أحمد بن يوسف الكاتب أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح العجلي بالولاء، المعروف بالكاتب: وزير من كبار الكتاب. من أهل الكوفة. ولى ديوان الرسائل للمأمون، واستوزره بعد أحمد ابن أبي خالد الأحول، وتوفي ببغداد. وكان فصيحا، قوي البديهة، يقول الشعر الجيد، له (رسائل) مدونة. وهو صاحب البيت المشهور:
#إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسهـ ، فصدر الذي يستودع السر أضيق.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 272
أبو جعفر أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب العجلي مولاهم الكوفي
توفي في شهر رمضان سنة 213 ذكره أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق وفي معجم الأدباء قال غير أبي بكر مات سنة 214.
سبب موته
قال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق سمعت عون بن محمد الكندي يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن يوسف يقول: مات أبي بضيق اعتراه أياما وذاك أن المعتصم وسعيد بن سالم الباهلي كانا يكيدانه عند المأمون ويقعان فيه فدخل يوما إلى المأمون وهو يتبخر فأخرج المجمر من تحته وقال: اجعلوه تحت أحمد ليكرمه بذلك فتبخر به فرفعا إلى المأمون أنه قال لما اتي بالمجمر هات هذا المردود وانه قال في البيت لغلامه: ما هذا البخل على البخور ولو كان أمرلي ببخور مسانف كان أولى فحقدها عليه فقال: أيقال لي هذا وأنا أصل في يوم واحد رجلا واحدا بستة ألف ألف دينار وإنما أردت إكرامه، فدخل يوما أحمد على المأمون وهو يتبخر فقال: اجعلوا تحته قطع عنبر وضموا عليه شيئا يمنع البخار أن يخرج ففعلوا ذلك فصبر عليه حتى غلبه الأمر فصاح الموت والله فكشفوا عنه وغشي عليه. ثم انصرف فمكث في بيته شهرا عليلا من ضيق نفس حتى مات انتهى وفي الفخري وقيل: بل مات كمدا لبادرة بدرت منه فاطرحه المأمون لأجلها ’’انتهى’’. نسبته
(العجلي) نسبة إلى بني عجل قبيلة والك وفي نسبة إلى قرية من قرى (الكوفة) تعرف بدبا كما في كتاب الأوراق قال: يقال أن أبا صبيح منها مولى إسلام والصحيح ما يجئ بعد ثم حكى عن الحسين بن علي الكاتب أن صبيحا كان عبدا لبعض بني عجل فلما اعتقه تكنى بأبي القاسم. قال: وقال غيره كان الذي اعتقه بحر بن العلاء العجلي ثم روى بسنده عن جماعة من الكتاب أن السري بن بشر اشترى صبيحا فاعتقه وكان صبيح قبطيا قال وهذا هو الصحيح انتهى وقال ياقوت في معجم الأدباء: كان أخوه القاسم بن يوسف يدعي أنه من بني عجل ولم يدع أحمد ذلك. وقال المرزباني كان مولى لبني عجل ومنازلهم بسواد الكوفة انتهى. طائفته
هو وآباؤه وأخوه وولدهما طائفة كبيرة فيهم الكتاب والوزراء والشعراء والأدباء روى أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق بسنده عن ابن كناسة الأسدي أنه قال: خرجت الكوفة وسوادها جماعة من الكتاب فما رأيت فيهم بيتا أجل ولا أبرع أدبا من بيت أبي صبيح انتهى ويأتي قول ياقوت: كان أحمد وأخوه القاسم شاعرين أديبين وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة انتهى فكان أحمد صاحب الترجمة كاتبا شاعرا كتب للمأمون ووزر له كما ستعرف وكان جده القاسم بن صبيح كاتبا شاعرا خلف مولاه عتبة بن بحر بن العلاء على ديوان الغرب ثم كتب لعبد الله بن علي عم المنصور ذكر له الصولي في كتاب الأوراق ترجمة مفصلة وذكر شيئا من شعره وذكر أنه كان من عمال بني أمية والمقدمين عندهم وان من يفد على هشام بن عبد الملك كان يمدح القاسم بن صبيح لأنه كان جليلا نبيلا يلي أعمالا كثيرة لهشام فممن مدحه يزيد بن ضبة الثقفي وأبو النجم العجلي وذكر من مدائح أبي النجم فيه. وكان أبوه يوسف بن القاسم كاتبا شاعرا كتب لعبد الله بن علي عم المنصور كما كتب له أبوه ثم كتب يوسف ليعقوب بن داود وزير المهدي ذكر ذلك الصولي في كتاب الأوراق وأورد له ترجمة مفصلة وأورد شيئا من شعره وكان أخوه أبو محمد القاسم بن يوسف شاعرا أديبا ترجمه الصولي في الأوراق وأورد شيئا كثيرا من شعره وكان أسن من أحمد وبقي بعد أحمد مدة وكان أخوه علي بن يوسف شاعرا وبينهما مراسلة، وكان ولده عبد الله بن أحمد بن يوسف ظريفا كاتبا ترجمه الصولي في الأوراق وأورد من شعره. وكان ابنه محمد بن يوسف يروي عن أبيه أحمد وتأتي تراجمهم في أبوابها أن شاء الله.
أقوال العلماء فيه
قال ياقوت في معجم الأدباء: أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب الكوفي أبو جعفر من أهل الكوفة كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون ووزر للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد وكان أحمد وأخوه القاسم شاعرين أديبين وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة. قال الصولي: لما مات أحمد بن أبي خالد الأحول شاور المأمون الحسن بن سهل فيمن يكتب له ويقوم مقامه فأشار عليه بأحمد بن يوسف وبأبي عباد ثابت بن يحيى الرازي وقال هما اعلم الناس بأخلاق أمير المؤمنين وخدمته وما يرضيه فقال له اختر لي أحدهما فقال الحسن أن صبر أحمد على الخدمة وجفا لذته قليلا فهو أحبهما إلي لأنه أعرق في الكتابة وأحسنهما بلاغة وأكثر علما فاستكتبه المأمون وكان يعرض الكتب ويوقع ويخلفه أبو عباد إذا غاب من دار المأمون مترفعا عن الحال التي كان عليها أيام أحمد بن أبي خالد وكان ديوان الرسائل وديوان الخاتم والتوقيع والأزمة إلى عمرو بن مسعدة وكان أمر المأمون يدور على هؤلاء الثلاثة ’’انتهى’’.
وقال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق: أخبار أبي جعفر أحمد بن يوسف بن صبيح كاتب دولة بني العباس، وزر للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد وهو معرق في الكتابة والشعر وقد استقصيت أخباره في كتاب الوزراء الذي ألفته إلى أن قال وكان أخوه القاسم بن يوسف أسن منه وبقي القاسم بعده مدة ثم روى عن القاسم بن إسماعيل عن قعنب بن محرز الباهلي: كنا نقول لم يل الوزارة أشعر من أحمد بن يوسف حتى ولي محمد بن عبد الملك فكان أشعر منه. حدثني الحسن بن علي الباقطاني قال: اجتمع الكتاب عند أحمد بن إسرائيل فتذاكروا الماضين من الكتاب فاجمعوا أن أكتب من كان في دولة بني العباس أحمد بن يوسف وإبراهيم بن العباس وان كتاب دولتهم إبراهيم بن العباس ومحمد بن عبد الملك بن الزيات فإبراهيم أجودهما شعرا ومحمد أكثرهما شعرا ثم الحسن بن وهب وأحمد بن يوسف وأن أذكى كتاب الدولة وأجمعهم لمحاسن الكتابة من ذكاء وحفظ وفطنة جعفر بن يحيى وإسماعيل بن صبيح ’’انتهى’’.
وقال ابن الطقطقي في الآداب السلطانية المعروف بالفخري: وزارة أحمد بن يوسف بن القاسم للمأمون: كان من الموالي. وكان كاتبا فاضلا أديبا شاعرا فطنا بصيرا بأدوات الملك وآداب السلاطين ’’انتهى’’.
تشيعه
ليس عندنا ما يدل على تشيع أحد من هذه الطائفة صريحا سوى القاسم بن يوسف أخي المترجم فإنه شيعي قطعا ولكن المظنون تشيعهم جميعا للظن من تشيع الابن بتشيع الأب وبالعكس ومن تشيع الأخ بتشيع أخيه وان كان تخالف الأقارب في المذاهب قد يقع لكن خصوصيات المقام تختلف وقد رثى القاسم بن يوسف أخاه أحمد صاحب الترجمة وهو مما يؤيد تشيعه مضافا إلى كون أحمد من أهل الكوفة الغالب على أهلها التشيع وكلهم أيضا كوفيون كما يفهم مما مر عن ابن كناسة الأسدي ومر عن المرزباني أنه مولى لبني عجل ومنازلهم بسواد الكوفة.
بعض أخباره
في معجم الأدباء: حدث أبو القاسم عبد الله بن محمد بن ماميا الكاتب في كتاب ملح الممالحة قال: لما خرج عبد الله بن ظاهر من بغداد إلى خراسان قال لابنه محمد أن عاشرت أحدا بمدينة السلام فعليك بأحمد بن يوسف الكاتب فان له مروءة فما عرج محمد حين انصرف من توديع أبيه على شيء حتى هجم على أحمد بن يوسف في داره فأطال عنده ففطن له أحمد فقال يا جارية غدينا فأحضرت طبقا وأرغفة نقية وقدمت ألوانا يسيرة وحلاوة وأعقب ذلك بأنواع من الأشربة في زجاج فاخر وآلة حسنة وقال: يتناول الأمير من أيها شاء ثم قال له أن رأى الأمير أن يشرف عبده ويجيئه في غد أنعم بذلك فنهض وهو متعجب من وصف أبيه له وأراد فضيحته فلم يترك قائدا جليلا ولا رجلا مذكورا من أصحابه إلا عرفهم أنه في دعوة أحمد بن يوسف وأمرهم بالغدو معه فلما أصبحوا قصدوا دار أحمد بن يوسف وقد أخذ أهبته وأظهر مروءة فرأى محمد من النضائد والفرش والستور والغلمان والوصائف ما أدهشه ونصب ثلاثمائة مائدة وقد حفت بثلاثمائة وصيفة ونقل إلى كل مائدة ثلاثمائة لون في صحاف الذهب والفضة ومثارد الصين فلما رفعت المائدة قال ابن طاهر هل أكل من بالباب فنظروا فإذا جميع من بالباب قد نصبت لهم الموائد فأكلوا فقال شتان بين يوميك يا أبا الحسن كذا في هذه الرواية كناه بأبي الحسن فقال أيها الأمير ذاك قوتي وهذه مروءتي.
أخباره مع المأمون
في كتاب الأوراق حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف عن أبيه، قال جلس أحمد يقرأ الكتب بين يدي المأمون وهو وزير، فمرت قصة أصحاب الصدقات، فقال المأمون لأحمد: انظر في أمرهم، قد كثر ضجيجهم فقال: قد نظرت في أمرهم وقررته، ولكنهم أهل تعد وظلم، وبالباب منهم جماعة. فقال المأمون أدخلوهم إلي فدخلوا فناظروه فاتجهت الحجة عليهم، فقال احمد: هؤلاء ظلموا رسول الله (ص)، كيف يرضون بعده: قال الله عز وجل ومنهم من يلمزك في الصدقات فان أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. فعجب المأمون من حسن انتزاعه وحضور مراده في وقته، وقال: صدقت يا احمد، وأمر بإخراجهم. وقال: تحدث ابن طيفور أن المأمون قال لأحمد بن يوسف: إني أريد غسان بن عباد لأمر جليل. وكان يريده لولاية السند. لأنه أراد أن يعزل عنها بشر بن داود المهلبي لأشياء عظيمة عتب عليه فيها، وكان المأمون يعلم سوء رأي أحمد في غسان بن عباد فقال أحمد غسان رجل محاسنه أكثر من مساويه، لا تضرب به طبقة إلا انتصف منها مهما خيف عليه فإنه لا يأتي امرا يعتذر منه، لأنه قسم زمانه بين أيام الفضل فجعل لكل مكرمة وقتا فقال له المأمون لقد مدحته على سوء رأيك فيه فقال: إني لأمير المؤمنين كما قال الشاعر:
كفى ثمنا لما أسديت إني | صدقتك في الصديق وفي عداتي |
كفى ثمنا لما أسديت إني | صدقتك في الصديق وفي عدائي |
و إني حين تندبني لامر | يكون هواك أغلب من هوائي |
ترى صلا يخال بكل عضو | به من شدة الحركات قلبا |
أطع الله بجهدك | أبدا أو دون جهدك |
أعط مولاك كما | تطلب من طاعة عبدك |
أبا جعفر أن الشريف يشينه | تتايهه يوما على الأخ بالوفر |
فان تهت فينا بالذي نلت من غنى | فإن غناي في التجمل والصبر |
أ لم تر أن الفقر يرجى له الغنى | وإن الغنى يخشى عليه من الفقر |
أبا جعفر هلا اقتطعت مودتي | فكنت مصيبا في اجرا ومصنعا |
فكم صاحب قد جل عن قدر صاحب | فالقى له الأسباب فارتفعا معا |
أراك تراع حين ترى خيالي | فما هذا يروعك من خيالي |
لعلك خائف مني سؤالا | إلا فلك الأمان من السؤال |
كفيتك أن حالك لم تمل بي | لأطلب منك تبديلا بحالي |
وان العسر مثل اليسر عندي | بأيهما منيت فلا أبالي |
في عداد الموتى وفي ساكني الدنيا | أبو جعفر أخي وخليلي |
لم يمت ميتة الوفاة ولكن | مات عن كل صالح وجميل |
عندي من تبهج القلوب له | فان تخلفت كنت مغبونا |
مجلتهم ذات الإله ودينهم | قويم فما يرجون غير العواقب |
يسقط الطير حيث يلتقط الحب | وتغشى منازل الكرماء |
فإنك لن ترى طردا لحر | كالصاق به طرف الهوان |
قد كان عتبك مرة مكتوما | فاليوم أصبح ظاهرا معلوما |
نال الأعادي سؤلهم لا هنئوا | لما رأونا ظاعنا ومقيما |
والله لو أبصرتني لوجدتني | والدمع يجري كالجمان سجوما |
هبني أسات فعادة لك أن ترى | متفضلا متجاوزا مظلوما |
أبني سعيد إنكم من معشر | لا تحسنون كرامة الأضياف |
قوم لباهلة بن أعصر أن هم | فخروا حسبتهم لعبد مناف |
مطلوا الغداء إلى العشاء وقربوا | زادا لعمرو أبيك ليس بكافي |
بينا كذاك أتاهم كبراؤهم | يلحون في التبذير والإسراف |
وكأنني لما حططت إليهم | رحلي حططت بأبرق العزاف |
أبني سعيد إنكم من معشر | لا تثارون دماءكم أن طلت |
لجلجتم وحباكم معقودة | ولقلما تغني إذا هي حلت |
وإذا تشم أنوفكم رعم الغذا | أنت لعادتها إليه وحنت |
وبأي سيف تثارون دماءكم | وسيوفكم مذ أغمدت ما سلت |
يا صاح خذ في غير ذكر الطعام | دون طعام القوم كسر العظام |
وحالف النوم عسى أنه | يطوف منه طائف في المنام |
ما حرم الله على زائر | زادك يا عمرو وأكل الحرام |
الناس في فطر سوى شهرهم | ودهر أضيافك شهر الصيام |
على العبد حق فهو لا شك فاعله | وإن عظم المولى وجلت فضائله |
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله | وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للمليك بقدره | لقصر عبل البحر عنه وناهله |
ولكننا نهدي إلى من نجله | وإن لم يكن في وسعنا ما يشكاله |
أهدى إلى سيده العبد | ما ناله الإمكان والجهد |
وإنما أهدى له ماله | يبدأ هذا ولذا رد |
وعامل بالفجور يأمر بالبر | كأعمى يقود في الظلم |
أو كطبيب قد شفه سقم | وهو يداوي من ذلك السقم |
يا واعظ الناس غير متعظ | ثوبك طهر أولا فلا تلم |
تطاول باللقاء العهد منا | وطول البعد يقرح في القلوب |
أراك وان نايت بعين قلبي | كأنك نصب عيني من قريب |
فهل لك في الرواح إلى حبيب | يقر بعينه قرب الحبيب |
ما على ذا كنا افترقنا بشيراز | ولا هكذا عقدنا الإخاء |
لم أكن أحسب الامارة يزادد | بها ذو الوفاء إلا صفاء |
تطعن الناس بالمثقفة السمر | على غدرهم وتنسى الوفاء |
لنا صديق تارك للأدب | أخوانه من نوكه في تعب |
غير صدوق في أحاديثه | وليس يدري كيف وضع الكذب |
مخالف بغضب عند الرضا | جهلا ويرضى عند وقت الغضب |
كأنه من سوء تأديبه | أسلم في كتاب سوء الأدب |
نفسي على حسراتها موقوفة | فوددت لو خرجت مع الحسرات |
لو في يدي حساب أيامي إذا | ألقيته متطلبا لوفاتي |
لم أبك حبا للحياة وإنما | أبكي مخافة أن تطول حياتي |
الناس في الدنيا أحاديث | تبقى ولا تبقى المواريث |
فرحمة الله على هالك | طابت له فيها الأحاديث |
أعرضت عند وداعنا بفراقكم | وصددت ساعة لا يكون صدود |
يا ليت شعري هل حفظت على النوى | عهدي فحفظ العهد فيه شديد |
زعمت قرينة أن حبك بادا | كذبت قرينة بل نمى وزدادا |
أقرين أن توجدي وتشوقي | منع الرقاد فما أحس رقادا |
وهواي بالبلد الذي أوطنته | لا ابتغي أبدا سواه بلادا |
كم ذكرة لك هيجت لي حسرة | وجرى لها ماء الشؤون وجادا |
أقرين لو أبصرتني لرثيت لي | بين الرفاق أسائل الورادا |
أكني بغيرك والهوى بك مفصح | عجبا لذاك تتفاوتا وبعادا |
هلا رثيت لهائم يفني بكم | ليل التمام تقلبا وسهادا |
إن لم أكن ورد المنية هالكا | فلقد ألم بوردها أو كادا |
أقول لها بقيا عليها من الهوى | وقاك إله الناس أن تجدي وجدي |
وفي الموت لي من لوعة الحب راحة | ولكنني أخشى ندامتها بعدي |
أتيتك مشتاقا وما لي حاجة | سواه وشكري في اللقاء موفر |
فلم أر إلا آذنا متلونا | يقدم رجلا مرة ويؤخر |
ومن دونه باب يلوح خلاله | صفائح ساج والحديد المسمر |
فأبت بما لو يستقل ببعضه | أبان لخر الشاهق المتوعر |
ولست بات أو أرى منك صولة | يذل لها والي الحجاب ويقصر |
تركتك والهجران لا عن ملالة | ورددت يأسا من إخائك في فكري |
وألزمت عزمي عن فراقك خطة | حملت لها نفسي على مركب وعر |
وإني وأن رقت عليك ضمائري | فما قدر حبي أن أذل له قدري |
سأخمد مني ما حييت عزيمتي | ويعجب طول الدهر هجرك من صبري |
قد آمنا بك يا | فضل من الدهر العثارا |
واتيناك اختيارا | لك لم نأت اضطرارا |
ظهر الفراق فاظهري جزعا | ودعي العتاب فإننا سفر |
إن المحب يصد مقتربا | فإذا تباعد شاقه الذكر |
يتهاجران لستر أمرهما | ولقد يدل عليهما الهجر |
عذب الفراق لنا قبيل وداعنا | ثم اقتبلناه كسم ناقع |
وكأنما اثر الدموع بخدها | طل سقيط فوق ورد يانع |
أجمعت ظالمة على تركي | فسعى العدو علي بالإفك |
لو دام عهدك ما تنصح بي | من كان كف لخوفه منك |
هل فيك من طمع لذي أمل | أم للأسير لديك من فك |
أبغي تقربها فيبعدها | عز الهوى وعزائم الفتك |
وترى عليها في تبدلها | خفر الحياء وبهجة الملك |
إني لأحسب طول صبوتها | عني سيسلمني إلى الهلك |
أنت تبقى ونحن طرا فداكا | أحسن الله ذو الجلال عزاكا |
فلقد جل خطب دهر أتانا | بمقادير أتلفت ببغاكا |
عجبا للمنون كيف أتتها | وتخطت عبد الحميد أخاكا |
كان عبد الحميد أصلح للموت | من الببغا وأولى بذاكا |
شملتنا المصيبتان جميعا | فقدنا هذه ورؤية ذاكا |
لست أنسى لدي | الرصافة والناس وقف |
حين باحت بما تكاتم | والعين تذرف |
وحشاها من الغواية | والخوف ترجف |
منذ ولت مدلة | تتالى وتحلف |
قد أنافت على الترب | عشر ونيف |
ما لها في الجمال شبه | من الناس يعرف |
يا ظالما إذ أعرضا | لا تخجلن من الرضا |
أن كان أمرضك الهوى | فهواك قدما أمرضا |
وتركت قلبي هائما | وتركت جسمي ممرضا |
راجع فقد غفر الهوى | لك من ذنوبك ما مضى |
إني أراك كما ترا | ني لرضا متعرضا |
وقفنا على دار لسلمى فلم تبن | وهاجت هوى نفس شديد غليلها |
ولو أن ربعا رد رجع تحية | لردت لنا رجع السلام طلولها |
لقد وكلت نفسي بسلمى وأهلها | وان لم تكن سلمى بذاك تنيلها |
يعاودني من ذكرها الشوق والهوى | وعين على سلمى طويل همولها |
إذا أفصحت بالدمع قلت لصاحبي | قذاة بجفن العين سوف أجيلها |
وما ذاك إلا حب سلمى وعبرة | تخبر عن عيني به فتسيلها |
لأعطي سليمى خير شيء تحبه | وأهل لان تعطى ويبذل سولها |
إذا نزلت سلمى محولا تازرت | من النبت حتى تستريض محولها |
إذا ما التقينا والعيون نواظر | فألسننا حرب وأعيننا سلم |
وتحت استراق اللحظ منا مودة | تطلع سرا حيث لا يبلغ الوهم |
محب شفه ألمه | وخامر جسمه سقمه |
وباح بما يجمجمه | من الأسرار مكتتمه |
أما ترثي لمكتئب | يحبك لحمه ودمه |
يغار على قميصك | حين تلبسه ويتهمه |
صحيح تمنى أن يكون به سقم | ليرحمه بالوصل من شأنه الصرم |
فيا ليت أن الشكور والضر حل بي | وصح لفضل طول مدته الجسم |
وليس بمظلوم إذا ذل عاشق | بعزة معشوق تغالى به الظلم |
كثير هموم النفس حتى كأنما | عليه جواب السائلين حرام |
إذا قيل ما أضناك باحت دموعه | بإظهار ما يخفي وليس كلام |
أن كفي إذا التقينا تراها | تتنزى إلى قفا حيان |
ولها عطفة ولا بد منها | بعده في قفا أبي عثمان |
ذهبت كل لذة لي إلا | لذتي في تفقد الأخوان |
واشتغافي بصفع من يدي | الشعر بلا خبرة ولا احسان |
قل للعلاء بن وضاح فتى المنن | يا مشتري الحمد بالغالي من الثمن |
أنت الذي لان للأخوان جانبه | وان تعاوره الأعداء لم يلن |
مولاته هي حقا حين يهواها | والناس يدعونه باللفظ مولاها |
يجلها أن دعاها أن تلبيه | فان دعته لما تهواه لباها |
يبكي الفراق حذارا قبل فرقتها | ويشتكي شكوها من قبل شكواها |
يسئ من شدة الوجد الظنون بها | حتى يجيل ظنونا ليس يخشاها |
فإذا شربت كثيره فكثيره | سرج عليك لمركب الشيطان |
فاحذر بجهدك أن تكون جنيبة | بعد العشاء تقاد بالاشطان |
سكران تنعر في الطريق إلا ألا | غلب العزاء فبحث بالكتمان |
فتظل بين الضاحكين كبومة | عمياء بين جماعة الغربان |
قلبي يحبك يا منى | قلبي ويبغض من يحبك |
لأكون فردا في هواك | فليت شعري كيف قلبك |
أأحمد أنت للإنعام أهل | يمل السائلون ولا تمل |
كأنك في الكتاب وجدت لاء | محرمة عليك فما تحل |
فما ندري لفرطك في العطايا | انكثر من سؤالك أم نقل |
إذا ورد الشتاء فأنت صيف | وإن ورد المصيف فأنت ظل |
رماك الدهر بالحدث الجليل | فعز النفس بالصبر الجميل |
أترجو سلوة وأخوك ثاو | ببطن الأرض تحت ثرى مهيل |
ومثل أخيك فلتبك البواكي | لمعضلة من الخطب الجليل |
وزير الملك يرعى جانبيه | بحسن تيقظ وصواب قيل |
ولو أن ميتا هابه الموت قبله | لما جاءه المقدار وهو هيوب |
ولو أن حيا قبله هابه الردى | إذا لم يكن للأرض فيه نصيب |
نفسي فداؤك لو بالناس كلهم | ما بي عليك لهنوا أنهم ماتوا |
وللورى موتة في الدهر واحدة | ولي من الهم والأحزان موتات |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 207
وزير المأمون أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب القفطي أبو جعفر من أهل الكوفة. كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون وكان أخوه القاسم بن يوسف يدعي أنه من بني عجل ولم يدع أحمد ذلك. قال المرزباني: كان مولى لبني عجل ومنازلهم الكوفة. وزر أحمد للمأمون بعد أحمد ابن أبي خالد ومات في قول الصولي سنة ثلاث عشرة وقال غيره: سنة أربع عشرة ومائتين. وكان أحمد وأخوه شاعرين أديبين وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة. حدث الصولي عن أبي الحارث النوفلي قال: كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه فلما مات أخوه الحسن قلت على لسان ابن بسام:
قل لأبي القاسم المرجى | قابلك الدهر بالعجائب |
مات لك ابن وكان زينا | وعاش ذو الشين والمعائب |
حياة هذا كموت هذا | فليس تخلو من المصائب |
أنت تبقى ونحن طرا فداكا | أحسن الله ذو الجلال عزاكا |
فلقد جل خطب دهر أتانا | بمقادير أتلفت ببغاكا |
عجبا للمنون كيف أتاها | وتخطت عبد الحميد أخاكا |
كان عبد الحميد أصلح للمو | ت من الببغا وأولى بذاكا |
شملتنا المصيبتان جميعا | فقدنا هذه ورؤية ذاكا |
ولقد غبنت الدهر إذ شاطرته | بأبي الحسين وقد ربحت عليه |
وأبو محمد الجليل مصابه | لكن يمين المرء خير يديه |
على العبد حق فهو لا شك فاعله | وإن عظم المولى وجلت فضائله |
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله | وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للكريم بقدره | لقصر فضل المال عنه وسائله |
ولكننا نهدي إلى من نعزه | وإن لم يكن في وسعنا ما يعادله |
لا تعذلني يا أبا جعفر | لوم الأخلاء من اللوم |
إن استه مشربة حمرة | كأنها وجنة ملكوم |
لست بلاحيك على حبه | ولست في ذاك بمذموم |
لأنه في استه سخنة | كأنها سخنة محموم |
ولو أن ميتا هابه الموت قبله | لما جاءه المقدار وهو هيوب |
ولو أن حيا قبله صانه الردى | إذا لم يكن للأرض فيه نصيب |
نفسي فداؤك لو بالناس كلهم | ما بي عليك تمنوا أنهم ماتوا |
وللورى موتة في الدهر واحدة | ولي من الهم والأحزان موتات |
إذا ما التقينا والعيون نواظر | فألسننا حرب وأبصارنا سلم |
وتحت استراق اللحظ منا مودة | تطلع سرا حيث لا يبلغ الوهم |
كم ليلة فيك لا صباح لها | أحييتها قابضا على كبدي |
قد غصت العين بالدموع وقد | وضعت خدي على بنان يدي |
وأنت نامت عيناك في دعة | شتان بين الرقاد والسهد |
كأن قلبي إذا ذكرتكم | فريسة بين مخلبي أسد |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 8- ص: 0
أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب القفطي أبو جعفر: من أهل الكوفة، كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون، وكان أخوه القاسم بن يوسف يدعي أنه من بني عجل، ولم يدع أحمد ذلك.
قال المرزباني: هو مولى لبني عجل، ومنازلهم بسواد الكوفة. وزر أحمد
للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد. مات في قول الصولي في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة ومائتين وقال غيره سنة أربع عشرة ومائتين، وكان أبوه يوسف يكنى أبا القاسم، وكان يكتب لعبد الله بن علي عم المنصور، وله شعر حسن وبلاغة. وكان أحمد وأخوه القاسم شاعرين أديبين، وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة.
حكى عن المأمون وعبد الحميد بن يحيى الكاتب وحكى عنه ابنه محمد بن أحمد بن يوسف وعلي بن سليمان الأخفش وغيرهما.
قال الصولي: لما مات أحمد بن أبي خالد الأحول شاور المأمون الحسن بن سهل فيمن يكتب له ويقوم مقامه، فأشار عليه بأحمد بن يوسف وبأبي عباد ثابت بن يحيى الرازي، وقال: هما أعلم الناس بأخلاق أمير المؤمنين وخدمته وما يرضيه فقال له: اخترلي أحدهما، فقال الحسن: إن صبر أحمد على الخدمة وجفا لذته قليلا فهو أحبهما إلي لأنه أعرق في الكتابة وأحسنهما بلاغة وأكثر علما، فاستكتبه المأمون، وكان يعرض الكتب ويوقع، ويخلفه أبو عباد إذا غاب عن دار المأمون مترفعا عن الحال التي كان عليها أيام أحمد بن أبي خالد، وكان ديوان الرسائل وديوان الخاتم والتوقيع والأزمة إلى عمرو بن مسعدة، وكان أمر المأمون يدور على هؤلاء الثلاثة .
حدث الصولي عن أبي الحارث النوفلي قال: كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه، فلما مات أخوه الحسن قلت على لسان ابن بسام:
قل لأبي القاسم المرجى | قابلك الدهر بالعجائب |
مات لك ابن وكان زينا | وعاش ذو الشين والمعايب |
حياة هذا كموت هذا | فليس تخلو من المصائب |
أنت تبقى ونحن طرا فداكا | أحسن الله ذو الجلال عزاكا |
فلقد جل خطب دهر أتانا | بمقادير أتلفت ببغاكا |
عجبا للمنون كيف أتاها | وتخطت عبد الحميد أخاكا |
كان عبد الحميد أصلح للموت | من الببغا وأولى بذاكا |
شملتنا المصيبتان جميعا | فقدنا هذه ورؤية ذاكا |
فانك لن ترى طردا لحر | كالصاق به طرف الهوان |
أرى غيما تؤلفه جنوب | وأحسب أن سيأتينا بهطل |
فعين الرأي أن تدعو برطل | فتشربه وتدعو لي برطل |
وتسقيه ندامانا جميعا | فيفترقون منه بغير عقل |
فيوم الغيم يوم الغم إن لم | تبادر بالمدامة كل شغل |
ولا تكره محرمها عليها | فإني لا أراه لها بأهل |
على العبد حق فهو لا بد فاعله | وان عظم المولى وجلت فضائله |
ألم ترنا نهدي إلى الله ما له | وان كان عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للكريم بقدره | لقصر فضل المال عنه وسائله |
ولكننا نهدي إلى من نعزه | وان لم يكن في وسعنا ما يعادله |
قد كان عتبك مرة مكتوما | فاليوم أصبح ظاهرا معلوما |
نال الأعادي سؤلهم لا هنئوا | لما رأونا ظاعنا ومقيما |
هبني أسأت فعادة لك أن ترى | متجاوزا متفضلا مظلوما |
لا تعذلني يا أبا جعفر | لوم الأخلاء من اللوم |
إن استه مشربة حمرة | كأنها وجنة مكلوم |
لست بلاحيك على حبه | ولست في ذاك بمذموم |
لأن في أسفله سخنة | كأنها سخنة محموم |
ولو أن ميتا هابه الموت قبله | لما جاءه المقدار وهو هيوب |
ولو أن حيا قبله صابه الردى | إذا لم يكن للأرض فيه نصيب |
نفسي فداؤك لو بالناس كلهم | ما بي عليك تمنوا أنهم ماتوا |
وللورى موتة في الدهر واحدة | ولي من الهم والأحزان موتات |
تطاول باللقاء العهد منا | وطول العهد يقدح في القلوب |
أراك وان نأيت بعين قلبي | كأنك نصب عيني من قريب |
فهل لك في الرواح إلى حبيب | يقر بعينه قرب الحبيب |
عندي من تبهج العيون به | فإن تخلفت كنت مغبونا |
أهدى إلى سيده العبد | ما ناله الإمكان والوجد |
وإنما أهدى له ماله | يبدأ هذا ولذا رد |
إذا ما التقينا والعيون نواظر | فألسننا حرب وأبصارنا سلم |
وتحت استراق اللحظ منا مودة | تطلع سرا حيث لا يبلغ الوهم |
صد عني محمد بن سعيد | أحسن العالمين ثاني جيد |
صد عني لغير جرم إليه | ليس الا لحسنه في الصدود |
لحاك الله من شعر وزادا | كما ألبست عارضه الحدادا |
أغرت على تورد وجنتيه | فصيرت احمرارهما سوادا |
كثير هموم النفس حتى كأنما | عليه كلام العالمين حرام |
إذا قيل ما أضناك أسبل دمعه | يبوح بما يخفي وليس كلام |
رماك الدهر بالحدث الجليل | فعز النفس بالصبر الجميل |
أترجو سلوة وأخوك ثاو | ببطن الأرض تحت ثرى مهيل |
ومثل أخيك فلتبك البواكي | لمعضلة من الخطب الجليل |
وزير الملك يرعى جانبيه | بحسن تيقظ وصواب قيل |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 2- ص: 560