أبو بكر بن عمر بن السلار بتشديد اللام بعد السين المهملة، وبعد الألف راء، الفاضل ناصر الدين.
روى عن ابن عبد الدائم. وكتب عنه الشيخ علم الدين البرزالي وغيره.
وكان ذا جلد على الجدال، وقدرة على المناظرة والاستدلال، جيد العبارة، بديع الكناية والاستعارة، تفنن في الفضائل، وتوسع في إيراد الدلائل، ونظم شعرا كثيرا، وعلا به محلا أثيرا، وهو من بيت حشمة وإمارة، وللرياسة عليه دليل وأماره، مع عزة في نفسه، وإعراض عما في أبناء جنسه، وهمة تبلغ الثريا، وعزمة يتضوع بها المجدريا.
ولم يزل على حاله إلى أن استجنه الضريح، وعدل الفناء إليه دون الكناية بالصريح.
ووفاته رحمه الله تعالى في شهر الله المحرم سنة ست عشرة وسبع مئة.
أخبرني شيخنا نجم الدين بن الكمال قال: جرت بيني وبينه مباحث كثيرة في أصول الدين. وأثنى عليه شيئا كثيرا.
ومن شعره ما كتبه إلى الشيخ شهاب الدين أحمد بن غانم مع زنبيل أهداه وفيه تين:
يا سيدي وأجل الناس منزلة | عندي وأرعاهم للعهد والذمم |
لا تستقلن شيئا قد أتاك وقد | علمت أن الهدايا نبلغ الهمم |
وقد بعثت بشيء فيه واحدة | تكفي الخلائق من عرب ومن عجم |
له الورى لازموا إلا القليل تقى | وضيعوا كل ذي قربى وذي رحم |
وغير بدع إذا سرنا مسيرهم | والناس أشبه بالأزمان في الشيم |
ولو قدرت على ما أرتضيه لكم | سيرت شمس الضحى والبدر في الظلم |
وقد أشرت بزنبيلي إلى صفتي | من كديتي لذوي الأيسار والعدم |
يا خير من أمسكت أنامله القـ | ـرطاس للرقم فيه بالقلم |
وخير من خصه الإله وإن | عم البرايا بالعلم والعلم |
ومن له منطق بلاغته | قد بلغته جوامع الكلم |
من ذا يطيق الجواب عن أدب | منثر جوهرا ومنتظم |
موجها أتعبت غوامضه | مقاصدا كل مدره فهم |
ألغز فيه محببا وكنى | عما تلاه الزيتون في القسم |
لفظ له معنيان مشترك | دل على مفعم ومهتضم |
حقق فكري بالحدس مقدصه | وليس فكري عندي بمتهم |
للغير ما قد أتى مغايرة | إلى فقير أشقى من العدم |
فتين حوران ما مآكله | لا أحور بالجمال متسم |
أنزله الله بالأثير إذا | ما دار مثل الكثبان والأكم |
مركزه والمحيط منه به | لربه نعمة من النعم |
من اصطكاك الأجرام فيه لها | بم وزير يا طيب النغم |
وربما عاد ربه وله | مدارع كالمداد للقلم |
لكن ذا أصفر وذاك غدا | كالقار في حلكة وكالفحم |
مضمخا من لطيمة خلق الخـ | ـلوق منها للمعسر اللطم |
لا زال تين الوتين ملتقطا | له وتين الأشجار من قسمي |
وقد اعتص الزنبيل من ذلـ | ـك التين زبيبا تراه كالعنم |
وهو كثير من يابس صفرت | وطاته من نوائب حطم |
من ابن هاني شيخ القريض ومن | ميمون قيس وأشجع السلمي |
وهم ملوك القريض قادته | ومنشؤوه من سالف القدم |
فما عسى أن يقوله رجل | جميز بستان رأسه بلمي |
إن عتبا فعذرنا قد نحقق | حين فارقتم الرفاق وجلق |
كنتم روحهم فصاروا جسوما | مزقت بالغرام كل ممزق |
وكذا الروح إذ تفارق جسما | بعد وصل أوصاله تتفرق |
يا حسن ذؤابة بدت للناس | في أسمر رمح قده المياس |
ما واصل إلا قلت إني ملك | أولوه لواء من بني العباس |
وشادن زارني ليلا فقلت له: | في حسن وجهك ما يغني عن القمر |
فخلنا بك نخلو لا سمير لنا | ففي حديثك ما يغني عن السمر |
لعمرك ما مصر بمصر وإنما | هي الجنة العليا لمن يتفكر |
وأولادها الولدان من نسل آدم | وروضتها الفردوس والنيل كوثر |
سلام على أهل الهدى والتعلم | لطرق الهدى من آخر ومقدم |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 729