أحمد الفرفوري أحمد الفرفوري: أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود، قاضي القضاة العلامة شهاب الدين أبو العباس، الشهير بابن الفرفور الدمشقي الشافعي. ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمئة، وأخذ عن الشيخ برهان الدين الباعوني، وأبي الفرج ابن الشيخ خليل، والشيخ زين الدين خطاب الغزاوي، والشيخ نجم الدين قاضي عجلون، والشيخ شمس الدين محمد بن محمد السعدي، وأبي المحاسن بن شاهين وغيرهم، وفضل وبرع وتميز على أقرانه، وكان جامعا بين العلم، والرئاسة، والكرم، وحسن العشرة بحيث أن الحمصي - رحمه الله تعالى - قال: إنه ختام رؤوساء الدنيا على الإطلاق. وقال: إنه كان سلطان الفقهاء والرؤوساء، ولي قضاء القضاة الشافعية بدمشق، ثم جمع له بينه وبين قضاء مصر يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمئة، وأبيح له أن يستنيب في قضاء دمشق من يختار، فعين ولده القاضي ولي الدين واستمرت بيده الوظيفتان إلى أن مات، فتولى قضاء مصر بعده شيخ الإسلام إبراهيم القلقشندي، وقضاء دمشق ولده المذكور، وكان له شعر متوسط منه ما قرأت بخط الشيخ شمس الدين ابن طولون في تاريخه، ونقلته من خطه أيضا. قال: أنشدنا قاضي القضاة ولي الدين بن الفوفور لوالده قاضي القضاة بمصر والشام الشهابي بن الفرفور يمدح سلطان مصر الأشرف قانصوه الغوري، فقال في العشر الأخير من جمادى الأولى سنة ثمان وتسعمئة:
لك الملك بالفتح المبين مخلد | لأنك بالنصر العزيز مؤيد |
وأنت العزيز الظاهر الكامل الذي | هو الأشرف الغوري، وهو المسدد |
تملكته والسيف كاللحظ هاجع | بأجفانه، والرمح هاد ممدد |
بأمن ولا خوف، وسلم ولا وغا | ولكنه عيد لعود يؤبد |
فملكك يوم العيد جاء مبشرا | بعود سرور كل عام يجدد |
ولم تك يوما ساعيا طالبا له | ولكنه وافاك يسعى ويجهد |
تقلدته من مالك الملك راضيا | بما قد أراك الله تثني وتحمد |
وكان لك الله المهيمن حافظا | يعينك في كل الأمور ويسعد |
وكم فئة لابت عليهم قلوبهم | ولكن إليه لم تطل منهم يد |
ومن عاند المقدور منه فقد قضى | وكان له من منهل الهلك مورد |
فبشرى بتمكين من الله دائم | ونصر على الباغي، ومن كان يحسد |
لقد شاع في الإسماع ما قد حويت من | صفات بها منها الكمال مؤكد |
ففي السلم حلم فيه كالماء رقة | وفي الحرب نار جمرها يتوقد |
لأنك حامي حومة الدين بالظبا | وللسيف خد بالدماء مورد |
بذلك شم الراسيات بعسكر | إذا سار ضاهاه الجراد المبدد |
وإن دخلوا دارا لأعداك أقفرت | وإن وردوا بحرا يجف وينفد |
وقد ساقنا ما شاقنا من سماعها | محسا نراها بالعيان ونشهد |
وكان الذي قد شاهدته عيوننا | بأضعاف ما قال الرواة وعددوا |
فتجلس في التخت الشريف بطلعة | بها تدهش الأبصار إذ تتردد |
يدبر أمر الملك منك روية | يريك بها الله الصواب فترشد |
وتجلس في الشورى مع الأمراء في | نهارك للملك الشريف تمهد |
وتستقبل الإذكار بالليل ساهرا | بترتيب أوراد بها تتعبد |
فتستغرق الوقتين حكما وحكمة | فتجهد إما في الدجا تتهجد |
كما قد رأينا الحال ليلة مولد | فيا حبذا ذكر وورد ومورد |
ويا حبذا لحن عن اللطف معرب | ونظم بديع فهو در منضد |
فذكر وتسبيح وتمجيد خالق | وتقديسه لا لغو فيه ولا دد |
فهذا هو الذكر الجميل الذي غدا | على طول هذا الدهر يروى ويسند |
فللخلفاء الراشدين بمثل ذا | مآثر تروى عنهم ليس تجحد |
ونعم المماليك الذين تعلموا | وقد لازموا الأوراد حتى تعودوا |
مزامير داود وإلا بلابل | وورق وكل كالغزال يغرد |
وأطربنا في المجلس الشيخ حيدر | فطبنا وقلنا: إنما هو معبد |
وجانم في الإيقاع تحريك عضوه | على الوزن في أمثاله ليس يوجد |
ومنه لنعمان سمعنا قراءة | بها كل مسموع سوى الذكر يزهد |
فألحانهم فخر لهم وسعادة | وخير وفضل وارتقاء وسودد |
فلله أوفى الحمد نلنا مرادنا | وفزنا بما كنا نروم ونقصد |
وقد شاهدت سلطاننا العين قد حوى | صفات كمال مثلها ليس يوجد |
محب لأهل العلم والفضل والتقى | بحيث إليهم دائما يتودد |
ويسأل في العلم الشريف مسائلا | تعز على درك الفهوم وتبعد |
كذا أولياء الله أيضا يحبهم | ويدعو لهم في ورده ويمجد |
ومولد خير الخلق أحراه عادة | بها كل خير دائما يتولد |
فبالأشرف الغوري يطوى حديث من | بأخبارهم كم جاء سفر مجلد |
فأقسم لا يسعى إليه مشقة | ولا سفرة أدت لرؤياه تبعد |
وقد حاز أنواع المحاسن كلها | كمالا وفضلا فهو في الدهر مفرد |
فدام له النجل السعيد ممتعا | بما يرتضي والعيش أصفى وأرغد |
وقرت به عيناه طول زمانه | على درجات العز يرقى ويصعد |
ولا زال في عز ونصر وملكه | على رغم أنف الحاسدين مخلد |
وألف صلاة مع سلام تصاعدت | يلقاهما خير الأنام محمد |
أجاد لنا القاضي ابن فرفور أحمد | مديحا به أثني عليه وأحمد |
شهاب لدين الله، والشمس باهر | مناقبه مشهورة ليس تجحد |
وقاضي قضاة الشام جاء يزورنا | ويثبت دعوى حبنا ويؤكد |
ويهدي لنا منه الدعاء فمرحبا | به زائرا للأنس جاء يجدد |
له عندنا الإكرام والعز والرضى | وفوق الذي من غيرنا كان يعهد |
ولما تأملنا بديع بيانه | وحسن معاني نظمه حين ينشد |
وجدنا قصيدا كل بيت به غدا | يرى أنه في الحسن قصر مشيد |
بلاغتها كالسحر وهي فصيحة | وألفاظها الدر النفيس المنضد |
وبشرنا فيها بتمكين ملكنا | وإنا بنصر الله فيه نؤيد |
لأن إلينا مالك الملك ساقه | بحيث أتانا، وهو يسعى ويجهد |
ولاحظ أن العيد عود تفاؤلا | لنا بسرور عوده يتأبد |
وإنا بعون الله نقهر ضدنا | ومن قد بغى جهلا ومن كان يحسد |
وترجم عنا في الحماسة والوغا | بأبلغ ما في مثل ذلك يقصد |
ووصف الذي قد كان ليلة مولد | عبارته فيها لجين وعسجد |
ففيها قد استوفى الوقائع كلها | بنظم به الذكر الجميل مخلد |
وعدد أوصافا لنا في مديحه | بأحسن لفظ في المدائح يورد |
وقد سرنا في ملكنا أن مثله | لما فيه من جمع الكمالات يوجد |
إمام كبير في العلوم وقد حوى | محاسن في أوصافه تتعدد |
سخاء وجود عفة ونزاهة | وفخر على أهل الزمان وسؤدد |
ويحمل كل الكل إن كان حادث | وإن جل خطب أو تكدر مورد |
فهذا به في الحكم تبرأ ذمة | وهذا له فصل القضاء يقلد |
وهذا به استدراك ما اختل كله | وهذا به إصلاح ما كان يفسد |
فأهلا وسهلا مرحبا لقدومه | له عندنا أعلى مقام وأحمد |
وسوف يرى من قربنا ما يسره | ونطرد عنه كل سوء ونبعد |
بحيث تقر العين منه ولا يرى | من الدهر في أيامنا ما ينكد |
ونسعفه في كل ما قد أهمه | ونبسط في حكم لديه ونعضد |
ويبلغ في أيامنا غاية المنى | ويأتيه إحدى العيش فيها وأرغد |
فإنا رغبنا منه في صالح الدعا | ولا سيما في الليل إذ يتهجد |
فناظمها الغوري غاية قصده | دعاء له من مخلص القلب يصعد |
بعفو وغفران، وحسن عواقب | وخاتمة بالخير وهو يوحد |
وبالحشر مع من أنعم الله بالهدى | عليهم ومن من نوره النار تخمد |
وبعد صلاة من إلهي دائما | على المصطفى، وهو النبي محمد |
وآل وصحب كلما هبت الصبا | وناح على الأفنان طير مغرد |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 1- ص: 143