبد المطلب ابنه أبا طالب بنصر النبي صلى الله عليه وسلم فقام به أحسن قيام كذلك أوصى أبو طالب ابنيه عليا وجعفرا وأخويه حمزة وعباسا بنصره صلى الله عليه وسلم فقاموا به أحسن قيام لا سيما علي وحمزة وجعفر وفي ذلك يقول أبو طالب:

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت قريش كاعة عني حتى مات أبو طالب فلما توفي نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم واجترأت عليه فخرج إلى الطائف يعرض نفسه على القبائل ومعه زيد بن حارثة بعد ثلاثة أشهر من موت خديجة فأغروا به صبيانهم وسفاءهم يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة حتى أدموا رجليه وزيد يقيه بنفسه حتى شج في رأسه ففر منهم إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة فدخله ورجعوا عنه وجلس إلى ظل شجرة فأرسل عتبة وشيبة غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس بعنب في طبق فوضعه بين يديه فقال باسم الله وأكل منه فعجب عداس من ذلك وقال هذا كلام لا يقوله أهل هذه البلاد فسأله عن بلده وعن دينه فأخبره إنه نصراني من أهل نينوى فقال أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال وما يدريك به قال ذلك أخي كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس عليه يقبل رأسه ويديه وقدميه واسلم فعجب ابنا ربيعة من ذلك وقالا لا يصرفنك هذا الرجل عن دينك فهو خير من دينه وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في جوار مطعم بن عدي وجعل يعرض نفسه على قبائل العرب في المواسم وفي منازلها وعمه أبو لهب واسمه عبد العزى يتبعه ايان ذهب يحرض الناس على أن لا يستمعوا له.

الإسراء والمعراج

قيل كان في ليلة واحدة، واختلف في تاريخ ذلك فقيل كان ذلك سنة اثنتي عشرة من البعثة قبل الهجرة بسنة أو سنة إحدى عشرة من البعثة قبل الهجرة بسنتين أو قبل الهجرة بستة أشهر في السابع عشر من شهر رمضان ليلة السبت أو بعد النبوة بسنتين ليلة الإثنين في شهر ربيع الأول أو ليلة سبع عشرة من ربيع الأول أو ليلة سبع وعشرين منه أو ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر أو ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان أو ليلة تسع وعشرين منه أو ليلة سبع وعشرين من رجب على اختلاف الروايات والأقوال وقيل كانا في وقتين مختلفين والمعراج بعد الإسراء في ليلة أخرى.

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة منها ثلاث سنين مستخفيا ثم أعلن دعوته في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافي في الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم بمنى والموقف يسال عن القبائل قبيلة قبيلة ويسال عن منازلهم ويأتي إليهم في أسواق المواسم عكاظ ومجنة وذي المجاز وكانت العرب إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوال ثم بسوق مجنة عشرين يوما ثم بسوق ذي المجاز إلى أيام الحج فكان يتبعهم في منازلهم ليدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ويقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ووراءه أبو لهب واسمه عبد العزى يكذبه فلم يستجب له أحد منهم.

وجاء إلى مكة أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس من الخزرج فعرض عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فاسلما وهما أول من أسلم من الأنصار ثم رجعا إلى المدينة فأسلم أبو الهيثم بن التيهان وقال أول من أسلم من الأنصار رافع بن مالك ومعاذ بن عفراء خرجا إلى مكة معتمرين فعرض صلى الله عليه وسلم عليهما الإسلام فاسلما ثم أسلم ثمانية أو ستة من الأنصار مر عليهم صلى الله عليه وسلم وهم نزول بمنى فعرض عليهم الإسلام فاسلموا وطلب منهم أن يمنعوا ظهره ليبلغ رسالة ربه فاعتذروا بما بينهم من العداوة ووعدوه موسم العام المقبل ويقال إنه لقيهم عند العقبة وان هذه بيعة العقبة الأولى وقال ابن سعد أنها غيرها.

العقبة الأولى

والعقبة هي التي تضاف إليها الجمرة فيقال جمرة العقبة والجمرة عن يسار الطريق لقاصد منى من مكة وعندها مسجد يقال له مسجد البيعة فلما كان العام المقبل من العام الذي لقي فيه رسول الله النفر الستة أو الثمانية كما مر لقيه اثنا عشر رجلا من الخزرج. والأوس والخزرج قبيلتان بالمدينة كان جداهما أخوين ثم وقعت بينهما حروب كان آخرها قبل الهجرة فاسلموا وبايعوا على بيعة النساء ثم رجعوا إلى المدينة وكان أسعد بن زرارة يجمع بالمدينة بمن أسلم وكتب الأوس والخزرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابعث إلينا من يقرئنا القرآن فبعث إليهم مصعب بن عمير العبدري فروي إنه كان يجمع بهم وفشا الإسلام في المدينة فأسلم كثير من أهلها.

العقبة الثانية

وهم السبعون الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة فإنه لما حضر الحج مشى من أسلم بالمدينة بعضهم إلى بعض يتواعدون المسير إلى الحج وموافاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم سبعون يزيدون رجلا أو رجلين فخرجوا مع الأوس والخزرج وهم خمسمائة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فوعدهم منى ليلة النفر الأول إذا هدأت الرجل أن يوافوه بأسفل العقبة على يمين القادم من منى حيث المسجد المعروف بمسجد البيعة وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا فخرجوا بعد هدأة يتسللون الرجل والرجلان فتوافى السبعون ومعهم أمراتان فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم وعمه العباس فخطب العباس فقال يا معشر الخزرج أنكم دعوتم محمدا وهو أعز الناس في عشيرته يمنعه والله من كان على قوله ومن لم يكن للحسب والشرف وقد أبى الناس كلهم غيركم فان كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فارتأوا رأيكم. فأجابوا بأحسن الجواب وتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ثم دعاهم إلى الله ورغبهم في الإسلام فقال البراء بن معرور وقيل أبو الهيثم بن التيهان وقيل أسعد بن زرارة ابسط يدك يا رسول الله فكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعوه منه نساءهم وأبناءهم وعلى السمع والطاعة وبايعه المرأتان من غير مصافحة ثم قال لهم اخرجوا لي اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. وبلغ قريشا ذلك فجاءوا إلى الخزرج يعاتبونهم فحلف لهم المشركون من الخزرج ما شعروا بشيء وبحثت قريش عن الخبر فوجدته حقا فجعلت تطلبهم فأدركوا سعد بن عبادة فجعلوا يده إلى عنقه بنسعة وجعلوا يضربونه حتى ادخلوه مكة فخلصه منهم مطعم بن عدي والحارث بن أمية بن عبد شمس.

مؤاخاة النبي بين أصحابه قبل الهجرة

في السيرة الحلبية: قبل الهجرة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين على الحق والمواساة. بين أبي بكر وعمر وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف وبين الزبير وابن مسعود وبين عبادة بن الحارثة وبلال وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله وبين علي ونفسه صلى الله عليه وسلم وقال أما ترضى أن أكون أخاك قال بلى يا رسول الله رضيت قال فأنت أخي في الدنيا والآخرة. وأنكر ابن تيمية على عادته المؤاخاة بين المهاجرين سيما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قال لأن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إنما جعلت لإرفاق بعضهم ببعض ولتأليف قلوب بعضهم ببعض فلا معنى لمؤاخاة مهاجري لمهاجري. قال الحافظ ابن حجر وهذا رد للنص بالقياس وأقول كان المهاجرين لا يطلب إرفاق بعضهم ببعض وتالف قلوب بعضهم ببعض (إنها لا تعمى الأبصار ولكن. . .) وفي ذلك يقول صفي الدين الحلي من قصيدة:

وآخى صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار ويأتي ذكر ذلك.

الهجرة إلى المدينة

لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه وقد جعل الله له منعة وقوما أهل حرب وعدة ونجدة وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين فإذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى المدينة فهاجروا ونزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم وآسوهم ولم يبق منهم بمكة إلا قليل.

قصة الغار ومبيت علي على الفراش

ولما رأى ذلك المشركون اجتمعوا في دار الندوة ليأتمروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسروا ذلك بينهم فقال العاص بن وائل وأمية بن خلف نبني له بنيانا نستودعه فيه فلا يخلص إليه أحد ولا يزال في رفق من العيش حتى يذوق طعم المنون فقال قائل بئس ما رأيتم لئن صنعتم ذلك ليسمعن الحميم والمولى الحليف ثم لتأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أيديكم فقال عتبة وأبو سفيان نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه ثم نقصع البعير بأطراف الرماح فيقطعه إربا أربا فقال صاحب رأيهم أرأيتم أن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه فصبا القوم إليه واستجابت القبائل له فيسيرون إليكم بالكتائب والمقانب فلتهلكن كما هلكت أياد فقال أبو جهل لكني أرى لكم رأيا سديدا وهو أن تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا ثم تسلحوه حساما عضبا حتى إذا غسق الليل أتوا ابن أبي كبشة فقتلوه فيذهب دمه في قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيرضون بالدية فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رأيا وكموا في ذلك أفواهكم فسبقهم الوحي بما كان من كيدهم وهو قوله تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام وأخبره بذلك وقال له أوحى إلي ربي أن اهجر دار قومي وانطلق إلى غار ثور تحت ليلتي هذه وان آمرك بالمبيت على مضجعي ليخفي بمبيتك عليهم أمري فقال علي عليه السلام أوتسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال نعم فتبسم علي ضاحكا وأهوى إلى الأرض ساجدا شاكرا لله لما بشره صلى الله عليه وسلم بسلامته، قال رسول الله ارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي وكان له برد حضرمي احمر وقيل اخضر ينام فيه ثم ضمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وبكى وجدا به فبكى علي جزعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل في علي: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهند بن أبي هالة وهو ربيب رسول الله أمه خديجة أم المؤمنين أن يقعدا له بمكان ذكره لهما في طريقه إلى الغار ولبث مع علي يوصيه ويأمره بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة والرصد من قريش قد أطافوا بداره فيهم أبو جهل والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وابن الغيطلة وزمعة بن الأسود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وخالد بن الوليد بن المغيرة ينتظرون إلى أن ينتصف الليل وتنام الأعين فخرج وهو يقرأ {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} ومضى حتى أتى إلى أبي بكر وهند فنهضا معه حتى وصلوا الغار وهو غار ثور جبل بأسفل مكة سمي باسم ثور بن عبد مناة بن إدا بن طابخة لأنه ولد عنده فقيل جبل ثور ويسمى أيضا أطحل فدخلا الغار ورجع هند إلى مكة لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أغلق الليل أبوابه وانقطع الأثر أقبل القوم على علي يقذفونه بالحجارة ولا يشكون إنه رسول الله حتى إذا قرب الفجر هجموا عليه وكانت دور مكة يومئذ لا أبواب لها فلما بصر بهم علي عليه السلام قد انتضوا السيوف واقبلوا بها إليه إمامهم خالد بن الوليد وثب علي فهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل وأخذ سيف خالد وشد عليهم به فأجفلوا إمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار وبصروه فإذا هو علي فقالوا إنا لم نردك فما فعل صاحبك قال لا علم لي به فأذكت قريش عليه العيون وركبت في طلبه الصعب والذلول وأمر الله العنكبوت فنسجت على باب الغار وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار وباضتا فلما قربوا منه قال بعضهم أن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد ورأى أولهم الحمامتين فرجعوا وأمهل علي حتى إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين فقال صاحبه قد أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين فقال أني لا آخذهما ولا إحداهما إلا بالثمن قال فهما لك بذلك فأمر عليا فاقبضه الثمن (هذه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي بسنده في أماليه وكذا جل ما في هذه القصة) وروى ابن سعد في الطبقات إنه قال فخذ بأبي أنت وأمي إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن وكان أبو بكر اشتراهما بثماني مائة درهم من نعم بني قشير فأخذ إحداهما وهي القصواء. وروى ابن هشام عن ابن إسحاق إنه قال له أني لا أركب بعيرا ليس لي فأخذها بثمنها الذي ابتاعها به (وسئل) ابن أبي رافع أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد ما ينفقه هكذا فقال أين يذهب بك عن مال خديجة وكان صلى الله عليه وسلم يفك من مالها الغارم والأسير ويحمل العاجز ويعطي في النائبة ويعطي فقراء أصحابه إذ كان بمكة ويحمل من أراد منهم الهجرة وكانت طائفة من العير في رحلتي الشتاء والصيف لخديجة وكانت أكثر قريش مالا وكان ينفق من مالها ما شاء في حياتها وورثها هو وولدها بعد مماتها.

ثم وصى عليا عليه السلام بحفظ ذمته وأداء أمانته وكانت قريش تدعو محمدا صلى الله عليه وسلم في الجاهلية الأمين وتودعه أموالها وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم وجاءته النبوة والأمر كذلك فأمر عليا أن يقيم مناديا بالأبطح غدوة وعشية إلا من كانت له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدى إليه أمانته وقال إنهم لن يصلوا إليك بما تكرهه حتى تقدم علي فاد أمانتي على أعين الناس ظاهرا واني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أراد الهجرة معه من بني هاشم وغيرهم وقال له إذا قضيت ما امرتك فكن على اهبة الهجرة إلى الله ورسوله وانتظر قدوم كتابي إليك ولا تلبث بعده وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاث ليال وفي ذلك يقول علي عليه السلام شعرا:

ثم استأجروا دليلا من بني الدئل هاديا خريتا يقال له عبد الله بن أريقط الليثي وهو على الكفر ولكنهما آمناه فلما مضت الثلاث اتاهما الدليل ببعيريهما وبعير له واتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما في جراب ونسيت أن تجعل لها عصاما فحلت نطاقها وجعلته عصاما وعلقتها به فسميت ذات النطاق وقيل قطعت منه قطعة أوكت بها الجراب وأخرى جعلتها عصاما وقيل شقت نطاقها باثنين فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر فسميت ذات النطاقين ثم ارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة غلام أبي بكر أردفه خلفه ودليلهم وأخذ بهم الدليل على طريق السواحل وجعلت قريش مائة ناقة لمن رده عليهم وأرسلت إلى أهل السواحل أن من قتله أو أسره فله مائة ناقة، ومروا بخيمتي أم معبد الخزاعية واسمها عاتكة وكان منزلها بقديد فسألوها تمرا أو لحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وإذا القوم مرملون مسنتون فقالت والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر صلى الله عليه وسلم إلى الشاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن احلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي أن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها فمسح ضرعها وسمى الله وقال اللهم بارك لها في شاتها فتفاحجت أو فتفاحت ودرت واجترت فدعا بإناء كبير فحلب فيه فسقاها وسقى أصحابه حتى رويت ورووا وشرب آخرا وقال ساقي القوم آخرهم ثم حلب فيه ثانيا حتى امتلأ وتركه عندها وارتحلوا فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد قيل اسمه أكثم بالمثلثة وقيل خنيس وقيل عبد الله يسوق أعنزا حيلا عجافا فلما رأى اللبن عجب وقال من أين لكم هذا ولا حلوبة في البيت قالت لا والله إلا إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال أني لأراه صاحب قريش الذي يطلب صفيه لي فوصفته له ثم هاجرت أم معبد وأسلمت ويقال بل أسلمت يومئذ وبايعت وهاجر زوجها وأسلم وفي ذلك يقول الشاعر:

وقال حسان بن ثابت مجيبا له من أبيات:

ولم يزل صلى الله عليه وسلم سائرا حتى قارب المدينة فقال من يدلنا على الطريق إلى بني عمرو بن عوف فلا يقرب المدينة فنزل فيهم بقبا لإحدى عشرة أو لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وكان التاريخ من ذلك اليوم ثم رد إلى المحرم وأراده صاحبه على دخول المدينة فقال ما إنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي يعني عليا وفاطمة وكان المسلمون من المهاجرين والأنصار يغدون كل يوم إلى حرة العصبة يتحينون قدومه فإذا علت الشمس عادوا إلى منازلهم فلما كان يوم قدومه رآه يهودي فأخبرهم فسمعت الرجة في بني عمرو بن عوف والتكبير ويقال إنه استقبله من الأنصار زهاء خمسمائة فمال بهم إلى قبا.

ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي مع أبي واقد الليثي يأمره بالمسير إليه وكان قد أدى أماناته وفعل ما أوصاه به فلما أتاه الكتاب ابتاع ركائب وتهيأ للخروج وأمر من كان معه من ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا ليلا إلى ذي طوى وخرج علي عليه السلام بالفواطم: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وزاد بعض المؤرخين فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وتبعهم أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو واقد الليثي فجعل أبو واقد يسوق بالرواحل سوقا حثيثا فقال علي عليه السلام أرفق بالنسوة يا أبا واقد إنهن من الضعائف ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يقول:

فلما قارب ضجنان أدركه الطلب وهم ثمانية فرسان ملثمون معهم مولى لحرب بن أمية اسمه جناح فقال علي عليه السلام لأيمن وأبي واقد أنيخا الإبل واعقلاها وتقدم فأنزل النسوة ودنا القوم فاستقبلهم علي عليه السلام منتضيا سيفه فقالوا ظننت انك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا أبا لك قال فإن لم افعل قالوا لترجعن راغما أو لنرجعن بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك ودنوا من المطايا ليثوروها فحال علي عليه السلام بينهم وبينها فاهوى له جناح بسيفه فراع عن ضربته وضرب جناحا على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى كتف فرسه والظاهر أن جناحا لما اهوى له بالسيف انحنى لأن ألفارس لا يمكنه أن يضرب الراجل إلا وهو منحن فضربه علي وهو منحن على عاتقه ولو لم يكن منحنيا لم تصل ضربته إلى عاتقه وشد على أصحابه وهو على قدميه شدة ضيغم وهو يقول:

فتفرق القوم عنه وقالوا: احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب قال: -فإني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن سره أن أفري لحمه وأريق دمه فليدن مني ثم اقبل على أيمن وأبي واقد وقال لهما: أطلقا مطاياكما ثم سار ظافرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلبث بها يومه وليلته ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين فيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات ليلته تلك هو والفواطم طورا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لا يفتر عن ذكر الله هو ومن معه حتى قدموا المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما و قعودا وعلى جنوبهم} (إلى قوله) {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} وتلا صلى الله عليه وسلم {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}. وفي سيرة ابن هشام أقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع ثم لحق به بقبا فأقام بها ليلة أو ليلتين وفي السيرة الحلبية عن الإمتاع: لما قدم علي عليه السلام من مكة كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبا الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجده وخرج يوم الجمعة. وقيل مكث أربع عشرة ليلة ولعله الأقرب إلى الاعتبار وركب ناقته وحشد المسلمون حوله عن يمينه وشماله بالسلاح وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن وادي رانوناء ومعه مائة من المسلمين فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة وأراده بنو سالم بن عوف على الإقامة عندهم في العدد والعدة والمنعة، فقال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة لناقته وجعل كلما مر بحي من أحياء الأنصار يدعونه للإقامة عندهم في العدد والعدة والمنعة فيجيبهم بمثل ذلك حتى بركت على باب مسجده وهو يومئذ مربد ليتيمين وهما سهل وسهيل أبناء عمرو في حجر معاذ بن عفراء فجعل الناس يكلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في النزول عليهم فاحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع رحله ونزل عليه وسال عن المربد فأخبره معاذ بخبره وقال سأرضي صاحبيه فاتخذه مسجدا فأمر أن يبنى مسجدا وكان في موضعه قبور للمشركين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فنبضت عظامها وألقيت وبني المسجد في موضعها وعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار وقال قائلهم:

قال ابن هشام في سيرته: وارتجز علي بن أبي طالب يومئذ:

#ومن يرى عن الغبار حائدا

فأخذهما عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه إنما يعرض به فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن ابن إسحاق وقد سمى ابن إسحاق الرجل فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله أني لأراني سأعرض هذه العصا لانفك وفي يده عصا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. أن عمارا جلدة ما بين عيني وانفي الحديث وما في السيرة الحلبية: من أن الرجل الذي ظن أن عمارا يعرض به هو عثمان بن مظعون غير صحيح ولو كان هو لما كتم ابن هشام اسمه واقتصر على قوله: وقد سمى ابن إسحاق الرجل بل هو ممن يحتشم من التصريح باسمه وكان لابسا ثيابا بيضا ويحيد عن الغبار. فبنى حائطه أولا بالحجارة ثم باللبن إلى أن جعل بقدر قامة وجعل له سواري من جذوع النخل وجعل فوقها عريش وبنى بجانبه مساكن له ولأصحابه وأقام في منزل أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى مسجده ومساكنه وما في طبقات ابن سعد: انه صلى الله عليه وسلم بعث من منزل أبي أيوب، زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجته مخالف لما عليه عامة الرواة وللاعتبار وبقي في المدينة عشر سنين ثم قبض صلى الله عليه وسلم .

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة

قد عرفت إنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين قبل الهجرة وآخى بين علي ونفسه عليه السلام ثم إنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة وفي رواية ابن سعد في الطبقات إنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين بعضهم لبعض وآخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمواساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام قال وكانوا تسعين رجلا خمسة وأربعون من المهاجرين وخمسة وأربعون من الأنصار ويقال كانوا مائة خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار فلما كانت وقعة بدر وانزل الله تعالى {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض}

فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة في الميراث ورجع كل أنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه ويظهر أن هذه المؤاخاة كانت أولا بين مهاجري ومهاجري ثم بين المسلمين عموما فقد تكون بين مهاجري ومهاجري وبين مهاجري وأنصاري وبين أنصاري وأنصاري ففي السيرة الحلبية إنه آخى بعد الهجرة بين أبي بكر وعمر وبين أبي بكر وخارجة بن زيد وبين عمر وعتبان بن مالك وبين أبي رويم الخثعمي وبلال وبين أسيد بن حضير وزيد بن حارثة وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين جعفر بن أبي طالب وهو غائب بالحبشة ومعاذ بن جبل وبين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمر وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين سلمان وأبي الدرداء قال ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أخوين. قال وفي رواية لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخي في الدنيا والآخرة وفي ذلك يقول أبو تمام:

وعن ابن إسحاق آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال تآخوا في الله أخوين وهذا من أقوى السياسات الإسلامية وجاء في القرآن الكريم إنما المؤمنون أخوة بصيغة الحصر.

وقد ذكر الدكتور محمد حسين هيكل خبر المؤاخاة في كتابه (حياة محمد صلى الله عليه وسلم) فقال كان أول ما انصرف إليه تفكيره صلى الله عليه وسلم تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم للقضاء على كل شبهة في أن تثور العداوة القديمة بينهم ولتحقيق هذه الغاية دعا المسلمين ليتأخوا في الله أخوين أخوين فكان هو وعلي بن أبي طالب أخوين وعمه حمزة ومولاه زيد أخوين وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الخزرجي أخوين فتراه كيف ذكر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي كأمر عادي لا يزيد على المؤاخاة بين باقي الصحابة بعضهم مع بعض ولم يشر إلى ما في هذه المؤاخاة من مغزى كما هو مبنى كتابه ولا أعارها جانبا من الأهمية وتركها غفلا كسائر الأمور العادية وهي أولى بان تكون رمزا إلى الميزة على سائر الناس وانه لا كفؤ لمؤاخاته سواه وإلى الوزارة التي أثبتها قبل ذلك بقليل لغيره.

الأذان والإقامة

في السيرة الحلبية وغيرها إنه في السنة الأولى من الهجرة شرع الأذان والإقامة وفيها عن الموطأ أن المؤذن جاء عمر يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما فقال الصلاة خير من النوم فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح. وفي السيرة الحلبية أيضا: نقل عن ابن عمر وعن علي بن الحسين إنهما كانا يقولان في أذانهما بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل وروى البيهقي في سننه بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن الحسين كان يقول في أذانه إذا قال حي على الفلاح: حي على خير العمل ويقول هو الأذان الأول ونقل في الروض عن التحرير بعدة أسانيد في مسند ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر إنه كان يقول في أذانه حي على خير العمل وروى البيهقي عن عبد الله بن عمر مثله بعدة أسانيد وروى المحب الطبري الشافعي في كتاب أحكام الأحكام عن صدقة بن يسار عن سهل بن حنيف إنه كان إذا أذن قال حي على خير العمل. وحكى في الروض النضير عن سعد الدين التفتازاني في حاشية شرح العضد على مختصر الأصول أن حي على خير العمل كان ثابتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان عمر هو الذي أمر أن يكف الناس عن ذلك مخافة أن يثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا على الصلاة وما في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام من أن سبب وضع الآذان و الإقامة رؤيا رآها بعض الأنصار باطل لا يلتفت إليه فان الأحكام الشرعية ما كان يشرعها صلى الله عليه وسلم بالمنامات أن هو إلا وحي يوحى. وفي السيرة الحلبية عن محمد بن الحنفية إنكار ذلك أشد الإنكار.

تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة

وذلك بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة

روى ابن سعد في الطبقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ولما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يحب أن يصرف إلى الكعبة وجعل إذا صلى إلى بيت المقدس يرفع رأسه إلى السماء فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} (الآية) وكان قد صلى ركعتين من الظهر في مسجده ثم أمر أن يوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ودار معه المسلمون ويقال بل كان ذلك في بني سليم فسمي المسجد مسجد القبلتين.

وفادات العرب على رسول الله

جعلت قبائل العرب بعد ظهور الإسلام ترسل وفودها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمئات والعشرات والجماعة والآحاد بعضها مسلمة وبعضها على شركها فمنها من يسلم فورا ومنها بعد مدة ومنها يبقى على شركه وهو القليل ومن يسلم يعود إلى قومه فيسلمون كلهم أو بعضهم أو يبقون على شركهم ومنهم من يبايع على قومه ولهم أخبار حسان يعرف منها كثير من أخلاق العرب وعاداتهم ووفائهم ويعرف من سيرته صلى الله عليه وسلم معهم فضيلة الإسلام وشيء كثير من السياسة الإسلامية الباهرة التي أوجبت انتشار الإسلام بسرعة فيهم وفي غيرهم فكان صلى الله عليه وسلم يكرمهم ويوسع لرؤسائهم في المجالس ويجلسهم بجانبه ويؤنسهم بالحديث ويسألهم عن أهاليهم وبلادهم ويغير أسماءهم بأحسن كعبد العزى بعبد الله وغوي براشد ويدعو لهم ويحلم عن جاهلهم ويعفو عن مسيئهم ويطلق لهم أسراهم ويضيف كثيرا منهم ويعطيهم الجوائز ويتألفهم مهما أمكن ويزجر من تعدى طوره منهم بما يخالف الشريعة الإسلامية ويأمر من يرسله لقبض زكاتهم أن يأخذها من أغنيائهم فيردها على فقرائهم وقد ذكرهم وذكر أخبارهم محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير مسندة مفصلة واكتفينا هنا بالإشارة الإجمالية إلى أكثرهم وذكر شيء من أخبارهم مما فيه عظة وعبرة وفوائد جلى مع حذف الأسانيد خوفامن التطويل وأشرنا إلى بعض ما في تلك الأخبار من الفوائد والعبر وتركنا ذكر البعض ممن ذكره ابن سعد.

أما سرد الوفود التي ذكرها محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير وذكر أخبارها مفصلة مسندة فهي: وفد مزينة. وفد أسد. وفد تميم. وفد عبس. وفد فزارة. وفد مرة. وفد ثعلبة. وفد محارب. وفد سعد بن بكر. وفد كلاب. وفد رؤاس بن كلاب. وفد عقيل بن كعب. وفد جعدة. وفد قشير بن كعب. وفد بني البكاء. وفد كنانة. وفد أشجع. وفد باهلة. وفد سليم. وفد هلال بن عامر. وفد عامر بن صعصعة. وفد ثقيف وفود ربيعة وفد عبد القيس. وفد بكر بن وائل. وفد تغلب. وفد حنيفة. وفد شيبان (وفادات أهل اليمن). وفد طئ. وفد تجيب. وفد خولان. وفد جعفي. وفد صداء. وفد مراد. وفد زبيد. وفد كندة. وفد الصدف. وفد خشين. وفد سعد هذيم. وفد بلي. وفد بهراء. وفد عذرة. وفد سلامان. وفد جهينة. وفد كلب. وفد جرم. وفد الأزد. وفد غسان. وفد الحارث بن كعب. وفد همدان. وفد سعد العشيرة. وفد عنس. وفد الداربين. وفد الرهاويين حي من مذحج وفد غامد. وفد النخع. وفد بجيلة. وفد خثعم. وفد الأشعرين. وفد حضرموت. وفد أزد عمان. وفد غافق. وفد بارق. وفد دوس. وفد ثمالة والحدان. وفد أسلم. وفد جذام. وفد مهرة. وفد حمير. وفد نجران. وفد حيشان. وفد السباع. أما ما اخترناه من أخبار أكثرهم من طبقات ابن سعد بحذف الأسانيد.

(فأول) من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد مزينة سنة خمس. أربعمائة رجل فقال لهم أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم فرجعوا إلى بلادهم. وفيه من الحكمة وحسن السياسة ما لا يخفى وبايعه رجل منهم اسمه خزاعي على قومه فلم يجدهم كما ظن فلم يرجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان أذكر خزاعيا ولا تهجه فقال أبياتا أولها:

فقال يا قوم قد خصكم شاعر الرجل فاسلموا وفيه من الدعاء إلى سبيل الله بالحكمة ومن مزية الشعر ما هو ظاهر.

ووفد جهينة لما قدم المدينة وفيهم عبد العزى بن بدر فسماه عبد الله وأخوه لأمه أبو روعة فقال له رعت العدو وقال من أنتم قالوا بنو غيان قال أنتم بنو رشدان وكان اسم واديهم غوى فسماه رشدا وخط لهم مسجدهم وهو أول مسجد خط بالمدينة.

ووافد بني سعد بن بكر: في رجب سنة خمس أرسلوا وافدا إليه صلى الله عليه وسلم فأغلظ في المسألة سأله عمن أرسله وبما أرسله وعن شرائع الإسلام فأجابه عن ذلك كله فرجع مسلما فما أمسى في حاضره رجلا ولا أمراة إلا مسلما وبنوا المساجد وأذنوا.

ووفد أشجع سنة خمس، مائة وقيل سبعمائة وقيل بعد ما فرع من بني قريظة نزلوا شعب سلع فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر لهم بأحمال التمر ووادعهم ثم أسلموا.

ووفد ثعلبة سنة ثمان. أربعة نفر فأمر لهم بضيافة وأجازهم.

ووفد بني قشير بن كعب سنة ثمان بعد حنين فاسلموا فاقطع بعضهم وأعطي بعضهم وكساه بردا وولاه صدقات قومه واسمه قرة بن هبيرة فقال:

ووافد بأهلة بعد الفتح سنة ثمان فأسلم وأخذ لقومه أمانا وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه فرائض الصدقات وقدم عليه آخر منهم فأسلم وكتب له ولمن أسلم من قومه كتابا فيه شرائع الإسلام.

ووفد أسد أول سنة تسع وكانوا عشرة قال له بعضهم: أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء ولم تبعث إلينا بعثا فنزل فيهم: يمنون عليك أن أسلموا. ووفد تميم سنة تسع. تسعون أو ثمانون من رؤسائهم فيهم عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم والأقرع بن حابس وعمرو بن الأهتم وغيرهم وكان صلى الله عليه وسلم أرسل رجلا على صدقات بني كعب من خزاعة فاستنكر ذلك بنو تميم وأرادوا المحاربة فقدم المصدق على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل إليهم خمسين فارسا من العرب فأسروا منهم وسبوا فجاء رؤساؤهم إليه صلى الله عليه وسلم في فكاك أسراهم فنادوا يا محمد اخرج إلينا فنزلت: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} فقال الأقرع بن حابس يا محمد ائذن لي فوالله أن مدحي لزين وان ذمي لشين فقال كذبت ذاك الله تبارك وتعالى وخطب خطيبهم عطارد بن حاجب فقال صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أجبه فأجابه ثم قالوا يا محمد ائذن لشاعرنا فإذن له فقام الزبرقان بن بدر فانشد فقال صلى الله عليه وسلم لحسان أجبه فأجابه فقالوا والله لخطيبه أبلغ من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وهم أحلم منا وقال صلى الله عليه وسلم في قيس بن عاصم هذا سيد أهل الوبر ورد عليهم الاسرى والسبي وأجازهم.

ووفد عبس تسعة قالوا له أخبرنا قراؤنا إنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش هي معاشنا فإن كان كذلك بعناها وهاجرنا فقال صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئا" وسألهم عن خالد بن سنان فقالوا "لا عقب له" فقال نبي ضيعه قومه.

ووفد فزارة سنة تسع. بضعة عشر رجلا سال صلى الله عليه وسلم وفد بني فزارة عن بلادهم فقال أحدهم أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جنابنا وغرث عيالنا فادع لنا ربك فدعا لهم فسقوا.

ووفد مرة سنة تسع. ثلاثة عشر رجلا سال صلى الله عليه وسلم رأس وفد مرة أين ترك أهله فأخبره قال وكيف البلاد قال والله إنا لمسنتون فادع الله لنا فدعا لهم فسقوا.

ووفد محارب سنة عشر. عشرة نفر فأنزلهم دار رملة بنت الحارث وأضافهم فاسلموا وتكلفوا إسلام من وراءهم فأجازهم.

ووفد كلاب سنة تسع. ثلاثة عشر رجلا فأنزلهم دار رملة بنت الحارث ورحب بهم كعب بن مالك أحد الصحابة وذهب معهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه بسلام الإسلام وأخبروه أن الذي أرسله إليهم سار فيهم بالكتاب والسنة كما أمره وأخذ الصدقة من أغنيائهم فردها على فقرائهم.

ووافد بني رؤاس بن كلاب واسمه عمرو بن مالك جاءه صلى الله عليه وسلم فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام فقالوا حتى نصيب ثأرنا من بني فلان فحاربوهم وقتل عمرو رجلا منهم ثم ندم وغل يده إلى عنقه وخرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم فاتاه عن يمينه فاعرض عنه فاتاه عن يساره فاعرض عنه فاتاه من قبل وجهه وقال يا رسول الله أن الرب ليرتضي فيرضى فارض عني رضي الله عنك قال: قد رضيت عنك.

ووفد عقيل بن كعب سبعة في عدة دفعات منهم ثلاثة فبايعوا واسلموا وبايعوه عمن وراءهم من قومهم فأعطاهم العقيق أرضا فيها عيون ونخل وكتب لهم به كتابا في أديم احمر ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا وأطاعوا ولم يعطهم حقا لمسلم ووفد عليه منهم لقيط بن عامر فأعطاه ماء يقال له النظيم وبايعه على قومه. وقدم عليه منهم أبو حرب بن خويلد فقرأ عليه القرآن فقال أما أيم الله لقد لقيت الله أو لقيت من لقيه وانك لتقول قولا لا نحسن مثله وضرب قداحه على الإسلام والكفر فخرج عليه سهم الكفر وقدم أخوه عقال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فقال أشهد أن هبيرة ابن النفاضة نعم ألفارس يوم كذا ثم قال أتشهد أن محمدا رسول الله فقال أشهد أن الصريح تحت الرغوة ثم قال له الثالثة فأسلم. فيه فضل الحلم وعدم اليأس.

ووفد بني البكاء سنة تسع. ثلاثة نفر فأمر لهم بمنزل وضيافة وأجازهم وقال له أحدهم وعمره مائة سنة أني أتبرك بمسك وابني هذا بربي فامسح وجهه ففعل وأعطي الابن أعنزا عفرا وبرك عليهن فقال حفيده من أبيات:

ووفد كنانة وفد عليه صلى الله عليه وسلم واثلة بن الأسقع الليثي من بني كنانة وهو يتجهز إلى تبوك فقال اتيتك لأؤمن بالله ورسوله فبايع على ما أحببت وكرهت فبايعه ورجع إلى أهله فأخبرهم فحلف أبوه لا يكلمه وأسلمت أخته وجهزته فرجع فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى تبوك فقال من يحملني وله سهمي فحمله رجل وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من بعث إلى أكيدر فغنم وجاء بسهمه للذي حمله فأبى أن يأخذه وقال إنما حملتك لله.

ووفد سليم قدم عليه صلى الله عليه وسلم قيس بن نسيبة من بني سليم وسأله عما شاء فاجابه ودعاه إلى الإسلام فأسلم ورجع إلى قومه فقال لهم قد سمعت ترجمة الروم وهينمة فارس وأشعار العرب وكهنة الكاهن وكلام مقاول حمير فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم فلما كان عام الفتح خرج منهم سبعمائة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه بقديد واسلموا وكانوا في مقدمته. وأعطى راشد بن عبد ربه أرضا يقال لها رهاط فيها عين يقال لها عين الرسول. وكان راشد يسدن صنما لبني سليم فرأس ثعلبين يبولان عليه فقال:

ثم شد عليه فكسره واتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما اسمك فقال غاوي بن عبد العزى فقال أنت راشد بن عبد ربه فأسلم.

ووفد عليه صلى الله عليه وسلم منهم قدر بن عمار فأسلم وعاهده أن يأتيه بألف منهم على الخيل فخرج معه تسعمائة وخلف مائة في الحي فمات في الطريق فأمر على كل ثلثمائة أميرا وقال ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد الذي في عنقي فسألهم صلى الله عليه وسلم عن المائة العاشرة فقالوا خلفها في الحي مخافة حرب كان بيننا وبين كنانة فقال ابعثوا إليها فلا باس عليكم فبعثوا إليها فجاءت.

ووفد هلال بن عامر وفد عليه صلى الله عليه وسلم قبيصة بن المخارق من بني هلال بن عامر فقال أني حملت عن قومي حمالة فأعني فيها قال هي لك في الصدقات أن جاءت. ووفد عليه منهم زياد بن عبد الله وهو شاب وكانت ميمونة بنت الحارث زوجة النبي صلى الله عليه وسلم خالته فأمه غرة بنت الحارث فلما رآه صلى الله عليه وسلم عندها غضب ورجع فقالت هذا ابن أختي فرجع وأخذه معه إلى المسجد ودعا له ومسح على رأسه ووجهه إلى طرف انفه فقال بعض الشعراء في ابنه علي:

ووفد عامر بن صعصعة فسلموا عليه فقال من أنتم قالوا بنو عامر بن صعصعة قال مرحبا بكم أنتم مني وأنا منكم. وهذا حسن خلق لا مثيل له وكان فيهم عامر بن الطفيل فقال يا محمد ما لي أن أسلمت قال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال أتجعل لي الأمر من بعدك قال ليس ذلك لك قال أفتجعل لي الوبر ولك المدر قال لا ولكني أجعل لك أعنة الخيل فإنك امرؤ فارس قال أوليست لي لأملأنها عليك خيلا ورجالا فدعا عليه فهلك، أصابه داء في رقبته فمال إلى بيت أمراة من سلول. وقال غدة كغدة البكر وموت في بيت سلولية: طلب ما لا يمكن فلم يجبه صلى الله عليه وسلم ولم يؤيسه بل عرض عليه ما هو قريب من مطلوبه ومن الغاية التي يتوخاها وهي الرياسة بان يكون أمير الجيش وذلك سياسة كبرى وحكمة بالغة. وفيهم أيضا عبد الله بن الشخير فقال يا رسول الله أنت سيدنا وذو الطول علينا فقال "السيد الله لا يستهوينكم الشيطان". هذا تواضع منه صلى الله عليه وسلم . وقدم عليه منهم علقمة بن علاثة وعمر جالس إلى جانب النبي فقال له صلى الله عليه وسلم : "أوسع لعلقمة" فأوسع له فجلس إلى جنبه صلى الله عليه وسلم فقص عليه شرائع الإسلام وقرأ عليه قرآنا فقال يا محمد أن ربك لكريم وقد آمنت بك. ولعل احترامه وإجلاسه له إلى جانبه كان معينا على إسلامه.

وجاء رجلان من ثقيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن مالك بن عوف وقال خبروه إنه أن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل فقدم عليه فأعطاه ذلك. وجاءه صلى الله عليه وسلم وفد منهم سبعون رجلا وقيل بضعة عشر رجلا فنزل بعضهم على المغيرة بن شعبة وبعضهم ضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد فكان يأتيهم كل ليلة بعد العشاء فيقف عليهم ويحدثهم ثم علموا القرآن واستعفت ثقيف من هدم اللات والعزى فأعفاهم.

ووفد عبد القيس كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين أن يقدم عليه عشرون رجلا منهم فقدموا وهم من عبد القيس من ربيعة فقيل: يا رسول الله هؤلاء وفد عبد القيس قال مرحبا بهم نعم القوم عبد القيس اللهم اغفر لعبد القيس اتوني لا يسألوني مالا هم خير أهل المشرق ورئيسهم عبد الله بن عوف الأشبح وكان دميما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه قلبه ولسانه" وقال له "فيك خصلتان يحبهما الله الحلم والأناة" وأنزلهم في دار رملة بنت الحارث وكان ينزل فيها الوفود واجرى عليهم ضيافة وأقاموا عشرة أيام وكان عبد الله الأشبح يسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفقه والقرآن وأمر لهم بجوائز وفضل عبد الله فأعطاه اثنتي عشرة أوقية ونشأ.

ووفد بكر بن وائل فقال له رجل منهم هل تعرف قس بن ساعدة فقال صلى الله عليه وسلم ليس هو منكم هذا رجل من إياد تحنف في الجاهلية فوافى عكاظ والناس مجتمعون فيكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه.

ووفد تغلب ستة عشر رجلا قدموا عليه صلى الله عليه وسلم مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب فصالح النصارى على أن يقرهم على دينهم على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية وأجاز المسلمين بجوائزهم. ووفد بني حنيفة بضعة عشر رجلا فيهم مسيلمة بن حبيب الذي تنبأ فانزلوا دار رملة بنت الحارث وأجريت عليهم ضيافة فكانوا يؤتون بغداء وعشاء مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا ومرة خبزا وسمنا ومرة تمرا نثر لهم فاسلموا وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز.

ووفد شيبان وفد عليه صلى الله عليه وسلم حرملة بن عبد الله من بني كعب من بلعنبر من بني شيبان فقال يا رسول الله ما تأمرني أن أعمل فقال "ائت المعروف واجتنب المنكر" وانصرف ثم رجع وقال يا رسول الله ما تأمرني أن أعمل قال "ائت المعروف واجتنب المنكر وانظر الذي تحب أذنك إذا قمت من عند القوم أن يقولوه لك فائته والذي تكره أن يقولوه لك إذا قمت من عندهم فأجتنبه".

ووفد طئ خمسة عشر رجلا رأسهم زيد الخيل بن مهلهل من بني نبهان فاسلموا وأجازهم بخمس أواق فضة كل واحد وأعطى زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية ونشأ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ذكر لي رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا زيدا فإنه لم يبلغ كل ما فيه وسماه زيد الخير وقطع له فيدا وأرضين".

ووفد نجيب سنة تسع. ثلاثة عشر رجلا ساقوا معهم صدقات أموالهم المفروضة فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقال مرحبا بكم وأكرم منزلهم وحباهم وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم وجوائزهم وأعطاهم أكثر مما كان يجيز به الوفد وقال "هل بقي منكم أحد" قالوا غلام خلفناه على رحالنا فأرسلوه فقال اقض حاجتي قال "وما حاجتك" قال تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فدعا له بذلك وأمر له بمثل ما أمر به لأحدهم.

ووفد مراد وفد عليه صلى الله عليه وسلم منهم فروة بن مسيك المرادي فنزل على سعد بن عبادة وكان يتعلم القرآن وفرائض الإسلام وشرائعه وأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنتي عشرة أوقية وحمله على بعير نجيب وأعطاه حلة من نسيج عمان واستعمله على مراد وزبيد ومذحج وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقات وكتب له كتابا فيه فرائض الصدقة ولم يزل على الصدقة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ووفد سعد هذيم أسلموا وبايعوا فأمر بهم فانزلوا وضيفهم ثلاثا ثم جاءوا يودعونه فقال أمروا عليكم أحدكم وأمر بلالا فأجازهم بآواق من فضة ورجعوا إلى قومهم فأسلموا.

ووفد بلي في ربيع الأول سنة تسع فانزلهم رويفع بن ثابت البلوي في منزله ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا وسألوه عن الضيافة وعن أشياء من أمر دينهم فأجابهم واتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل تمر وقال استعن بهذا التمر فكانوا يأكلون منه ومن غيره وأمر لهم بجوائز لما ودعوه.

ووفد بهراء من اليمن ثلاثة عشر رجلا فانتهوا إلى باب المقداد بن عمرو فرحب بهم وأنزلهم وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا وتعلموا الفرائض وأمر صلى الله عليه وسلم لهم بجوائزهم لما ودعوه.

ووفد عذرة سنة تسع، اثنا عشر رجلا فنزلوا دار رملة بنت الحارث النجارية وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا بسلام الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم "مرحبا بكم وأهلا ما منعكم من تحية الإسلام" قالوا قدمنا مرتادين وسألوا عن أشياء من أمر دينهم فأجابهم وأسلموا وأجازهم كما كان يجيز الوفد وكسا أحدهم بردا.

ووفد عليه صلى الله عليه وسلم رسول ملك حمير سنة تسع بكتابهم وإسلامهم فأمر بلالا أن ينزله ويكرمه ويضيفه وكتب إليه جواب كتابهم.

ووفد سلامان سبعة. سنة عشر فقالوا السلام عليك يا رسول الله فقال "وعليكم من أنتم" قالوا من سلامان قدمنا لنبايعك على الإسلام ونحن على من وراءنا من قومنا فقال لغلامه ثوبان "أنزلهم حيث ينزل الوفد" وسألوه عن أمر الصلاة وشرائع الإسلام والرقى واسلموا وأعطى كل واحد منهم خمس أواق.

ووفد خولان في شعبان سنة عشر وهم عشرة فسألوه عن أشياء من أمر دينهم وأمر من يعلمهم القرآن والسنن وانزلوا دار رملة بنت الحارث وأمر بضيافة فأجريت عليهم وأمر لهم بجوائز اثنتي عشرة أوقية ونش.

ووفد جرم فقالوا له من يصلي بنا فقال ليصل بكم أكثركم جمعا أو أخذا للقرآن. ووفد الأزد فاسلموا فقال: "مرحبا بكم أحسن الناس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة أنتم مني وأنا منكم" وجعل شعارهم مبرورا.

ووفد غسان سنة عشر. ثلاثة نفر فنزلوا دار رملة بنت الحارث وأسلموا وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز وقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم فكتموا إسلامهم. ووفد همدان وفدوا عليه صلى الله عليه وسلم وعليهم مقطعات الحبرة مكففة بالديباج فقال نعم الحي همدان ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد ومنهم أبدال وأوتاد الإسلام فأسلموا.

ووفد الرهاويين حي من مذحج سنة عشر. خمسة عشر رجلا فنزلوا دار رملة بنت الحارث فأتاهم صلى الله عليه وسلم فتحدث عندهم طويلاص وأهدوا له هدايا منها فرس يقال له المرواح وأمر به فشور بين يديه فأعجبه فاسلموا وتعلموا القرآن والفرائض وأجازهم كما يجيز الوفد ارفعهم اثنتا عشرة أوقية ونش واخفضهم خمس أواق. ووفد غامد عشرة نزلوا ببقيع الغرقد ثم لبسوا من صالح ثيابهم وانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلموا وكتب لهم كتابا فيه شرائع الإسلام واتوا أبي بن كعب فعلمهم قرآنا وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجيز الوفد.

ووفد النخع رجلان بعثهما قومهما إليه صلى الله عليه وسلم وافدين بإسلامهم فبرابعاه على قومهما فاعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنهما وحسن هيئتهما فقال هل "وراءكما من قومكما مثلكما" قالا يا رسول الله قد خلفنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا فقال "اللهم بارك في النخع".

وقدم عليه وفد النخع من اليمن سنة إحدى عشرة وهم مائتا رجل فنزلوا دار رملة بنت الحارث وهم آخر من قدم من الوفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا مقرين بالإسلام وكانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن.

ووفد حضرموت قدموا مع وفد كندة وهم ملوك حضرموت فمنهم وائل بن حجر الحضرمي من ملوك حضرموت وقال جئت راغبا في الإسلام والهجرة فدعا له ونودي الصلاة جامعة سرورا بقدومه قال ابن سعد وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان أن ينزله فمشى معه ووائل راكب فقال له معاوية الق إلي نعلك قال لا لأني لم أكن لألبسها وقد لبستها قال فأردفني قال لست من أرادف الملوك قال أن الرمضاء قد أحرقت قدمي قال امش في ظل ناقتي كفاك به شرفا.

ووفد غافق فقالوا يا رسول الله نحن الكواهل من قومنا وقد أسلمنا وصدقاتنا محبوسة بأفنيتنا فقال: "لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم".

ووفد أسلم فقالوا قد آمنا بالله ورسوله واتبعنا منهاجك فقال صلى الله عليه وسلم "أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها" وكتب لهم كتابا فيه ذكر الصدقة والفرائض في المواشي. ووفد نجران كتب صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران فخرج إليه وفدهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى فيهم العاقب وهو عبد المسيح من كندة وهو أميرهم وهو الذي يصدرون عن رأيه وأبو الحارث بن علقمة من بني ربيعة وهو أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وأخواه كرز والسيد وهو صاحب رحلتهم فتقدمهم كرز وهو يقول:

#مخألفا دين النصارى دينها

ثم قدم الوفد بعده فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعوهم واعرض عنهم" ولم يكلمهم من أجل زيهم فجاءوا من الغد بزي الرهبان فسلموا عليه فرد عليهم ودعاهم إلى الإسلام فأبوا فدعاهم إلى المباهلة ثم صالحوه على جزية معينة ووقع بعد ذلك منهم ناس بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة. ويأتي خبر المباهلة مفصلا في أحوال أمير المؤمنين عليه السلام.

ووفد جيشان فسألوه عن أشربة تكون باليمن البتع من العسل والمرز من الشعير فقال "هل تسكرون منها" قالوا أن أكثرنا سكرنا قال "فحرام قليل ما أسكر كثيره وقال كل مسكر حرام".

كتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام

ننقلها من الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي وقد ننقل بعض الأخبار من السيرة الحلبية

روى ابن سعد في الطبقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وكتب إليهم كتبا، فقيل: يا رسول الله أن الملوك لا يقرأون كتابا إلا مختوما، فاتخذ يومئذ خاتما من فضة فصه منه نقشه ثلاثة أسطر: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع.

1- كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة:

فكان أول رسول بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن وكتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة سلام أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله واني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى.

2- كتابه إلى قيصر ملك الروم المدعو هرقل. أرسله مع دحية بن خليفة الكلبي وهو أحد الستة المتقدمة سنة سبع من الهجرة وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى الحارث ملك غسان، ليدفعه إلى قيصر. قال صاحب السيرة الحلبية: فأرسل الحارث معه عدي بن حاتم ليوصله إلى قيصر. وقال ابن أسعد: فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر وهو يومئذ بحمص ماش في نذر عليه أن ظهرت الروم على فارس أن يمشي من القسطنطينية إلى إيليا القدس فلما أخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتب العرب فدعا ترجمان العربية فقرأه فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإنما عليك إثم الكارين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.

وقال قيصر: انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه وكان أبو سفيان بغزة مع رجال من قريش في تجارة زمن هدنة الحديبية قال فأتانا رسول قيصر فانطلق بنا إليه وهو في بيت المقدس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه سلهم أيهم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم إنه نبي فقال أبو سفيان أنا فقال ما قرابتك منه قال ابن عمي قال ادن مني ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري وقال لهم إنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه إذا كذب قال أبو سفيان فوالله لولا الحياء أن يردوا علي لكذبت فصدقت وأنا كاره لبغضي إياه ومحبتي نقصه ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم قلت هو منا ذو نسب قال هل قال هذا القول أحد منكم قبله قلت لا قال هل كنتم تتهمونه بالكذب قلت لا قال هل كان من آبائه ملك قلت لا قال كيف عقله ورأيه قلت لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال فهل يزيدون أو ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه قلت لا قال فهل يغدر إذا عاهد قلت لا ونحن الآن منه في ذمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف حربكم وحربه قلت دول وسجال قال فما يأمركم به قلت أمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ويأمرنا بالصلاة والزكاة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة. فقال لترجمانه قل له أني سألتك عن نسبه فزعمت إنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت هو يأتم بقول قيل قبله وسألتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم إتباع الرسل لأن الغالب أن أتباع الرسل هم أهل الاستكانة وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت إنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا حصل به انشراح الصدور وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم وإن حربكم وحربه دول وسجال وكذلك الرسل تبتلي ثم تكون لهم العاقبة وسألتك ما ذا يأمركم به فزعمت أنه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فعلمت إنه نبي.

3- كتابه إلى كسرى ملك الفرس

أرسله مختوما مع عبد الله بن حذافة السهمي وهو أحد الستة المتقدمة وقيل مع غيره، فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله فإني إنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك أثم المجوس الذين هم أتباعك.

قال عبد الله: فأتيت إلى بابه وطلبت الأذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه فأخذه ومزقه.

4-كتابه إلى المقوقس ملك القبط واسمه جريح بن مينا أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي أحد الستة المتقدمة منصرفة من الحديبية وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإنما عليك أثم القبط ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. وختم الكتاب وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالإسكندرية فلما قرأه قال ما منعه أن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليهم فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم قال أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم وأكرم حاطبا وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين مارية أم إبراهيم وسيرين وبغلة بيضاء وهي دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن إنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وأهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم وقارب ووضع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له.

5- كتابه إلى الحارث بن أبي شمر الغساني:

أرسله إليه مع شجاع بن وهب الأسدي وهو أحد الستة المتقدمة وكان بغوطة دمشق مشغولا بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر وقد جاء من حمص إلى إيليا (بيت المقدس) ليفي نذره كما مر، وكان فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق واني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك. وختم الكتاب.

فقرأه ثم رمى به وقال: من ينزع مني ملكي أنا سائر إليه علي بالناس فلم يزل جالسا يعرض عليه العسكر حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال لي أخبر صاحبك بما ترى وكتب إلى قيصر بالخبر فكتب إليه أن لا تسر إليه وآله عنه فأمر لي حينئذ بمائة مثقال ذهب.

6- كتابه إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة:

أرسله مع سليط بن عمرو العامري وهو أحد الستة المتقدمة وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر فأسلم تسلم واجعل لك ما تحت يديك.

فسلمه سليط الكتاب مختوما وقرأه عليه فأكرم سليطا وأجازه وكساه وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر اتبعك فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو سألني سيابة أي قطعة من الأرض ما فعلت".

7-كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي في عمان باليمن:

وهما من الأزد والملك منهما جيفر أرسله مع عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما أني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وأنكما أن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرأ بالإسلام فان ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما وختم الكتاب.

قال عمرو فخرجت حتى انتهيت إلى عمان فعمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا فقلت أني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك فقال أخي المتقدم بالسن والملك وأنا أوصلك إليه ثم سأله عن أبيه العاص ما صنع ثم قال له في جملة كلامه فأخبرني ما الذي يأمر به وينهي عنه قلت يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب فقال ما أحسن هذا الذي يدعو إليه لو كان أخي يتبعني لآمنا به ولكنه أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا ثم ادخله على أخيه فدفع إليه الكتاب وقرأه ثم دفعه إلى أخيه فقرأه وجعل يسأله عن قريش ما صنعت ثم قال له أني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا إنا أضعف العرب أن ملكت رجلا ما في يدي قال عمرو فقلت أنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فأصبح وقد أسلم هو وأخوه وخليا بيني وبين الصدقة.

8- كتابه إلى المنذر بن ساوى العبدي بالبحرين:

كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أولا مع العلاء بن الحضرمي يدعوه إلى الإسلام والظاهر إنه كان على المجوسية ولم يذكر أحد نسخة ذلك الكتاب فقبح عنده العلاء دين المجوسية وكان فيما قال له لست بعديم عقل ولا رأي فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب في الدنيا أن لا نصدقه ولمن لا يخون أن لا نأتمنه ولمن لا يخلف أن لا نثق به فإن كان هذا هكذا فهذا هو النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهي عنه أو ما نهى عنه أمر به فأسلم وحسن إسلامه وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود فأحدث لي في ذلك أمرك فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم جواب كتابه مع العلاء بن الحضرمي يقول:

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وأنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وان رسلي قد اثنوا عليك خيرا واني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وانك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية.

حروبه وغزواته وسراياه

روى ابن سعد في الطبقات الكبير أن عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزاها بنفسه كانت سبعا وعشرين غزوة وسراياه التي بعث بها سبعا وأربعين سرية وما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات.

وفي السيرة الحلبية قال: أن المغازي سبع وعشرون ولكنه عدها ثمان وعشرين وهي:

1- واط

2- العشيرة

3- سفوان

4- بدر الكبرى

5- بني سليم

6- بني قينقاع

7- السويق

8- قرقرة الكدر

9- غطفان أو ذي أمر

10- بحران الحجاز

11- أحد

12- حمراء الأسد

13- بني النضير

14- ذات الرقاع

15- بدر الآخرة أو بدر الموعد

16- دومة الجندل

17- بني المصطلق أو المريسيع

18- الخندق

19- بني قريظة

20- بني لحيان

21- الحديبية

22- ذي قرد

23- خيبر

24- وادي القرى

25- عمرة القضاء

26- فتح مكة

27- حنين والطائف

28- تبوك.

وعدها بعضهم تسعا وعشرين وزاد في أولها غزوة ودان. وأما المغازي التسع فهي على ما في طبقات ابن سعد

1- بدر القتال

2- أحد

3- المريسيع

4- الخندق

5- قريظة

6- خيبر

7- فتح مكة

8- حنين

9- الطائف.

قال فهذا ما اجتمع لنا عليه وفي بعض رواياتهم إنه قاتل في بني النضير ووادي القرى والغابة.

غزوة ودان أو الأبواء

ودان بفتح الواو وتشديد الدال المهملة قرية جامعة من أعمال الفرع ويقال غزوة الأبواء وهما متقاربان في وادي الفرع بينهما ستة أميال وكانت في صفر لاثنتي عشرة ليلة مضت منه على رأس اثني عشر شهرا من مقدمة المدينة وهي أول غزواته صلى الله عليه وسلم بنفسه خرج في ستين راكبا من المهاجرين يريد عيرا لقريش فلم يلق كيدا ووادع في طريقه بني ضمرة وكتب بينه وبينهم كتابا وكانت غيبته خمس عشرة ليلة قال ابن سعد كان لواؤه مع حمزة بن عبد المطلب ولكن المفيد في الإرشاد روى بسنده عن أبي البختري القرشي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب الراية في غزاة ودان وهي أول غزاة حمل فيها راية في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم .

غزوة بواط

بضم الباء وفتحها وتخفيف الواو جبل من جبال جهينة قرب ينبع وكانت في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة وكان في مائتين من أصحابه به يعترض عيرا لقريش مائتين وخمسين بعيرا فيها أمية بن خلف ومائة من قريش فرجع ولم يلق حربا.

غزوة سفوان

بفتح السين المهملة وألفاء آخره نون ويقال لها غزوة بدر الأولى وكانت في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة ولواؤه مع علي بن أبي طالب وهو لواء أبيض وسببها أن كرز بن جابر الفهري أغار على سرح المدينة فاستاقه فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر ففاته ولذا يقال لها غزوة بدر الأولى فرجع وبعضهم يقول أنها بعد غزوة العشيرة.

غزوة العشيرة أو ذي العشيرة

بضم العين المهملة مصغرا موضع لبني مدلج بينبع وكانت في جمادي الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة خرج في مائة وخمسين رجلا من المهاجرين أو مائتين معهم ثلاثون بعيرا يعتقبونها يريد عير قريش التي صدرت من مكة وكانت ألف بعير فيها خمسون ألف دينار وهي التي كانت بسببها وقعة بدر حين رجعت من الشام ولواؤه مع حمزة بن عبد المطلب وهو أبيض ففاتته العير ولم يلق كيدا ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم ورجع.

غزوة بدر الكبرى

ويقال بدر القتال فالكبرى مقابل الصغرى وهي غزوة سفوان المتقدمة وبدر القتال لأن الأولى لم يقع فيها قتال وكانت في رمضان يوم تسعة عشر أو سبعة عشر منه على رأس تسعة عشر شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم وبدر اسم بئر كانت لرجل يدعى بدرا وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد عرض لعير قريش التي فيها تجارتهم وهي ذاهبة إلى الشام مع أبي سفيان بن حرب وأصحابه على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم ففاتته كما مر فلما رجعت العير ندب أصحابه إليها فخف بعضهم وثقل بعضهم فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب ولا يرون إلا أنها غنيمة لهم ولم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا ولا كيدا وكان في العير أربعون راكبا من قريش وهي أول غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم المهمة وبها تمهدت قواعد الدين وأعز الله الإسلام وأذل جبابرة قريش وقتلت فيها رؤساؤهم ووقعت الهيبة من المسلمين في قلوب العرب واليهود وغيرهم وأنزل الله تعالى فيها سورة الآنفال أكثرها وغيرها من السور. فخرج صلى الله عليه وسلم في ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ومعهم فرسان وسبعون بعيرا فكان الرجلان منهم والأكثر يتعاقبان بعيرا واحدا حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختص ببعير وحده فكان يتعاقب هو وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد على بعير لمرثد وكان كثير من أصحابه كارهين للخروج خوفامن قريش وكثرتها كما قال تعالى {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون} {يجادلونك في الحق بعد ما تبين لهم كأنما يساقون إلى الموت} ووعد الله تعالى رسوله إحدى الطائفتين العير أو النفير وكانوا يودون العير وأن لا تكون حرب حبا بالعاجل وهو قوله تعالى {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} وبلغ خروجهم أبا سفيان وأصحابه فأرسلوا ضمضم بن عمرو الغفاري يستصرخ قريشا بمكة. ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل مجئ ضمضم بثلاث في منامها راكبا أقبل حتى وقف بالأبطح فصرخ بأعلى صوته يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم في ثلاث فصرخ بها ثلاثا فاجتمع الناس إليه ثم دخل المسجد وهم يتبعونه إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها ثلاثا ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثلاثا ثم أخذ صخرة من أبي قبيس فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة إلا دخلته منها فلذة. وبلغ ذلك أبا جهل فقال ما رضيتم يا بني عبد المطلب بان تتنبأ رجالكم حتى تنبأت نساؤكم فلما كان اليوم الثالث والعباس يخاصم أبا جهل في ذلك إذ جاء ضمضم وهو يقول يا معشر قريش يا آل لؤي بن غالب اللطيمة اللطيمة العير العير قد عرض لها محمد في أصحابه الغوث الغوث والله ما أرى أن تدركوها وقد جدع أذني بعيره وشق قميصه قبلا ودبرا وحول رحله وهذه كانت علامة المستصرخ، وشبيهها باق في عرب الحجاز إلى اليوم. فتجهز الناس ومن لم يخرج أرسل رجلا مكانه وأشفقت قريش لرؤيا عاتكة وسر بنو هاشم ولم يخرج أبو لهب معهم وهذا هو العير والنفير الذي يقال فيه فلان لا في العير ولا في النفير وخرجت قريش بالقيان والدفوف في تسعمائة وخمسين أو عشرين مقاتلا وقادوا مائتي فرس وقيل أربعمائة والإبل سبعمائة بعير وبات أبو سفيان من وراء بدر وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين يتجسسان الأخبار وهما بسبس وعدي فأناخا بعيريهما قريبا من الماء ثم استقيا منه فسمعا جاريتين من جهينة تلزم إحداهما صاحبتها في درهم لها عليها وصاحبتها تقول إنما العير غدا أو بعد غد قد نزلت فقال رجل صدقت فلما سمعا ذلك رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبراه وأصبح أبو سفيان ببدر قد تقدم العير وهو خائف فسال رجلا اسمه مجدي هل أحسست أحدا قال لا إلا أني رأيت راكبين أتيا هذا المكان فأناخا به واستقيا ثم انصرفا فجاء أبو سفيان مناخهما ففت البعر فإذا فيه نوى فقال هذه والله علائف يثرب هذه عيون محمد وأصحابه ما أراهم إلا قريبا فضرب وجه عيره فساحل بها وانطلق سريعا وأقبلت قريش تنزل المناهل وتنحر الجزر وتخلف عتبة وأخوه شيبة في الطريق وترددا وهما بالرجوع فحمسهما أبو جهل فمضيا كارهين ورجعت بنو زهرة وبنو عدي بن كعب وأرسل أبو سفيان إلى قريش أن يرجعوا وإلا فليردوا القيان فأراد عتبة الرجوع فأبى أبو جهل وقومه وردوا القيان من الجحفة وكأنه أراد برد القيان أن لا يقعوا في أسر المسلمين وبلغه آباؤهم فقال واقوماه وهذا يدل على وقوع الهيبة من المسلمين في قلبه بما رأى من جرأتهم وبان له من أحوالهم مع إنه لم يسبق لقومه معهم حرب وقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلاثا ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وننحر الجزور وتسمع العرب بمسيرنا فلا تزال تهابنا. وكانت بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب بدر أخبر بمسير قريش فأخبر الناس بذلك واستشارهم فنهاه بعض المهاجرين عن المسير وقال أنها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت وقال المقداد والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيرا ودعا له ثم قال أشيروا علي" وإنما يريد الأنصار لظنه إنهم لا ينصرونه إلا في الدار لشرطهم أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم فأجابه سعد بن عبادة وسعد بن معاذ عنهم بالسمع والطاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيروا على بركة الله فان الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية وبات الفريقان قريبا ولا يعلم أحدهما بالآخر وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وجماعة يتجسسون على الماء فوجدوا روايا قريش فيها سقاؤهم فاسروهم وأفلت بعضهم فأخبر قريشا فاستاؤوا وباتوا يتحارسون إلا أبا جهل فانحاز بقومه بدون حرس وجاءوا بالسقاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فسألوهم فقالوا نحن سقاء قريش فكرهوا ذلك وأحبوا أن يكونوا سقاء أبي سفيان فضربوهم فقالوا نحن سقاء أبي سفيان فامسكوا عنهم فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أن صدقوكم ضربتموهم وان كذبوكم تركتموهم ثم قال لهم أين قريش قالوا خلف هذا الكثيب قال كم عدد هم قالوا لا ندري وهم كثير قال كم ينحرون كل يوم قالوا يوما عشرة أباعر ويوما تسعة فقال هم ما بين الألف والتسعمائة وقال صلى الله عليه وسلم "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها". وغشيهم النعاس ليلة بدر فناموا وبعث الله المطر تلك الليلة فأصاب المسلمين ما لبد الأرض وأصاب قريشا ما آذاهم وبينهم مسافة قليلة وهو قوله تعالى: {إذ يغشيهم النعاس أمنة منه وينزل عليهم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام}، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فأطافا بالقوم ثم رجعا فاخبرا بأنهم مذعورون فزعون وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش من جريد وقام سعد بن معاذ متوشحا سيفه على بابه فدخله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فطلعت قريش وهو يصفهم وقد ملأوا حوضا كانوا يضعون فيه الماء من السحر ومتح فيه علي بن أبي طالب كثيرا وقذفت فيه الآنية ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته إلى علي بن أبي طالب وتسمى العقاب ولواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ هذا هو الصواب. وما في الطبعة الأولى من إنه أعطى رايته مصعب بن عمير خطا محض. في السيرة الحلبية جاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عليا الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة. وفي السيرة النبوية لدحلان عقد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لواء أبيض ودفعه لمصعب بن عمير وكان إمامه صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب والأخرى مع سعد بن معاذ وقيل مع الحباب بن المنذر. وفي السيرة الحلبية أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع اللواء يوم بدر وكان أبيض إلى مصعب بن عمير وكان إمامه رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب ويقال لها العقاب وفيها أيضا عن الإمتاع أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الألوية يوم بدر وهي ثلاثة لواء يحمله مصعب بن عمير ورايتان سوداوان إحداهما مع علي والأخرى مع رجل من الأنصار وذكرنا في غزوة أحد أن الراية هي العلم الأكبر واللواء دونها وان ما يتوهم من كلام بعض أهل اللغة من اتحاد الراية واللواء ليس بصواب كما أن ما يحكى عن ابن إسحاق وابن سعد من أن الرايات حدثت يوم خيبر مردود بهذه الروايات. فتحصل مما مر أن الراية وهي العلم الأكبر كانت مع علي عليه السلام يوم بدر وان مصعب بن عمير وهو مهاجري كان معه لواء المهاجرين هذه حال المهاجرين. أما الأنصار فالظاهر أن لواء الأوس كان مع الحباب بن المنذر ولواء الخزرج مع سعد بن معاذ. وفي السيرة الحلبية عن الهدى التصريح بذلك ولا ينافي ذلك ما ذكر في وقعة بدر من أن سعد بن معاذ كان واقفا بالسلاح على باب العريش لجواز أن يكون حمل اللواء في الطريق فقط وحينئذ فتكون الألوية ثلاثة والراية واحدة وهو الموافق للاعتبار فان الراية العظمى يجب أن تكون بيد علي عليه السلام لأنها لا تعطى إلا لمتميز في الشجاعة وعلي وإن كان من المهاجرين إلا أن كونه صاحب الراية يجعله الرئيس على الجميع فاستحسن أن يكون للمهاجرين لواء أيضا فأعطي لمصعب بن عمير وهو الذي أعطي اللواء يوم أحد لأنه من بني عبد الدار لأن لواء المشركين كان مع بني عبد الدار فقتل مصعب وأعطي علي اللواء مع الراية وجعل للأنصار لواءان أحدهما للأوس مع الحباب والآخر للخزرج مع سعد واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب وجعل الشمس خلفه واقبل المشركون فاستقبلوا الشمس ونزل بالعدوة الدنيا من الوادي ونزلوا بالعدوة القصوى ونظرت قريش إلى قلة المسلمين فقال أبو جهل ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد فقال عتبة بن ربيعة أترى لهم كمينا أو مددا فبعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حول عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال القوم ثلثمائة أن زادوا زادوا قليلا معهم سبعون بعيرا وفرسان ليس لهم كمين ولا مدد ولكن الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم إلا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما أرى إنهم يولون حتى يقتلوا ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فقال له أبو جهل كذبت وجبنت فأنزل الله تعالى {وان جنحوا للسلم فاجنح لها} فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ارجعوا فلأن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إلي فقال عتبة ما رد هذا قوم قط فافلحوا ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال فقال أن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا وخطب عتبة فقال في خطبته يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر أن محمدا له إل وذمة وهو ابن عمكم فخلوه والعرب فان يك صادقا فأنتم أعلا عينا به وان يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره، وتحمل عتبة دم الحضرمي الذي قتله المسلمون بنخلة على أن يرجعوا فأبى أبو جهل وقال لعتبة جبنت فانتفخ سحرك فقال يا مصفر اسقه مثلي يجبن واصطفوا للقتال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث الله تعالى ويدعو ويقول: "اللهم أن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وهو قوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}. وأقسم الأسود بن عبد الأسد المخزومي ليردن حوضهم أو ليهدمنه أو ليموتن دونه فشد حتى دنا من الحوض واستقبله حمزة ابن عبد المطلب فضربه فاطن قدمه فزحف حتى وقف في الحوض فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه وقتله حمزة في الحوض. وكان شعار النبي صلى الله عليه وسلم يا منصور أمت.

وبرز عتبة بن ربيعة واخوه شيبة وابنه الوليد من الصف ودعوا إلى المبارزة فبرز إليهم فتيان ثلاثة من الأنصار وهم بنو عفراء معاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث فقالوا لهم أرجعوا فما لنا بكم من حاجة ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ولحمزة بن عبد المطلب ولعلي بن أبي طالب قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره فبرزوا فقال عتبة تكلموا نعرفكم فان كنتم أكفاءنا قاتلناكم وكان عليهم البيض فلم يعرفوهم فقال حمزة إنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله فقال عتبة كفو كريم وأنا أسد الحلفاء أي الأحلاف أو الحلفاء أي الأجمة ومن هذان معك قال علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب قال كفوان كريمان فبارز علي الوليد وكانا أصغر القوم وعمر علي خمس وعشرون أو سبع وعشرون سنة فاختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد عليا عليه السلام وضربه علي على حبل عاتقه الأيسر فاخرج السيف من أبطه وقيل بل ضربه على يمينه فقطعها، قال علي أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض ثم ضربه ضربة أخرى فصرعه. وبارز حمزة عتبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما واعتنقا وقيل لم يمهله حمزة أن قتله. وبارز عبيدة شيبة وهما أسن القوم ولعبيدة سبعون سنة فاختلفا ضربتين فضربه عبيدة على رأسه ضربة فلقت هامته وضربه شيبة على ساقه فقطعها وسقطا جميعا وقيل أن حمزة بارز شيبة وعبيدة بارز عتبة وصاح المسلمون يا علي أما ترى الكلب قد بهر عمك حمزة وكان حمزة أطول من عتبة فقال علي يا عم طأطئ رأسك فادخل حمزة رأسه في صدر عتبة فضرب علي عتبة فطرح نصفه وكر حمزة وعلي على شيبة فأجهزا عليه وحملا عبيدة فألقياه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وان مخ ساقه ليسيل فاستعبر وقال يا رسول الله ألست شهيدا قال بلى قال لو كان أبو طالب حيا لعلم أني أحق بما قال حين يقول:

ونزلت فيهم هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} وحمل عبيدة من مكانه فمات بالصفراء وذلت قريش بمقتل هؤلاء الثلاثة واستفتح أبو جهل فقال اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعلم فاحنه الغداة فنزلت {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}. وبرز حنظلة بن أبي سفيان إلى علي عليه السلام فلما دنا منه ضربه علي ضربة بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض واقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فلقيه عليه السلام فقتله. وروى المفيد في الإرشاد عن أبي بكر الهذلي عن الزهري عن صالح بن كيسان أن ابنه سعيد بن العاص دخل على عمر في خلافته فجلس ناحية قال سعيد فنظر إلي عمر وقال ما لي أراك كان في نفسك علي شيئا أتظن أني قتلت أباك والله لوددت أني كنت قتلته ولو قتلته لم اعتذر من قتل كافر ولكني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فهبته ورغت عنه فقال إلى أين يا ابن الخطاب وصمد له علي فتناوله فوالله ما رمت مكاني حتى قتله. وكان علي حاضرا في المجلس فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه ومحا الإسلام ما تقدم فما لك تهيج الناس علي فكف عمر فقال سعيد أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب، وأسر أمية بن أبي خلف أسره عبد الرحمن بن عوف فبصر به بلال وهو يعجن عجينا له فترك العجين وقال لا نجوت أن نجوت وكان يعذبه بمكة يخرجه إلى الرمضاء إذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع بحرارتها على صدره ويقول لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال: أحد أحد فأحاطوا به فقتلوه. قال الواقدي ولما رأت بنو مخزوم مقتل من قتل قالت: أبو الحكم لا يخلص إليه يعنون أبا جهل فان ابني ربيعة يعنون عتبة وشيبة عجلا وبطرا فأحدقوا به والبسوا لامته عبد الله بن المنذر فصمد له علي فقتله وهو يراه أبا جهل ومضى وهو يقول إنا ابن عبد المطلب ثم البسوها أبا قيس بن ألفاكه بن المغيرة فصمد له حمزة وهو يراه أبا جهل فضربه فقتله وهو يقول خذها وأنا ابن عبد المطلب ثم البسوها حرملة بن عمرو فصمد له علي فقتله ثم أرادوا أن يلبسوها خالد بن الأعلى فأبى قال معاذ بن عمرو بن الجموح فصمدت لأبي جهل وضربته ضربة طرحت رجله من الساق فشبهتها النواة تنزو من تحت المراضخ فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي من العاتق وبقيت جلدة فذهبت اسحبها بتلك الجلدة فلما آذتني وضعت عليها رجلي ثم تمطيت عليها فقطعتها. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس أبو جهل قال ابن مسعود فوجدته في آخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت الحمد لله الذي أخزاك فقال إنما أخزى الله العبد ابن أم عبد لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا لمن الدبرة؟ قلت لله ولرسوله قال فاقلع بيضته عن قفاه وقلت أني قاتلك قال لست بأول عبد قتل سيده أما أن أشد ما لقيته اليوم لقتلك إياي وأن لا يكون ولي قتلي رجل من الأحلاف أو من المطيبين فضربه عبد الله ضربة وقع رأسه بين يديه ثم سلبه واقبل بسلاحه فوضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبشر يا نبي الله بقتل عدو الله أبي جهل فقال لهو أحب إلي من حمر النعم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم اكفني نوفل بن العدوية" وهو نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى فأسره جبار بن صخر ورأى عليا مقبلا نحوه فقال لجبار من هذا واللات والعزى أني لأرى رجلا يريدني قال هذا علي بن أبي طالب فصمد له علي فضربه فنشب سيفه في حجفته فنزعه وضرب به ساقيه فقطعهما ثم اجهز عليه فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من له علم بنوفل بن خويلد" قال علي إنا قتلته فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال "الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه" (وروى) محمد بن إسحاق أن طعيمة بن عدي قتله علي بن أبي طالب عليه السلام شجره بالرمح وقال والله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا (وأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من البطحاء فرماهم بها وقال شاهت الوجوه اللهم أرعب قلوبهم وزلزل أقدامهم فانهزم المشركون لا يلوون على شيء والمسلمون يتبعونهم يقتلون ويأسرون وجعلت قريش تطرح الدروع والمسلمون يتبعونهم ويلقطون ما طرحوا.

أسماء المقتولين من المشركين يوم بدر ومن قتلهم

منقولة عن الواقدي فمن بني عبد شمس بن عبد مناف ومواليهم اثنا عشر

1- حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب

2- الحارث بن الحضرمي قتله عمار بن ياسر

3- عمار بن الحضرمي قتله عاصم بن ثابت

4 و 5- عمير بن أبي عمير وابنه موليان لهم قتل عميرا سالم مولى أبي حذيفة

6- عبيدة بن سعيد بن العاص قتله الزبير بن العوام

7- العاص بن سعيد بن العاص قتله علي بن أبي طالب

8- عقبة بن أبي معيط قتله علي بن أبي طالب أو عاصم بن ثابت صبرا بالسيف بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

9- عتبة بن ربيعة قتله حمزة بن عبد المطلب

10- شيبة بن ربيعة اشترك في قتله عبيدة بن الحارث وحمزة وعلي بن أبي طالب

11- الوليد بن عتبة بن ربيعة قتله علي بن أبي طالب

12- عامر بن عبد الله حليف لهم من أنمار قتله علي بن أبي طالب وقيل سعد بن معاذ ومن بني نوفل بن عبد مناف اثنان

13- الحارث بن نوفل قتله حبيب بن يساف

14- طعيمة بن عدي قتله حمزة بن عبد المطلب في رواية الواقدي وعلي بن أبي طالب في رواية محمد بن إسحاق ومن بني أسد ابن عبد العزى خمسة

15- زمعة بن الأسود قتله أبو دجانة وقيل ثابت بن الجذع

16- الحارث بن زمعة بن الأسود قتله علي بن أبي طالب

17- عقيل بن الأسود بن المطلب قتله علي بن أبي طالب وقيل اشترك في قتله علي وحمزة وقيل قتله أبو داود المازني

18- أبو البختري العاص بن هشام قتله المجذر بن زياد وقيل أبو اليسر

19- نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى قتله علي بن أبي طالب ومن بني عبد الدار بن قصي اثنان

20- النضر بن الحارث بن كلدة قتله علي بن أبي طالب صبرا بالسيف بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

21- زيد بن مليص قتله علي بن أبي طالب وقيل بلال ومن بني تيم بن مرة اثنان 22- عمير بن عثمان قتله علي بن أبي طالب

23- عثمان بن مالك قتله صهيب ومن بني مخزوم ثلاثة

24- أبو جهل عمرو بن المغيرة ضربه معاذ ومعوذ وعوف أبناء عفراء ودفف عليه عبد الله بن مسعود

25- العاص بن هشام بن المغيرة خال عمر بن الخطاب قتله عمرو بن يزيد التميمي

26- حليف لهم قتله عمار بن ياسر وقيل علي بن أبي طالب ومن بني الوليد بن المغيرة رجل واحد

27- أبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد قتله علي بن أبي طالب ومن بني ألفاكه بن المغيرة رجل واحد

28- أبو قيس بن ألفاكه بن المغيرة قتله حمزة بن عبد المطلب وقيل الخباب بن المنذر ومن بني أبي أمية بن المغيرة رجل واحد

29- مسعود بن أبي أمية قتله علي بن أبي طالب ومن بني عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم خمسة

30- أمية بن عائذ قتله سعد بن الربيع

31- أبو المنذر بن أبي رفاعة قتله معن بن عدي العجلاني

32- عبد الله بن أبي رفاعة قتله علي بن أبي طالب

33- زهير بن أبي رفاعة قتله أبو أسيد الساعدي

34- السائب بن أبي رفاعة قتله عبد الرحمن بن عوف ومن بني أبي السائب المخزومي أربعة

35- سائب بن السائب قتله الزبير بن العوام

36- الأسود بن عبد الأسد قتله حمزة

37- عمارة بن مخزوم قتله حمزة بن عبد المطلب

38- حليف لهم عمرو بن شيبان الطائي قتله يزيد بن قيس

39- حليف آخر جبار بن سفيان قتله أبو بردة ومن بني عمران بن مخزوم ثلاثة 40- حاجز بن السائب قتله علي بن أبي طالب

41- أخوه عويمر بن السائب قتله علي بن أبي طالب رواه البلاذري

42- عويمر بن عمرو بن عائد قتله النعمان بن مالك ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص ثلاثة

43- أمية بن خلف شرك فيه خبيب بن يساف وبلال وقيل قتله أبو رفاعة بن رافع 44- علي بن أمية بن خلف قتله عمار بن ياسر

45- أوس بن المغيرة بن لوذان قتله علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون شركا فيه ومن بني سهم خمسة

46- منبه بن الحجاج قتله علي بن أبي طالب وقيل أبو أسيد الساعدي

47- نبيه بن الحجاج قتله علي بن أبي طالب

48- العاص بن منبه بن الحجاج قتله علي بن أبي طالب

49- أبو العاص بن قيس قتله علي بن أبي طالب وقيل أبو دجانة

50- العاص بن أبي عوف قتله أبو دجانة ومن بني عامر بن لؤي اثنان

51- معوية بن عبد قيس حليف لهم قتله عكاشة بن محصن

52- معبد بن وهب حليف لهم من كلب قتله أبو دجانة قال ابن أبي الحديد في شرح النهج فجميع من قتل ببدر في رواية الواقدي من المشركين في الحرب وصبرا اثنان وخمسون رجلا قتل علي منهم مع الذين شرك في قتلهم أربعة وعشرين رجلا وقد كثرت الرواية أن المقتولين ببدر كانوا سبعين ولكن الذين عرفوا وحفظت أسماؤهم من ذكرناه وفي رواية الشيعة أن زمعة بن الأسود بن المطلب قتله علي والأشهر في الرواية إنه قتل الحارث بن زمعة وان زمعة قتله أبو دجانة أقول يأتي في سيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام عن المفيد أن الذين قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ببدر من المشركين على اتفاق الرواة خمسة وثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك في قتله وأن بعضهم قال إنه قتل ستة وثلاثين. وذكر الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد وقعة بدر فلم يزد عند ذكر علي فيها على قوله لم يمهل حمزة شيبة ولا أمهل علي الوليد أن قتلاهما ثم أعانا عبيدة وقد ثبت له عتبة، وقوله وخاض حمزة وعلي وأبطال المسلمين وطيس المعركة وقد نسي كل منهم نفسه ونسي قلة أصحابه وكثرة عدوه فثار النقع وجعلت هام قريش تطير والمسلمون يزدادون بإيمانهم قوة وأمدهم الله بالملائكة يبشرونهم ويزيدونهم تثبيتا وإيمانا حتى لكان الواحد منهم إذ يرفع يده إنما تحركها قوة الله ثم قال أن كل واحد منهم امتلأت بنفحة من أمر الله نفسه فلم يكن هو الذي يقتل العدو ولا كان هو الذي ياسر من ياسر لولا هذه النفحة التي ضاعفت قوته المعنوية بما ضاعفت قوته المادية.

فترى إنه لم يميز عليا عن غيره في هذه الوقعة بشيء فإن ذكر إنه قتل الوليد فقد ذكر أن معاذ بن عمرو قتل أبا جهل وان ذكر إنه خاض وطيس المعركة فقد قال إنه شاركه في ذلك أبطال المسلمين ولم يذكر ما يدل على إنه امتاز عليهم بشيء فقد نسي كل منهم نفسه وكان الواحد منهم إذ يرفع يده إنما تحركها قوة الله وكل واحد منهم امتلأت نفسه بنفحة من أمر الله وإذا كان كل واحد منهم قد نسي نفسه كما يقول وامتلأت نفسه بنفحة من أمر الله وكأنه إذ يرفع يده إنما تحركها قوة الله فلما ذا لم يؤثر عن بعضهم إنه قتل أحدا والحال إنه قد نسي نفسه ونسي قلة أصحابه وكثرة عدوه وامتلأت نفسه بتلك النفحة الإلهية وكانت قوة الله كأنها تحرك يده وتضاعفت قوته المعنوية وقد بشرته الملائكة وزادته تثبيتا وإيمانا وكان المسلمون محتاجين إلى نصره وقتاله معهم لقلتهم وكثرة عدوهم فقد كان المسلمون أقل من الثلث وقد قال عن بعضهم أن مثله في الملائكة كمثل ميكائيل وفي الأنبياء كمثل إبراهيم وعيسى وعن آخر أن مثله في الملائكة كمثل جبرئيل وفي الأنبياء كمثل نوح وموسى إذا لا نكون مخطئين إذا قلنا أن الدكتور قد غمط علي بن أبي طالب حقه في هذه الوقعة التي عليها بني أساس الإسلام وقامت بسيف علي بن أبي طالب حتى قتل علي فيها نصف المقتولين وقتل سائر الناس والملائكة المسومون الباقي واستشهد من المسلمين في هذه الوقعة أربعة عشر، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ولم يؤسر أحد وأسر من المشركين سبعون لكن المعروفين منهم تسعة وأربعون وفي قتل عتبة وشيبة والوليد تقول هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان:

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى فطرحوا كلهفي قليب بدر وكأنه فعل ذلك لئلا تتأذى الناس بروائحهم إلا أمية بن خلف كان قد انتفخ وتزايل لحمه فترك والقوا عليه التراب والحجارة هكذا ذكر المؤرخون، والظاهر أن القليب الذي طرحوا فيه هو قليب الماء، وقال الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد أن المسلمين أقاموا ببدر إلى آخر النهار ثم جمعوا قتلى قريش فحفروا لهم قليبا فدفنوهم فيه ولو كان كذلك لقال حفروا لهم حفيرة فدفنوهم فيها ولم يعبر بالقليب لأنه بئر الماء عرفا مع أن الحفر لا ذكر له وإنما قالوا فأمر صلى الله عليه وسلم بهم فطرحوا في قليب بدر مع إنهم كانوا بما أصابهم من التعب وممارسة الحرب في شغل عن حفر القلبان وكأنه استبعد إلقاءهم في قليب الماء لأنه يوجب فساد ماء البئر زمانا طويلاص وهي بئر تستقي منها الأعراب النازلون عندها والسابلة ويرفع الاستبعاد احتمال أن تكون تلك البئر لا يحتاج إليها كثيرا لوجود غيرها في بدر أو نواحيها. ثم وقف صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا بئس القوم كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فقالوا يا رسول الله أتنادي قوما قد ماتوا فقال: "لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق".

وكان انهزام قريش عند الظهر فأمر صلى الله عليه وسلم بجمع الغنائم وصلى العصر ببدر ثم راح فمر بالأثيل قبل غروب الشمس فبات به وكان في الأسرى النضر بن الحارث بن كلدة الثقفي أحد بني عبد الدار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقتله بالأثيل فقالت ابنته وقيل أخته قتيلة ترثيه:

فلما بلغ شعرها النبي صلى الله عليه وسلم رق لها وبكى وقال لو بلغني شعرها قبل قتله لعفوت عنه. قال أبو الفرج الأصبهاني: فيقال أن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه.

فلما بلغ إلى مكان يسمى عرق الظبية أمر صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقيل عاصم بن ثابت بضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس فجعل يقول يا ويلي علا م أقتل من بين من هاهنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعداوتك لله ولرسوله"، فقال: يا محمد من للصبية؟ فقال: النار، "قدمه فاضرب عنقه فقدمه فضرب عنقه". واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأسرى فغلظ عليهم عمر غلظة شديدة، فقال يا رسول الله أطعني فيما أشير به عليك: قدم عمك العباس وأضرب عنقه بيدك وقدم عقيلا إلى أخيه علي يضرب عنقه وقدم كل أسير إلى أقرب الناس إليه يقتله، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يعجبه كأنه كره تسليم كل أسير إلى الأقرب إليه لما فيه من الجفاء، ورغب المسلمون في فداء الأسارى دون قتلهم ليتقووا بالمال فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء أكثره أربعة الآف درهم وأقله ألف، وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة بغير فداء فعاتبهم الله تعالى بقوله {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم*لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم*فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله أن الله غفور رحيم}. وكان صلى الله عليه وسلم نهى في أول الوقعة أن يقتل أحد من بني هاشم، وقال: "أني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرها"، ونهى أن يقتل العباس بن عبد المطلب وقال إنه خرج مستكرها، ولا يفسر ذلك بمحاباة من النبي صلى الله عليه وسلم لبني هاشم فقد بين علة ذلك بأنهم اخرجوا كرها وذلك لأنهم كانوا مسلمين في الباطن ومع ذلك فقد أخذ منهم الفداء ولم يحابهم فيه وأخذ من العباس فداء نفسه وابني أخيه وحليفه لأنه كان غنيا وكانوا فقراء، على أن بني هاشم عدى أبي لهب قاموا بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وحاموا عنه فاستحقوا الجزاء وكذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بجماعة من المشركين أن لا يقتلوا جزاء لإحسانهم إلى المسلمين بمكة وقيامهم في نقض الصحيفة منهم أبو البختري لكن أبا البختري قاتل فقتل: وأغضبت وصاية النبي صلى الله عليه وسلم ببني هاشم أبا حذيفة بن عتبة وكان مسلما فقال أنقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله أن لقيته لألجمنه السيف فقال عمر دعني يا رسول الله اضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فلم يصغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فاسر يومئذ العباس وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن المطلب وحليف لبني هاشم اسمه عقبة بن عمرو فلما أمسى القوم والأسارى محبوسون في الوثاق بات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ساهرا فقال له أصحابه ما لك لا تنام يا رسول الله؟ قال سمعت أنين العباس من وثاقه، فقاموا إليه فاطلقوه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولما قدم بالأسرى إلى المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "افد نفسك يا عباس وابني أخويك عقيلا ونوفلا وحليفك عقبة فإنك ذو مال" فقال يا رسول الله أني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني قال "الله اعلم بإسلامك"، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، وقد كان أخذ منه عشرين أوقية من ذهب وجدت معه، فقال يا رسول الله أحسبها من فدائي، قال "ذلك شيء أعطانا الله منك"، قال: إنه ليس لي مال قال "فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل" وقلت لها: أن أصبت فللفضل كذا ولعبد الله كذا ولقثم كذا؟ ثم فدى نفسه وابني أخويه وحليفه.

وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة إمامه يبشران الناس فجعلوا لا يصدقون وقال المنافقون ما جاء زيد إلا فلا. ثم قدم بالأسرى عليهم شقران ولقي الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء يهنونه.

وكان في الأسرى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وكان من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة أم المؤمنين فسالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه ابنته زينب وكان لا يخالفها ففعل وذلك قبل الإسلام فلما أكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوة آمنت به زينب وسائر بناته وبقي أبو العاص على شركه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج إحدى بنتيه رقية أو أم كلثوم عتبة بن أبي لهب فقالت قريش قد فرغتم محمدا من همه أخذتم عنه بناته ردوهن عليه واشتغلوه بهن فقالوا لأبي العاص فارق بنت محمد ونحن نزوجك أي أمراة شئت من قريش فأبى. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه خيرا في صهره، وقالوا مثل ذلك لعتبة ففارقها قبل أن يدخل بها فأخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا له وكان الإسلام قد فرق بين زينب وأبي العاص لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة مغلوبا على أمره فلما سارت قريش إلى بدر سار أبو العاص معها فاسر فبعثت زينب في فداء بعلها بمال وكان فيما بعثت به قلادة كانت أمها خديجة أدخلتها بها عليه ليلة زفافها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين أن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما بعثت به فقالوا نعم يا رسول الله نفديك بأنفسنا وأموالنا فردوا عليها ما بعثت به وأطلقوا لها أبا العاص بغير فداء فعاد إلى مكة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر بشهرين زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال لهما كونا بمكان كذا حتى تمر بكما زينب فتأتياني بها، فيظهر من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد اشترط على أبي العاص حين اطلقه أو أن أبا العاص وعده ابتداء أن يحمل إليه زينب إلى المدينة فجهزها أبو العاص وبعثها مع أخيه كنانة بن الربيع في هودج نهارا فخرج يقود بعيرها ومعه قوسه وكنانته وتلاومت قريش في ذلك فخرجوا في طلبها سراعا حتى أدركوها بذي طوى فسبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي فروعها بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملا فلما رجعت أسقطت فاهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دم هبار. وبرك حموها كنانة ونثل كنانته بين يديه ووضع منها سهما في كبد قوسه وحلف لا يدنو منها أحد إلا وضعت فيه سهما فكر الناس عنه. فقال له أبو سفيان كف نبلك حتى نكلمك فكف، فقال إنك لم تحسن ولم تصب خرجت بها علانية وقد عرفت مصيبتنا من محمد فيظن الناس أن ذلك عن ذل منا وما لنا في حبسها عن أبيها من حاجة ولا فيها من ثار فارجع بها حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس برجوعها اخرج بها خفية فرجع بها إلى مكة ثم خرج بها ليلا بعد أيام حتى سلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه.

فلما كان قبيل فتح مكة خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بمال له وأموال لقريش ابضعوه بها فلما رجع لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه وهرب هو فقدموا بالمال على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو العاص تحت الليل حتى قدم على زينب منزلها فاستجار بها فاجارته وإنما قدم في طلب ماله فلما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح صرخت زينب من صفة النساء أني قد اجرت أبا العاص فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفس محمد بيده ما علمت بشئ مما كان حتى سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم، وقال لزينب أي بنية أكرمي مثواه وأحسني قراه ولا يصلن إليك فلا تحلين له، ثم بعث إلى السرية فقال أن هذا الرجل منا بحيث علمتم فان تحسنوا وتردوا عليه ماله فانا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فئ الله أفاءه عليكم، فقالوا بل نرده فردوه حتى الحبل والشنة والإداوة والشظاظ، فذهب به إلى مكة وأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال هل بقي لأحد شيء؟ قالوا لا فجزاك الله خيرا لقد وجدناك وفيا كريما، قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والله ما منعني من الإسلام إلا مخافة أن تظنوا أني أردت أن آكل أموالكم، ثم خرج إلى المدينة ورد النبي صلى الله عليه وسلم عليه زوجته بعد ست سنين. وفي بعض الروايات إنه ردها عليه بالنكاح الأول ولا يكاد يصح لما تضافرت به الروايات من أن من أسلمت زوجته ولم يسلم قبل انقضاء العدة فقد بانت منه.

غزوة بني سليم

في السيرة الحلبية: إنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من بدر لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم فلما بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر لأن به طيرا في ألوانها كدرة فأقام صلى الله عليه وسلم على ذلك ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا وكان لواؤه أبيض حمله علي بن أبي طالب ومر أن غزاة بدر كانت في السابع عشر من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة فتكون هذه في الرابع والعشرين منه ولم يذكرها ابن سعد في الطبقات بل ذكر غزوتين اخريين لبني سليم إحداهما غزوة قرقرة الكدر للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من الهجرة والأخرى غزوة بني سليم ببحران في جمادي الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا من الهجرة وبمقتضى اختلاف هذه التواريخ يكون له ثلاث غزوات لبني سليم كما في السيرة الحلبية وغزوتان كما في الطبقات واحتمل بعضهم أن يكون الثلاثة غزوة واحدة ولا وجه له.

غزوة بني قينقاع

بضم النون وفتحها وكسرها والضم أشهر وكانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة. وكان بالمدينة ثلاثة ابطن من اليهود بنو النضير وقريظة وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ومدة وكان بنو قينقاع حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول وكانوا أشجع اليهود وكانوا صاغة فوادعوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد. كذا في طبقات ابن سعد، وفي السيرة الحلبية أن أمراة من العرب كانت زوجة لبعض الأنصار فقدمت بجلب وهو ما يجلب ليباع من أبل وغنم وغيرهما فباعته بسوق بني قينقاع فجلست إلى صائغ منهم فجعل جماعة منهم يراودونها عن كشف وجهها فابت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فخاطه بشوكة إلى ظهرها وهي لا تشعر فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، قال ابن سعد فأنزل الله تعالى على نبيه وأما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أن الله لا يحب الخائنين فسار إليهم ولواؤه مع حمزة بن عبد المطلب وهو لواء أبيض قال ولم تكن الرايات يومئذ فحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة أشد الحصار، وكانوا أول من غدر من اليهود وقذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم وان يجلوا من المدينة ولهم النساء والذرية ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال ومنها السلاح ولحقوا بأذرعات.

غزوة السويق

كانت لخمس خلون من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة وسببها أن أبا سفيان بن حرب بعد وقعة بدر حرم على نفسه النساء والطيب وقال ابن سعد حرم الدهن حتى يثار من محمد وأصحابه فخرج في مائتي راكب وقيل في أربعين فجاءوا بني النضير ليلا فطرقوا حيي بن اخطب ليستخبروه من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يفتح لهم وطرقوا سلام بن مشكم ففتح لهم وقراهم وسقاهم خمرا وأخبرهم من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان السحر خرج أبو سفيان فمر بالعريض وبينه وبين المدينة نحو من ثلاثة أميال فقتل به رجلا من الأنصار وأجيرا له وحرق أبياتا وتبنا ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار في أثرهم وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون فيلقون السويق وهي عامة أزوادهم والسويق قمح أو شعير يقلى ثم يطحن ليسف بماء أو سمن أو عسل وسمن فجعل المسلمون يأخذونها فسميت غزوة السويق ولم يلحقوهم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد غياب خمسة أيام.

غزوة قرقرة الكدر

ويقال قرارة الكدر وهي أرض ملساء لبني سليم فيها طيور في ألوانها كدرة أي غبرة والقرقر الأرض المستوية وهي المكان الذي فيه هذه الطيور وكانت للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من الهجرة بلغه أن بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان فسار إليهم في مائتي رجل فلم يجد أحدا وكان لواؤه مع علي بن أبي طالب ووجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار فسأله عن الناس فقال لا علم لي بهم إنما أورد الخمس وهذا يوم ربعي والناس قد ارتفعوا إلى المياه ونحن عزاب في النعم فانحدر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنعم إلى المدينة وكانت خمسمائة بعير فاخرج خمسها وقسم الباقي فأصاب كمل واحد بعيران وكان غيابه خمس عشرة ليلة.

غزوة بحران

بفتح الموحدة وتضم موضع بناحية الفرع وسماها ابن سعد في الطبقات غزوة بني سليم فقال وغزوة بني سليم ببحران لست خلون من جمادي الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا من مهاجره وذلك إنه بلغه أن بها جمعا من بني سليم كثيرا فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه وأغذ السير حتى ورد بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم فرجع ولم يلق كيدا وكانت غيبته عشر ليال.

غزوة أحد

تأخذها من المنقول عن كتاب الواقدي ومن طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وسيرة ابن هشام والسيرة الحلبية وإرشاد المفيد والمستدرك للحاكم وغيرها من كتب السير والآثار والحديث المشهورة المعتمدة.

وكانت في شوال لسبع خلون منه وقيل للنصف منه يوم السبت سنة ثلاث من الهجرة على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم . واحد جبل من جبال المدينة على نحو ميلين أو ثلاثة منها وورد فيه عنه صلى الله عليه وسلم أن أحدا هذا جبل يحبنا ونحبه.

وكان السبب فيها إنه لما أصاب قريشا يوم بدر ما أصابها ورجع من حضرها منهم إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان والتي كانت وقعة بدر بسببها موقوفة في دار الندوة لم تعط لأربابها فمشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم من أشراف قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر إلى أبي سفيان وإلى من كان له من قريش تجارة في تلك العير فقالوا: يا معشر قريش أن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا ونحن طيبوا النفوس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشا إلى محمد فقال أبو سفيان إنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي وكانت العير ألف بعير فباعوا أموالها فصارت ذهبا خمسين ألف دينار بجعلوا لذلك ربح المال فقط وسلموا لأهلها رؤوس أموالهم وكانوا يربحون في تجارتهم الدينار دينارا فكان ربحها خمسة وعشرين ألف دينار وكان متجرهم من الشام غزة لا يعدونها وفيهم نزلت {إن الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} وأرسلت قريش رسلها يسيرون في العرب يدعونهم إلى نصرهم فأوعبوا. قال الواقدي: كانوا أربعة عمرو بن العاص وهبيرة بن وهب وابن الزبعري وأبا غرة الجمحي وقال غيره كان فيهم من الشعراء أبو غرة عمرو بن عبد الله الجمحي ومسافع بن عبد الله الجمحي وكان أبو غرة أسر يوم بدر فمن عليه رسول الله ص، فقال له صفوان بن أمية إنك شاعر فأعنا بلسانك ولك علي أن رجعت أن أغنيك وان أصبت أن اجعل بناتك مع بناتي فقال أن محمدا قد من علي وأخذ علي عهدا أن لا أظاهر عليه أحدا قال بلى فأعنا بلسانك فلم يزالوا به حتى قبل فخرج أبو غرة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة ويحضهم بشعره وخرج مسافع إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم بشعره ويذكرهم الحلف مع قريش ثم ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي غرة بحمراء الأسد. وقال ابن سعد أسر يوم أحد ولم يأخذ أسير غيره فأمر بضرب عنقه فقال من علي يا محمد فقال صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك تقول سخرت بمحمد مرتين فقتل، وتألب من كانوا مع قريش من العرب وحضروا.

واختلفت قريش بينها في إخراج الظعن أي النساء معها ليذكرنهم قتلى بدر ويثرن حفائظهم ويحرضنهم على القتال وعدم الهزيمة فأشار به صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وعمرو بن العاص ولم يرض به نوفل بن معاوية الدئلي فجاء إلى أبي سفيان فقال له ذلك فصاحت هند بنت عتبة انك والله سلمت يوم بدر فرجعت إلى نسائك نعم نخرج فنشهد القتال فقال أبو سفيان لست أخالف قريشا فخرجوا بالظعن وهن خمس عشرة أمراة من قريش مع أزواجهن منهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وأم حكيم بنت الحارث بن هشام زوجة عكرمة بن أبي جهل وسلافة بنت سعد زوجة طلحة بن أبي طلحة فقتل زوجها وأربعة أولاد لها وريطة بنت منبه بن الحجاج زوجة عمرو بن العاص وخناس بنت مالك مع ابنها أبي عزيز بن عمير وكان ابنها مصعب بن عمير مع المسلمين فقتل وعمرة بنت الحارث الكنانية زوجة غراب بن سفيان وهي التي رفعت لواء قريش حين سقط حتى تراجعت قريش إلى لوائها وفيها يقول حسان:

وخرج جماعة غير هؤلاء بنسائهم وتجهزت قريش بأحابيشها ومن والاها من قبائل كنانة وأهل تهامة.

فلما اجمعوا على المسير كتب العباس بن عبد المطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يخبره بذلك ويذكر له عددهم واستعدادهم وأرسله مع رجل استأجره من بني غفار وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام ففعل ووجد النبي صلى الله عليه وسلم بقبا على باب المسجد فدفع إليه الكتاب فقرأه عليه أبي بن كعب فاستكتم أبيا ودخل منزل سعد بن الربيع فقال أفي البيت أحد قال لا فأخبره واستكتمه فقال والله أني لأرجو أن يكون في ذلك خير فلما خرج قالت له أمراته ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما لك ولذلك لا أم لك، قالت كنت استمع عليكم وأخبرته الخبر فاسترجع وأخذ بيدها ولحقه صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها وقال خفت أن يفشو الخبر فترى أني إنا المفشي له فقال خل عنها. وأرجفت يهود المدينة والمنافقون وقالوا ما جاء محمدا شيء يحبه وشاع الخبر في الناس بمسير قريش.

وكان رجل من الأوس من رؤسائهم يكنى أبا عامر وكان يسمى في الجاهلية الراهب لزهده واسمه عبد عمرو وقيل عمرو بن صيفي خرج من المدينة حين دخلها النبي صلى الله عليه وسلم في خمسين وقيل في سبعين رجلا من قومه إلى مكة يحرضهم ويعلمهم إنهم على حق وما جاء به محمد باطل فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر ألفاسق فلما سارت قريش إلى بدر لم يسر معها فلما سارت إلى أحد سار معها بالخمسين أو السبعين الذين معه وكان يمني قريشا نصرة قومه فلم يفعلوا وهو والد حنظلة غسيل الملائكة المقتول مع المسلمين بأحد (يخرج الحي من الميت). وخرجت قريش بحدها وجدها وقائدها أبو سفيان بن حرب وكانوا مع من انضم إليهم ثلاثة آلاف رجل معهم مائتا فرس قد جنبوها وثلاثة آلاف بعير وفيهم سبعمائة دارع والظعن خمس عشرة أمراة وخرجوا بعدة وسلاح كثير. فساروا حتى أتوا الأبواء الموضع الذي فيه قبر آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم فأرادوا نبش قبرها أشارت بذلك هند بنت عتبة فمنع منه ذوو الرأي منهم وقالوا لو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا عند مجيئهم وكانوا حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وساروا حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة وهو ميقات أهل المدينة الذي يحرمون منه وذلك في يوم الخميس لخمس مضين من شوال صبيحة عشر من مخرجهم من مكة فرعوا زروع أهل المدينة يوم الخميس فلما أمسوا جمعوا الإبل وقصلوا عليها وقصلوا على خيولهم ليلة الجمعة فلما أصبحوا يوم الجمعة خلوا ظهرهم وخيلهم في الزرع حتى تركوا العرض ليس به خضراء وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس عينين له أنسا ومؤنسا ابني فضالة الظفرين فاعترضا لقريش بالعقيق فسار معهم حتى نزلوا فاتوه بخبرهم وأنهم خلوا إبلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به خضراء، فلما نزلوا بعث الحباب بن المنذر بن الجموح إليهم سرا وقال له إذا رجعت فلا تخبرني بين الناس إلا أن ترى فيهم قلة، فذهب حتى دخل بينهم وحزرهم ونظر إلى جميع ما يريد ورجع فأخبره خاليا وقال حزرتهم ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا والخيل مائتي فرس ورأيت دروعا ظاهرة أي فوق الثياب حزرتها سبعمائة، فقال لا تذكر من شأنهم حرفا حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم بك أحول وبك أصول، وباتت وجوه الأوس والخزرج سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ليلة الجمعة وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبحوا خوفامن تبييت المشركين، وحرست المدينة تلك الليلة فلما كان الصباح صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر وقال رأيت البارحة في منامي أني أدخلت يدي في درع حصينة ورأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما وإني أردفت كبشا، وأولتها: أما الدرع الحصينة فالمدينة وأما البقر فناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم فرجل من أهل بيتي يقتل وأما الكبش فكبش الكتيبة يقتله الله. فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وان هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها فانا اعلم بها منهم، وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن فكان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا فأحب أن يوافق على رأيه فاستشار أصحابه في الخروج فأشار عليه عبد الله بن أبي بن سلول أن لا يخرج فقال يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا ولا دخلها إلا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فان أقاموا أقاموا بشر مجلس وان دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم الصبيان بالحجارة من ورائهم وان رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا. وكان ذلك رأي كبار المهاجرين والأنصار.

وقال رجال غالبهم فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا وفيهم بعض الشيوخ اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون إنا جبنا عنهم والله لا تطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا. وقال أويس بن أوس من بني عبد الأشهل: أني يا رسول الله لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فتقول حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها فتكون هذه جرأة لقريش وقد وطئوا سعفنا فإذا لم نذب عن عرضنا فلم ندرع وقد كنا يا رسول الله في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا فنحن اليوم أحق إذ أمدنا الله بك وعرفنا مصيرنا لا نحصر أنفسنا في بيوتنا.

وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة وكان شيخا كبيرا قتل ابنه سعد ببدر فقال يا رسول الله أن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ثم جاءونا قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا فيحصرونا في بيوتنا وصياصينا ثم يرجعون وافرين لم يكلموا فيجرؤوهم ذلك علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا وتجترئ علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم فنذبهم عن حريمنا وعسى الله أن يظفرنا بهم فتلك عادة الله عندنا أو تكون الأخرى فهي الشهادة لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت عليها حريصا لقد بلغ من حرصي أني ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة إلى آخر كلامه. كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم كاره للخروج فلم يزالوا به حتى وافق عليه أقول وذلك لأنه رأى المصلحة في الموافقة لكونه رأي الأكثر وإن كانت المصلحة من جهة أخرى في الإقامة. فصلى الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد وأخبرهم أن النصر لهم ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بالشخوص ثم صلى بهم العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالي وقد مات رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو من بني النجار فصلى عليه ثم دخل منزله وصف الناس له ينتظرون خروجه فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعمم ولبس لامته وظاهر بين درعين وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيفه وتقلد السيف وتنكب القوس وألقى الترس في ظهره وقد ندم الناس فقالوا يا رسول الله استكر هناك ولم يكن ذلك لنا فان شئت فاقعد فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل.

واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة ودعا بثلاثة رماح وعقد ثلاثة ألوية لواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة.

وركب صلى الله عليه وسلم فرسه وأخذ بيده قناة زجها في شبه وخرج في ألف من أصحابه فيهم مائة دارع ومعهم فرسان فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة بن نبار والظاهر إنهم خرجوا مشاة هكذا ذكر الطبري وغيره إنه كان معهم فرسان ولكنه ذكر بعد ذلك كما يأتي إنه أمر الزبير على الخيل ومعه المقداد وبعثه وقال استقبل خالدا فكن بإزائه وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر وهو صريح في إنه كان معهم عدة خيول. وخرج السعدان إمامه يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة والناس عن يمينه وشماله فلما انتهى إلى رأس الثنية التفت فنظر إلى كتيبة خشاء لها زجل خلفه فقال ما هذه قيل حلفاء ابن أبي من اليهود فقال لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك فرجعت. ومضى حتى أتى الشيخين وهما أطمان كانا في الجاهلية فيهما شيخ أعمى وعجوز عمياء يهوديان يتحدثان فسمي الأطمان الشيخين فعرض عسكره بالشيخين فرد غلمانا استصغرهم منهم عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وعرابة بن أوس الذي يقول فيه الشماخ:

وأبو سعيد الخدري وسمرة بن جندب ورافع بن خديج فقيل له أن رافعا رام قال رافع فجعلت أتطاول وعلي خفان لي فأجازني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مري بن سنان يا أبه أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا وردني وأنا أصرعه فقال يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافعا وابني يصرعه فقال تصارعا فصرعه سمرة فأجازه. وفرع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرض الجيش وغابت الشمس فإذن بلال بالمغرب ثم العشاء فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وبات هناك ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل في بني النجار واستعمل على الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطيفون بالعسكر وقام ذكوان بن عبد القيس يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فلما كان السحر أدلج رسول الله فحانت صلاة الصبح بالشوط حائط أي بستان بين المدينة واحد فإذن بلال وصلى بأصحابه صفوفا ومن ذلك المكان انخزل عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من أهل النفاق وهم ثلثمائة وهو يقول عصاني وأطاع الولدان ومن لا رأي له سيعلم، ما ندري علا م نقتل أنفسنا ارجعوا أيها الناس فرجعوا فبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله وكان في الخزرج كعبد الله بن أبي من رؤسائهم يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم وقد شرطتم له أن تمنعوه مما تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونساءكم فقال ابن أبي مخادعة واستهزاء ما أرى إنه يكون بينهم قتال وان أطعتني يا أبا جابر لترجعن فلما أبوا ودخلوا أزقة المدينة قال لهم أبعدكم الله أن الله سيغني النبي والمؤمنين عن نصركم ورجع يركض فلما أصيب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سر ابن أبي وأظهر الشماتة ولما رجع ابن أبي بمن معه اختلفت طائفتان من الأنصار بينهم وهما بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج قالت إحداهما نقتلهم وخالفتها الأخرى فنزلت {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} وقيل لما رأى بنو سلمة وبنو حارثة ابن أبي قد خذل هموا بالانصراف وكانوا جناحين من العسكر ثم عصمهما الله فنزلت {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} "الآية". وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشوط فقال من يدلنا على الطريق ويخرجنا على القوم من كثب فقال أبو حثمة الحارثي إنا يا رسول الله فسلك بهم في بني حارثة ثم أخذ في الأموال حتى مر بحائط مربع بن قيظي وكان أعمى البصر منافقا فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول أن كنت رسول فلا تدخل حائطي فلا أحله لك وأخذ حفنة من تراب وقال والله لو اعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فضربه سعد بن زيد الأشهلي بقوس في يده فشجه في رأسه وأرادوا قتله فقال صلى الله عليه وسلم دعوه فإنه أعمى البصر أعمى القلب فغضب له بعض بني حارثة فأجابه أسيد بن حضير فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلام فاسكتوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو في مسيره إذ ذب فرس أبي برده بن نيار بذنبه فأصاب كلاب سيف فسله فقال صلى الله عليه وسلم يا صاحب السيف شم سيفك فإني أخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها وكان صلى الله عليه وسلم يحب ألفال ويكره الطيرة. ولبس صلى الله عليه وسلم من الشيخين درعا واحدا حتى انتهى إلى أحد فلبس درعا أخرى ومغفرا وبيضة فوق المغفر فلما نهض من الشيخين زحف المشركون على تعبية وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة واقبل المشركون فاستدبروا المدينة في الوادي واستقبلوا أحدا وصفوا صفوفهم واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ولهم مجنبتان مائتا فرس مائة في الميمنة ومائة في الميسرة وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية ويقال عمرو بن العاص وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة وكانوا مائة رام ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عثمان من بني عبد الدار لأن لواء قريش كان لهم في الجاهلية لا يحمله غيرهم، وصاح أبو سفيان: يا بني عبد الدار نحن نعرف أنكم أحق باللواء منا وإنما آتينا يوم بدر من اللواء وإنما يؤتى القوم من قبل لوائهم فألزموا لواءكم وحافظوا عليه أو خلوا بيننا وبينه، يحرضهم بذلك على القتال، فغضبت بنو عبد الدار وقالوا نحن نسلم لواءنا لا كان هذا أبدا، فقال أبو سفيان فنجعل لواء آخر قالوا نعم ولا يحمله إلا رجل من بني عبد الدار لا كان غير ذلك أبدا.

وعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وجعل ميمنة وميسرة وجعل يمشي على رجليه يسوي الصفوف ويبوئ أصحابه مقاعد للقتال، يقول تقدم يا فلان وتأخر يا فلان حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخره فهو يقومهم كما تقوم القداح فلما استوت الصفوف سال من يحمل لواء المشركين قيل بنو عبد الدار، قال نحن أحق بالوفاء منهم وكان اللواء مع علي عليه السلام فأعطاه مصعب بن عمير لأنه من بني عبد الدار فلما قتل مصعب رده إلى علي عليه السلام: قال المفيد: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة بيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كما كانت بيده يوم بدر ثم صار اللواء إليه فكان صاحب الراية واللواء جميعا والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها في المصباح المنير. لواء الجيش علمه وهو دون الراية ويأتي في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام زيادة على هذا في أمر الراية واللواء. ووقف النبي صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار وفيه من السياسة وحسن التدبير ومعرفة الحق لأهله ما لا يخفى. قال الطبري وأمر الزبير على الخيل ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي وخرج حمزة بالجيش بين يديه واقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر وقال لا تبرحن حتى أوذنكم وهذا ينافي ما مر إنه لم يكن معه صلى الله عليه وسلم غير فرسين.

وأرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم فلا حاجة لنا إلى قتالكم فردوا عليه ما يكره.

وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة خلف العسكر على جبل هناك عند فم الشعب وكانوا خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال أنضح الخيل عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا فان الخيل لا تقدم على النبل وأثبت مكانك أن كانت لنا أو علينا فانا لا نزال غالبين ما مكثتم مكانكم (وفي رواية) أن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا (وفي أخرى) أن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا وألزموا مراكزكم ومنه يعلم كيف بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في إيصائهم بعدم إخلاء مراكزهم غاية المبالغة وما في ذلك من التدبير الحربي العظيم وكيف كانت المصيبة العظمى يوم أحد بسبب مخالفتهم النبي صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لتمت لهم النصرة على المشركين.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم قام فخطب الناس خطبة اقتصرنا منها على ما له علاقة بالحرب فقط فقال: "أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه أنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه على الصبر واليقين والجد والنشاط فان جهاد العدو شديد شديد كربه قليل من يصبر عليه إلا من عزم له على رشده أن الله مع من أطاعه وإن الشيطان مع من عصاه فاستفتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم الله وعليكم بالذي آمركم به فإني حريص على رشدكم أن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف وهو مما لا يحبه الله ولا يعطي عليه النصر والظفر والمؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر الجسد والسلام عليكم. واخرج صلى الله عليه وسلم سيفا مكتوبا في إحدى صفحتيه:

وقال من يأخذ هذا السيف بحقه فقام جماعة فلم يعطه لهم فقام أبو دجانة الأنصاري فقال وما حقه يا رسول الله قال تضرب به في وجه العدو حتى ينحني قال إنا آخذه بحقه فدفعه إليه وكان يختال عند الحرب فقال صلى الله عليه وسلم أنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.

وجعلت هند ومن معها من نساء المشركين قبل أن يلتقي الجمعان يقفن إمام صفوف المشركين يضربن بالطبول والدفوف ثم يرجعن إلى مؤخر الصف حتى إذا دنوا من المسلمين تأخر النساء فقمن خلف الصفوف وكلما ولى رجل حرضنه وذكرنه قتلى بدر وهند تقول وهي ومن معها يضربن بالطبول والدفوف خلف الصفوف:

وفي لسان العرب عن ابن بري أن الشعر لهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الأيادي قالته يوم أحد تحض على الحرب وهو قولها: (نحن بنات طارق).

وأول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الراهب طلع في خمسين من قومه معه عبيد قريش فنادى بالأوس قال إنا أبو عامر قالوا لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق قال لقد أصاب قومي بعدي شر فتراموا بالحجارة والسهام هم والمسلمون ثم ولى أبو عامر وأصحابه. ثم دنا القوم بعضهم من بعض والرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل فترجع.

وبرز طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين فصاح من يبارز فبرز إليه علي بن أبي طالب عليه السلام فبدره علي بضربة على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته إلى أن انتهى إلى لحيته فوقع وفي رواية تأتي أن عليا ضربه على فخذيه فقطعهما فسقط وانصرف علي عليه السلام فقيل له هلا دففت عليه فقال إنه لما صرع استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم وقد علمت أن الله سيقتله هو كبش الكتيبة يشير إلى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم المتقدمة فلما قتل طلحة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر تكبيرا عاليا وكبر المسلمون ثم شد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتائب المشركين حتى انتقضت صفوفهم وفي كيفية قتله روايات أخر تأتي في سيرة علي عليه السلام وفي ترتيب أسماء من أخذ اللواء بعد طلحة وعددهم ومن قتلهم بعض الاختلاف بين المؤرخين لكنهم اتفقوا على أن طلحة قتله علي بن أبي طالب.

وقد أغرب الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد في هذا المقام فذكر أن طلحة قتله حمزة مع اتفاق من رأينا كلامهم من المؤرخين على إنه قتله علي عليه السلام ثم إنه لم يأت على ذكر علي في هذا المقام أصلا ونسب انهزام المشركين إلى قتال حمزة وأبي دجانة مع أنك ستعرف أن انهزامهم بقتل طلحة الذي قتله علي وقتل أصحاب اللواء كلهم على أصح الروايات ثم استمر على عدم ذكر علي بشيء حتى ذكر أمر الهزيمة فقال وكان أكبر هم كل مسلم أن ينجو بنفسه إلا من عصم الله من أمثال علي بن أبي طالب فساواه بغيره مع أن الحق الذي لا يرتاب فيه إنه لم يكن له مماثل واحد فضلا عن أمثال ثم لم يذكر لعلي أثرا غير ذلك سوى إنه أسرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما وقع في الحفرة التي حفرها أبو عامر فأخذ بيده ورفعه طلحة ثم ذكر إنه كان حول النبي صلى الله عليه وسلم جماعة وعد منهم علي بن أبي طالب غير مميز له بشيء ومسدلا الستر على مميزاته وخصائصه التي انفرد بها في تلك الوقعة مساويا له بمن لا يساويه ولا يدانيه.

قال الواقدي: ثم حمل لواء المشركين بعد طلحة أخوه عثمان بن أبي طلحة وقال:

فتقدم باللواء والنسوة خلفه يحرضن ويضربن بالدفوف فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤزره فبدا سحره أي رئته ورجع فقال إنا ابن ساقي الحجيج.

ثم حمل اللواء أخوهما أبو سعد أو أبو سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فأدلع لسانه فقتله. قال سعد: وأخذت سلبه ودرعه فنهض إلى سبيع بن عبد عوف ونفر معه فمنعوني وكان أجود سلب رجل من المشركين درع فضفاضة أي واسعة ومغفر وسيف جيد ولكن حيل بيني وبينه: قال ابن أبي الحديد شتان بين علي وسعد هذا يداحش على السلب ويتأسف على فواته وذلك يقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق وهو فارس قريش وصنديدها مبارزة فيعرض عن سلبه فيقال له كيف تركت سلبه وهو أنفس سلب فقال كرهت أن أبز السري ثيابه فكان حبيبا عناه بقوله:

ثم حمل لواء المشركين بعد أبي سعد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله فنذرت أمه سلافة وكانت مع النساء أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر وجعلت لمن جاءها به مائة من الإبل فلما قتله المشركون يوم الرجيع أرادوا أن يأخذوا رأسه فيحملوه إلى سلافة فحمته الدبر يومه ذلك فتركوه إلى الليل لظنهم أن الدبر لا تحميه ليلا فجاء سيل عظيم فذهب برأسه وبدنه (اتفق على ذلك المؤرخون).

ثم حمله أخوه الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله ثم حمله أخوهما كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام وقال ابن الأثير قتله عاصم بن ثابت ثم حمله أخوهم الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله.

ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب. ثم حمله شريح بن قارظ أو فارط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار ويروي قاسط بالسين والطاء المهملتين فقتل قال الواقدي لا يدري من قتله وقال البلاذري قتله علي بن أبي طالب.

ثم حمله غلام لهم اسمه صواب فقتله علي بن أبي طالب فسقط اللواء فلم يزل مطروحا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاذوا به. وفي إرشاد المفيد بسنده الآتي عن ابن مسعود أن الذي أخذ اللواء بعد طلحة أخ له يقال له مصعب فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله ثم أخذه أخ له يقال له عثمان فرماه عاصم أيضا بسهم فقتله فأخذه عبد لهم يقال له صواب وكان من أشد الناس فضربه علي عليه السلام على يده فقطعها فأخذ اللواء بيده اليسرى فضربه علي عليه السلام على يده اليسرى فقطعها فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه فضربه علي عليه السلام على أم رأسه فسقط صريعا.

هذا ولكن الطبري روى ما يدل على أن الذي قتل أصحاب الألوية هو علي بن أبي طالب. قال حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا حبان بن علي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من المشركين فقال لعلي "احمل عليهم" فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ثم أبصر صلى الله عليه وسلم جماعة من المشركين فقال لعلي "احمل عليهم" فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.

وفي إرشاد المفيد: روى الحسن بن محبوب حدثنا جميل بن صالح عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة قتلهم علي بن أبي طالب عن آخرهم وانهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي يومئذ (السند صحيح). وفي تفسير علي بن إبراهيم قال: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزوننا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي فبرز إليه أمير المؤمنين فقال له طلحة من أنت يا غلام قال إنا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم إنه لا يجسر علي أحد غيرك وشد عليه طلحة فضربه فاتقاه علي عليه السلام بالحجفة ثم ضربه علي عليه السلام على فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية فذهب علي ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون ألا أجهزت عليه قال قد ضربته ضربة لا يعيش معها أبدا ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام وسقطت رايته إلى الأرض فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها أبو عزيز بن عثمان فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية إلى الأرض فقتل أمير المؤمنين عليه السلام التاسع من بني عبد الدار وهو أرطأة بن شرحبيل فبارزه علي عليه السلام وقتله وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه فقتله وسقطت الراية إلى الأرض فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها وفي رواية المفيد عن محمد بن إسحاق وتأتي بسندها في سيرة علي عليه السلام إنه قتل خالد بن أبي طلحة بعد طلحة وأبي سعيد. وخالد هذا لم يرد له ذكر في غير هذه الرواية ولعله هو أبو عزيز بن عثمان المذكور في رواية علي بن إبراهيم.

وبعد ما رأينا اختلاف المؤرخين فيمن عدا طلحة بن أبي طلحة من أصحاب اللواء في عددهم وفيمن قتلهم وترتيب قتلهم بحيث لا يكاد يتفق اثنان منهم كابن سعد والطبري والواقدي وابن الأثير وغيرهم كما عرفت وستعرف لا نستبعد أن يكون التحامل على علي بن أبي طالب الذي هو فاش في الناس في كل عصر حمل البعض على نقل ما ينافي قتله جميع أصحاب اللواء وما علينا إلا أن نأخذ بالرواية المتقدمة عن الباقر عليه السلام إنه عليه السلام قتل أصحاب اللواء التسعة لصحة سندها.

قال ابن الأثير: وبرز عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مع المشركين وطلب المبارزة فأراد أبو بكر أن يبرز إليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "شم سيفك وأمتعنا بك".

وقال أبو سفيان لخالد بن الوليد وهو في مائتي فارس: إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم وكان خالد بن الوليد كلما أتى من قبل يسرة النبي صلى الله عليه وسلم ليجوز حتى يأتيهم من قبل السفح رده الرماة حتى فعل وفعلوا ذلك مرارا قال الطبري واقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين فأنزل الله عز وجل عليهم نصره وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم وكانت الهزيمة لا شك فيها فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء وانتقضت صفوفهم ونساؤهم يدعين بالويل بعد الفرح وضرب الدفوف. قال الزبير والله لقد رأيتني انظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير وقال البراء حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخيلهن قال الواقدي وقالوا ما ظفر الله تعالى نبيه في موطن قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد حتى عصوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولما انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتى أخرجوهم عن المعسكر ووقعوا ينتهبونه ويأخذون ما فيه من الغنائم فلما رآهم الرماة قال بعضهم لبعض لم تقيمون هاهنا في غير شيء قد هزم الله العدو وهؤلاء أخوانكم ينتهبون عسكرهم فأدخلوا عسكر المشركين فاغنموا معهم فقال بعضهم ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم احموا ظهورنا وإن غنمنا فلا تشركونا فقال الآخرون لم يرد رسول الله هذا وقد أذل الله المشركين وهزمهم فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير وأمرهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فعصوه وانطلقوا فلم يبق معه إلا نفر ما يبلغون العشرة منهم الحارث بن أنس يقول يا قوم اذكروا عهد نبيكم إليكم وأطيعوا أميركم فأبوا وذهبوا إلى عسكر المشركين ينهبون وخلوا الجبل وذلك قوله تعالى {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين} فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل وتبعه عكرمة فانطلقا إلى موضع الرماة فحملوا عليهم فراماهم القوم حتى أصيبوا وراماهم عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل. ولما رأى المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم وكروا على المسلمين من إمامهم وهم غارون آمنون مشتغلون بالنهب وجعلوا المسلمين في مثل الحلقة وانتقضت صفوف المسلمين وجعل يضرب بعضهم بعضا من العجلة والدهش حتى قتل اليمان أبو حذيفة قتله المسلمون خطا وابنه يصيح أبي أبي فلم يسمعوه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه بالمدينة هو وثابت بن وقس لأنهما شيخان كبيران فقال أحدهما للآخر أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءا حتى دخلا من قبل المشركين أما ثابت فقتله المشركون وأما اليمان فقتله المسلمون وهم لا يعرفونه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين وقتل المسلمون قتلا ذريعا حتى قتل منهم سبعون رجلا بعدد من قتل من المشركين يوم بدر أو أكثر وتفرقوا في كل وجه وتركوا ما انتهبوا فأخذه المشركون وتركوا ما بأيديهم من أسراء المشركين. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه لواؤه حتى قتل قتله ابن قميئة الليثي وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش وهو يقول قتلت محمدا فجعل الناس يقولون قتل محمد. فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء إلى علي بن أبي طالب وتفرق أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقصده المشركون وجعلوا يحملون عليه يريدون قتله وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزول يرمي عن قوسه حتى تكسرت قال ابن الأثير وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد قتالا شديدا فرمي بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سية قوسه وانقطع وتره. قال المفيد فيما رواه بسنده عن ابن مسعود: وثبت معه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف يدفعون عنه صلى الله عليه وسلم ففتح عينيه وكان قد أغمي عليه مما ناله فقال يا علي ما فعل الناس؟ قال نقضوا العهد وولوا الدبر قال اكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي فحمل عليهم علي فكشفهم وعاد إليهم وقد حملوا عليه من ناحية أخرى فكر عليهم فكشفهم وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان على رأسه بيد كل واحد منهما سيف ليذب عنه وأتى ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث بن عبد مناة فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر انفه ورباعيته السفلى وشق شفته وشجه في وجهه فأثقله وعلاه بالسيف فلم يطق أن يقطع وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجنتيه حتى دخل فيهما من حلق المغفر وفي جبهته في أصول شعره وجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه عن وجهه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله عز وجل. قال الطبري: وتفرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسول إلى عبد الله بن أبي في أخذ لنا آمنة من أبي سفيان يا قوم أن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم وهذا يدل على أن القائل من المهاجرين: قال الطبري فقال الله عز وجل للذين قالوا هذا القول: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}.

قال الطبري وغيره: وفر عثمان بن عفان ومعه رجلان من الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الأغرض فأقاموا به ثلاثا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ذهبتم فيها عريضة وفي رواية الواقدي إنهم انتهوا إلى مكان يسمى الأغرض فقال صلى الله عليه وسلم لهم ذلك.

وكانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو علي بن أبي طالب أو حمزة فقال أما محمد فلا حيلة لي فيه لأن أصحابه يطيفون به وأما علي فإنه إذا قاتل كان احذر من الذئب وأما حمزة فإني اطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه. قال وحشي والله أني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يلقي أحدا يمر به إلا قتله فهززت حربتي فرميته فوقعت في أربيته حتى خرجت من بين رجليه واقبل نحوي فغلب فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر وجاء وحشي بعد فتح مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاظهر الإسلام فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له لا ترني وجهك، قال ابن هشام سكن حمص وغلبت عليه الخمرة وقال أيضا بلغني إنه لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان.

قال الطبري: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمد رسول الله، قال فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم قاتل حتى قتل.

قال ابن الأثير: وكانت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء من الأنصار يسقين الماء فرماها حفانة بن العرقة بسهم فأصاب ذيلها فضحك فدفع النبي صلى الله عليه وسلم سهما إلى سعد بن أبي وقاص وقال ارمه فرماه فأصابه فضحك النبي ص. قال الطبري: ووقعت هند وصواحبها على القتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثلن بهم يجد عن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنافهم خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. وقطعت انفه وأذنيه وجعلت ذلك كالسوار في يديها وقلائد في عنقها حتى قدمت مكة.

قال ومر الحليس بن زبان بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بزج الرمح وهو يقول ذق عقق أي يا عاق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه كما ترون لحما فقال اكتمها فإنها زلة.

واصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجبل مع جماعة من أصحابه فيهم علي بن أبي طالب. قال ابن هشام وقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فشجت ركبته فأخذ علي بن أبي طالب بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة فلما رأوه لم يعرفوه وأراد رجل أن يرميه بسهم فقال إنا رسول الله فعرفوه وأراد أن يعلو الصخرة وقد ظاهر بين درعين فلم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض حتى استوى عليها واقبل أبي بن خلف الجمحي وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم بل إنا اقتله وشد أبي عليه بحربة فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وقتله بها وروي إنه طعنه فجرح جرحا خفيفا فجزع جزعا شديدا فقيل له ما يجزعك فقال أليس قال لأقتلنك فمات بعد يوم أو بضع يوم من ذلك الجرح.

قال ابن هشام: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته ماء من المهراس فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه ولم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وقال ابن الأثير لما جرح صلى الله عليه وسلم جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس ويغسله فلم ينقطع الدم فاتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقت حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع. وأشرف أبو سفيان على المسلمين فقال أفيكم محمد فلم يجيبوه فظن إنه قتل فقيل له إنه يسمع كلامك فعلم إنه حي وأن ابن قميئة كاذب في دعوى قتله فقال أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله أعلى وأجل" فقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله مولانا ولا مولى لكم" ثم قال أبو سفيان هذا يوم بيوم بدر والحرب سجال وانصرف.

فلما انصرف أبو سفيان ومن معه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال "اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا يصنعون فان كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم"، قال علي: فخرجت في آثارهم فرأيتهم اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل.

وفرع الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع وهو من بني الحارث بن الخزرج أفي الأحياء هو أم في الأموات" فقال رجل من الأنصار إنا انظر لك يا رسول الله ما فعل فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن انظر له أفي الأحياء أنت أم في الأموات، قال إنا في الأموات فابلغ رسول الله عني السلام وقل له أن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله خير ما جزي نبي عن أمته وأبلغ عني قومك السلام وقل لهم أن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله أن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور ومات، فجاء الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم : "رحم الله سعدا نصرنا حيا وأوصى بنا ميتا" ثم قال "من له علم بعمي حمزة؟" فقال الحارث بن الصمة: إنا اعرف موضعه فجاء حتى وقف عليه فكره أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام "اطلب عمك" فكره أن يرجع إليه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى وقف عليه فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع انفه وأذناه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال "لن أصاب بمثلك، ما وقفت موقفا قط أغبظ علي من هذا الموقف"، وقال: "رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمتك فعولا للخيرات وصولا للرحم" ثم قال: "لولا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين" وفي رواية بسبعين رجلا منهم، وقال المسلمون لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فأنزل الله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}، فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة. وفي السيرة الحلبية عن ابن مسعود ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا أشد من بكائه على حمزة، وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق أي شهق حتى بلغ به الغشي، يقول: يا عم رسول الله وأسد الله وأسد رسول الله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب يا مانع عن وجه رسول الله، والقى على حمزة بردة كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه وإذا مدها على رجليه بدا رأسه فمدها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش. وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة وكان أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام: "ألقها فأرجعها لا ترى ما بأخيها" فلقيها الزبير واعلمها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ولم؟ وقد بلغني إنه مثل بأخي وذلك في الله قليل أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن لأصيرن، فقال "خل سبيلها".

قال محمد بن إسحاق: واحتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال "ادفنوهم حيث صرعوا" قال ابن الأثير وأمر أن يدفن الاثنان والثلاثة في القبر الواحد وأن يقدم إلى القبلة أكثرهم قرآنا وصلى عليهم فكان كلما أتي بشهيد جعل حمزة معه وصلى عليهما وقيل كان يجمع تسعة من الشهداء وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم. وقال ابن سعد في الطبقات كان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة وفي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام إنه خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعين تكبيرة وعليه فيمكن أن يكون صلى عليه أربع عشرة مرة وكبر في كل مرة خمس مرات كما هو مذهب أهل البيت عليه السلام ولعل رواية إنه صلى عليه سبعين مرة وقع فيها اشتباه بين سبعين مرة وسبعين تكبيرة ثم أمر بدفنه وأمر أن يدفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام في قبر واحد وكانا متصافيين في الدنيا فلما دفن الشهداء انصرف إلى المدينة فلقيته ابنة عمته حمنة ابنة جحش أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم فقال لها احتسبي، قالت من يا رسول الله؟ قال: "أخاك عبد الله" فاسترجعت واستغفرت له وهناته الشهادة، ثم قال لها "احتسبي"، قالت من يا رسول الله؟ قال: "خالك حمزة بن عبد المطلب" فاسترجعت واستغفرت له وهناته الشهادة، ثم قال لها "احتسبي"، قالت من يا رسول الله؟ قال "زوجك مصعب بن عمير"، فقالت واحزناه! وولولت وصاحت، فقال "إن زوج المرأة منها لبمكان ما هو لأحد". قال الطبري: ومر صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عيناه فبكى وقال لكن حمزة لا بواكي له، فرجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دور بني عبد الأشهل فأمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على حمزة. وفي السيرة الحلبية أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حمزة فلما رجع صلى الله عليه وسلم من صلاة المغرب سمع البكاء فقال "ما هذا؟" قيل نساء الأنصار يبكين حمزة، فقال "رضي الله عنكن وعن أولادكن" وأمر بردهن إلى منازلهن (وفي رواية): فقال لهن "ارجعن رحمكن الله لقد واسيتن معي، رحم الله الأنصار فان المواساة فيهم كما علمت قديمة". وقال ابن سعد في الطبقات: فهن إلى اليوم إذا مات الميت من الأنصار بدأ النساء فبكين على حمزة ثم بكين على ميتهن. (وروى الطبري) أنه صلى الله عليه وسلم مر بأمراة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فلما نعوهم لها قالت فما فعل رسول الله ص؟ قالوا بحمد الله هو كما تحبين قالت أرونيه حتى انظر إليه فلما رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل قال الطبري: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة وقال "اغسلي عن هذا دمه يا بنية وناولها علي عليه السلام سيفه" فقال: "وهذا فاغسلي عنه فوالله لقد صدقني اليوم"، قال: وزعموا أن علي بن أبي طالب حين أعطى فاطمة عليه السلام سيفه قال:

وفي إرشاد المفيد: وانصرف المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فاستقبلته فاطمة عليه السلام ومعها إناء فيه ماء فغسل وجهه ولحقه أمير المؤمنين عليه السلام وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة عليه السلام وقال لها خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم وأنشأ يقول:

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش".

وبات وجوه الأوس والخزرج تلك الليلة وهي ليلة الأحد في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسونه من البيات فيهم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ والخباب بن المنذر وقتادة بن النعمان وغيرهم.

غزوة حمراء الأسد

لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح يوم الأحد لثمان ليال خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره أمر بلالا أن ينادي في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله فقال أن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال يا بني لا ينبغي لي ولك أن نترك هؤلاء النسوة ولست أوثرك بالجهاد فإذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا صلى الله عليه وسلم بلواء معقود لم يحل فدفعه إلى علي بن أبي طالب وإنما خرج صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم خروجه فيظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لا يوهنهم عن عدوهم وكان ذلك من التدابير الحربية العظيمة فخرج المسلمون معه والجراح فيهم فاشية وعامتهم جرحى منهم من فيه سبع جراحات ومنهم تسع ومنهم عشر ومنهم ثلاث عشرة حتى أن أخوين من الأنصار كانا جريحين وليس لهما دابة فخرجا وقالا كيف تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلاهما جريحان ثقيلان لكن أحدهما أخف جرحا فكان إذا أعيا أحدهما حمله أخوه وخرج صلى الله عليه وسلم وهو مجروح في وجهه وجبهته وشفته وركبتيه ومنكبه الأيمن متوهن بضربة ابن قميئة إلى أن انتهى إلى حمراء الأسد وهي مكان على ثمانية أميال من المدينة

فأقام بها ثلاثا: الإثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة، وكان جل زادهم التمر، وحمل سعد بن عبادة ثلاثين بعيرا تمرا وساق جزرا فكان ينحر في يوم اثنين وفي يوم ثلاثاء، وبعث صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر طليعة في آثار القوم فانقطع أحدهم ولحق الاثنان بقريش فبصروا بهما فقتلوهما وانتهى صلى الله عليه وسلم إلى مصرعهما بحمراء الأسد فقبرهما. وجاء معبد الخزاعي وهو مشرك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ونفسك ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك، وخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى أتى أبا سفيان وأصحابه بالروحاء وقد اجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال أبو سفيان ما وراءك يا معبد؟ قال قد خرج محمد في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله يتحرقون عليكم تحرقا واجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس، قال ويلك ما تقول؟ قال ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال لقد اجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر قالوا وما هي فقال:

فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه، ومر به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون؟ قالوا المدينة نريد الميرة، قال فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة واحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ قالوا نعم قال أخبروه إنا قد اجمعنا المسير إليهم لنستأصل بقيتهم فلما أخبروه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حسبنا الله ونعم الوكيل ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

غزوة بني النضير

في ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجره وقد عرفت أن اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة ثلاثة أبطن بنو النضير وقريظة وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ومدة فنقضوا عهدهم وكان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة سيد بني عامر بن صعصعة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له هدية فأبى أن يقبلها حتى يسلم فلم يسلم ولم يبعد وأعجبه الإسلام وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل جماعة إلى أهل نجد في جواره يدعونهم للإسلام فأرسل معه سبعين راكبا فقتلهم عامر بن الطفيل ببئر معونة استصرخ عليهم القبائل ونجا منهم عمرو بن أمية الضمري أطلقه بعد ما جز ناصيته فخرج عمرو ونزل معه رجلان من بني عامر في ظل شجرة وكان معهما عقد وجوار من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو فلما ناما قتلهما بمن قتله بنو عامر عند بئر معونة فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم على أن يديهما فانطلق إلى بني النضير يستلفهم في ديتهما ومعه نفر من أصحابه فقالوا نعم يا أبا القاسم وجلس إلى جانب جدار من بيوتهم وتأمروا على قتله فقالوا من يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة يقتله بها ويريحنا منه ونهاهم سلام بن مشكم وقال ليخبرن بما هممتم به وأنه نقض للعهد فلم يقبلوا فانتدب لذلك رجل وصعد ليلقي الصخرة فجاءه صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فنهض سريعا كأنه يريد حاجة فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا أقمت ولم نشعر قال همت يهود بالغدر وأخبرني الله بذلك فقمت، وأرسل إليهم محمد بن مسلمة فقال اذهب إلى يهود فقل لهم اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فقالوا نتحمل فأرسل إليهم عبد الله بن أبي بن سلول لا تفعلوا فان معي من العرب ومن قومي ألفين يدخلون معكم وقريظة وحلفاؤكم من غطفان يدخلون معكم فطمع حيي بن أخطب سيد بني النضير في ذلك ونهاه سلام بن مشكم أحد رؤسائهم وقال أن ابن أبي يريد أن يورطكم في الهلكة ويجلس في بيته إلا تراه وعد بني قينقاع مثل ما وعدكم وهم حلفاؤه فلم يف لهم فكيف يفي لنا ونحن حلفاء الأوس؟ فلم يقبل حيي وأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فكبر صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون وقال حاربت يهود وتجهز لحربهم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وكان أعمى فلذلك كان كثيرا ما يستخلفه على المدينة لأنه لا يقدر على القتال ويقال إنه كان يستخلفه على الصلاة فقط بناء على عدم جواز قضاء الأعمى ولم يثبت، وأعطى رايته علي بن أبي طالب عليه السلام واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان وذلك قوله تعالى ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون وقوله كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال أني برئ منك أني أخاف الله رب العالمين وسار صلى الله عليه وسلم بالناس حتى نزل بهم فصلى العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون بالنبل والحجارة. قال صاحب السيرة الحلبية وأمر بلالا فضرب القبة وهي من خشب عليها مسوح وكان رجل من يهود اسمه عزور أو غزول وكان أعسر راميا يبلغ نبله ما لا يبلغه نبل غيره فوصل نبله تلك القبة فأمر بها فحولت. وفقد علي قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا فقال دعوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس غزول كمن له على حين خرج يطلب غرة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من كان معه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فأدركوهم وقتلوهم وذكر بعضهم أن أولئك الجماعة كانوا عشرة وأنهم أتوا برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار وقال وفي هذا رد على بعض الرافضة حيث ادعى أن عليا هو القاتل لأولئك العشرة ونقول لم يدع أحد من الشيعة أن عليا هو القاتل لهم وما الذي يدعوهم إلى دعوى غير صحيحة وتفوق علي عليه السلام في الشجاعة أمر متواتر وفوق المتواتر فلا يحتاج من يريد إثباته إلى الكذب وإنما يحتاج إلى الكذب من يدعي شجاعة لمن لم يؤثر عنه إنه قتل أحدا في حرب من الحروب، ثم إلا يكفي في بلوغ علي أعلى درجات الشجاعة خروجه ليلا وحده لا يشعر به أحد لمقابلة عشرة من الشجعان أقدموا هذا الإقدام وقتله رئيسهم وإحضاره رأسه وهزيمته التسعة وإقدامه ثانيا مع عدة عليهم حتى قتلوهم وجاءوا برؤوسهم ولولا مكانه ما اجترؤوا عليهم أفلا يكفي هذا كله حتى يدعي أحد الشيعة إنه قتل العشرة وحده مع أن شيخ الشيعة وقدوتها محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد ذكر في إرشاده نحوا مما ذكره صاحب السيرة الحلبية ولم يقل أن عليا قتل العشرة فقال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير عمل على حصارهم فضرب قبته في أقصى بني حطمة من البطحاء فلما أقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم فأصاب القبة فأمر صلى الله عليه وسلم أن تحول قبته إلى السفح وأحاط بها المهاجرون والأنصار فلما اختلط الظلام فقدوا عليا عليه السلام فقال الناس يا رسول الله لا نرى عليا فقال أراه في بعض ما يصلح شأنكم فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمي النبي صلى الله عليه وسلم ويقال له عزور فطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف صنعت فقال أني رأيت هذا الخبيث جريا شجاعا فكمنت له وقلت ما أحراه أن يخرج إذا اختلط الليل يطلب منا غرة فاقبل مصلتا بسيفه في تسعة نفر من اليهود فشددت عليه فقتلته وافلت أصحابه ولم يبرحوا قريبا فابعث معي نفرا فإني أرجو أن أظفر بهم فبعث معه عشرة فيهم أبو دجانة سماك بن حرشة وسهل بن حنيف فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن فقتلوهم وجاءوا برؤوسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تطرح في بعض آبار بني حطمة وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير.

وفي ذلك يقول الحاج هاشم الكعبي شاعر أهل البيت:

وحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوما وقيل أكثر وكان سعد بن عبادة في تلك المدة يبعث التمر إلى المسلمين. وقطع صلى الله عليه وسلم نخلهم وحرق لهم نخلا بالبويرة فنادوه يا محمد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بال قطع النخل وتحريقها فأنزل الله تعالى {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبأذن الله وليخزي ألفاسقين}. واللينة واحدة اللين وهو نوع من النخل ويروى أن جميع ما قطع وحرق من النخل ست نخلات، وقذف الله في قلوبهم الرعب فقالوا نخرج عن بلادك، فقال لا اقبله اليوم ولكن اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الإبل من أموالكم إلا الحلقة أي آلة الحرب فنزلوا على ذلك فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدم الرجل بيته عما استحسن من باب ونجاف وغيرهما لئلا ينتفع بها المسلمون وكان المسلمون أيضا يخربون مما يليهم وذلك قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} (أي خروجا مؤبدا) {ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا إنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب} فخرجوا إلى خيبر ومنهم من خرج إلى الشام فمن الذين خرجوا إلى خيبر حيي بن اخطب وسلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وتحملوا على ستمائة بعير ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم خمسين درعا وخمسين بيضة وثلثمائة وأربعين سيفا فأخذها.

غزوة بدر الموعد

لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره ويقال بدر الآخرة وبدر الصغرى مقابل بدر الأولى الكبرى وإنما سميت بدر الموعد لأن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى الموعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول وكانت سوقا للعرب تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلوا منه وبعضهم يقول أن بدر الموعد كانت بعد ذات الرقاع الآتية لكن ابن سعد قال أنها قبلها فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم ابن مسعود الأشجعي مكة وهو مشرك فقال له أبو سفيان نجعل لك عشرين بعيرا يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تخذل أصحاب محمد قال نعم وحملوه على بعير فأسرع السير فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد وذلك قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} وهو من استعمال لفظ الجمع في المفرد أطلق الناس وأراد نعيم بن مسعود، وأمثاله في القرآن كثير، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف وخمسمائة والخيل عشرة أفراس وحمل لواءه علي بن أبي طالب وخرجوا ببضائع لهم وتجارات ووصلوا بدرا ليلة هلال ذي القعدة فباعوها وربح الدرهم درهما وانصرفوا وقد سمع الناس بمسيرهم وذلك قوله تعالى {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسهم سوء} وقال أبو سفيان لقريش نخرج فنسير ليلة أو ليلتين ثم نرجع فخرج في ألفين ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مر الظهران ثم قال ارجعوا فان هذا عام حدب ولا يصلحنا إلا عام خصب فرجعوا فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق، يقولون خرجوا يشربون السويق.

غزوة ذات الرقاع

في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم بلغه أن أنمارا وثعلبة قد جمعوا له الجموع بنجد فخرج إليهم ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة وقيل سبعمائة حتى أتى محالهم بذات الرقاع وهو حبل فيه بقع حمرة وسواد وبياض فلذلك سميت ذلك الرقاع وقيل لأن ستة من المسلمين كان بينهم بعير فنقبت أقدامهم فكانوا يلفون عليها الرقاع أي الخرق فلم يجد في محالهم أحدا إلا نسوة فأخذهن وهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال وحضرت الصلاة فصلى بهم صلاة الخوف لأنه خاف من الهجوم عليه في الصلاة فكانت أول صلاة خوف صلاها ثم رجع إلى المدينة وغاب خمس عشرة ليلة وبعض قال أنها كانت قبل بدر الموعد كما مر.

غزوة دومة الجندل

في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم وهي بلدة بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس أو ست عشرة ليلة بقرب تبوك وهي أقرب بلاد الشام إلى المدينة وهي التي تسمى اليوم الجوف بلغه أن بها جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة فخرج إليهم لخمس ليال بقين من ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل من بني عذرة اسمه مذكور فلما دنا منهم إذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل بساحتهم فلم يجد بها أحدا وبث السرايا فرجعت ولم تصب أحدا وجاءت كل سرية بابل وأخذ منهم رجل فسأله عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه السلام فأسلم ورجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا لعشر ليال بقين من ربيع الآخر.

غزوة بني المصطلق

في شعبان سنة خمس من مهاجره وهم من خزاعة ويقال بلمصطلق بالتخفيف مثل بلعنبر أي بني العنبر وغير ذلك وتسمى أيضا غزوة المريسيع وهو بئر لهم بينها وبين الفرع نحو من يوم وكان رئيسهم الحارث بن أبي ضرار دعا قومه ومن قدر عليه من العرب إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه وتهيئوا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي ليأتيه بخبرهم واستاذنه أن يقول ما يتخلص به من شرهم فإذن له فأتاهم فقالوا من الرجل؟ قال: رجل منكم قدمت لما بلغني من جمعكم لهذا الرجل فأسير في قومي ومن أطاعني فنكون يدا واحدة حتى نستأصلهم، فقال له الحارث فعجل علينا فركب ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا وقادوا ثلاثين فرسا عشرة في المهاجرين وعشرين في الأنصار وخرج يوم الإثنين لليلتين خلتا من شعبان وخرج معه بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة مثلها قط خرجوا طمعا في الغنائم مع قرب المسافة وأصاب عينا للمشركين كان وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يذكر من شأنهم شيئا فعرض عليه الإسلام فأبى فأمر صلى الله عليه وسلم بقتله فقتل وبلغ الحارث قتله فسيء بذلك ومن معه وخافوا خوفاشديدا وتفرق عنهم من كان معهم من العرب وانتهى صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع فضرب عليه قبته وكان معه عائشة وأم سلمة وتهيئوا للقتال وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم أنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم فكتفوا ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد قتله المسلمون خطا وكان شعار المسلمين يا منصور أمت وأسر النساء والذرية وغنم النعم وهي ألفا بعير وخمسة آلاف شاة والسبي مائتا أهل بيت، وأسهم صلى الله عليه وسلم للفارس سهمين، للفرس سهم ولصاحبه سهم وللراجل سهم. قال المفيد في الإرشاد: كان من بلاء علي عليه السلام ببني المصطلق ما اشتهر عند العلماء وكان الفتح له في هذه الغزاة بعد أن أصيب يومئذ ناس من بني عبد المطلب فقتل علي عليه السلام رجلين من القوم وهما مالك وابنه وأصاب صلى الله عليه وسلم منهم سبيا كثيرا قسمه في المسلمين وكان ممن أصيب من السبايا: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سباها علي عليه السلام فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلام بقية القوم فقال الحارث يا رسول الله أن ابنتي لا تسبى لأنها أمراة كريمة فقال له اذهب فخيرها، قال أحسنت وأحملت وجاء إليها أبوها فقال لها يا بنية لا تفضحي قومك، قالت: قد اخترت الله ورسوله فقال لها أبوها فعل الله بك وفعل فاعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها من أزواجه وسماها جويرية وكان اسمها برة. وفي سيرة ابن هشام قتل علي بن أبي طالب عليه السلام منهم رجلين مالكا وابنه.

وقال ابن سعد: كان السبي منهم من من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء ومنهم من افتدى وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم فلم تبق أمراة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج جويرية قال المسلمون في بني المصطلق أصهار رسول الله فاعتقوا ما بأيديهم. ووقع في هذه الغزاة عدة أمور غريبة منها إنه تنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري على الماء فضرب جهجاه سنانا بيده فنادى سنان يا للأنصار ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه واصطلحوا فقال عبد الله بن أبي وكان منافقا وهو من الأنصار من الخزرج: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم وفي رواية إنه قال ما هؤلاء إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك، وسمع ذلك زيد بن أرقم فابلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله فأمر بالرحيل ليشتغل الناس به عن ذلك، فتقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس وكان خالص الإيمان لم يكن كأبيه ووقف لأبيه على الطريق فلما رآه أناخ به وقال لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعه فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا. وفيه نزلت {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} وفي رواية إنه لما نزلت سورة المنافقين وفيها تكذيب ابن أبي قال له أصحابه اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه فنزلت {وإذا قيل لهم تعالوا}. وفيها كان حديث الإفك وقول أهل الإفك في عائشة، وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرين يوما وقدم المدينة لهلال شهر رمضان.

غزوة الخندق

وتسمى أيضا غزوة الأحزاب في ذي القعدة وقيل في شوال سنة خمس من مهاجره صلى الله عليه وسلم قال المؤرخون: لما أجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة منهم حيي بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم أبو سفيان: مرحبا وأهلا أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد، وقالت لهم قريش: أنتم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا أديننا خير أم دين محمد فقالوا بل دينكم وذلك قوله تعالى {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا}.

وعاهدوهم على قتاله صلى الله عليه وسلم ووعدوهم لذلك موعدا ثم أتوا غطفان وسليما ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة فحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وكان لهم حمل لواء قريش في الجاهلية عند الحرب دون غيرهم ومنهم بنو شيبة سدنة الكعبة وأبوه كان صاحب لوائهم يوم أحد فقتل، وقادوا ثلاثمائة فرس وكان معهم ألف وخمسمائة بعير وخرجوا وقائدهم أبو سفيان ابن حرب بن أمية. ووافتهم بنو سليم بمر الظهران سبعمائة وقائدهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو أبو أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين وخرجت معهم بنو أسد يقودهم صلحة بن خويلد وخرجت فزارة ألف يقودهم عيينة بن حصن وخرجت أشجع أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة وبنو مرة أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف وغيرهم. فكان جميع من ورد الخندق عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر ورئيس الكل أبو سفيان ولما تهيئوا للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر الناس وندبهم وشاورهم فأشار سلمان الفارسي بالخندق وقال إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فأعجب ذلك المسلمين فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ذراعا بين كل عشرة، فاحتف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي كل يقول منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلمان منا أهل البيت، وجعلوا يعملون في الخندق مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بيده تنشيطا لهم ووكل بكل جانب قوما وفرغوا من حفرة في ستة أيام وقيل أكثر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهم يحفرون: اللهم لا خير إلا خير الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة فيجيبونه قائلين:

ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام، ولما فرع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش فنزلت بمجتمع الأسيال، ونزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لثمان ليال مضين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف وعسكر بهم إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة في شمالها وجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وكان اليهود كما مر ثلاثة بطون معاهدين له صلى الله عليه وسلم فنقض بطنان منهم العهد: بنو قينقاع وبنو النضير وبقيت قريظة فدس أبو سفيان حيي بن أخطب إلى بني قريظة لينقضوا العهد ويكونوا معهم، فخرج حيي حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم فأغلق كعب باب الحصن دونه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه ويحك يا كعب افتح لي قال إنك أمرؤ مشئوم وقد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما إنا بفاعل قال ما أغلقت باب الحصن إلا خوفاعلى طعامك أن آكل منه فأحفظه ففتح له، فقال: جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال له: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء فدعني وما إنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء، فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن ادخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده ومحا الكتاب الذي فيه العهد وقبل شقه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل جماعة يأتونه

بالخبر وأوصاهم أن كان ما بلغه حقا لحنوا له ولم يصرحوا وإن كانوا على الوفاء أخبروه جهارا فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم فعادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: عضل والقارة، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع، فقال صلى الله عليه وسلم الله أكبر أبشروا يا معسر المسلمين. وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وخيف على الذراري والنساء وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل الظن وخلص إلى كل امرئ منهم الكرب ونجم النفاق حتى قال بعض المنافقين: كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. وكانوا كما قال الله تعالى: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا*هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا*وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}.

ثم أن نعيم بن مسعود من غطفان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أني أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي فمرني بما شئت فقال صلى الله عليه وسلم له إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فان الحرب خدعة فخرج حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال قد عرفتم ودي إياكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال أن قريشا وغطفان جاءوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه وليسوا مثلكم، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، أما هم فان رأوا فرصة وغنيمة أصابوها وإلا لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ولا طاقة لكم به فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، فقالوا لقد أشرت برأي ونصح. ثم خرج إلى أبي سفيان وأصحابه وقال: قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمدا وقد بلغني أمر رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا علي، قالوا نفعل، قال أن اليهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد وأرسلوا إليه هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ثم نكون معك قال نعم، فان بعث إليكم اليهود يطلبون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم. ثم أتى غطفان فقال أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلى ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت قال فاكتموا علي قالوا نفعل ثم قال لهم مثلما قال لقريش فلما كانت ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة أن أعدوا للقتال حتى نناجز محمدا فقالوا اليوم السبت ولا نعمل فيه شيئا ولسنا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم فانا نخشى أن ضرستكم الحرب أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل ولا طاقة لنا به، فقالت قريش الذي حدثكم نعيم بن مسعود حق، فأرسلوا إلى بني قريظة لا ندفع إليكم رجلا واحدا فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة أن الذي قال لكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا وخذل الله بينهم.

فلما اشتد على الناس البلاء ورأى النبي صلى الله عليه وسلم ضعف قلوب أكثر المسلمين من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم بعث إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما فجاءا مستخفيين من أبي سفيان وكتبوا كتاب الصلح ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، فبعث صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فأخبرهما، فقالا يا رسول الله أمر تحبه فنصنعه أم شيء أمرك الله به لا بد لنا منه أم شيء تصنعه لنا؟ فقال: بل شيء أصنعه لكم لأني رأيت العرب قد رموكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم، فقال له سعد بن معاذ: قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وعدوهم محاصرهم بضعا وعشرين ليلة وليس بينهم قتال إلا الترامي بالنبل والحجارة فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله وقال خذها وأنا ابن العرقة، فقال رسول الله ص، وقيل سعد: عرق الله وجهك في النار، وقال سعد: اللهم أن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فابقني لها فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، وكان مع المشركين وحشي قاتل حمزة فزرق الطفيل بن النعمان فقتله.

وروى ابن هشام والطبري أن صفية بنت عبد المطلب كانت في فارع حصن حسان بن ثابت، قالت وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، رسول الله والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا أن أتانا آت، فقلت يا حسان أن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأنزل إليه، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لو عرفت ما إنا بصاحب هذا وكان حسان جبانا، فلما لم أر عنده شيئا احتجزت وأخذت عمودا ونزلت إليه فضربته بالعمود حتى قتلته ورجعت فقلت لحسان: أنزل إليه فاسلبه فلم يمنعني من سلبه إلا إنه رجل، قال لي ما بسلبه من حاجة: وما أحق صفية الهاشمية بقول القائل:

وجاء فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الفهري فاقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما تأملوه قالوا أن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، فقيل لهم أن معه رجلا فارسيا أشار عليه بذلك فصاروا إلى مكان ضيق في الخندق كان قد أغفله المسلمون فضربوا خيولهم فاقتحمت منه فجالت بهم بين الخندق وسلع.

قال ابن هشام والطبري وغيرهما: وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر معه من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم قالا وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه.

(أقول): يظهر إنهم لما عبروا الخندق وتقدموا نحو معسكر المسلمين فجالت بهم خيلهم بين الخندق وجبل سلع الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره بادر علي عليه السلام فرابط عند الثغرة التي أقحموا خيولهم منها ليمنع من يريد عبور الخندق من ذلك المكان فإنه لم يكن في الحسبان أن المشركين يعبرون الخندق فلما رأوهم عبروه على حين غفلة بادر علي بمن معه ليمنعوا غيرهم وليقاتلوهم إذا أرادوا الرجوع، وهذه منقبة انفرد بها علي عليه السلام في هذه الغزاة بمبادرته لحماية الثغرة دون غيره حين بدههم هذا الأمر الذي لم يكن في الحسبان وعلموا أن هؤلاء الذين اقتحموا الخندق بخيولهم وأقدموا على ما كان يخال إنه ليس بممكن من أشجع الشجعان.

ويقول المفيد: أن عليا عليه السلام بعد قتله عمرا وهرب من معه انصرف إلى مقامه الأول يعني الثغرة التي أقحموا خيولهم منها وقد كادت نفوس الذين خرجوا معه إلى الخندق تطير جزعا وهذا يدل على أن الذين كانوا معه بخروجه خرجوا وإليه استندوا وعليه اعتمدوا وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين ما مر وبين ما يأتي من إنه لما طلب عمرو المبارزة قام علي فقال إنا له يا رسول الله فإنه يدل على إنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر إنه لما سمع عمرا يطلب المبارزة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام بين يديه وقال إنا له يا رسول الله فإنه لم يكن ليبارزه بغير إذنه ص. قال صاحب السيرة الحلبية: فقال عمرو من يبارز؟ فقام علي وقال إنا له يا نبي الله، قال اجلس إنه عمرو ثم كرر النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون إنه من قتل منكم دخلها أفلا يبرز إلي رجل وقال:

فقام علي وهو مقنع في الحديد فقال إنا له يا رسول الله قد أجلس إنه عمرو ثم نادى الثالثة فقام علي فقال إنا له يا رسول الله فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمرا (وفي رواية) إنه قال له هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل فقال وأنا علي بن أبي طالب فإذن له وأعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه وعممه بعمامته وقال اللهم أعنه عليه (وفي رواية): إنه رفع عمامته إلى السماء وقال إلهي أخذت عبيدة مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فبرز إليه علي وهو يقول:

فقال له عمرو من أنت؟ قال إنا علي، قال ابن من؟ قال ابن عبد مناف إنا علي بن أبي طالب، فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أشد منك فانصرف فإني أكره أن أهريق دمك فان أباك كان لي صديقا وكنت له نديما، قال علي لكني والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب، وفي رواية إنه قال: أني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك فارجع وراؤك خير لك. قال ابن أبي الحديد: كان شيخنا أبو الخير يقول إذا مررنا عليه في القراءة بهذا الموضع: والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه بل خوفا منه فقد عرف قتلاه ببدر واحد وعلم إنه أن ناهضه قتله فاستحيا أن يظهر الفشل فاظهر الإبقاء و الإرعاء وأنه لكاذب فيهما. قال ابن إسحاق: فقال له علي يا عمرو قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعوك رجل إلى خلتين إلا قبلت منه إحداهما قال أجل قال علي فإني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام فقال لا حاجة لي في ذلك قال فإني أدعوك إلى البراز وفي رواية إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها قال أجل قال فإني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتسلم لرب العالمين قال يا ابن أخي أخر عني هذه فقال له أما أنها خير لك لو أخذتها قال وأخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت فإنه نذر لما أفلت هاربا يوم بدر و قد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم قال فالثالثة قال البراز قال أن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يروعني بها ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو فقال له علي كيف أقاتلك وأنت فارس ولكن انزل معي، فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه وسل سيفه كأنه شعلة نار وأقبل على علي فتنازلا وتجاولا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي على حبل عاتقه فسقط. وكان جابر بن عبد الله الأنصاري قد تبع عليا عليه السلام لينظر ما يكون منه ومن عمرو، قال فثارت غبرة فما رأيتهما فسمعت التكبير تحتها فعلمت أن عليا قد قتله. وفي رواية إنه لما قتله كبر المسلمون فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير عرف أن عليا قتل عمرا، ولما قتل عمرو هرب الذين كانوا معه حتى اقتحمت خيلهم الخندق وتورطت بنوفل بن عبد الله بن المغيرة فرسه في الخندق فرموه بالحجارة، فقال يا معشر العرب قتلة أجمل من هذه ينزل إلي بعضكم أقاتله فنزل إليه علي فقتله. وروى ابن إسحاق في المغازي أن المشركين بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف درهم فقال هو لكم ولا نأكل ثمن الموتى. وفيه من التعليم على تشريف النفس والآباء وكرم الغلبة أمر ظاهر، ولحق علي عليه السلام هبيرة فأعجزه وضرب قربوس سرحه فسقطت درع كانت له قد احتقبها وفر عكرمة وضرار. وفي إرشاد المفيد: روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام عمرا أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل، فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبته يا علي درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها؟ فقال أني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي. وفي السيرة الحلبية عن السهيلي نحوه، وفي الإرشاد روى عمر بن الأزهر عنه عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن عليا لما قتل عمرو بن عبد ود أخذ رأسه وحمله فألقاه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي، قال ورجع علي عليه السلام إلى مقامه الأول وهو يقول:

وكان مع عمرو ابنه حسل بن عمرو فقتله علي عليه السلام رواه ابن هشام في سيرته عن ابن شهاب الزهري. قال جابر فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله من قصة قتل داود جالوت حيث يقول الله جل شأنه {فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت} وفيما رواه الحاكم بسنده أن قائل ذلك يحيى بن آدم ولا مانع من أن يكون كل منهما قال ذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين وروى الحاكم في المستدرك بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة. وقال ابن تيمية على عادته في إنكار البديهيات ورد المتواترات والمسلمات في الحديث الأول إنه حديث موضوع وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الأنس والجن ومنهم الأنبياء بل أن عمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة وقال الذهبي في تلخيص المستدرك بعد نقل الحديث الثاني قبح الله رافضيا أفتراه وأقول قبح الله ناصبيا يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهوى والعداوة لأخيه وابن عمه ويزعم في ميزانه أن النصب قد ارتفع في عصره وليس عجيبا أن يتكلم الذهبي بذلك وهو تلميذ ابن تيمية. وفي السيرة الحلبية: يرد قول ابن تيمية إنه لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة ما روي من إنه قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه أقول روى ذلك الحاكم في المستدرك بسنده إلى ابن إسحاق قال: كان عمرو بن عبد ود ثالث قريش وكان قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ولم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده، قال في السيرة الحلبية: ويرده أيضا ما مر من إنه نذر أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا أقول ويرده إنه كان معروفا بفارس يليل اسم مكان كانت له فيه وقعة مشهورة وورد تسميته بذلك في شعر مسافع الآتي وفيما مر. وفيما رثي به عمرو مما يأتي ما يدل على نباهته وشجاعته وأنه ذو مقام عال في قريش قال واستدلاله بقوله وكيف يكون، فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين.

(أقول): تأبى لابن تيمية حاله المعلومة إلا أن يصادم البديهة فان أقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الغزوة فيرى عشرة آلاف محاصرين للمدينة حنقين أشد الحنق على أهلها وهم دون الثلث بينهم عدد كثير من المنافقين وبنو قريظة إلى جنبهم يخافون منهم على ذراريهم ونسائهم وما أصاب المسلمين من الخوف والهلع الذي اضطر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصانع غطفان بنصف ثمار المدينة وتعظيم الله تعالى ذلك في القرآن الكريم بقوله {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} ووقوف عمرو ينادي بالمسلمين ويقرعهم ويطلب البراز ولا يجيبه أحد إلا علي فيقتل عمرا وينهزم المشركون بقتله ويرتفع البلاء ويأتي الفرج. أقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الحال توصله إلى اليقين بأن ضربة علي يومئذ أفضل من عبادة الجن والأنس والملائكة وملايين من العوالم أمثالهم لو كانت سواء أجاء الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لم يجئ ومتى احتاج النهار إلى دليل، ولولا تلك الضربة لما عبد الله بل عبدت الأوثان. وقد يسال سائل هنا فيقول: لما عبر عمرو والأربعة معه الخندق لما ذا لم يقم إليهم المسلمون فيقتلوهم وهم خمسة نفر والمسلمون ثلاثة آلاف والمشركون يصعب عليهم أنجادهم لوجود الخندق. والجواب أن المسلمين كان قد استولى عليهم الخوف والهلع وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وذهبت بهم الظنون وكان عبور المشركين من ثغرة الخندق غير مأمون ولذلك بدر علي قبل قتله عمرا إلى الثغرة مع جماعة فحماها وقد كادت نفوس الذين معه تطير جزعا كما مر ورجع بعد قتل عمرو فحماها أيضا. كل ذلك يدل على أن عبور الخندق كان محل الخوف والخطر وأن عليا وحده كان الثابت الجنان في هذه المواقف الرهيبة. قال المفيد في الإرشاد وروى قيس بن الربيع ثنا أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان فقلت له يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي ومناقبه فيقول لنا أهل البصرة أنكم تفرطون في علي فهل أنت محدثي بحديث فيه فقال حذيفة يا ربيعة وما تسألني عن علي فوالذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ووضع عمل علي في الكفة الأخرى لرجح عمل علي على جميع أعمالهم، فقال ربيعة هذا الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل، فقال حذيفة: يا لكع وكيف لا يحمل وأين كان فلان وفلان وحذيفة وجميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم عمرو بن عبد ود وقد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا فإنه برز إليه وقتله الله على يده والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك أعظم أجرا من أعمال أصحاب محمد إلى يوم القيامة قال الحاكم في المستدرك: ثم أقبل علي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب هلا سلبته درعه فليس للعرب درع خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت ابن عمي أن استلبه قال الرازي في تفسيره: انه صلى الله عليه وسلم قال لعلي بعد قتله لعمرو بن عبد ود كيف وجدت نفسك معه يا علي؟ قال وجدتها لو كان أهل المدينة كلهم في جانب وأنا في جانب لقدرت عليهم. قال المفيد: وكان قتل علي عليه السلام عمرا ونوفلا سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتله هؤلاء النفر: الآن نغزوهم ولا يغزوننا وذلك قوله تعالى: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وفي الإرشاد: وروى علي بن الحكيم الأودي قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول: لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها يعني ضربه عمرو بن عبد ود ولقد ضرب عليه السلام ضربة ما ضرب في الإسلام أشام منها يعني ضربة ابن ملجم وفيه روى أحمد بن عبد العزيز حدثنا سليمان بن أيوب عن أبي الحسن المدائني قال لما قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته واسمها عمرة وكنيتها أم كلثوم فقالت من ذا الذي اجترأ عليه؟ فقالوا ابن أبي طالب فقالت لم يعد موته أن كان على يد كفو كريم لا رقأت دمعتي أن هرقتها عليه قتل الأبطال وبارز الأقران وكانت منيته على يد كفو كريم من قومه ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ثم أنشأت تقول:

وتتمة الأبيات:

وقالت أيضا في قتل أخيها وذكر علي بن أبي طالب:

ذلت قريش بعد مهلك فارس=فالذل مهلكها وخزي شامل

ثم قالت والله لا تارث قريش بأخي ما حنت النيب قال وفي قتل عمرو بن عبد ود يقول حسان بن ثابت:

فلما بلغ شعر حسان بني عامر أجابه فتى منهم فقال يرد عليه في افتخاره بالأنصار:

وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب الجمحي يبكي عمرو بن عبد ود ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه أورده ابن هشام:

وقال هبيرة بن أبي وهب الذي كان مع عمرو وهرب يرثي عمرو بن عبد ود ويذكر قتل علي إياه أورده ابن هشام:

قال ابن هشام والطبري: وبعث الله على المشركين الريح في ليال شاتية شديدة البرد فجعلت تكفا قدورهم وتطرح ابنتيهم وذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها}. فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جماعتهم قال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة وأسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من شدة الخوف والجوع والبرد، قال حذيفة بن اليمان فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي بد من القيام فقال اذهب فادخل في القوم فانظر ما ذا يصنعون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا فذهبت فدخلت في القوم والريح تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت من أنت؟ قال فلان ابن فلان، ثم قال أبو سفيان أنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أجدث شيئا حتى آتيه لقتلته ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته. وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم فلما كان الصباح انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين عن الخندق راجعا إلى المدينة ووضعوا السلاح.

غزوة بني قريظة

في ذي القعدة سنة خمس. قد عرفت أن اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة ثلاثة ابطن بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة وانه كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ومدة فأول من نقض العهد منهم بنو قينقاع فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أذرعات ثم نقضه بنو النضير فأجلا بعضهم إلى خيبر ومنهم حيي بن اخطب وبعضهم إلى الشام وإن حييا أتى بني قريظة يوم الخندق فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد فلما كان الظهر من صبيحة اليوم الذي رجع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا فنادى في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. قال محمد بن إسحاق حدثني أبي إسحاق بن يسار عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس، وقال ابن سعد دعا عليا فدفع إليه لواءه، وفي إرشاد المفيد انه صلى الله عليه وسلم أرسل عليا إليهم في ثلاثين من الخزرج فسار علي حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال: "لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى" قال نعم قال "لو رأوني لم يقولوا من ذاك شيئا" (وفي رواية) "دعوهم فان الله سيمكن منهم". قال المفيد: قال علي سرت حتى دنوت من سورهم فأشرفوا علي فلما رأوني صاح صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو وقال آخر قد اقبل عليكم قاتل عمرو وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك والقي الله في قلوبهم الرعب حتى ركزت الراية في أصل الحصن فاستقبلوني في صياصيهم يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعت سبهم له كرهت أن يسمع فعلمت على الرجوع إليه فإذا به قد طلع وسمع سبهم له فناداهم: "يا أخوة القردة والخنازير إنا إذا حللنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" فقالوا له: يا أبا القاسم ما كنت جهولا ولا سباب فاستحيا ورجع القهقرى قليلا وأمر فضربت خيمته بإزاء حصونهم وتلاحق به الناس فأتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية تخوف بعضهم فوات الوقت فصلوا وقال آخرون لا نصلي إلا حيث امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وان فات الوقت فما عنف صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين أقول كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يسرعوا إلى بني قريظة فيدركوا صلاة العصر هناك لا أن صلاة العصر لا تصح منهم إذا تأخروا لمانع إلا في بني قريظة والذين لم يصلوا العصر كأنهم توهموا ذلك فكانوا معذورين. قال ابن سعد سار إليهم صلى الله عليه وسلم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة وقيل خمسة عشر يوما ويوشك أن يكون صحف أحدهما بالآخر حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وقد كان حيي بن اخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما عاهده عليه فلما أيقنوا انه صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال لهم كعب بن أسد أني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا بما شئتم منها: نتابع هذا الرجل فوالله لقد تبين لكم إنه نبي مرسل قالوا لا نفارق حكم التوراة، قال: إذا أبيتم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج بأسيافنا فان نهلك لم نترك وراءنا ما نخشى عليه وان نظهر لنجدن بدله، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم، قال فان أبيتم فالليلة السبت عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب منهم غرة، قالوا نفسد علينا سبتنا، قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه حازما. ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف من الأوس وكان بنو قريظة حلفاءهم لنستشيره فأرسله إليهم فقام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم، فقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال نعم، وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح، قال فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي فنزلت فيه: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}. قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره قال: "أما إنه لو جاءني لاستغفرت له أما الآن فما إنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه" فأقام مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه أمراته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع حتى نزلت توبته بقوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم أن الله غفور رحيم}، فثار إليه الناس ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده فأطلقه. واسطوانة أبي لبابة معروفة في المسجد النبوي إلى اليوم. فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم فكتفوا ونحوا ناحية وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية، وإنما نزلوا على حكمه بعد الذي سمعوه من أبي لبابة لأنهم لم يجدوا مناصا وأملوا النجاة بشفاعة الأوس حلفائهم. ووجد في حصونهم ألف وخمسمائة سيف وثلثمائة درع وألفا رمح وألف وخمسمائة ترس فتواثبت الأوس وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يهبهم إياهم لأنهم حلفاؤهم كما وهب بني قينقاع للخزرج حين نزلوا على حكمه لأنهم حلفاؤهم، فقال صلى الله عليه وسلم : "ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟" قالوا بلى قال فذاك إلى سعد بن معاذ وكان بعد قد أصابه سهم يوم الخندق في اكحله فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة أمراة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده ليكون قريبا منه وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حمله قومه على حمار وأقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فلما انتهى إلى رسول الله قال صلى الله عليه وسلم "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" فقاموا إليه فقالوا أن رسول الله قد ولاك مواليك لتحكم فيهم، قال فإني احكم فيهم بان تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة"، ثم استنزلوا، وانصرف صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لسبع ليال خلون من ذي الحجة إلى المدينة وأمر بهم فأدخلوا المدينة فحبسوا في دار رملة بنت الحارث من بني النجار وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل بها الوفود ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع السوق فخندق فيه خنادق وخرج معه المسلمون وأمر بهم أن يخرجوا وتقدم أن تضرب أعناقهم في الخندق، فاخرجوا أرسالا وقتلوا وفيهم حيي بن اخطب ورئيسهم كعب بن أسد وكانوا بين الستمائة والسبعمائة وبعضهم يقول بين الثمانمائة والتسعمائة، وكان يقتل منهم من أنبت، فقالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم يا كعب ما ترى يصنع بنا؟ فقال في كل موطن لا تعقلون، إلا ترون الداعي لا ينزع ومن ذهب به منكم لا يرجع، وهو والله القتل. وجئ بحيي بن اخطب وعليه حلة قد شققها كموضع أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال: إنه لا باس بأمر الله كتاب الله وقدره وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل. وقتل من نسائهم أمراة واحدة كانت ألقت رحى على رجل من المسلمين فشدخته واسلم منهم اثنان فسلما. فلما قتلوا انفجر جرح سعد بن معاذ فمات منه شهيدا. وفي بني قريظة انزل الله تعالى قوله: {وانزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها أي خيبر وكان الله على كل شيء قديرا}.

غزوة بني لحيان

في ربيع الأول وقيل في جمادي الأولى سنة ست من الهجرة على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة وكانوا بناحية عسفان خرج صلى الله عليه وسلم إليهم يطلب بأصحاب الرجيع ويأتي ذكرهم في السرايا وأظهر إنه يريد الشام ليصيب منهم غرة وعسكر غرة ربيع الأول في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم أسرع السير حتى أتى بطن غران وهي منازل بني لحيان وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث قتل أصحاب الرجيع فترحم عليهم ودعا لهم فسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فأقام يوما أو يومين وبعث السرايا في كل ناحية فلم يقدروا على أحد ثم خرج حتى أتى عسفان في مائتي راكب من أصحابه ليرى أهل مكة إنهم قد جاءوها ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم عاد إلى المدينة وهو يقول: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون وفي رواية تائبون آئبون أن شاء الله حامدون لربنا عابدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال وغاب عن المدينة أربع عشرة ليلة.

غزوة ذي قرد

ويقال غزوة الغابة في ربيع الأول سنة ست من الهجرة وذو قرد بفتح القاف والراء وقيل غير ذلك اسم ماء على بريد من المدينة في طريق الشام والقرد في الأصل الصوف الرديء والغابة الشجر الملتف وسببها إنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة ترعي بالغابة واللقحة القريبة الولادة وكان فيها أبو ذر ومعه ابنه وأمراته وثلاثة نفر فأغار عليها عيينة بن حصن ليلة الأربعاء في أربعين فارسا فاستاقوها وقتلوا ابن أبي ذر واحتملوا المرأة ونجا أبو ذر والثلاثة النفر وأول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي غدا يريد الغابة حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في ناحية سلع ثم صرخ واصباحاه ثلاثا وقيل نادى الفزع الفزع ونودي يا خيل الله اركبي وكان أول ما نودي بها، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج غداة الأربعاء مقنعا في الحديد فوقف فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له صلى الله عليه وسلم لواء في رمحه وقال امض حتى تلحقك الخيول إنا على أثرك وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وتبناه فنسب إليه وتلاحقت به الفرسان واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخلف سعد بن عبادة في ثلثمائة من قومه يحرسون المدينة أما سلمة فبعد ما صاح واعلم الناس خرج يشتد في اثر القوم كالسبع وقد كاد يسبق الفرس جريا وهو على رجليه حتى أدركهم فجعل يراميهم بالنبل ويقول:

أي يوم هلاك اللئام فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا قال كنت الحق الرجل منهم فارميه بسهم في رجليه فيعقره فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم ارميه فاعقره فيولي عني فإذا دخلت الخيل في بعض مضايق الجبل علوته ورميتهم بالحجارة ولحق بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا خمسمائة وقيل سبعمائة وبعث سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد واستخلصوا منه عشر قلائص وفاتتهم عشر وقيل استخلصوا الجميع وقتل من المسلمين رجل اسمه قمير من الفرسان وقتل من المشركين جماعة ورجعت زوجة أبي ذر هربت منهم ليلا على بعض تلك القلائص فقالت يا رسول الله أني نذرت أن أنحرها أن نجاني الله عليها قال بئسما حزيتها لا نذر في معصية ولا فيما لا تملكين وعاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد غاب عنها خمس ليال ولم يذكروا أن عليا عليه السلام حضر هذه الغزاة فلعله كان غائبا عن المدينة أو له مانع وإلا فهو فارس الغزوات وصاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتأخر عن غزوة اختيارا أو يحضر ولا يبلي فيها بلاء حسنا.

غزوة الحديبية أو صلح الحديبية

نأخذها من طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام والسيرة الحلبية وغيرها: خرج صلى الله عليه وسلم للعمرة لا يريد حربا يوم الإثنين غرة ذي القعدة سنة ست من الهجرة قال ابن سعد استنفر أصحابه إلى العمرة فأسرعوا وقال ابن هشام استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش أن يحاربوه أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الأعراب فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسل ولبس ثوبين وركب راحلته القصواء ومعه ألف وستمائة أو ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم قال المفيد في الإرشاد: وكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام كما كان إليه في المشاهد قبلها. ولم يخرج بسلاح إلى السيوف في القرب وساق سبعين بدنة هو وأصحابه فصلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بالبدن فجللت ثم أشعر عدة منها في الشق الأيمن من سنامها أي جرحها وقلدها أي علق في عنقها قطعة جلد أو نعلا بالية ليعلم أنها هدي فيكف عنها وأشعر أصحابه أيضا وهن موجهات إلى القبلة وأحرم ولبى وقدم عباد بن بشر إمامه طليعة في عشرين فارسا من المهاجرين والأنصار وبلغ المشركين خروجه فاجمع رأيهم على صده وعسكروا ببلدح وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم عليهم خالد بن الوليد. ودخل بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي مكة فعرف ما يريدون وجاء حتى لقيه وراء عسفان فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم فقال صلى الله عليه وسلم "يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره أو تنفرد هذه السالفة" (والسالفة) صفحة العنق.

ودنا خالد حتى نظر إلى أصحاب رسول الله فأمر صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم في خيله فقام بإزائه وصف صلى الله عليه وسلم أصحابه وحانت صلاة الظهر فصلى صلى الله عليه وسلم بهم صلاة الخوف فلما أمسى قال لأصحابه تيامنوا وأمرهم أن يسلكوا طريقا تخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة فسار في طريق وعرة حتى دنا من الحديبية وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة إلى جهة الغرب من ناحية جدة فلما رأت خيل قريش غبار الجيش قد خالفوا عن طريقهم رجعوا راكضين إلى قريش ينذرونهم فخرجوا بأجمعهم حتى نزلوا مياه الحديبية فلما وقعت يدا راحلته صلى الله عليه وسلم على الثنية التي تهبط على القوم بركت فقال المسلمون حل حل يزجرونها فأبت أن تنبعث فقالوا خلأت القصواء فقال صلى الله عليه وسلم "ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة أما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة الله (وفي رواية فيها صلة الرحم) إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها" فقامت وانصرف عن القوم حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية وجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي رئيس خزاعة في رجال من قومه وكانت خزاعة مسلمها وكافرها عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخفي عنه شيئا من أمر قريش فسلموا عليه وقال بديل جئناك من عند قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم معهم العوذ المطافيل يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم نأت لقتال أحد إنما جئنا لنطوف بهذا البيت (وفي رواية) فمن صدنا عنه قاتلناه" فرجعوا إلى قريش فقالوا إنكم تعجلون على محمد إنه لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم وقالوا وإن كان جاء لا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تتحدث بذلك عنا العرب ثم بعثوا الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش وكان يتأله فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا من قوم يتالهون فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه" فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي عليه القلائد وقد أكل أوباره من طول الحبس رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فقال لهم ذلك فقالوا اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك فغضب وقال والله ما على هذا حالفناكم أيصد عن بيت الله من جاء معظما له والله لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد قالوا فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به ثم بعثوا عروة بن مسعود الثقفي فجاء حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا

محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم أنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وجعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد فجعل يقرع يده ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا نصل إليك فقال عروة ويحك ما أفظك وأغلظك ثم قال أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس، وكان المغيرة قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فوداهم عروة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بنحو ما كلم به أصحابه وأخبره إنه لا يريد حربا فقام عروة من عنده وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ إلا ابتدروا لوضوءه ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه فقال لقريش أني قد جئت كسرى وقيصر والنجاشي في ملكهم والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش ليخبرهم ما جاء له فعقروا بعيره وأرادوا قتله فمنعه من هناك من قومه فدعا عمر ليبعثه فقال أني أخاف قريشا على نفسي وليس من بني عدي أحد يمنعني فبعث عثمان فقال اخبرهم إنا لم نأت لقتال وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته معنا الهدى ننحره وننصرف فلقيه أبان بن سعيد بن العاص فأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لا كان هذا أبدا ولا يدخلها علينا العام واحتسبته قريش عندها ثلاثة أيام فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل فقال: لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة. قال المفيد في الإرشاد: وكان من بلاء علي عليه السلام في ذلك اليوم عند صف القوم في الحرب والقتال ما ظهر خبره واستفاض ذكره وذلك بعد البيعة التي أخذها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه والعهود عليهم في الصبر وكان علي عليه السلام المبايع للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم فكانت بيعته لهن يومئذ أن طرح ثوبا بينهن وبينه ثم مسحه بيده فكانت مبايعتهن للنبي صلى الله عليه وسلم مسح الثوب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ثوب علي عليه السلام مما يليه وجعلت الرسل تختلف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فاجمعوا على الصلح والموادعة فبعثوا سهيل بن عمرو في عدة من رجالهم وجرى الصلح بينهما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليكتب كتاب الصلح فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا اعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما صالح محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل لو شهدت انك رسول الله لم أقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب فان لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد وفي السيرة الحلبية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: امح رسول الله فقال علي والله لا امحوه أبدا فقال أرنيه فأراه إياه فمحاه بيده وقال إنا والله رسول الله وان كذبتموني. وفي إرشاد المفيد فقال له علي عليه السلام إنه والله لرسول الله على رغم انفك فقال سهيل اكتب اسمه يمض الشرط فقال له علي عليه السلام ويلك يا سهيل كف عن عنادك فكتب علي عليه السلام هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض على إنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن أتى قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وان بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال ولا أغلال وان من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه وأن من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وانك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وانه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها وشهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص وكانا مشركين وعلي بن أبي طالب وكان هو كاتب الصحيفة وكتب الكتاب نسختين إحداهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى عند سهيل بن عمرو وبينا هم يكتبون الكتاب إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد أسلم فقيدته قريش وعذبته فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال صدقت وقال صلى الله عليه وسلم : "يا أبا جندل قد تم الصلح بيننا وبين القوم فاصبر حتى يجعل الله لك فرحا ومخرجا" ثم انطلق سهيل بن عمرو وأصحابه ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه وحلق ونحر أصحابه وحلق عامتهم وقصر الآخرون وأقام بالحديبية بضعة عشر يوما ويقال عشرين يوما ثم انصرف.

وجاءه صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة أبو بصير رجل من قريش واسمه عتبة وكان ممن حبس بمكة فأرسلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين في رده فأمره بالرجوع فقال يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني عن ديني قال "إن الله سيجعل لك ولمن حولك من المسلمين فرجا ومخرجا" فلما كان في بعض الطريق أخذ سيف أحدهما وقتله به وفر الآخر وذهب أبو بصير إلى محل من طريق الشام تمر به عير قريش واجتمع إليه جمع من المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة صاروا يتسللون إليه ومنهم أبو جندل الذي رده صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكانوا سبعين وانضم إليهم ناس من قبائل العرب كانوا أسلموا حتى بلغوا ثلثمائة فقطعوا مادة قريش لا يظفرون بأحد إلا قتلوه ولا تمر بهم عير إلا أخذوها فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا عليه المدينة وهم الذين مر بهم أبو العاص بن الربيع من الشام في نفر من قريش فأسروهم واخذوا ما معهم ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر أبي العاص زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة كما ذكرناه في أواخر وقعة بدر وأمنت قريش على عيرها وكان صلح الحديبية سببا لكثرة المسلمين. وهاجر إليه بعض النساء فأبى أن يردهن وذلك قوله تعالى {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بإيمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار}.

غزوة خيبر

في جمادي الأولى وقيل في المحرم سنة سبع من الهجرة وهي على ثمانية برد من المدينة مسير نحو ثمان وأربعين ساعة سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو أخو يثرب الذي سميت باسمه المدينة وقيل خيبر بلسان اليهود الحصن وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير. ولم يذكر المؤرخون إنه كان بين النبي صلى الله عليه وسلم ويهود خيبر عهد وإنما كان العهد بينه وبين البطون الثلاثة من اليهود المقدم ذكرهم الذين كانوا بنواحي المدينة وهم بنو قينقاع والنضير وقريظة أما يهود خيبر فالظاهر إنه غزاهم يدعوهم إلى الإسلام أو قبول الجزية أو الحرب فلما لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم ومع ذلك فقد ذكر ابن الأثير وغيره أن أهل خيبر كانوا مظاهرين لغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وان غطفان قصدت خيبر ليظاهروا اليهود ثم خافوا المسلمين على أهليهم وأولادهم فرجعوا. وكان المسلمون في هذه الغزاة ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس.

قال ابن سعد: فلما نزل بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة حتى طلعت الشمس وأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم فلما نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس أي الجيش وولوا هاربين إلى حصونهم وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ووعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس. قال ابن هشام فحاصرهم بضع عشرة ليلة فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ثم القموص ثم حصن الصعب بن معاذ ثم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون خيبر افتتاحا، ثم قال: قال ابن إسحاق وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رض برايته وكانت بيضاء إلى بعض حصون خيبر يقاتل فرجع ولم يك فتح وقد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يك فتح وقد جهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأعطين الراية غدا" رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار، وفي السيرة الحلبية: في لفظ كرار غير فرار، قال وقد دفع صلى الله عليه وسلم لواءه لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا فدفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا، قال ابن هشام: يقول سلمة: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك قال سلمة فخرج والله يهرول هرولة وأنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال من أنت؟ قال إنا علي بن أبي طالب، قال: يقول اليهودي علوتم أو غلبتم وما انزل على موسى أو كما قال، فما رجع حتى فتح الله على يديه. ورواه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء بسنده عن سلمة بن الأكوع مثله وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رض إلى بعض حصون خيبر فقاتل وجهد ولم يكن فتح وبسنده عن أبي ليلى عن علي إنه قال يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر قال بلى والله كنت معكم قال فان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتى رجع. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه أي لم يخرجه البخاري ومسلم. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح ولم يعقبه ومن عادته أن يتعقب المستدرك إذا لم يكن الحديث صحيحا عنده، وروى الحاكم في المستدرك أيضا قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبيد الله بن موسى ثنا نعيم بن حكيم عن أبي موسى الحنفي عن علي رضي الله عنه قال: سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر رض وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه

فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي صلى الله عليه وسلم الحديث. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك صحيح ولم يتعقبه وبسنده عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عمر رض فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وبسنده عن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم خيبر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فجبن إلى أن قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأبعثن غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبانه لا يولي الدبر يفتح الله على يديه فتشق لها الناس" وعلي يومئذ أرمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سر فقال ما أبصر موضع فتفل في عينيه وعقد له ودفع إليه الراية فقال: يا رسول الله علام أقاتلهم فقال "على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله فإذا فعلوا ذلك حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل" فلقيهم ففتح الله عليه. وفي أسد الغابة بسنده عن بريدة قال: لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فلما كان من الغد أخذه عمر وقيل محمد بن مسلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأدفعن لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه" فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ثم دعا باللواء فدعا عليا وهو يشتكي عينيه فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح قال الراوي فسمعت عبد الله بن بريدة يقول حدثني أبي إنه كان صاحب مرحب يعني عليا. وروى الطبري في تاريخه قال حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله أن عبد الله بن بريدة حدث عن بريدة الأسلمي قال لما كان حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصن أهل خيبر اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجبنه أصحابه ويجبنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله" ويحبه الله ورسوله فلما كان للغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليا عليه السلام وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من الناس من نهض فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز ويقول:

فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتام آخر الناس مع علي عليه السلام حتى فتح الله لأولهم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله بن بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بحضرة خيبر قال "لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فلما كان من الغد تطاول له جماعة من أصحابه فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ومعه الناس فلقوا أهل خيبر فإذا مرحب بين أيديهم يرتجز وهو يقول:

فاختلف هو وعلي بضربتين فضربه علي على رأسه حتى عض السيف بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فقتله فما أتى آخر الناس حتى فتح لأولهم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن إياس بن مسلمة عن أبيه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر حين تفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيني علي فبرئ فأعطاه الراية فبرز مرحب وهو يقول:

#إذا الحروب أقبلت تلتهب

فبرز له علي وهو يقول:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة=كليث غابات كريه المنظره

#أوفيكم بالصاع كيل السندرة

فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح. ثم قال الطبري حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير حدثنا المسيب بن مسلم الأودي حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أما والله لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة" قال وليس ثم علي عليه السلام فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك فأصبح فجاء علي عليه السلام على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد وقد عصب عينيه بشقة برد قطري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك قال رمدت بعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدن مني فدنا منه فتفل في عينيه فما اشتكى وجعهما حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية فنهض بها معه وعليه حلة أرجوان حمراء قد أخرج خملها فأتى مدينة خيبر وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر وبرد معصفر يمان وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول:

فقال علي عليه السلام:

#ليث بغابات شديد قسورة

فاختلفا ضربتين فبدره علي فضربه فقد الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في الأضراس وأخذ المدينة. وفي السيرة الحلبية أن مرحبا كان رأى تلك الليلة كان أسدا افترسه فذكره ذلك علي بقوله:

لأن حيدرة من أسماء الأسد. وفي السيرة الحلبية: جاء أن مرحبا لما رأى أخاه قد قتل خرج سريعا من الحصن في سلاحه وقد كان لبس درعين وتقلد بسيفين واعتم بعمامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار وهو يرتجز بما مر فيروى أن عليا ضربه فتترس فوقع السيف على الترس فقده وشق المغفر والحجر الذي تحته والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف في الأضراس. وفي طبقات ابن سعد: أخبرنا عفان بن مسلم حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح عليه" قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إلى فلما كان الغد دعا عليا فدفعها إليه فقال قاتل ولا تلتفت حتى بفتح الله عليك فسار قريبا ثم نادى يا رسول الله علا م أقاتل قال "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". وفي السيرة الحلبية: زاد في رواية: وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم تتصدق بها في سبيل الله وروى ابن سعد بسنده عن سلمة بن الأكوع أن عمه عأمرا بارز مرحبا يوم خيبر فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فوقع السيف على ساق عامر فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال سلمة ثم أن نبي الله أرسلني إلى علي فقال لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه ويرتجز بما مر فقال علي عليه السلام وذكر الرجز السابق ثم قال: ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه. وكذلك في السيرة الحلبية. وفي السيرة الحلبية أيضا: في رواية انه صلى الله عليه وسلم ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار في وسطه وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن وخرج إليه أهل الحصن وكان أول من خرج إليه منهم الحارث أخو مرحب وكان معروفا بالشجاعة فانكشف المسلمون وثبت علي فتضاربا فقتله علي وانهزم اليهود إلى الحصن. وروى ابن هشام عن ابن إسحاق وروى الطبري عن ابن حميد عن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرع فلقد رأيتني في نفر سبعة إنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقبله وفي السيرة الحلبية: ثم ألقاه وراء ظهره ثمانين شبرا. وكان اليهود قد خندقوا على أنفسهم كأنهم تعلموا ذلك من يوم الأحزاب فان الخنادق لم تكن معروفة عند العرب كما مر وكان اسم الحصن القموص وكان أعظم حصون خيبر وكان منيعا قال المفيد: لما قتل علي عليه السلام مرحبا رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه فسار علي عليه السلام إلى الباب فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق فأخذ عليه السلام باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا فظفروا بالحصن ونالوا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن أخذه عليه السلام بيمناه فدحى به أذرعا من الأرض وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم واستأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول في ذلك شعرا فإذن له فأنشأ يقول:

وفي ذلك يقول الشاعر أيضا:

قال المفيد: وفيه أيضا قال شاعر من شعراء الشيعة على ما رواه أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور قال قرأت على أبي عثمان المازني:

ولما قتل مرحب خرج أخوه ياسر وكان من مشاهر فرسان يهود وشجعانهم وهو يقول:

فبرز إليه علي عليه السلام فقتله وقيل قتله الزبير. ولما فتح علي عليه السلام القموص حصن ابن أبي الحقيق أسر صفية بنت حيي بن اخطب وأخرى معها وأرسلهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلال فمر بهما بلال على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فقال لبلال حين رأى من تلك اليهودية ما رأى: أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بأمراتين على قتلى رجالهما.

وفي السيرة الحلبية: قال بعضهم الأخبار متواترة بان عليا هو الذي قتل مرحبا وبه جزم مسلم في صحيحه وقال ابن الأثير هو الصحيح الذي عليه أهل السير والحديث، وفي الاستيعاب إنه الصحيح الذي عليه أكثر أهل السير والحديث وقال الحاكم في المستدرك أن الأخبار متواترة بإسناد كثيرة أن قاتل مرحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فلا يلتفت إلى الخبر الشاذ الذي رواه محمد بن إسحاق من أن قاتله محمد بن مسلمة.

والعجب من الدكتور محمد حسين هيكل المصري فإنه لم يذكر في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم إلا الخبر الشاذ الذي وضعه أعداء علي وحاسدوه بان مرحبا قتله محمد بن مسلمة واعرض عن الخبر المتواتر بان قاتل مرحب هو علي بن أبي طالب ولم يشر إليه أصلا مع حكم الحفاظ والنقاد من مؤرخي المسلمين ومحدثيهم بصحته وتواتره كما سمعت ومع ظهور الحال في ذلك ظهورا يجعله كالشمس الضاحية ولا عجب فانا رأينا هذا الرجل في كتابه هذا يغمط عليا حقه في كل موضع ما استطاع.

وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب من الحبشة يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه وقال ما أدري بأيهما إنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر.

ولما فتحت خيبر قال الحجاج بن علاط وكان قد أسلم: يا رسول الله أن لي مالا بمكة متفرقا في تجار أهل مكة فائذن لي في الخروج لأجله ولا بد لي أن أقول ما لم يكن فإذن له قال فلقيني رجال من قريش ولم يكونوا علموا بإسلامي فقالوا بلغنا أن القاطع سار إلى خيبر وهي ريف الحجاز قلت عندي من الخبر ما يسركم هزم هزيمة لم يسمع بمثلها وقتل أصحابه وأسر محمدا أسرا وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم بما أصاب منهم فصرخوا وصاحوا بذلك في مكفة فقلت أعينوني على جمع مالي بمكة فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد قبل أن يسبقني التجار فجمعوا لي ذلك كله، وسمع بذلك العباس فسألني فقلت أحفظ عني حديثي ثلاثا فإني أخشى الطلب، قال افعل، قلت فتح ابن أخيك خيبر وأحرز ما فيها وتركته عروسا على ابنة ملكهم وقد أسلمت وما جئت إلا لأخذ مالي فلما كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له وتطيب وأخذ عصاه ثم خرج فطاف بالكعبة فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد، قال كلا والذي حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وتزوج ابنة ملكهم وأحرز أموالهم فأصبحت له ولأصحابه قالوا من أخبرك بهذا قال الذي أخبركم بما أخبركم ولقد جاء مسلما، قالوا انفلت عدو الله ثم جاءهم الخبر بذلك.

وهذا يدل على أن قريشا كسرت شوكتهم بعد وقعة الخندق وإلا لم يجسر العباس على ذلك كما لم يجسر على التخلف عنهم يوم بدر.

فدك

قال ابن إسحاق: فلما فرع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك فقبل منهم ذلك فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

غزوة وادي القرى

في جمادي الآخرة سنة سبع قال ياقوت هو واد بين الشام والمدينة بين تيماء وخيبر من أعمال المدينة كثيرة القرى كانت قديما منازل ثمود وعاد. لما فرع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر توجه إلى وادي القرى وأهله يهود فدعاهم إلى الإسلام فامتنعوا وقاتلوه وبرز رجل منهم فقتله الزبير وآخر فقتله علي بن أبي طالب وآخر فقتله أبو دجانة وقاتلهم المسلمون إلى السماء وقتل منهم أحد عشر رجلا ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة فترك الأرض والنخيل في يد أهلها وعاملهم على نحو ما عال عليه أهل خيبر.

عمرة القضاء

وكانت في ذي القعدة سنة سبع خرج صلى الله عليه وسلم في الشهر الذي صدوه فيه معتمرا مكان عمرته التي صدوه عنها ولذلك سميت عمرة القضاء ويقال عمرة القصاص وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه إلا من مات أو قتل وخرج معهم غيرهم عمارا فكانوا ألفين وحمل معه السلاح الدروع والبيض والرماح وقاد مائة فرس وأحرم من ذي الحليفة هو وأصحابه وساق ستين بدنة وقدم الخيل إمامه عليها محمد بن مسلمة وعلى السلاح بشير بن سعد فإنهم لم يلبسوه فقيل يا رسول الله حملت السلاح وقد شرطوا علينا أن لا ندخلها عليهم إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال لا ندخل عليهم الحرم بالسلاح ولكن يكون قريبا منا فلما سمع به أهل مكة خرج عنه كبراؤهم إلى رؤوس الجبال حتى لا يروه يطوف بالبيت، وتحدثت قريش بينها أن محمدا وأصحابه في عسرة وشدة وصفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه والى أصحابه، فقال صلى الله عليه وسلم : "رحم الله امرءا أراهم اليوم من نفسه قوة فطاف بالبيت وأتم عمرته وأقام بمكة ثلاثا"، وكان عمه العباس قد زوجه ميمونة بنت الحارث أخت زوجته أم الفضل وأصدقها عنه أربعمائة درهم فأرسلت إليه قريش في اليوم الثالث قد انقضى أجلك فاخرج عنا فقال وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه قالوا لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا، كأنه أراد أن يكذب ما بلغهم إنه في عسرة وان يتألفهم فخرج وأخذ معه عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب وأمها سلمى بنت عميس فكانت عمارة عند جعفر من أجل أن خالتها أسماء بنت عميس عنده ودخل المدينة في ذي الحجة فأنزل الله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}.

غزوة مؤتة

في جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة بعد خيبر بشهرين وحقها أن تسمى سرية كما في طبقات ابن سعد لأن الغزوة عندهم ما غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه والسرية بخلافها. ومؤتة بضم الميم وهمزة ساكنة موضع معروف عند الكرك بأدنى البلقاء وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى هرقل ملك الروم بالشام فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني من أمراء قيصر على الشام فقال أين تريد لعلك من رسل محمد؟ قال نعم، فأوثقه رباطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره فلما بلغه ذلك اشتد الأمر عليه فجهز ثلاثة آلاف من أصحابه وبعثهم إلى بلاد الروم وأمر عليهم زيد بن حارثة فان أصيب فجعفر بن أبي طالب فان أصيب فعبد الله بن رواحة هكذا ذكر أكثر المحدثين ولكن في رواية أبان بن عثمان عن الصادق عليه السلام إنه استعمل عليهم جعفرا فإن قتل فزيد فان قتل فابن رواحة. قال ابن أبي الحديد اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول فان قتل فزيد بن حارثة فان قتل فعبد الله بن رواحة ورووا في ذلك روايات وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتابه المغازي ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت:

ومنها قول كعب بن مالك الأنصاري من قصيدة:

وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا مقتل الحارث فيدعوهم إلى الإسلام فان أجابوا وإلا استعانوا الله عليهم وودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصاهم بتقوى الله وقال اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا أمراة ولا صغيرا ولا كبيرا فانيا ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناء فلما فصلوا من المدينة سمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع أكثر من مائة ألف وقدم الطلائع إمامه فساروا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من العرب المتنصرة من بكر ولخم وجذام وغيرهم فأقاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم هل يبعثون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرونه بعدد عدوهم فأما أن يمدهم أو يأمرهم بأمر فيمضوا له فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال يا قوم والله أن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به فإنما هي إحدى الحسنيين أما ظهور وأما شهادة فقال الناس صدق والله ابن رواحة فمضوا للقتال وفي ذلك يقول ابن رواحة من أبيات:

فلما كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف وهي التي تنسب إليها السيوف المشرفية لأنها كانت تعمل بها وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة وعبأوا جيشهم ميمنة وميسرة والتقى الناس فاقتتلوا فقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم قاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل المسلمون معه على صفوفهم حتى شاط في رماح القوم أي قتل طعنا بالرماح فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها وكان أول من عقر فرسه في الإسلام ثم قاتل فقطعت يمينه فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية وقاتل حتى قتل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أبدله بهما جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة" فروي إنه وجد ما بين صدره ومنكبيه وما اقبل منه تسعون جراحة ما بين ضربة وطعنة وقيل وجد في بدنه اثنتان وسبعون ضربة وطعنة وروي خمسون جراحة وقيل ضربه رومي فقطعه بنصفين فوجد في أحد نصفيه بضعة وثلاثون جرحا فأخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم تقدم بها وهو يتردد بعض التردد ثم قال:

وقال أيضا:

ثم نزل فاتاه ابن عم له بعرق من لحم أي عظم عليه لحم فقال شد بهذا صلبك فانتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال وأنت في الدنيا وألقاه من يده وتقدم فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية خالد بن الوليد فانحاز بالناس ورجع فلقيهم المسلمون يحثون في وجوههم التراب ويقولون يا فرارون فررتم في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هم الكرارون وكان الرجل يجيء إلى أهل بيته يدق عليهم الباب فيأبون أن يفتحوا له حتى أن نفرا منهم جلسوا في بيوتهم استحياء كلما خرج واحد منهم صاحوا به. وعن كتاب المحاسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس زوجة جعفر فقال لها أين بني فدعت بهم وهم ثلاثة عبد الله وعون ومحمد فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسهم فقالت إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام فعجب من عقلها فقال "يا أسماء ألم تعلمي أن جعفرا استشهد فبكت فقال لها لا تبكي فإن الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر"، فقالت يا رسول الله لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عقلها ثم قال ابعثوا إلى أهل جعفر طعاما" فجرت به السنة.

غزوة فتح مكة

في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وهي التي توطد أمر الإسلام بها وتمهد الدين بما من الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم فيها وكان الوعد بها قد تقدم في قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}. وقوله عز وجل قبلها بمدة طويلة: {لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}. وكانت الأعين إليها ممتدة والرقاب متطاولة. وكان السبب فيها إنه كان قد خرج في الجاهلية رجل تاجر يقال له مالك بن عباد من بني الحضرمي حليف لبني بكر بن عبد مناة بن كنانة فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة على ثلاثة من أشراف بني بكر فقتلوهم وذلك قبل الإسلام ثم حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش دخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في عقد قريش كما مر فاغتنمت بنو بكر الهدنة فكلم جماعة منهم أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح ليأخذوا بثار الثلاثة الذين قتلتهم خزاعة من بني بكر فأجابوهم ووافوهم بالوتير ماء لخزاعة بأسفل مكة متنكرين متنقبين فيهم صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو فاجتمعوا ليلا هم وبنو بكر وبيتوا خزاعة وهم على الوتير فقتلوا منهم عشرين رجلا وذلك في شعبان، وندمت قريش على ما صنعت وعلموا أن هذا نقض للعهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ثم الكعبي في أربعين راكبا من خزاعة حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوقف عليه وهو جالس في المسجد وأنشأ يقول من أبيات:

وكان بين خزاعة وعبد المطلب حلف قبل الإسلام وذلك قوله: حلف أبينا وأبيك الأتلدا ولا باس بذكر صورة الحلف بين عبد المطلب وخزاعة فإنه من الآثار العربية القديمة التي تتطلع النفوس إلى معرفتها:

صورة كتاب الحلف الذي كتبه عبد المطلب بن هاشم لخزاعة

باسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم غائبهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا وبينكم عهود الله وميثاقه وما لا ينسى أبدا اليد واحدة والنصر واحد ما أشرق ثبير وثبت حراء مكانه وما بل بحر صوفة.

صورة محالفة أخرى بين عبد المطلب وخزاعة:

باسمك اللهم هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة تحالفوا على التناصر والمواساة ما بل بحر صوفة حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ والأصاغر على الأصاغر والشاهد على الغائب وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث ما أشرقت شمس على ثبير وحن بفلاة بعير وما أقام الأخشبان وعمر بمكة أنسان حلف أبد لطول أمد يزيده طلوع الشمس شدا وظلام الليل مدا وأن عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل وجعلوا الله على ذلك كفيلا وكفى به حميلا. فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه وهو يقول: لا نصرت أن لم انصر خزاعة مما انصر منه نفسي. ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش عليهم ثم انصرفوا إلى مكة وبعثت قريش أبا سفيان ليجدد العقد ويزيد في المدة فلقي بديلا وأصحابه في الطريق فقال له أبو سفيان من أين أقبلت؟ وقد ظن إنه أتى النبي ص، قال سرت في خزاعة في هذا الوادي قال ما أتيت محمدا؟ قال لا، فلما راح بديل عمد أبو سفيان إلى مبرك ناقته ففت البعر فرأى فيه النوى فقال احلف بالله لقد جاء بديل محمدا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس "كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة"، وجاء أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال يا بنية ما أدري أرغبت بي عنه أم رغبت به عني؟ قالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجس مشرك، قال لقد أصابك يا بنية بعدي شر، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد لنا العهد وامدد لنا في المدة"، قال: "هل كان فيكم من حدث" قال معاذ الله فقال صلى الله عليه وسلم "نحن على مدتنا وصلحنا" فأعاد أبو سفيان القول فلم يردد عليه شيئا ثم قال لأبي بكر أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما إنا بفاعل ثم أتى عمر فكان أشد ثم دخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة وعندها ابنها الحسن غلام يدب بين يديها، فقال يا علي انك أمس القوم بي رحما وقد جئت في حاجة فلا ارجعن كما جئت خائبا، اشفع لنا عند محمد فقال لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فقال لفاطمة: يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر، قالت ما بلغ ببني أن يجير بين الناس وما يجير على رسول الله أحد، قال يا أبا الحسن أني أرى الأمور قد اشتدت أنسدت خ ل علي فانصحي، قال ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فاجر بين الناس ثم الحق بأرضك، قال أوترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال لا أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس أني قد جرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق، فسألته قريش ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم جئت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشيء صنعته ما أدري يغنيني شيئا أم لا، أمرني أن أجير بين الناس. قالوا فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا، قالوا ما زاد على أن لعب بك (رواه الطبري في تاريخه). وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخفى أمره أولا وقال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها" وأخذ بالأنقاب أي الطرق فأوقف بكل طريق جماعة ليعرف من عبر بها وقال لهم "لا تدعوا أحدا يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه" ثم أخبر جماعة بمسيره إلى مكة وبقي الأمر مكتوما عن الأكثر فمن قائل يريد مكة وقائل يريد هوزان وقائل يريد ثقيفا، فكتب حاطب ابن أبي بلتعة وكان من أهل مكة وقد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش يخبرهم بذلك فيمكن أن يكون قد اطلع علي جلية الأمر ويمكن أن يكون ظن ظنا ودفع الكتاب إلى أمراة سوداء وردت المدينة تستميح بها الناس وجعل لها جعلا على أن توصله إليهم فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرانها وسارت على غير الطريق فنزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فدعا عليا وقال له أن بعض أصحابي كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا وقد كنت سالت الله عز وجل أن يعمي أخبارنا عليهم والكتاب مع أمراة سوداء قد أخذت على غير الطريق فخذ سيفك وألحقها وانتزع الكتاب منها وخل سبيلها ثم استدعى الزبير بن العوام فأرسله معه فأدركا المرأة فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب فأنكرته وحلفت إنه لا شيء معها وبكت، فقال الزبير ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبره ببراءة ساحتها فقال له علي عليه السلام: يخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معها كتابا ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت إنه لا كتاب معها ثم اخترط السيف وتقدم إليها فقال أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن عنقك فقالت له فاعرض بوجهك عني فاعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها فأخذه علي عليه السلام وسار به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واختصر الدكتور هيكل هذه القصة اختصارا قلل من ميزة علي على الزبير فيها فقال إنهما استنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فانذرها علي أن لم تخرج الكتاب ليكشفنها ولم يذكر سبق الزبير إليها ورجوعه وجواب علي له. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى امتلأ بهم المسجد ثم صعد المنبر والكتاب بيده وقال أيها الناس أني كنت سالت الله أن يخفي أخبارنا عن قريش وان رجلا منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي، فلم يقم أحد، فأعاد مقالته ثانية، فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال: إنا يا رسول الله صاحب الكتاب وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي ولا شكا بعد يقيني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فما الذي حملك على ذلك"؟ قال أن لي أهلا بمكة وليس لي بها عشيرة فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا لهم عن أهلي ويدا لي عندهم ولم أفعل ذلك لشك مني في الدين، فقال عمر يا رسول الله مرني بقتله فقد نافق، فقال صلى الله عليه وسلم إنه من أهل بدر ولعل الله اطلع عليهم فغفر لهم أخرجوه من المسجد، فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه وهو يلتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر برده وقال قد عفوت عنك فاستغفر ربك ولا تعد لمثل ما جئت فأنزل الله تعالى فيه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (إلى قوله) {واليك أنبنا}، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من حوله من العرب فمنهم من وفاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وقيل غيره وخرج صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من شهر رمضان بعد العصر في عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار ومن انضم إليهم في الطريق من الأعراب وجلهم أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع وسليم فسبعت سليم وألفت مزينة وكان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلثمائة فرس والأنصار أربعة آلاف ومعهم خمسمائة فرس ومزينة ألفا وثلاثة نفر وفيها مائة فرس واسلم أربعمائة ومعها ثلاثون فرسا وجهينة ثمانمائة وقيل ألف وأربعمائة والباقي من سائر العرب تميم وقيس وأسد وغيرهم، فلما كان صلى الله عليه وسلم بقديد عقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل ثم نزل مر الظهران عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار، ولم يبلغ قريشا مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه أياهم فبعثوا أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار فلما رأوا العسكر أفزعهم، وكان العباس بن عبد المطلب قد هاجر إلى المدينة في ذلك الوقت فلقي النبي صلى الله عليه وسلم بالسقيا وهو متوجه إلى مكة فأرسل أهله وثقله إلى المدينة رجع مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزل مر الظهران قال العباس يا صباح قريش والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر فجلس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وقال اخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله فيأتونه فيستأمنونه، قال فخرجت فسمعت صوت أبي سفيان فقلت: أبا حنظلة، فقال أبو الفضل، قلت نعم، قال لبيك فداك أبي وأمي ما وراءك، قلت هذا رسول الله قد دلف إليكم بعشرة آلاف من المسلمين قال فما تأمرني قلت تركب عجز هذه البغلة فاستامن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفته فخرجت به اركض فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا عم رسول الله على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: أبو سفيان، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم اشتد نحو النبي صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه، فقلت يا رسول الله قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه اليوم أحد دوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اذهب فقد آمناه حتى تغدو به علي" فلما أصبح غدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟" فقال بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا، فقال "ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟" قال أما هذه ففي النفس منها شيء، قال العباس: فقلت له ويلك تشهد شهادة الحق قبل والله أن تضرب عنقك، فتشهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "انصرف فاحبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى تمر عليه جنود الله"، فقلت يا رسول الله أن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا يكون في قومه، قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، فخرجت حتى حبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي فمرت عليه القبائل فيقول من هؤلاء يا عباس؟ فأقول سليم فيقول ما لي ولسليم فتمر به قبيلة فيقول من هؤلاء فأقول أسلم فيقول ما لي ولاسلم وتمر جهينة فيقول ما لي ولجهينة حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، فقال: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، فقلت ويحك أنها النبوة فقال نعم، فقلت الحق الآن بقومك فحذرهم فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فمه قال من دخل داري فهو آمن قالوا وما تغني عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة أم معاوية فأخذت بلحيته ونادت يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم فقال لها ويحك اسلمي وادخلي بيتك وقال لا تغرنكم هذه من أنفسكم فقد جاءكم ما لا قبل لكم به. وكان ممن لقيه صلى الله عليه وسلم في الطريق ابن عمه وأخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب اسمه كنيته وقيل اسمه المغيرة، وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة لأبيها فاستأذنا عليه فاعرض عنهما فقالت أم سلمة يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، فقال لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فهتك عرضي وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال يعني قوله له: والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أن الله أرسلك، فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك، فقال أبو سفيان والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فرق لهما النبي صلى الله عليه وسلم فدخلا عليه وأسلما، وقال علي عليه السلام لأبي سفيان أئت من قبل وجهه فقل له ما قال أخوه يوسف: تالله لقد آثرك الله علينا، فقال له: صلى الله عليه وسلم {لا تثريب عليكم اليوم} وقال أبو سفيان معتذرا مما كان منه من أبيات:

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أن يدخل مكة من أعلاها فيغرز رايته بالحجون وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكة ونهى عن القتال إلا لمن قاتلهم ودخل هو صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة وكانت الراية مع سعد بن عبادة قال المفيد: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة بدخول مكة بالراية غلظ على القوم وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم ودخل وهو يقول:

فسمعها العباس فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد واني لا آمن أن يكون له في قريش صولة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أدرك سعدا فخذ الراية منه وكن أنت الذي تدخل بها مكة فأدركه علي عليه السلام فأخذها منه ولم يمتنع سعد من دفعها إليه وذكر الطبري أن سعدا قال حين وجه داخلا إلى مكة:

فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة وما نأمن أن تكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أدركه فخذ الراية فكن أنت الذي تدخل بها. والدكتور هيكل على عادته لم يذكر دفع الراية إلى علي أصلا.

وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو قد جمعوا ناسا بالخندمة وهو جبل بمكة ليقاتلوا وكان حماس بن قيس من بني بكر يعد سلاحا قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ويصلح منها فقالت له أمراته لما ذا تعد ما أرى؟ قال لمحمد وأصحابه، قالت والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال والله أني لأرجو أن أخدمك بعضهم، فاقبل خالد بن الوليد من ناحية الخندمة فمنعوه من الدخول وناوشوه القتال وقاتلهم فانهزموا وكان حماس معهم فخرج منهزما حتى دخل بيته ثم قال لأمراته أغلقي علي بأبي قالت فأين ما كنت تقول أين الخادم؟ فقال:

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من ناحية كداء على ناقته القصواء بكرة يوم الجمعة واضعا رأسه الشريف على الرحل تواضعا لله تعالى ثم قال "اللهم أن العيش عيش الآخرة"، فقيل له يا رسول الله ألا تنزل دارك؟ فقال "وهل أبقى عقيل لنا دارا"، ثم ضربت له قبة في الأبطح فنزل فيها ومعه زوجتاه أم سلمة وميمونة وأمر بقتل جماعة ولو كانوا تحت أستار الكعبة، قيل ستة رجال وأربع نساء وقيل أحد عشر رجلا، فمن الرجال عبد الله بن أبي سرح كان قد أسلم فارتد مشركا ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه ثم أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمن له فصمت صلى الله عليه وسلم طويلاص ثم قال نعم، فلما انصرف به قال صلى الله عليه وسلم لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيقتله، فقال أنصاري هلا أومات إلى قال أن النبي لا يقتل بالإشارة. وعبد الله بن خطل كان قد أسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وكان معه مولى مسلم يخدمه فأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله وارتد مشركا وكان شاعرا يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله

سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه. والحويرث بن نقيد كان يؤذيه بمكة قتله علي بن أبي طالب. ومقيس بن صبابة كان له أخ يسمى هشام قتله رجل من الأنصار خطا في غزوة ذي قرد وهو يظنه من العدو فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديته ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ورجع إلى قريش مرتدا قتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه. وعكرمة بن أبي جهل فهرب إلى اليمن وأسلمت أمراته أم حكيم بنت عمه الحارث بن هشام فاستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فامنه فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم. ووحشي قاتل حمزة استؤمن له فامنه وقال لا تريني وجهك فمات بحمص وكان لا يزال سكران. وكعب بن زهير بن أبي سلمى كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم هرب فاستؤمن له فامنه فمدحه ببانت سعاد القصيدة المشهورة. وهبار بن الأسود الذي روع زينب بنت رسول الله ص. والحارث بن هشام أخو أبي جهل لأبويه. وزهير بن أمية. وصفوان بن أمية وهؤلاء أسلموا فعفا عنهم ومن النساء هند بنت عتبة أسلمت وبايعت وقينتان لعبد الله بن خطل فرتنا وقريبة كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصنعه لهما فقتلت قريبة وهربت فرتنا فاستؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها فعاشت إلى خلافة عثمان. وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطلب قتلت يومئذ وقيل استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوطأها رجل فرسه في خلافة عمر بالأبطح فقتلها. واقبل صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت على راحلته، وعلى الكعبة وفي رواية حولها ثلثمائة وستون صنما لكل حي من أحياء العرب صنم فجعل كلما يمر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا فما أشار لصنم من ناحية وجهه إلا وقع لقفاه ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه حتى مر عليها كلها وكان أعظمها هبل وهو تجاه الكعبة، وفي رواية إنه جعل يطعن في عينه بقوس في يده ويقرأ هذه الآية ثم أمر به فكسر وكان المقام لاصقا بالكعبة فصلى خلفه ركعتين ثم أمر به فوضع في مكانه ثم جلس ناحية من المسجد وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الكعبة وصلى فيها ركعتين وخرج فأخذ بعضادتي الباب والمفتاح معه فخطب الناس فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده إلا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ثم قال يا معشر قريش أن الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الآية)، يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، ثم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء فاعتقهم وقد كان أمكنه الله من رقابهم عنوة فبذلك سموا الطلقاء، ثم دعا بعثمان بن طلحة فرد إليه مفتاح الكعبة وقال خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم وانتقلت سدانة الكعبة بعد عثمان إلى أخيه شيبة ثم توارثها أولاده إلى اليوم، وصاروا يعرفون ببني شيبة وهم من نسل طلحة بن أبي طلحة العبدري صاحب الراية يوم أحد الذي قتله أمير المؤمنين علي ع، ودفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب وكانت لأبيه عبد المطلب ثم قام بها بعد العباس ابنه عبد الله وهي أحواض من جلد يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج ويطرح فيها التمر والزبيب في بعض الأوقات. وحانت صلاة الظهر فإذن بلال فوق ظهر الكعبة، وبث صلى الله عليه وسلم السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسرها ونادى مناديه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره، وأتى الصفا يدعو الله تعالى وبذكره فقال الأنصار فيما بينهم أترون أن رسول الله إذ فتح الله أرضه وبلده يقيم بها، فلما فرع من دعائه قال معاذ الله، المحيا محياكم والممات مماتكم. وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا وقيل في المسجد يبايع الناس الرجال والنساء فيبايع الرجال على الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وعلى السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ودخل الناس في دين الله أفواجا وجاءه رجل فأخذته الرعدة فقال هون عليك فإني لست بملك إنما إنا ابن أمراة من قريش كانت تأكل القديد. ولما فرع من بيعة الرجال بايع النساء فكانت بيعته لهن على نحوين كان يوضع بين يديه إناء فيه ماء فإذا أخذ عليهن وأعطينه غمس يده في الإناء ثم أخرجها فغمس النساء يديهن فيه وبعد ذلك كان يبايعهن بالكلام وحده فهذا مما ساوى فيه الإسلام بين الرجال والنساء في الأمور العامة المهمة وهي البيعة فقرأ عليهن ما انزل الله من شروط البيعة عليهن وقيل وضع على يده ثوبا فبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف (لا يقتلن أولادهن) بوأد ولا إسقاط (ولا يأتين ببهتان يفترينه) بكذب يكذبنه في مولود (بين أيديهن وأرجلهن) فلا يلحقن بازواجهن غير أولادهم. عن ابن عباس وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المعنى على نهبهن أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم ولا يعصينك في معروف وهو جميع ما يأمرهن به لأنه لا يأمر إلا بمعروف وقيل النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجز الشعور وشق الجيوب وخمش الوجوه والدعاء بالويل. وكان في النساء هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لخوفها، فلما قال: على أن لا يشركن بالله شيئا، قالت هند: والله انك لت أخذ علينا أمرا ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه، فلما قال: ولا يسرقن، قالت: أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال وانك لهند؟ قالت: إنا هند فاعف عما سلف عفا الله عنك، فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، فلما قال ولا يزنين، قالت: أوتزني الحرة؟ فتبسم بعض من حضر لما كان بينه وبينها في الجاهلية، فلما قال: ولا يقتلن أولادهن، قالت ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا، فلما قال: ولا يأتين ببهتان الخ قالت أن اتيان البهتان لقبيح، فلما قال: ولا يعصينك في معروف، قالت ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في معروف.

ولما كان الغد من يوم الفتح خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الظهر فقال: أن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ثم رجعت كحرمتها بالأمس فليبلغ شاهدكم غائبكم ولا يحل لنا من غنائمها شيء. وهرب صفوان بن أمية إلى جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب يا نبي الله أن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه بالبحر، فأمنه صلى الله عليك، قال هو آمن قال أعطني شيئا يعرف به أمانك فأعطاه عمامته التي دخل بها مكة فخرج بها فقال يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك أن تهلكها فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويلك أغرب عني لا تكلمني قال أي صفوان فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس ابن عمتك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال أني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم، فرجع به فقال صفوان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا زعم انك آمنتني قال صدق قال فاجعلني في أمري بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر. وهذا منه صلى الله عليه وسلم نهاية الحلم وكرم الأخلاق وحسن السياسة، ومن عمير الغاية في حسن الوساطة. قال المفيد: وبلغ عليا عليه السلام أن أخته أم هانئ قد آوت أناسا من بني مخزوم أقرباء زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فقال اخرجوا من آويتم فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه فقالت يا عبد الله إنا أم هانئ ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال أخرجوهم فقالت والله لأشكونك إلى رسول الله فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى ألتزمته وقالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال لها اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي قالت فجئت إليه وهو في قبة يغتسل وفاطمة تستره فلما سمع كلامي قال مرحبا بك يا أم هانئ وأهلا قلت بأبي أنت وأمي أشكو إليك اليوم ما لقيت من علي بن أبي طالب فقال قد أجرت من أجرت فقالت فاطمة إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا في إنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شكر الله لعلي سعيه وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي وأسلمت أم هانئ وهرب زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي إلى نجران. وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رمضان. وروى ابن سعد في الطبقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة لما افتتحها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين أي يقصر الصلاة لأنه لم ينو الإقامة وروى الطبري بسنده قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة. قال ابن سعد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوق مكة حين افتتحها سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية فلما أراد الخروج إلى الطائف استخلف على مكة هبيرة بن شبل الثقفي فلما رجع من الطائف وأراد الخروج إلى المدينة استعمل عتاب بن أسيد على مكة وعلى الحج وقال غيره إنه استعمله على الصلاة وجعل له كل يوم درهما وعمره إحدى وعشرون سنة ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.

يوم الغميصاء لخالد بن الوليد في بني جذيمة

في شوال سنة ثمان من الهجرة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة إلى بني جذيمة بن عامر من كنانة داعيا إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلا فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار فيهم عبد الرحمن بن عوف وبني سليم فنزلوا على الغميصاء ماء من مياه بني جذيمة وكان بنو جذيمة في

الجاهلية قد أصابوا نسوة من بني المغيرة وقتلوا عوفا أبا عبد الرحمن بن عوف وألفاكه بن المغيرة وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما وأخذوا أموالهما ومع عوف ابنه عبد الرحمن فقتل قاتل أبيه فلما كان الإسلام وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا إليهم أخذوا السلاح فقال ما أنتم؟ قالوا مسلمون قال فما بال السلاح عليكم؟ قالوا أن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فقال ضعوا السلاح فقال رجل منهم اسمه جحدم يا بني جذيمة إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبدا فما زالوا به حتى نزعوا سلاحه ونزع القوم سلاحهم فأمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل ويقال فرقهم في أصحابه فلما كان السحر أمرهم بقتلهم فأما بنو سليم فقتلوا من بأيديهم وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم. وروى الطبري وابن هشام بسنديهما إنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الإسلام فقال خالد إنما ثارت بأبيك فقال عبد الرحمن كذبت قد قتلت قاتل أبي ولكنك إنما ثارت بعمك ألفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال: "اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد"، ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: "يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك" فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم به فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى إنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي عليه السلام حين فرع منهم هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد إليكم قالوا لا قال فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت ثم قام فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول: "اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد" ثلاث مرات.

غزوة حنين

وهي غزوة هوازن في شوال سنة ثمان من الهجرة وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف. وسببها إنه لما فتح الله تعالى على رسول مكة إطاعته قبائل العرب إلا هوازن وثقيفا فإنهم كانوا طغاة عتاة مردة فلما سمعت هوازن بفتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعها رئيسها مالك بن عوف النصري وهو ابن ثلاثين سنة فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها واجتمعت نصر وجشم كلها وكانوا اجتمعوا حين بلغهم خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة فظنوا إنه إنما يريدهم فلما بلغهم إنه أتى مكة عمدوا لحربه بعد مقامه بمكة نصف شهر فجاءوا حتى نزلوا بحنين وكانوا ثلاثين ألفا كما في السيرة النبوية لدحلان وحط مالك معهم النساء والصبيان والأموال وفي ثقيف رئيسان لهم: قارب بن الأسود وذو الخمار سبيع بن الحارث وفي جشم دريد بن الصمة شيخ كبير أعمى، المكثر يقول بلغ المائتين والمقل المائة والعشرين ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب وتجربته وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف، ودريد في شجار أي هودج له يقاد به فلما نزل بأوطاس وهو مكان بقرب حنين قال دريد بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس ما لي اسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاة وخوار البقر قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم وكان توافق معه أن لا يخالفه فإن دريدا قال له انك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم واجلى يهود الحجاز فقال له لم فعلت هذا؟ قال أردت أن اجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم فانقض به وقال راعي ضان والله ما له وللحرب هل يرد المنهزم شيء أن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحد والجد لو كان يوم علاء ورفعة ما غابا ولوددت إنكم فعلتم ما فعلا فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر فقال ذانك الجذعان من بني عامر لا ينفعان ولا يضران يا مالك انك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا أرفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ثم ألقى الصباة على منون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك قال لا والله لا افعل ذلك إنك قد كبرت وكبر علمك والله لتطيعني يا معشر هوازن أو لأتكأن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي قالوا أطعناك فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني:

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجمعت عليه هوازن من حربه فتهيأ للقائهم وذكر له أن عند صفوان بن أمية وهو يومئذ مشرك لأنه كان استمهله شهرين كما مر: أعرنا سلاحك هذا نلقي فيه عدونا غدا فقال صفوان أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك قال ليس بهذا باس فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح وسأله أن يكفيه حملها ففعل. وكناه في خطابه تألفا له وحسن سياسة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين يوم السبت لثلاث خلون من شوال ومعه اثنا عشر ألفا عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح بهم مكة وألفان من مسلمة الفتح قال ابن سعد وغيره: فقال أبو بكر لا نغلب اليوم من قلة، وخرج معه كثير من المشركين قيل كانوا ثمانين منهم صفوان بن أمية وسهل بن عمرو لأنه كان استمهله شهرين كما مر واستعمل على مكة عتاب بن أسيد ووصل إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر من رجاله عيونا لينظروا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعادوا إليه وقد تقطعت أوصالهم من الخوف فقال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فما رده ذلك عن وجهه ومضى على ما يريد ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي فدخل عسكرهم فطاف به وجاءه بخبرهم قال الحارث بن مالك خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثوا عهد بالجاهلية وكانت لقريش ومن سواهم سدرة عظيمة خضراء تسمى ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها فلما رأيناها تنادينا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال الله أكبر قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون أنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم فلما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعباهم في وادي حنين وكمنوا في شعاب الوادي بإشارة دريد بن الصمة فإنه قال لمالك اجعل لك كمينا أن حمل عليك القوم جاءهم الكمين من خلفهم وكررت أنت بمن معك وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد وقال لهم إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد. وعبا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في السحر وصفهم صفوفا ووضع الألوية والرايات في أهلها مع المهاجرين لواء يحمله علي بن أبي طالب وراية يحملها سعد بن أبي وقاص ومع الأنصار لواء للأوس مع أسيد بن حضير ولواء للخزرج مع سعد بن عبادة ومع قبائل العرب ألوية ورايات وانحدر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وادي حنين على تعبئة وركب بغلته البيضاء دلدل ولبس درعين والمغفر والبيضة. قال جابر بن عبد الله الأنصاري لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارا وذلك في عماية الصبح وكان القوم قد سبقونا إليه فكمنوا لنا في شعابه واحنائه ومضايقه فما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد وانهزم الناس فانشمروا لا يلوي أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال: "أيها الناس هلموا إلى أنا رسول الله محمد بن عبد الله فلا يأتيه أحد". قال ابن قتيبة في المعارف: وكان الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعد هزيمة الناس علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه والفضل بن العباس بن عبد المطلب وأيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته وقتل يومئذ وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأسامة بن زيد بن حارثة. وقال العباس بن عبد المطلب:

يعني أيمن بن عبيد وقال المفيد: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عشرة نفر تسعة من بني هاشم خاصة والعاشر أيمن ابن أم أيمن فقتل أيمن وثبت التسعة الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان انهزم فرجعوا أولا فأولا حتى تلاحقوا وكانت لهم الكرة على المشركين وفي ذلك انزل الله تعالى قوله: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها} قال المفيد: يعني بالمؤمنين عليا ومن ثبت معه من بني هاشم أو عامة المؤمنين الذين رجعوا بعد الهزيمة وكان رجوعهم بثباته عليه السلام ومن معه ومحاماته عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه من القتل قال وهم ثمانية علي عليه السلام تاسعهم يضرب بين يديه بالسيف والعباس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم والفضل بن العباس عن يساره وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ممسك بسرجه عند نفور بغلته والباقون حوله ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب قال وقد فرت الكافة مدبرين سوى من ذكرناه قال ابن هشام اسم أبي سفيان بن الحارث: المغيرة وعد فيهم ابنا لأبي سفيان اسمه جعفر قال وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ولا يعد ابن أبي سفيان بن الحارث. وفي السيرة الحلبية: وقد وصلت الهزيمة إلى مكة وسر بذلك قوم

من مكة وأظهروا الشماتة وقال قائل منهم ترجع العرب إلى دين آبائها. وفيها أيضا في رواية: لما فر الناس يوم حنين عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق معه إلا أربعة: ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم علي بن أبي طالب والعباس وهما بين يديه وأبو سفيان بن الحارث أخذ بالعنان وابن مسعود من جانبه الأيسر ولا يقبل أحد من المشركين جهته صلى الله عليه وسلم إلا قتل وما في بعض الكتب من إنه ثبت معه بعض من لم يؤثر عنه شجاعة ولا ثبات في الحرب لعله من دس الدساسين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس وكان صيتا جهوري الصوت ناد القوم وذكرهم العهد فنادى بأعلى صوته يا أهل بيعة الشجرة يا أصحاب سورة البقرة إلى أين تقرون اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله ص، والقوم على وجوههم قد ولوا مدبرين وكانت ليلة ظلماء ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الوادي والمشركون قد خرجوا عليه من شعاب الوادي وجنباته ومضايقه مصلتين سيوفهم وعمدهم وقسيهم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء كأنه القمر في ليلة البدر ثم نادى المسلمين أين ما عاهدتم الله عليه فاسمع أولهم وآخرهم فلم يسمعها رجل إلا رمى بنفسه إلى الأرض فانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي حتى لحقوا بالعدو فقاتلوه. قال الطبري: لما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، والأزلام معه في كنانته، وقال رجل إلا بطل السحر اليوم، إلى غير ذلك. قال المفيد: وفي ثبات من ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يقول مالك بن عبادة الغافقي:

وقال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام ومر له بيتان منها برواية أخرى:

يعني به أيمن ابن أم أيمن، قال المفيد في الإرشاد: واقبل رجل من هوازن على جمل له احمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل إمام القوم إذا أدرك ظفرا من المسلمين أكب عليهم وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتبعوه وهو يرتجز ويقول:

فصمد له علي عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره ثم قال:

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول ثم التام الناس وصفوا للعدو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم انك أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرها ذلك" وتجالد المسلمون والمشركون فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قام في ركابي السرج حتى أشرف على جماعتهم ثم قال: "الآن حمي الوطيس":

فما كان بأسرع من أن ولى القوم على أدبارهم وجيء بالأسارى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتفين ولما قتل علي عليه السلام أبا جرول وخذل القوم بقتله وضع المسلمون سيوفهم فيهم وعلي عليه السلام يقدمهم حتى قتل أربعين رجلا من القوم ثم كانت الهزيمة والأسر حينئذ وما زال المسلمون يقتلون ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار وأدرك ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظنه أمراة لأنه كان في هودج فإذا شيخ كبير أعمى ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ما تريد قال أقتلك قال ومن أنت قال إنا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا فقال له بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخرة الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماع فإني كذلك كنت اضرب الرجال وإذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب يوم قد منعت فيه نساءك فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا أمه وجدتيه وقيل أن دريدا قتل يوم أوطاس.

قال ابن إسحاق ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة.

ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها وأخر قسمتها حتى رجع من حصار الطائف. ومضى الدكتور محمد حسين هيكل المصري في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم على عادته في غمط حق علي بن أبي طالب لما لا يعلمه إلا الله فلم يورد له في هذه الغزاة اسما فضلا عن أن يسند إليه جهادا أو عملا فلم يذكر أن لواء المهاجرين كان معه واقتصر على قوله يتقدم كل قبيلة علمها ولم يذكر اسمه في الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس واقتصر على قوله وثبت محمد مكانه وأحاط به جماعة من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. مع أنك قد عرفت إنه لم يكن مع أهل بيته إلا أيمن وبعضهم قال أسامة وبعضهم قال ابن مسعود وما روي غير ذلك لا أصل له ومع ذلك فقد ذكرهم أخيرا ولم يذكر اسم علي الذي كان يضرب بالسيف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهل يمكن أن لا يكون كذلك لو لم ترد به رواية أليس هذا غمطا لحقه ثم لما ذكر خبر أبي جرول لم يزد على قوله انحدرت هوازن من مكامنها يتقدمها رجل على جمل له احمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل وهو كلما أدرك المسلمين طعن برمحه. ولم يذكر قتل علي له وأتباعه المشركين ولا ذكر قتل علي أربعين من المشركين ولا تعرض لشيء من ذلك أصلا. ومما لا يكاد ينقضي منه العجب قوله في ذكر هذه الغزوة: وثارت بمحمد حميته فأراد أن يندفع ببغلته البيضاء في صدر هذا السيل الدافق من رجال العدو وليكن بعد ذلك أمر الله لكن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أمسك بخطام بغلته وحال دون تقدمها فقد نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم التهور وعدم التعقل وحاشاه بإرادة الاندفاع ببغلته وليس معه إلا تسعة نفر أو أربعة على ثلاثين ألفا من هوازن وإن أبا سفيان بن الحارث كان أكثر منه تعقلا ونظرا في العواقب فامسك بخطام البغلة وحال دون تقدمها. مع أنك قد عرفت إنه أمسك بسرجها عند نفورها.

غزوة أوطاس والطائف

قال المفيد في الإرشاد: لما فض الله جمع المشركين بحنين تفرقوا فرقتين فأخذت الاعراب ومن تبعهم إلى أوطاس وأخذت ثقيف ومن تبعها إلى الطائف فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة منهم أبو موسى الأشعري وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف فأما أبو عامر فإنه تقدم بالراية وقاتل حتى قتل دونها فقال المسلمون لأبي موسى أنت ابن عم الأمير وقد قتل فخذ الراية حتى تقاتل دونها فأخذها أبو موسى فقاتل هو والمسلمون حتى فتح الله عليهم وأما أبو سفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه فانهزم ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعثتني مع قوم لا يدفع بهم البلاء ولا يرفع بهم الدلاء من هذيل والأعراب فما أغنوا عني شيئا فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان الذي اغتبط بهزيمة المسلمين يوم حنين لم يكن يسعى لنصرهم يوم الطائف قال المفيد: ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى الطائف فحاصرهم أياما وأنفذ عليا عليه السلام في خيل وأمره أن يطأ ما وجده ويكسر كل صنم وجده فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب في غبش من الصبح فقال هل من مبارز فقال أمير المؤمنين عليه السلام من له فلم يقم إليه أحد فقام إليه أمير المؤمنين عليه السلام فوثب أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال تكفاه أيها الأمير فقال لا ولكن أن قتلت فأنت على الناس فبرز إليه علي عليه السلام وهو يقول:

ثم ضربه وقتله ومضى في تلك الخيل حتى كسر الأصنام وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لأهل الطائف فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كبر للفتح وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلاص قال المفيد فروى عبد الرحمن بن سيابة والأجلح جميعا عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلا بعلي يوم الطائف أتاه بعض المهاجرين فقال أتناجيه دوننا وتخلو به فقال: "ما أنا انتجيته بل الله انتجاه" فاعرض وهو يقول هذا كما قلت لنا قبل الحديبية (لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين) فلم ندخله وصددنا عنه فناداه النبي صلى الله عليه وسلم "لم أقل لكم إنكم تدخلونه من ذلك العام". قال ثم خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان بن متعب في خيل من ثقيف فلقيه علي عليه السلام ببطن و ج فقتله وانهزم المشركون ولحق القوم الرعب فنزل منهم جماعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسلموا وكان حصار النبي صلى الله عليه وسلم للطائف بضعة عشر يوما وكان مسيره إلى الطائف من حنين. ولم يذكر الدكتور هيكل غزوة أوطاس ولا ذكر قتل علي شهابا ونافعا وكسره الأصنام ولا شيئا مما وقع في تلك الغزاة. وروى الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار يوم حنين من فوره ذلك حتى نزل الطائف فأقام نصف شهر يقاتلهم وأصحابه وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن لم يخرج إليه في ذلك أحد منهم واسلم من حولهم من الناس كلهم وجاءته وفودهم ثم رجع ولم يحاصرهم إلا نصف شهر وسال وفد هوازن عن مالك بن عوف رئيسهم وقائدهم يوم حنين ما فعل فقالوا هو بالطائف وكان لما انهزم يوم حنين التجأ إلى ثقيف بالطائف فقال أخبروه إنه أن اتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل فاخبروه بذلك فخرج من الطائف إليه مستخفيا خوفا من ثقيف أن يحبسوه إذا علموا وأدركه بالجعرانة فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل واسلم فاستعمله على قومه وعلى من أسلم من القبائل حول الطائف. فلما عاد صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف أتى الجعرانة وفيها الأموال والسبي كما مر، قال ابن سعد: كان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة فستأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي أن يقدم عليه وفدهم وبدأ بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل، قال: ابني يزيد قال أعطوه مثل ذلك، قال: ابني معاوية، قال أعطوه مثل ذلك، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها وأعطى النضير بن الحارث بن كلدة واسيد بن جارية الثقفي والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وقيس بن عدي وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ومالك بن عوف كل واحد مائة من الإبل وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي ومخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وعثمان بن وهب وهشام بن عمرو العامري كل واحد خمسين من الإبل وأعطى العباس بن مرداس أربعين بعيرا قال الطبري أعطاه أباعر فتسخطها وعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

قال المفيد: فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله فاستحضره وقال قم يا علي واقطع لسانه قال العباس بن مرداس فوالله لهذه الكلمة كانت أشد علي من يوم خثعم حين اتونا في ديارنا فأخذ بيدي علي بن أبي طالب فانطلق بي ولو أدري أن أحدا يخلصني منه لدعوته فقلت يا علي انك لقاطع لساني قال أني لممض فيك ما امرت فما زال بي حتى أدخلني الحظائر فقال لي اعتد ما بين أربع إلى مائة فقلت بأبي أنت وأمي ما أكرمكم وأحلمكم وأعلمكم فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاك أربعا وجعلك مع المهاجرين فان شئت فخذها وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة قلت أشر علي قال فإني آمرك أن تأخذ ما أعطاك رسول الله صلى الله عليه وسلم وترضى قلت فإني افعل. ولم يسند الدكتور هيكل ذلك في كتابه إلى علي واقتصر على قوله اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه فأعطوه حتى رضي وكان ذلك قطع لسانه.

ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين قريشا خاصة وأجزل القسم للمؤلفة قلوبهم كابي سفيان وابنه معاوية وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وزهير بن أبي أمية وهشام بن المغيرة والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن في أمثالهم ولم يعط الأنصار شيئا وقيل أعطاهم شيئا يسيرا غضب قوم من الأنصار وتكلموا في ذلك وقالوا لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فبلغه ذلك فجمعهم وجاء يتبعه علي عليه السلام حتى جلس وسطهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وموجدة وجدتموها، أني سائلكم عن أمر فأجيبوني، ألستم كنتم ضلالا فهداكم الله بي؟ ألم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله بي؟ ألم تكونوا قليلا فكثركم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف بين قلوبكم بي؟" قالوا بلى والله فلله ورسوله المن والفضل، ثم سكت هنيهة ثم قال: "ألا تجيبوني بم عندكم؟" قالوا بما نجيبك فداك آباؤنا وأمهاتنا قد أجبناك بان لك الفضل والمن والطول علينا، قال: "أما لو شئتم لقلتم فصدقتم". وأنت قد جئتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وخائفا فآمناك وعائلا فآسيناك، فارتفعت أصواتهم بالبكاء وقام شيوخهم وساداتهم إليه وقبلوا يديه ورجليه ثم قالوا رضينا بالله وعنه وبرسوله وعنه وهذه أموالنا بين يديك فان شئت فاقسمها على قومك، وإنما قال من قال منا على غير وغر صدر وغل في قلب ولكنهم ظنوا سخطا عليهم وتقصيرا بهم وقد استغفروا الله من ذنوبهم فاستغفر لهم يا رسول الله، فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار، يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم ورجعتم أنتم وفي سهمكم رسول الله؟ قالوا بلى رضينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: "الأنصار كرشي وعيبتي لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار". وهذا غاية حسن السياسة وتألف القلوب.

وقدم عليه وفد هوازن أربعة عشر رجلا وفيهم أبو ثروان أو أبو برقان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ورئيسهم زهير بن صرد وذلك بعد ما قسم الغنائم وقد أسلموا وأخبروا بإسلام من وراءهم فقال له عمه من الرضاعة يا رسول الله إنما في هذه الحظائر من كان يكفلك من عماتك وخالاتك وحواضنك وقد حضناك في حجورنا وأرضعناك بثدينا ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت مرضعا خيرا منك ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ثم رأيتك شابا فما رأيت شابا خيرا منك وقد تكاملت فيك خلال الخير ونحن مع ذلك أصلك وعشيرتك فامنن علينا من الله عليك وقال زهير بن صرد يا رسول الله إنا أصل وعشيرة وإنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك ولو إنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ثم نزلا منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفهما وعائدتهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحسن الحديث أصدقه، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم" فقالوا خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا وما كنا لنعدل بالاحساب شيئا فرد علينا أبناءنا ونساءنا فقال أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسأل لكم الناس فقال المهاجرون والأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأقرع بن حابس وأما إنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن أما إنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما إنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بن مرداس وهنتموني وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذين امتنعوا من الرد: "إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد كنت استأنيت بسبيهم وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالنساء والأبناء شيئا فمن كان عنده منهم شيء فطابت نفسه أن يرد فليرد ومن أبى فليرد وليكن ذلك قرضا علينا ست فرائض" قالوا: رضينا وسلمنا فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم.

وكان صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة ثم خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا فاحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائت ثم غدا يوم الخميس فانصرف إلى المدينة.

ويلاحظ أن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم المهمة التي وقع فيها حرب وهي بدر واحد والخندق وخيبر وحنين كان المسلمون فيها على نحو الثلث من المشركين ففي بدر كان المشركون 950 والمسلمون 313 وفي أحد كان المشركون 3000 والمسلمون 700 وفي الخندق كان المشركون عشرة آلاف والمسلمون 3000 وفي خيبر كان المسلمون 1400 واليهود لم يذكر المؤرخون عددهم لكن الاعتبار يدل على إنهم كانوا كثيرين لكثرة حصونهم في خيبر مع من خرج إليهم من بني النضير وفي حنين كان المشركون ثلاثين ألفا والمسلمون اثني عشر ألفا وفي الجميع كان النصر للمسلمين حتى في أحد لأن انهزامهم أخيرا كان من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفي الجميع كان النصر بجهاد علي وثباته.

غزوة تبوك

في رجب سنة تسع من الهجرة وكان سببها إنه بلغه أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء. وكان صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها إلا غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد السفر وشدة الحر وكثرة العدو فاعلمهم ليتأهبوا وندب الناس إلى الخروج وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمرهم بالصدقة فتحملوا صدقات كثيرة وقووا في سبيل الله وذلك في زمن عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام فسمي ذلك الجيش جيش العسرة (وقال الطبري): أمرهم بالجهاز وأخبرهم إنه يريد الروم فتجهزوا على ما في أنفسهم من الكره لذلك مع ما عظموه من ذكر الروم وغزوهم. وجاءه سبعة نفر يستحملونه وكانوا أهل حاجة فقال لا أجد ما أحملكهم عليه فتولوا وهم يبكون فسموا البكائين فنزل فيهم {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله} (إلى قوله) {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا إلا يجدوا ما ينفقون} وجاءه اثنان وثمانون رجلا من الأعراب فاعتذروا إليه فلم يعذرهم وتخلف بضعة وثمانون رجلا من المنافقين بغير علة وقيل إنهم استأذنوه في التخلف فإذن لهم فنزلت {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم}. {المعذرون} المقصرون الذين يعتذرون ولا عذر لهم وقيل الذين لهم عذر. وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب منهم أبو خيثمة السالمي فجاء إلى أهله بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما في يوم حار فوجد أمراتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة عريشها وبردت له فيه ماء وهيأت له طعاما فقام على باب العريشين فنظر إلى أمراتيه وما صنعتا له فقال: رسول الله في الضح والريح وأبو خيثمة في ظلال باردة وماء بارد وأمراة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيا لي زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحله ثم خرج حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فقال الناس يا رسول الله هذا راكب على الطريق مقبل فقال: "كن أبا خيثمة" فقالوا هو والله أبو خيثمة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيرا ودعا له بخير". (قال الطبري) قال ابن إسحاق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري. وقال ابن هشام: استعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وخلف علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه فلما قالوا ذلك أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون انك إنما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكن خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي فرجع علي إلى المدينة أما المفيد فإنه لم يذكر استخلاف أحد غير علي عليه السلام على المدينة وهو الظاهر الموافق للاعتبار فإنه لم يكن ليشرك أحدا معه في الولاية على المدينة مع ظهور شجاعته وكفاءته وإذا كان يخلف عليها في أكثر غزواته كما عرفت ابن أم مكتوم وهو مكفوف البصر ويكتفي به أفلا يكون علي عليه السلام فيه الكفاءة للاستخلاف عليها مع اضطراب الرواية فيمن استخلفه غيره فقيل محمد بن مسلمة وقيل سباع بن عرفطة كما مر وقيل ابن أم مكتوم حكاه في السيرة الحلبية وحكي عن ابن عبد البر إنه قال الأثبت إنه علي بن أبي طالب وإنما لم يستصحبه معه لما اخبره الله تعالى بأنه لا يلقى حربا فكان بقاؤه في المدينة أهم للخوف عليها من المنافقين والعرب الموتورين وهذا أمر واضح جلي. قال المفيد: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في أهله وولده وأزواجه ومهاجره وقال له يا علي أن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وذلك إنه عليه السلام علم من خبث نيات الأعراب وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم وإيقاع الفساد في دار هجرته والتخطي إلى ما يشين أهله ومخلفيه وعلم صلى الله عليه وسلم إنه لا يقوم مقامه في إرهاب العدو وحراسة دار الهجرة وحياطة من فيها إلا أمير المؤمنين عليه السلام فاستخلفه وأن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام على المدينة حسدوه لذلك وعظم عليهم مقامه فيها وعلموا أنها تتحرس به ولا يكون فيها للعدو مطمع فساءهم ذلك وكانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأيه صلى الله عليه وسلم عن المدينة وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها وغبطوه على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر فأرجفوا به وقالوا لم يستخلفه إكراما له وإجلالا ومودة وإنما خلفه استثقالا له فبهتوه بهذا الإرجاف وهم يعلمون ضده فلما بلغه ذلك أراد تكذيبهم فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قولهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ارجع يا أخي إلى مكانك فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي". ولو علم الله أن لنبيه في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وبقائه في دار هجرته. ولم يذكر الدكتور هيكل هنا إلا قوله وخلف علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية وخرج صلى الله عليه وسلم يوم الخميس وكان يستحب الخروج فيه في ثلاثين ألفا من الناس والخيل عشرة آلاف فرس حتى قدم تبوك. وكان عبد الله بن أبي بن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين قال ابن سعد وابن هشام وغيرهما فكان يقال ليس عسكره بأقل العسكرين فلما سار تخلف عبد الله بن أبي ومن معه أقول وهذا يدل على ما مر عن المفيد من إنه أبطأ أكثرهم عنه صلى الله عليه وسلم، قال ابن هشام والطبري فجعل يتخلف عنه الرجل حتى قيل تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فتلوم على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله فنظر بعض المسلمين فقال أن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده فقال صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأملوه قالوا هو أبو ذر فقال صلى الله عليه وسلم "يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده". وكان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم والله لكأني بكم غدا مقرنين في الحبال، إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر "أدرك القوم فسلهم عما قالوا فان أنكروا فقل بلى قد قلتم كذا وكذا" فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون وقال بعضهم كنا نخوض ونلعب فنزل فيهم: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} فلما انتهى صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وجاءه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية وكتب لكل كتابا فهو عندهم ودعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي ملك دومة الجندل الجوف وكان نصرانيا فقال له انك ستجده يصيد البقر فلما كان من حصنه بمنظرة العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه أمراته فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت أمراته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قالت فمن يترك هذا فنزل فأمر بفرسه فأسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخوه حسان فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاسر أكيدر فأخذ وامتنع أخوه حسان فقاتل حتى قتل وهرب من معهما وكان على حسان قباء من ديباج محوص بالذهب فأخذه خالد فبعث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه وقدم خالد بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله فرجع إلى قريته وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة وقيل عشرين ليلة ولم يجاوزها ثم رجع إلى المدينة. وكان قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة رهط بدون شك ولا نفاق وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قال لأصحابه لا تكلموا أحدا من هؤلاء الثلاثة فاعتزل المسلمون كلامهم حتى نساؤهم فبقوا على ذلك خمسين ليلة ثم تاب الله عليهم وذلك قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا أن الله هو التواب الرحيم} وجاءه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون بالله ويعتذرون فصفح عنهم ولم يعذرهم الله ولا رسوله.

حديث الأفك

مرت الإشارة إليه في غزوة بني المصطلق من هذا الجزء وذكرناه مفصلا في ج3 ق1 وذكرناه هنا لئلا يظن ظان إننا أهملنا ذكره مفصلا وفاتنا التنبيه على ذلك في غزوة بني المصطلق فنبهنا عليه هنا.

آية النجوى

قال الله تعالى في سورة المجالدة آية12 وآية13 {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم واطهروا فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم*أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوات وآتوا لبذكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون} في مجمع البيان نزلت في الأغنياء ذلك إنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته فأمر الله سبحانه بالصدقة عند المناجاة فلما رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته فنزلت آية الرخصة عن مقاتل بن حيان وقال أمير المؤمنين صلوات الرحمن عليه أن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية المناجاة كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت درهما فنسختها آية أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية ولم ينزل في أحد قبلوا لم ينزل في أحد بعدي وقال ابن عمر كان لعلي بن أبي طالب ثلاث لو كان لي واحدة منهن لكانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى وقال مجاهد وقتادة نهوا عن مناجاته صلوات الرحمن عليه حتى يتصدقوا لم يناجه إلا علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات قدم دينارا فتصدق بها ثم نزلت لرخصة.

آية إنما وليكم الله

قال الله تعالى في سورة المائدة آية 55: {إنما وليكم الله والذين آمنوا الدين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الزكاة الصدقة وهم راكعون جملة في موضع النصب على الحال ولا يجوز أن تكون عطفا على يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة أي يفعلون هذا ويركعون (أولا): للزوم التكرار لأن الركوع قد تضمنه إقامة الصلاة (ثانيا): لمخالفته النصوص وأقوال العلماء. روى صاحب مجمع البيان بسنده أن أبا ذر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الظهر فسال سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم أشهد أني سالت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطني أحد شيئا وكان علي راكعا فأومأ بخنصره اليمنى إليه وكان يتختم فيها فاقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرع النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء فقال: "اللهم أن أخي موسى سالك فقال رب اشرح لي صدري إلى قوله واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري فأنزلت عليه قرآنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري" قال أبو ذر فوالله ما استتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد اقرأ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية قال وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الإسناد بعينه قال وروى أبو بكر الرازي في أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه والرماني والطبري أنها نزلت في علي حين تصدق بخاتمه وهو راكع وهو قول مجاهد والسدي والمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام وجميع علماء أهل البيت عليه السلام ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال هل أعطاك أحد شيئا فقال نعم خاتم من فضة أعطانيه ذلك القائم وهو راكع واومى بيده إلى علي بن أبي طالب فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنشأ حسان بن ثابت يقول:

خبر مسجد الضرار

كان بنو عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قبا وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فاتاهم فصلى فيه فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف فقالوا نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد وكانوا اثني عشر رجلا أو خمسة عشر فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية ونحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو بالبركة فقال أني على جناح السفر ولو قدمنا اتيناكم أن شاء الله. فلما انصرف من تبوك نزلت {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وأرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن أن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون*لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين}. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من احرقه وهدمه وقوله تعالى {وأرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل} يراد به أبو عامر الراهب وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة حزب عليه الأحزاب ثم هرب بعد فتح مكة إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام وخرج إلى الروم وتنصر وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر ألفاسق وكان قد أرسل إلى المنافقين أن استعدوا وابنوا مسجدا فإني اذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنود وأخرج محمدا من المدينة فكان هؤلاء المنافقون يتوقعون أن يجيئهم أبو عامر فمات قبل أن يبلغ ملك الروم.

سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم

في السيرة الحلبية: ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى غزوة وما خلا عنه يقال له سرية أن كان أكثر من واحد وإن كان واحدا قيل له بعث وقد عرفت أن سراياه صلى الله عليه وسلم كانت سبعا وأربعين سرية وذكرها كلها يوجب التطويل مع قلة ألفائدة لكننا نذكر بعضا منها:

سرية حمزة بن عبد المطلب

في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة بعثه صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رجلا من المهاجرين ليعترض عيرا لقريش جاءت من الشام فيها أبو جهل في ثلثمائة رجل أو مائة وثلاثين وعقد له لواء أبيض وهو أول لواء عقد في الإسلام فسار حتى وصل سيف البحر أي ساحله فصادف العير فلما تصافوا للقتال حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفا للفريقين فلم يقع قتال.

سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب

إلى بطن رابغ على عشرة أميال من الجحفة في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليعترض عيرا لقريش فيها أبو سفيان أو عكرمة بن أبي جهل في مائتين فكان بينهم الرمي ولم يسلوا السيوف ولم يصطفوا لقتال ثم انصرف الفريقان على حاميتهم.

سرية قتل كعب بن الأشرف اليهودي

لأربع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة. وكان كعب شاعرا يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحرض عليهم في شعره ويؤذيهم وفيه نزلت: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} فلما كانت وقعة بدر كبت وذل وقال بطن الأرض خير من ظهرها اليوم فقدم مكة فبكى قتلى قريش وحرضهم بالشعر ثم قدم المدينة، فقال صلى الله عليه وسلم "اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار" وقال من لي بابن الأشرف فقد آذاني فقال محمد بن مسلمة إنا لك به يا رسول الله وأنا اقتله وكان منزل كعب بالعوالي فاجتمع هو مع أربعة من الأوس منهم أبو نائلة سلكان بن سلامة وكان أخا كعب من الرضاعة وقالوا ائذن لنا يا رسول الله فلنقل أي خلاف الواقع لمصلحة فقال قولوا فخرج إليه أبو نائلة فأنكره كعب وذعر منه فقال إنا أبو نائلة إنما جئت أخبرك أن قدوم هذا الرجل كان علينا من البلاء حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة ونحن نريد التنحي عنه ومعي رجال من قومي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاما وتمرا فسكن إلى قوله وقال جئ بهم متى شئت فخرج من عنده على ميعاد فأخبر أصحابه فاتوه في ليلة مقمرة حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة فوثب فأخذت أمراته بملحفته وقالت أين تذهب انك رجل محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة، وكان حديث عهد بعرس فقال: ميعاد علي، وإنما هو أخي أبو نائلة لو وجدني نائما لا يوقظني فقالت والله أني لأعرف في صوته الشر فضرب بيده الملحفة وقال: لو دعي الفتى لطعنة أجاب. ثم نزل إليهم فحادثوه ساعة حتى انبسط إليهم وأنس بهم ثم أخذ أبو نائلة بشعره وقال اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فالتفت عليه فلم تغن شيئا ورد بعضها بعضا ولصق بأبي نائلة فاخرج أبو نائلة مغولا وهو سيف دقيق فوضعه في سرته ثم حامل عليه حتى انتهى إلى عانته فصاح صيحة ما بقي أطم من آطام يهود إلا أوقدت عليه نار ثم حزوا رأسه وحملوه معهم وقيل طعنه أحدهم في خاصرته وضربه محمد بن مسلمة بالسيف فقتلوه ولما صاح صاحت أمراته يا آل قريظة والنضير مرتين فخرجت اليهود فأخذت على غير طريقهم ففاتوهم وأصبحت يهود مذعورين فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكر لهم تحريضه عليه وأذيته للمسلمين فازدادوا خوفاثم كتب بينه وبينهم صلحا قال ابن سعد في الطبقات وكان ذلك الكتاب مع علي بن أبي طالب.

سرية قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق النضيري بخيبر

في شهر رمضان سنة ست من الهجرة وكان تاجر أهل الحجاز وقد اجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب وجعل لهم الحفل العظيم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فلما قتلت الأوس كعب بن الأشرف أرادت الخزرج أن تقتل مشابهه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك وأربعة معه لقتله فذهبوا إلى خيبر فكمنوا فلما هدأت الرجل جاءوا إلى منزله وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له أمراته فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه كأنه قبيطة فقتلوه وقيل دنوا من خيبر وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم فقال عبد الله لأصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي ادخل فاقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة فقال له البواب وهو يظنه من أهل الحصن يا عبد الله أن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب فدخل وكمن وأغلق البواب الباب وعلق المفاتيح قال ثم أخذتها وفتحت الباب فلما ذهب عن أبي رافع أهل سمره صعدت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو قلت أبا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فضربته بالسيف فما أغنت شيئا وصاح فخرجت من البيت ثم عدت فقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع قال لأمك الويل أن رجلا في البيت ضربني بالسيف، فضربته أخرى فلم تغن شيئا فتواريت ثم جئته كالمغيث فإذا هو مستلق فوضعت السيف في بطنه وتحاملت عليه حتى سمعت صوت العظم وفي رواية حتى سمعت خشه في الفراش ثم جئت إلى الدرجة فوقعت فانكسرت رجلي وفي رواية انخلعت فعصبتها بعمامتي وصاحت أمراته فتصايح أهل الدار واختبأ القوم في بعض الأنهار وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران فلم يروهم فرجعوا ومكثوا في مكانهم حتى سكن الطلب ثم اتوا المدينة بعد ما علموا أن أبا رافع قتل.

سرية ذات السلسلة

(أو ذات السلاسل) قال ابن شهراشوب في المناقب السلاسل اسم ماء ويقال سرية وادي الرمل وهذه ذكرها المفيد في الإرشاد في موضعين (أحدهما) بعد غزوة قريظة وقبل غزوة بني المصطلق (وثانيهما) بعد غزوة تبوك فقال في الأول: وقد كان من أمير المؤمنين عليه السلام في غزوة وادي الرمل ويقال أنها كانت تسمى بغزوة ذات السلسلة ما حفظه العلماء ودونه الفقهاء ونقله أصحاب الآثار ونقلة الأخبار ثم ذكر ما حاصله أن أصحاب السير ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أعرابي فقال أن قوما من العرب عملوا على أن يبيتوك بالمدينة فخطب الناس وأخبرهم وقال من للوادي فقام رجل من المهاجرين فقال إنا له فناوله اللواء وخرج في سبعمائة رجل فوافاهم ضحوة فدعاهم إلى الإسلام أو القتال فقالوا له ارجع إلى صاحبك فانا في جمع لا تقوم له فرجع فقال صلى الله عليه وسلم من للوادي فقام رجل من المهاجرين فقال إنا له فدفع إليه الراية ومضى ثم عاد كمثل ما عاد صاحبه الأول فقال صلى الله عليه وسلم أين علي بن أبي طالب فقال ها إنا ذا قال امض إلى الوادي قال نعم وكانت له عصابة لا يتعصب بها إلا إذا بعثه صلى الله عليه وسلم في وجه شديد فطلبها من فاطمة فبكت إشفاقا عليه فدخل صلى الله عليه وسلم فقال أتخافين أن يقتل بعلك كلا أن شاء الله فقال علي لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله ثم خرج باللواء حتى وافاهم بسحر فأقام حتى أصبح وصلى بأصحابه الغداة وصفهم واتكأ على سيفه وقال للعدو يا هؤلاء إنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإلا لأضربنكم بالسيف قالوا ارجع كما رجع صاحباك قال إنا لا أرجع لا والله حتى تسلموا أو أضربكم بسيفي هذا إنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فاضطربوا لما عرفوه ثم اجترأوا على مواقعته فواقعهم فقتل منهم ستة أو سبعة وانهزم المشركون وظفر المسلمون وحازوا الغنائم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يستقبلوا عليا عليه السلام فقام المسلمون له صفين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ترجل عن فرسه وأهوى إلى قدميه يقبلهما فقال له اركب فان الله تعالى ورسوله عنك راضيان فبكى علي عليه السلام فرحا وانصرف إلى منزله ثم قال لولا إنني أشفق أن تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك. قال المفيد: وقد ذكر كثير من أصحاب السير إنه في هذه الغزاة نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {والعاديات ضبحا}. وقال في الموضع الثاني ثم كانت غزاة السلسلة وذلك أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال وذكر نحو ما مر ثم قال ما حاصله فقام جماعة من أهل الصفة فاقرع بينهم فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم فاستدعى بعض المهاجرين فقال له خذ اللواء وامض إلى بني سليم فإنهم قريب من الحرة فمضى حتى قارب أرضهم وكانت كثيرة الحجارة والشجر وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب فلما أراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فعقد صلى الله عليه وسلم لآخر من المهاجرين فكمنوا له تحت الحجارة والشجر فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه فساء ذلك رسول الله ص، فقال عمرو بن العاص: ابعثني يا رسول الله إليهم فان الحرب خدعة فلعلي اخدعهم فبعثه مع جماعة فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة ثم دعا عليا عليه السلام فعقد له ثم قال أرسلته كرارا غير فرار ثم رفع يديه إلى السماء يدعو له وشيعه إلى مسجد الأحزاب وعلي على فرس أشقر مهلوب عليه بردان يمانيان وفي يده قناة خطية وأنفذ معه المرسلين أولا وعمرو بن العاص فسار بهم نحو العراق ثم أخذ بهم على محجة غامضة حتى استقبل الوادي من فمه وكان يسير الليل ويكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل وقال لا تبرحوا وابتدر إمامهم فوقف ناحية فلما رأى عمرو بن العاص ذلك لم يشك في الفتح فقال للمرسل أولا إنا اعلم بهذه البلاد من علي وفيها ما هو أشد علينا من بني سليم الضباع والذئاب فكلمه يخل عنا نعلو الوادي فكلمه فأطال فلم يجبه حرفا واحدا فرجع فأخبرهم فقال عمرو بن العاص للمرسل ثانيا أنت أقوى عليه فانطلق فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بالأول فرجع فأخبرهم فقال عمرو لا ينبغي أن نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعل الوادي فأبوا عليه فلما طلع الفجر كبس علي عليه السلام القوم وهم غارون فأمكنه الله منهم فنزلت {والعاديات ضبحا} (الآيات) ثم ذكر نحو ما تقدم في تتمة الحديث السابق. وقال الطبرسي في مجمع البيان قيل نزلت السورة لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى ذات السلاسل فأوقع بهم بعد أن بعث مرارا غيره من الصحابة فرجعوا وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبى وشد أساراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل وقيل السلاسل اسم ماء كما مر. وذكر هذه الغزوة بهذا النحو الراوندي في الخرائج وعلي بن إبراهيم في تفسيره وغيرهما وفي مناقب ابن شهراشوب عند ذكر غزاة السلاسل عن أبي القاسم بن شبل الوكيل وأبي الفتح الحفار بإسنادهما عن الصادق عليه السلام ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبي صالح وابن عباس إنه أنفذ النبي صلى الله عليه وسلم بعض المهاجرين في سبعمائة رجل فلما سار إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فبعث آخر فرجع منهزما فقال عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله فان الحرب خدعة ولعلي اخدعهم فبعثه فرجع منهزما وفي رواية أنفذ خالدا فعاد كذلك فساء ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا عليا وقال أرسلته كرارا غير فرار فشيعه إلى مسجد الأحزاب إلى آخر ما تقدم ثم قال ومن روايات أهل البيت عليه السلام قالوا فلما أحس عليه السلام الفجر قال اركبوا بارك الله فيكم وطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم قال لهم اتركوا أكمة دوابكم فشمت الخيل ريح الإناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين قال وفي رواية مقاتل والزجاج إنه كبس القوم وهم غارون فقال يا هؤلاء إنا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإلا ضربتكم بالسيف فقالوا انصرف عنا كما انصرف ثلاثة فإنك لا تقاومنا فقال إنني لا انصرف إنا علي بن أبي طالب فاضطربوا وخرج إليه الأشداء السبعة وناصحوه وطلبوا الصلح فقال أما الإسلام وأما المقاومة فبرزوا إليه واحدا بعد واحد وكان أشدهم آخرهم وهو سعد بن مالك العجلي وهو صاحب الحصن فقتلهم فانهزموا ودخل بعضهم في الحصن وبعضهم استأمنوا وبعضهم أسلموا واتوه بمفاتيح الخزائن وفي ذلك يقول السيد الحميري:

ولم تذكر هذه الغزو بهذه الكيفية في السيرة الهشامية وطبقات ابن سعد وما تأخر عنهما ولكنهم ذكروا سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أميال في جمادي الآخرة سنة ثمان من الهجرة بلغه صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة تجمعوا يريدون الدنو إلى أطرافه فبعثه في ثلثمائة فبلغه كثرتهم فبعث يستمده صلى الله عليه وسلم فأرسل أبا عبيدة في مائتين قال بعضهم سميت ذات السلاسل لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة وقيل لأن المشركين ربطوا بعضهم بالسلاسل لئلا يفروا.

سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى بني سعد بن بكر بفدك

في شعبان سنة ست من الهجرة.

(وفدك) بالتحريك في معجم البلدان قرية بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة وفي السيرة الحلبية قرية بينها وبين المدينة ست ليال وفي لفظ ثلاث مراحل وهي الآن خراب أقول لعل الصواب القول بان بينها وبين المدينة ست ليال لما يأتي من أن عليا عليه السلام وصل إلى مكان بين خيبر وفدك فدل على أن فدك أبعد عن المدينة من خيبر وقد مر أن خيبر عن المدينة على نحو أربع مراحل فكيف يكون بين فدك والمدينة ثلاث مراحل أو يومان أو ثلاثة أيام إلا أن يراد بالأيام الليل والنهار فتتوافق رواية ثلاثة أيام ورواية ست ليال. وفي الصحاح والقاموس فدك بلدة بخيبر ولعل فيه تسامحا باعتبار مجاورتهما لخيبر. وأهل فدك كانوا من العرب لا من اليهود. ومر الكلام على أن فدكا فتحت صلحا بعد فتح خيبر سنة سبع فتكون هذه السرية قبل فتح خيبر لأن فتح خيبر كان في جمادي الأولى أو في المحرم سنة سبع وهذه كانت في شعبان سنة ست وسببها إنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بني سعد يريدون أن يجمعوا جمعا يمدون به يهود خيبر ويعطوهم مقابل ذلك من تمر خيبر وينبغي أن يكون ذلك قبل محاصرة خيبر بان يكون أهل خيبر لما رأوا ما جرى لقريظة وبني النضير لما نقضوا العهد خافوا فاتفقوا مع أهل فدك على ذلك فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام من المدينة في مائة رجل فجعل يسير الليل ويكمن النهار حتى انتهى إلى الغمج ماء بين فدك وخيبر فوجدوا رجلا فقالوا ما أنت قال باع أي طالب لشيء ضل مني فقالوا هل لك علم بجمع بني سعد قال لا علم لي به فشدوا عليه فاقر إنه عين لهم بعثوه إلى خيبر يعرض على يهودها نصرهم على أن يجعلوا لهم من تمرها ما جعلوا لغيرهم قالوا له فأين القوم قال تركتهم قد تجمع منهم مائتا رجل قالوا فسر بنا حتى تدلنا عليهم قال على أن تؤمنوني فأمنوه فجاء بهم إلى سرحهم فأغاروا عليه وهرب الرعاء إلى جمعهم فتفرقوا فقال دعوني فقال علي حتى نبلغ معسكرهم فانتهى بهم إليه فلم يروا أحدا فتركوه وساقوا النعم وكانت خمسمائة بعير وألفي شاة فاصطفى علي منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة لقوحا تسمى الحفدة وقسم الباقي على أصحابه هكذا في السيرة الحلبية وينبغي أن يكون اخرج خمسها أولا لا اللقوح وحدها ثم قسم الباقي.

سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى بلاد طيء

في ربيع الأول سنة تسع من الهجرة ومعه مائة وخمسون رجلا من الأنصار أو مائتان على مائة بعير وخمسين فرسا لهدم صنم طئ والغارة عليهم ومعه راية سوداء ولواء أبيض وفي السيرة الحلبية أن اسم الصنم الفلس بضم ألفاء وسكون اللام وفي سيرة دحلان أن الفلس اسم الموضع الذي فيه الصنم فأغار على أحياء من العرب وشن الغارة على آل حاتم مع الفجر فهدم الفلس وأحرقه ووجد في خزانته ثلاثة أسياف وثلاث أدرع وغنم سبيا ونعما وشاء وفضة.

سفانة بنت حاتم الطائي

وكان في السبي سفانة بنت حاتم الطائي أخت عدي بن حاتم وكانت أمراة جزلة أي ذات وقار وعقل فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن وأفدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله وكان عدي هرب لما رأى الجيش ثم كلمته بمثل ذلك اليوم الثاني وفي اليوم الثالث أشار إليها علي بن أبي طالب بان قومي إليه فكلميه فكلمته فمن عليها وأسلمت وذهبت إلى أخيها عدي فجاءت به وأسلم وحسن إسلامه وصار من خواص أصحاب علي أمير المؤمنين عليه السلام ويروى أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد أن رأيت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط إنا ابنة حاتم الطائي فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمن حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق.

نزول سورة براءة

قال الشيخ الطوسي في المصباح في أول يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم سورة براءة حين أنزلت عليه مع أبي بكر ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك فأنفذ عليا حتى لحق أبا بكر فأخذها منه. وقال الطبري في تفسيره: حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أبو حمد ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيغ قال نزلت براءة فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ثم أرسل عليا فاخذها منه فلما رجع أبو بكر قال هل نزل في شيء قال لا ولكن أمرت أن أبلغها إنا أو رجل من أهل بيتي فانطلق علي إلى مكة فقام فيهم بأربع أن لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا ولا يطف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فاتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا فظن إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو علي إلى أن قال فنادى علي أن الله برئ من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن وبسنده عن زيد بن يثيغ سألنا عليا بأي شيء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامهم هذا ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فاجله أربعة أشهر وروى النسائي في الخصائص بسنده عن سعد قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليا فأخذها منه ثم سار بها فوجد أبا بكر في نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يؤذى عني إلا إنا أو رجل مني" (وبسنده) عن أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم براءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال لا ينبغي أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا عليا فأعطاه إياها وبسنده عن زيد بن يثيغ عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر ثم اتبعه بعلي فقال خذ الكتاب فامض به إلى أهل مكة فلحقه فأخذ الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ولحقه علي بذي الحليفة وقيل بالعرج وقيل بالروحاء على ناقة رسول

الله صلى الله عليه وسلم العضباء. قال المجلسي أجمع المفسرون ونقلة الأخبار إنه لما نزلت براءة دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر ثم أخذها منه ودفعها إلى علي بن أبي طالب واختلفوا فقيل أخذها علي منه فقرأها على الناس وكان أبو بكر أميرا على الموسم وروى أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى عليا الموسم أيضا وقال بعضهم إنما أمر عليا بأخذ براءة من أبي بكر جريا على عادة العرب بأنه لا يبلغ عنهم إلا هم أو أحد أقربائهم. وفيه أن هذه لم يرد بها خبر ولو فرض فالإسلام قد جاء لمحو عادات الجاهلية مثل عدم توريث النساء والتفاخر بالأجداد والآباء وإنما ذلك أمر من الله تعالى بان لا يقوم بهذا الأمر المهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم أو من هو مثل نفسه.

سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى اليمن

قال ابن سعد يقال مرتين إحداهما في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة قالوا بعث صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وقال امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك وزاد غير ابن سعد وادعهم إلى قول لا إله إلا الله فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت. وروى أبو داود وغيره من حديث علي قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم وأنا حديث السن لا أبصر القضاء فوضع يده على صدري وقال اللهم ثبت لسانه وأهد قلبه وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء قال علي والله ما شككت في قضاء بين اثنين قال ابن سعد فخرج في ثلثمائة فارس وكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد وهي بلاد مذحج ففرق أصحابه فاتوا بغنائم وسبي ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا نحن على من ورائنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله وجمع علي الغنائم فاخرج منها الخمس وقسم الباقي على أصحابه ثم قفل فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر وهي حجة الوداع أقول والأخرى قبل هذه وكانت سنة ثمان من الهجرة أرسل عليا عليه السلام إلى همدان بعد فتح مكة فأسلمت همدان كلها في يوم واحد فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخر ساجدا لله ثم جلس فقال السلام على همدان وتتابع أهل اليمن على الإسلام ويدل قول ابن سعد يقال ذلك مرتين على إنه غير محقق ويرشد إليه أن بعضهم جعل إسلام همدان سنة عشر والله أعلم ولكن ابن هشام في سيرته جزم بان عليا عليه السلام غزا اليمن مرتين ثم قال: قال أبو عمر المدني بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن وبعث خالد بن الوليد في جند آخر وقال أن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب ويدل كلام المفيد في الإرشاد على أن إرسال النبي صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام إلى اليمن كان ليخمس ركازها ويقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل والعين وغير ذلك لا لأجل الحرب وأن أهل اليمن كانوا قد أسلموا قبل ذلك لكن ربما ينافيه أخذ الجيش معه ولعله خشية من وقوع حرب. وفي السيرة الحلبية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن لهمدان يدعوهم إلى الإسلام قال البراء فكنت ممن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب فأمره أن يقفل خالدا ويكون مكانه فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا وصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم الحديث: وفي السيرة النبوية لدحلان أن بعث علي سنة ثمان كان إلى همدان وجعله سنة عشر غلط وبعثه سنة عشر كان إلى مذحج.

نظرة إجمالية في حروبه صلى الله عليه وسلم وغزواته

إذا نظرنا في مبدأ الدعوة الإسلامية وما سارت عليه إلى نهايتها رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ دعوته بالقتال ولم يبنها على السيف والحرب وإنما دعا إليها كما أمره الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وبقي على ذلك بمكة بعد البعثة عشر سنين فدخل الناس في الإسلام طائعين غير مكرهين عن عقيدة وإخلاص سريرة وعلم بحقيقة هذا الدين واعتراف بمحاسنه بعد ما ظهر لهم فساد ما كانوا عليه من عبادة الأوثان وقبح ما هم عليه من أمور الجاهلية وإن دخول من دخل فيه لم يكن رهبة من عقاب ولا طمعا في مال أو جاه بل كان الأمر بالعكس يؤذى من دخل فيه ويعذب ويهان ويقصى ويحرم وأن اخصامه لم يعمدوا في دفعه إلى حجة أو برهان أو معارضة بدليل ولو كان سفسطة سوى قولهم أتأمرنا أن نترك ما كان يعبد آباؤنا وشبهه ولم يتركوه وشأنه بل عمدوا إلى ايقاع المكروه به وآذوه بأنواع الأذايا حتى تعاقدوا على حصره وجميع عشيرته مسلمهم وكافرهم في شعب أربع سنين لا يبايعون ولا يشارون ولا يزوجون ولا يتزوج إليهم ولا يعاشرون ولا يخالطون وحتى كانوا يسلطون صبيانهم وسفهاءهم عليه ووضعوا السلا على ثيابه ولم يكتفوا بذلك حتى طلبوا إلى عمه أبي طالب أن يسلمه لهم ليقتلوه وحتى تامروا على قتله ليلا وأحاطوا بداره فنجاه الله منهم وذهب إلى الغار واستخفى فيه ثلاثا وجعلوا لمن جاءهم به مائة بعير وعمدوا إلى من تخلف بمكة من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم وهاجر جماعة منهم خفية إلى بلاد الحبشة فأرسلوا وراءهم من يردهم وحملوا معهم الهدايا لملك الحبشة فجبههم لما سمع بلاغة القرآن وسمو تعاليمه فاضطر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما استقر بالمدينة إلى غزوهم وحربهم ليدفع أذاهم وشرهم عنه وعن أصحابه فكانت غزوة بدر طلبا لعيرهم ففاتته فجهزوا الجيوش لحربه وأرادوا غزوه في عقر دياره فحاربهم وأظفره الله بهم ثم قصدوه يوم أحد إلى دار هجرته قاصدين استئصاله واستئصال أصحابه فاضطر إلى دفاعهم ثم أراد العمرة عام الحديبية فصدوه عن بيت الله الحرام الذي يعتقدون حرمته وتعظيمه ويستعظمون الصد عنه فهادنهم مهادنة كانت بجانبهم أرجح ولان لهم فنقضوا العهد وعاونوا بني بكر على خزاعة حلفائه وقتلوهم غدرا فسار إليهم لفتح مكة ونهى عن قتالهم وعفا عنهم عفوا عاما ولم يكره أحدا من أهل الكتاب على ترك دينه وأعلن على رؤوس الملأ لا إكراه في الدين واكتفى منهم أما بإسلام أو أداء شيء يفرض عليهم كل عام ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وأنه لم يحارب يهود الحجاز إلا بعد ما نقضوا عهده وراموا قتله وألبوا عليه وبذلك يبطل ما يقوله من يريد تنقيص الإسلام بأنه قام بالسيف والقهر والغلبة لا بالدعوة والله الهادي.

حجة الوداع

سنة عشر من الهجرة قال ابن هشام سميت بذلك لأنه لم يحج بعدها وقيل لأنه ودع فيها الناس واعلمهم بدنو أجله. قال ابن سعد في الطبقات وهي التي يسميها الناس حجة الوداع وكان المسلمون يسمونها حجة الإسلام وكان ابن عباس يكره أن يقال حجة الوداع ويقول حجة الإسلام ولم يحج غيرها منذ تنبأ ولو قال منذ هاجر لكان صوابا فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد الهجرة غيرها وإنما أراد الاعتمار عام الحديبية فصد ثم اعتمر عمرة القضاء واعتمر يوم حنين ولم يحج أما قبل الهجرة فقد حج صلى الله عليه وسلم حجتين يقينا وهما اللتان بايع فيهما الأنصار عند العقبة وقد روى ابن سعد ذلك بسنده عن مجاهد قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجتين: قبل أن يهاجر حجة وبعد ما هاجر حجة وفي السيرة الحلبية أنه صلى الله عليه وسلم حج بعد النبوة وقبل الهجرة ثلاث حجات وقيل حجتين وقال ابن الأثير كان صلى الله عليه وسلم يحج كل سنة قبل أن يهاجر وقال ابن الجوزي حج صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها حججا لا يعلم عددها وكان قبل النبوة يقف بعرفات ويفيض منها إلى مزدلفة مخالفة لقريش توفيقا له من الله لأنهم كانوا لا يخرجون من الحرم وقالوا لا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم فيستخف العرب بحرمكم فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة إلى مزدلفة ويرون ذلك لسائر العرب وكان فرض الحج بالمدينة قال المفيد: ثم أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التوجه إلى الحج وأداء ما فرض الله تعالى عليه فيه فإذن في الناس بالحج وبلغت دعوته إلى أقاصي بلاد الإسلام فتجهز الناس للخروج معه وحضر المدينة من ضواحيها ومن حولها خلق كثير وتأهبوا للخروج فخرج صلى الله عليه وسلم بهم يوم الخميس أو يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة. وفي السيرة الحلبية خرج معه أربعون ألفا وقيل سبعون وقيل تسعون وقيل مائة وأربعة عشر ألفا وقيل مائة وعشرون ألفا وقيل أكثر من ذلك عدا من حج معه من أهل مكة واليمن قال ابن سعد خرج من المدينة مغتسلا متدهنا مترجلا مجردا في ثوبين صحاريين ازار ورداء فصلى الظهر بذي الحليفة ركعتين وأخرج معه نساءه التسع كلهن في الهوادج وابنته فاطمة وأشعر هديه وقلده ثم قال واختلف علينا فيما أهل به فأهل المدينة يقولون أهل بالحج مفردا وفي رواية غيرهم إنه قرن مع حجته عمرة وقال بعضهم دخل متمتعا بعمرة ثم أضاف إليها حجة وفي كل رواية أقول الصحيح أن حجه كان حج قران وعقد إحرامه بسياق الهدي فلما وصل إلى الميل لبى فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال المفيد: وكاتب عليا عليه السلام بالتوجه إلى الحج من اليمن ولم يذكر له نوع الحج الذي عزم عليه وخرج صلى الله عليه وسلم قارنا للحج بسياق الهدي وأحرم من ذي الحليفة وأحرم الناس معه ولبى من عند الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين الحرمين بالتلبية حتى انتهى إلى كراع الغمم وكان الناس معه ركبانا ومشاة فشق على المشاة المسير وأجهدهم فشكوا ذلك إليه واستحملوه فاعلمهم إنه لا يجد لهم ظهرا وأمرهم أن يشدوا على أوساطهم ويخلطوا الرمل بالنسل ففعلوا ذلك واستراحوا إليه.

وفي السيرة الحلبية: ذكر بعضهم إنه في هذه الحجة كان جمل عائشة رض سريع المشي مع خفة حمل عائشة وجمل صفية بطيء المشي مع ثقل حملها فصار الركب يتأخر لذلك فأمر صلى الله عليه وسلم أن يجعل حمل صفية على جمل عائشة وحمل عائشة على جمل صفية فقال لعائشة يا أم عبد الله حملك خفيف وجملك سريع وحمل صفية ثقيل وجملها بطئ فأبطأ ذلك بالركب فنقلنا

حملك على جملها وحملها على جملك فقالت له انك تزعم انك رسول الله؟! فقال أفي شك أني رسول الله أنت يا أم عبد الله؟! قالت فما لك لا تعدل؟! قالت فكان أبو بكر رض فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما سمعت ما قالت فقال دعها فان المرأة الغيراء لا تعرف أعلا الوادي من أسفله. قال المفيد وخرج علي عليه السلام بمن معه من العسكر الذي كان صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي أخذها من أهل نجران فلما قارب رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من طريق المدينة قاربها علي عليه السلام من طريق اليمن وسبق الجيش للقاء النبي صلى الله عليه وسلم وخلف عليهم رجلا منهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشرف على مكة فسلم عليه وأخبره بما صنع وبقبض ما قبض وأنه سارع للقائه إمام الجيش فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وابتهج بلقائه وقال له بم أهللت فقال له يا رسول الله انك لم تكتب لي إهلالك ولا عرفته فعقدت نيتي بنيتك فقلت اللهم إهلالا كإهلال نبيك وسقت معي من البدن أربعا وثلاثين بدنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر قد سقت إنا ستا وستين وأنت شريكي في حجي ومناسكي وهديي فاقم على إحرامك وعد إلى جيشك فعجل بهم حتى نجتمع بمكة وفي سيرة ابن هشام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي هل معك من هدي قال لا فأشركه في هديه وثبت على إحرامه حتى فرغا من الحج ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي عنهما. وفي السيرة الحلبية يمكن الجمع بين هذا وبين إنه قدم من اليمن ومعه هدي بان الهدي كان قد تأخر مجيئه فأشركه في هديه ثم نقل الهدي الذي جاء به علي عليه السلام من اليمن كان سبعا وثلاثين والذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين قال ابن هشام فيما أخرجه عن ابن إسحاق بسنده لما أقبل علي من اليمن لتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل فقال للذي كان استخلفه فيهم ويلك ما هذا قال كسوتهم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس فانتزع الحلل من الناس وشدها في الأعدال وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم قال أبو سعيد الخدري اشتكى الناس عليا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيها فسمعته يقول أيها الناس لا تشكن عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى وفي رواية المفيد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى في الناس ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب فإنه خشن في ذات الله عز وجل غير مداهن في دينه فكف القوم عن ذكره وعلموا مكانه من النبي صلى الله عليه وسلم وسخطه على من رام الغميزة فيه. قال المفيد وأقام علي عليه السلام على إحرامه تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم (فكان حجهما حج قران) وكان قد خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم كثير من المسلمين بغير سياق هدي فأنزل الله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وشبك إحدى أصابع يديه على الأخرى ثم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" ثم أمر مناديه أن ينادي من لم يسق منكم هديا فليحل وليجعلها عمرة ومن ساق منكم هدايا فليقم على إحرامه توضيح ذلك أن الحج ثلاثة أنواع إفراد وقران وتمتع فالأفراد والقران فرض القريب إلى مكة والتمتع فرض البعيد والمفرد يأتي بالحج أولا ثم بعمرة مفردة وكذلك القارن إلا إنه يسوق الهدي معه عند الإحرام والمتمتع يأتي أولا بعمرة التمتع ثم يأتي بالحج فالنبي صلى الله عليه وسلم حين أحرم في حجة الوداع أحرم بحج القران لأنه ساق الهدي وكذلك علي عليه السلام أحرم كإحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الهدي فكان حجه حج قران وأكثر الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يسوقوا الهدي عند الإحرام وأحرموا بالحج ولم يكن حج التمتع مفروضا يومئذ فلما نزل فرض حج التمتع بقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} (إلى قوله) {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} (الآية). أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساق الهدي أن يبقى على إحرامه ويجعل حجه حج قران ومن لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة تمتع فيحل من إحرامه ثم يحرم للحج وقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة فصار فرض البعيدين عن مكة ومنهم أهل المدينة حج التمتع وليس لهم أن يحجوا حج إفراد ولا حج قران وإنما كان لمن ساق الهدي أن يحج حج قران في ذلك العام فقط ومعنى دخول العمرة في الحج أن المتمتع يكون نسكه مركبا من عملين العمرة والحج فهما يمنزلة شيء واحد بخلاف القارن والمفرد فعمله مركب من نسكين مستقلين الحج والعمرة المفردة وفي رواية أن سراقة بن مالك قال يا رسول الله متعتنا هذه لعآمنا هذا أم للأبد فشبك أصابعه فقال بل لابد الأبد دخلت العمرة في الحج هكذا إلى يوم القيامة أورده في السيرة الحلبية. قوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت أي لو كنت أعلم حين أحرمت ما علمته اليوم من أن من ساق الهدي ليس له أن يحج حج تمتع بل حجه حج قران ما سقت الهدي بل كنت أحرم بغير سياق الهدي ليكون حجي حج تمتع فان حج التمتع أفضل من حج القران وحاصله الندم على سوق الهدي الذي أوجب أن يكون حجه حج قران وفوت عليه فضيلة حج التمتع قال المفيد فأطاع في ذلك بعض الناس وخالف البعض وجرت خطوب بينهم فيه وقال منهم قائلون: رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعث أغبر ونحن نلبس الثياب ونقرب النساء وندهن وقال بعضهم أما تستحون تخرجون ورؤوسكم تقطر من الغسل ورسول الله على إحرامه فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالف في ذلك وقال لولا أني سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة فمن لم يسق هديا فليحل فرجع قوم وأقام آخرون على الخلاف وروى النسائي في سننه بسنده عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت قلت أهللت بإهلالك قال فإني سقت الهدي وقرنت وقال لأصحابه لو استقبلت من أمري كما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكن سقت الهدي وقرنت. وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار قال أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه ثم أحل كما أحلوا ولما أراد صلى الله عليه وسلم دخول مكة اغتسل ودخلها نهارا من أعلاها من كداء وضرب خيامه بالأبطح ومضى حتى انتهى إلى باب بني شيبة وهو المعروف اليوم بباب السلام فدخل المسجد وطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى خلف المقام ركعتين ثم سعى بين الصفا والمروة من فوره ذلك ثم عاد إلى منزله فلما كان قبل التروية بيوم خطب بمكة بعد الظهر ثم خرج يوم التروية إلى منى فهات بها ثم غدا إلى عرفات فوقف بها وقال كل عرفة موقف إلا بطن عرنة وخطب الناس بعرفات وتأتي خطبته عند ذكر خطبه فلما غربت الشمس دفع فجعل يسير العنق فإذا وجد فجوة نص حتى جاء المزدلفة فصلى المغرب والعشاء بآذان وإقامتين وبات بها فلما كان السحر أذن لأهل الضعف من الذرية والنساء أن يأتوا من قبل حطمة الناس فلما برق الفجر صلى الصبح ثم ركب راحلته فوقف على قزح جبل وقال كل المزدلفة موقف إلا بطن محسر ثم دفع قبل طلوع الشمس فلما بلغ إلى محسر أوضع ثم أتى منى فرمى جمرة العقبة ثم نحر الهدي وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن. كذا في طبقات ابن سعد وفي رواية أخرى لابن سعد أطاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. قال صاحب السيرة الحلبية فنحر من البدن ثلاثا وستين بيده الشريفة وهي التي جاء بها من المدينة وأمر عليا فنحر الباقي وهو تمام المائة ولعله الذي جاء به من اليمن ثم قال وجاء عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أهدى في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين وأمر عليا فنحر الباقي وقال له "أقسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ولا تعط جزارا منها شيئا وخذ لنا من بعير جذبة من لحم واجعلها في قدر حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها" ففعل ثم أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس بمنى يوم العيد بعد الظهر فقال: "ألا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" ثم قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم إلا لا ترجعن بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض إلا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه إلا هل بلغت". قال بعضهم قد كان ذلك. قد كان بعض من بلغه أوعى له من بعض من سمعه وتأتي هذه الخطبة بأطول عند ذكر خطبه صلى الله عليه وسلم ونادى مناديه بمنى أنها أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد.

خبر غدير خم

ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى مناسكه قفل راجعا إلى المدينة فوصل إلى الموضع المعروف بغدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة وهو مكان قريب من الجحفة بناحية رابغ قال المفيد في الإرشاد وليس بموضع إذ ذاك يصلح للنزول لعدم الماء فيه والمرعى فنزل به ونزل المسلمون معه قال وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة في الأمة من بعده. وقد كان تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت فاخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه وعلم الله عز وجل إنه أن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلدانهم وبواديهم فأراد الله أن يجمعهم لسماع النص عليه وتأكيد الحجة عليهم فيه فأنزل الله تعالى عليه: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}. يعني في استخلاف علي والنص بالإمامة عليه. {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}. فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه من تأخير الأمر فيه وضمن له العصمة ومنع الناس منه فنزل بذلك المكان ونزل المسلمون حوله وكان يوما قائظا شديد الحر فأمر بدوحات هناك فقم ما تحتها وأمر بجمع الرحال ووضع بعضها فوق بعض ثم أمر مناديه فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا من رحالهم إليه وإن أكثرهم ليلف رداءه

على قدميه من شدة الحر فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى صار في ذروتها ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ووعظ فابلغ في الموعظة ونعى إلى الأمة نفسه وقال أني قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم وإني مخلف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم نادى بأعلى صوته ألست أولى بكم منكم بأنفسكم قالوا اللهم بلى فقال لهم على النسق وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين عليه السلام فرفعهما حتى بان بياض إبطيهما فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. ثم نزل وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فإذن مؤذنه لصلاة الظهر فصلى بهم الظهر وجلس في خيمته وأمر عليا أن يجلس في خيمة له بازائه وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنوه بالمقام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم وأمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين ممن معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن وكان فيمن أطنب في تهنئته بالمقام عمر بن الخطاب وأظهر له من المسرة به وقال فيما قال: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة وجاء حسان بن ثابت فقال يا رسول الله أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله فقال له قل يا حسان على اسم الله فوقف على نشز من الأرض وتطاول المسلمون لسماع كلامه فأنشأ يقول:

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك" انتهى الإرشاد وفي كتاب أسباب النزول للواحدي النيسابوري ما لفظه: أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد حدثنا محمد بن إبراهيم الخلوتي حدثنا الحسن بن حماد سجادة حدثنا علي بن عابس عن الأعمش وأبي حجاب عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} يوم غدير خم في علي بن أبي طالب وفي مسند أحمد بن حنبل في الجزء الرابع من حديث البراء بن عازب ما لفظه: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان ثنا حماد ابن سلمة إنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال "ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم" قالوا بلى قال: "ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه"، قالوا بلى فأخذ بيد علي فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة قال أبو عبد الرحمن ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وروى الحاكم في المستدرك بعدة أسانيد عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وذكر الحديث بطوله قال الحاكم هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك ولم يتعقبه بشيء قال الحاكم: شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضا صحيح على شرطهما ثم ذكره بسنده عن أبي الطفيل عامر بن وائلة إنه سمع زيد بن أرقم يقول نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فصلى ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول ثم قال "أيها الناس أني تارك فيكم أمرين لن تضلوا أن اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي" ثم قال: "أتعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم" ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كنت مولاه فعلي مولاه". وفي تاريخ ابن كثير قال الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون عن عدي بن ثابت عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم كسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين ونودي في الناس الصلاة جامعة ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال ألست أولى بكل امرئ من نفسه قالوا بلى قال هذا مولى من إنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر بن الخطاب فقال هنيئا لك أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. وفي السيرة الحلبية: لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى محل بين مكة والمدينة يقال له غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة فخطبهم إلى أن قال فقال يا أيها الناس إنما إنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب إلى أن قال ثم حض على التمسك بكتاب الله ووصى بأهل بيته فقال: "أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض" وقال في حق علي لما كرر عليهم ألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف ورفع يد علي وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من أنصره وأعن من أعانه واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار" ثم قال وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان قال ولا التفات لمن قدح في صحته كابي داود وأبي حاتم الرازي وقول بعضهم أن زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها، وقد جاء أن عليا قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول أنبئت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا، وفي المعجم الكبير ستة عشر وفي رواية اثنا عشر فقال هاتوا ما سمعتم فذكروا الحديث.

وقال ابن كثير الشامي في تاريخه اعتنى بأمر هذا الحديث يعني حديث الغدير أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة يعني خطبة يوم الغدير، قال وروى النسائي في سننه عن محمد بن المثني عن يحيي بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال: "الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، فقلت لزيد سمعته من رسول الله ص؟ فقال ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه باذنه، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح، وقال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد أنبأنا أبو الحسين أنبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فنزل في الطريق فأمر بالصلاة جامعة فأخذ بيد علي فقال: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم" قالوا بلى قال: "ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه" قالوا بلى قال: "فهذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي عن البراء وأورد عن عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه بعدة أسانيد عن سعيد بن وهب وعن يزيد بن يثيغ قال نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة فشهدوا إنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي يوم غدير خم: "أليس رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم" قالوا: بلى قال: "اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" وفي بعضها زيادة وانصر من نصره وأخذل من خذله وأورد عنه فيه أيضا بعدة أسانيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحوه وفي بعضها فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله" إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فاصابتهم دعوته. وأورد عنه أيضا بعدة أسانيد عن جماعة منهم أبو الطفيل قال جمع علي الناس في الرحبة يعني رحبة مسجد الكوفة فقال أنشد الله كل من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم" قالوا: نعم يا رسول الله قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" قال فخرجت كان في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له أني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له. هكذا ذكر الإمام أحمد في مسند زيد بن أرقم. وأورد عن الإمام أحمد بعدة أسانيد عن زيد بن أرقم في بعضها: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير فخطبنا وظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب على شجرة ستره من الشمس قال ألستم تعلمون أو ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال

فمن كنت مولاه فان عليا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وأورد أيضا روايات كثيرة بأسانيدها من كتاب غدير خم لابن جرير وفي بعضها أنه صلى الله عليه وسلم قال "أيها الناس أني وليكم" قالوا: صدقت فرفع يد علي فقال "هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عداه" انتهى ما أردنا نقله من تاريخ ابن كثير، واستقصاء ما فيه يطول به الكلام. وبالجملة فحديث الغدير مستفيض أو متواتر وكفى أن يكتب فيه مثل ابن جرير مجلدين.

وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جيش أسامة

قال ابن إسحاق ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وضرب على الناس بعثا إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون وهو آخر بعث بعثه صلى الله عليه وسلم وفي رواية الطبري في تاريخه أمره أن يطئ آبل الزيت من مشارف الشام لأرض بالأردن:

وقال ابن سعد في الطبقات: سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل أبنى وهي ارض السراة ناحية البلقاء. قالوا لما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الأخبار فان ظفرك الله فأقل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع إمامك فلما كان يوم الارعاء بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض فحم وصدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله أن كان للإمارة لخليقا وان ابنه من بعده لخليق للإمارة" ثم نزل فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أنفذوا بعث أسامة وروى ابن هشام في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقال أنفذوا بعث أسامة ثم نزل وانكمش الناس في جهازهم ثم قال ابن سعد في روايته بسنده عن عروة بن الزبير فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون وقد عسكر بالجرف فاشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك ثم وجد من نفسه راحة فخرج عاصبا رأسه فقال "أيها الناس أنفذوا بعث أسامة" ثلاث مرات وروى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أني اوشك أن أدعي فأجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وان اللطيف الخبير اخبرني إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وقال المفيد في الإرشاد انه صلى الله عليه وسلم تحقق من دنو اجله ما كان قدم الذكر به لامته فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكد وصاتهم بالتمسك بسنته والاجتماع عليها والوفاق ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق واجتماع من قوله صلى الله عليه وسلم : "يا أيها الناس أني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض إلا واني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما فان اللطيف الخبير نبأني إنهما لن يفترقا حتى يلقياني وسالت ربي ذلك فأعطانيه إلا واني قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار إلا وان علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله": وكان صلى الله عليه وسلم يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الأمرة وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في أمر الرياسة ويطمع في التقدم على الناس بالامارة ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع فعقد له الأمرة وجد في إخراجهم وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلوم والإبطاء عنه فبينما هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها انتهى.

وإذا أمعنا النظر في مجاري هذه الحوادث وتأملناها بإنصاف مجرد عن شوائب العقائد أمكننا أن نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما تحققه من دنو اجله بوحي أو غيره وأوما إليه بما أعلنه للملأ في خطبته المتقدمة التي خطبها في حجة الوداع بقوله: فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، وقوله في بعض خطبه الآتية: قد حان مني خفوق من بين أظهركم وتأكيده الوصاية بالثقلين وقوله: قد كان جبرئيل يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي واعتكافه في ذلك العام عشرين يوما وقد كان يعتكف عشرة، وغير ذلك من التصريح والتلويح بأنه عالم بدنو أجله ومع عروض المرض له واشتداده عليه وهو مع ذلك كله يجتهد في تجهيز جيش أسامة ويحث عليه ويكرر الحث مرارا ويؤمر أسامة وهو غلام على وجوه المهاجرين والأنصار ولا يشغله ما هو فيه من شدة المرض وتحقق دنو الأجل عن الاشتداد في تجهيز جيش أسامة.

وقد كان مقتضى ظاهر الحال وسداد الرأي أن لا يبعث جيشا في أكابر الصحابة وجمهور المسلمين في مثل تلك الحال التي يتخوف على نفسه فيها الموت لأن تدارك ما يخاف وقوعه عند وفاته واحكام أمر الخلافة في حياته أهم من تسيير جيش لغزو الروم بل لا يجوز في مثل تلك الحال إرسال الجيوش من المدينة ويلزم تعزيز القوة فيها استعدادا لما يطرأ من الفتن بوفاته وقد صرح بذلك في قوله أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، لا سيما إنه قد بلغه ارتداد جماعة من العرب في عدة أماكن وادعاء بعضهم النبوة لما بلغهم مرضه كما نص عليه الطبري في تاريخه مع تأييده بالوحي وامتيازه عن سائر الخلق بجودة الرأي. وعدم تمام ما حث عليه من تجهيز جيش أسامة وبقاء أسامة معسكرا بالجرف حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك يدلنا على أن في الأمر شيئا وان تجهيز هذا الجيش لم يكن أمرا عاديا لقصد الغزو والفتح بل لو قطعنا النظر عن ذلك كله لوجدنا أن ظاهر الأمر يقتضي أن يشتغل في مثل تلك الحال بنفسه وبما عراه من المرض الشديد لا بتسيير الجيوش لغزو ليس فيه ما يقتضي الفور والعجلة مثل مهاجمة عدو أو طروء حادث لا يحسن التأخر عنه.

وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال من جوف الليل: "أني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي فخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلاص ثم قال ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى" ثم قال "أني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة"، فقلت بأبي أنت وأمي فخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة قال: "قد اخترت لقاء ربي والجنة". وقال المفيد: لما أحس بالمرض أخذ بيد علي واتبعه جماعة وتوجه إلى البقيع فقال أني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال السلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها ثم استغفر لأهل البقيع طويلاص واقبل على علي عليه السلام فقال له: "إن جبرئيل كان يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي" ثم قال "يا علي أني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة" فاخترت لقاء ربي والجنة، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في رمضان العشر الأواخر فلما كانت السنة التي قبض فيها اعتكف عشرين يوما. قال المفيد: ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا ثم خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين بيمنى يديه وعلى الفضل بن العباس باليد الأخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال: "معاشر الناس قد حان مني خفوق من بين أظهركم فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها ومن كان له علي دين فليخبرني به معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيرا أو يصرف عنه به شرا إلا العمل أيها الناس لا يدع مدع ولا يتمن متمن والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل مع رحمة ولو عصيت لهويت اللهم هل بلغت" ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيته وكان إذ ذاك بيت أم سلمة فأقام به يوما أو يومين فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله وسالت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فإذن لها فانتقل إلى البيت الذي اسكنه عائشة. وروى الطبري بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة أنها قالت تتام برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه وهو يدور على نسائه وهو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فإذن له فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخط قدماه الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيتي، قال عبيد الله: فحدثت بهذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال: هل تدري من الرجل؟ قلت لا، قال علي بن أبي طالب،

ولكنه لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن جماعة منهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأه مرضه الذي مات به في بيت ميمونة فخرج عاصبا رأسه فدخل علي بين رجلين تخط رجلاه الأرض عن يمينه العباس وعن يساره رجل قال عبيد الله اخبرني ابن عباس أن الذي عن يساره علي. واستمر به المرض فيه أياما وثقل فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلى الله عليه وسلم مغمور في المرض فنادى الصلاة رحمكم الله فأوذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بندائه أقول وهنا اختلفت الرواية هل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أن يصلي بالناس أو لا فروى ابن هشام في سيرته إنه حين دعاه بلال إلى الصلاة قال: "مروا من يصلي بالناس" فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر فقال له "قم فصل بالناس" وكان أبو بكر غائبا فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فأرسل إلى أبي بكر فجاء بعد أن تم عمر الصلاة فصلى بالناس وروى الطبري عن عائشة إنه قال: "مروا أبا بكر أن يصلي بالناس" فقالت عائشة إنه رجل رقيق فأعاد فأعادت فغضب وقال: "إنكن صواحب يوسف" فخرج يهادي بين رجلين وقدماه تخطان في الأرض فلما دنا من أبي بكر تأخر فأشار إليه أن قم في مقامك فقعد إلى جنب أبي بكر قالت فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي والناس يصلون بصلاة أبي بكر وروى ابن سعد وغيره نحوه. وقال المفيد إنه قال يصلي بالناس بعضهم فإني مشغول بنفسي فقالت عائشة مروا أبا بكر وقالت حفصة مروا عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكففن فإنكن صويحبات يوسف وقام مبادرا وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف فأخذ بيد علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فاعتمد عليهما ورجلاه تخطان الأرض من الضعف فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه فتأخر وقام صلى الله عليه وسلم مقامه فكبر وابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأ بها أبو بكر ولم يبن على ما مضى من فعاله أقول: ما لنا ولما رواه هؤلاء المؤرخون المختلفون في العقيدة المختلفون في النقل فبعض يروي إنه لم يأمر أحدا بعينه أصلا وبعض إنه لم يأمر بذلك في أول الأمر ثم أمر أبا بكر بعد ما سمع عمر يكبر وإن الناس صلوا الصبح مرتين وبعض يروي إنه أمر أبا بكر من أول الأمر، ما لنا ولهذه الأخبار المتناقضة لكننا نقول إنهم اتفقوا جميعا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد في حالة شديدة من المرض والضعف حتى إنه لا يكاد يستقل ولا ينقل قدميه بل اعتمد على رجلين ورجلاه تخطان الأرض خطا وصلى جالسا فإن كان يريد بذلك تأييد أبي بكر فقد عينه للصلاة وصلى الناس خلفه ولو لم يخرج لكان أشد تأييدا له لأنه بخروجه وقعت الشبهة في إنه لعله لم يرض بتقدمه. وائتمام الناس بأبي بكر وهو بالنبي صلى الله عليه وسلم يوجب أن يكون إماما ومأموما في وقت واحد وهذا غير جائز في الشرع ولم لم يتركه إماما إلى آخر الصلاة؟! قال المفيد فلما سلم انصرف إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال "ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة" فقالوا بلى يا رسول الله قال: "فلم تأخرتم عن أمري" قال أبو بكر أني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا وقال عمر يا رسول الله أني لم اخرج لأني لم أحب أن أسأل عنك الركب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنفذوا جيش أسامة" يكررها ثلاث مرات ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف فمكث هنيهة مغمى عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين فأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهم ثم قال: "أئتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا" ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا فقال له عمر أرجع فإنه يهجر فرجع وندم من حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا إنا لله وأنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أفاق قال بعضهم إلا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله فقال: "أبعد الذي قلتم لا ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا" واعرض بوجهه عن القوم فنهضوا. وروى البخاري في الجزء الرابع من صحيحه في باب قول المريض قوموا عني من كتاب المريض والطب بسنده عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم : "هلموا اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده" فقال عمر أن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف الحاضرون فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قوموا" قال عبيد الله وكان ابن عباس يقول أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. ورواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس مثله إلا أن في ألفاظه بعض الاختلاف قال لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هلموا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده" فقال عمر أن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول ما قال عمر فلما كثر اللغط والاختلاف وغموا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "قوموا عني" فقال عبيد الله بن عبد الله فكان ابن عباس يقول الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. وروى البخاري في الجزء الثالث من صحيحه في باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم بسنده عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: "أئتوني اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شانه اهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال: "دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه" وأوصاهم بثلاث قال: "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد نحو ما كنت أجيزهم" وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها. ورواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله إلا أنه قال: "لا تضلوا بعدي" وقال: فذهبوا يعيدون عليه وقال وسكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيتها. ورواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله إلا إنه قال: "أئتوني بدواة وصحيفة" وقال فذهبوا يعيدون عليه وقال فسكت عن الثالثة فلا أدري قالها فنسيتها أو سكت عنها عمدا والمتأمل لا يكاد يشك في أن الثالثة سكت عنها المحدثون عمدا لا نسيانا وان السياسة اضطرتهم إلى السكوت عنها عمدا وتناسيها وإنها هي التي طلب الدواة والكتف ليكتبها لهم. وروى البخاري في صحيحه في هذا الموضع بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجالا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "هلموا اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده" فقال بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قوموا" قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. قال القسطلاني في إرشاد الساري بعد قوله بعضهم: هو عمر بن الخطاب. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخميس فجعل يعني ابن عباس يبكي ويقول يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: "أئتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا" فقال بعض من كان عنده أن نبي الله ليهجر فقيل ألا نأتيك بما طلبت فقال "أوبعد ماذا" فلم يدع به. وبسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال لما كان في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يضلون ولا يضلون فكان في البيت لغط وكلام وتكلم عمر بن الخطاب فرفضه النبي صلى الله عليه وسلم وروى فيه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إنه كان يقول يوم الخميس وما يوم الخميس قال وكأني انظر إلى دموع ابن عباس على خده وكأنها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أئتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا" فقالوا إنما يهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بتفاوت يسير قال يوم الخميس وما يوم الخميس ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أئتوني باللوح والدواة أو بالكتف والدواة اكتب لكم كتابا لا تضلون بعده" فقالوا أن رسول الله يهجر: وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عمر بن الخطاب قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وبيننا وبين النساء حجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اغسلوني بسبع قرب وأئتوني بصحيفة ودواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" فقال النسوة أئتوا رسول الله بحاجته قال عمر فقلت اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هن خير منكم". وبسنده عن جابر قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لامته لا يضلوا ولا يضلوا (1) فلغطوا عنده حتى رفضها النبي صلى الله عليه وسلم وبسنده عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: "أئتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" فقال عمر بن الخطاب من لفلانة وفلانة مدائن الروم أن رسول الله ليس بميت حتى نفتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى فقالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم ألا تسمعون النبي يعهد إليكم فلغطوا فقال قوموا الحديث انتهت الطبقات: قال الطبري من جملة حديث رواه عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ابعثوا إلى علي فادعوه" فقالت عائشة لو بعثت إلى أبي بكر وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر فاجتمعوا عنده جميعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "انصرفوا فإن تك لي حاجة أبعث إليكم فانصرفوا" (الحديث) وفي آخره ما لا يتناسب مع أوله.

وما يروى من إنه توفي صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجر عائشة لا يمكن أن يصح فان مثل ذلك لم تجر عادة أن تتولاه النساء مع ما فيهن من الضعف والجزع ولا يمكن أن يغيب عنه علي في مثل تلك الحال ويوكله إلى النساء والباعث على ذكر مثل ذلك معروف. وروى ابن سعد عدة روايات في أنه صلى الله عليه وسلم توفي في حجر علي بن أبي طالب وآخرها ما رواه بسنده عن أبي غطفان عن ابن عباس قال توفي رسول الله وهو مستند إلى صدر علي قلت فان عروة حدثني عن عائشة أنها قالت توفي رسول الله بين سحري ونحري فقال ابن عباس أتعقل والله لتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله وأخي الفضل وأبى أبي أن يحضر الحديث وروى الحاكم في المستدرك وصححه بسنده عن أحمد بن حنبل بسنده عن أم سلمة قالت والذي احلف به أن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم عدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وهو يقول جاء علي جاء علي مرارا فقالت فاطمة كأنك بعثته في حاجة فجاء بعد قالت أم سلمة فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يساره ويناجيه ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا به.

(وكانت) وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر عند أكثر الإمامية، وقال الكليني منهم: لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وقال المفيد في الإرشاد والطبرسي في أعلام الورى سنة عشر من الهجرة قال الطبري في تاريخه: لا خلاف بين أهل العلم بالأخبار أنه صلى الله عليه وسلم قبض يوم الإثنين من شهر ربيع الأول غير إنه اختلف فيه فعن فقهاء أهل الحجاز إنه قبض نصف النهار يوم الإثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع وقال الواقدي توفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. وروى ابن سعد في الطبقات انه صلى الله عليه وسلم اشتكى يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة فاشتكى ثلاث عشرة ليلة وتوفي يوم الإثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ثم روى إنه اشتكى يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول وعمره ثلاث وستون سنة. بعث وعمره أربعون وأقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين.

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر بمنزله بالسنج خارج المدينة، قال الطبري وابن سعد وغيرهما فقال عمر: أن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون إنه قد مات. وفي رواية ابن سعد أن عمر دخل عليه هو والمغيرة بن شعبة فكشفا الثوب عن وجهه فقال عمر: ما أشد غشي رسول الله فقال المغيرة مات والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر كذبت ما مات الحديث واقبل أبو بكر حين بلغه الخبر فدخل فرآه ثم خرج فقال أيها الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} (الآية) قال عمر فلما تلاها وقعت إلى الأرض وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات. وقد سبق لعمر أن قال نظير ذلك في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلب صلى الله عليه وسلم الدواة والصحيفة في حديث ابن سعد السابق.

والمظنون إنه لم يكن ليخفى عليه موت النبي صلى الله عليه وسلم وإن الذي دعاه إلى ذلك أمر سياسي في المقامين فأراد في المقام الأول صرف الناس عن أمر الصحيفة وفي المقام الثاني صرفهم عن التكلم في أمر الخلافة وإشغالهم بشيء حتى يحضر أبو بكر والله أعلم.

وروى ابن سعد في الطبقات إنه غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد وفي رواية كان علي يغسله والفضل وأسامة يحجبانه وفي رواية علي يغسله والفضل محتضنه وأسامة يختلف وفي رواية قال علي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري فكان الفضل وأسامة يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين وفي رواية غسله علي يدخل يده تحت القميص والفضل يمسك الثوب عليه وعلى يد علي خرقة إلى غير ذلك من الروايات التي أوردها ابن سعد قال المفيد فلما أراد أمير المؤمنين غسل النبي صلى الله عليه وسلم استدعى الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصب عينيه فشق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به إلى سرته وتولى غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه فلما فرع من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال لهم أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك ورضوا به. قال ابن هشام فصلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب صلى عليه علي والعباس وبنو هاشم ثم خرجوا ثم دخل المهاجرون ثم الأنصار ثم الناس يصلون عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ثم النساء والغلمان، ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح وكان ذلك عادة أهل مكة وأنفذ إلى زيد بن سهيل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال اللهم خر لنبيك فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له أحفر لرسول الله فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت الأنصار من وراء البيت يا علي إنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليدخل أوس بن خولي وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له علي عليه السلام إنزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل علي عليه السلام القبر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب وربع قبره وجعل عليه لبنا ورفعه من الأرض قدر شبر وروي قدر شبر وأربع أصابع وظاهر المفيد أن دفنه صلى الله عليه وسلم كان في اليوم الذي توفي فيه وروى ابن هشام انه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين وغسل يوم الثلاثاء ودفن ليلة الأربعاء ليلا وروى ابن سعد مثله إلا في الغسل يوم الثلاثاء وروى أيضا إنه توفي يوم الإثنين حين زاغت الشمس فلم يدفن حتى كانت العتمة ولم يله إلا أقاربه وفي رواية إنه دفن ليلة الأربعاء في السحر وفي رواية توفي يوم الإثنين حين زاغت الشمس ودفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس ولعله موافق لما رواه أيضا إنه ترك بعد وفاته يوما وليلة ويحمل عليه ما رواه ابن هشام انه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء وروى أيضا إنه توفي يوم الإثنين حين زاغت الشمس ودفن يوم الأربعاء وهذا لا ينافي دفنه ليلة الأربعاء لأن اليوم يطلق على الليلة وبالعكس.

قال المفيد: ولم يحضر دفنه صلى الله عليه وسلم أكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك وروى ابن سعد في الطبقات إنه رش على قبره صلى الله عليه وسلم الماء وقال ابن عبد البر في الاستيعاب جعل قبره مسطوحا ورش الماء عليه رشا.

وروى غير واحد إنه لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله التراب وأخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها وأنشأت تقول:

قال ابن سعد وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف أخت مسطح بن أثاثة ترثي النبي صلى الله عليه وسلم :

وقالت هند بنت أثاثة أيضا:

وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم :

وقال حسان بن ثابت يرثى النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكاه ابن هشام عن أبي زيد الأنصاري:

وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يرثي النبي صلى الله عليه وسلم :

ملاحظة في كتاب الدكتور هيكل

يقول في ص60-61-62 من الطبعة الثالثة ما حاصله أن يلقي على عاتق علماء الإسلام القيام بالمباحث الإسلامية لإقناع المستشرقين بدقة ونزاهة ثم قال: وعندي أن القيام به على وجه صالح يقتضي التفريق بين فترتين مختلفتين من تاريخ الإسلام (أولهما) من بدء الإسلام إلى مقتل عثمان (الثانية) من مقتل عثمان إلى أن اقفل باب الاجتهاد ففي الفترة الأولى بقي اتفاق المسلمين تاما لم تغير منه روايات الاختلاف على الخلافة ولا حرب الردة ولا الفتوحات أما بعد مقتل عثمان فقد دب الخلاف بين المسلمين وقامت الحروب الأهلية بين علي ومعاوية واستمرت الثورات ظاهرة وخفية ولعبت الأهواء السياسية دورا خطيرا في الحياة السياسية نفسها، ثم وازن بين خطبة لأبي بكر وخطبة للمنصور وقال أن الموازن بينهما يرى مدى التغير العظيم في القواعد الأساسية للحياة الإسلامية في أقل من قرنين تغيرا نقلها من الشورى بين المسلمين إلى الحكم المطلق. ثم قال أن الفترة الأولى هي التي تقررت فيها القواعد الصحيحة للحياة الإسلامية وهي وحدها التي يمكن الاعتماد على ما وقع فيها لمعرفة هذه القواعد الصحيحة أما بعد الفترة فعلى الرغم من ازدهار العلم أيام الأمويين وخاصة أيام العباسيين قد اندست يد العبث بهذه القواعد الأساسية الصحيحة لتقيم مقامها قواعد كثيرا ما تتنافى مع روح الإسلام تحقيقا لأغراض سياسية شعوبية وكان الأعاجم والذين تظاهروا بالإسلام من اليهود والنصارى هم الذين روجوا لهذه القواعد الجديدة غير متورعين عن اختراع الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن ادعاء أشياء على الخلفاء الأولين لا تتفق مع سيرتهم. هذه الفترة الأخيرة لا يمكن الاعتماد على ما دون فيها دون تمحيصه بغير تأثر بالأهواء ويجب أن نرد مما وقع الخلاف عليه كل ما لا يتفق مع القرآن أما صدر الإسلام إلى مقتل عثمان فيمكن الاعتماد على ما يروى مباشرة عنه انتهى ملخصا".

(ونقول): تفريقه بين الفترة الأولى والفترة الثانية بأن الأولى بقي اتفاق المسلمين فيها تاما لم تغيره روايات الاختلاف على الخلافة الخ والثانية وقع الاختلاف فيها بين المسلمين وقامت الحروب ودخلتها الأهواء السياسية غير صحيح لأمور: (الأول): أن الفترة الأولى كان الاختلاف فيها على الخلافة موجودا من أولها فعلي كان يرى نفسه أحق بها وما زال يتظلم طوال حياته وبنو هاشم جميعا كانوا معه وكثير من غيرهم وسعد طلبها لنفسه ولم يبايع وسكن حوران (وقتلته الجن) بسهم المغيرة بن شعبة، وروى الطبري قال: أتى عمر منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف الحديث ويرحم الله مهيارا حيث يقول:

ووقع الخلاف فيها بين الزهراء والخليفة الأول على فدك وعلى الميراث وماتت فاطمة وهي واجدة عليه كما رواه البخاري وانفرد برواية نحن معاشر الأنبياء لا نورث ولم توافقه على ذلك الزهراء ولا بعلها ولا أولياؤه.

(الثاني) أن الأهواء السياسية مخلوقة من يوم خلق ابن آدم لم يختص بها زمان دون زمان فحصرها فيما بعد قتل عثمان ليس بصواب.

(الثالث) أن الخلاف وقع بين الخليفة الأول في أمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة وتزوج أمراته وكان الثاني لا يميل إليه وفور تولية الخلافة عزله عن قيادة الجيش فهل يا ترى كان هذا من الاتفاق التام المدعى.

(الرابع) أن الموازنة بين الخطب لا يمكن أن يستفاد منها الموازنة بين الأشخاص وسيرتهم وهذا واضح.

(الخامس) دعواه انتقال الحياة الإسلامية من الشورى إلى الحكم المطلق بين المسلمين أقل من قرنين غير صواب فتولى عمر الخلافة لم يكن بالشورى بل بنص أبي بكر عليه.

(السادس) قوله أن الفترة الأولى هي التي يمكن الاعتماد على ما وقع فيها لمعرفة القواعد الصحيحة للحياة الإسلامية لا يكاد يتم فأيام الخليفة الثالث من أولها إلى مقتله كانت تلعب فيها يد مروان حتى أدت إلى قتله فأي قواعد صحيحة للحياة الإسلامية كانت فيها وكانت أبرز أمهات المؤمنين شخصية لا تزال تميل من قناته وتلقبه بما تلقبه وتخرج قميص الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول ما تقول طمعا في نقل الخلافة إلى قريبها التيمي كما دل عليه قولها لما قتل: أيها ذا الإصبع إلى غيره من كلامها وقد تركته هي وقريبها والزبير محصورا وذهبوا إلى مكة ولم ينصروه بل حرضوا عليه فلما قتل خرجوا إلى البصرة يطلبون بدمه فهل هذه هي القواعد للحياة الصحيحة الإسلامية.

(السابع) أن الثورات لم تختص بالفترة الثانية فالفترة الأولى كانت مملوءة بالثورات الفكرية ظاهرة وخفية وهي أهم من ثورات الحرب وهي التي سببت الحروب الأهلية والثورات في الفترة الثانية، فالمتامل المنصف يعلم أن الحياة الإسلامية في الفترة الأولى لم تكن دائما مبنية على قواعد صحيحة وتلك القواعد هي التي زعزعت الحياة الإسلامية في خلافة الخليفة الثالث وفي باقي أدوار الفترة الثانية حتى طمع في الملك المغول والسلاجقة وغيرهم كما قال الأمير أبو فراس الحمداني:

(الثامن) دعواه إنه في الفترة الثانية قد اندست يد العبث بقواعد الإسلام الصحيحة تحقيقا لأغراض سياسية هي دعوى صحيحة فقد اجتهد الأمويون والعباسيون في اختلاق الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم علي وأتباعه وبذلوا على ذلك الأموال الطائلة وولوا الولايات الجليلة لمن يسمونهم صحابة ولغيرهم حتى رووا لهم أن آية: {وإذا تولى سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل} نزلت في حق علي بن أبي طالب. وإن حديث: "فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني" ورد في علي لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل إلى غير ذلك وحتى منعوا أن يسمي أحد باسمه أو يكني بكنيته أو يروي عنه شيئا ونصبوا للفتوى أناسا عملوا بآرائهم وبالمقاييس واعرضوا عن مذهب أهل البيت ورواياتهم وما هو إلا مذهب الرسول صلى الله عليه وسلم فوقع الخلل في قواعد الإسلام الصحيحة أما دعواه أن ذلك كان لأغراض شعوبية فهي دعوى غير صحيح فالذين أفسدوا قواعد الإسلام الصحيحة ليقيموا مقامها قواعد تتنافى مع روح الإسلام تحقيقا لأغراض سياسية هم بنو أمية العرب الصميمون وتابعهم بنو العباس ولم يكن للشعوبية في ذلك أدنى أثر. على أن من يريدون الإشادة بذكر بني أمية من بعض أهل زماننا وهيهات يقولون ويفتخرون بان دولة بني أمية دولة عربية صرفة فهي أفضل عندهم من دولة بني العباس التي دخلت فيها الفرس والأتراك.

(التاسع) كون الفرس روجوا لهذه القواعد الخ، فهذه نغمة لا يزال قوم يتغنون بها وهي نغمة شعرية مزوقة مزيفة قالها شخص وتبعه غيره وساعدت على رواجها العصبية المذهبية والعداوة الدينية وإتباع الأهواء ولاحظ لها من الحقيقة. قال مروجوا هذه النغمة ومزوقوها: أن الفرس لما فتحت بلادهم في عهد الخليفة الثاني دخلوا في الإسلام وتظاهروا بحب أهل البيت ليفسدوا في الإسلام وينتقموا من أهله، وهذه دعوى غاية في السخافة فالذين دخلوا في الإسلام من الفرس في عهد الفتح الإسلامي كانوا أهل مذهب واحد بل لم يكن في جميع بلاد الإسلام عربهم وفرسهم إلا مذهب واحد من حيث الأصول والفروع، وإنما حدث في الدولة الأموية: العلوية والعثمانية، وفي الدولة العباسية اسم السنية والشيعة والمذاهب الأربعة، وهذا متأخر عن الفتح الإسلامي بكثير ولا أثر للفرس فيه وإن كان دخل في بلاد الفرس شيء منه فبعد ما دخل في بلاد العرب، فبلاد الفرس في أول الفتح الإسلامي لم يكن فيها مذاهب متعددة، وبعد حدوث المذاهب كان الغالب على أهلها خلاف مذهب أهل البيت إنما انتشر مذهب أهل البيت فيها في عهد الصفويين من (المائة التاسعة) فما فوق ومع ذلك كانت لا تزال بخارى والأفغان وغيرها على خلاف ذلك. فمتى كان هذا الزمان الموهوم الذي اندست يد العبث بقواعد الإسلام الصحيحة لتقيم مقامها قواعد تتنافى مع روح الإسلام لأغراض سياسية شعوبية؟! وأحرى أن يكون العابثون بقواعد الإسلام الصحيحة هم الذين قتل آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم في بدر وغيرها على الإسلام، فأرادوا الانتقام من الإسلام بسيف الإسلام وتحت لواء الإسلام تحقيقا لأغراض سياسية انتقامية لا شعوبية. (العاشر) كون الذين تظاهروا بالإسلام من اليهود والنصارى ممن روجوا لهذه القواعد الجديدة فهذه أيضا نغمة من فروع النغمة السابقة.

أما في حق اليهود فنسبها ناسب إلى عبد الله بن سبأ الذي كان يهوديا وأسلم ثم أدعى في علي الألوهية وأتباعه يعرفون بالسبائية، فزعموا إنه هو الذي أثار فتنة عثمان وفعل وفعل، وقد علم فساد ذلك مما مر في الأمر السادس وعلم من هو الذي أثار فتنة عثمان وأن ابن سبا أقل وأذل من ذلك. وأما في حق النصارى فلم يبينهم ولسنا نعلمهم لنبدي رأينا فيهم.

(الحادي عشر) كون من ذكرهم هم الذين روجوا لهذه القواعد الجديدة بما اخترعوه من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وبادعاء أشياء على الخلفاء الأولين لا تتفق مع سيرتهم هو غير صحيح فالذين روجوا قواعد جديدة في الإسلام غير متورعين عن اختراع الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن ادعاء أشياء على ابن عمه ووصيه لا تتفق مع سيرته هم بنو أمية الذين بذلوا في ذلك الأموال العظيمة وولوا الولايات الجليلة على ذلك وتابعهم بنو العباس كما أشرنا إليه في الأمر الثامن لا الفرس ولا الذين تظاهروا بالإسلام من اليهود والنصارى.

(الثاني عشر) إذا كان ما دون في الفترة الأخيرة لا يمكن الاعتماد عليه دون تمحيصه بغير تأثر بالأهواء الزم عدم الاعتماد على ما يروي عن الفترة الأولى التي جعلها وحدها محل الاعتماد، لأن ما وقع في الفترة الأولى إنما نقله أهل الفترة الثانية التي لا يمكن الاعتماد على ما دون فيها والفترة الأولى لم تكن فترة تدوين، وإن كان فإنما نقله لنا أهل الفترة الثانية.

(الثالث عشر) ما شرطه للاعتماد على ما دون في الفترة الأخيرة من التمحيص بغير تأثر بالأهواء نريد أن نسأله عن هذا الشرط أين يوجد لنتبع من يوجد فيه: (فكل يدعي وصلا بليلى).

(الرابع عشر) جعله صدر الإسلام إلى مقتل عثمان يمكن الاعتماد على ما يروى مباشرة عنه لا يفهم له معنى محصل، فالراوون عنه مباشرة إنما نقل لنا رواياتهم أهل الفترة الثانية الذين لا يعتمد على نقلهم.

وجاء في كتابه اسم عامل كسرى على اليمن بازان بالزاي في خمسة مواضع في صفحة واحدة مع إنه بآذان بالذال في جميع كتب التواريخ والسير ونص عليه صاحب القاموس. ولكنه سماه في صلى الله عليه وسلم 476 بدهان.

شيء من كلامه صلى الله عليه وسلم في الخطب والوصايا

والحكم والمواعظ والأحكام والدعاء

قال القاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى: وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل سلامة طبع وبراعة منزع وإيجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معان وقلة تكلف أوتي جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم وعلم السنة العرب يخاطب كل أمة منها بلسانها ويحاورها بلغاتها حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله انتهى.

بعض خطبه صلى الله عليه وسلم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس احمرت عيناه ورفع صوته كأنه منذر جيش.

خطبته صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج إلى تبوك

وفي تاريخ ابن كثير إنه خطبها لما وصل تبوك قال بعد حمد الله والثناء عليه: "أيها الناس أن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم وخير السنن سنة محمد وأشرف الحديث ذكر الله وأحسن القصص القرآن وخير الأمور عزائمها وشر الأمور محدثاتها وأحسن الهدى هدى الأنبياء وأشرف القتل قتل الشهداء وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى وخير الأعمال ما نفع وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وإلهي وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة ندامة يوم القيامة ومن أعظم خطايا اللسان الكذب وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله وخير ما ألفي في القلب اليقين والمسكر من النار والخمر جماع الاثم والنساء حبالات إبليس والشباب شعبة من الجنون وشر المكاسب الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربع أذرع وملاك العمل خواتيمه وكل ما هو آت قريب وسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه ومن يستغفر الله يغفر له ومن يعف يعف الله عنه ومن يصبر على الرزية يعوضه الله".

من خطبة له عليه الصلاة والسلام

"أيها الناس أنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد فأعدوا الجهاد لبعد المفاوز".

خطبة له عليه الصلاة والسلام بمنى

"نصر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها فكم من حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاثة لا يغل عليها قلب عبد مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم فان دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون إخوة تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم".

خطبة له صلى الله عليه وسلم يذكر فيها شهر رمضان

"أيها الناس قد أقبل إليكم شهر رمضان بالبركة والرحمة والمغفرة شهره ابرك الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامته أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب فأسألوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فالشقي من حرم غفران الله فيه فاذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن الله على أيتامكم وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله عباده فيها بالرحمة ويجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه أيها الناس من حسن في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومن خفف فيه عما ملكت يمينه خفف الله حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن تطوع فيه بصلاة كتب له براءة من النار ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن كثر فيه من الصلاة ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن كان له اجر من ختم القرآن في غيره إلا أن أبواب الجنة مفتحة فيه فأسألوا ربكم لا يغلقها عنكم وأبواب النار مغلقة فأسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم والشياطين مغلولة فأسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.

خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم العيد بمنى

رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد والحسن بن علي بن شعبة الحلبي في تحف العقول وغيرهما.

الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعة الله واستفتح بالذي هو خير أما بعد أيها الناس اسمعوا مني ما أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا أيها الناس أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلا هل بلغت اللهم اشهد فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها وان ربا الجاهلية موضوع وان أول ربا أبدا به ربا عمي العباس بن عبد المطلب وان دماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أبدا به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ففيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية أيها الناس أن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان إلا هل بلغت اللهم أشهد أيها الناس أن لنسائكم عليكم حقا وان لكم عليهن حقا لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن أحدا تكرهونه لبيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة فان فعلن فان الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا إلا هل بلغت اللهم اشهد أيها الناس المؤمنون أخوة ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه إلا هل بلغت اللهم اشهد فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض فإني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إلا هل بلغت اللهم اشهد أيها الناس أن ربكم واحد وان أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى إلا هل بلغت قالوا نعم قال فليبلغ الشاهد منكم الغائب أيها الناس أن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من ادعى إلى غير أبيه أو تولي غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي إمامة وقال صحيح على شرط مسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع: "يا أيها الناس أطيعوا ربكم وصلوا خمسكم وأدوا زكاة أموالكم وصوموا شهركم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم".

وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن

"يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة وانزل الناس منازلهم خيرهم وشرهم وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحق. وليكن أكثر همك الصلاة فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين وذكر الناس بالله واليوم الآخر واتبع الموعظة فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الله ثم بث فيهم المعلمين ولا تخف في الله لومة لائم وأوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ولين الكلام وبذل السلام وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل وقصر الأمل وحب الآخرة والجزع من الحساب وكظم الغيظ وخفض الجناح واحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية".

صفة العاقل والجاهل

قال صلى الله عليه وسلم : "صفة العاقل أن يحلم عمن جهل عليه ويتجاوز عمن ظلمه ويتواضع لمن هو دونه ويسابق من فوقه في طلب البر وإذا أراد أن يتكلم تدبر فإن كان خيرا تكلم فغنم وإن كان شرا سكت فسلم وإذا عرضت له فتنة استعصم الله وامسك يده ولسانه وإذا رأى فضيلة التهز بها لا يفارقه الحياء ولا يبدو منه الحرص فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل. وصفة الجاهل أن يظلم من خالطه ويتعدى على من هو دونه ويتطاول على من هو فوقه كلامه بغير تدبر أن تكلم أثم وان سكت سها وان عرضت له فتنة سارع إليها فأردته وان رأى فضيلة اعرض وأبطأ عنها لا يخاف ذنوبه القديمة ولا يرتدع فيما بقي من عمره عن الذنوب يتوانى عن البر ويبطئ عنه غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيعه فتلك عشر خصال من صفة الجاهل الذي حرم العقل.

الجبر والاختيار

قال صلى الله عليه وسلم أن الله لا يطاع ولا يعصى مغلوبا ولم يهمل العباد من الملكة ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه والمالك لما ملكهم إياه فان العباد أن ائتمروا بطاعة الله لم يكن منها مانع ولا عنها صاد وان عملوا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبينها فعل وليس من أن شاء أن يحول بينك وبين شيء فعل ولم يفعله فاتاه الذي فعله كان هو الذي ادخله فيه.

مما روى عنه صلى الله عليه وسلم من الحكم والمواعظ القصار

قال صلى الله عليه وسلم كفى بالموت واعظا وكفى بالتقى غنى وكفى بالعبادة شغلا وكفى بالقيامة موئلا وبالله مجازيا.

وقال صلى الله عليه وسلم خصلتان ليس فوقهما من البر شيء الإيمان بالله والنفع لعباد الله وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء الشرك بالله والضر لعباد الله.

وقيل له صلى الله عليه وسلم أي الأصحاب أفضل قال: من إذا ذكرت أعانك وإذ نسيت ذكرك. وقيل له صلى الله عليه وسلم : أي الناس شر: قال العلماء إذا فسدوا.

وقال صلى الله عليه وسلم : "أوصاني ربي بتسع أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الفقر والغنى وان أعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني واصل من قطعني وأن يكون ضمتي فكرا ومنطقي ذكرا ونظري عبرا". وقال صلى الله عليه وسلم : "إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير من ظهرها".

وقال صلى الله عليه وسلم : "من أمسى وأصبح وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا. من أصبح وأمسى معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فإن كانت عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإيمان".

وقال صلى الله عليه وسلم : "ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر وعالما ضاع في زمان جهال". وقال صلى الله عليه وسلم : "لا يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكنه يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا استفتوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

وقال صلى الله عليه وسلم : "أغبط أوليائي عندي من أمتي رجل خفيف الحال ذو حظ من صلاح أحسن عبادة ربه في الغيب وكان غامضا في الناس وكان رزقه كفافا فصبر عليه ومات قل تراثه وقل بواكيه.

وقال صلى الله عليه وسلم : "ما أصاب المؤمن من نصب ولا وصب ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله عنه به من سيئاته".

وقال صلى الله عليه وسلم : "الدنيا دول فما كان منها لك أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن انقطع رجاؤه مما فات استراح بدنه ومن رضي بما قسمه الله قرت عينه".

وقال صلى الله عليه وسلم : "صوتان يبغضهما الله إعوال عند مصيبة ومزمار عند نعمة". وقال صلى الله عليه وسلم : "أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم: من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله ومن إذا أصابته مصيبة قال إنا لله وأنا إليه راجعون ومن إذا أصاب خيرا قال الحمد لله ومن إذا أصاب ذنبا قال استغفر الله وأتوب إليه".

وقال صلى الله عليه وسلم : "العلم خزائن ومفاتيحها السؤال فاسألوا رحمكم الله فإنه يؤجر أربعة السائل والمتكلم والمستمع والمحب لهم".

وقال صلى الله عليه وسلم : "فضل العلم أحب إلى من فضل العبادة وأفضل دينكم الورع. وقال صلى الله عليه وسلم : "إن عظيم البلاء يكفي به عظيم الجزاء فإذا أحب الله عبدا ابتلاه فمن رضي قلبه فله عند الله الرضا ومن سخط فله السخط".

وقال صلى الله عليه وسلم : "ثلاث من كن فيه استكمل خصال الإيمان. الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له".

وقال صلى الله عليه وسلم : "لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة".

وقال صلى الله عليه وسلم : "من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه ليعظموه فليتبوأ مقعده من النار فإن الرياسة لا تصلح إلا لله ولأهلها. ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله ومن دعا إلى نفسه فقال أنا رئيسكم وليس هو كذلك لم ينظر الله إليه حتى يرجع عما قال ويتوب إلى الله مما ادعى".

وقال صلى الله عليه وسلم : "ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة: تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك".

وقال صلى الله عليه وسلم : "هذا دين ارتضيه لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه وقال صلى الله عليه وسلم : "أفضلكم إيمانا أحسنكم أخلاقا". وقال: "حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم" فقيل له: ما أفضل ما أعطي العبد قال: "حسن الخلق". وقال: "حسن الخلق يثبت المودة وقال: خياركم أحسنكم أخلاقا الذين يألفون ويؤلفون".

وقال صلى الله عليه وسلم : "العلم خدين خليل خ ل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والعمل قيمه والصبر أمير جنوده والرفق رائده والبر اخوه والنسب آدم والحسب التقوى والمروءة أصلاح المال".

قال صلى الله عليه وسلم : "أقربكم مني غدا في الموقف أصدقكم للحديث وأداكم للأمانة وأوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس".

وقال صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بأشبهكم بي أخلاقا قالوا بلى يا رسول الله قال أحسنكم أخلاقا وأعظمكم حلما وأبركم بقرابته وأشدكم إنصافا من نفسه في الغضب والرضا".

وقال صلى الله عليه وسلم : "كيف بكم إذا فسد نساؤكم وفسق شبانكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر قيل له ويكون ذلك يا رسول الله قال نعم وشر من ذلك وكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قيل يا رسول الله ويكون ذلك قال نعم وشر من ذلك وكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا".

وقال صلى الله عليه وسلم : "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي قيل يا رسول الله من هم قال الفقهاء والأمراء".

وقال صلى الله عليه وسلم : "إن لله عبادا يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم أن الله خلق عبيدا من خلقه لحوائج الناس يرغبون في المعروف ويعدون الجود مجدا والله يحب مكارم الأخلاق".

وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أي عرى الإيمان أوثق: قال الله ورسوله أعلم فقال: "الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله".

وقال صلى الله عليه وسلم : "أربعة تلزم كل ذي حجى وعقل من أمتي قيل يا رسول الله ما هن قال استماع العلم وحفظه ونشره والعمل به".

وقال صلى الله عليه وسلم : "من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز الطاعة أغناه بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ومن خاف الله أخاف منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء ومن رضي عن الله باليسير من الرزق رضي الله عنه باليسير من العمل ومن لم يستح من طلب الحلال من المعيشة خفت مؤونته ورخي باله ونعم عياله ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار". وقال صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن يكون أعز الناس فليتق الله. ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله. ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده" ثم قال: "ألا أنبئكم بشرار الناس" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "من نزل وحده ومنع رفده وجلد عبده ألا أنبئكم بشر من ذلك" قالوا بلى يا رسول الله قال: "من لا يقبل عثرة ولا يقبل معذرة" ثم قال: "ألا أنبئكم بشر من ذلك" قالوا بلى يا رسول الله قال: "من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره" ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا: بلى يا رسول الله قال: "من يبغض الناس ويبغضونه".

المختار من كتاب الشهاب للبحراني ومن تحف العقول

للحسن بن شعبة الحلبي وغيرهما من حكمه القصيرة صلى الله عليه وسلم

أ

قال صلى الله عليه وسلم : "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. أكثر أهل النار المتكبرون. أعجل الشر عقوبة البغي. أسرع الخير ثوابا البر. أعجز الناس من عجز عن الدعاء. أبخل الناس من بخل بالسلام. أن الغيرة من الإيمان. أفضل الجهاد كلمة حق بين يدي سلطان جائر. إكرام الكتاب ختمه. أن من البيان لسحرا. أحثوا في وجه المداحين التراب. أن أخوف ما أخاف على أمتي إتباع الهوى وطول الأمل. أكثروا من ذكر هادم اللذات. إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقا. أحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا. واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. إذا عمل أحدكم عملا فليتقن. إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر إليها وليسرع المشي إليها وليكتمها. إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. أحفظ ما بين لحييك ورجليك. إنا مدينة العلم وعلي بابها. أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة.

ومن غير الشهاب: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".

ومن تحف العقول: "إذا ساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أذلهم وأكرم الرجل ألفاسق فلينتظر البلاء. إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم. الأناة من الله والعجلة من الشيطان. الأيدي ثلاث سائلة ومنفقة وممسكة فخير الأيادي المنفقة. الأمانة تجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر. إذا مدح ألفاجر اهتز العرش وغضب الرب. الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث قيل وما يحدث قال الاغتياب. أربع من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الدنيا والإصرار على الذنب. أن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا. أمرت بمداراة الناس كما أمرت بتبليغ الرسالة. استعينوا على أموركم بالكتمان فان كل ذي نعمة محسود. الإيمان نصفان نصف في الصبر ونصف في الشكر. الأكل في السوق دناءة. أحب عباد الله إلى الله انفعهم لعباده وأقومهم بحقه الذي يحبب إليهم المعروف وفعاله. أعجل الشر عقوبة البغي. أقل ما يكون في آخر الزمان أخ يوثق به أو درهم من حلال. أن الله يحب إذا أنعم على عبد أن يرى أثر نعمته عليه وببغض البؤس والتباؤس. إلا أن شر أمتي الذين يكرمون مخافة شرهم إلا ومن أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني.

ب

بالبر يستعبد الحر. بر الرجل بولده بره بوالده. بروا أرحامكم ولو بالسلام. بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك. بر الوالدين وصلة الرحم يهونان الحساب. بشروا ولا تنفروا. بئس العبد له وجهان يقبل بوجه ويدبر بوجه. البلاء موكل بالمنطق. البنون نعمة والبنات حسنة.

ث

"ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتحلم على من جهل عليك. ثلاث من حقائق الإيمان: الإيثار على الفقراء وإنصافك الناس من نفسك وبذل العلم للمتعلم. ثلاث تخرق الحجب وتنتهي إلى ما بين يدي الله: صرير أقلام العلماء ووطء أقدام المجاهدين وصوت مغازل المحصنات. ثلاث تقسي القلب: استماع اللهو وطلب الصيد وإتيان باب السلطان". ج

جماع التقوى في قوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (الآية) "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها".

ح

"حبك للشيء يعمي ويصم. حب الوطن من الإيمان. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. حب الدنيا رأس كل خطيئة. حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات. حسنوا أخلاقكم والطفوا بجيرانكم وأكرموا نساءكم تدخلوا الجنة بغير حساب. الحرب خدعة. الحكمة ضالة المؤمن".

خ

"خذوا العلم من أفواه الرجال. خلف الوعد ثلث النفاق. ومن غير الشهاب خير الأمور أوساطها".

د

"داووا مرضاكم بالصدقة. الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة".

ذ

"ذلاقة اللسان رأس المال. ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة. ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها".

ر

"راحة الإنسان في حبس اللسان. رحم الله امرءا أعان ولده على بره. رأس العقل التودد إلى الناس. رحم الله من كسب طيبا وأنفق قصدا وقدم فضلا. رحم الله من قال خيرا فغنم أو صمت فسلم. رأس الحكمة مخافة الله. الرحم إذا وصلت ثم قطعت قطعها الله "ومن تحف العقول" رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك حق".

س

"سادة الناس في الدنيا الأسخياء. سادة الناس في الآخرة الأتقياء. سرك أسيرك إذا تكلمت به فأنت أسيره. سافروا تغنموا. سوء الخلق شؤم. سيد القوم خادمهم. ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف سنة. السفر قطعة من العذاب. السعيد من وعظ بغيره".

ش

"شر الناس من باع آخرته بدنياه وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره.

ص

"صلة الأرحام وحسن الخلق زيادة في الإيمان. صلة الأرحام وحسن الجوار زيادة في الأموال. صلة الرحم تزيد في العمر. صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت وان فسدا فسدت القراء والأمراء. الصحة والفراع نعمتان مكفورتان. الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما".

ط

"طلب العلم فريضة على كل مسلم. طوبى لمن أنفق فضلات ماله وامسك فضلات لسانه. طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ومن تحف العقول طوبى لمن ترك شهوة حاضره لموعود لم يره".

ع

"عليك بالجماعة فان الذئب يأخذ القاصية. عليكم لا نجاح الحوائج بكتمانها فان كل ذي نعمة محسود. عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق في الجنة لا محالة وإياكم وسوء الخلق فان سيء الخلق في النار لا محالة. عجبت لمن يتكبر وقد خرج من مخرج البول مرتين. عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك. عجبت لمن أيقن بالجنة كيف لا يعمل الحسنات. عجبت لمن أيقن بالحساب كيف يعمل بالسيئات. عجبت لمن رأى الدنيا ورأى تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها. عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن. عجبت لمن يحتمي من الطعام مخالفة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار. عليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم اقتصدوا. عز المؤمن استغناؤه عن الناس. عد من لا يعودك وأهد لمن لم يهد إليك. عيال الرجل أسراؤه وأحب العباد إلى الله أحسنهم صنيعا إلى إسرائه. العالم من صدق قوله فعله. العلم في الصغر كالنقش في الحجر. العالم كالحمة. العلماء ورثة الأنبياء. ومن تحف العقول عجبا للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاء إلا كان خيرا له سره أو ساءه أن ابتلاه كان كفارة لذنبه وان أعطاه وأكرمه كان قد حباه. غ

"الغني غني النفس".

ف

"فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم".

ق

"قولوا الحق ولو على أنفسكم ومن تحف العقول: قيدوا العلم بالكتاب".

ك

كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك. كن في الفتنة كابن اللبون لا در يشرب ولا ظهر يركب. كثرة النوم تذيب القلب وتذهب بنور الوجه. كيف تكون مؤمنا والناس لا يأمنون شرك. كيف تكون مسلما والناس لا يسلمون من شرك كيف تكون متقيا والناس يتقون أذاك. كما تدين تدان. كل ذي نعمة محسود.

ل

"لو أن هذا الدين في الثريا لنالته رجال من فارس. لو أهدي إلى كراع لقبلت. لو دعيت إلى ذراع لأجبت. لو بغى جبل على جبل لهد الله الباغي. لكل ساقطة لاقطة. لا فقر أشد من الجهل. لا مال أعود من العقل. لا عقل كالتدبير. الليل أخفى للويل. (ومن غير الشهاب) لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له. (ومن تحف العقول) لا يزال المسروق منه في تهمة من هو برئ حتى يكون أعظم جرما من السارق. ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره. لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده فتخلفه".

م

"من المروءة أصلاح المال. من أحب قوما حشر معهم. من أحب عمل قوم أشرك في عملهم، من عمل بما علم ورثه الله ما لم يعلم، من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه. من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به. من يصلح ما بينه وبين الله يصلح الله ما بينه وبين الناس. من أتى إليه بمعروف فليكاف ومن لم يقدر فليثن. من أشبع جائعا في يوم سغب ادخله الله يوم القيامة جنة لا يدخلها إلا من فعل مثلما فعل. من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير. من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. من لا يرحم لا يرحم، من عف عف، من غش غش، من عدم المداراة عدم التوفيق، من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، من آذى جاره فهو ملعون، من تساوى يوماه فهو مغبون، ما عال من اقتصد، ما أخاف على أمتي الفقر ولكن أخاف عليها سوء التدبير، ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن، ما نهيت عن شيء بعد عبادة الأوثان ما نهيت عن ملاحاة الرجال، منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا، المؤمن من أمن الناس من يده ولسانه، المداراة رأس العقل، المسلم من سلم الناس من أذاه، المجالس بالأمانة، المسلم مرآة لأخيه المسلم، المرء حريص على ما منع، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، المستشار مؤتمن، المرأة الصالحة كالغراب الأعصم، ومن غير الشهاب ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه، ومن تحف العقول من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض، من تفاقر افتقر، مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد، من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ومن أذاع فاحشة كان كمبدئها ومن عير مؤمنا بشيء لم يمت حتى يركبه، ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان الخرق في شيء إلا شانه، من حرم الرفق فقد حرم الخير كله، من عد غدا من اجله فقد أساء صحبة الموت، من طلب رضا مخلوق بسخط الخالق سلط الله عز وجل عليه ذلك المخلوق، من أرضى سلطانا بما يسخط الله خرج من دين الله، من أحب في الله وابغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من الأصفياء".

ن

"نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل، الناس معادن كمعادن الذهب، الناس جواسيس العيوب فاحذروهم، النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي، ومن تحف العقول: نظر الولد إلى والديه حبا لهما عبادة، نعم العون على تقوى الله الغنى".

ه

"هلك امرؤ لم يعرف قدره وتعدى طوره، الهدية تورث المحبة، الهدية تسل السخائم الهدية ثلاث: هدية مكافاة وهدية مصانعة وهدية لله".

و

(من تحف العقول): "ود المؤمن المؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان".

ي

"يسروا ولا تعسروا، يكفيكم من الموعظة ذكر الموت، يشب المرء ويشب فيه خصلتان الحرص وطول الأمل، اليد العليا خير من اليد السفلى (ومن تحف العقول) يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل ما تلف من دينه إذا سلمت له دنياه، يأتي على الناس زمان يكون الناس فيه ذئابا فمن لم يكن ذئبا أكلته الذئاب، يطبع المؤمن على كل خصلة ولا يطبع على الكذب ولا على الخيانة".

جوامع كلماته صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأحكام الشرعية

منقولة من كتاب الشهاب وتحف العقول الآنفي الذكر فما نبه عليه فمن تحف العقول ومن لا فمن الشهاب:

أ

"الإسلام قيد الفتك، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، الأعمال بالنيات، الإسلام يجب ما قبله، الآذان جزم، أدرأوا الحدود بالشبهات، اتخذوا الأهل فإنه ارزق لكم، أن من حق الضيف أن يعد له الخلال، أن من قتل دون ماله فهو شهيد، افتتح بالملح واختم به، إياكم وتزويج الحمقاء، إذا أردتم النوم فخمروا أوانيكم، أن عمود الدين الصلاة، إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، أن الله فرض عليكم الزكاة كما فرض الصلاة، اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، اتركوا ما لا باس به حذرا مما به باس، إذا أتاكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به الحائط، إنما سمي المتقون متقين لتركهم ما لا باس به حذرا من الوقوع فيما به باس، إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها، إذا ظهرت البدعة في أمتي فلينظر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله، إنما الماء من الماء، أن إبراهيم حرم مكة وأنا حرمت المدينة، إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا، أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة، أفضل الأعمال أحمزها، أطفئوا سرجكم عند نومكم، أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت إنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة بينة، اذكروا محاسن موتاكم، إلا من أراد شفاعتي فلا يزوج كريمته بفاسق، أيما أمراة رضيت بتزويج فاسق فهي فاسقة، أحسن الناس إيمانا وأكرمهم خلقا ألطفهم بأهله وأنا ألطفكم بأهلي، أراذل موتاكم العزاب، إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله اجر وان أصاب فله أجران، أفضل العبادة قراءة القرآن، أفضل الصدقة صدقة اللسان، أفضل الصدقة جهد المقل، استعينوا على الصيام بالسحور، اسكتوا عما سكت الله عنه، إياكم وخضراء الدمن، إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجدا، إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك، أبدا بمن تعول". ب

"بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، البيعان بالخيار ما داما في المجلس، البينة على المدعي واليمين على من أنكر، البكر تستأذن وإذنها صماتها والثيب يعرب عنها لسانها، البقرة تجزي عن سبعة".

ت

"تحت كل شعرة جنابة، تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، تزوجها سوداء ولودا ولا تزوجها حسناء جميلة إذا كانت عاقرا، تراصوا بين الصفوف، تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه عرش الرحمن، تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم، تجاوز الله عن أمتي ما حدثت به نفوسها، تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم، تزوج وإلا فأنت من أخوان الشياطين، تخيروا لنطفكم، تاجروا الله بالصدقة، تسعة أجزاء الرزق في التجارة، تم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك".

ث

"ثلاث يحسن فيها الكذب: المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك والأصلاح بين الناس".

ج

"جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا، جنبوا مساجدكم النجاسة، جهاد المرأة التبعل لزوجها، جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، جناية العجماوات جبار، جنبوا مساجدكم بيعكم وشراءكم وخصوماتكم، جعلت الذنوب كلها في بيت وجعل مفتاحها الخمر، الجالب مرزوق والمحتكر ملعون".

ح

"حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، حكمي على الواحد كحكمي على الجماعة، حرم لباس الذهب والحرير على ذكور أمتي وحل لإناثهم، حجكم يوم تحجون، حرم من المسلم حيا ما حرم منه ميتا، حجر الغصب رهن على خراب الدار، الحج كله عرفة، الحاج أشعث أغبر".

خ

"خضروا موتاكم فما أقل المخضرين يوم القيامة، خمس صلوات افترضهن الله على عباده، خذوا عني مناسككم، خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم، خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه، خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، الخراج بالضمان".

د

"درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم، دعي الصلاة أيام أقرائك، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، درهم الصدقة بعشرة دراهم، درهم القرض بثمانية عشر، دعوا الناس في غفلاتهم يرزق بعضهم من بعض، دم الحيض اسود محتدم، دعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض".

ذ

"ذكاة الجنين ذكاة أمه، ذهبت اليمين بدعوى المدعي".

ر

"رفع عن أمتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه. رفع القلم عن ثلاثة الصبي والمجنون والنائم. رد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك، ركعتان يصليهما المؤمن في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها. الرضاع ما انبت اللحم وشد العظم. الرشوة هي الشرك بالله".

ز

"زن وأرجح. زملوهم بكلومهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما. زكوا أموالكم نقبل صلاتكم. زكاة الفطرة على كل ذكر وأنثى. الزنا لا حرمة له الزعيم غارم".

س

"ساعة من عالم متكئ على فراشه ينظر في علم خير من عبادة العابدين سبعين عاما. سباب المؤمن فسوق. سياحة أمتي الصوم".

ش

"شارب الخمر كعابد الوثن. شر بقاع الأرض الأسواق وهي ميدان إبليس. شر المكاسب كسب الربا".

ص

"صلوا كما رأيتموني أصلي. صدقة السر تطفئ غضب الرب. صلوا أرحامكم ولو بالسلام عليهم. صوم العيد حرام. صوم الوصال حرام. صغروا رغفانكم فان في كل رغيف بركة. صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين. صاحب الرحل يشرب أول القوم ويتوضأ آخرهم. صلاة فريضة خير من عشرين حجة. صلاة النهار عجماء. صلاة الليل مثنى مثنى. صلاة الجماعة تعدل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. صل قائما فإن لم تستطع فصل جالسا. الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر. الصلاة ميزان من وفى استوفى. الصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا".

ط

"طلاق المرأة تطليقتان وعدتها حيضتان. الطواف صلاة إلا في تحريم الكلام".

ع

"عجلوا بهم إلى مضاجعهم. على اليد ما أخذت حتى تؤدي. على مثلها فاشهد (أي الشمس) وإلا فدع. على كل ذي كبد حرى اجر. عفا الله عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به. علموهن الغزل ولا تعلموهن الكتابة. عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة. علموا أولادكم السباحة والرمي. علم الإيمان الصلاة. عذاب القبر من النميمة والغيبة والكذب. عليكم بالدعاء بين الأذان والإقامة فإنه لا يرد. العين وكاء الستة. العزل هو الوأد الخفي".

"ومن تحف العقول" "العبادة سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال".

غ

"غسل يوم الجمعة طهور. الغيبة أن يذكر الرجل بما يكره أن يسمع".

ف

"فر من الأجذم كفرارك من السبع. فطرك أخاك الصائم خير من صومك سبعين ضعفا. في كل أمر مشكل القرعة. في كل من الأربعين من الغنم سائمة زكاة. الفقه ثم المتجر".

ق

"قراءة القرآن خير من الذكر والذكر أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار. قولوا في ألفاسق بما فيه يعرفه الناس فإنه لا غيبة لفاسق. قتال المؤمن كفر وأكل لحمه معصية. قصوا أظافركم. قذف محصنة يحبط عمل مائة سنة. قيلوا فان الشيطان لا يقيل".

ك

"كل يابس ذكي. كرامة الميت تعجيله في التجهيز. كل مسكر خمر. كل مفت ضامن. كل ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا وكل ما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا. كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار. كل كلام لم يبدأ فيه بالبسملة فهو أبتر. كل كلام لم يبدأ فيه بالحمد له فهو أجذم. كل حسب ونسب قطع إلا حسبي ونسبي. كل مسكر حرام وما اسكر كثيره فالجرعة منه حرام. كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. كل معروف صدقة وكل محدثة بدعة، كل من السمك ما له قشور. الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث. الكفو أن يكون عفيفا وعنده يسار".

ل

"لكل بيت باب وباب قبر الرجل من قبل الرجلين. لعن الله الواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة والواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمضه. لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها. ليتزين أحدكم يوم الجمعة ويغتسل ويتطيب. لي الواحد ظلم. ليس منا من سلق أو حلق للمسلم على المسلم حق يرد غيبته ويسمت عطسته ويجيب دعوته ويشيع جنازته ويرد جواب كتابه، ليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق فإنه غفران لما تكلم به العبد ومنفرة للشيطان. لو كنت أمر أحدا يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. ليس منا من يتطير به. ليس للمؤمن من عمله إلا ما نواه. لعن الله ثلاثة الآكل زاده وحده والنائم في بيت وحده وراكب الفلاة وحده. ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا هرولة بين الصفا والمروة ولا جهاد ولا استلام الحجر ولا تولي القضاء ولا الحلق ليس شيء أبغض إلى الله من بطن ملآن. اللاعب بالشطرنج كعابد الوثن. اللحد لنا والشق لغيرنا".

م

"مطل المؤسر المسلم ظلم للمسلم. ملعون ملعون من يضيع من يعول. من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. من لم يفرق شعره فرقه الله بمنشار من النار. من جاء إلى الجمعة فليغتسل. من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة. من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. من ختم له بقيام الليل فله الجنة. من سن منكم سنة حسنة كان له أجرها واجر العامل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر العامل بها إلى يوم القيامة. من أكرم فقيها مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض. من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته. من سئل عن علم فكتمه الجمه الله بلجام من نار. من صام في يوم صائف سقاه الله يوم الظما من الرحيق المختوم. من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر على جسده حوراء إلى يوم القيامة. من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت. من نام فليتوضأ. من لحد قريبه فقد قسا قلبه ومن قسا قلبه بعد من رحمة ربه. من لم يأخذ من شاربه فليس منا. من أكل الطين فهو ملعون. من انظر معسرا كان له بكل يوم صدقة. من ذكرت عنده ولم يصل علي فأبعده الله. من صام صوما يرى به فقد أشرك. من قلم أظافيره يوم الجمعة لم تشعث أنامله. من أفتى بما لا يعلم لعنته ملائكة السماء والأرض. من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. من تختم بالعقيق الأحمر ختم الله له بالحسنى. من توضأ قبل الطعام (أي غسل يديه) عاش في سعة وعوفي من بلوى جسده. من وصل أهل بيتي بقيراط كافأه الله يوم القيامة بقنطار. من أجاب المؤذن أو أجاب العلماء كان يوم القيامة تحت لوائي. من دان بدين قوم لزمه حكمهم. من قال في مؤمن ما رأت عيناه أو سمعته أذناه فهو من الذين يحبون أن تشيع ألفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم. من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بهدهام مروءته وشينه أوقفه الله في طينة خبال. من بني بنيانا رثاء وسمعة حمله الله يوم القيامة على عنقه وهو مشتعل ويلقى في النار. من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة. من أتى ذا بدعة فوقره فقد هدم الإسلام. من كان عنده صبي فليتصاب له. من أحب أن يتمثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار. المؤمنون أخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم. المسلمون عند شروطهم. المسلم أحق بماله أينما وجده. المتلاعنان لا يجتمعان أبدا".

"ومن تحف العقول) "ملعون من ألقى كله على الناس".

ن

"نية المرء أبلغ من عمله. الناس مسلطون على أموالهم. الناس في سعة ما لم يعلموا، النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني".

و

"ويل لتجار أمتي من لا والله وبلى والله. ويل لصناع أمتي من غد أو بعد غد. ورثوه من أول ما يبول منه" (يعني الخنثى). "وسطوا الإمام وسدوا الخلل" (يعني في الجماعة). "الولد للفراش وللعاهر الحجر. الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها. الولاء لحمة كلحمة النسب. الولاء لمن أعنق".

لا

"لا يخلون رجل بأمراة فان الشيطان ثالثهما. لا يعذب بالنار إلا رب النار. لا يقم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن يقول تفسحوا أو توسعوا. لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت. لا خير في النوافل إذا أضرت بالفرائض. لا تجسسوا ولكن تحسسوا. لا يؤاخذ الرجل بجريرة ابنه ولا ابن بجريرة أبيه. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا رهبانية في الإسلام، لا يتناج اثنان دون الثالث. لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث والسابق اسبقهما إلى الجنة. لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا جادا ولا هازلا. لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه. لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا أمراة ناشرة شعرها ولا إناء يبال فيه. لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب. لا تقبل الصلاة إلا بالزكاة. لا تقطع رحمك وان قطعك. لا أمراة خير من ابنة العم. لا تدعوا قيام الليل فان المغبون من حرم قيام الليل. لا دين لمن لا تقية له. لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء. لا عدوى ولا طيرة في الإسلام. لا وليمة إلا في خمس. في خرس أو في عرس أو عذار أو وكار أو ركاز. لا تجالس شراب الخمر فان اللعنة إذا نزلت عمت من في المجلس. لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه. لا يمين إلا بالله. لا تخن من خانك فتكن مثله".

ي

"يؤمكم أقرؤكم. يمناك لعلياك يسراك لسفلاك. يقال للعاق اعمل ما شئت فإني لا أغفر لك. يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان صالحا ما يلزم الولد لهما". بعض أدعيته الدعاء في شهر رمضان بعد المكتوبة

رواه الكفعمي في المصباح عنه صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل على مضامين عالية ودعوات جامعة.

"اللهم ادخل على أهل القبور السرور اللهم أغن كل فقير اللهم أشبع كل جائع اللهم اكس كل عريان اللهم اقض دين كل مدين اللهم فرج عن كل مكروب اللهم رد كل غريب اللهم فك كل أسير اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين اللهم اشف كل مريض اللهم سد فقرنا بغناك اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر انك على كل شيء قدير".

دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم بدر

ذكره ابن طاوس في مهج الدعوات: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب وأنت رجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه القريب ويشمت به العدو وتعييني فيه الأمور أنزلته بك وشكوته إليك راغبا فيه إليك عمن سواك ففرجته وكشفته عني وكفيتنيه فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حاجة ومنتهى كل رغبة فلك الحمد كثيرا ولك المن فاضلا".

دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم أحد

ذكره ابن طاوس في مهج الدعوات قال رويناه بإسنادنا إلى محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن الصادق عليه السلام وعن غيره إنه لما تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال: "اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان"، فنزل جبرئيل وقال يا محمد لقد دعوت بدعاء إبراهيم حين ألقي في النار ودعا به يونس حين صار في بطن الحوت، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دعائه: "اللهم اجعلني صبورا واجعلني شكورا واجعلني في أمانك".

دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب:

منقول من كتاب الدعاء والذكر تأليف الحسين بن سعيد بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب:

"يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف عني همي وغمي وكربي فإنك تعلم حالي وحال أصحابي فاكفني هول عدوي فإنه لا يكشف ذلك غيرك".

دعاء علمه لبعض أصحابه يتقي به شر العدو:

ذكره ابن طاوس في مهج الدعوات: "يا سامع كل صوت يا محيي النفوس بعد الموت يا من لا يعجل لأنه لا يخاف الفوت يا دائم الثبات يا مخرج النبات يا محيي العظام الرميم الدارسات. بسم الله. اعتصمت بالله وتوكلت على الحي الذي لا يموت ورميت كل من يؤذيني بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

دعاؤه صلى الله عليه وسلم لقضاء الدين

علمه علي بن أبي طالب: "اللهم أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك". دعاؤه صلى الله عليه وسلم إذا طعم عند قوم:

روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طعم عند أهل بيت قال لهم: "طعم عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة الأخيار".

دعاؤه صلى الله عليه وسلم إذا وضعت المائدة بين يديه:

وبسنده كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت المائدة بين يديه قال: "سبحانك اللهم ما أحسن ما تبتلينا سبحانك اللهم ما أكثر ما تعطينا سبحانك اللهم ما أكثر ما تعافينا اللهم أوسع علينا وعلى فقراء المؤمنين والمسلمين"

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 1- ص: 218

الطاهر ابن سيد الخلق محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، أمه خديجة بنت خويلد.
قال الزبير بن بكار في ترجمة خديجة من كتاب النسب: حدثني ابن عمي مصعب، قال: ولدت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم القاسم والطاهر، وكان يقال له الطيب، وولد الطاهر بعد النبوة، ومات صغيرا، واسمه عبد الله وذكر البنات الأربع.
وكذا اقتصر يزيد بن عياض، عن الزهري، على القاسم وعبد الله.
وأخرجه الزبير بن بكار عن محمد بن حسن، عن محمد بن فليح، عنه.
وقال الزبير: وحدثني إبراهيم بن حمزة، قال: ولدت خديجة القاسم والطاهر، ويقولون عبد الله والطيب، وذكر البنات.
ومن طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود يتيم عروة، قال: ولدت خديجة القاسم والطيب والطاهر وعبد الله، وذكر البنات.
ومن طريق أبي ضمرة، عن أبي بكر بن عثمان وغيره- أن خديجة ولدت الذكور الأربعة وسماهم، والبنات الأربع وسماهن. قال: فأما الذكور فماتوا كلهم بمكة، وأما البنات فتزوجن وولدن.
قال: وحدثني محمد بن فضالة، قال: ولدت له خديجة ثلاث ذكور: القاسم، والطاهر، وعبد الله، قال: وحدثني علي بن صالح، عن جدي عبد الله بن مصعب أن الزبير كنته أمه صفية أبا الطاهر باسم ابن أخيها الطاهر، وبه كان يكنى أخوها ابنها الزبير، وكان ابنه من أظرف الفتيان بمكة، وبه سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه.
وذكر في «الموفقيات» نحو ذلك عن محمد بن فضالة، وفيه أن الطاهر بن الزبير ولد في الشعب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ابنه الطاهر على اسمه. وسيأتي بقية خبره في ترجمة عبد الله إن شاء الله تعالى.
الطاء بعدها الفاء، واللام

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 3- ص: 445

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
سيدنا ومولانا وحبيبنا نبي الرحمة وهادي الأمة
قال أهل العلم بسيره وأخباره هو أبو القسم وهو المشهور وأبو إبراهيم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان

هذا هو المتفق على صحته، وقال الحافظ عبد الغني وغيره عدنان بن أدد بن المقوم بن ناحور بن تيرح بن يشحب بن يعرب بن يشجب بن ثابت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس عليه السلام فيما يزعمون وهو أول بني آدم أعطي النبوة وخط بالقلم بن يرد بن مهليل بن قينين بن يانش بن شيث بن آدم عليه السلام، وهذا النسب ذكره محمد بن إسحق بن يسار المدني في إحدى الروايات وإلى عدنان متفق على صحته من غير اختلاف وما بعده مختلف فيه، وقريش فيه أقوال أشهرها هو فهر بن مالك وقيل النضر، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول من عام الفيل قيل ثانيه وقيل ثالثه وقيل ثاني عشره وقيل غير ذلك وقال بعضهم بعد الفيل بثلثين وقيل بعده بأربعين عاما وروى ابن معين بإسناد حسن أنه ولد يوم الفيل والصحيح أنه عام الفيل
 ومات أبوه عبد الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى له ثمانية وعشرون شهرا وقيل وهو حمل وقيل وله شهران وقيل وله سبعة وقال بعضهم مات أبوه في دار النابغة وقيل بالأبواء بين مكة والمدينة وقال أبو عبد الله الزبير بن بكار الزبيري توفي عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن شهرين، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين وقيل ست، ومات جده عبد المطلب وكان قد كفله بعد وفاة أبيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم له ثماني سنين وشهران وعشرة أيام فولي كفالته عمه أبو طالب، وأرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وعندها شق صدره وملئ حكمة وإيمانا بعد أن استخرج حظ الشيطان منه وروى البخاري شق صدره ليلة المعراج واستشكله ابن حزم، وأرضعته أيضا ثويبة الأسلمية جارية أبي لهب وأرضعت معه حمزة بن عبد المطلب وأبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي أرضعتهم بلبن ابنها مسروح، وحضنته أم أيمن بركة الحبشية وكان ورثها من أبيه فلما كبر أعتقها وزوجها زيد بن حارثة، ولما بلغ اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام خرج مع عمه أبي طالب إلى الشأم فلما بلغ بصرى رآه بحيرا الراهب فعرفه بصفته فجاءه وأخذه بيده وقال هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي وإنا نجده في كتبنا وقال لأبي طالب لان قدمت به إلى الشأم لتقتلنه اليهود فرده خوفا عليه منهم، ثم خرج مرة ثانية إلى الشأم مع ميسرة غلام خديجة بنت خويلد في تجارة لها قبل أن يتزوجها فلما قدم الشأم نزل تحت ظل شجرة قريبا من صومعة راهب فقال الراهب ما نزل تحت ظل هذه الشجرة قط إلا نبي، وكان ميسرة يقول إذا كان الهاجرة واشتد الحر نزل ملكان يظلانه، ولما جرع من سفره تزوج خديجة بنت خويلد وعمره خمس وعشرون سنة وشهران وعشرة أيام وقيل غير ذلك، ولما بلغ خمسا وثلثين سنة شهد بنيان الكعبة ووضع الحجر الأسود بيده، ونشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وقد طهره الله تعالى من دنس الجاهلية ومن كل عيب ومنحه كل خلق جميل حتى لم يكن يعرف من بينهم إلا بالأمين لما رأوه من أمانته وصدق لسانه وطهارته، ولما بلغ أربعين سنة ويوما إبتعثه الله تعالى بشيرا ونذيرا وأتاه جبرئيل عليه السلام بغار حراء فقال إقرأ فقال ما أنا بقارئ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال إقرأ فقلت ما أنا بقارئ فقال في الثالثة اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله تعالى علم الإنسان ما لم يعلم، وقالت عايشة رضي الله عنها أول ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح وحبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاء الحق رواه البخاري ومسلم، وكان مبدأ النبوة فيما ذكر يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول، ثم حاصره أهل مكة في الشعب فأقام محصورا دون الثلاث سنين هو وأهل بيته وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة، وبعد ذلك بثمانية أشهر واحد وعشرين يوما مات عمه أبو طالب، وماتت خديجة رضي الله عنها بعد أبي طالب بثلاثة أيام، وكانت أول من آمن بما جاء به، ثم آمن أبو بكر رضي الله عنه ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد بن حارثة وبلال ثم أسلم بعد هؤلاء عمرو بن عبسة السلمي. وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله ابن عثمان ثم كان، عمر بن الخطاب رضي الله عنه تمام الأربعين إسلاما ذكر ذلك ابن حزم في مختصر السيرة، ولما بلغ خمسين سنة وثلثة أشهر قدم عليه جن نصيبين فأسلموا، ولما بلغ إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسري به من بين زمزم والمقام إلى البيت المقدس روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به قال بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجع ومنهم من قال بين النايم واليقظان إذ أتاني آت قال فسمعته يقول فشق ما بين هذه إلى هذه فقيل للجارود ما يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم دعي بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود هو البراق يابا حمزة فقال أنس نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرئيل عليه السلام حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبرئيل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا فنعم المجيء جاء الحديث بطوله ورأى الأنبياء صلوات الله عليهم ورأى من آيات ربه الكبرى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى وأوحى إليها ما أوحى وفرضت الصلوة تلك الليلة ولما أصبح قص على قريش ما رأى، وروى البخاري ومسلم والترمذي عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبني قريش قمت إلى الحجر الأسود فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه، وقد اختلف الناس في كيفية الإسراء فالأكثرون من طوايف المسلمين متفقون على أنه بجسده صلى الله عليه وسلم والأقلون قالوا بروحه، حكى الطبري في تفسيره عن حذيفة أنه قال كل ذلك رؤيا وحكى هذا القول أيضا عن عايشة وعن معاوية رضي الله عنهما ومنهم من قال بجسده إلى البيت المقدس ومن هناك إلى السموات السبع بروحه، قلت والصحيح الأول لأنه قد صح أن قريشا كذبته ولو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت رؤيا لما كذب ولا أنكر ذلك على غيره فضلا عنه لأن آحاد الناس يرون في منامهم أنهم ارتقوا إلى السموات وما ذلك ببدع، أنشدني لنفسه الشيخ الإمام شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الكاتب رحمه الله قراءة مني عليه من جملة قصيدة طويلة من جملة مجلدة فيها مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
ولما بلغ ثلثا وخمسين سنة هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي، قال الحافظ عبد الغني وغيره وهو كافر ولم نعرف له إسلاما، فأقام بالمدينة عشر سنين وكان يصلي إلى بيت المقدس مدة إقامته بمكة ولا يستدبر الكعبة يجعلها بين يديه وصلى إلى بيت المقدس بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا. ولما أكمل في المدينة عشر سنين سواء توفى وقد بلغ ثلثا وستين وقيل غير ذلك وفيما تقدم من التواريخ خلاف، وكانت وفاته يوم الاثنين حين اشتد الضحاء لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ومرض أربعة عشر يوما ودفن ليلة الأربعاء ولما حضره الموت كان عنده قدح فيه ماء فجعل يدخل يده فيه ويمسح وجهه ويقول اللهم أعني على سكرات الموت، وسجي ببرد حبرة وقيل أن الملائكة سحبته، وكذب بعض أصحابه بموته دهشة تحكي عن عمر رضي الله عنه وأخرس عثمان رضي الله عنه وأقعد علي رضي الله عنه ولم يكن فيهم أثبت من العباس وأبي بكر، ثم إن الناس سمعوا من باب الحجرة لا تغسلوه فإنه طاهر مطهر ثم سمعوا بعد ذلك اغسلوه فإن ذلك إبليس وأنا الخضر وعزاهم فقال إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فايت فبالله فثقوا وإياه فأرجوا فإن المصاب من حرم الثواب، واختلفوا في غسله هل يكون في ثيابه أو يجرد عنها فوضع الله عليهم النوم فقال قايل لا يدري من هو إغسلوه في ثيابه فانتبهوا وفعلوا ذلك، والذين ولوا غسله علي والعباس وولداه الفضل وقثم وأسامة وشقران مولياه وحضرهم أوس بن خولي من الأنصار ونفضه علي فلم يخرج منه شيء فقال صلى الله عليك لقد طبت حيا وميتا، وكفن في ثلثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة بل لفايف من غير خياطة، وصلى المسلمون عليه أفذاذا لم يؤمهم أحد، وفرش تحته في القبر قطيفة حمراء كان يتغطى بها نزل شقران وحفر له والحد وأطبق عليه تسع لبنات، واختلفوا أيلحد له أم يضرح وكان بالمدينة حفاران أحدهما يلحد وهو أبو طلحة والآخر يضرح وهو أبو عبيدة فاتفقوا أن من جاء منهما أولا عمل عليه فجاء الذي يلحد فلحد له ونحي فراشه وحفر له مكانه في بيت عايشة، وقال الحافظ عبد الغني حول فراشه، وكان ابتداء وجعه في بيت عايشة واشتد أمره في بيت ميمونة فطلب من نسائه أن يمرض في بيت عايشة رضي الله عنها فأذن له في ذلك وكان ما ابتدأ به من الوجع صداع وتمادى به وكان ينفث في علته شيئا يشبه أكل الزبيب ومات بعد أن خيره الله تعالى بين البقاء في الدنيا ولقاء ربه فاختار لقاء الله تعالى اصطفاؤه روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من خير قرن كنت منه، وروى مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس رحمه الله تعالى:
فضله روى الترمذي عن ابن عباس قال جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون وهم ينتظرون خروجه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا أن الله تبارك وتعالى إتخذ من خلقه خليلا إتخذ إبراهيم خليلا وقال آخر ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما وقال آخر ماذا بأعجب من جعله عيسى كلمة الله وروحه وقال آخر ماذا بأعجب من آدم اصطفاه الله عليهم زاد رزين وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملايكته ثم اتفقا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وأن موسى نجى الله وهو كذلك وأن عيسى روح الله وكلمته وهو كذلك وأن آدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر.
أسماؤه روى البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون كييف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد، قال السخاوي في سفر السعادة قيل لعبد المطلب بم أسميت ابنك فقال بمحمد فقالوا له ما هذا من أسماء آبايك فقال أردت أن يحمد في السماء والأرض، وأحمد أبلغ من محمد كما أن أحمر وأصفر أبلغ من محمر ومصفر، وروى البخاري ومسلم والترمذي عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده نبي وقد سماه الله رؤوفا رحيما.
 أنشدني لنفسه قراءة مني عليه الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين محمد بن سيد الناس اليعمري فيما وافق من أسماء الله الحسنى لأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصيدة له في مدحه
وقد قال حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه
ومن أسمائه المقفى وبني التوبة وبني المرحمة، وفي صحيح مسلم وبني الملحمة، ومن أسمائه طه ويس والمزمل والمدثر وعبدا في قوله تعالى {بعبده ليلا} وعبد الله في قوله تعالى {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} ومذكر في قوله تعالى {إنما أنت مذكر} وقد ذكر غير ذلك، صفته كان صلى الله عليه وسلم ربعة بعيد ما بين المنكبين أبيض اللون مشربا حمرة يبلغ شعره شحمة أذنيه وقالت عايشة رضي الله عنها كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة رواه أبو داود والترمذي، وقالت أم هانئ رضي الله عنها قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غداير روياه أيضا، وكان سبط الشعر في لحيته كثافة ومات صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة، ظاهر الوضاءة يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر، روى عن عايشة أنها وصفته فقالت كان والله كما قال شاعره حسان بن ثابت الأنصاري:
وروى عن أنس بن مالك قال كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رآه ينشد قول زهير في هرم بن سنان:
أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم أقنى العرنين سهل الخدين أزج الحاجبين أقرن، أدعج العين في بياض عينيه عروق حمر رقاق حسن الخلق معتدله أطول من المربوع وأقصر من المشذب دقيق المسربة كان عنقه إبريق فضة من لبته إلى سرته شعر مجرى كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره شثن الكف والقدم ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان بادنا متماسكا سواء البطن والصدر ضخم الكراديس أنور المتجرد أشعر الذراعين والمنكبين عريض الصدر طويل الزندين رحب الراحة، سايل الأطراف، سبط القضيب خمصان، بين كتفيه خاتم النبوة قال جابر بن سمرة مثل بيضة الحمام، يشبه جسده إذا مشى كأنما يتحدر من صبب وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر إذا التفت التفت جميعا، كأنما عرقه اللؤلؤ ولريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر وقال عند أم سليم فعرق فجاءت بقارورة فجعلت تسكب العرق فيها فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب الطيب، وفي وصف أم معبد له وفي صوته صهل وفي عنقه سطع إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاء من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق، وفي وصف هند بن أبي هالة خافض الطرف نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام، وفي وصف علي بن أبي طالب رضي الله عنه أجود الناس كفا وأرحب الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس بذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
\\\شرح الغريب مما في صفته
صلى الله عليه وسلم
الوضاءة الحسن والجمال، والأزهر الأبيض، والأمهق الشديد البياض ليس بنير ولا تخالطه حمرة، والآدم من الناس الأسمر، والقنا أحد يداب في الأنف، والزجج دقة في الحاجبين وطول الرجل أزج، والدعج شدة سواد العين، المشذب الطويل، والمسربة بضم الراء الشعر الذي يأخذ من الصدر إلى السرة وهو مستدق، واللبة المنحر، الشثن بتحريك الثاء مصدر شثنت كفه إذا خشنت وغلظت، وضليع الفم قال أبو عبيد أراد أنه كان واسع الفم وقال القتيبي ضليع الفم عظيمه، والشنب حدة في الأسنان، والبادن السمين المتماسك المستمسك اللحم، الكراديس جمع كردوس وهو كل عظمين إلتقيا في مفصل، سواء البطن والظهر يريد أن بطنه غير مستفيض فهو مساو لبطنه، أنور المتجرد يعني شديد بياض ما جرد عنه الثوب، رحب الراحة واسع الكف والخمصان الأخمص ما ارتفع عن الأرض من باطن القدم الصهل، والصحل في رواية شبه البحة وهو غلظ في الصوت لأنه مأخوذ من صهيل الفرس، والسطع طول العنق.
\\\أخلاقه
صلى الله عليه وسلم
سئلت عايشة رضي الله عنها عنه فقالت كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه ولا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله فيغضب لله وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم ما سئل شيئا فقال لا ولا يبيت في بيته دينار ولا درهم فإن فضل ولم يجد من يأخذه وفجئه الليل لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت أهله عاما فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام انتهى، وكان من أحلم الناس وأشد حياء من العذراء في خدرها خافض الطرف نظره الملاحظة، وكان أكثر الناس تواضعا يجيب من دعاه من غني أو فقير أو حر أو عبد، وكان أرحم الناس يصغي الإناء للهرة وما يرفعه حتى تروى رحمة لها، وكان أعف الناس وأشدهم إكراما لأصحابه لا يمد رجليه بينهم ويوسع عليهم إذا ضاق المكان ولم تكن ركبتاه تتقدمان ركبة جليسه له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا له وإن أمر تبادروا لأمره، ويتحمل لأصحابه ويتفقدهم ويسأل عنهم فمن مرض عاده ومن غاب دعا له ومن مات استرجع فيه وأتبعه الدعاء له ومن تخوف أن يكون وجد في نفسه شيئا انطلق إليه حتى يأتيه في منزله ويخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافتهم ويتآلف أهل الشرف ويكرم أهل الفضل ولا يطوي بشره عن أحد ولا يجفو عليه ويقبل معذرة المعتذر إليه، والضعيف والقوى عنده في الحق سواء ولا يدع أحدا يمشي خلفه ويقول خلوا ظهري للملايكة ولا يدع أحدا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله فإن أبى قال تقدمني إلى المكان الفلاني، يخدم من خدمه وله عبيد وإماء لا يرتفع عنهم في مأكل وملبس، قال أنس بن مالك رضي الله عنه خدمته نحوا من عشر سنين فو الله ما صحبته في حضر ولا سفر لأخدمه إلا كانت خدمته إلي أكثر من خدمتي له وما قال لي أف قط ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا وكان صلى الله عليه وسلم في سفر فأمر بإصلاح شاة فقال رجل يا رسول الله على ذبحها وقال آخر على سلخها وقال آخر على طبخها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جمع الحطب فقالوا يا رسول الله نحن نكفيك فقال قد علمت أنكم تكفونني ولكني أكره أن أتميز عليكم فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه وقام فجمع الحطب وكان في سفر فنزل إلى الصلاة ثم كر راجعا فقيل يا رسول الله أين تريد فقال أعقل ناقتي فقالوا نحن نعلقها قال لا يستعن أحدكم بالناس ولو في قضمة من سواك وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلى الله عليه وسلم حتى يقوم الذي جلس إليه إلا أن يستعجله أمر فيستأذنه ولا يقابل أحدا بما يكره ولا يجزي السيئة بمثلها بل يعفو ويصفح، وكان يعود المرضى ويحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنايزهم ولا يحقر فقيرا لفقره ولا يهاب ملكا لملكه يعظم النعمة وإن قلت لا يذم منها شيئا ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وكان يحفظ جاره ويكرم ضيفه، وكان أكثر الناس تبسما وأحسنهم بشرا، لا يمضي له وقت في غير عمل الله أو في ما لابد منه وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه، يخصف نعله ويرفع ثوبه ويركب الفرس والبغل والحمار ويردف خلفه عبده أو غيره ويمسح وجه فرسه بطرف كمه أو بطرف ردائه، وكان يحب الفأل ويكره الطيرة وإذا جاءه ما يحب قال الحمد لله رب العالمين وإذا جاءه ما يكره قال الحمد لله على كل حال وإذا رفع الطعام من بين يديه قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا مسلمين وأكثر جلوسه مستقبل القبلة يكثر الذكر ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ويستغفر في المجلس الواحد ماية مرة وكان يسمع لصدره وهو في الصلاة أزيز كأزيز المرجل من البكاء وكان يقوم حتى ترم قدماه وكان يصوم الاثنين والخميس وثلثة أيام من كل شهر وعاشوراء وقلما كان يفطر يوم الجمعة وأكثر صيامه في شعبان، وفي الصحيحين رواية أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، وكان عليه السلام تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارا للوحي وإذا نام نفخ ولا يغط وإذا رأى في منامه ما يكره قال هو الله لا شريك له وإذا أخذ مضجعه قال رب قني عذابك يوم تبعث عبادك وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، وكان لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية ويكافئ عليها ولا يتأنق في مأكل ويعصب على بطنه الحجر من الجوع، وآتاه الله مفاتيح خزاين الأرض فلم يقبلها واختار الآخرة، وأكل الخبز بالخل وقال نعم الأدام الخل وأكل لحم الدجاج ولحم الحبارى وكان يأكل ما وجد ولا يرد ما حضر ولا يتكلف ما لم يحضر ولا يتورع عن مطعم حلال، إن وجد تمرا دون خبز أكله وإن وجد شواء أكله وإن وجد خبز بر أو شعير أكله وإن وجد حلوا أو عسلا أكله وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد وقال للهيثم ابن التيهان كأنك علمت حبنا للحم لا يأكل متكئا ولا على خوان لم يشبع من خبز بر ثلثا تباعا حتى لقي الله عز وجل إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا، يجيب الوليمة ويجيب دعوة العبد والحر ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب، وكان يحب الدباء والذراع من الشاة وقال كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة وكان يأكل بأصابعه الثلث ويلعقهن منديله باطن قدميه وأكل خبز الشعير بالتمر والبطيخ بالرطب والقثاء بالرطب والتمر بالزبد وكان يحب الحلوى والعسل ويشرب قاعدا وربما شرب قائما ويتنفس ثلثا مبينا للإناء ويبدأ بمن عن يمينه إذا سقاه وشرب لبنا، وقال من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن، قال ابن حزم وشرب النبيذ الحلو قلت تفسيره الماء الذي ينبذ فيه التمرات اليسيرة ليحلو.
وكان يلبس الصوف وينتعل المخصوف ولا يتأنق في ملبس وأحب اللباس إليه الحبرة من برود اليمن فيها حمرة وبياض وأحب الثياب إليه القميص ويقول إذا لبس ثوبا استجده اللهم لك الحمد كما ألبستنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وتعجبه الثياب الخضر وربما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره يعقد طرفه بين كتفيه ويلبس يوم الجمعة برده الأحمر ويعتم ويلبس خاتما من فضة نقشه محمد رسول الله في خنصره الأيمن وربما في الأيسر ويحب الطيب ويكره الرايحة الكريهة ويقول إن الله جعل لذتي في النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة وكان يتطيب بالغالية والمسك أو المسك وحده ويتبخر بالعود والكافور ويكتحل بالأثمد وربما اكتحل وهو صايم ويكثر دهن رأسه ولحيته ويدهن غبا ويكتحل وترا ويحب التيمن في ترجله وتنعله وفي طهوره وفي شأنه كله وينظر في المرآة ولا تفارقه قارورة الدهن في سفره والمكحلة والمرآة والمشط والمقراض والسواك والإبرة والخيط، ويستاك في الليلة ثلث مرات قبل النوم وبعده وعند القيام لورده وعند الخروج لصلاة الصبح وكان يحتجم.
وكان يمزح ولا يقول إلا حقا جاءته امرأة فقالت يا رسول الله احملني على جمل فقال أحملك على ولد الناقة قالت لا يطيقني قال لا أحملك إلا على ولد الناقة قالت لا يطيقني فقال لها الناس وهل الجمل إلا ولد الناقة، وجاءته امرأة فقالت يا رسول الله إن زوجي مريض وهو يدعوك فقال لعل زوجك الذي في عينيه بياض فرجعت وفتحت عين زوجها فقال مالك قالت أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينيك بياضا فقال وهل أحد إلا في عينيه بياض، وقالت له أخرى يا رسول الله أدع الله لي أن يدخلني الجنة فقال يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز فولت المرأة وهي تبكي فقال صلى الله عليه وسلم أخبروها أنها لا تدخل وهي عجوز إن الله يقول {إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكارا، عربا أترابا} قد جمع الله له كمال الأخلاق ومحاسن الأفعال وحسبك ما أثنى عليه به في قوله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} وآتاه الله علم الأولين والآخرين وما فيه النجاة والفوز وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ ولا معلم له من البشر نشأ في بلاد الجهل والصحارى وآتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين واختاره على الأولين والآخرين.
\\\نبذة من معجزاته وآياته
صلى الله عليه وسلم
منها القرآن العظيم وهو أكبرها الذي دعا به بلغاء قريش وهم ما هم قالة البلاغة ولسن الفصاحة. لهم من آفاق ذلك قمراها والنجوم الطوالع، ودعا غيرهم مذ بعثه الله تعالى قرنا فقرنا وجيلا بعد جيل إلى يومنا هذا وإلى يوم البعث والنشور على أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات وتنازل معهم إلى الإتيان بسورة من مثله وفي السور ما هو ثلث آيات وتحدى به الإنس والجن فلم يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ونكصوا على أعقابهم خائبين، وذهب كل نبي بمعجزاته ولم يبق لها أثر ظاهر خلا الروايات عنها والأخبار وأبقى لنا صلى الله عليه وسلم معجزا خالدا بين ظهرانينا إلى يوم القيامة بعد ذهابه لا تنكسف شموسه ولا تذوي زهراته، وانشقاق القمر روى مسلم والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين فستر الجبل فلقة وكانت فلقة فوق الجبل فقال رسول الله اللهم اشهد وروى الترمذي عن جبير بن مطعم قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فقالت قريش سحر محمد أعيننا فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم وزاد رزين فكانوا يتلقون الركبان فيخبروهم بأنهم قد رأوه فيكذبونهم، وما أحقه صلى الله عليه وسلم بقول أبي الطيب:
وإن الملأ من قريش تعاقدوا على قتله فخرج عليهم فخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وأقبل حتى قام على رؤوسهم فقبض قبضة من تراب وقال شاهت الوجوه وحصبهم فما أصاب رجلا منهم من ذلك الحصباء إلا قتل يوم بدر، ورمى يوم حنين بقبضة من تراب في وجوه القوم فهزمهم الله تعالى، ونسج العنكبوت في الغار وما كان من أمر سراقة بن مالك إذ بعث خلفه في الهجرة فساخت قوايم فرسه في الأرض الجلد، ومسح على ظهر عناق لم ينز عليها الفحل فدرت، وشاة أم معبد، ودعوته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعز الله به الإسلام ودعوته لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يذهب عنه الحر والبرد، وتفله في عينيه وهو أرمد فعوفي من ساعته ولم يرمد بعد ذلك، ورده عين قتادة بن النعمان بعد أن سالت على خده فكانت أحسن عينيه وأحدهما، ودعاؤه لعبد الله بن عباس بالتأويل والفقه في الدين وكان يسمى الحبر والبحر لعلمه، ودعاؤه لجمل جابر فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا، ودعاؤه لأنس بن مالك بطول العمر وكثرة المال والولد فعاش ماية سنة أو نحوها وولد له ماية وعشرون ولدا ذكرا لصلبه وكان نخله يحمل في السنة مرتين وفي تمر جابر بالبركة فأوفى غرماءه وفضل ثلثة عشر وسقا، واستسقاؤه عليه السلام فمطروا أسبوعا ثم استصحاؤه فانجابت السحاب.
ودعاؤه على عتبة بن أبي لهب فأكله الأسد بالزرقاء من الشام، وشهادة الشجرة له بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما تقول فقال نعم هذه الشجرة ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلثا ثم رجعت إلى منبتها، وأمره شجرتين فاجتمعتا ثم افترقتا، وأمره أنسا أن ينطلق إلى نخلات فيقول لهن أمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن، ونام فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه فلما استيقظ ذكرت له فقال هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي فأذن لها، وسلام الحجر والشجر عليه ليالي بعث السلام عليك يا رسول الله، وقوله إني لا أعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، وحنين الجذع إليه وتسبيح الحصى في كفه وكذلك الطعام، وإعلامه الشاة بسمها، وشكوى البعير إليه كثرة العمل وقلة العلف، وسؤال الظبية له أن يخلصها من الحبل لترضع ولديها وتعود فخلصها فتلفظت بالشهادتين، وإخباره عن مصارع المشركين يوم بدر فلم يعد أحد منهم مصرعه، وإخباره أن طايفة من أمته يغزون في البحر وأن أم حرام بنت ملحان منهم فكان كذلك، وقوله لعثمان رضي الله عنه تصيبه بلوى شديدة فكانت وقتل، وقوله للأنصار أنكم ستلقون بعدي أثرة فكانت زمن معاوية، وقوله في الحسن أن ابني هذا سيد وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وإخباره بقتل العنسي الكذاب وهو بصنعاء ليلة قتله وبمن قتله، وقوله لثابت بن قيس تعيش حميدا وتقتل شهيدا فقتل يوم اليمامة، ولما ارتد رجل من المسلمين ولحق بالمشركين بلغه أنه مات فقال أن الأرض لا تقبله فكان كذلك، وقوله لرجل يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا استطيع فقال له لا استطعت فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد، ودخوله مكة عام الفتح والأصنام حول الكعبة معلقة وبيده قضيب فجعل يشير إليها به ويقول جاء الحق وزهق الباطل وهي تتساقط، وقصة مازن بن الغضوبة الطائي وسواد بن قارب وأمثالهما، وشهادة الضب بنبوته، وإطعام ألف من صاع شعير بالخندق فشبعوا والطعام أكثر مما كان وأطعمهم من تمر يسير وجمع فضل الأزواد على النطع ودعا لها بالبركة ثم قسمها في العسكر فقامت بهم وأتاه أبو هريرة بتمرات قد صفهن في يده وقال أدع لي فيهن بالبركة قال أبو هريرة فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل منه ونطعم حتى انقطع في زمن عثمان، ودعاؤه أهل الصفة لقصعة ثريد قال أبو هريرة فجعلت أتطاول ليدعوني حتى قام القوم وليس في القصعة إلا اليسير في نواحيها فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار لقمة ووضعها على أصابعه وقال كل بسم الله فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت، وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يزود أربع ماية راكب من تمر كان في اجتماعه كربضة البعير فزودهم كلهم منه وبقى بحسبه كما كان، ونبع الماء من بين أصابعه حتى شرب القوم وتوضؤوا وهم ألف وأربع ماية، وأتى بقدح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح فلم يسع فوضع أربعة منها وقال هلموا فتوضؤوا أجمعين وهم من السبعين إلى الثمانين، وورد في غزوة تبوك على ماء لا يروي واحدا والقوم عطاش فشكوا إليه فأخذ سهما من كنانته فغرسه فيها ففار الماء وارتوى القوم وكانوا ثلثين ألفا، وشكا إليه قوم ملوحة في مائهم فجاء في نفر من أصحابه حتى وقف على بيرهم فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين، وأتته امرأة بصبي لها أقرع فمسح على رأسه فاستوى شعره وذهب داؤه فسمع أهل اليمامة بذلك فأتت امرأة إلى مسيلمة بصبي فمسح رأسه فتصلع وبقي الصلع في نسله، وانكسر سيف عكاشة يوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار في يده سيفا ولم يزل بعد ذلك عنده، وعزت كدية بالخندق عن أن يأخذها المعول فضربها فصارت كثيبا أهيل، ومسح على رجل أبي رافع وقد انكسرت فكأنه لم يشكها قط، وقوله صلى الله عليه وسلم أن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها وصدق الله قوله بأن ملك أمته بلغ أقصى المشرق والمغرب ولم ينتشر في الجنوب ولا في الشمال، وأخبر عن الشيماء بنت بقيلة الأزدية أنها رفعت له في خمار أسود على بغلة شهباء فأخذت في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جيش خالد بن الوليد بهذه الصفة، وقال لرجل ممن يدعي الإسلام وهو معه في القتال أنه من أهل النار فصدق الله قوله بأن ذلك الرجل نحر نفسه وهذا لا يعرف البتة بشيء من النجوم ولا بخط ولا بزجر ولا بالنظر في الكتف ولا بتصويت الوزغ وأبطل الله تعالى ببعثته الكهانة فانقطعت وكانت ظاهرة موجودة، ودعا اليهود إلى تمني الموت وأخبرهم بأنهم لا يتمنونه فحيل بينهم وبين النطق بذلك، وأخبر بأن عمارا تقتله الفئة الباغية فكان مع علي بن أبي طالب وقتله جماعة معاوية، وأنذر بموت النجاشي وخرج هو وأصحابه إلى البقيع فصلوا عليه فورد الخبر بموته بعد ذلك في ذلك اليوم، وخرج على نفر من أصحابه مجتمعين فقال أحدكم في النار ضرسه مثل أحد فماتوا كلهم على الإسلام وارتد منهم واحد وهو الدجال الحنفي فقتل مرتدا مع مسيلمة وقال لآخرين منهم آخركم موتا في النار فسقط آخرهم موتا في نار وهو سمرة بن جندب، وأخبر بأنه يقتل أمية بن خلف الجمحي فخدشه يوم أحد خدشا لطيفا فكانت منيته منه وأخبر فاطمة ابنته رضي الله عنها أنها أول أهله لحاقا به فكان كذلك، وأخبر نساءه أن أطولهن يدا أسرعهن لحاقا به وكانت زينب بنت جحش الأسدية لأنها كانت كثيرة الصدقة، وحكى الحكم ابن أبي العاص مشيته مستهزئا فقال كذلك فكن فلم يزل يرتعش إلى أن مات، وخطب أمامة بنت الحرث ابن أبي عوف وكان أبوها أعرابيا حافيا فقال أن بها بياضا فقال لتكن كذلك فبرصت من وقتها فتزوجها ابن عمها يزيد بن حمزة فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد وهو المعروف بابن البرصاء، وليلة ميلاده اضطرب إيوان كسرى حتى سمع صوته وسقطت منه أربع عشرة شرافة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاصت بحيرة ساوة، ومن علايم نبوته حراسة السماء بالشهب التي تقذف الشياطين فلا تسترق السمع، وبشرى الكهان به والهواتف، وأخبار الأحبار بظهوره، وفراسة بحيرا الراهب فيه ومعرفته آيات النبوة وإمارات البعثة.
وولادته محتونا مسرورا، وسجع شق وسطيح، ورؤيا الموبذان إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة والأمارات الباهرة والدلالات الزاهرة والمعجزات القاهرة والسيرة التي شهرت شهرة النجوم وسار الذكر منها في الناس سير القوافي.
\\\غزواته
غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين غزوة بنفسه هذا هو المشهور قاله محمد بن إسحاق وأبو معشر وموسى بن عقبة وغيرهم وقيل سبعا وعشرين غزوة غزوة الأبواء وهي أول غزاة غزاها بنفسه، غزوة بواط وهي من ناحية رضوى، غزوة العشيرة من بطن ينبع، غزوة بدر الأولى يطلب كرز بن جابر، بدر الثانية وهي أكرم المشاهد، غزوة بني سليم حتى بلغ ماء الكدر، غزوة السويق يطلب أبا سفيان ابن حرب، غزوة ذي أمر، غزوة نجران، غزوة بني قينقاع، غزوة حمراء الأسد، غزوة بني النضير، غزوة ذات الرقاع، غزوة بدر الثالثة، غزوة دومة الجندل، غزوة الخندق، غزوة بني لحيان، غزوة ذي قرد، غزوة بني المصطلق غزوة الحديبية، غزوة خيبر، غزوة مؤتة، غزوة فتح مكة، غزوة حنين، غزوة الطائف، غزوة تبوك، قاتل صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوات في سبع بدر واحد والخندق وبني قريظة وبني المصطلق وخيبر والطائف وقيل قاتل أيضا بوادي القرى والغابة وبني النضير ولم يكن في غير ما قاتل فيه قتال.
\\\بعوثه
نحوا من خمسين بعث عبيدة بن الحرث بن المطلب أسفل ثنية المرة، وبعث حمزة بن عبد المطلب إلى ساحل البحر من ناحية العيص وهذان البعثان متقاربان جدا فاختلف في أيهما كان أول وهما أول بعوثه وأول راية عقدها، وبعث سعد ابن أبي وقاص إلى الخرار، وبعث عبد الله بن جحش إلى نخلة، وبعث زيد بن حارثة مولاه إلى القردة، وبعث محمد بن مسلمة الأنصاري إلى قتل كعب ابن الأشرف، وبعث مرثد ابن أبي مرثد الغنوي إلى الرجيع، وبعث المنذر ابن عمرو الأنصاري إلى بير معونة، وبعث عبد الله بن عتيك إلى قتل سلام ابن أبي الحقيق بخيبر، وبعث أبا عبيدة ابن الجراح إلى ذي القصة من طريق العراق، وبعث عمر بن الخطاب إلى تربة من أرض بني عامر، وبعث على ابن أبي طالب إلى اليمن، وبعث غالب بن عبد الله الليثي إلى الكديد إلى بني الملوح من كنانة، وبعث علي بن أبي طالب إلى بني عبد الله بن سعد من أهل فدك، وبعث ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم، وبعث عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر وبعث أبا سلمة ابن عبد الأسد المخزومي إلى قطن ماء لبني أسد بناحية نجد، وبعث محمد بن مسلمة الأنصاري إلى القرطاء من هوازن، وبعث بشير بن سعد الأنصاري من بني الحرث بن الخزرج إلى ناحية خيبر، وبعث زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم، وبعث زيدا أيضا إلى جذام بأرض حسمى وبعث زيدا أيضا إلى الطرف من ناحية نخل من طريق العراق، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلى فزارة، وبعث أبا عامر الأشعري عم أبي موسى إلى أوطاس، وبعث زيد بن حارثة إلى وادي القرى فلقي هنالك قوما من فزارة قاتلهم فإرتث زيد من بين القتلى، وبعث زيدا أيضا إلى فزارة فقتل أم قرفة وغيرها، وبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر، وبعثه إليها مرة أخرى، وبعث عبد الله بن أنيس الجهني لقتل خالد بن سفيان الهذلي فقتله عبد الله بعثه عليه السلام لذلك وحده، وبعث الأمراء عليهم زيد بن حارثة فإن قتل فعليهم جعفر بن أبي طالب فإن قتل فعليهم عبد الله بن رواحة فقتلوا كلهم رضوان الله عليهم بموتة في أول الشام لقوا هنالك عساكر النصارى من الروم والعرب وأخذ الراية خالد بن الوليد فانحاز بالمسلمين، وبعث كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام، وبعث عيينة بن حصن بن حذيفة ابن بدر الفزاري إلى بني العنبر من بني تميم، وبعث غالب بن عبد الله الليثي إلى أرض بني مرة فأصابوا في الحرقات من جهينة، وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من بني كنانة، وبعث خالدا أيضا إلى اليمن، وبعث عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل من أرض بني عذرة وأمده بجيش عظيم عليهم أبو عبيدة، وبعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي إلى بطن أضم، وبعثه أيضا إلى الغابة، وبعث عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، وبعث أبا عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى قتل أبي سفيان فلم يمكنه ذلك، وبعث زيد بن حارثة إلى مدين، وبعث سالم بن عمير إلى أبي عفك من بني عمرو بن عوف فقتله، وبعث عمير بن عدي الخطمي إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد فقتلها، وبعث بعثا أسر فيه ثمامة بن أثال الحنفي، وبعث علقمة بن مجزز المدلجي، وبعث كرز بن جابر خلف الذين قتلوا الرعاء وسلموا عيونهم، وبعث أسامة بن زيد إلى الشأم وهو آخر بعوثه مات صلى الله عليه وسلم ولم ينفذه فأنفذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
\\\حججه وعمره
قال الحافظ عبد الغني روى همام بن يحيى عن قتادة قال قلت لأنس بن مالك كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من حجة قال حجة واحدة واعتمر أربع عمر عمرة النبي صلى الله عليه وسلم حيث صده المشركون عن البيت والعمرة الثانية حيث صالحوه من العام المقبل وعمرته من الجعرانة حيث قسم غنيمة حنين في ذي القعدة وعمرته مع حجته صحيح متفق عليه هذا يعد قدومه المدينة وأما ما حج بمكة واعتمر فلم يحفظ والتي حج حجة الوداع ودع الناس فيها وقال عسى أن لا تروني بعد عامي هذا انتهى، قلت ولابن حزم في حجة الوداع مصنف عظيم، وخرج في حجة الوداع نهارا بعد أن ترجل وأدهن وتطيب فبات بذي الحليفة وقال أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة فأحرم بهما قارنا ودخل مكة يوم الأحد بكرة من كداء من الثنية العليا وطاف للقدوم فرمل ثلثا ومشى أربعا ثم خرج إلى الصفا فسعى راكبا ثم أمر من لم يسق الهدى بفسخ الحج إلى العمرة ونزل بأعلى الحجون فلما كان يوم التروية توجه إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبات بها وصلى بها الصبح فلما طلعت الشمس ساروا إلى عرفة وضربت قبته بنمرة فأقام بها حتى زالت الشمس فخطب الناس وصلى بهم الظهر والعصر بأذان وإقامتين ثم راح إلى الموقف فلم يزل يدعو ويهلل ويكبر حتى زاغت الشمس ثم دفع إلى المزدلفة بعد الغروب وبات بها وصلى الصبح ثم وقف بالمشعر الحرام حتى أسفر ثم دفع قبل طلوع الشمس إلى منى فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات وثلثة أيام التشريق كان يرمي في كل يوم منها الجمرات الثلث ماشيا بسبع سبع يبدأ بالتي تلي الخيف ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة ويطيل الدعاء عند الأولى والثانية ونحر يوم نزوله منى وأفاض إلى البيت فطاف به سبعا ثم أتى إلى السقاية فاستسقى ثم رجع إلى منى ونفر في اليوم الثالث فنزل المحصب وأعمر عايشة من التنعيم ثم أمر بالرحيل ثم طاف للوداع وتوجه إلى المدينة.
\\\زوجاته
تزوج خديجة بنت خويلد قبل البعثة وقد مر ذكرها، ثم تزوج سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وكبرت عنده فأراد طلاقها فوهبت يومها لعايشة وقالت لا حاجة لي في الرجال وإنما أريد أن أحشر في زوجاتك وانفردت به صلى الله عليه وسلم ما بين وفاة خديجة إلى أن دخل بعايشة رضي الله عنها، ثم تزوج عايشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما تزوجها بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلث وهي بنت ست أو سبع وبني بها بالمدينة وهي بنت تسع ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة وتوفيت سنة ثمان وخمسين وقيل غير ذلك ولم يتزوج بكرا غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما روى أنه طلقها فنزل جبريل فقال إن الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنها صوامة قوامة وفي خبر قال رحمة لعمر، وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان أخت معاوية رضي الله عنهما وهي بالحبشة فأصدقها النجاشي أربع ماية دينار وولي نكاحها عثمان بن عفان ولم يصح وقيل خالد بن سعيد بن العاص وتوفيت سنة أربع وأربعين، وتزوج أم سلمة هند ابنة أبي أمية بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم وماتت سنة اثنتين وستين وهي آخرهن موتا وقيل ميمونة، وتزوج زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وهي ابنة عمته أميمة توفيت بالمدينة سنة عشرين وهي أولهن وفاة وأول من حمل على نعش وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة فطلقها فزوجها الله إياه من السماء ولم يعقد عليها قال الحافظ عبد الغني وصح أنها كانت تقول لأزواجه زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، وتزوج جويرية بنت الحرث بن أبي ضرار بن الحرث بن عايذ بن ملك بن المصطلق سبيت في غزوة بني المصطلق فوقعت لثابت بن قيس بن شماس فكاتبها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها وكانت امرأة ملاحة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أوخير من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك فقبلت فقضى عنها وتزوجها وأطلق من أجلها جميع أسراء بني المصطلق وتوفيت سنة ست وخمسين، وتزوج صفية بنت حي بن أخطب بن أبي يحيى بن كعب ابن الخزرج النضرية من ولد هارون عليه السلام سبيت من خيبر فأعتقها وجعل عتقها صداقها توفيت سنة خمسين، وتزوج ميمونة بنت الحرث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد مناف بن هلال بن عامر خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس رضي الله عنه وهي آخر من تزوج وتوفيت سنة إحدى وخمسين وقيل سنة ست وستين فإن ثبت ذلك فهي آخرهن موتا، وتزوج زينب بنت خزيمة أم المساكين سنة ثلث من الهجرة ولم تلبث عنده إلا يسيرا شهرين أو ثلثة وماتت، وتزوج فاطمة بنت الضحاك وخيرها حين نزلت آية التخيير فاختارت الدنيا فطلقها ثم كانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول أنا الشقية اخترت الدنيا، وتزوج شراف أخت دحية الكلبي، وخولة بنت الهذيل وقيل بنت حكيم وهي التي وهبت نفسها له وقيل تلك أم شريك، وأسماء بنت كعب الجونية، وعمرة بنت يزيد وطلقها قبل الدخول، وامرأة من غفار فرأى بها بياضا فألحقها بأهلها، وامرأة تميمية فلما دخل عليها قالت أعوذ بالله منك فقال منع الله عايذه الحقي بأهلك وغالية بنت ظبيان طلقها حين أدخلت عليه كذا أخبرني به الشيخ فتح الدين محمد ابن سيد الناس وقال ابن حزم ولم يصح أنه عليه السلام طلق امرأة قط إلا حفصة بنت عمر ثم راجعها وقد طلق عمرة بنت يزيد المذكورة آنفا وبنت الصلت وماتت قبل أن يدخل عليها، ومليكة الليثية فلما دخل عليها قال هبي لي نفسك فقالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة فسرحها، وخطب امرأة من أبيها فوصفها له وقال أزيدك أنها لم تمرض قط فقال ما لهذه عند الله من خير، وكان صداقه لنسايه خمس ماية درهم لكل واحدة هذا أصح ما قيل إلا صفية فإنه اعتقها وتزوجها وأم حبيبة، وأولم على زينب بنت جحش بشاة واحدة فكفت الناس قال أنس ولم نره أولم على امرأة من نسايه بأكثر من ذلك وأولم على صفية وليمة ليس فيها شحم ولا لحم إنما كان السويق والتمر والسمن وأولم على بعض نسايه ولم تسم بمدين من شعير فكفى ذلك كل من حضر، وكان ينفق على نسايه في كل سنة عشرين وسقا من شعير وثمانين وسقا من تمر قال ابن حزم: هكذا رويناه من طريق في غاية الصحة وروينا من طريق فيها ضعف أن هذا العدد لكل واحدة في العام والله أعلم، فقد كانت كل واحدة لها الإماء والعبيد والعتقاء في حياته صلى الله عليه وسلم انتهى كلام ابن حزم، قلت الوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي والرطل ماية وثلثون درهما والدرهم عشرة أمثاله سبعة مثاقيل والفرق بتحريك الراء زنبيل يسع خمسة عشر صاعا.
\\\أولاده
صلى الله عليه وسلم
القاسم وبه كان يكنى وعبد الله ويسمى الطيب والطاهر وقيل الطيب غير الطاهر، وإبراهيم ولد له بالمدينة من مارية وعاش عامين غير شهرين ومات قبل موت أبيه صلى الله عليه بثلثة أشهر يوم كسف الشمس، والقاسم أكبر أولاده ولد له قبل النبوة وعاش أياما يسيرة، وقال ابن حزم: روينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنه كان له ولد اسمه عبد العزى قبل النبوة وهذا بعيد والخبر مرسل ولا حجة في مرسل انتهى، قلت: قال ابن الجوزي في كتاب تلقيح فهوم أهل الأثر: قال الهيثم بن عدي حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال ولدت له خديجة عبد العزى وعبد مناف والقاسم قلت لهشام فأين الطيب والطاهر قال هذا ما وضعتم أنتم يا أهل العراق فأما أشياخنا فقالوا عبد العزى وعبد مناف والقاسم، قال ابن الجوزي: الهيثم كذاب لا يلتفت إلى قوله، قال لنا شيخنا ابن ناصر لم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط.
\\\بناته
أكبرهن زينب تزوجها أبو العاص واسمه القسم بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس بن عبد مناف وكانت أمها خديجة خالة أبي العاص ولم يكن لزينب زوج غيره وماتت سنة ثمان من الهجرة وأولدها عليا فمات مراهقا وأولدها أيضا أمامة التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة تزوجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة فلم تلد ومات عنها فتزوجها المغيرة بن نوفل ابن الحرث بن عبد المطلب فماتت عنده ولم تلد له قاله ابن حزم، وقال الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس: فولدت له يحيى ومات أبو العاص في خلافة عمر بن الخطاب، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يكن لها زوج غيره فولدت له عبد الله، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فولدت له الحسن والحسين ومحسنا مات صغيرا، وأم كلثوم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فولدت له زيدا، وزينب تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له عليا وأعقب علي بن عبد الله بن جعفر ولم يعقب زيد بن عمر بن الخطاب ولم يكن لفاطمة زوج غير علي، وأم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أصغرهن كانت مملكة بعتيبة بن أبي لهب فلم يدخل بها وطلقها فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه فماتت عنده في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تلد له، قال ابن حزم: قاله ابن خياط قال الحافظ عبد الغني البنات أربع بلا خلاف والصحيح في البنين أنهم ثلاثة وأول من ولد القاسم ثم زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم ثم في الإسلام عبد الله ثم إبراهيم بالمدينة وأولاده كلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية وكلهم ماتوا قبله إلا فاطمة فإنها عاشت بعده ستة أشهر.
\\\أعمامه
كان له من العمومة أحد عشر، منهم الحرث وهو أكبر ولد عبد المطلب وبه كان يكنى ومن ولده وولد ولده جماعة لهم صحبة، وقثم هلك صغيرا وهو أخو الحرث لأمه، والزبير بن عبد المطلب وكان من أشراف قريش وابنه عبد الله بن الزبير شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا وثبت يومئذ واستشهد بأجنادين وروى أنه وجد إلى جانب سبعة قتلهم وقتلوه وضباعة بنت الزبير لها صحبة وأم الحكم بنت الزبير لها رواية، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وأخوه من الرضاعة أسلم قديما وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا ولم يكن له إلا ابنه، وأبو الفضل العباس ابن عبد المطلب أسلم وحسن إسلامه وهاجر إلى المدينة وكان أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بثلث سنين وكان له عشرة من الذكور ولم يسلم من أعمامه إلا حمزة والعباس لا غير ومن عماته صفية على الصحيح، وأبو طالب بن عبد المطلب واسمه عبد مناف وهو أخو عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من الولد طالب مات كافرا وعقيل وجعفر وعلي وأم هانئ لهم صحبة واسم أم هانئ فاختة وقيل هند وجمانة، وأبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب كناه أبوه بذلك لحسن وجهه ومن ولده عتبة ومعتب ثبتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ودرة لهم صحبة وعتيبة قتله الأسد بالزرقاء من أرض الشام على كفره بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الكعبة، وحجل واسمه المغيرة، وضرار أخو العباس لأمه، والغيداق وإنما سمي الغيداق لأنه كان أجود قريش وأكثرهم طعاما.
\\\وعماته
ست صفية، وعاتكة، وأروى، وأميمة، وبرة، وأم حكيم البيضاء، أما صفية فأسلمت وهاجرت وهي أم الزبير بن العوام وهي أخت حمزة لأمه، وأما عاتكة قيل أنها أسلمت وهي صاحبة الرؤيا في بدر وكانت عبد أبي أمية بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم فولدت له عبد الله أسلم وله صحبة وزهيرا وقريبة الكبرى، وأما أروى فإنها كانت عند عمير بن وهب بن عبد الدار ابن قصي فولدت له طليب بن عمير وكان من المهاجرين الأولين شهد بدرا وقتل بأجنادين شهيدا ولا عقب له، وأما أميمة فكانت عند جحش بن رياب فولدت له عبد الله المقتول بأحد شهيدا وأبا حمزة الأعمى الشاعر واسمه عبد وزينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبة وحمنة وكلهم له صحبة وعبيد الله بن جحش أسلم ثم تنصر ومات بالحبشة كفارا، وأما برة فإنها كانت عند عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فولدت له أبا سلمة واسمه عبد الله وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها بعد عبد الأسد أبو رهم بن عبد العزى ابن أبي قيس فولدت له أبا سبرة ابن أبي رهم، وأما أم حكيم البيضاء فإنها كانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف فولدت له أروى بنت كريز وهي أم عثمان بن عفان رضي الله عنه.
\\\أمراؤه
باذان بن ساسان بن يلابش بن الملك جاماسب بن الملك فيروز بن الملك يزدجرد ابن بهرام جور الفارسي على اليمن كلها فلما مات باذان ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها فقط، وولي المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة كندة والصدف، وولي زياد بن ولبيد البياضي الأنصاري حضرموت، وولي أبا موسى الأشعري زبيد وعدن ورمع والساحل، وولي معاذ بن جبل الجند، وعتاب بن أبي أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس مكة وإقامة الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان وهو دون العشرين سنة في سنه، وولي أبا سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس نجران، وولي يزيد بن أبي سفيان بن حرب على تيماء، وولي خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس على صنعاء بعد قتل شهر بن باذان قتل شهرا رحمه الله الأسود العنسي الكذاب، وولي أخاه عمرو بن سعيد على وادي القرى، وولي أخاهما الحكم بن سعيد على قرى عرينة وهي فدك وغيرها، وولي أخاهم أبان بن سعيد على مدينة الخط بالبحرين وهي التي تنسب إليها الرماح، وولي العلاء بن الحضرمي حليف بني سعيد بن العاص على القطيف بالبحرين، وولي عمرو بن العاص على عمان وأعمالها، وولي عثمان ابن أبي العاص الثقفي على الطايف، وولي محمئة بن جزء بن عبد يغوث بن عرفج بن عمر بن زبيد الزنيدي على الأخماس التي بحضرته قيل وهو حليف بني جمح، وولي علي بن أبي طالب على الأخماس باليمن والقضاء بها، وولي معيقب بن أبي فاطمة الدوسي حليف بني أمية بن عبد شمس على خاتمه، وولي عدي بن حاتم على صدقات بني أسد وطيء، وولي مالك بن نويرة اليربوعي على صدقات بني حنظلة، وولي قيس بن عاصم المنقري على صدقات منقر، والزبرقان بن بدر السعدي على صدقات بني سعد ابن تميم، وولي عمر بن الخطاب على بعض الصدقات أيضا، وولي ابن اللتية الأزدي على بعض الصدقات أيضا، وولي جماعة كثيرة على الصدقات أيضا لأنه كان على كل قبيلة وال يقبض صدقاتها، وولي أبا بكر الصديق أيضا رضي الله عنه على موسم سنة تسع وخليفته على ولاية الأمور كلها.
\\\رسله إلى الملوك
أرسل عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي واسمه أصحمة ومعناه عطية فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه على عينيه ونزل عن سريره وجلس على الأرض وأسلم وحسن إسلامه إلا أن إسلامه كان عند حضور جعفر ابن أبي طالب وأصحابه وروي أنه كان لا يزال النور يرى على قبره، وأرسل دحية ابن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم واسمه هرقل فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنده صحة نبوته فهم بالإسلام فلم توافقه الروم وخافهم على ملكه فأمسك، وأرسل عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس فمزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مزق الله ملكه فمزق الله ملكه وملك قومه، وأرسل حاطب بن أبي بلتعة اللخمي إلى المقوقس ملك الإسكندرية ومصر فقال خيرا وقارب الأمر ولم يسلم وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وأختها شيرين فوهبها لحسان بن ثابت الأنصاري فولدت له عبد الرحمن بن حسان، وأرسل عمرو بن العاص إلى ملكي عمان جيفر وعبد ابني الجلندي وهما من الأزد والملك جيفر فأسلما وصدقا وخليا بين عمرو والصدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل عندهم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى اليمامة إلى هوذة بن علي الحنفي فأكرمه وأنزله وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا خطيب قومي وشاعرهم فاجعل لي بعض الأمر فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم ومات زمن الفتح، وأرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى الحرث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من ارض الشام قال شجاع فإنتهيت إليه وهو بغوطة دمشق فقرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ورمى به وقال أنا ساير إليه وعزم على ذلك فمنعه قيصر، وأرسل المهاجر بن أبي أمية إلى الحرث الحميري أحد مقاولة اليمن، وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين وكتب له كتابا يدعوه إلى الإسلام فآمن وصدق، وأرسل أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل الأنصاري رضي الله عنهما إلى جملة اليمن داعيين إلى الإسلام فأسلم عامة أهل اليمن وملكوهم طوعا.
\\\مواليه
زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، وابنه أسامة بن زيد وكان يقال له الحب بن الحب، وثوبان بن بجدد وكان له نسب في اليمن، وأبو كبشة من مولدي أرض دوس شهد بدرا وأعتقه واسمه سليم وتوفى يوم إستخلف عمر، وأنيسة من مولدي السراة وأعتقه، وصالح شقران ورثه من أبيه وقيل إشتراه من عبد الرحمن بن عوف وأعتقه، ورباح أسود، ويسار نوبي، وأبو رافع واسمه أسلم وقيل إبراهيم وهبه له العباس فأعتقه حين بشره بإسلام العباس وزوجه سلمى مولاة له فولدت له عبيد الله كتب لعلي، وأبو مويهبة من مولدي مزينة وأعتقه، وفضالة مات بالشام، ورافع كان مولى لسعيد بن العاص فورثه ولده فأعتقه بعضهم وتمسك بعضهم فجاء رافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه فوهب له وكان يقول أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدعم أسود وهبه له رفاعة الجذامي قتل بوادي القرى، وكركرة نوبى أهداه له هوذة بن علي وأعتقه وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، وزيد جد هلال بن يسار بن زيد، وعبيد، وطهمان أو كيسان أو مهران أو ذكوان أو مروان، ومابور القبطي أهداه له المقوقس، وواقد وأبو واقد، وهشام، وأبو ضميرة من الفيء وأعتقه، وحنين، وأبو عسيب واسمه أحمر، وأبو عبيد، وسفينة كان لأم سلمة فأعتقته وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم حياته فقال لو لم تشترطي على ما فارقته وكان اسمه رباحا وقيل مهران، وأبو هند وأعتقه، وأنجشة الحادي، وأبو لبابة وأعتقه، هؤلاء هم المشهورون وقد عدوا أكثر من ذلك.
\\\وإماؤه
سلمى أم رافع، وبركة أم أيمن حاضنته ورثها من أبيه، ومارية، وريحانة سبية من قريظة، وميمونة بنت سعد، وخضرة ورضوى.
\\\خدمه
أنس بن مالك بن النضر الأنصاري، وهند وأسماء ابنا حارثة، وربيعة بن كعب الأسلميون، وكان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه كان إذا قام ألبسه إياهما وإذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم، وكان عقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته يقود به في الأسفار، وكان بلال بن رباح المؤذن، وكذلك عمرو بن قيس الأعمى المدعو ابن أم مكتوم، وأبو محذورة أقره مؤذنا بمكة، وسعد القرض مؤذن بالمدينة، ومن خدمه سعد مولى أبي بكر الصديق، وذو مخمر ابن أخي النجاشي ويقال ابن أخته ويقال ذو مخبر، وبكير بن شداخ الليثي، وأبو ذر الغفاري، وخطيبه ثابت بن قيس بن الشماس، وفارسه أبو قتادة الأنصاري، وكان أم أيمن دايته، وبلال بن رباح على نفقاته، وقيس بن سعد بن عبادة بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، وذؤيب بن حلحلة والد الفقيه قبيصة صاحب بدنه التي أهداها والناظر عليها، وحجمه أبو طيبة.
\\\حرسه
سعد بن معاذ يوم بدر، وذكوان بن عبد قيس ومحمد بن مسلمة بأحد، والزبير يوم الخندق، وعباد بن بشر، وسعد بن أبي وقاص وأبو أيوب بخيبر، وبلال بوادي القرى فلما نزلت والله يعصمك من الناس ترك الحرس، ووقف المغيرة بن شعبة الثقفي على رأسه بالسيف يوم الحديبية، وكان الضحاك بن سفين الكلابي سيافه، وكان عمرو بن عبسة السلمي صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وكان عياض بن حمار بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم حرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية ومعنى ذلك أن قريشا كانت من الحمس وكانت بنو مجاشع من الحلة وهما دينان من أديان العرب في الجاهلية وكان الحلي لا يطوف بالبيت إلا عريان إلا أن يعيره رجل من الحمس ثيابا يطوف فيها وكان عياض يطوف في ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعياض هذا ابن عم الأقرع بن حابس بن عقال لحا.
\\\كتابه
كتب له عليه السلام أبو بكر وعمرو عثمان وعلي الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن الأرقم، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن الشماس، وخالد بن سعيد، وحنظلة بن الربيع، وزيد بن ثابت الأنصاري من بني النجار، ومعاوية ويزيد أخوه ابن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة وكان معاوية وزيد بن ثابت دون هؤلاء يلازمون الكتابة بين يديه في الوحي وغيره لا عمل لهما سواه.
وكان علي والزبير ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح والمقداد يضربون الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم.
\\\النجباء من أصحابه
أبو بكر وعمر وعلي وحمزة وجعفر وأبو ذر والمقداد وسلمان وحذيفة وابن مسعود وعمار وبلال.
\\\العشرة المشهود لهم بالجنة
هم الخلفاء الأربعة، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنهم.
\\\الذين أشبهوه
الحسن بن علي بن أبي طالب، وعمه جعفر بن أبي طالب، وقثم بن العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، والسايب بن عبيد جد الشافعي، وقد جمعهم الشيخ الإمام فتح الدين ابن سيد الناس اليعمري أنشدني من لفظه لنفسه.
وشبهه صلى الله عليه وسلم مقتسم بني الحسن والحسين فالأعلى للحسن والأسفل للحسين، وممن أشبهه مسلم بن معتب، وكابس بن ربيعة السامي.
\\\دوابه
من الخيل عشرة على خلاف في ذلك بزيادة ونقص، وهي السكب وكان عليه يوم أحد وكان أغر محجلا طلق اليمين وهو أول فرس غزا عليه إشتراه من أعرابي من بني فزارة بعشر أواق، والمرتجز وهو الذي شهد به له خزيمة بن ثابت، ولزاز وهو الذي أهداه إليه المقوقس، واللحيف وهو الذي أهداه له ربيعة بن أبي البراء، والظرب وهو الذي أهداه فروة الجذامي، والورد وهو الذي أهداه له تميم الداري، والضرس وملاوح وسبحة اشتراه من تجار من اليمن فسبق عليه ثلث مرات فمسح عليه السلام وجهه وقال ما أنت إلا بحر وقد جمع من أسماء خيله صلى الله عليه وسلم في أبيات من قصيدة يمدحه بها الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن سيد الناس اليعمري أنشدني لنفسه قراءة مني عليه
ومن البغال ثلثة وهي الدلدل التي أهداها له المقوقس وهي أول بغلة ركبت في الإسلام وعاشت بعده إلى أن زالت أسنانها وكان يجش لها الشعير، وفضة أتهبها من أبي بكر، والأيلية أهداها له ملك أيلة، وكان له حمار يقال له عفير وقيل يعفور وهو الأشهر، وأما النعم فلم ينقل أنه إقتنى من البقر شيئا، وكان له بالغابة عشرون لقحة يراح إليه كل ليلة بقربتين عظيمتين من لبن وكان فيها لقاح غزر الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبعوم واليسوم والزباء وكانت له لقحة تسمى بردة أهداها له الضحاك بن سفيان كانت تحلب كما تحلب لقحتان غزيرتان وكانت له مهرة أرسل بها سعد بن عبدة من نعم بني عقيل، والشقراء والعضباء ابتاعها أبو بكر من نعم بني الحريش والقصواء وهي التي هاجر عليها إلى المدينة وكانت إذ ذاك رباعية وكان لا يحمله إذا نزل عليه الوحي غيرها، والجدعاء وهي التي سبقت فشق على المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم إن حقا على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه وقيل المسبوق غيرها، وكان له من الغنم مائة وكان له منايح سبغ من غنم عجرة وزمزم وسقيا وبركة وورسة والطلال وأطراف وكان له شاة يختص بشرب لبنها تدعى غيثة، وكان له ديك أبيض.
\\\سلاحه
تسعة أسياف ذو الفقار تنفله يوم بدر من بني الحجاج السهميين ورأى في النوم في ذبابه ثلمة فأولها هزيمة وكانت يوم أحد، وأصاب من سلاح بني قينقاع ثلثة أسياف سيف قلعى بفتح اللام وسيف يدعى بتارا وسيف يدعى الحتف وكان له المخذم والرسوب أصابهما من الفلس وهو صنم لطي وآخر ورثه من أبيه والعضب أعطاه إياه سعد بن عبادة والقضيب وهو أول سيف تقلد به صلى الله عليه وسلم، وقال أنس بن مالك كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة وقبيعته فضة وما بين ذلك حلق فضة، وأربعة رماح المتثني وثلثة من بني قينقاع وعنزة تحمل بين يديه في العيدين ومحجن قدر الذراع ومخصرة تسمى العرجون وقضيب يسمى الممشوق، وأربعة قسي قويس اسمها الروجاء وقوس شوحط وقوس صفراء يدعى الصفراء وجعبة وترس كان فيه تمثال عقاب أهدي له فوضع يده على العقاب فذهب وقيل تمثال رأس كبش فكره مكانه فأصبح وقد أذهبه الله عز وجل، ودرعان من سلاح بني قينقاع درع يقال له السعدية ودرع يقال لها فضة ودرع يسمى ذات الفضول لبسها يوم حنين ولبس يوم خيبر ذات الفضول وفضة، ومغفر يقال له السبوع ولواء أبيض، ومنطقة من أديم مبشور فيها ثلث حلق فضة والإبزيم فضة والطرف فضة، ومن القصيدة التائية التي للشيخ فتح الدين محمد ابن سيد الناس المذكورة آنفا أبيات فيها أيضا ذكر شيء من أسماء سلاحه وهي:
واتخذ صلى الله عليه وسلم خاتم ذهب ثم رماه وتبرأ منه واتخذ خاتم فضة فصه منه نقشه محمد رسول الله في ثلثة أسطر قيل أنه كان حديدا ملويا بفضة كان يحبسه في خنصره في يساره وربما في يمينه يجعل فصه إلى باطن كفه ونهى أن ينقش أحد على نقشه كما نهى أن يكتنى أحد بكنيته ولم يزل الخاتم في يده إلى أن مات ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان فلما كان في السنة السادسة من خلافته سقط في بير أريس فنزحت البير وأخرج منها أكوام طين فلم يوجد الخاتم.
\\\أثوابه وأثاثه
ترك صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبي حبرة وأزارا وعمامة وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وآخر سحوليا وجبة يمنة وخميصة وكساء أبيض وقلانس صغارا لاطية ثلثا أو أربعا وملحفة مورسة وكانت له ربعة فيها مرآة ومشط عاج ومكحلة ومقراض وسواك، وكان له فراش من أدم حشوه ليف، وقدح مضبب بفضة في ثلثة مواضع وقدح آخر وتور من حجارة ومخضب من شبه تعمل فيه الحناء والكتم ويوضع على رأسه إذا وجد فيه حرارة وقدح زجاج ومغتسل من صفر وقصعة وصاع يخرج به زكاة الفطر ومد وسرير وقطيفة، وأهدى له النجاشي خفين ساذجين فلبسهما وكان له كساء أسود وعمامة يقال لها السحاب فوهبها عليا فكان ربما قال إذا رآه مقبلا وهي عليه أتاكم علي في السحاب وله ثوبان للجمعة غير ثيابه التي يلبسها في سائر الأيام ومنديل يمسح به وجهه من الوضوء.
ومدحه بالشعر جماعة من رجال الصحابة ونسائهم جمعهم الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس اليعمري في قصيدة ميمية ثم شرحها في مجلدة سماها منح المدح ورتبهم على حروف المعجم فأربى في هذا الجمع على الحافظ ابن عبد البر لأنه ذكر منهم ما يقارب الماية والعشرين أو ما يزيد على ذلك والشيخ فتح الدين قارب بهم الماتين ولا أعلم أحدا حصل من الصحابة الذين مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم هذا القدر وقد كتبت هذا المصنف بخطي وسمعت من لفظه ما يقارب نصفه وأجازني البقية، وأما شعراؤه الذين كانوا بصدد المناضلة عنه والهجاء لكفار قريش فإنهم ثلاثة حسان بن ثابت الأنصاري وعبد الله بن رواحة الأنصاري وكعب بن مالك الأنصاري، وكان حسان يقبل بالهجو على أنسابهم وعبد الله بن رواحة يعتريهم بالكفر وكعب بن مالك يخوفهم الحرب فكانوا لا يبالون قبل الإسلام بأهاجي ابن رواحة ويألمون من أهاجي حسان فلما دخل من دخل منهم الإسلام وجد ألم أهاجي ابن رواحة أشد وأشق، ومن أشهر الصحابة بالمدح له كعب بن زهير بن أبي سلمى السعدي وقصيدته بانت سعاد مشهورة وما من شاعر في الغالب جاء بعده ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد نظم في وزنها ورويها ولله القاضي محي الدين عبد الله ابن الظاهر حيث يقول:
وقلت أنا أمدحه بقصيدة متيمنا بوجهه الأغر وكعبه المبارك راجيا أن أحشر في زمرة من مدحه فأولاه بره يوم القيامة ومنحه وهي:
تمت القصيدة وبتمامها تمت الترجمة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 0

محمد رسول الله ترجمة كبيرة

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 1- ص: 142

محمد رسول الله

لم يختلف أهل العلم بالأنساب والأخبار وسائر العلماء بالأمصار أنه صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا ما لم يختلف فيه أحد من الناس، وقد روي من أخبار الآحاد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نسب نفسه كذلك إلى نزار بن معد بن عدنان، وما ذكرنا من إجماع أهل السير وأهل العلم بالأثر يغنى عما سواه. واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وفيما بين إبراهيم وسام بن نوح بما لم أر لذكره هاهنا وجها، لكثرة الاضطراب فيه، وأنه لا يوقف منه على شيء متتابع متفق عليه، وهم مع اختلافهم واضطرابهم مجمعون، على أن نزارا بأسرها، وهي ربيعة ومضر هي الصريح الصحيح من ولد إسماعيل على ما ذكرنا في (كتاب القبائل من الرواة) عنه صلى الله عليه وسلم، وهناك ذكرنا أصح ما قيل في نسبة إلى آدم صلى الله عليه وآله وسلم وقال أبو الأسود محمد ابن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما ننتسب إلى معد، وما بعد معد لا ندري ما هو. وقال ابن جريج عن القاسم ابن أبي بزة، عن عكرمة: أضلت نزار نسبها من عدنان وقال خليفة بن خياط عن ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس: بين معد بن عدنان إلى إسماعيل ثلاثون أبا. وليس هذا الإسناد مما يقطع بصحته، ولكنه عمن علم الأنساب صنعته.

فأما عشيرته صلى الله عليه وآله وسلم ورهطه وبطنه الذي يتميز به من سائر بطون قريش وهاشم فقد ذكرنا بالأسانيد الحسان والطرق الصحاح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، وقد ذكرنا في (كتاب الإنباة على القبائل الرواة) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مضاف إلى هذا الكتاب، والحمد لله. واسم هاشم عمرو، وإنما قيل له هاشم، لأنه أول من هشم الثريد لقومه فيما زعموا، واسم قصي زيد، هذا هو الأكثر. وقد قيل يزيد، وإنما قيل له قصي، لأنه تقصى مع أمه وهي فاطمة بنت سعد من بنى عذرة، ونشأ مع أخواله من كلب في باديتهم، وبعد في مغيبة ذلك عن مكة: فسمي بذلك قصيا والله أعلم. وكان يدعى مجمعا، لأنه جمع قبائل قريش بمكة في حين انصرافه إليها، وقد ذكرنا ذلك في صدر كتاب (القبائل). وقد قيل اسم عبد مناف المغيرة، ويكنى أبا عبد شمس. وأما عبد المطلب فقيل أسمه عامر، ولا يصح والله أعلم. وقيل: اسمه شيبة، وقيل بل اسمه عبد المطلب. وكان يقال له شيبة الحمد لشيبة كانت في ذؤابته ظاهرة.

ومن قال اسمه شيبة قال: إنما قيل له عبد المطلب، لأن أباه هاشما قال لأخيه المطلب، وهو بمكة حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك المطلب بيثرب، فمن هناك سمي عبد المطلب، ولا يختلفون أنه يكنى أبا الحارث، بابنه الحارث، وكان أكبر ولده. وأمه سلمى بنت زيد، وقبل بنت عمرو بن زيد من بنى عدي بن النجار، ويقال: إنه أول من خضب بالسواد.

أخبرنا خلف بن قاسم، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي، قال: أخبرنا أبو العباس محمد ابن إسحاق ابن إبراهيم السراج، قال: أخبرنا عبيد الله بن سعد الزهري، قال أخبرنا أحمد بن محمد بن حنبل، قال: سمعت الشافعي يقول: اسم عبد المطلب شيبة بن هاشم. وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف، وعبد مناف اسمه المغيرة بن قصي وقصي اسمه زيد ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. قال: وسمعت الشافعي يقول: أبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب.

قال أبو عمر: أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، قرشية زهرية، تزوجها عبد الله ابن عبد المطلب، وهو ابن ثلاثين سنة، وقيل: بل كان يومئذ ابن خمس وعشرين سنة، خرج به أبوه عبد المطلب إلى وهب بن عبد مناف فزوجه ابنته. وقيل: كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فأتاه عبد المطلب، فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه، وخطب على ابنه عبد الله آمنة بنت وهب، فزوجه وزوج ابنه في مجلس واحد، فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وولدت هالة لعبد المطلب حمزة، فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحمزة ثويبة جارية أبي لهب، وأرضعت معهما أبا سلمة الأسدي، فكان رسول الله صلى الله عليه آله وسلم يكرم ثويبة، وكانت تدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن تزوج خديجة، وكانت خديجة تكرمها، وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر، فبلغت وفاتها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسأل عن ابنها مسروح وبلبنه أرضعته، فقيل له: قد مات، فسأل عن قرابتها فقيل له: لم يبق منهم أحد.

حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن مسهر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريد على ابنة حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة، وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن بن عباس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تتزوج ابنة حمزة؟ قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة. حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك: أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله، إنا قد حدثنا أنك ناكح درة بنت أبي سلمة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعلى أم سلمة؟ لو أني لم أنكح أم سلمة لم تحل لي. إن أباها أخي من الرضاعة. ثم استرضع له صلى الله عليه وآله وسلم في بني سعد بن بكر، حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وردته ظئره حليمة إلى أمه آمنة بنت وهب بعد خمس سنين ويومين من مولده، وذلك سنة ست من عام الفيل، فأخرجته آمنة إلى أخوال أبيه بني النجار تزورهم به بعد سبع سنين من عام الفيل، ووفيت أمه آمنة بعد ذلك بشهر بالأبواء ومعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقدمت به أم أيمن مكة بعد موت أمه بخمسة أيام، وسنذكر خبر حليمة وخير أم أيمن من بابهما في كتاب النساء في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

وقال الزبير: حملت به أمه صلى الله عليه وآله وسلم في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى، وولد صلى الله عليه وآله وسلم بمكة في الدار التي كانت تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وقيل: بل ولد يوم الاثنين في ربيع الأول لليلتين خلتا منه. قال أبو عمر: وقد قيل لثمان خلون منه.

وقيل. إنه ولد أول اثنين من ربيع الأول، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل، إذ ساقه الحبشة إلى مكة في جيشهم يغزون البيت، فردهم الله عنه، وأرسل عليهم طيرا أبابيل فأهلكتهم.

وقيل أنه ولد في شعب بني هاشم، ولا خلاف أنه ولد عام الفيل: يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفيل. وهذا يحتمل أن يكون أراد اليوم الذي حبس الله الفيل فيه عن وطء البيت الحرام، وأهلك الذين جاءوا به. ويحتمل أن يكون أراد بقوله يوم الفيل عام الفيل. وقيل: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قدوم الفيل بشهر. وقيل: بأربعين يوما. وقيل بخمسين.

يوما. فأما الخوارزمي محمد بن موسى فقال: كان قدوم الفيل مكة وأصحابه لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم. وقد قال ذلك غير الخوارزمي أيضا، وزاد يوم الأحد قال: وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة.

قال الخوارزمي وولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك بخمسين يوما، يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وذلك يوم عشرين من نيسان. قال: وبعث نبيا يوم الاثنين لثمان أيضا من ربيع الأول، وذلك سنة إحدى وأربعين عام الفيل، فكان من مولده صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن بعثه الله تعالى أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوما، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من أول عام الفيل.

أخبرنا محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: ولد نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين، وحرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وكانت بدر يوم الاثنين صلى الله عليه وآله وسلم وشرف وكرم.

قال أبو عمر رضي الله عنه: الأكثر على أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة صبيحة سبع شرة من شهر رمضان، وما رأيت أحدا ذكر أنها كانت يوم الاثنين إلا في هذا الخبر من رواية ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش، ولا حجة في مثل هذا الإسناد عند جميعهم، إذا خالفه من هو أكثر منه.

قال الخوارزمي: وقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة مهاجرا يوم الاثنين، وهو اليوم الثامن من ربيع الأول سنة أربع وخمسين من عام الفيل، وهي سنة إحدى من الهجرة، يوم عشرين من أيلول فكان مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم هاجر ودخل المدينة ثلاث عشرة سنة كاملة، ومكث بالمدينة عشر سنين وشهرين إلى أن مات، وذلك يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول سنة أربع وستين من عام الفيل، ومن الهجرة سنة إحدى عشرة، وهذا كله قول الخوارزمي، وهذا الذي قال هو معنى قول ابن عباس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة، يعنى بعد المبعث، وبالمدينة عشر سنين، ويشهد بصحة ذلك قول أبي قيس صرمة بن قيس الأنصاري:

وروينا هذه الأبيات من طرق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهذا أكمل الروايات فيها.

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثنا أبي، قال حدثنا أحمد بن خالد، قال حدثنا قاسم بن محمد إملاء، قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال حدثنا سفيان بن عيينة، قال سمعت عمرو بن دينار، قال قلت لعروة بن الزبير: كم لبث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة؟ قال: عشر سنين.

فقلت: إن ابن عباس يقول: لبث بمكة بضع عشرة سنة. فقال: إنما أخذه من قول الشاعر.

قال سفيان بن عيينة: وأخبرنا يحيى بن سعيد قال: سمعت عجوزا من الأنصار يقول: رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس يتعلم منه هذه الأبيات:

فذكر الأبيات كما ذكرتها سواء إلى آخرها.

قال أبو عمر: ومات أبوه عبد الله بن عبد المطلب وأمه حامل به. وقيل: بل توفي أبوه بالمدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن ثمانية وعشرين شهرا، وقبره بالمدينة في دار من دور بنى عدي بن النجار، وكان خرج إلى المدينة يمتار تمرا. وقيل: بل خرج به إلى أخواله زائرا وهو ابن سبعة أشهر.

وقيل: بل توفي أبوه وهو ابن شهرين، فكفله جده عبد المطلب. وفي خبر سيف بن ذي يزن: مات أبوه وأمه فكفله جده وعمه. وقد قيل: إن عبد الله ابن عبد المطلب توفي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن ثمانية وعشرين شهرا.

وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار له تمرا من يثرب، فمات بها، وكانت وفاته وهو شاب عند أخواله بنى النجار بالمدينة، ولم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة، وهو ابن ست سنين.

وقيل: ابن سبع سنين. وقال محمد بن حبيب في كتاب المحبر: توفيت أمه صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمان سنين. فال: وتوفى جده عبد المطلب بعد ذلك بسنة وأحد عشر شهرا، سنة تسع من أول عام الفيل.

وقيل: إنه توفي جده عبد المطلب، وهو ابن ثمان سنين. وقيل: بل توفي جده وهو ابن ثلاث سنين، فأوصى به إلى أبي طالب فصار في حجر عمه أبي طالب حتى بلغ خمس عشرة سنة، وكان أبو طالب يحبه، ثم انفرد بنفسه، وكان مائلا إلى عمه أبي طالب لو جاهته في بني هاشم وسنه، وكان مع ذلك شقيق أبيه، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه في تجارة إلى الشام سنة ثلاث عشرة من عام الفيل، فرآه بحيرا الراهب، فقال: احتفظوا به فإنه نبي.

وشهد بعد ذلك بثمان سنين يوم الفجار سنة إحدى وعشرين، وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد، فرآه نسطور الراهب وقد أظلته غمامة فقال: هذا نبي، وذلك سنة خمس وعشرين. وتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما، في عقب صفر سنة ست وعشرين، وذلك بعد خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام من يوم الفيل، وقال الزهري: كانت سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة.

وقال أبو بكر بن عثمان وغيره: كان يومئذ ابن ثلاثين سنة. قالوا: وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة.

وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه في وضع الحجر بعد ذلك بعشر سنين، وذلك سنة ثلاث وثلاثين.

قال أبو عمر رضي الله عنه: لو صح هذا لكانت سن خديجة يوم تزوجها خمسا وأربعين سنة. وقال محمد بن جبير بن مطعم: بنيت الكعبة على رأس خمس وعشرين سنة من عام الفيل. وقيل: بل كان بين بنيان الكعبة وبين مبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين، ثم نباه الله تعالى وهو ابن أربعين سنة، وكان أول يوم أوحى الله تعالى إليه فيه يوم الاثنين، فأسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره ثلاث سنين أو نحوها، ثم أمره الله تعالى بإظهار دينه والدعاء إليه، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه. وقال الشعبي: أخبرت أن إسرافيل تراءى له ثلاث سنين.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأربعين، ووكل به إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين، ثم وكل به جبرائيل عليه السلام.

قال: وأخبرنا أحمد بن حنبل، قال حدثنا هشيم، قال حدثنا داود ابن أبي هند عن الشعبي، قال: نبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثله.

قال: ثم بعث إليه جبريل عليه السلام بالرسالة.

قال: وأخبرنا أحمد بن حنبل، قال حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي، قال: نزلت عليه النبوة، وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة.

وقيل: كان مبعثه صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وشهرين وعشرة أيام. وقيل: بل كان مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم لتمام أربعين سنة من مولده يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة أربعين، وممن قال: إنه عليه السلام نبي وهو ابن أربعين سنة عبد الله بن عباس، ومحمد بن جبير بن مطعم، وقباث بن أشيم، وعطاء، وسعيد

ابن المسيب، وأنس بن مالك، وهو الصحيح عند أهل السير وأهل العلم بالأثر، فلما دعا قومه إلى دين الله نابذوه، فأجاره عمه أبو طالب، ومنع منه قريشا لأنهم أرادوا قتله لما دعاهم إليه من ترك ما كانوا عليه هم وآباؤهم، ومفارقته لهم في دينه، وتسفيه أحلامهم في عبادة أصنام لا تبصر ولا تسمع، ولا تضر ولا تنفع، فلم يزل في جوار عمه أبي طالب إلى أن توفي أبو طالب، وذلك في النصف من شوال في السنة الثامنة. وقيل: العاشرة من مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحصرت قريش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته بني هاشم ومعهم بنو المطلب في الشعب بعد المبعث بست سنين، فمكثوا في ذلك الحصار ثلاث سنين، وخرجوا منه في أول سنة خمسين من عام الفيل.

وتوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام.

وقد قيل غير ذلك، وولد عبد الله بن عباس رضي الله عنه في الشعب قبل خروج بني هاشم منه. وقيل: إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان أبو طالب قد أسلم ابنه عليا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس عمه - وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا لنخفف عنه من عياله. فقال: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقال له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى يكشف الله عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ابتعثه الله نبيا، وحتى زوجه من ابنته فاطمة على جميعهم الصلاة والسلام.

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، على اختلاف في ذلك قد ذكرناه.

وكان موتها بعد موت عمه أبي طالب بأيام يسيرة. قيل: ثلاثة أيام.

وقيل: سبعة. وقيل: كان بين موت أبي طالب وموت خديجة شهر وخمسة أيام. وتوفي أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة وتوفيت خديجة وهي ابنة خمس وستين سنة، فكانت مصيبتان توالتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوفاة عمه أبي طالب ووفاة خديجة رضي الله عنها. وقيل: توفيت خديجة بعد ما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأربع وعشرين سنة وستة أشهر وأربعة أيام قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف شهر.

وفي عام وفاة خديجة تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سودة وعائشة، ولم يتزوج على خديجة حتى ماتت رضي الله عنها. وكانت وفاة أبي طالب وخديجة قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل: بسنة. وقيل: كانت وفاتهما سنة عشر من المبعث في أولها، والله أعلم.

حدثنا أحمد بن محمد، قال حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا محمد بن جرير، قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، وأخبرنا خلف بن قاسم، قال حدثنا محمد بن القاسم بن معروف، قال حدثنا أحمد بن علي بن المثنى، قال حدثنا يحيى ابن معين، قال حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه. ولفظهما والمعنى سواء. قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل بن هشام وعبد الله ابن أبي أمية فقال: يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله.

فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية. يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب! فلم يزالا به حتى كان آخر شيء تكلم به على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك. فنزلت {: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم}.. إلى آخر الآية. ونزلت: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.. الآية. قال ابن شهاب: قال عروة بن الزبير: ما زالوا - يعني قريشا - كافين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب. ولم تمت خديجة فيما ذكر ابن إسحاق وغيره إلا بعد الإسراء، وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر: قال ابن إسحاق وغيره: لما توفى أبو طالب وتوفيت بعده خديجة بأيام يسيرة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة، وطلب منهم المنعة، فأقام عندهم شهرا ولم يجد فيهم خيرا، ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي. قيل: كان ذلك سنة إحدى وخمسين من عام الفيل، وفيها قدم عليه جن نصيبين بعد ثلاثة أشهر فاسلموا.

وأسرى به إلى بيت المقدس بعد سنة ونصف من حين رجوعه إلى مكة من الطائف سنة اثنتين وخمسين، وقد ذكرنا الاختلاف في تاريخ الإسراء في كتاب (التمهيد) عند ذكر فرض الصلاة والحمد لله.

 قال ابن شهاب عن ابن المسيب: عرج به صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس وإلى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وقال غيره: كان بين الإسراء إلى اليوم الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وشهران، وذلك سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل.

قال أبو عمر: قال ابن إسحاق وغيره: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بمكة إلى أن أذن الله له بالهجرة داعيا إلى الله صابرا على أذى قريش وتكذيبهم له إلا من دخل في دين الله منهم، واتبعه على ما جاء به ممن هاجر إلى أرض الحبشة فارا بدينه، ومن بقي معه بمكة في منعة من قومه، حتى أذن له الله بالهجرة إلى المدينة، وذلك بعد أن بايعه وجوه الأوس والخزرج بالعقبة على أن يؤووه وينصروه، حتى يبلغ عن الله رسالته، ويقاتل من عانده وخالفه، فهاجر إلى المدينة، وكان رفيقه إليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يرافق غيره من أصحابه، وكان يخدمهما في ذلك السفر عامر بن فهيرة، وكان مكثه بمكة بعد أن بعثه الله عز وجل ثلاث عشرة سنة. وقيل: عشر سنين. وقيل: خمس عشرة سنة، والأول أكثر وأشهر عند أهل السير.

ثم أذن الله له في الهجرة إلى المدينة يوم الاثنين، فخرج معه أبو بكر إليها، وكانت هجرة إلى المدينة في ربيع الأول، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وقدم المدينة يوم الاثنين قريبا من نصف النهار في الضحى الأعلى لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. هذا قول ابن إسحاق. وقال ابن إسحاق وغيره: كانت بيعة العقبة حين بايعته الأنصار في أوسط أيام التشريق في ذي الحجة، وكان مخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بعد العقبة بشهرين وليال، وخرج لهلال ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت منه.

قال أبو عمر: قد روى عن ابن شهاب أنه قدم المدينة لهلال ربيع الأول.

وقال عبد الرحمن بن المغيرة: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى. وقال الكلبي: خرج من الغار ليلة الاثنين أول يوم من ربيع الأول، وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت منه.

قال أبو عمر: وهو قول ابن إسحاق إلا في تسمية اليوم فإن ابن إسحاق يقول: يوم الاثنين والكلبي يقول: يوم الجمعة، واتفقا لاثنتي عشرة ليلة خلت

من ربيع الأول. وغيرهما يقول لثمان خلت منه، فالاختلاف أيضا في تاريخ قدومه المدينة كما ترى.

قال ابن إسحاق، فنزل علي أبي قيس كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس أحد بني عمرو بن عوف، فأقام عنده أربعة أيام. وقيل: بل كان نزوله في بنى عمرو ابن عوف على سعد بن خيثمة، والأول أكثر. فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، وخرج من بني عمرو بن عوف منتقلا إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم فصلاها في بطن الوادي، ثم ارتحل إلى المدينة فنزل على أبي أيوب الأنصاري، فلم يزل عنده حتى بنى مسجده في تلك السنة، وبنى مساكنه، ثم انتقل، وذلك في السنة الأولى من هجرته.

وقال غير ابن إسحاق: نزل في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين إلى يوم الجمعة، ثم خرج من عندهم غداة يوم الجمعة على راحلته معه الناس، حتى مر ببني سالم لوقت الجمعة، فجمع بهم، وهي أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم ركب لا يحرك راحلته، وهو يقول: دعوها فإنها مأمورة.

فمشت حتى بركت في موضع مسجده الذي أنزله الله به في بني النجار، فنزل عشية الجمعة سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل. ومن مقدمة المدينة أرخ التاريخ في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه تلك السنة. وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد ذلك بخمسة أشهر، وبعث عمه حمزة في جمادى الأولى، فكان أول من غرا في سبيل

الله، وأول من عقدت له راية في الإسلام، خرج في ثلاثين راكبا إلى سيف البحر، فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثمائة من قريش، فحجز بينهم رجل من جهينة، فافترقوا من غير قتال، ثم بعث عبيدة بن الحارث في خمسين راكبا يعارض عيرا لقريش، فلقوا جمعا كثيرا فتراموا بالنبل، ولم يكن بينهم مسايفة.

وقيل: إن سرية عبيدة كانت قبل سرية حمزة، وفيها رمى سعد، وكان أول سهم رمي به في سبيل الله. وقيل: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن جحش، والأول أصح، والله أعلم.

والأكثر على أن سرية عبد الله بن جحش كانت في سنة اثنتين في غرة رجب إلى نخلة، وفيها قتل ابن الحضرمي لليلة بقيت من جمادى الآخرة. ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل الكفر من العرب. وبعث إليهم السرايا، وكانت غزواته بنفسه ستا وعشرين غزوة، هذا أكثر ما قيل في ذلك.

وكانت أشرف غزواته وأعظمها حرمة عند الله وعند رسوله وعند المسلمين غزوة بدر الكبرى، حيث قتل الله صناديد قريش، وأظهر دينه وأعزه الله من يومئذ، وكانت بدر في السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة من رمضان صبيحة يوم الجمعة، وليس في غزواته ما يعدل بها في الفضل، ويقرب منها إلا غزوة الحديبية، حيث كانت بيعة الرضوان، وذلك سنة ست من الهجرة، وكانت بعوثه وسراياه خمسا وثلاثين من بين بعث وسرية.

قال أحمد بن حنبل وغيره عن وكيع عن أبيه، وإسرائيل عن أبي إسحاق قال: سألت زيد بن أرقم: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال: تسع عشرة غزوة، وغزوت معه سبع عشرة، وسبقني بغزوتين.

واعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عمر. وفي قول من جعله قارنا في حجة أربع عمر. وقد بينا ذلك في كتاب «التمهيد».

وافترض عليه الحج بالمدينة، وكذلك سائر الفرائض فيما أمر به أو حرم عليه إلا الصلاة فإنها افترضت عليه حين أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وذلك بمكة، ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة غير حجته الواحدة، حجة الوداع، وذلك سنة عشر من الهجرة.

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عددا كثيرا من النساء، خص بذلك دون أمته بجمع أكثر من أربع، وأحل له فيهن ما شاء، فالمجمع عليه من أزواجه إحدى عشرة امرأة وهن: خديجة بنت خويلد، أول زوجة كانت له، لم يجمع قط معها غيرها، وسنذكر أخبارها ونسبها وولدها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكثيرا من فضائلها وخبرها في بابها من كتاب النساء من هذا الديوان، وكذلك نذكر كل واحدة منهن في موضع اسمها من ذلك الكتاب إن شاء الله تعالى.

ثم سودة بنت زمعة بن قيس. من بني عامر بن لؤي، تزوجها في قول الزهري قبل عائشة رضي الله عنها بمكة، وبنى بما بمكة في سنة عشر من النبوة.

وعائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما تزوجها بمكة قبل سودة، وقيل بعد سودة، وأجمعوا على أنه لم يبن بها إلا في المدينة. قيل سنة

هاجر، وقيل سنة اثنتين من الهجرة في شوال، وهي ابنة تسع سنين، وكانت في حين عقد عليها بنت ست سنين. وقيل بنت سبع سنين.

وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. تزوجها سنة ثلاث في شعبان.

وزينب بنت خزيمة. وهي من بني عامر بن صعصعه، وكان يقال لها أم المساكين، تزوجها سنة ثلاث، فكانت عنده شهرين أو ثلاثة، وتوفيت، ولم يمت أحد من أزواجه في حياته غيرها وغير خديجة قبلها.

وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، واسمها هند، تزوجها سنة أربع في شوال.

وزينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة، تزوجها في سنة خمس من الهجرة في قول قتادة، وخالفه غيره على ما نذكره في بابها من كتاب النساء.

وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، واسمها رملة، تزوجها سنة ست، وبنى بها سنة سبع، زوجه إياها النجاشي. واختلف فيمن عقد عليها على ما يأتي به الخبر عند ذكرها في بابها من كتاب النساء إن شاء الله تعالى.

وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق، كانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس، وذلك في سنة ست. وقيل سنة خمس، وهو الأكثر

والصواب: فكاتبها فأذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابتها وتزوجها.

وميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، من بني هلال بن عامر بن صعصعه، نكحها سنة سبع في عمرة القضاء. على حسب ما ذكرناه في بابها من كتاب النساء.

وصفية بنت حيي بن أخطب اليهودي، وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه بأرؤس اختلفوا في عددها، وأعتقها وتزوجها، وذلك سنة سبع.

فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يختلف فيهن، وهن إحدى عشرة امرأة، منهن ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون، وأربع من سائر العرب. وتوفي في حياته منهن اثنتان خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وزينب بنت خزيمة بالمدينة، وتخلف منهن تسع بعده صلى الله عليه وسلم.

وأما اللواتي أختلف فيهن ممن ابتنى بها وفارقها أو عقد عليها، ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يتم له العقد منها، فقد اختلف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافا كثيرا يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن، وقد ذكرنا جميعهن كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء من كتابنا هذا، والحمد لله وحده.

ثم بدأ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرصه الذي مات منه

يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بنت ميمونة، ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة. وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد ولد يوم الاثنين، ونبي يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين ضحى في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، ودفن صلى الله عليه وآله وسلم يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس. وقيل: بل دفن صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الأربعاء.

ذكر ابن إسحاق قال: حدثتني فاطمة بنت محمد عن عمرة عن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء، وصلى عليه علي والعباس رضي الله عنهما وبنو هاشم، ثم خرجوا، ثم دخل المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الناس يصلون عليه أفذاذا، لا يؤمهم أحد، ثم النساء والغلمان.

وقد أكثر الناس في ذكر من أدخله قبره وفي هيئة كفنه وفي صفة خلقه وخلقه وغزواته وسيره مما لا سبيل في كتابنا هذا إلى ذكره. وإنما أجرينا من ذكره صلى الله عليه وآله وسلم هاهنا لمعا يحسن الوقوف عليها والمذاكرة بها، تبركا بذكره في أول الكتاب، والله الموفق للصواب.

وأصح ذلك أنه نزل في قبره العباس عمه، وعلي رضي الله عنهما معه، وقشم بن العباس، والفضل بن العباس، ويقال: كان أوس بن خولي وأسامة بن زيد معهم، وكان آخرهم خروجا من القبر قثم بن العباس، وكان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذكر ذلك ابن عباس وغيره. وهو الصحيح. وقد ذكر عن المغيرة بن شعبة في ذلك خبر لا يصح أنكره أهل العلم ودفعوه. وألحد له صلى الله عليه وآله وسلم وبنى في قبره اللبن، يقال تسع لبنات، وطرح في قبره سمل قطيفة كان يلبسها، فلما فرغوا من وضع اللبن أخرجوها وأهالوا التراب على لحده، وجعل قبره مسطوحا ورش عليه الماء رشا.

حدثنا سعيد بن نصر، قال حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا محمد بن وضاح، قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة بن قدامة عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما صدق نبي ما صدقت، وإن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد. وأما فضائله وأعلام نبوته فقد وضع فيها جماعة من العلماء، وجمع كل منها ما انتهت إليه روايته ومطالعته، وهي أكثر من أن تحصى. ومما رثي به صلى الله عليه وآله وسلم قول صفية عمته. قال الزبير: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: حدثني أبي عبد الله بن مصعب، قال: رويت عن هشام بن عروة لصفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

وكان له صلى الله عليه وسلم أسماء وصفات جاءت عنه في أحاديث شتى بأسانيد حسان. قال: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الذي ختم الله بي النبوة، وأنا العاقب فليس بعدي نبي، وأنا المقفى بعد الأنبياء كلهم، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، ويروى الملاحم. جاء هذا كله عنه في آثار شتى من وجوه صحاح، وطرق حسان، وكان يكنى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، لا خلاف في ذلك. حدثنا يعيش بن سعيد وسعيد بن نصر، قالا: حدثنا قاسم بن صبغ، قال: حدثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم، حدثنا أبو يعقوب الحنينى عن داود بن قيس، عن موسى بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، فإني أنا أبو القاسم. وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الختني قال: حدثنا محمد بن يسار قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي فإنما أنا أبو القاسم، الله يعطي، وأنا أقسم. وأما ولده صلى الله عليه وآله وسلم فكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، وولده من خديجة أربع بنات لا خلاف في ذلك، أكبر هن زينب بلا خلاف وبعدها أم كلثوم، وقيل بل رقية، وهو الأولى والأصح، لأن رقية تزوجها عثمان قبل، ومعها هاجر إلى أرض الحبشة، ثم تزوج بعدها، وبعد وقعة بدر أم كلثوم، وسيأتي ذكر كل واحدة منهن في بابها من كتاب النساء في هذا الديوان إن شاء الله تعالى. وقد قيل: إن رقية أصغرهن، والأكثر والصحيح أن أصغر هن فاطمة رضي الله عنها وعن جميعهن.

واختلف في الذكور، فقيل أربعة: القاسم، وعبد الله، والطيب، والطاهر. وقيل: ثلاثة، ومن قال هذا قال عبد الله سمي الطيب، لأنه ولد في الإسلام، ومن قال غلامان قال القاسم، وبه كان يكنى صلى الله عليه وآله وسلم، وعبد الله قيل له الطيب والطاهر، لأنه ولد بعد المبعث، وولد القاسم قبل المبعث، ومات القاسم بمكة قبل المبعث، وقد ذكرنا الاختلاف

في ذلك كله وسمينا القائلين به في باب خديجة من كتاب النساء من هذا الديوان.

حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد قراءة مني عليه أن محمد بن عيسى حدثهم قال: حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف، قال حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني، قال حدثنا الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني، عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم سابعه، وجعل له مأدبة، وسماه محمدا صلى الله عليه وسلم. قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري.

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولد مختونا من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختونا مسرورا، يعني مقطوع السرة، فأعجب بذلك جده عبد المطلب، وقال: ليكونن لابني هذا شأن عظيم. وليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم. وفي حديث ابن عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل - وهو حديث ثابت من جهة الإسناد- دليل على أن العرب كانت تختتن، وأظن ذلك من جهة مجاورتهم في الحجاز ليهود، والله أعلم.

واختلف في سنة صلى الله عليه وسلم يوم مات، فقيل ستون سنة، روى ذلك ربيعة وأبو غالب عن أنس بن مالك، وهو قول عروة بن الزبير ومالك ابن أنس. وقد روى حميد عن أنس، قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة، ذكره أحمد بن زهير عن المثنى بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس، وهو قول دغفل بن حنظلة السدوسي النسابة. ورواه معاذ عن هشام عن قتادة عن أنس، ورواه الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة. ولم يدرك دغفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال البخاري: ولا نعرف للحسن سماعا من دغفل. قال البخاري: وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن خمس وستين سنة. قال البخاري: ولا يتابع عليه عن ابن عباس إلا شيء رواه العلاء بن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال البخاري: وروى عكرمة وأبو سلمة وأبو ظبيان وعمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة.

قال أبو عمر رضي الله عنه: قد تابع عمار بن أبي عمار على روايته المذكورة عن ابن عباس رضي الله عنهما يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما في خمس وستين. والصحيح عندنا رواية من روى ثلاثا رواه عن ابن عباس من تقدم ذكر البخاري لهم في ذلك، ورواه كما رواه أولئك ممن لم يذكره البخاري أبو حمزة ومحمد بن سيرين ومقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين. ولم يختلف عن عائشة أنه توفي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهو قول محمد بن علي، وجرير بن عبد الله البجلي وأبي إسحاق السبيعي ومحمد بن إسحاق.

أخبرنا خلف بن قاسم بن سهل، قال حدثنا عبد الله بن جعفر عن محمد بن الورد، قال: حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف وأحمد بن حماد، قالا: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال حدثني الليث بن سعد، قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن سلمة عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام أنه كان يقول: إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا تجزى بسيئة مثلها ولكن تعفو وتتجاوز، ولن أقبضك حتى أقيم بك الملة العوجاء بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله، أفتح بك أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا. قال عطا بن يسار: وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قال عبد الله بن سلام رضي الله عن جميعهم.

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 25

محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطيب المبارك سيد المسلمين وإمام المتقين رسول رب العالمين ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر.
وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الولد القاسم. وبه كان يكنى. ولد له قبل أن يبعث - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله وهو الطيب وهو الطاهر. سمي بذلك لأنه ولد في الإسلام.
وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة. وأمهم كلهم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وهي أول امرأة تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإبراهيم ابن رسول الله ص. وأمه مارية القبطية. بعث بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقوقس صاحب الإسكندرية.
قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب. قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القاسم. ثم زينب. ثم عبد الله. ثم أم كلثوم. ثم فاطمة. ثم رقية. فمات القاسم. وهو أول ميت من ولده - صلى الله عليه وسلم - بمكة.
ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل: لقد انقطع نسله فهو أبتر. فأنزل الله تبارك وتعالى: {إن شانئك هو الأبتر} الكوثر: 3. ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة فمات وهو ابن ثمانية عشر شهرا.
قالوا: وبدأ وجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر. وتوفي. صلوات الله عليه. يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة. ودفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس. وكان مقامه بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين. وكان مقامه - صلى الله عليه وسلم - بمكة من قبل ذلك. من حين تنبأ إلى أن هاجر. ثلاث عشرة سنة. وبعث وهو ابن أربعين سنة.
وولد عام الفيل. وتوفي. صلوات الله عليه. وهو ابن ثلاث وستين سنة.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 3- ص: 4

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو قريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان إلى هنا انتهت أنساب العرب لانه ليس يصح من عدنان إلى إرم فيه إسناد يرجع وكان مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفيل وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي بعث الله طيرا أبابيل على أصحاب الفيل ونزل عليه الوحي وهو بحراء بعد ان تم له ثلاث وأربعون سنة وأقام بمكة عشر سنين يدعوهم إلى الله جل وعلا ثم أمره الله تعالى بالخروج منها إلى المدينة فهاجر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه إليها فأقام بها عشر سنين ثم قبضه الله جل وعلا آخر يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول وكان مقامه بالمدينة عشر حجج سواء ودفن في بيت عائشة رضها ليلة الأربعاء حين زاغت الشمس ونزل في قبره صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين

  • دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 21

النبي المصطفى أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي سيد البشر صلى الله عليه وسلم

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 17