إبراهيم بن محمد بن أبي شريف إبراهيم بن محمد بن أبي شريف: إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب الشيخ الإمام الحبر الهمام، العلامة المحقق، والفهامة المدقق، شيخ مشايخ الإسلام، ومرجع الخاص والعام، مولانا، وسيدنا قاضي القضاة، أحد سيوف الحق المنتضاة، أبو إسحاق برهان الدين ابن الأمير ناصر الدين بن أبي شريف المقدسي المصري الشافعي، أحد أجلاء شيوخ شيخ الإسلام الوالد، ولد بالقدس الشريف في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمئة، ونشأ بها، وقيل: سنة ست وثلاثين وثمانمئة، واشتغل بفنون العلم على أخيه شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى القاهرة، فأخذ الفقه عن قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني، وعن قاضي القضاة شمس الدين محمد القاياتي، والأصول عن الشيخ جلال الدين المحلي، وسمع عليه في الفقه أيضا، وأخذ الحديث عن شيخ الإسلام بن حجر، وعن غيره، وتزوج بابنة قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، وناب عنه في القضاء، ودرس وأفتى وصنف ونظم ونثر، ووقفت له على ديوان خطب في غاية البلاغة، والفصاحة، وترجمه صاحب الأنس الجليل فيه، في حياته وقال: ولي المناصب السنية، وغيرها من الأنظار بالقاهرة المحروسة، وعظم أمره، واشتهر صيته، وصار الآن المعول عليه في الفتوى بالديار المصرية قال: وهو رجل عظيم الشأن، كثير التواضع، حسن اللقاء، فصيح العبارة ذو ذكاء مفرط وحسن نظم ونثر، وفقه نفيس، وكتابة على الفتوى نهاية في الحسن، ومحاسنه كثيرة، وترجمته، وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف، ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل، فإن المراد هنا الاختصار، ثم قال قدم شيخ الإسلام برهان الدين من القاهرة المحروسة إلى بيت المقدس سنة ثمان وتسعين وثمانمئة، بعد غيبة طويلة، ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة قلت: وقرأت بخط الشيخ برهان الدين البقاعي في تاريخه في وقائع سنة تسع وتسعين وثمانمئة أن الشيخ برهان الدين بن أبي شريف كان بالقاهرة مزوجا بها قاطنا، وأنه قصد السفر إلى القدس لزيارة أبيه وأمه، فلم يتهيأ له ذلك، فاتفق أن سرقت له أمتعته في ربيع الآخر من السنة المذكورة فاضطرب حاله، فيما يعمل في أمرها قال البقاعي: فاستشارني، فأشرت عليه برأيي، وذهب من عندي فانتظرت ماذا يكون في ذلك، فسألت عنه بعد أيام فقيل: ذهب إلى القدس، فاشتد عجبي من ذلك لأنه لم يعلم بسفره أحد من أصحابه، ولا ودع أحدا ممن يعز عليه قال: وإذا هو قد حمله حامل ليحضر جنازة أبيه، فعد ذلك من خيرهما معا - انتهى.
قال في الأنس الجليل: ثم حضر - يعني صاحب الترجمة - إلى القدس سنة تسعمئة، وحصل للأرض المقدسة بوجوده الجمال، وانتفع به في الفتوى، فإن أخاه شيخ الإسلام الكمالي من حين قدم الشيخ برهان الدين إلى القدس وجه إليه أمر الفتوى، فما كان يكتب إلا القليل، وذكر ابن طولون في تاريخه أن صاحب الترجمة قدم دمشق يوم الجمعة في ثاني ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وثمانمئة، ونزل بالشميصاتية. قال: ثم قرأنا عليه بعد ذلك فيها، وأخبر أن ميلاده سنة ست وثلاثين. وأن ميلاد أخيه الشيخ كمال الدين سنة اثنتين وعشرين. انتهى.
وكذلك أرخ النعيمي ميلاده سنة ست وثلاثين، وما قدمناه قاله صاحب الأنس الجليل، ولعل ما هنا أصح وقال النعيمي: فوض إليه قضاء مصر في تاسع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعمئة عوض محيي الدين عبد القادر بن النقيب قلت: وبقي في قضاء قضاة الشافعية بمصر إلى يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمئة، فعزل بقاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الفرفور كما ذكره الحمصي في تاريخه، ثم أنعم عليه السلطان الغوري بمشيخة قبته الكائنة قبالة المدرسة الغورية بمصر في يوم الخميس مستهل جمادى الأولى سنة عشر، واستمر في المشيخة المذكورة إلى ذي القعدة سنة تسع عشرة وتسعمئة، فوقعت حادثة بمصر، وهي أن رجلا أتهم أنه زنا بامرأة فرفع أمرهما إلى حاجب الحجاب بالديار المصرية الأمير أنسبائي فضربهما فاعترفا بالزنا، ثم بعد ذلك رفع أمرهما إلى السلطان الغوري، فأحضرا بين يديه، وذكرا أنهما رجعا عما أقرا به من الزنا قبل ذلك، فعقد السلطان لهما مجلسا جمع فيه العلماء والقضاة الأربعة، فأفتى شيخ الإسلام برهان الدين صاحب الترجمة بصحة الرجوع، فغضب السلطان لذلك، وكان المستفتي القاضي شمس الدين الزنكلوني الحنفي، وولده، فأمر السلطان بهما، فضربا في المجلس حتى ماتا تحت الضرب، وأمر بشنق المتهمين بالزنا على باب صاحب الترجمة، فشنقا، وعزل صاحب الترجمة من مشيخه القبة الغورية والقضاة الأربعة الكمال الطويل الشافعي، والسري بن الشحنة الحنفي، والشرف الدميري المالكي، والشهاب الشبشتي الحنبلي، وكانت هذه الواقعة سببا لتكدر دولة الغورية، وتبادي انحلال ملكه حتى قتل بعد سنتين بمرج دابق، ولا حول ولا قوة إلا بالله. واستمر صاحب الترجمة ملازما لبيته، والناس يقصدونه للأخذ عنه، والاشتغال عليه في العلوم العقلية والنقلية، واقتناص فوائده العلمية والأدبية. قال الشعراوي: فكان من المقبلين على الله عز وجل ليلا ونهارا لا يكاد يسمع منه كلمة يكتبها كاتب الشمال، وكان لا يتردد لأحد من الولاة أبدا، وكان الإنسان إذا عرض عليه محفوظاته يتلجلج من شدة هيبته، فيباسطه حتى يسكن روعه، وكان له في القدس مصبنة يعمل فيها الصابون، وكان يتقوت منها، وكان لا يأكل من معاليم مشيخة الإسلام شيئا، وكان قوالا بالحق، آمرا بالمعروف لا يخاف في الله لومة لائم، وعارضه السلطان الغوري في واقعة، فما أفلح بعدها أبدا، وسلب ملكه، وكان الناس يقولون: جميع ما وقع للغوري بسر الشيخ برهان الدين. انتهى.
ومن لطائفه ما ذكره عنه محدث حلب الزين بن الشماع في عيون الأخبار. قال: وقد حضرت درسه بالقاهرة سنة إحدى عشرة، فأتى بفوائد كثيرة، وختم المجلس بنكتة فيها بشارة جليلة، فقال، ما حاصله: أختم المجلس ببشارة عظيمة ظهرت في قوله تعالى {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} قال قوله تعالى: نبئ أي يا محمد عبادي أي شرفهم بياء الإضافة إلى تقدس ذاته، فأوقع ذكرهم بينه وبين نبيه فعباد وقع ذكرهم بين ذكر نبيهم، وذكر ربهم لا ينالهم إن شاء الله تعالى ما يضرهم بل المرجو من كرم الله تعالى أن يحصل لهم ما يسرهم. انتهى.
ومن مؤلفاته ’’شرح المنهاج’’ في أربع مجلدات كبار ’’وشرح الحاوي’’ وكتاب في الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ وغير ذلك، ومن شعره من قصيدة ختم بها صحيح البخاري:

وكتب إلى أخيه شيخ الإسلام كمال الدين، وهو ببيت المقدس متشوقا:
وذكر ابن الحنبلي في تاريخه في ترجمة الزين بن الشماع تلميذ البرهان بن أبي شريف أنه رأى في منامه الشيخ برهان، وقد دخل منزله بحلب، فاستأذنه في قراءة بعض ما نظمه الشيخ برهان الدين ليرويه عنه، فأذن له قال: فمما قرأته عليه.
وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - كما نقله ابن الحنبلي عن ابن الشماع نقلا عن خط بعض فضلاء المصريين، في فجر يوم الجمعة ليومين بقيا من المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمئة، وقرأت بخط تلميذ الشيخ برهان الدين شيخ الإسلام الوالد أنه توفي ليلة الجمعة تاسع عشري المحرم سنة ثلاث وعشرين المذكورة. قال: ودفن بالقرب من ضريح الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وفي يوم الجمعة رابع عشري ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين المذكورة صليت بدمشق صلاة الغائب بالجامع الأموي على جماعة من العلماء ماتوا بالقاهرة، وهم صاحب الترجمة، وقاضي قضاة الحنفية البرهان بن الكركي، والشيخ العلامة برهان الدين الطرابلسي الحنفي، والشيخ العلامة شهاب الدين القسطلاني الشافعي، والشيخ العلامة الصالح المحدث المصري زين الدين عبد الرحمن الصالحي الشافعي - رحمهم الله تعالى - ذكر ذلك الحمصي وابن طولون في تاريخهما.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 1- ص: 102