حسين الخالدي حسين بن محمد بن موسى بن محمود بن محمد بن صالح الخالدي القدسي الحنفي أبو عبد الله الشيخ العالم الأديب النجيب المتفوق الذكي الكاتب ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم واشتغل بالأخذ والتحصيل وجل أنتفاعه إلى الشيخ أبي النون يونس بن محمد الغزالي الخليلي نزيل بيت المقدس وكان سريع الكتابة والانشاء يعرف الأدب واللغة حسن الخط ونظم الشعر وبرع به ومن نظمه وأنشدنيه من لفظه تعجيز وتصدير قصيدة كعب بن زهير المشهورة اللامية والتوسلات الألهية وأهداها إلي بخطه وله من التآليف البشائر النبوية وغاية الوصول في مدح الرسول وغير ذلك من النظم والنثر وتعاني الشهادة والكتابة في مجلس القضاء بالقدس وصار أحد العدول المنوه بهم والمشهورين بالمعرفة وامتحن أيام نائب دمشق جواد الدين درويش بن عثمان الوزير وسعى به أناس عنده وأرادوا تكديره واعتقاله ونسبوه إلى أفعال وأشياء قبيحة فأرسل جاء به من القدس إلى دمشق وأمر بحبسه واعتقاله وتأديبه فمنعته عن ذلك وتشفعت به وأخذته إلى داري وبقي عندي أياما وعاد إلى القدس مكرما مبجلا وذلك سنة تسع وتسعين ومائة وألف ولم تطل مدته ومات وكأنت وفاته بالقدس في ختام شعبان سنة مائتين وألف أنشدني
من لفظه لنفسه هذه القصيدة يمدحني بها
أخليل دين الله يا ابن عماده | ملجأ الأفاضل كهفها ببلاده |
نسل الأماجد كابرا من كابر | أقطاب غوث رحمة لعباده |
مفتي دمشق وروح جسم حياتها | بدلا وهدايا عزها بسداده |
وبهاؤه كبهاء ذي التاج الذي | ملك الورى مع حكمة في امداده |
بدر الجمال كيوسف في مصره | شمس الهدى انسان عين مراده |
رضوانها هذا وفرقد نجمها | مصباحتها وطيبها بسهاده |
فأبوك نعم الليث وهو عليهم | علامة اذ يقتدي برشاده |
بم المكارم لا يمل من العطا | وكفاك ان تحذو بحفظ ووداده |
وأبوه جدك وهو بحر زاخر | فمحمد قط بالملا بجهاده |
وكبيرهم في الأولياء مرادهم | وغياثهم متعبد برقاده |
وإلى أبي السبطين تسمو نسبة | نسب له شرف لدى تعداده |
قد حل بي ما قد سمعت من البلا | فبفضلكم حسنا روى بفؤاده |
وبعرفه مذ كان منك بسرعة | فبدا بياض عواقب بسواده |
وعسى يكون كما المهيمن مخبرا | في محكم التنزيل خير عباده |
لله حمدي دائما من سعيكم | برجاك فينا يا خليل مراده |
أنت المقدم مع حداثة سنكم | في عصرنا عد لا على أسياده |
وتقاصرت همم الأساتذة الأولى | عن منصب اذ جزت فوق جواده |
لا سيد بالشام مثلك يرتجي | عند المضيق وحق ذا وأجداده |
ماذا أقول وطول مدحي قاصر | لوفاء وصفك لم أطق بمداده |
لكنه شرفي به أسمو على | أتراب عز لوقدت بزناده |
عذري اليك فان حان ظاهر | والفكر مني فاتر بمعاده |
فحسيتكم بالذل ظل مسربلا | بالخطب مخضوبا لدى حساده |
نظمت بدمع والدعاء ختامها | من مبتل بالنأي عن أولاده |
لا زال فيك ثلاثة يا دار | العز والاحسان والدينار |
ولباغضي خليلك أضدادها | الذل والباساء والأكدار |
دعاء لكم مني بدا وسلام | وألف تحيات اليك عظام |
إلى تاج أهل الفضل في الشام كلها | وفيه تباهت في المدائن شام |
وينبوع علم ثم حلم وسؤدد | وجدله للأولياء سنام |
ومن نسل طه المصطفى ولقد سما | على مرادي في الأنام أمام |
سنائي له من كل كلي كذا الورى | وكل مديح في سواه حرام |
لك المدح من كل العوالم انها | لمدحك شخص واللسان أنام |
وانك ذو الأنعام في الناس كلها | وشكرك نور والجحود ظلام |
وانك ليت للمروءة جامع | محاسن أخلاق وأنت همام |
فيا حبذا ذات تجلت بجلق | كطلعة بدر القدس وهو تمام |
فثغر دمشق ضامتك بوجودكم | وتأمينها بالعدل منك يرام |
فعدلك حظ في دمشق كساهر | وأعين أهل البغي منك نيام |
وعيدك مسبوق بعفوك أوجزا | ووعدك حتما بالوفاء دوام |
فلا زال فيك المجد بالفضل خادما | فمنك رسوم المكرمات تقام |
ولا زلت محبوبا إلى السعد دائما | ولا زال فيكم للسمو غرام |
فكم فاز بالأسعاف منك ذوو التقى | وكم كمدت بالقهر منك لئام |
وكم نال ذو حق بفتواك حقه | وكم نالت النعماء منك كرام |
لكم راحة تعطى بخير مؤمل | تسح نوالا أنها لغمام |
نداها حياة الواردين بسرعة | وأقلامها للطاعنين سهام |
فذلك شيخي وافدا لربابكم | وبابك للقصاد فيه زحام |
ومن كان محسوبا عليكم فإنه | ليرجوك تفريجا وأنت مرام |
بقيت بقاء الدهر في ذروة العلى | فأنت إلى كل الكرام ختام |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 2- ص: 72