الفزاري
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، أبو اسحاق، برهان الدين ابن الفركاح: من كبار الشافعية. مصري الأصل ن من أهل دمشق، من بيت علم، عرض عليه قضاء قضاة الشام، فأبى، منقطعا للتدريس والعبادة. وتوفي في دمشق. من كتبه (تعليق على التنبيه) في فقه الشافعية، و (تعليق على مختصر ابن الحاجب) في أصول الفقه، و (باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس - خ) و (الاعلام بفضائل الشام - خ) و (المنائح لطالب الصيد والذبائح - خ) وكتاب (شيوخه) منه قطعة مخطوطة في الظاهرية تشتمل على اسماء 88 شيخا.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 45
الشيخ برهان الدين ابن الفركاني إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء هو الشيخ الإمام العلامة الورع شيخ الشافعية برهان الدين أبو إسحاق الفزاري الصعيدي الأصل الدمشقي مدرس البادرائية وابن مدرسها، وسيأتي ذكر والده الشيخ تاج الدين إن شاء الله تعالى في حرف العين في موضعه، كان جده فقيها يؤم بالرواحية، وولد الشيخ برهان الدين سنة ستين وأمه أم ولد عاشت إلى بعد العشرين وسبع مائة، أسمعه أبوه الكثير في الصغر من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر والموجودين، وبرع في الفقه على والده وقرأ العربية على عمه شرف الدين وقرأ الأصول وبعض المنطق وتفنن وجود الكتابة ونشأ في صون وخير وإكباب على العلم والإفادة عمره كله، درس واشتغل بعد أبيه وتخرج به الأصحاب وأذن في الفتوى لجماعة، وانتهى إليه إتقان غوامض المذهب وعلق في التنبيه شرحا حافلا في مجلدات، وكان عذب العبارة صادق اللهجة طلق اللسان طويل الدروس يوردها كالفاتحة يكاد يقول في مسائل الرافعي: هذه المسألة في المجلد الفلاني في الكراس الفلاني في الصفحة الفلانية، لأنه دربه وأدمن مطالعته، وفرع من الوسيط دروسا ألقاها، وكان له حظ من صلاة وصيام وذكر ولطف وتواضع ولزوم خير وكف عن الغيبة وعن أذى الناس، وتنجز مرسوم السلطان بأنه لا يحضر المجالس التي تعقدها الدولة، وكان كل شهر أو أكثر يعمل طعاما لفقهاء البادرائية ويدعوهم إليه ويقف في خدمتهم ويقدم أمدستهم ويقول لكل واحد: آنستمونا وجبرتمونا، وإذا أحضرت إليه الجامكية يقول: أخذ الفقهاء؟ فإن قالوا: نعم، أخذها وإلا ردها، وكان واسع البذل يعود المرضى ويشهد الجنائز وفيه طولة روح على تفهيم الطلاب وثناء على فضائلهم وسعي لهم في حوائجهم، وحج مرات، وكان لطيف المزاج نحيفا أبيض حلو الصورة رقيق البشرة معتدل القامة قليل الغذاء جدا يديم التنقل بالخيار شنبر ليذهب يبسه، وربما انزعج في المناظرة وله مسائل يشذ فيها مغمورة في بحر علمه كنظرائه من العلماء، خرج له الشيخ صلاح الدين العلائي وغيره وحدث بالصحيحين وقرأ عليه الشيخ شمس الدين مشيخة ابن عبد الدائم، ولي الخطابة بالجامع الأموي بعد عمه شرف الدين وعزل نفسه بعد شهر وغضب لما بلغه أنهم سعوا في أخذ البادرائية عنه، ولما توفي ابن صصرى طلب للقضاء فامتنع وألحوا عليه فصمم، وكان يخالف الشيخ تقي الدين في مسائل ومع ذلك فما تهاجرا ولا تقاطعا بل كان كل منهما يحترم الآخر، ولما توفي ابن تيمية استرجع وشيع جنازته وأثنى عليه، وكان فيه رفق ورحمة يكره الفتن ولا يدخل فيها وله جلالة ووقع في النفوس، وكانت جنازته مشهودة، توفي في سنة تسع وعشرين وسبع مائة ودفن عند والده بمقابر باب الصغير.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الشيخ الإمام الورع العلامة شيخ الشافعية، برهان الدين أبو إسحاق الفزاري، الصعيدي الأصل، الدمشقي الشافعي، مدرس الباذرائية وابن مدرسها الشيخ تاج الدين.
سمعه والده الكثير في صغره من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر والموجودين في ذلك العصر.
قرأ العربية على عمه شرف الدين الفزاري، وتفقه على والده، وقرأ الأصول وبعض المنطق، وكان يخالف الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسائل، وما تهاجرا قط، وكل منهما يحترم صاحبه إذا اجتمعا، ولما بلغته وفاته استرجع وشيع جنازته.
وكان رحمه الله تعالى قد نشأ في صيانه ورقى في ديانه، وإكباب على العلم والإفادة طول عمره، وتواضع وخير من أول حاله إلى خاتمة أمره، وزاد اشتغاله بعد أبيه، وطالع ونظر، وما اقتصر على التنبيه، يكاد يستحضر غالب الرافعي في مسائله، ويورد لفظه بتقاريره ودلائله، حتى يقول: هذه المسألة في الصفحة الفلانية من المجلد الفلاني، ويكشف عليه فما يخطئ الصواب بل يقارب ويداني، اشتهر بذاك، وعلم جميع الكتاب حتى كأنه باب السواك، وعلق على التنبيه شرحا حافلا، وأتى به لغوامض المذهب كافلا، لو أنصفه الناس لم ترفع لغير الرافعي راية، وتحققوا أن بداية هذا الكتاب مثل النهاية، ولا بد لهذا الشرح من وقت يوفى فيه حقه، ويعطيه الطاعة كل فاضل، فما يعوقه عن التقديم على غيره ولا يعقه، مع ما في فضله من فضول في بعض الفصول، وزيادات بيان لا تعلق لها بالفروع ولا الأصول. وعلق على منهاج النووي جزءا لطيفا فيه نتف، وكلامه فيه أطرب من حمام الأيك إذا هتف.
وكان صادق اللهجة فيما ينقله، حاذق المهجة فيما يتروى فيه أو يتعلقه، طويل الروح على الدرس والإشغال، كثير التوغل في الإيضاح والإيغال، حريصا على تفهيم الطالب، يود لو بذلك كنوز العلم وما فيه من المطالب، لا يعجبه من يورد عليه تشكيكا، ولا من يطلب منه تنزيل ألفاظ ولا تفكيكا، لأنه هو فيما بعد ذلك يتبرع، فما يحب من غيره أن يسابقه ولا يتسرع، وذلك ليبس في مزاجه، وحدة تلحقه عند انزعاجه، وحاجة إلى استعمال خيار الشمبر لعلاجه، فقد كان ذلك نقله على الدوام، ولا يخل باستعماله في يوم من الأيام، وكان رقيق البشرة، ظاهرة الوضاءة، كأن وجهه حبره، وله حظ وافر من صدقة وصيام وتهجد في الليل وقيام، قل أن يخرج الشهر وما يعمل فيه لأهل مدرسته طعاما، ويدخلهم إلى منزله فرادا وتوأما، ويقف لهم عند الباب ويدعو لهم ويشكرهم، ويعرفه بالميعاد الثاني وينذرهم. وفتاويه كلها مسددة، واحترازاته وقيوده فيها مشددة. قد كف لسانه وسمعه عن الغيبة ومنعها من مجلسه دفعه، منجمعا عن الناس يجد في الوحشة منهم غاية الإيناس، وتنجز من السلطان مرسوما أن لا يحضر مجلسا إذا عقد، ولا يطلب لذلك إذا فقط. وطلب للقضاء بعد ابن صصرى فاستعفى لذلك وصمم، وألح عليه الأمر سيف الدين تنكز فخصص الامتناع وعمم، وحج غيرة مرة، وتجرع من التكلف لذلك كل مرة.
وحدث بالصحيحين، وفاز من الرواية والدراية بالقدحين الربيحين. وخرج له الشيخ صلاح الدين العلائي مشيخة قرئت عليه، وسردها الناس لديه.
وولي الخطابة بالجامع الأموي بعد عمه الشيخ شرف الدين، ثم عزل نفسه، وقلع منها ضرسه.
ولم يزل على تلك الطريقة التي أخذها عن السلف، وتفرد بارتكابها في الخلف، إلى أن جاء المحاق لبدره، وانطبقت على درته الثمينة صدفتا قبره، ففجع الناس فيه، وعدموا اللؤلؤ الذي كان يقذفه بحر علمه من فيه، وراح إلى الله على أتم سداد، وأكمل اعتداد ليوم المعاد. وكانت جنازته مشهودة، وآلاف من حضرها غير معدودة، فرحم الله روحه، ونور بالمغفرة ضريحه.
مولده في شهر ربيع الأول سنة ستين وست مئة، ووفاته في يوم الجمعة سابع جمادى الأولى في سنة تسع وعشرين وسبع مئة.
وله نظم ونثر متع، لا ينحط في ذلك ولا يرتفع، ومنه قوله، وقد ترك الخطابة:
وإني لأستحيي من الله كلما | وقفت خطيبا واعظا فوق منبر |
ولست بريئا بينهم فأفيدهم | ألا إنما تشفي مواعظ من بري |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 85
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري الصعيدي الأصل ثم الدمشقي برهان الدين ابن الفركاح ولد سنة ستين وقرأ العربية على عمه والفقه على أبيه وسمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وكان مع مخالفته للشيخ تقي الدين ابن تيمية لا يهجره ولما مات شيع جنازته وقعد لعزائه وشرح التنبيه وعلق على المنهاج وكان مشكور الدروس إلا أنه لا يعجبه من يشكك عليه ولا يستشكل وكان له حظ من عبادة وفتاويه مسددة وعرض عليه القضاء بعد ابن صصرى فامتنع وصمم وخطب بالجامع بعد عمه بولاية ثم ترك لما بلغه أنهم سعوا في البادرائية ودرس بالبادرائية وكان جده فقيها كبيرا يؤم بالرواحية ومات سنة 53 ونشأ أبوه وعمه فاشتهرا وقرأ هو على أبيه فبرع في المذهب وأتقن العربية على عمه وقرأ الأصول وتفنن وجود الكتابة ونشأ في تصون وخير وإكباب على العلم وتخرج به الفضلاء وأذن لجماعة وانتهت إليه رئاسة المذهب وكان عذب العبارة صادق اللهجة طلق اللسان طويل النفس في الدروس يوردها كأنه يقرأ الفاتحة وكان له حظ من صلاة وصيام وذكر ولطف وتواضع ولزوم الخير والكف عن الغيبة وأذية الغير مع الفتوة والبذل والإحسان إلى الناس بالعيادة وشهود الجنائز والتودد إلى الطلبة في تفهيمهم وطول روحه عليهم وكان يسعى لهم وكان يثني على فاضلهم مع لطافه مزاج وكان نحيفا أبيض حلو الصورة رقيق البشرة معتدل القامة قال الذهبي وكان ربما انزعج في المناظرة وله مسائل ينفرد بها مغمورة في بحر علمه كنظرئه وكانت له جلالة ووقع في النفوس في رحمة ورفق وكراهة للفتن والشرور قال الذهبي في المعجم المختص سمع الكثير من ابن عبد الدائم فمن بعده وكتب بعض مسموعاته وكان يدري علوم الحديث مع الدين والورع وحسن السمت والتواضع وقال الكمال جعفر كان فقيها أصوليا متدينا ثقة انتهت إليه رئاسة مذهب الشافعي بإقليمه وتصدى للإقراء وانتفعوا به وتخرج به جماعة وولي وكالة بيت المال ثم تركها ازدراء لها ولم يزل مشتغلا بما يعنيه زاهدا في المناصب إلى أن مضى على وجه جميل ثم قال أنشدنا محمد بن علي الأنفي أنشدنا البرهان الفزاري لنفسه
وإني لأستحيي من الله كلما | وقفت خطيبا واعظا فوق منبري |
ولست بريئا بينهم فيبذهم | ألا إنما يلقى المواعظ من برى |
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن ضياء بن سباع الفزاري الشيخ برهان الدين بن الفركاح
فقيه الشام وبركته الذي ليس برقه بشام وشيخه الذي زاد يمنه على أنواء الغمام
تلقى علما كثيرا وتوقى في نقله الخطأ فأصاب أجرا كبيرا وترقى إلى درجات عالية يطل من شرفاتها فيبصر سراجا وقمرا منيرا
وكان يغدو في جوانب دمشق ويروح ويعدو وهو بلطف الله ممدودة وبثناء العباد ممدوح ويبدو كالقمر المنير وجهه فيسر القلب ويمازح الدم والروح
مولده في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة
وسمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر ويحيى بن الصيرفي وغيرهم
وتفقه على والده
وكان ملازما للشغل بالعلم والإفادة والتعليق سديد السيرة كثير الورع مجمعا على تقدمه في الفقه ومشاركته في الأصول والنحو والحديث
أجاز لنا في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
وتوفي في جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبعمائة بالمدرسة البادرائية بدمشق
أخبرنا شيخ الشافعية أبو إسحاق الفزاري إذنا أخبرنا أحمد بن عبد الدائم بن نعمة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة أخبرنا محمد بن الفضل أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا أبو أحمد الجلودي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا مسلم بن الحجاج حدثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حمل علينا السلاح فليس منا
اختار الشيخ برهان الدين جواز نقل الزكاة
وأنه لا يكره الجلوس للتعزية
وسبقه إلى ذلك والده الشيخ تاج الدين زاد الشيخ برهان الدين بل ينبغي أن يستحب
ورجح أيضا تبعا لوالده أن المراد بالساعات في حديث التبكير إلى الجمعة من الزوال كما يقوله صاحب التهذيب والروياني
كتب الشيخ المصنف أسبغ الله ظلاله إلى الشيخ الإمام العالم الأديب النحرير الفاضل المحدث المفيد برهان الدين أبي إسحاق بن الشيخ العالم شرف الدين عبد الله القيراطي المصري من دمشق المحروسة يتشوق إليه في جمادى الآخرة سنة أربع وستين وسبعمائة
يقبل الأرض أدبا بين يدى قبلة الأدب ويوجه وجهه عروض بيتها الذي رفع إبراهيم قواعده بكل وتد وسبب ويقلب قلبه فإذا ميلتها الذكرى له قام كأنه يتمشى هناك بالأحداق ومد يده لكأس الطرب وأنشد
أمد كفي لحمل الكأس من رشأ | وحاجتي كلها في حامل الكاس |
لا بل أنشد
أمر على الديار ديار ليلى | أقبل ذا الجدار وذا الجدارا |
وما حب الديار شغفن قلبي | ولكن حب من سكن الديارا |
فهو والله حب امتزج بلحمه ودمه واعتلج وهو الدواء مع دائهما فأوجد حقيقة عدمه واختلج لكأسه كل عضو إذا ما شارب القوم احتساه أحس له دبيبا في أعظمه وأنشد
كانت لقلبى أهواء مفرقة | فاستجمعت مذ رأتك العين أهواي |
فصار يحسدني من كنت أحسده | وصرت مولى الورى إذ صرت مولاي |
لا والله بل حب حل منه محل الروح وملك ما يغدو منه ويغدي ويريح ويروح وعدل في الأعضاء فأباح لكل أن يبوح بما عنده وينوح وينشد
يجد الحمام ولو كوجدي لانبرى | شجر الأراك مع الحمام ينوح |
لا والله بل حب خالط القلب فما تشاكلا ولا تشابه الأمر بل اتحدا فلم يقل رق الزجاج وراقت الخمر واتصلا فلم يبت من حبه متقلبا على الجمر بل أنشد
أنا من أهوى ومن أهوى أنا | نحن روحان حللنا بدنا |
فإذا أبصرته أبصرتني | وإذا أبصرتني أبصرتنا |
واستشهد بما أخبرناه أبو عبد الحافظ سماعا عليه أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور وأنا في الخامسة أخبرنا محمد
ابن عبد العزيز الشيرازي أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي حدثنا محمد بن مخلد حدثنا محمد ابن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنني بحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فلئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه
أخرجه البخاري عن محمد بن عثمان بن كرامة العجلي الكوفي فوافقناه بعلو
إيه والله وحب صيره معكم فلم يشك بعدا ورجا به أن الله يحبه فاغتبط وإن وجد وجدا وأمل بوقوعه في الله ظل الله فلم يلق لنار الحريق وقدا
اعتمادا
على ما أخبرنا به الشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته سماعا عليه أخبرنا الحافظ أبو محمد الدمياط أخبرنا الحافظ أبو الحجاج الدمشقي ح
وأنبئت عن أبي الحجاج أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع بن عبدون البناء الصوفي أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله ابن نصر بن الزاغوني أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن علي بن أحمد الدقاق المعروف بابن ذكرى أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن حفص المقري حدثنا الحسين بن محمد السكوني حدثنا محمد بن جعفر القرشي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم قال (المرء مع من أحب
هذا المتن متفق على صحته مروي عن خلق من الصحابة منهم أنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وأبو ذر الغفاري وصفوان بن عسال وعبد الله بن يزيد الخطمي والبراء بن عازب وعروة بن مضرس وصفوان بن قدامة الجمحي وأبو أمامة الباهلي وأبو سريحة الغفاري وأبو هريرة ومعاذ بن جبل وأبو قتادة الأنصاري وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعائشة أم المؤمنين وعبيد بن عمير رضي الله عنهم
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ سماعا عليه أن أحمد بن إسحاق أخبره بقراءته قال أخبرنا أبو القاسم المبارك بن علي بن أحمد بن أبي الجود أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب الوراق أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأنماطي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن العباسي حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد الله على مدرجته ملكا قال أين تريد
قال أردت أخا لي في قرية كذا وكذا
قال هل له من نعمة تربها
قال لا إلا أني أحبه في الله
قال إني رسول الله إليك إن الله قد أحبك كما أحببته فيه
صحيح تفرد مسلم بتخريجه من هذا الوجه فرواه عن أبي يحيى عبد الأعلى ابن حماد بن نصر البصري النرسي فوافقناه بعلو
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا علي بن أحمد العراقي أخبرنا محمد ابن أحمد القطيعي أخبرنا محمد بن المبارك بن الخل حدثنا أبو المعالي ثابت بن بندار ابن إبراهيم الدينوري المقرئ أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي البزار حدثنا إسحاق بن الحسن
الحربي حدثنا القعنبي عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد أو أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عباده الله ورجل دعته امرأة ذات جمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل كأن قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه
الحديث متفق على صحته مخرج في الكتب من حديث خبيب
وينهي بعد رفع أدعية بلغن السماء ورجون فوقها مظهرا ومضى سلاحهن فيمن استقبل الحال بسوء فرجع القهقرى وتلقتها ملائكة القبول قائلة لقد يممت جل بحر جوهرا ذاكرة ما أخبرناه محمد بن إسماعيل الحموي سماعا عليه أخبرنا أبو الحسن بن البخاري وزينب بنت أبي الحزم قالا أخبرنا عمر بن محمد بن
طبرزد أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا أبو طالب البزار أخبرنا أبو بكر الشافعي أخبرنا محمد بن غالب أخبرنا شريح بن يونس حدثنا عمرو بن صالح عن عبد الملك عن عطاء عن أم كرز قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب مستجابة وملك عند رأسه يقول آمين آمين ولك بمثل
لم يرو هذا الحديث من حديث أم كرز في شيء من الكتب الستة وهو في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء
أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحريري سماعا عليه أخبرنا عمر ابن محمد الكرماني حضورا أخبرنا أبو بكر القاسم بن عبد الله الصفار أخبرنا وجيه بن طاهر الشحامي ح
وأخبرتنا زينب بنت الكمال سماعا عن عبد الخالق بن أنجب بن المعمر النشتبري المارديني عن وجيه أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد الصيرفي حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي
الجرجاني حدثنا أحمد بن عيسى اللخمي حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خمس دعوات يستجاب لهن دعوة المظلوم حتى ينتصر ودعوة الحاج حتى يصدر ودعوة المجاهد حتى يقفل ودعوة المريض حتى يبرأ ودعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب
وشرح أشواق بها العينان عينان تنهل والقلب تفاقم سقمه فاضمحل والجسم ما غيره الناي بل غيره وكاد ينحل وما ينحل
شوقي إليك وإن نأت دار بنا | شوق الغزال إلى ملاعب سربه |
أو شوق ظامي النفس صادف منهلا | منعته أطراف القنا من شربه |
إذا غير النأي المحبين فقد غيره وإذا غير الهوى ساكن الدمع فما حرك إلا ما تقاضاه من عينه وما غيره بل أنشد لنفسه مضمنا في عبرته المعبرة
إن غير النأي صبا فهو غيرني | وصب مني دموعي من مآقيها |
فويحه يتقاضاني بحار دما | وقطرة الدم مكروه تقاضيها |
لتلك الألفاظ التي عذبت فهي وحاشاها من التغير ماء النيل ورقت فهي وحوشيت من السقم النسيم العليل وراقت فهي وحاشاها من التلون الزهر الحفيل وعند ذكرها ينشد ويقول
باللفظ يقرب فهمه في بعده | منا ويبعد نيله في قربه |
حكم سحائبها خلال بنانه | هطالة وقليبها في قلبه |
فالروض مختلف بحمرة نوره | وبياض زهرته وخضرة عشبه |
وكأنها والسمع معقود بها | وجه الحبيب بدا لعين محبه |
ثم يزداد طربا ويهم أن يطير إلى تلك الديار ولكن أين الجناح وأن يسري في ليل الفراق ولكن من له تلقاء الصباح وأن يقابل الدهر ولكنه أعزل والدهر شاكي السلاح وينشد
وحديثها السحر الحلال لو أنه | لم يجن قتل المسلم المتحرز |
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت | ود المحدث أنها لم توجز |
شرك النفوس ونزهة ما مثلها | للمطمئن وعقلة المستوفز |
فلقد شرب بعدكم كأس فراق ذهب بلبه كل مذهب وسقاه سوط عذاب
الشيب أطيب منه وأعذب وأورث شيبة المشيب فلو قلد من قال فانثنى بلا عينين لقال ضربني بشيبين ولا لعبا مني أو ذو الشيب يلعب
إنه سطرها والقلب يملي علي أشواقا أضرم البعد سعيرها وماء العين يتفجر عيونا فلولا تلك النار لمحا ذلك الماء سطورها فلله ماء ونار لو لم يتعالجا لأسمعت الأشواق والأقلام من بمصر صليلها وصريرها
أجريت دمعي وأضرمت الحشا لهبا | كالعود يقطر ماء وهو يحترق |
يتذكر ما مضى بين يديكم من عيش هو المنية فلا غرو أن يعزى إلى خصيب ووقت ضحك إلي فغفرت ذنب كل ضاحك وإن شيب بضحك المشيب وأيام ناسب مولانا غربتي فيها لغريب فضله المرسل وإحسانه الملائم وكل غريب للغريب نسيب
هذا وإن كان مولانا إذ ذاك يواصل هجره بالإفراط ولا يمتع من يتطلب اكتيال محاسنه من ميزان عدله إلا بقيراط بعد قيراط ولا يرى إلا أن يحقق نسبته أصلا ثم مر بي إلى بلد يسمى فيها القيراط من الأقباط
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز إذنا خاصا أخبرنا المسلم بن محمد بن علان سماعا أخبرنا حنبل بن عبد الله الرصافي أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد ابن حنبل حدثنا أبي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت حرملة يحدث عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي بصرة عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم ستفتحون أرض مصر وهي أرض يسمى فهيا القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما) أو قال (ذمة وصهرا
رواه مسلم عن زهير وعبيد الله بن سعيد كلاهما عن وهب بن جرير به فوقع لنا بدلا عاليا ولله الحمد
كلما أردت منه صحيح الوصل جاء بالهجر الممرض وكلما حاولت إيماض برقه أرعد ولم يومض وكلما تطلبت إقباله قالت طباعه يا إبراهيم أعرض
ذات لها هذي الصفات وفي الحشا | من حبها نار يزيد وقودها |
إن لم يسل القلب قول عذوله | طبعت على كدر وأنت تريدها |
وكيف يرجع قلب علق فلا يصده الصد وهام فإذا رأى رسم الديار بدل لفظا بلفظ وتجاوز الحد واستوى الأمران عنده فلم يقل إن قرب الدار خير من البعد بل أنشد
غرام على يأس الهوى ورجائه | وحب على قرب المزار وبعده |
وأستشهد بما أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بقراءتي عليه أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن أبي عبد الله بن حماد العسقلاني سماعا أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن نعيم بن الجارود البصري قال سمعت علي بن أحمد بن عبد الرحمن الفهري الأصبهاني يقول سمعت أحمد بن عبد الجبار المالكي يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء
وأخبرنا أبو العباس بن المظفر الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عن إسماعيل بن عثمان القارئ أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن ابن الإمام أبي سعيد عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري أخبرنا أبو الفضل
الطبسي أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد حدثنا العباس بن يوسف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا إبراهيم بن محمد النساج قال قال الأسود بن سالم ركعتان أصليهما أحب إلي من الجنة بما فيها
فقيل له هذا خطأ فقال دعونا من كلامكم رأيت الجنة رضى نفسي وركعتين رضى ربي ورضى ربي أحب إلي من رضى نفسي
لكني سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى يجيب وسئل عن رجلين تنازعا هل دخول الجنة أفضل من العبادة أو العكس أيهما المصيب أن الصواب قول من قال دخول الجنة أفضل واستدل عليه بوجوه يطول شرحها هنا
وعلى قول الخياط
#غرام على يأس الهوى ورجائهالبيت أقول ودي متحد في البلدين ومساورة الهم باق لنفسي الضئيلة ذات النكدين ومما زادها قلقا قطعها اليأس عن زيارتكم هذا المربع الخضر فكان قطع اليأس عند إحدى التعبين لا إحدى الراحتين وأنشد
لو شئت داويت قلبا أنت مسقمه | وفي يديك من البلوى سلامته |
وإنما أصدرها المملوك تعللا وأرسلها مسندة عن نفس منقطع لهذا الأمر المعضل تبتلا وكتبها استرواحا لضمة المتهالك حبا ما سلا العاشق بها محبوبه ولكن قلبه سلا
أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن داود الجزري سماعا عليه أخبرنا عبد الحميد بن عبد الهادي حضورا أخبرنا إسماعيل بن علي الجنزوي أخبرنا ياقوت بن عبد الله أخبرنا عبد الله بن محمد الصريفيني أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي أخبرنا الزبير بن بكار حدثني إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى قال جاء ابن سرحون السلمي إلى مالك ابن أنس وأنا عنده فقال يا أبا عبد الله إني قد قلت أبياتا من شعر وذكرتك فيها فأنا أسألك أن تجعلني في سعة فقال له مالك أنت في حل مما ذكرتني وتغير وجهه وظن أنه هجاه قال إني أحب أن تسمعها فقال له مالك أنشدني فقال
سلوا مالك المفتي عن اللهو والصبا | وحب الحسان المعجبات الفوارك |
ينبيكم أني مصيب وإنما | أسلي هموم النفس عني بذلك |
فهل في محب يكتم الحب والهوى | أثام وهل في ضمة المتهالك |
قال قال لي معن فسري عن مالك وضحك
قلت في هذا من مالك دليل على جواز الإبراء عن الكلام في العرض وإن كان مجهولا وأنه كان يرى التحليل من هذا أولى من عدمه
ونقل أبو الوليد بن رشد في شرح العتبية أن مذهب الشافعي أن ترك التحليل من الظلامات والتبعات أولى لأن صاحبها يستوفيها يوم القيامة بحسنات من هي عنده وبوضع سيئاته على من هي عنده كما شهد به الحديث وهو لا يدري هل يكون أجره
على التحليل موازيا ماله من الحسنات في الظلامات أو يزيد أو ينقص وهو محتاج إلى زيادة حسناته ونقصان سيئاته
قال ومذهب غيره أن التحليل أفضل مطلقا
قال ومذهب مالك التفرقة بين الظلامات فلا يحلل منها والتبعات فيحلل منها عقوبة لفاعل الظلامات
وهو تفصيل عجيب
وسيدنا يعلم أن المملوك بارتياحه لذكركم معذور وأنه يتخيل محاسنكم خلال السطور وأنه يعروه لذكراك هزة كما انتفض العصفور
وكيف لا وأول ما حكم به في دمشق وقد دخلها قاضيا وقوع البعاد وألبسه النأي ثوبا من الحزن لا يبلى ويبلى الفؤاد وانتزع ثياب صبره والبين لص لا غرو أن ينزع ثياب القاضي بجدال وجلاد
كما أخبرنا الحافظ أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد النابلسي بقراءتي عليه أخبرنا الشيخان محمد بن علي بن أحمد الواسطي وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الصفار أخبرنا أبو القاسم الخضر بن عبدان أخبرنا سهل بن بشر الإسفرايني أخبرنا مشرف ابن المرجي المقدسي أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن محبوب المنصوري النحوي حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين القاضي بنهاوند حدثنا محمد بن الحسين الرازي حدثني أبي عن جدي عن محمد بن مقاتل الماسقوري قاضي الري قال كان محمد بن الحسين يكثر الإدلاج إلى بساتينه فيصلي الصبح ثم يعود إلى منزله إذا ارتفعت الشمس وعلا
النهار
قال محمد بن مقاتل فسألته عن ذلك قال بلغني في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (حبب إلي الصلاة في الحيطان) وذلك أن أهل اليمن يسمون البستان الحائط
قال محمد بن الحسين فخرجت إلى حائط لي لأصلي فيه الفجر رغبة في الثواب والأجر فعارضني لص جريء القلب خفيف الوثب في يده خنجر كلسان الكلب ماء المنايا يجول على فرنده والآجال تلوح في حده فضرب بيده إلى صدري ومكن الخنجر من نحري وقال لي بفصاحة لسان وجراءة جنان انزع ثيابك واحفظ إهابك ولا تكثر كلامك تلاق حمامك ودع عنك التلوم وكثرة الخطاب فلا بد لك من نزع الثياب
فقلت له يا سبحان الله أنا شيخ من شيوخ البلد وقاض من قضاة المسلمين يسمع كلامي ولا ترد أحكامي ومع ذلك فإني من نقلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة أما تستحيي من الله أن يراك حيث نهاك
فقال لي يا سبحان الله أنت أيضا أما تراني شابا ملء بدني أروق الناظر وأملأ الخاطر وآوي الكهوف والغيران وأشرب ماء القيعان والغدران وأسلك مخوف المسالك وألقي بيدي في المهالك ومع ذلك فإني وجل من السلطان مشرد عن الأهل والأوطان وحشي أن أعثر بواحد مثلك وأتركه يمشي إلى منزل رحب وعيش رطب وأبقى أنا هنا أكابد التعب وأناصب النصب وأنشأ اللص يقول
ترى عينيك ما لم ترياه | كلانا عالم بالترهات |
قال القاضي أراك شابا فاضلا ولصا عاقلا ذا وجه صبيح ولسان فصيح ومنظر وشارة وبراعة وعبارة
قال اللص هو كما تذكر وفوق ما تنشر
قال القاضي فهل لك إلى خصلة تعقبك أجرا وتكسبك شكرا ولا تهتك مني سترا ومع ذلك فإني مسلم الثياب إليك ومتوفر بعدها عليك
قال اللص وما هذه الخصلة
قال القاضي تمضي إلى البستان معي فأتوارى بالجدران وأسلم إليك الثياب وتمضي على المسار والمحاب
قال اللص سبحان الله تشهد لي بالعقل وتخاطبني بالجهل ويحك من يؤمنني منك أن يكون لك في البستان غلامان جلدان علجان ذوا سواعد شديدة وقلوب غير رعيدة يشداني وثاقا ويسلماني إلى السلطان فيحكم في آراءه ويقضي علي بما شاءه
قال له القاضي لعمري إنه من لم يفكر في العواقب فليس له الدهر بصاحب وخليق بالوجل من كان السلطان له مراصدا وحقيق بإعمال الحيل من كان للسيئات قاصدا وسبيل العاقل أن لا يغتر بعدوه بل يكون منه على حذر ولكن لا حذر من قدر ولكن أحلف لك ألية مسلم وجهد مقسم أني لا أوقع بك مكرا ولا أضمر لك غدرا
قال القاضي يا هذا قد أعيتني مضاءة جنانك وذرابة لسانك وأخذك علي الحجج من كل وجه وأتيت بألفاظ كأنها لسع العقارب أقم ها هنا حتى أمضي إلى البستان وأتوارى بالجدران وأنزع ثيابي هذه وأدفعها إلى صبي غير بالغ تنتفع بها أنت ولا أنهتك أنا ولا تجري على الصبي حكومة لصغر سنه وضعف منته
قال اللص يا إنسان قد أطلت المناظرة وأكثرت المحاورة ونحن على طريق ذي غرر ومكان صعب وعر وهذه المراوغة لا تنتج لك نفعا وأنت لا تستطيع لما أرومه منك دفعا ومع هذا أفتزعم أنك من أهل العلم والرواية والفهم والدراية ثم تبتدع وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الشريعة شريعتي والسنة سنتي فمن ابتدع في شريعتي وسنتي فعليه لعنة الله
قال القاضي يا رجل وما هذا من البدع
قال اللص اللصوصية بنسيئة بدعة انزع ثيابك فقد أوسعت من ساعة محالك ولم أشدد عقالك حياء من حسن عبارتك وفقه بلاغتك وتقلبك في المناظرة وصبرك تحت المخاطرة
فنزع القاضي ثيابه ودفعها إليه وأبقى السراويل
فقال اللص انزع السراويل كي تتم الخلعة
قال القاضي يا هذا دع عنك هذا الاغتنام وامض بسلام ففيما أخذت كفاية وخل السراويل فإنه لي ستر ووقاية لا سيما وهذه صلاة الفجر قد أزف حضورها وأخاف تفوتني فأصليها في غير وقتها وقد قصدت أن أفوز بها في مكان يحبط وزري ويضاعف أجري ومتى منعتني من ذلك كنت كما قال الشاعر
إن الغراب وكان يمشي مشية | فيما مضى من سالف الأحوال |
حسد القطاة فرام يمشي مشيها | فأصابه ضرب من العقال |
فأضل مشيته وأخطأ مشيها | فلذاك كنوه أبا المرقال |
قال اللص القاضي أيده الله تعالى يرجع إلى خلعة غير هذه أحسن منها منظرا وأجود خطرا وأنا لا أملك سواها ومتى لم تكن السراويل في جملتها ذهب حسنها وقل ثمنها لاسيما والتكة مليحة وسيمة ولها مقدار وقيمة فدع ضرب الأمثال وأقلع عن ترداد المقال فلست ممن يرد بالمحال ما دامت الحاجة ماسة إلى السروال ثم أنشد
دع عنك ضربك سائر الأمثال | واسمع إذا ما شئت فصل مقال |
لا تطلبن مني الخلاص فإنني | أفتي فمتى ما جئتني بسؤال |
ولأنت إن أبصرتني أبصرت ذا | قول وعلم كامل وفعال |
جارت عليه يد الليالي فانثنى | يبغي المعاش بصارم ونصال |
فالموت في ضنك المواقف دون أن | ألقى الرجال بذلة التسآل |
والعلم ليس بنافع أربابه | أولا فقومه على البقال |
ثم قال ألم يقل القاضي إنه يتفقه في الدين ويتصرف في فتاوي المسلمين
قال القاضي أجل
قال اللص فمن صاحبك من أئمة الفقهاء
قال القاضي صاحبي محمد بن إدريس الشافعي
قال اللص اسمع هذا وتكون بالسراويل حتى لا تذهب عنك السراويل إلا بالفوائد
قال القاضي أجل يا لها من نادرة ما أغربها وحكاية ما أعجبها
قال أي شيء قال صاحبك في صلاة الفجر وغيرها وأنت عريان
قال القاضي لا أدري
قال اللص حدثني أبي عن جدي عن محمد بن إدريس يرفعه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة العريان جائزة ولا إعادة عليه) تأول في ذلك غرق البحر إذا سلموا إلى الساحل
فنزع القاضي السراويل وقال خذه وأنت أشبه بالقضاء مني وأنا أشبه باللصوصية منك يا من درس على أخذ ثيابي موطأ مالك وكتاب المزني ومد يده ليدفعه إليه فرأى الخاتم في إصبعه اليمنى فقال انزع الخاتم
فقال القاضي إن هذا اليوم ما رأيت أنحس منه صباحا ولا أقل نجاحا ويحك ما أشرهك وأرغبك وأشد طلبك وكلبك دع هذا الخاتم فإنه عارية معي وأنا خرجت ونسيته في إصبعي فلا تلزمني غرامته
قال اللص العارية غير مضمونة ما لم يقع فيها شرط عندي ومع ذلك أفلم يزعم القاضي أنه شافعي
قال نعم
قال اللص فلم تختمت في اليمين
قال القاضي هو مذهبنا
قال اللص صدقت إلا أنه صار من شعار المضادين
قال القاضي فأنا أعتقد ولاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تفضيله على كل المسلمين من غير طعن على السلف الراشدين وهذا في الأصول اعتقادي وعلى مذهب الشافعي في الفروع اعتمادي
فأخذ اللص في رد مذهب الرفض وجرت بينهما في ذلك مناظرة طويلة رويناها بهذا الإسناد انقطع فيها القاضي وقال بعد أن نزع الخاتم ليسلمه إليه خذ يا فقيه يا متكلم يا أصولي يا شاعر يا لص
وخشية المملوك من سارق المعاني على بنات فكره مثل خشيته من سارق البين على ثياب صبره وكلا الخشيتين فوق خشية هذا القاضي على ثياب بدنه من هذا السارق ومكره أما بنات الأفكار فقد رأيت من يجعلها حدودا وينزل الباطل على أوكارها ولا يخاف قول الحق على زهقه صعودا ويقطع القلب فكيف باليد والرجل ثملا يقول قولا سديدا
وأما ثياب الصبر فقد مزقها فراقكم الذي جرى منه على المملوك ما لا يجري على السماء من أرض مصر إذا انعقد غبارها وارتفع إليها من أصوات أبغض العجم ناطقا وهو الذئاب جؤارها وصعد إليها مما يجري بين لابتيها على ألسنة الملائكة أخبارها ولا على الأرض من السماء في الشام من الأمطار التي ظلت بها الحجرات واقعة وتلت الألسن عند قرعها {القارعة ما القارعة} وأصابت إلا أنها على كل حال رحمة أهلا جميعا وإن ظنوا أن حصونهم مانعه
وكأني بمولانا يقول إني عرضت بمصر فأعارضه بما قلته في الشام وأبين لمولانا الإمام أنه ليس لكلامي بذلك إلمام وكيف أعرض بالبحر الصريح والفلك تجري
فيه مواخر وكل مركب إذا زحزحتها الريح فقذفت متاعها غيمت الآتية بعدها قائلة
#كم ترك الأول للآخروكل جزيرة حكت أزهارها ثغور أقحوان الشام وإن فاتها شنب البواكر وإنما وصف المملوك ما اتفق لذاته اليوم بتذكار أمسه وشرح بين مخدومه عموم مس حاله ولم يبعد خويصة نفسه وأبان ما عنده من بعد إبراهيم الذي اتخذه خليلا أيده الله بروح قدسه
فكتب الشيخ برهان الدين القيراطي جوابه
إلى شيخنا شيخ الإسلام أوحد المجتهدين تاج الدين أبي نصر أسبغ الله ظلاله من القاهرة المحروسة إلى الشام المحروسة يقبل الأرض المتطولة على ذوي التقصير ببرها المقابلة من بابها المفتوح بما لم يكن في حسان من خيرها المعاملة لعبدها بالإحسان ولولا استرقاقها للجميع لقلت وحرها البابلية النسبة إذا سلبت رسائلها العقول إما بخمرها وإما بسحرها المشنفة للأسماع من مغاص بحرها بدرها
المزخرفة رياض البلاغة إذا أنشأت سحاب الإنشاء لله درها بدرها حتى فتنت بحسن نفاستها الفتى وجليت عرائسها التي
خرجن في بهجة كالروض ليس لها | إلا الحلي على لباتها زهر |
صب الشباب عليها وهو مقتبل | ماء من الحسن ما في صفوه كدر |
فأبقى الله حماها حرما للاجى وجلا سحاب الفضل من كل الوجوه روضها العاجي
فصاغ ما صاغ من تبر ومن ورق | وحاك ما حاك من وشي وديباج |
وألبس الأرض من حلي ومن حلل | ما يمتع العين من حسن وإبهاج |
وروي جهاتها التي يقع ترابها من الرائي مواقع الماء من الصادي وروض جنابها الذي أهدى زهره روائح الجنان عند بواكر الغوادي وطاب واديه فأين منه
أرض تخيرها لطيب مقيلها | كعب بن مامة وابن أم دؤاد |
وحياها الحيا من مواطن ولا رحل عنها من السرور قاطن ولا زالت بأزهارها حسنة الظاهر وبأنهارها صافية الباطن
ولا برحت كف الثريا لربعها | إذا سمحت بالقطر ذات سخاء |
حتى يملأ صحون ديارها قطر الأمطار وتصبح بما صاغه الربيع تلك الأقطار
تضاحك الشمس أنوار الرياض بها | كأنما نثرت فيها الدنانير |
وتأخذ الريح من ريحانها عبقا | كأن ذاك الثرى مسك وكافور |
متطيبا بطيب ثراها متمسكا من محبتها التي لا يفك عنها إزار صدره بعراها
شاعرا بأنه في كل واد من ودها يهيم ناثرا من در لفظه إذا سهر في وصفها ما يضيء به سنح الليل البهيم قائلا حين أجراه الأدب على العادة في وقوفه تجاه كعبتها هذا مقام إبراهيم
مطلقا في مدح أياديها لسان القلم الذي أصبح بشعاره العباسي خطيب محاسنها
مغترفا من بحر أدبها الحلو ما لا ينبغي لصبابة آدابنا أن تجاريه بآسنها
مستعملا عزائم شكره التي نفذ قاضي الولاء أحكامها وأمضاها معملا ركائب مدحه التي أصحها حين أضناها في ذلك وأضناها تاليا عليه لسان أمله حين قلب طرفه في سمائها لذ بهذا البيت {فلنولينك قبلة ترضاها} فرواها الله أرضا سقت السماء رياضها ولو نطق العبد بها شامية لأصاب حين يقول غياضها إي والله أهواها وأتعصب لها وإن تقنعت بسواها وترتاح روحي لنسيمها العليل الذي صح فيه هواها وأستشفي بعليل هوائها وأستعذب على النيل الفرات من مائها
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه | يكون بواد أنت منه قريب |
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى | إليكم تلقى طيبكم فيطيب |
وكذلك أنشد أوطانها وسكان تلك البقاع وقطانا
أيا ساكني أكناف جلق كلكم | إلى القلب من أجل الحبيب حبيب |
وكيف لا وهي بمولانا مغارس أشجار الأدب ومعادن ذهب المعاني الذي يفوق على الذهب وباعثة ميت الفضائل من كتب ومنفسة ما تجده النفوس من كرب ومرنحة أعطاف الأرواح بالطرب
وجنان قال الإله لها كوني | فكانت روحا وروحا وراحا |
بل هي مجرى بحار العلوم ومسرى الكواكب السيارة من الفهوم ومنشأ الغيوث التي لها بالمكارم سجوم والحرم الذي ما لمختطف الحوادث على جاره هجوم وعكاظ أدب إذا نطق خطيبه فلقس منه وجوم وحريم الخلافة البلاغية فما لخارجي الأدب الدخيل فيه خروج على شموس أفقه ولا نجوم ومطالع النجوم التي
منها معالم للهدى ومصابح | تجلو الدجا والأخريات رجوم |
ومغاص در الفصاحة الثمين وبابل سحر البيان المبين ومحل إذا رفعت راية مجد تلقاها عرابة باليمين ومقر فضل إذا أقسم الزمان بيمين ليأتين بمثله يمين
وبيت رأس خمر البلاغة التي لا تداس بقدم ولا يقال لمتعاطي كؤوسها ندامى
لأنهم لا يعقب سكرهم بسلافها ندم ومناهل يشرب سلسال لفظها الحلو بالشهد إذا شرب حاسدها ماء جفونه بدم
مهديا سلاما ينشر طيبه ويحاكيه من مسك دارين رطيبه
ويخفق في خافقين من طائره الميمون الجناح ويحمد الدهر الساري في ليل نفسه إذا أطلع عليه فجر معانيه الصباح ويضيء في مشكاة الصدر منه مصباح والقلب ذاك المصباح
ويخضب شباب نفسه لمم الدروج البيض فلا يكون له منها نصول ويصبو الصابي إلى حمل رسائله ويتلقاه من ذلك الجناب قبول القبول
إلى هذا البيت الأنصاري الذي لا زحاف فيه ولا سناد في قوافيه ولا إقواء إلا في أبيات أعاديه ولا إيطاء إلا على رقاب حساده ولا إكفاء إلا على الوجه لأضداده
فثبت الله أوتاد هذا البيت وأقطابه ووصل بأسباب السماء أسبابه وأعلاه من جهاته الست على السبع الطباق وأبقاه لتختلس أقوالنا المسترقة من معانيه وبيانه ما يعليه في البديع من طباق
وينهي والأليق به أن ينهي عن المجاراة في هذا الموقف نفسه الأمارة ويتأخر عن المحال الذي قال سهله الممتنع لعيون الكلام الممتدة لمناظريه ما أهون الحرب
عند النظارة ويتكلم بالميزان بين يدي صيرفي نقود الأدب فلا يقابل بقيراطه قنطاره ويعلم فكرته التي هي لمنهل المعارضة ورادة أنها في الأخطار خطارة ورود تشريف مشرفه فإذا هو خلعة وبشير صبيح الوجه مبارك الطلعة وحصن حكمت ملوك الكلام منه في قلعة ورسول أرى المملوك بسمعه ديار أحبابه كما رأى الرضي سلعه فشاهدت عهدة رقي ووثقت بأنها وثيقة فكاك عنقي من الخطوب وعتقي وأرجعت بنات الفكر في وصفه بعد الطلاق وزفت إلي بقدومه عروس التهاني فكان ذلك الكتاب نسخة الصداق
وتسلم المملوك تلك الرسالة فإذا هي مدونة مالك والمشرفة التي قعد له عنوانها في جميع المسالك
فقرأ عنوانها قبل أن يفك صوانها فوقف من ذلك العنوان على صنوان وغير صنوان وسماه قيد الأوابد وصيد الشوارد وإذا هو كأنما عنون لأبي زيد أو نصب شبكة
لصيد أو أطلق في إثر من لا يتقيد لكونه في عالم الإطلاق تقيد أو كوتب به إلى عمران بن حطان أو توجه إلى بدوي لا يألف الحيطان أو أصدر إلى مجنون أو قصد به من هو دائر على قلبه كأنه منجنون أو من أمسى وبيته على كتفه كأنه حلزون أو روسل به الفلك الدوار أو الكوكب السيار أو مسافر لا يخلع سير نعله من رجله ولا يلقى من يده عصا التسيار أو خوطب به العاشق الحائر أو سير إلى المثل السائر أو إلى الشمس التي لا تنفك في شروق وأفول أو إلى عوف بن محلم الذي يقول
أفي كل يوم غربة ونزوح | أما للنوى من وقفة فتريح |
أو إلى ساكن في ذات العماد أو إلى الطواف الذي بلغ طوافه وسعيه أم القرى وأقصى البلاد حتى كأن المملوك المعني في الملا بقول الشيخ أبي العلا
أبا الإسكندر الملك اقتديتم | فلا تضعون في أرض وسادا |
لعلك يا جليد القلب ثان | لأول ماسح مسح البلادا |
أو كأنه في هذه المقامات على رأي الحرير من الذين لا يتخذون أوطانا ولا يهابون سلطانا
فيكون طورا مشرقا للمشرق الأقصى | وطورا مغربا للمغرب |
لا يستقر بأرض أو يسير إلى | أخرى بشخص قريب عزمه ناء |
يوما بحزوى ويوما بالعقيق ويوما | بالعذيب ويوما بالخليصاء |
وتارة ينتحي نجدا وآونة | شعب الشعوب وطورا قصر تيماء |
كأن به ضغنا على كل جانب | من الأرض أو شوقا إلى كل جانب |
فشرق حتى ليس للشرق مشرق | وغرب حتى ليس للغرب مغرب |
قد ألف قلبه النوى وجرى جري النسيم مع الهوى فهو يسعى برجليه في مناكبها ويجول بأصغريه في مواكبها ويهيم في كل واد وينشد قول حبيب في ابن أبي دؤاد
مقيم الظن عندك والأماني | وإن قلقت ركابي في البلاد |
وما سافرت في الآفاق إلا | ومن جدواك راحلتي وزادي |
أو قول أبي الطيب
محبك حيث ما اتجهت ركابي | وضيفك حيث كنت في البلاد |
وحيث ما كنت من مكان | فلي إلى وجهك التفات |
ويترنم حين ترك قراره بقول عمارة
ودورت أقطار البلاد كأنني | إلى الريح أعزى أو إلى الخضر أنسب |
وينشد حين سار سير البدر وتنقل تنقل ليلة القدر
تنقل فلذات الهوى في التنقل | ورد كل صاف لا ترد فرد منهل |
ويتأيد بقول المؤيد
إن العلا حدثتني وهي صادقة | فيما تحدث أن العز في النقل |
لو كان في شرف المأوى بلوغ منى | لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل |
فحركته المستديرة كالحلقة تفتح بآخرها أولها وكالشمس في قراءة من قرأ / < لا مستقر لها > / لكنه يقسم بالمثاني أنه الأحق بقول الأرجاني
سيري إليكم في الحقيقة والذي | تجدون منى فهو سير الدهر بي |
وقد كان المملوك من قبل يتردد ويذهب ويأخذ في كل مذهب
ولما ملأتم ناظري من جمالكم | سددتم على قلبي جميع المسالك |
ثم فض عن مسك نفسه المختوم ختامه وأماط عن ثغر سيناته لثامه ونصب محاريب نوناته قبل إمامه وبايع منه إماما لبس من خزائن المحابر خلعة الإمامة ورأى بعينه أدبا يتأدب من خلف أذنه قدامة قدامه فأحجم باعه القصير عنه طويلا وطلب من المعارضة والمطاولة لهذا اللفظ مقيلا
وطاش لبي إذ عاينته فرحا | ومن ينل غاية لم يرجها يطش |
ثم أطرقت مليا وقلت حييا
منثور هذا الكتاب حين أتى | يسمو على الدر وهو منظوم |
أهدى لنا عرفه بمقدمه | تأرج المسك وهو مختوم |
لقد فاح من طي تلك المهارق نشرها قبل نشرها وقلت حين قرأت من تلك الرسالة ترجمة معروفها وبشرها
وقفت وقد وافى مشرف سيدي | له ألفا قبل اطلاعي على حرف |
وقبلته ألفا وألفا فقال لي | غرامي زده واضرب الألف في الألف |
فإذا هو كتاب علم وكلام إذا تجرد سيف لسان البليغ لحرب خصمه ألقى لفصاحته السلم فأقسم من كتاب مولانا الكريم بالمختوم لقد أظهر تهافت الفلاسفة بحكمة درجة المرقوم وشاهدت أصحاب المطالب الأدبية كيف ألقيت لمنشئه مفاتيح الكنوز ووصل العبد لكيمياء السعادة حين اهتدى لحسن التدبير من تلك الشذور والرموز فعوذ بألم ذلك الكتاب ودخلت عليه حين دخل جنته ملائكة السلام من كل باب ونشر ميت الحظ بنشوره وخرج اللب في وصفه من قشوره وأخذ من الزمان توقيع الأمان بقدوم منشوره
كان الملطف كالقميص أما ترى | أبصارنا ردت لنا بملطف |
وافى فسكن نار قلبي رمزه | أسمعتم نارا بنار تنطفي |
وأرادت الأجفان عادة جريها | أو جرى عادتها فقلت لها قفي |
كفي فقد جاء الحبيب بما كفى | وصلا وعاشقه المعنى قد كفي |
وفتحه المملوك فرأى من بلاغته بمصر فتح العزيز ولفظا أطرب ببسيطه أقواله لأنه وجيز وتنبيها يتيقظ به ذو التمييز ومهذب عبارة فيها لكل فقيه في البراعة تعجيز وسحرا يعرف النفاثات في العقد بخلوه من التعقيد وكتابا فيه لكل باب من أبواب الأدب إقليد وملك فصاحة طالع سعده في كل وقت سعيد وفلكا كلما لاح لي هلال نونه عادني من السرور عيد
قد استعبد رق الكلام المحرر وأهدى عقدا كله جوهر وقلادة إلا أنها بالنفس عنبر وحللا إذا رفل القلم فيما حاكه منها يتحبر ومقام أنس إذا تختر بسلافة الخاطر تمايل عطفه وتخطر
فجلست من طرسه ولفظه بين سالف وسلاف واعتنقت منه قدود ألفات فاقت الخلاف بلا خلاف ولثمت منه ميمات حميت نفسي النونات منها الثغور ورصدت من نقطه نجوما إلا أنها لا تغور ورأيت حروفا ترتاح الروح إلى شكلها الحسن وتفرغت لأنظر منها كل عين أحلى من عين الحبيب الملأى من الوسن واستنطق الأفواه
ليل خيره بالتسبيح وتدرع شاهد حسنه بدروع الإجادة فهو لا يخشى التجريح وقلت مضمنا في تلويح إشارته الأدبية في مقام التصريح
ومشرف إن زاد تشريفا فقد | خلعت عليه جمالها الأيام |
هو جامع للحسن إلا أنه | قصر عليه تحية وسلام |
وعلى العدا من طرسه وبقوسه | رصدان ضوء الصبح والإظلام |
وبدأت ببسم الله في قراءته فإذا عليه من التيسير عنوان ورأيت من شعب معانيه يا مالك الأدب ما لم يره أحمد في شعب بوان وتطفلت بعد المشيب من حروفه المعرقة وسطوره المحمرة على مائدة ذات ألوان
وعجز قيراطي عن حمر دنانير سطوره التي تجري على حروفها وعلم أن تلك الدنانير لم تبق عنده الأيام منها غير صروفها
وغيض ماء فكرته حين رأى نيل بلاغه مولانا قد احمر من الزيادة وكسر قصبة
قلمه حين رآها لقناديل ذهنه على رأي العامة طفاية وجمرة حمرة تلك الصدور وقادة
وارتاح لأشكالها التي له بها على سلوك طريق الوصف قصره وتخلص من عقلة الحصر عند الاجتماع بشارد الفكرة وعلم أن سيف الفصاحة قتل العي فاحمر صفيحه وأن شبح النقس الأسود يحسن بالياقوت الأحمر توشيحه وأن إنسان هذه البلاغة خلق من علق وأن ليل النقس لا يخلو من شفق وظن أن الغسق والشفق قد انجلا فأجراهما مدادا أو الرمل عشق شكل سطورها فما اختار عنه انفرادا أو أن حمامته الساجعة خضبت كفها أو أن روضته المزهرة أحدق بها الشفق وحفها لقد قامت مقام الوجنات لوجوه الطروس البيض حمرتها وتوقدت في فحمة ليل النقس جمرتها وتشعشعت في كؤوس البلاغة خمرتها
فناهيك بألفاظها كؤوسا أبصرت حمرتها في عين القرطاس وخده وفصول ربيع بلاغتها وتلك الحمرة ماء ورد من وردة ثبت بها أن الحسن أحمر
وأن ربيع بلاغتها الخصيب أخضر وأن جامع روضها الذي قام فيه شحرور البلاغة خطيبا أزهر
وتكتبت جيوش الكلام من سطورها في دهمها وحمرها وحملت وهزمت جيوش المتأدبين وحمرتها من دماء من قتلت وأصبح الأسود والأحمر طوع أقلامها وزأر أسدها الورد عند اهتزازها من آجامها وأصبحت ذات عين على المعارضين حمرا وأقر لجياد ألفاظها بالسبق من أظلته الخضراء وأقلته الغبرا وقالت مفاخرها الدمشقية للمبارز هذا الميدان والشقرا
وجليت كاعبها التي اعتدل قدها وتفتح وردها وجندت أجنادها وكثرت بالحمرة سوادها وعصفرت للرفاق أبرادها واشتملت بملاءتها العسجدية وحلت في الأفواه حلاوتها الوردية
وحاصله أن هذا الكتاب مخلق تملأ الدنيا بشائره وأن أحمر رمزه قد أصبح والأحامرة الثلاثة ضرائره
لقد عاقده منشئه أن ينظم جواهر البلاغة عقودا لجيده فأوفى بالعقود ونفح عنبر نفسه فالضائع من المسك عنده مفقود ودام ورد رياضه على العهد خلافا لما هو من الورد معهود
فلاح للمملوك من كتيبة براعته الخضراء بطل بعد بطل وهام القلب بوابل سحابه السحباني هيام علية بطل وانطلق في وصفه الجنان ورأى به رياضا لو رآها أبو نواس لسلا بها عن جنان وثنى عنانه عن عنان وألجم منشئه المتأدبين حين أطلق فيه العنان فإذا هو مفتتح ببديع أغلق على صاحب المفتاح باب الكلام وخط أصبح ابن البواب له كالغلام وقال المصنف
من هام في هذا يعان | ولا يعاب ولا يلام |
فاشتغل به عن كيت وكيت وعظم قدر معانيه الأصلية حين وجد كل معنى منها في بيت فرأى الجنان وحورها وعقود الحسان ونحورها ودرر الألفاظ وبحورها وسواحر البيان وكيف أصبح القلب مسحورها
وأوى بين أبياته الأدبية إلى دار حديث وأسانيد يحصل بها من ميراث النبوة التوريث
وقال سبحان من توج بهذا التاج لهذا الشأن مفارق طرقه وأطلع به بعد الأفول بدره من أفقه
ورغب إلى الوهاب أن يديم على عبده ما وهب ويحفظ هذا الحافظ لتتجلى الأسانيد منه سيما إذا روى عن الذهبي بسلسلة الذهب
فلله دره حافظا أنسى الناس إذا رتل المتن من درج ومحدثا تبحر في علم الحديث فحدث عنه ولا حرج
فاق على مشايخ العصر القديم في الحديث ووصل بأسانيده العالية إلى مدى لا يوصل إليه بالسير الحثيث
وتمسك الطالب من أسانيده المتصلة بحبل وثيق وأسكره ما سمع من حلو الحديث فلا كرامة لمر العتيق
وأملى الأمالي التي ليس لها قالي وطعن الخصم في معترك الجدال من أحاديثه بالعوالي فالحديث لا يعرفه إلا من هذا الوجه طالبه ولا تأتي له إلا من هذا البيت غرائبه
ورأيت من الفوائد الحديثية ما ذهل كثير من الحفاظ عنها وورد على المملوك منها
حديث لو أن الميت نوجي ببعضه | لأصبح حيا بعد ما ضمه القبر |
وأملت أحاديث أحلى في النفوس من المنى وأسماء إذا وصفتها على سبيل الاكتفاء قلت أحلى من الكنى
فعلمت أن هذا المحدث قد أرضع بلبان هذا الفن وغذي وتحدث الناس بانفراده فيه فهو الذي
حديثه أو حديث عنه يعجبني | هذا إذا غاب أو هذا إذا حضرا |
كلاهما حسن عندي أسر به | لكن أحلاهما ما وافق النظرا |
فحرس الله سين أسانيده بقاف وحاء تحويله بحم الأحقاف فقد أحيا السنة المحمدية حتى أسفر صبحها في هذا العصر وأورد إذ هو جوهري هذا العلم صحاحه ولا ينكر الصحاح لأبي نصر
فهو إمام العلوم على الأبد والسابق للعلياء سبق الجواد إذا استولى على الأمد والسيد الحافظ الذي داره لا دار مية بين العلياء والسند
والشيخ الذي اختص بعلو الإسناد والمحل والرحلة الذي ينشد الطالب إذا حث ركائبه إليه ورحل
إليك وإلا تساق الركائب | وعنك وإلا فالمحدث كاذب |
على أنه عالم مناظر وحافظ مذاكر وأديب محاضر وذو اطلاع ينشد
#كم ترك الأول للآخرفهو بين العلماء إمام ملتهم ومصلى قبلتهم ومجلي حلبتهم والمنشد عند طلوع أهلتهم
أخذنا بآفاق السماء عليكمو | لنا قمراها والنجوم الطوالع |
عدنا إلى اجتلاء تلك العروس واجتناء تلك الغروس فأكرم بها عروسا ترفق من الطروس في حلل وتسير من خفرها في كلل وأعظم بها غريبة يطيب ببيت شعرها لا ببيت شعرها الحلل أنصارية النجار لا خور في عودها إذا انتمى إلى بني النجار ولا خلل
سار ذكر بيتها الطيب في الأمصار وعلم أن من الإيمان الاعتراف بحق الأنصار لما أخبرناه العدل أبو الحسن علي بن مسعود بن بهتك العجمي قراءة عليه وأنا أسمع قيل له أخبرك الشيخ أبو العز بن الصيقل فأقر به أخبرنا أبو علي ضياء بن أبي القاسم أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري أخبرنا أبو القاسم بن علوان أخبرنا أبو القاسم الخرقي حدثنا أبو بكر النجاد حدثني محمد بن عبد الله حدثني عيسى بن سبرة عن أبيه عن أبي سبرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا لا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عز وجل ألا لا يؤمن بالله من لا يؤمن بي ولا يؤمن بي من لا يعرف حق الأنصار
اكتفى المملوك بهذا الحديث الذي أفرده على سبيل التوصل به إلى البركة والتوسل وترك الكلام عليه لئلا تخرج به الرسالة عن حد الترسل وعلم أن هذه الطرق لا يسلكها جواده الوجي وأنه إذا طار بهذا المطار يقال له ليس هذا بعشك
فادرجي فلست من رجال هذه المحافل ولا من فرسان هذه الجحافل أما علمت أن الخارج عن لغته لحان وأن الداخل في غير فنه يفضحه الامتحان غير أنه تجاسر على هذه الصناعة واستكثر على نفسه ما أورده منها لقلة البضاعة ونطق بين يدي ملكها وقابل بالمصباح شمس فلكها وانتقل إلى مقام حدثنا بعد مقام أما بعد وقابل بالذي أسنده ما أسنده مولانا وكيف يقابل مسند سيد بمسند عبد وقال عند قراءة ما أورده سيدي من أحاديثه زدني من حديثك يا سعد وقال مضمنا
علم الحديث إلى أبي نصر غدا | من دون أهل العصر حقا يسند |
أضحى أمير المؤمنين بقبة | ويد الخلافة لا تطاولها يد |
فلذلك عجل المملوك إلى فنه الأدبي منجاه وترك الكلام في الحديث قائلا كما قال غيره بضاعتنا في الحديث مزجاه
ثم انتهى المملوك إلى ما وصفه سيدي من حبه لعبده وخصه به من فضله ووده ونظر إلى حبه لسيدي فإذا هو كئوس
#لها في عظام الشاربين دبيبوعروس
#لها بهجة بين الملاح وطيبوغروس
#يلذ جناها في فمي ويطيبوأصل كريم النتاج وملك لا يليق أن يرتفع على رأسه إلا هذا التاج فليس الحب إلا ما نشأ عليه القلب ونما وربي في أرض من المودة وسما
وليس بتزويق اللسان وصوغه | ولكنه ما خالط اللحم والدما |
وحقا ما أقول
أحبك حبا ما عليه زيادة | ولا فيه نقصان ولا فيه من من |
بل أقول
أحبك أصنافا من الحب لم أجد | لها مثلا في سائر الناس يعرف |
فمنهن أن لا يعرض الدهر ذكركم | على الروح إلا كادت الروح تتلف |
ومنهن حب للفؤاد يخصه | فلا أمتري فيه ولا أتكلف |
وحب بدا للجسم واللون ظاهرا | وحب لدى نفسي من الروح ألطف |
وأقول
أحبك يا شمس الزمان وبدره | وإن لامني فيك السها والفراقد |
لقد رفعت لهذا الحب في القلب قباب ونصبت له خيام لها من حبال الوصل
وسماء الود أوتاد وأسباب وأصبح كذوات مولانا التي كلما عمرت زادت شبابا على شباب وتميزت أعداده على أعداد من جعل لمحبوبه الواحد ثلاثة أحباب
لقد اتحدا بروح العبد حتى التبس عليه أيهما الروح وامتزجا فما أردي بأيهما يغدو الجسم ويروح
وسرى كل واحد منهما في صاحبه سريان الأعراض في الجواهر وصارا ذاتا واحدة فما أولاهما بقول الشاعر
دعاها بيا قيس أجابت نداءه | ونادته يا ليلى أجاب نداءها |
أو بقول ابن سناء الملك
وبتنا كجسم واحد من عناقنا | وإلا كحرف في الكلام مشدد |
فأحب الله ذات مولانا البديعة الصفات وحرس جنابها من الآفات فلا يزال العبد يقربها للقلب بتذكاره ويصورها نصب عينيه بأفكاره حتى كاد القلب لا يشكو النوى ويصير في حالتي القرب والبعد على حال سوى
وأما أشواق المملوك فقويت وتضاعفت وتزايدت وترادفت وتجندت أجنادها فائتلفت وتعارفت وروى الصب عنها حديثي الزفير والدمع بعلو ونزول وأنشد مقيمها الذي لا يحول عن عهده ولا يزول
كم نظرة لي حيال الشام لو وصلت | روت غليل فؤاد منك ملتاح |
وينشد
نادمت ذكرك والظلماء عاكفة | فكان يا سيدي أحلى من السمر |
فلو ترى عبرتي والشوق يسفحها | لما التفت إلى شيء من المطر |
ورام أن يتشبث بشوق مولانا ويتعلق ويرقى لفتح المصراع الثاني من بيت الزحلوقة فتزحلق فنظم بديها وفي ضلوعه ما فيها
شوقي لوجهك شوق لا أزال أرى | أجده يا شقيق الروح أقدمه |
ولي فم كاد ذكر الشوق يحرقه | لو كان من قال نارا أحرقت فمه |
ثم قلت مضمنا
روحي تقول وقد جاءت رسائلكم | هل لي إلى الوصل من عقبى أرجيها |
ولم أكن قبلها بالشوق أقتلها | إلا لعلمي بأن الشوق يحييها |
ولي دموع بسري للورى نطقت | فأطلعت قلبها للناس من فيها |
كالنار لونا وإحراقا فوردتها | تجني على الكف إن أهويت تجنيها |
ورأى الإشارات التي شوقته إليها شوق العليل إلى الشفاء وأهل مصر إلى الوفاء
ووصف سيدي ألفاظ المملوك وكان من حقها أن تلفظ ولحظها بعين العناية وكان من شأنها أن لا تلحظ وذكرها في مقام التنويه وكان اللائق بها أن تنسى ولا تحفظ
إلا أنه أودع سجعه منها شيئا تغير منه قلب النيل وانكسر ورام فتح باب العباب فما جسر
وانتهيت إلى النظم الموشح بقلائد العقيان فإذا له زجل وقيل لي أهذه هي الجواهر الجليلة فقلت أجل
ورأيت ما في وصفه ليالي البعد من الاستعارة وعلمت أن مولانا خليفة الأدب الرشيد وغيره فيه مسلوب العبارة
وتأملت ما ذكره من أمر الفراق فلا يذم لكونه كان سببا للتلاق ومبلغنا لتلك الأماكن المقدسة والجهات التي هي على التقوى مؤسسة ولا يذم بين فيه إصلاح ذات البين ولا انتقال مولانا الحسن الشبيه بقول ابن الحسين
فراق ومن فارقت غير مذمم | وأم ومن يممت خير ميمم |
وذكر سيدي المشيب فوارد المملوك على معنى كان نظمه قديما وهو
قد بان عصر شرابي | مذ بان عصر شبابي |
وقد جددت بشيب | والشيب سوط عذاب |
فأما ما ذكر مولانا من الشوق فهو يعرب عن شرح حال العبد من بعده ويبرهن عن صب يقول من حرقه ودمعه على بعده
في العين ماء وفي القلب لهيب لظى | وقد تخوفت في الحالين من تلفي |
كالعود يقطر والنيران تحرقه | كالماء في طرف والنار في طرف |
وأما ذكره زمان أنسه والأوقات التي يفدي العبد دست سرورها بنفسه فهو عندي الزمان الذي ابتسم فيه السرور والمنية التي كان الخصيب على مثل عيشها الأخضر يدور
وذكر مولانا الغربة فكان مولانا بمصر هو الغريب العزيز وشيخ العلوم الذي ابتسمت به ثغور مصر حين بلغت به سن التمييز وما كان الغريب فيها إلا علمه ولا المناسب لارتقاء المناصب إلا حلمه ولا المرسل لأغراض المعالي وقلب المعادي
إلا سهمه ولا المؤثر في قلوب أهلها إلا حبه ولا الملائم لكل ذي عقل بعيد من الخطأ إلا قربه
وأما ما ذكره عن العبد من الإهمال واشتغاله عن مواليه مع فراغه من الأشغال فأنا هنالك ولكني مع ذلك
أغيب عنك بود ما يغيره | نأي المحل ولا صرف من الزمن |
فوالله ما تباعدت إعراضا ولا تبدلت معتاضا
وما كان صدى عن حماك ملالة | ولا ذلك الإحجام إلا تهيبا |
واهتديت للمصباح الذي اقتبسه سيدي من الآية وتأملته فإذا فيه من الاكتفاء تنبيه وكفاية وأحببت المقطوع الموصول الحسن المطبوع فقلت
يا أيها البحر الذي هو عدة | لخطوب دهر لا يطاق عديدها |
ما ضر ذاتي كل ما اتصفت به | إن كنت مع تلك الصفات تريدها |
مع علمه بانقطاع مقطوعه عن مولانا وأن ذلك المقطوع وصل إلى مدى ما أجدرنا بالوقوف دونه وأولانا وأن ذلك التضمين يمين وأن القرائح لا تبرز مثله من كمين وأن الحاسد له إذا توقد غيظا كانون صدره فهو بذلك قمين
هذا مع ما فيه من حلم سيدي وإغضائه وكرمه الذي تشهد به من العبد سائر
أعضائه وصحيح الود الذي يعامل به عبيده على علاتهم وتغافله عنهم عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (دعوا الناس في غفلاتهم
ووصلت إلى ما طرزه القلم على ذلك الرسم فوقف العبد عند حده ورأى من ذلك المنطوق القول الشارح لصدق وده
ثم ناديت بما أسنده من حقيقة المحبة وبينه من آداب الصحبة فحفظ الله عيش عهده الخضر على يأس الهوى ورجائه ومحبته التي لا تتغير وإن زاد المملوك في جفائه
وتأملت بالعين ذلك الأثر وأسمعت أذني منه في قراءته أطيب الخبر وجرى الفهم لما أشار حين وقف عليه وتيقظ لما أومى إليه وحللت رموزه واستثرت كنوزه
فأما ما حكم به الشيخ الإمام عليه فهو اللائق بتحقيقه والقول الذي تتوفر دواعي العارفين بمقاصد الشرع على تصديقه
وأما ما ذكره سيدي على قول الخياط وفضله وسواه من الكلام قاضي ذهنه وعدله فهو كلام محرر وسكر مكرر وسيف بدر لفظه مجوهر إلا أن
المملوك رأى نفسه عند استشهاده ببيت الخياط شاعرا بوصله وأديبا إذا حاز الأدباء خصل السبق لم يحز من الفضل خصلة
وكأن الخياط فصل تفاصيل حال البعد في بيته بالخيط والإبرة وقصها بعد أن قاسها على حاله فما نقصت ذرة
ثم توجه المملوك إلى ما ذكر عن مالك وسلكت في تلك المسالك فإذا مدارس علوم ومدارك فهوم وأبحاث منقحة وجنات أبوابها مفتحة
وفهمت ما أشار إليه بذلك المنقول عن مالك فلا حرج على من تكلم ولا يعجز المملوك أن يكون كأبي ضمضم
وأما ما عند سيدي للعبد من الارتياح والتطلع لأخباره السارة في الغدو والرواح فحال العبد غير منتقلة عن هذه الحال ولا يأويه إلا إلى بابه الارتحال
بعدت فواشوقاه عن أبيض الثنا | وغبت فوالهفاه عن أخضر القنا |
أشع مدحه العالي وذرني والعدى | وبح باسمه الغالي ودعني من الكنا |
فمتى ترد إلى العبد روحه وتعاد ويحكم قاضي القرب بنقض ما حكم به قاضي البعاد
وأما ما عرض به من حكاية القاضي واللص فما على ذلك بمعرفة إسنادها فإنها عند المملوك بغير إسناد وعرض للمملوك سؤال وهو أنه هل يجوز رواية ما يقع في مكاتبة من إسناد حديث أو غيره من غير إذن في الرواية وهل يكون ذلك كالوجادة
وكان غرض سيدي منها أن يخاطب المملوك بما خاطب به القاضي اللص من تلك العبارة ويومئ إلى ما تعانيه الشعراء من السرقات بألطف إشارة والمملوك مغالط في فهم ذلك بحسه غير آخذ ذلك المعنى لنفسه ومما يعجب المملوك من أبيات اللص قوله
قالت وقد رابها عدمي ثكلتك من | راض بنزر معاش فيه تكدير |
مهلا سليمى سينفي العار عن هممي | هم وعزم وإدلاج وتشمير |
ماذا أؤمل من علم ومن أدب | مع معشر كلهم حول الندى عور |
ولقد أحسن القاضي حين صرف اللص بعد اطلاعه على فضيلته مكرما وحلله من ثيابه بعد أن صيره بتجريده منها محرما
وأما غيره سيدي على بنات فكره الذي دق باب البلاغة إذ دق وتخوفه عليها من المملوك ولسان حالي يتلو {ما لنا في بناتك من حق} فخوف سيدي على كلامه
المحرر خوف ابن برد من سلم على مبتكراته أو السري من الخالديين على اختلاس معانيه من أبياته فلله در السري حيث يقول متظلما منهما
شنا على الآداب أقبح غارة | جرحت قلوب محاسن الآداب |
تركت غرائب منطقي في غربة | مسبية لا تهتدي لإياب |
جرحى وما ضربت بحد مهند | أسرى وما حملت على الأقتاب |
إن عز موجود الكلام لديهما | فأنا الذي وقف الكلام ببابي |
وأما ما ذكره عن مصر في فصل التشوق على سبيل الإدماج وإرساله ذلك السيل الذي طما تياره إذ ماج فأثار ترابها وطير ذبابها فهي ذات الغبار الذي لا يلحق والذباب الأسود الذي يقاسي منه في النهار الأبيض العدو الأزرق
أحبه قومه على شوه | أم القرنبى تخالها حسنه |
وأما المملوك فالبلدان عنده هما ما هما ومدينتان لم يبق في الأمصار سواهما وواديان
حللت بهذا حلة ثم حلة | بهذا وطاب الواديان كلاهما |
فهو يصافيهما ويوافيهما ويعامل كلا منهما بالحسنى وتكرم مصر لوجهها الوسيم ودمشق لشرفها الأعلى ومقامها الأسنى
ويصبح ثانيا لعنان التفضيل بين البلدين من أول وهلة تاركا للتفصيل بالجملة ولا يستنجد من حلاوة نيل مصر بأجناد من العسل ولا يحرك من عيدان قصبها ما يقوم مقام الأسل
ولا يتعرض لدمشق إلا بما يرضيها ولا يجرد في عيوبها سيوفه ولا ينتضيها ولا يومئ إليها على سبيل الذم عيون كلامه برمزه ولا يبرز من مرماه أقواله إلى مقامها برزة لكن يقول سقى الله دمشق سحابا تقوم صحون ديارها لأخلافه إذا تحلبت مقام القعب ويصبح كف الثريا لها بمائها أسمح من كعب
وذكر سيدي الشام وسحابها وشمول المطر رحابها فقد نقل أنه هم الأقطار
وغرق صحن جامعها القطر من الأمطار واتشحت العروس من در البرد بوشاح وكاد النسر أن يطير إلى مكان يعصمه من الماء وكيف يطير مبلول الجناح حتى أصبح طوفان الماء به وهو متلاطم وتلا كل قارئ فيه حتى روى ماؤه عن ابن كثير فلم يجد نافع ولا عاصم
وتوالت على طرق المصلين المياه والأوحال وسالت الشرائع فشرع للمؤذنين أن يقولوا ألا صلوا في الرحال
فعظم لنزول السماء على الأرض بلا كيل الفرق وجرى طوفان المياه إلى الجامع فكاد أن يلجم نسرا وأهله الغرق وأصبح كافوري الثلج من الأرض وهو متداني وندف قوس السحاب قطنه على جنة الزبداني
ورأى الناس في يومه الأبيض الموت الأحمر وشاب منه في الساعة شارب الروض الأخضر
وبيض لرؤوس الجبال فودا ولبس مسالكها فكأن فضتها النقرة ببياضها سودا
وألبس ذوائب أشجارها حلة المشيب وستر برد بستانها الأخضر القشيب
وحمل بكتيبته البيضاء على كتيبته الخضراء وجارى الأعوج جري سكاب دانيه على الغبراء
وعادت قلة كل جبل منه وهي ثلجية وكاد نهاره يستر ببياض ثوبه الدري سواد حلة الليل السجية
ومال ماء السحاب على الضياع فتداعت حيطانها ونزح من لم يقدر على نزح المياه من قطانها
وكاثر مياه أنهارها بتلك المياه وما استحى منها على كثرة حياه
فقلت حين بلغنا أن الماء طغى بالشام وعتا وطال بها على من حل فيها مقام الشتا
قد طول البرد في إقامته | بالشام والنفس عندها ضجره |
وقلت إذ شاب منه مفرقه | بالثلج يا برد شاخت العشره |
وقلت
الثلج قد جاء على أشهب | وعم بالبلقا وسيع الفضا |
فارتاعت الشقراء من جلق | إذ سل من أبيضه أبيضا |
إلا أنه جبر ذلك بألف نعمة ونظرت إلى الشام أمطاره بعين الرحمة
وإن يكن الفعل الذي ساء واحدا | فأفعاله اللائي سررن ألوف |
وأما قول سيدي إنه ما تعرض لمصر بتعريض في كلام واحتج بما ذكره عن الشام ففرق بين ما عيبت به مصر من طين وتراب وطنين ذباب وبين ما نسب إلى دمشق من كافور ثلج وإيقاع رباب لكنها تقول حين جبرها من حيث كسرها وشرفها حين أمرها على باله وذكرها
لئن ساءني أن نالني بمساءة | لقد سرني أني خطرت بباله |
فهي تقنع بأن رفع عنها جانب تجافيه ووصفها بوصف فيه ما فيه
ومما يذكره العبد أنه لو نصب بين هذين المصرين المنافرة وأقام سوق المفاخرة لأنسى بحرف الفخار حرب الفجار ولأبطل حجاج كل واحدة من حجاج
الأخرى بما أبطل ولأثار بين النيل وأنهار دمشق عند المحاربة غبار القسطل لكن ثنى المملوك عن المفاخرة سير العنان وعنان السير وألقى بيده إلى السلم وتلا لسانه {والصلح خير} عالما أن المكابرة من الصغير مع هبوط قدره لا تصعد وأن سحاب العناد جهام وإن أبرق وأرعد
ثم انتهى المملوك لما تشرف به من خلعة الخلة والحلة التي جر ذيلها على شاعر الحلة ووصلت كثرة لثمه لتلك الألفاظ إلى العدد الذي لا يغلب من قلة
ثم هيأ هذا الجواب بعد الاستقصاء لجهده في الشكر والاستيعاب والتمهيد للفظ إذا تمثل عند نفسه بباب سيد علماء زمانه لا يعاب آخره
ولله الحمد والمنة
بسم الله الرحمن الرحيم القضائي التاجي المملوك إبراهيم القيراطي يقبل الأرض ذات الكرم والشرف الذي علا على إرم إن لم يكن أرم والأنهار التي لمائها رونق ماء الشباب فأنى يفاخر بالنيل إذا بلغ الهرم
والحمى الذي أنشد سلامنا المكي حين سار إليه
#ما سرت من حرم إلا إلى حرمدار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 9- ص: 312
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباغ الفزاري الشافعي الدمشقي. ويعرف بالفركاح. العالم، المدرس، المفتي، برهان الدين أبو إسحاق. ولد سنة 660 أخذ عن والده، وأبي إسحاق: إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل بن فارس التميمي، وإبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي أخو شهاب الدين بن أبي شامة. وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، وأحمد بن عبد السلام بن عصرون. وأحمد بن عبد الدائم بن بعمة المقدسي، ومحمد بن أحمد البكري الشريشي ومحمد بن الحسن بن علي بن عساكر وجماعة، وأجاز له أحمد بن عبد الله بن محمد بن النحاس. وعبد اللطيف الحراني. وأجاز هو لابن جابر. ولم يذكر وفاته في فهرسته.
دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 1- ص: 0
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء شيخ الإسلام برهان الدين أبو إسحاق بن شيخ الإسلام تاج الدين الفزاري الدمشقي الشافعي مولده سنة ستين وست مائة.
وسمع ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وجماعة، وحدث بصحيح مسلم غير مرة، وتفقه بوالده، وتأدب بعمه، وتصدر للإفادة، وانتهت إليه رئاسة المذهب مع الدين والورع والتواضع والصفات الحميدة، جاءه تقليد بخطابة دمشق بعد عمه، فباشر شهرا، وعزل نفسه، وعرض عليه القضاء، وألحوا عليه بكل ممكن فامتنع، وناب في مشيخة دار الحديث أشهرا، فبهرت معارفه وخضع له الفضلاء ومناقبه يطول شرحها، قرأت عليه مشيخة ابن عبد الدائم، والله يمد في عمره.
توفي ليلة الجمعة سابع جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبع مائة، وحمل على الرءوس وتأسف الخلق لفقده، ومات في سبعين سنة، رحمه الله.
أخبرنا أبو إسحاق الفقيه، أنا ابن عبد الدائم، عن عبد الله بن أحمد الطوسي، أنا نصر بن أحمد، أنا مكي بن عبد الرزاق، أنا إبراهيم بن محمد النيسابوري، سمعت أبا عمرو محمد بن جعفر، نا حمزة بن داود، نا الهدادي، نا حليس الكلبي، عن سعيد، عن قتادة، قال: لقيني عمران بن حطان، فقال: احفظ عني هذه الأبيات:
حتى متى تسقي النفوس بكأسها | ريب المنون وأنت لاه ترتع |
أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى | وإلى المنية كل يوم ترفع |
أحلام نوم أو كظل زائل | إن اللبيب بمثلها لا يخدع |
فتزودن ليوم فقرك دائبا | واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع |
مكتبة الصديق، الطائف - المملكة العربية السعودية-ط 1( 1988) , ج: 1- ص: 138
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري الشافعي، الشيخ الإمام شيخ الإسلام برهان الدين أبو إسحاق ابن شيخ الإسلام تاج الدين. تفقه على والده وتميز وأعاد ودرس وأفتى، وهو من أعيان الفقهاء، جميل السيرة، رضي الأخلاق، ذو مروءة ظاهرة، حسن الطريقة، متعهد لقضاء حقوق الإخوان، كثير المساعدة للغرباء، أسمعه والده وعمه على جماعة منهم: ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وخالد بن النابلسي، ويحيى بن الصيرفي، وأبو بكر بن النشبي، وإبراهيم بن إسماعيل أخو أبي شامة، وجماعته وشيوخه نحو المئة، وسمع ’’صحيح مسلم’’ وحدث به غير مرة، وسمع جملة من الكتب الكبار.
قال الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني: تفقه على والده ولازم حلقته، ورغب قاضي القضاة شهاب الدين ابن الخويي في تزويجه ابنته، لما كان فيه من السكون، وحسن السمت، فنبه عليه وولاه إعادة مدرسته العادلية، وأذن له في الفتوى في حياة والده، ثم لما توفي والده رحمه الله تحدث له القاضي المذكور، وجميع أهل البلد لكثرة حقوق والده عليهم حتى درس مكان أبيه بالمدرسة البادرائية، وجلس مكانه للإقراء والفتوى ولازمه طلبة أبيه، وكان له سكون في مشيته وخشوع، ولديه مشاركات في الفقه وأصوله والنحو، ولكن الغالب عليه الفقه، ويعرف الفرائض، ولم يزل يفتي، وعلى كثرة فتاويه لا يخطئ، ويقف فيما يشكل عليه، ولم ير مثله في ملازمته لحاله من الإقراء، والتعليم، والفتوى، وقلة الاجتماع بالناس، ولزوم طريق الخير، والمواظبة على الإفادة وانتفع به جماعة كثيرة.
وقال سيدنا قاضي القضاة تاج الدين أسبغ الله ظلاله: ذاك فقيه الشام، وبركته الذي ليس سوى برقه يشام، وشيخه الذي زاد يمنه على أنواء الغمام، تلقى علما كثيرا، وتوقى في نقله الخطأ فأصاب أجرا كبيرا، وترقى إلى طبقات عالية تطل من شرفاتها فتبصر سراجا وقمرا منيرا، وكان يغدو في جوانب دمشق ويروح، ويعدو بناؤه. وهو بلطف الله ممدود، وبثناء العباد ممدوح، ويبدو كالقمر المنير وجهه، فيسر القلب، ويمازح الدم والروح.
مولده في سنة ستين وست مئة في شهر ربيع الأول منها، وتوفي ليلة الجمعة ثامن جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبع مئة، وصلي عليه عقيب صلاة الظهر بجامع دمشق، ودفن عند والده بمقبرة الباب الصغير رحمهما الله تعالى.
أجاز لنا في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة.
أخبرنا الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي فيما أذن لنا في الرواية عنه، قال: أخبرنا الشيخ زين الدين أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد المقدسي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة الحراني (ح) وأخبرنا القاضي الإمام أقضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن القماح الشافعي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن مضر الواسطي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي، قالا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي، قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي، قال: أخبرنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري، قال: أخبرنا الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، قال: وحدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’من حمل علينا السلاح فليس منها’’.
أخرجه النسائي عن أبي الطاهر بن السرح، عن ابن وهب، عن مالك، به فوقع لنا عاليا.
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 2004) , ج: 1- ص: 38
والإمام القدوة شيخ الإسلام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري الدمشقي الشافعي
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 237