أحمد بن يوسف الكاتب أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح العجلي بالولاء، المعروف بالكاتب: وزير من كبار الكتاب. من أهل الكوفة. ولى ديوان الرسائل للمأمون، واستوزره بعد أحمد ابن أبي خالد الأحول، وتوفي ببغداد. وكان فصيحا، قوي البديهة، يقول الشعر الجيد، له (رسائل) مدونة. وهو صاحب البيت المشهور:
#إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسهـ ، فصدر الذي يستودع السر أضيق.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 272

أبو جعفر أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب العجلي مولاهم الكوفي
توفي في شهر رمضان سنة 213 ذكره أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق وفي معجم الأدباء قال غير أبي بكر مات سنة 214.
سبب موته
قال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق سمعت عون بن محمد الكندي يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن يوسف يقول: مات أبي بضيق اعتراه أياما وذاك أن المعتصم وسعيد بن سالم الباهلي كانا يكيدانه عند المأمون ويقعان فيه فدخل يوما إلى المأمون وهو يتبخر فأخرج المجمر من تحته وقال: اجعلوه تحت أحمد ليكرمه بذلك فتبخر به فرفعا إلى المأمون أنه قال لما اتي بالمجمر هات هذا المردود وانه قال في البيت لغلامه: ما هذا البخل على البخور ولو كان أمرلي ببخور مسانف كان أولى فحقدها عليه فقال: أيقال لي هذا وأنا أصل في يوم واحد رجلا واحدا بستة ألف ألف دينار وإنما أردت إكرامه، فدخل يوما أحمد على المأمون وهو يتبخر فقال: اجعلوا تحته قطع عنبر وضموا عليه شيئا يمنع البخار أن يخرج ففعلوا ذلك فصبر عليه حتى غلبه الأمر فصاح الموت والله فكشفوا عنه وغشي عليه. ثم انصرف فمكث في بيته شهرا عليلا من ضيق نفس حتى مات انتهى وفي الفخري وقيل: بل مات كمدا لبادرة بدرت منه فاطرحه المأمون لأجلها ’’انتهى’’. نسبته
(العجلي) نسبة إلى بني عجل قبيلة والك وفي نسبة إلى قرية من قرى (الكوفة) تعرف بدبا كما في كتاب الأوراق قال: يقال أن أبا صبيح منها مولى إسلام والصحيح ما يجئ بعد ثم حكى عن الحسين بن علي الكاتب أن صبيحا كان عبدا لبعض بني عجل فلما اعتقه تكنى بأبي القاسم. قال: وقال غيره كان الذي اعتقه بحر بن العلاء العجلي ثم روى بسنده عن جماعة من الكتاب أن السري بن بشر اشترى صبيحا فاعتقه وكان صبيح قبطيا قال وهذا هو الصحيح انتهى وقال ياقوت في معجم الأدباء: كان أخوه القاسم بن يوسف يدعي أنه من بني عجل ولم يدع أحمد ذلك. وقال المرزباني كان مولى لبني عجل ومنازلهم بسواد الكوفة انتهى. طائفته
هو وآباؤه وأخوه وولدهما طائفة كبيرة فيهم الكتاب والوزراء والشعراء والأدباء روى أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق بسنده عن ابن كناسة الأسدي أنه قال: خرجت الكوفة وسوادها جماعة من الكتاب فما رأيت فيهم بيتا أجل ولا أبرع أدبا من بيت أبي صبيح انتهى ويأتي قول ياقوت: كان أحمد وأخوه القاسم شاعرين أديبين وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة انتهى فكان أحمد صاحب الترجمة كاتبا شاعرا كتب للمأمون ووزر له كما ستعرف وكان جده القاسم بن صبيح كاتبا شاعرا خلف مولاه عتبة بن بحر بن العلاء على ديوان الغرب ثم كتب لعبد الله بن علي عم المنصور ذكر له الصولي في كتاب الأوراق ترجمة مفصلة وذكر شيئا من شعره وذكر أنه كان من عمال بني أمية والمقدمين عندهم وان من يفد على هشام بن عبد الملك كان يمدح القاسم بن صبيح لأنه كان جليلا نبيلا يلي أعمالا كثيرة لهشام فممن مدحه يزيد بن ضبة الثقفي وأبو النجم العجلي وذكر من مدائح أبي النجم فيه. وكان أبوه يوسف بن القاسم كاتبا شاعرا كتب لعبد الله بن علي عم المنصور كما كتب له أبوه ثم كتب يوسف ليعقوب بن داود وزير المهدي ذكر ذلك الصولي في كتاب الأوراق وأورد له ترجمة مفصلة وأورد شيئا من شعره وكان أخوه أبو محمد القاسم بن يوسف شاعرا أديبا ترجمه الصولي في الأوراق وأورد شيئا كثيرا من شعره وكان أسن من أحمد وبقي بعد أحمد مدة وكان أخوه علي بن يوسف شاعرا وبينهما مراسلة، وكان ولده عبد الله بن أحمد بن يوسف ظريفا كاتبا ترجمه الصولي في الأوراق وأورد من شعره. وكان ابنه محمد بن يوسف يروي عن أبيه أحمد وتأتي تراجمهم في أبوابها أن شاء الله.
أقوال العلماء فيه
قال ياقوت في معجم الأدباء: أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب الكوفي أبو جعفر من أهل الكوفة كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون ووزر للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد وكان أحمد وأخوه القاسم شاعرين أديبين وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة. قال الصولي: لما مات أحمد بن أبي خالد الأحول شاور المأمون الحسن بن سهل فيمن يكتب له ويقوم مقامه فأشار عليه بأحمد بن يوسف وبأبي عباد ثابت بن يحيى الرازي وقال هما اعلم الناس بأخلاق أمير المؤمنين وخدمته وما يرضيه فقال له اختر لي أحدهما فقال الحسن أن صبر أحمد على الخدمة وجفا لذته قليلا فهو أحبهما إلي لأنه أعرق في الكتابة وأحسنهما بلاغة وأكثر علما فاستكتبه المأمون وكان يعرض الكتب ويوقع ويخلفه أبو عباد إذا غاب من دار المأمون مترفعا عن الحال التي كان عليها أيام أحمد بن أبي خالد وكان ديوان الرسائل وديوان الخاتم والتوقيع والأزمة إلى عمرو بن مسعدة وكان أمر المأمون يدور على هؤلاء الثلاثة ’’انتهى’’.
وقال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق: أخبار أبي جعفر أحمد بن يوسف بن صبيح كاتب دولة بني العباس، وزر للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد وهو معرق في الكتابة والشعر وقد استقصيت أخباره في كتاب الوزراء الذي ألفته إلى أن قال وكان أخوه القاسم بن يوسف أسن منه وبقي القاسم بعده مدة ثم روى عن القاسم بن إسماعيل عن قعنب بن محرز الباهلي: كنا نقول لم يل الوزارة أشعر من أحمد بن يوسف حتى ولي محمد بن عبد الملك فكان أشعر منه. حدثني الحسن بن علي الباقطاني قال: اجتمع الكتاب عند أحمد بن إسرائيل فتذاكروا الماضين من الكتاب فاجمعوا أن أكتب من كان في دولة بني العباس أحمد بن يوسف وإبراهيم بن العباس وان كتاب دولتهم إبراهيم بن العباس ومحمد بن عبد الملك بن الزيات فإبراهيم أجودهما شعرا ومحمد أكثرهما شعرا ثم الحسن بن وهب وأحمد بن يوسف وأن أذكى كتاب الدولة وأجمعهم لمحاسن الكتابة من ذكاء وحفظ وفطنة جعفر بن يحيى وإسماعيل بن صبيح ’’انتهى’’.
وقال ابن الطقطقي في الآداب السلطانية المعروف بالفخري: وزارة أحمد بن يوسف بن القاسم للمأمون: كان من الموالي. وكان كاتبا فاضلا أديبا شاعرا فطنا بصيرا بأدوات الملك وآداب السلاطين ’’انتهى’’.
تشيعه
ليس عندنا ما يدل على تشيع أحد من هذه الطائفة صريحا سوى القاسم بن يوسف أخي المترجم فإنه شيعي قطعا ولكن المظنون تشيعهم جميعا للظن من تشيع الابن بتشيع الأب وبالعكس ومن تشيع الأخ بتشيع أخيه وان كان تخالف الأقارب في المذاهب قد يقع لكن خصوصيات المقام تختلف وقد رثى القاسم بن يوسف أخاه أحمد صاحب الترجمة وهو مما يؤيد تشيعه مضافا إلى كون أحمد من أهل الكوفة الغالب على أهلها التشيع وكلهم أيضا كوفيون كما يفهم مما مر عن ابن كناسة الأسدي ومر عن المرزباني أنه مولى لبني عجل ومنازلهم بسواد الكوفة.
بعض أخباره
في معجم الأدباء: حدث أبو القاسم عبد الله بن محمد بن ماميا الكاتب في كتاب ملح الممالحة قال: لما خرج عبد الله بن ظاهر من بغداد إلى خراسان قال لابنه محمد أن عاشرت أحدا بمدينة السلام فعليك بأحمد بن يوسف الكاتب فان له مروءة فما عرج محمد حين انصرف من توديع أبيه على شيء حتى هجم على أحمد بن يوسف في داره فأطال عنده ففطن له أحمد فقال يا جارية غدينا فأحضرت طبقا وأرغفة نقية وقدمت ألوانا يسيرة وحلاوة وأعقب ذلك بأنواع من الأشربة في زجاج فاخر وآلة حسنة وقال: يتناول الأمير من أيها شاء ثم قال له أن رأى الأمير أن يشرف عبده ويجيئه في غد أنعم بذلك فنهض وهو متعجب من وصف أبيه له وأراد فضيحته فلم يترك قائدا جليلا ولا رجلا مذكورا من أصحابه إلا عرفهم أنه في دعوة أحمد بن يوسف وأمرهم بالغدو معه فلما أصبحوا قصدوا دار أحمد بن يوسف وقد أخذ أهبته وأظهر مروءة فرأى محمد من النضائد والفرش والستور والغلمان والوصائف ما أدهشه ونصب ثلاثمائة مائدة وقد حفت بثلاثمائة وصيفة ونقل إلى كل مائدة ثلاثمائة لون في صحاف الذهب والفضة ومثارد الصين فلما رفعت المائدة قال ابن طاهر هل أكل من بالباب فنظروا فإذا جميع من بالباب قد نصبت لهم الموائد فأكلوا فقال شتان بين يوميك يا أبا الحسن كذا في هذه الرواية كناه بأبي الحسن فقال أيها الأمير ذاك قوتي وهذه مروءتي.
أخباره مع المأمون
في كتاب الأوراق حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف عن أبيه، قال جلس أحمد يقرأ الكتب بين يدي المأمون وهو وزير، فمرت قصة أصحاب الصدقات، فقال المأمون لأحمد: انظر في أمرهم، قد كثر ضجيجهم فقال: قد نظرت في أمرهم وقررته، ولكنهم أهل تعد وظلم، وبالباب منهم جماعة. فقال المأمون أدخلوهم إلي فدخلوا فناظروه فاتجهت الحجة عليهم، فقال احمد: هؤلاء ظلموا رسول الله (ص)، كيف يرضون بعده: قال الله عز وجل ومنهم من يلمزك في الصدقات فان أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. فعجب المأمون من حسن انتزاعه وحضور مراده في وقته، وقال: صدقت يا احمد، وأمر بإخراجهم. وقال: تحدث ابن طيفور أن المأمون قال لأحمد بن يوسف: إني أريد غسان بن عباد لأمر جليل. وكان يريده لولاية السند. لأنه أراد أن يعزل عنها بشر بن داود المهلبي لأشياء عظيمة عتب عليه فيها، وكان المأمون يعلم سوء رأي أحمد في غسان بن عباد فقال أحمد غسان رجل محاسنه أكثر من مساويه، لا تضرب به طبقة إلا انتصف منها مهما خيف عليه فإنه لا يأتي امرا يعتذر منه، لأنه قسم زمانه بين أيام الفضل فجعل لكل مكرمة وقتا فقال له المأمون لقد مدحته على سوء رأيك فيه فقال: إني لأمير المؤمنين كما قال الشاعر:

فأعجب المأمون كلامه وزاد الطبري واسترجع عقله. وفي الفخري فقال: إني لأمير المؤمنين كما قال الشاعر:
قال: حدثني الحسين بن فهم، قال سمعت يحيى بن أكثم يقول حضر أحمد بن يوسف المأمون، وبين يديه ابن له ينشد شعرا، فقال: كيف تراه؟ فقال: أراه فطنا ذكيا، أديب اللفظ واللحظ، لا يعبأ أن يؤديه بما يريد، في كل عضو منه قلب يقد فأخذ بآخر كلامه أبو تمام فقال:
أخباره مع أبي العتاهية
في كتاب الأوراق: كانت لأحمد بن يوسف مع أبي العتاهية أخبار: كتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف:
فلما قرأ أحمد البيتين قال: هذا أبلغ كلام. قال موسى بن عبد الملك: وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف:
قال موسى بن عبد الملك فقلت لا تتعرض له وأسكته عنك فوجه إليه بخمسة آلاف درهم قال علي بن إبراهيم فأعلمت ذلك علي بن جبلة فقال بئسما صنع كان ينبغي له أن يقول له: أأحمد إن الفقر يرجى له الغنى، فيشير باسمه. وكتب أبو العتاهية له وقد عتب عليه:
وجاء أبو العتاهية أحمد بن يوسف فحجبه فكتب إليه:
فلما قرأها وصله واستكفه. وهجر أحمد بن يوسف أبا العتاهية فقال فيه:
نثره وتوقيعاته وبعض كلماته ورسائله
في كتاب الأوراق حدثني عون بن محمد قال: كتب أحمد بن يوسف
إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي وقد زاره إبراهيم بن المهدي: عندي من
أنا عنده، وحجتنا عليك أعلامنا لك والسلام قال ومن غير طريق عون انه
كتب تحت هذا:
قال ومن توقيعات أحمد بن يوسف: وقع إلى عامل ظالم: الحق واضح لمن طلبه، تهديه محجته، ولا تخاف عثرته، وتؤمن في السر مغبته، فلا تنتقلن منه ولا تعدلن عنه، فقد بالغت في مناصحتك، فلا تحوجني إلى معاودتك، فليس بعد التقدمة إليك إلا سطوة الإنكار عليك.
ووقع في كتاب: مستتم الصنيعة من صابرها، فعدل زيغها، وأقام أودها. صيانة لمعروفه، ونصرة لرأيه. فان أول المعروف مستخف، وآخره مستثقل، تكاد أوائله تكون للهوى، وأواخره تكون للرأي. ولذلك قيل: رب الصنيعة أشد من ابتدائها. ووقع في عناية إنسان من بعض العمال: أنا بفلان تام العناية وله شديد الرعاية. وكنت أحب أن يكون ما أرعيته طرفك من أمره في كتابي، مستودعا سمعك من خطابي، فلا تعدلن بعنايتك إلى غيره. ولا تمنحن تفقدك سواه حتى تنيله إرادته، وتتجاوز به أمنيته أن شاء الله.
ووقع إلى رجل غصب رجلا ضيعة وكان غائبا فاستغلها سنين، وقدم الرجل فطالبه، فقال: الضيعة لي وفي يدي.
فوقع إليه أحمد بن يوسف: الحق لا تخلق جدته، وان تطاولت بالباطل مدته. فان أنطقت حجتك بإفصاح، وأزلت مشكلها بإيضاح غير لي وفي يدي فكثيرا ما أراها ذريعة الغاصب وحجة المغالب وفر حقك عليك، وسيق بلا كد إليك وان ركنت من البيان إليها، ووقفت من الاحتجاج عليها كانت حجته بالبينة أعلى، وكان بما يدعيه أولى، أن شاء الله.
ومن توقيعاته: ما عند هذا فائدة، ولا عائدة، ولا له عقل أصيل، ولا فعل جميل. ووقع إلى عامل- قد أخر حمل مال- : قد استبطأك الإغفال، وأبطرك الإهمال فما تصحب قولك فعلا، ولا تتبع وعدك انجازا، وقد دافعت بمال نجم لزمك حمله، حتى وجب عليك مثله، فاحمل مال ثلاثة أنجم، ليكون ما يتعجل منك أداء ما أخر عنك.
ووقع إلى رجل استماحه: وددت لو ملكت بغيتك، لبلغتك أمنيتك، ولكني في عمل قصدت فيه اتخاذ المحامد، وعدلت عن اقتناء الفوائد، فحسن نصيبي من الوفر، ووفر حظي من الشكر وقد أمرت لك ما يجل عنه قدرك، غير مختار له، بل مضطرا إليه فليكن منك عذر فيه وشكر عليه، أن شاء الله.
قال ومن كلامه: حدثنا القاسم بن إسماعيل حدثني إبراهيم بن العباس سمعت أحمد بن يوسف يقول: أمرني المأمون أن اكتب إلى النواحي في الاستكثار من القناديل في المساجد في شهر رمضان فبت لا أدري كيف أفتتح الكلام، ولا كيف أحتذيه فأتاني آت في منامي فقال: قل أن في ذلك عمارة للمساجد وإضاءة للمتهجد، ونفيا لمكامن الريب وتنزيها لبيوت الله عز وجل عن وحشة الظلم. فانتبهت وقد انفتح لي ما أريد فابتدأت بهذا وأتممت عليه.
وغنى مغن في مجلس أحمد بن يوسف، ولم يك محسنا، فلم ينصتوا له و تحدثوا مع غنائه فغضب. فقال احمد: أنت عافاك الله تحمل الآذان ثقلا، والقلوب مللا، والأعين قباحة، والأنف نتنا ثم تقول: اسمعوا مني، وأنصتوا إلي؟ هذا إذا كانت أفهامنا مقفلة وحواسنا مبهمة، وأذهاننا صدئة! رضيت بالعفو منا، وإلا قمت مذموما عنا؟!.
وخاصم أحمد رجلا بين يدي المأمون، فكان قلب المأمون على أحمد فقال وقد عرف ذلك: يا أمير المؤمنين! أنه يستملي من عينيك ما يلقاني به، ويستبين بحركتك ما تجنه لي وبلوع إرادتك أحب إلي من بلوع أملي، ولذة إجابتك أحب إلي من لذة ظفري وقد تركت له ما نازعني فيه، وسلمت إليه ما طالبني به. فشكر المأمون ذلك له.
ومن كلامه: لقد أحلك الله من الشرف أعلى ذروته، وبلغك من الفضل أبعد غايته. فالآمال إليك مصروفة، والأعناق إليك معطوفة، عندك تنتهي الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الحسنة وبك تثنى الخناصر، وتستفتح إغلاق المطالب، ولا يستريث النجح من رجاك، ولا تعروه النوائب في ذراك.
ومن كلامه: لك جد تنجده همتك، وإنعام تفوه به نعمتك فهي تحسر الناظر إليها، وتحير الواقف عليها. حتى كأنها تناجيه بحسن العقبى، وتوحي إليه ببعد المدى، ولله در نابغة بني ذيبان في قوله:
ومن كلامه: من اتسع في الأفضال اتسعت به الأقوال: من شاكر مثن، ومادح مطر ولسنا نصفك بما يعن لنا ويذل على ألسننا مما يتقرب به ذو الرغبة، ويضرع إليه ذو الرهبة لاستنزال مرغوب أو استيجاب مطلوب. ولكننا ننطق عن سيرتك بإفصاح ونبين عنها بإيضاح، فنكف شغب الكائد ونطيل نفس الحاسد.
ومن كلامه: كفى عارا على راغب أن يعدل برغبته عن الأمير، إذ كانت عائدته تشير إليها، وتقف راجيه عليها. فالقصد بها حيث يومي لها، من منبت رافع، ومسرح واسع، أولى براجي نجاحها، وتصديق الأمل فيها، من إيقافها على حيرة، وإقحامها في شبهة لم يضح نهج السبيل إليها ولا نصبت أعلام جود عليها، فأقل ما في الأمير من كرم الخلال يربي على كثير من فنون المقال. فجهد المادح له أن يبلغ أدنى فضله كما أن غاية الشكر أن يجزي أيسر نعمه. فأطال الله مدته، وأدام له دولته وتمم عليه نعمته.
ومن كلامه يعتذر إلى بعض الأخلاء: لي ذنوب أن عددتها جلت، وان ضممتها إلى فضلك حسنت. وقد راجعت إنابتي وسلكت طريق استقامتي، وعلمت أن توبتي (آكد ظ) في حجتي، وإقراري أبلغ في معذرتي. فهذا مقام التائب من جرمه، المتضمن حسن الفيئة على نفسه. فقد كان عقابك بالحلم عني، أبلغ من أمرك بالانتصاف مني، فان رأيت أن تهب لي ما استحققته من العقوبة، لما ترجوه من المثوبة، فعلت أن شاء الله.
ومن كلامه: قد كان كتابي نفذ إليك بما كان غيره أولى بي، والزم لي في حق الحرية والكرم، اللذين جعلا لك إرثا، والشرف والفضل اللذين قسما لك حظا. ولكنني دفعت اتصال الزلل، والإخلال بالعمل، إلى ما اضطرني إلى محادثتك ودعاني إلى مخالفتك لأجلي عني هبوة الاتهام، واصرف عنك عارض الملام. وقد جرى لك المقدار بالسؤدد الذي خصك بمزيته، وأفردك بفضيلته. فليس يحاول أحد استقصاء عليك إلا عرض دونه حاجز من واجبك يضطره إلى ذلة التنصل إليك، ويجور ذلك عن التعمد.
وكتب إلى بعض الأخلاء وقد اعتل: ورد كتاب صاحبي علي، يذكر شكوى قبلك، فكره إلي الاستبداد عليك بالصحة وقبح عندي ترك مشاركتك في العلة، ولم يكن لي حول بتغيير ما قدر الله في جسمي، ولا بنقل ما ألم بجسمك إلي. فاستل كذا بألم قلبي، وأسكنته همي وكابتي لأكون كأسوة المنقطعين إليك، المنتظمين في خيطك وجعلت ذلك شعاره في علتك حتى يأتيني المرجو من سلامتك. وأخرت الكتاب بالعيادة وإرسال من يقوم مقامي فيها لديك لأني إذا استقصيت في الكتاب وصف ما يداخلني طال، فعققت به من قصدت بره. والرسول فلا يحتمل ما يتضمنه صدري، فينثل كنه ما عندي، ولا يلقاك بسحنة مرسله، التي تترجم عن نيته، فاني لكذاك أمثل بين التقرير في إتيانك قبل استئذانك، أو تقدمة استطلاع رأيك، إذ جاءني البشير بإفراقك وإقبال العافية إليك وظهور تباشيرها. فانحصر كل هم، وزال كل غم ورحب من الأرض ما كان متضايقا علي، واستقبلت أملا سرتني جدته، وسرى عني ما كنت أجده. فالحمد لله الذي أشجى عدوك، ولم يصدك طمعه، وأزال غصة وليك، ولم يحقق حذره أنا أسال الله الذي وهب لنا إقالته وساق إليك عافيته أن يهب لك عمرا زائدا على أمنيتك، متجاوزا حد إحسانك. موفيا على مبلغ ظنك، ويصل العز لك في أمده بكريم القلب من بعده. ويجعل حسن بلائه عندك كمدا في صدر حاسدك، وجمالا في عين مؤملك، وسرورا للمتصلين بك أن شاء الله.
وكتب: من قصر في الشغل عمره، قل في العطلة صبره، وما من وجهة أؤمل فيها سد اختلالي إلا دهمتني فيها خيبة تكسف بالي. وأنت من لا يتخطاه الأمل في أوان عطلته، ولا يجاوز رجاءه الحرمان في حين ولايته. وليس لذم عليك طريق، ولا إلى مدحك سبيل، لأني إذا قلت فيك ما لا تعرف به عورضت بالتكذيب، وان أتيت بما لم تولني طالبت حالي بالتحقيق. فلا يرى الناس فيها أثر تصد، وقد صفرت يدي من فائدتك، بعد أن كنت ملأتها من عائدتك. فان رأيت أن تجبرني من الحدثان، وتقيلني من قيد الزمان، فعلت أن شاء الله.
قال أبو بكر: ومكاتبة أحمد بن يوسف كثيرة شهيرة معروفة مألوفة، فأتيت بالقليل منها ليستدل بها على جميعها، أن شاء الله.
كتابه عن لسان عبد الله بن طاهر إلى المأمون في قتل المخلوع
في معجم الأدباء: حدث الصولي قال كان من أول ما ارتفع به أحمد بن يوسف أن المخلوع لما قتل أمر طاهر الكتاب أن يكتبوا إلى المأمون فأطالوا فقال طاهر أريد أخصر من هذا فوصف له أحمد بن يوسف فأحضره فكتب:أما بعد فان المخلوع وان كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة فقد فرق حكم الكتاب بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصمة الدين وخروجه عن إجماع المسلمين قال الله عز وجل لنوح عليه السلام في ابنه {قال يا نوح أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح} ولا صلة لأحد في معصية الله ولا قطيعة ما كانت في ذات الله وكتبت لأمير المؤمنين وقد قتل الله المخلوع واحصد لأمير المؤمنين أمره وأنجز له وعده فالأرض بأكنافها أوطأ مهاد لطاعته واتبع شيء لمشيئته وقد وجهت إلى أمير المؤمنين بالدنيا وهو رأس المخلوع وبالآخرة وهي البردة والقضيب والحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين بحقه والكائد له من خان عهده ونكث عقده حتى رد الألفة وأقام به الشريعة والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فرضي طاهر ذلك وأنفذه ووصل أحمد بن يوسف وقدمه. قال وحدث محمد بن عبدوس أنه لما حمل رأس المخلوع إليه وهو بمر و أمر المأمون بإنشاء كتاب عن طاهر بن الحسين ليقرأ على الناس فكتبت عدة كتب لم يرضها المأمون والفضل بن سهل فكتب أحمد بن يوسف هذا الكتاب فلما عرضت النسخة على ذي الرياستين رجع نظره فيها ثم قال لأحمد بن يوسف ما أنصفناك ودعا بقهرمانه وأخذ القلم والقرطاس واقبل يكتب بما يفرع له من المنازل ويعد له من الفرش والآلات والكسوة والكراع وغير ذلك ثم طرح الرقعة إلى أحمد بن يوسف وقال له إذا كان في غد فاقعد في الديوان وليقعد جميع الكتاب بين يديك واكتب إلى الآفاق.
كتابه إلى المأمون في شان طلاب الصلات
قال ياقوت وحدث يعني الصولي فيما رفعه إلى إبراهيم بن إسماعيل قال كثر الطلاب للصلات بباب المأمون فكتب إليه أحمد بن يوسف: داعي نداك يا أمير المؤمنين ومنادي جدواك جمعا الوفود بباك يرجون نائلك المعهود فمنهم من يمت بحرمة ومنهم من يدل بخدمة وقد أجحف بهم المقام وطالت عليهم الأيام فان رأى أمير المؤمنين أن ينعشهم بسيبه ويحقق حسن ظنهم بطوله فعل أن شاء الله تعالى. فوقع المأمون: الخير متبع وأبواب الملوك مغان لطالبي الحاجات ومواطن لهم ولذلك قال الشاعر:
فاكتب أسماء من ببابنا منهم واحك مراتبهم ليصل إلى كل رجل قدر استحقاقه ولا تكدر معروفنا عندهم بطول الحجاب وتأخير الثواب فقد قال الشاعر:
أشعاره
أورد له أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق أشعارا كثيرة ومنها ما فيه مجون وخلاعة صنا كتابنا عنه فلم ننقله، ونحن نعجب لشيوع المجون والخلاعة في ذلك العصر من الكتاب والوزراء بنحو مخجل. وروى الصولي وحكى ياقوت في معجم الأدباء ما معناه أنه كان للمأمون جارية اسمها مؤنسة كانت تعتني بأحمد بن يوسف وكان أحمد بن يوسف يقوم بحوائجها فجرى بينها وبين المأمون بعض ما يجري فخرج المأمون إلى الشماسية يريد سفرا وخلفها فجاء رسولها إلى أحمد بن يوسف مستغيثة به فلحق المأمون بالشماسية، فقال للحاجب: أعلم أمير المؤمنين أن أحمد بن يوسف بالباب، وهو رسول فأذن له فدخل، فسأله عن الرسالة ما هي؟ فاندفع ينشد شعرا عمله عنها:
فقال المأمون: قد فهمت الرسالة، كن الرسول بالرضى يا ياسار امض معه فاحملها، فحملها ياسر إليه.
وفي كتاب الأوراق: حدثنا عون بن محمد قال: كان أحمد بن يوسف عدوا لسعيد بن سالم الباهلي وولده، فذكرهم يوما فقال: لولا أن الله عز وجل ختم نبوته بمحمد(ص) وكتبه بالقرآن لا نبعث فيكم نبي نقمة، وانزل عليكم قرآن غدر، وما عسيت أن أقول في قوم محاسنهم مساوئ السفل ومساويهم فضائح الأمم.
وقال يهجوهم:
وهو القائل فيهم:
قال وهو القائل في عمرو بن سعيد بن سالم:
وأهدى أحمد بن يوسف إلى المأمون لما استكتبه لوزارته، واستخصه في يوم مهرجان هدية بألف ألف درهم، وكتب إليه:
قال وأهدى أحمد بن يوسف هدية إلى المأمون في عيد وكتب إليه هذا يوم جرت فيه العادة، بإهداء العبيد للسادة، وقد أهديت لأمير المؤمنين قليلا من كثيره عندي وقلت:
وقال وعتب أحمد بن يوسف على جارية له في شيء سألته أن لا يفعله ثم فعلت مثله، فقال أحمد:
قال وكتب إلى صديق له:
قال وكانت بين أحمد بن يوسف وبين أبي دلف القاسم بن عيسى مودة، وكانا يتهاديان ويتكاتبان، ثم ولي أبو دلف الجبل كله، فكتب إليه أحمد بن يوسف:
وقال كما في الأوراق:
وقال أيضا كما في الأوراق:
وقال أيضا:
وقال:
وقال:
وقال أيضا:
قال أبو بكر: وجدت بخط محمد بن عبد الملك الزيات حدثني محمد بن عمران أن أحمد بن يوسف وقف بباب موسى بن يحيى بن خالد فحجب، فانصرف وكتب إليه:
وقال:
وقال يمدح الفضل بن سهل ذا الرياستين:
وقال:
وقال:
قال أبو بكر: هو أول من أفصح عن هذا المعنى وتبعه الناس وقال:
وقال في ببغاء ماتت لصديق له وكان له أخ يضعف يقال له عبد الحميد:
وقال:
وقال لجارية له غاضبته:
وقال:
قال وانشد عبد الله بن أحمد بن يوسف لأبيه:
قال وأنشدني أيضا لأبيه:
وقال أيضا:
وقال أيضا:
وقال أيضا:
وقال يمدح العلاء بن وضاح:
قال وأنشد إبراهيم بن العباس لأحمد بن وضاح:
قال وأنشدنا أحمد بن يحيى لأحمد بن يوسف في النبيذ من أبيات:
انتهى ما أردنا نقله من شعره من كتاب الأوراق. وفي الفخري له أشعار حسنة منها:
بعض مدائحه
حكى الصولي في كتاب الأوراق: أن أحمد بن أبي سلمة الكاتب قال يمدح أحمد بن يوسف:
بعض مراثيه
في معجم الأدباء عاش أخوه القاسم بعده فقال يرثيه:
قال وكان له جارية اسمها نسيم فقالت ترثيه:
قال وقالت أيضا ترثيه:
مشايخه
في معجم الأدباء: حكى عن المأمون وعبد الحميد بن يحيى الكاتب.
تلاميذه
قال وحكى عنه ابنه أحمد بن يوسف وعلي بن سليمان الأخفش وغيرهما.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 207

وزير المأمون أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب القفطي أبو جعفر من أهل الكوفة. كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون وكان أخوه القاسم بن يوسف يدعي أنه من بني عجل ولم يدع أحمد ذلك. قال المرزباني: كان مولى لبني عجل ومنازلهم الكوفة. وزر أحمد للمأمون بعد أحمد ابن أبي خالد ومات في قول الصولي سنة ثلاث عشرة وقال غيره: سنة أربع عشرة ومائتين. وكان أحمد وأخوه شاعرين أديبين وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة. حدث الصولي عن أبي الحارث النوفلي قال: كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه فلما مات أخوه الحسن قلت على لسان ابن بسام:

وإنما أخذه من قول أحمد بن يوسف الكاتب:
انتهى كلام الصولي.
قلت: ومثل هذا ما كتبه ابن المعتز إلى عبد الله بن سليمان يعزيه عن ابنه أبي محمد ويسليه ببقاء أبي الحسين أبياتا منها:
وقال الصولي: أول ما ارتفع به أحمد بن يوسف أن طاهرا أمر الكتاب لما قتل المخلوع أن يكتبوا إلى المأمون فأطالوا فقال طاهر: أريد أخصر من هذا. فوصف له أحمد بن يوسف فأحضره لذلك. فكتب: أما بعد فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة، فقد فرق حكم الكتاب بينه وبينه في الولاية والحرمة، لمفارقته عصمة الدين وخروجه عن إجماع المسلمين. قال الله عز وجل لنوح عليه السلام في ابنه: {يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}. ولا صلة لأحد في معصية الله ولا قطيعة ما كانت في ذات الله. وكتبت إلى أمير المؤمنين وقد قتل الله المخلوع، وأحصد لأمير المؤمنين أمره وأنجز له وعده، فالأرض بأكنافها أوطأ مهاد لطاعته وأتبع شيء لمشيئته. وقد وجهت إلى أمير المؤمنين بالدنيا وهو رأس المخلوع، وبالآخرة وهي البردة والقضيب. فالحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين بحقه والكائد له من خان عهده ونكث عقده حتى رد الألفة وأقام به الشريعة، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فرضي طاهر بذلك ونفذه، ووصل أحمد بن يوسف وقدمه. وأهدى أحمد بن يوسف هدية إلى المأمون في يوم نيروز وكتب معها:
وقال موسى بن عبد الملك: وهب لي أحمد بن يوسف ألف ألف درهم في مرات. وكان يرمى بأنه يعبث بموسى بن عبد الملك يتعشقه، وعاتبه فيه محمد ابن الجهم البرمكي فكتب إليه أحمد بن يوسف:
فتقدم محمد إلى البجلي وكان في ناحيته فأجابه:
حكى علي بن يحيى ابن أبي منصور أن المأمون كان إذا تبخر طرح العود والعنبر، فإذا تبخر أمر بإخراج المجمرة ووضعها تحت الرجل من جلسائه إكراما له؛ فحضر أحمد بن يوسف يوما وتبخر المأمون على عادته ثم أمر أن يوضع المجمر تحت أحمد بن يوسف فقال: هاتوا إذا المردود. فقال: ألنا يقال هذا ونحن نصل رجلا واحدا بستة آلاف ألف دينار؟ إنما قصدنا إكرامك وأن أكون أنا وأنت قد اقتسمنا بخورا واحدا؛ يحضر عنبر، فأحضر منه شيء في غاية الجودة في كل قطعة ثلاثة مثاقيل وأمر أن تطرح قطعة في المجمر ويبخر بها أحمد ويدخل رأسه في زيقه حتى ينفد بخورها. وفعل به ذلك وبقطعة ثانية وثالثة وهو يصيح ويستغيث، وانصرف إلى منزله وقد احترق دماغه واعتل ومات. وكانت له جارية يقال لها نسيم كان لها من قلبه مكان خطير فقالت ترثيه:
وقالت ترثيه أيضا:
ومن شعر أحمد بن يوسف:
ومن شعر أحمد بن يوسف قوله:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 8- ص: 0

أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب القفطي أبو جعفر: من أهل الكوفة، كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون، وكان أخوه القاسم بن يوسف يدعي أنه من بني عجل، ولم يدع أحمد ذلك.
قال المرزباني: هو مولى لبني عجل، ومنازلهم بسواد الكوفة. وزر أحمد
للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد. مات في قول الصولي في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة ومائتين وقال غيره سنة أربع عشرة ومائتين، وكان أبوه يوسف يكنى أبا القاسم، وكان يكتب لعبد الله بن علي عم المنصور، وله شعر حسن وبلاغة. وكان أحمد وأخوه القاسم شاعرين أديبين، وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة.
حكى عن المأمون وعبد الحميد بن يحيى الكاتب وحكى عنه ابنه محمد بن أحمد بن يوسف وعلي بن سليمان الأخفش وغيرهما.
قال الصولي: لما مات أحمد بن أبي خالد الأحول شاور المأمون الحسن بن سهل فيمن يكتب له ويقوم مقامه، فأشار عليه بأحمد بن يوسف وبأبي عباد ثابت بن يحيى الرازي، وقال: هما أعلم الناس بأخلاق أمير المؤمنين وخدمته وما يرضيه فقال له: اخترلي أحدهما، فقال الحسن: إن صبر أحمد على الخدمة وجفا لذته قليلا فهو أحبهما إلي لأنه أعرق في الكتابة وأحسنهما بلاغة وأكثر علما، فاستكتبه المأمون، وكان يعرض الكتب ويوقع، ويخلفه أبو عباد إذا غاب عن دار المأمون مترفعا عن الحال التي كان عليها أيام أحمد بن أبي خالد، وكان ديوان الرسائل وديوان الخاتم والتوقيع والأزمة إلى عمرو بن مسعدة، وكان أمر المأمون يدور على هؤلاء الثلاثة .
حدث الصولي عن أبي الحارث النوفلي قال: كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه، فلما مات أخوه الحسن قلت على لسان ابن بسام:

وإنما أخذه من قول أحمد بن يوسف الكاتب لبعض إخوانه من الكتاب، وقد ماتت له ببغا، وكان له أخ يضعف، فكتب إليه:
حدث أبو القاسم عبد الله بن محمد بن ناقيا الكاتب في «كتاب ملح الممالحة» قال: لما خرج عبد الله بن طاهر من بغداد إلى خراسان قال لابنه محمد: إن عاشرت أحدا بمدينة السلام فعليك بأحمد بن يوسف الكاتب، فإن له مروءة، فما عرج محمد حين انصرف من توديع أبيه على شيء حتى هجم على أحمد بن يوسف في داره، فأطال عنده، ففطن له أحمد فقال: يا جارية غدينا، فأحضرت طبقا وأرغفة نقية وقدمت ألوانا يسيرة وحلاوة وأعقب ذلك بأنواع من الأشربة في زجاج فاخر وآلة حسنة وقال: يتناول الأمير من أيها شاء. ثم قال له: إن رأى الأمير أن يشرف عبده ويجيئه في غد أنعم بذلك، فنهض وهو متعجب من وصف أبيه له، وأراد فضيحته فلم يترك قائدا جليلا ولا رجلا مذكورا من أصحابه إلا عرفهم أنه في دعوة أحمد بن يوسف، وأمرهم بالغدو معه، فلما أصبحوا قصدوا دار أحمد بن يوسف، وقد أخذ أهبته وأظهر مروءته، فرأى محمد بن النضائد والفرش والستور والغلمان والوصائف ما أدهشه، ونصب ثلاثمائة مائدة وقد حفت بثلاثمائة وصيفة، ونقل إلى كل مائدة ثلاثمائة لون في صحاف الذهب والفضة ومثارد الصين، فلما رفعت الموائد قال ابن طاهر: هل أكل من بالباب؟ فنظروا فإذا جميع من بالباب قد نصبت لهم الموائد فأكلوا، فقال: شتان بين يوميك يا أبا الحسن (كذا في هذه الرواية كناه بأبي الحسن) فقال: أيها الأمير ذاك قوتي وهذه مروءتي.
وحدث الصولي قال: كان من أول ما ارتفع به أحمد بن يوسف أن المخلوع لما قتل أمر طاهر الكتاب أن يكتبوا إلى المأمون فأطالوا، فقال طاهر: أريد أخصر من هذا، فوصف له أحمد بن يوسف فأحضره لذلك، فكتب: أما بعد فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة فقد فرق حكم الكتاب بينه وبينه في الولاية والحرمة، لمفارقته عصمة الدين، وخروجه عن إجماع المسلمين، قال الله عز وجل لنوح عليه السلام في ابنه: {يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} ولا صلة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة ما كانت في ذات الله. وكتبت إلى أمير المؤمنين وقد قتل الله المخلوع، وأحصد لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له وعده، فالأرض بأكنافها أوطأ مهاد لطاعته، وأتبع شيء لمشيئته. وقد وجهت إلى أمير المؤمنين بالدنيا وهو رأس المخلوع، وبالآخرة وهي البردة والقضيب، والحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين بحقه، والكائد له من خان عهده ونكث عقده حتى رد الألفة، وأقام به الشريعة، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فرضي طاهر ذلك وأنفذه ووصل أحمد بن يوسف وقدمه.
وحدث محمد بن عبدوس أنه لما حمل رأس المخلوع إليه وهو بمرو أمر المأمون بإنشاء كتاب عن طاهر بن الحسين ليقرأ على الناس، فكتبت عدة كتب لم يرضها المأمون والفضل بن سهل، فكتب أحمد بن يوسف هذا الكتاب فلما عرضت النسخة على ذي الرئاستين رجع نظره فيها ثم قال لأحمد بن يوسف: ما أنصفناك، ودعا بقهرمانه وأخذ القلم والقرطاس وأقبل يكتب بما يفرغ له من المنازل، ويعد له فيها من الفرش والآلات والكسوة والكراع وغير ذلك، ثم طرح الرقعة إلى أحمد بن يوسف وقال له: إذا كان في غد فاقعد في الديوان، وليقعد جميع الكتاب بين يديك، واكتب إلى الآفاق.
وحدث فيما رفعه إلى إبراهيم بن إسماعيل قال، قال: كثر الطلاب للصلات بباب المأمون، فكتب إليه أحمد بن يوسف: داعي نداك يا أمير المؤمنين ومنادي جدواك جمعا الوفود ببابك يرجون نائلك المعهود، فمنهم من يمت بحرمة، ومنهم من يدلي
بخدمة، وقد أجحف بهم المقام، وطالت عليهم الأيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن ينعشهم بسيبه، ويحقق حسن ظنهم بطوله فعل إن شاء الله تعالى.
فوقع المأمون: الخير متبع، وأبواب الملوك مظان لطالبي الحاجات ومواطن لهم، ولذلك قال الشاعر:
يسقط الطير حيث يلتقط الحب وتغشى منازل الكرماء فاكتب أسماء من ببابنا منهم، واحك مراتبهم ليصل إلى كل رجل قدر استحقاقه، ولا تكدر معروفنا عندهم بطول الحجاب وتأخير الثواب، فقد قال الشاعر:
حدث أحمد بن أبي طاهر قال: كتب صديق لأحمد بن يوسف الكاتب في يوم دجن إليه: يومنا ظريف النواحي، رقيق الحواشي، قد رعدت سماؤه وبرقت وحنت وارجحنت، وانت قطب السرور، ونظام الأمور، فلا تفردنا منك فنقل، ولا تنفرد عنا فنذل، فإن المرء بأخيه كثير وبمساعدته جدير. قال: فصار أحمد بن يوسف إلى الرجل وحضرهم من أرادوا، ثم تغيمت السماء فقال أحمد بن يوسف:
قال: فغنى فيه عثعث اللحن المشهور.
وأهدى أحمد بن يوسف هدية في يوم نوروز إلى المأمون وكتب معها:
وذكر الجهشياري قال كان يكتب لعبد الله بن علي: يوسف بن صبيح مولى بني عجل من ساكني سواد الكوفة، فذكر القاسم بن يوسف بن صبيح أن أباه حدثه أن عبد الله بن علي لما استتر عند أخيه سليمان بالبصرة علم أنه لا وزر له من أبي جعفر.
قال: فلم أستتر، وقصدت أصحابنا الكتاب فصرت في ديوان أبي جعفر، وأجرى لي في كل يوم عشرة دراهم، قال: فبكرت يوما إلى الديوان قبل فتح بابه ولم يحضر أحد من الكتاب، وإني لجالس عليه إذ انا بخادم لأبي جعفر قد جاء إلى الباب فلم ير غيري فقال لي: أجب أمير المؤمنين، فأسقط في يدي وخشيت الموت، فقلت له: إن أمير المؤمنين لم يردني، فقال: وكيف؟ قلت: لأني لست ممن يكتب بين يديه، فهم بالانصراف عني، ثم بدا له فأخذني وأدخلني، حتى إذا كنت دون الستر وكل بي ودخل، ولم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل فدخلت، فلما صرت على باب الايوان قال لي الربيع: سلم على أمير المؤمنين، فشممت رائحة الحياة فسلمت، فأدناني وأمرني بالجلوس، ثم رمى إلي بربع قرطاس وقال لي: اكتب وقارب بين الحروف، وفرج بين السطور، واجمع خطك، ولا تسرف في القرطاس. وكانت معي دواة شامية فتوقفت عن إخراجها، فقال لي: يا يوسف وأنت تقول في نفسك أنا بالأمس في ديوان الكوفة أكتب لبني أمية ثم مع عبد الله بن علي وأخرج الساعة دواة شامية؟ إنك إنما كنت في الكوفة تحت يدي غيرك وكنت مع عبد الله بن علي لي ومعي، والدوي الشامية أدب جميل ومن أدوات الكتاب، ونحن أحق بها، قال: فأخرجتها وكتبت وهو
يملي، فلما فرغت من الكتاب أمر به فأترب وأصلح وقال: دعه وكل العنوان الي، ثم قال لي: كم رزقك يا يوسف في ديواننا؟ فقلت: عشرة دراهم، فقال: قد زادك أمير المؤمنين عشرة دراهم أخرى رعاية لحرمتك بعبد الله بن علي ومثوبة لك على طاعتك ونقاء ساحتك، وأشهد أنك لو اختفيت باختفائه لأخرجتك ولو كنت في جحرة النمل، ثم زايلت بين أعضائك. فدعوت له وخرجت مسرورا بالسلامة.
كان للمأمون جارية اسمها مؤنسة، وكانت تعتني بأحمد بن يوسف، وكان أحمد بن يوسف يقوم بحوائجها، فأدلت على المأمون في بعض الأمور فأنكر عليها، وصار إلى الشماسية ولم يحملها معه، فاستحضرت نصرة خادم أحمد بن يوسف وحملته رسالة إلى مولاه بخبرها، وسألته التلطف لاصلاح نية المأمون، فلما عرفه الخادم ذلك دعا بدواته وقصد الشماسية فاستأذن على المأمون، فلما وصل اليه قال:
أنا رسول فأذن لي في تأدية الرسالة، فأنشده هذه الأبيات:
قال: قد فهمت الرسالة، فكن الرسول بالرضى، ووجه بياسر الخادم فحملها.
وكان موسى بن عبد الملك في ناحية أحمد بن يوسف، وهو خرجه وقدمه، قال الحسن بن مخلد: حدثني موسى بن عبد الملك قال: وهب لي أحمد بن يوسف (وكان يرمى بأنه كان يعبث بموسى بن عبد الملك يتعشقه) ألف ألف درهم في مرات، وكان عاتبه فيه محمد بن الجهم البرمكي، فكتب إليه أحمد بن يوسف:
فتقدم محمد إلى البجلي، وكان في ناحيته، فأجابه:
ذكر غرس النعمة في «كتاب الهفوات» حدثني محمد بن علي بن طاهر بن الحسين قال: كان أحمد بن يوسف يسقط السقطة بعد السقطة فتتلف نفسه في بعض سقطاته، وذلك أنه حكى علي بن يحيى بن أبي منصور أن المأمون كان إذا تبخر طرح له العود والعنبر، فإذا تبخر أمر باخراج المجمرة ووضعها تحت الرجل من جلسائه اكراما له، وحضر أحمد بن يوسف يوما، وتبخر المأمون على عادته ثم أمر بوضع المجمر تحت أحمد بن يوسف فقال: هاتوا ذا المردود، فقال المأمون: ألنا يقال هذا ونحن نصل رجلا واحدا من خدمنا بعشرة آلاف درهم (قال الصولي في كتاب الوزراء: بستة آلاف ألف دينار، وهو الصحيح) إنما قصدنا إكرامك وأن أكون أنا وأنت قد اقتسمنا بخورا واحدا، يحضر عنبر، فأحضر منه شيء في الغاية من الجودة في كل قطعة ثلاثة مثاقيل، وأمر أن تطرح قطعة في المجمر ويبخر بها أحمد ويدخل رأسه في زيقه حتى ينفد بخورها، وفعل به ذلك بقطعة ثانية وثالثة، وهو يستغيث ويصيح، وانصرف إلى منزله وقد احترق دماغه واعتل ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين وقيل أربع عشرة ومائتين وكانت له جارية يقال لها نسيم لها من قلبه مكان خطير، فقالت ترثيه:
وقالت أيضا ترثيه:
ومن شعر أحمد بن يوسف، كتب به إلى صديق له:
قال أحمد بن يوسف، وقد شتمه رجل بين يدي المأمون، للمأمون: قد والله يا أمير المؤمنين رأيته يستملي من عينيك ما يلقاني به.
وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وقد زاره إبراهيم بن المهدي: عندي من أنا عبده وحجتنا عليك إعلامنا اياك والسلام:
وأهدى إلى المأمون في يوم عيد هدية وكتب معها: هذا يوم جرت فيه العادة، باهداء العبيد إلى السادة، وقد أهديت قليلا من كثير عندي وقلت:
فقال المأمون: عاقل أهدى حسنا.
ومن شعره اللطيف:
وهو القائل في محمد بن سعيد بن حماد الكاتب، وكان يميل إليه وكان صبيا مليحا:
قال: وكان محمد بن سعيد يكتب بين يديه، فنظر إلى عارضه قد اختط في خده، فأخذ رقعة وكتب فيها:
ورمى بها إلى محمد بن سعيد، فكتب مجيبا، عظم الله أجرك في يا سيدي وأحسن لك العوض مني.
ومن شعر أحمد بن يوسف:
وعاش القاسم أخوه بعد، فقال يرثيه:
وكتب إلى إبراهيم بن المهدي: قد أحلك الله من الشرف أعلى ذروته، وبلغك من الفضل أبعد غايته، فما الآمال إلا إليك مصروفة، والأعناق نحوك معطوفة، وإليك تنتهي الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الحسنة، وبك تثنى الخناصر، وبعدك تعد الأكابر، وببحرك تسافر الرغائب، وتستفتح أغلاق المطالب، لا يستعطي النجح من رجاك، ولا تعروه النوائب في ذراك .

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 2- ص: 560