أبو العتاهية اسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي (من قبيلة عنزة) بالولاء، أبو اسحاق الشهير بابي العتاهية: شاعر مكثر، سريع الخاطر، في شعره ابداع. كان ينظم المئة والمئة والخمسين بيتا في اليوم، حتى لم يكن للاحاطة بجميع شعره من سبيل. وهو يعد من مقد=مي المولدين، من طبقة بشار وابي نواس وامثالها. له (ديوان شعر - ط) فيه بعض شعره. وجمع يوسف بن عبد الله ابن عبد البر (زهديات أبي العتاهية) في مجلد كبير. وكان يجيد القول في الزهد والمديح واكثر انواع الشعر في عصره. ولد في (عين التمر) بقرب الكوفة، ونشأ في الكوفة، وسكن بغداد. وكان في بدء امره يبيع الجرار فقيل له (الجرار) ثم اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم. وهجر الشعر مدة، فبلغ ذلك المهدي العباسي، فسجنه ثم احضره اليه وهدده بالقتل او يقول الشعر ! فعاد إلى نظمه، فاطلقه. واخباره كثيرة. وتوفي في بغداد. ولابن عماد الثقفي أحمد بن عبيد الله (المتوفي سنة 319 هـ) كتاب (اخبار أبي العتاهية) ولمعاصرنا محمد أحمد برانق (ابو العتاهية - ط) في شعره واخباره.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 321

أبو العتاهية الشاعر اسمه إسماعيل بن القاسم العنزي الكوفي.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 381

أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد ابن كيسان العنزي مولى عنزة العيني الكوفي الشاعر المشهور الملقب أبو العتاهية
ولادته ووفاته
قال ابن خلكان: ولد سنة 130 بعين التمر (ولذلك قيل له العيني) بليدة بالحجاز قرب المدينة وقيل أنها من أعمال سقي الفرات وقال ياقوت الحموي في كتابه المشترك أنها قرب الأنبار (انتهى) أقول الصواب إن مولده بعين التمر بالعراق لا بالحجاز وهي التي يقال لها اليوم شفاثا وان صح إن بالحجاز ما يسمى عين التمر فليس مولده به وفي رواية في الأغاني إن مولده بالكوفة.
وتوفي يوم الاثنين لثمان أو ثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة 211 وقيل 213 وقيل 210 وقيل 209 حكى هذه الأقوال أبو الفرج في الأغاني ولكن قوله في الأبيات الآتية عشت تسعين حجة يدل على أنه مات سنة 220 على الأقل وكانت وفاته ببغداد وقبره على نهر عيسى قبالة قنطرة الزياتين قاله في الأغاني. وأوصى إن يكتب على قبره:

وقيل أوصى إن يكتب عليه:
أمه
في الأغاني أمه أم زيد بنت زياد المحاربي مولى بني زهرة (انتهى) فهو من قبل الأب مولى عنزة ومن قبل الأم مولى بني زهرة.
نسبته
العنزي نسبة إلى قبيلة عنزة بفتح العين المهملة والنون بعدها زاي وهاء سميت باسم عنزة بن أسد بن ربيعة قاله ابن خلكان. ويظهر من الأغاني أنهم من عنزة نسبا وأن جدهم أسر فاشتراه عنزي وأعتقه فكان ولاؤه أيضا لعنزة روى ذلك عن محمد بن سلام قال كان محمد بن أبي العتاهية يذكر إن أصلهم من عنزة وان جدهم كيسان كان من أهل عين التمر فلما غزاها خالد بن الوليد كان جدهم كيسان يتيما يكفله قرابة له من عنزة فسباه خالد فسال أبو بكر كيسان عن نسبه فأخبره أنه من عنزة فاستوهبه منه عباد بن رفاعة العنزي فاعتقه فتولى عنزة (انتهى) ومن ذلك يعلم أنه من عين التمر بالعراق لا بالحجاز كما مر.
كنيته ولقبه
في الأغاني كنيته أبو إسحاق وأبو العتاهية لقب غلب عليه. وفيه بسنده عن ميمون بن هارون عن بعض مشايخه أنه كني بأبي العتاهية لأنه كان يحب الشهرة والمجون والتعته وبسنده عن محمد بن موسى بن حماد إن المهدي قال له يوما أنت إنسان متحذلق معته فاستوت له من ذلك كنية غلبت عليه دون اسمه وكنيته ويقال للرجل المتحذلق عتاهية ويقال أبو عتاهية بدون ال (انتهى) وفي تاريخ بغداد أبو العتاهية لقب لقب به لاضطراب كان فيه وقيل بل كان يحب المجون والخلاعة فكني لعتوه (لعتوهه) أبا العتاهية.
صفته
في الأغاني بسنده عن محمد بن موسى كان أبو العتاهية نظيفا ابيض اللون سود الشعر له وفرة جعدة وهياة حسنة ولباقة وحصافة وفي موضع آخر منه عن النوفلي أبو العتاهية كان مقبحا طويل الوجه كأنه ينظر في سيف.
أصله ومنشؤه
قد عرفت إن أصله من عين التمر بالعراق وفي الأغاني منشؤه بالكوفة ثم روى عن ميمون عن بعض مشايخه قال وبلده الكوفة وبلد آبائه وبها مولده ومنشؤه وباديته وفي تاريخ بغداد: أصله من عين التمر ومنشؤه الكوفة ثم سكن بغداد.
أقوال العلماء فيه
في الأغاني قال الشعر فبرع فيه وتقدم ويقال أطبع الناس بشار والسيد وأبو العتاهية وما قدر أحد على جمع شعر هؤلاء الثلاثة لكثرته وكان غزير البحر لطيف المعاني سهل الألفاظ كثير الافتنان قليل التكلف إلا أنه كثير الساقط المرذول مع ذلك وأكثر شعره في الزهد والأمثال وله أوزان ظريفة قالها مما لم يتقدمه الأوائل فيها (انتهى) وفي شذرات الذهب: هو من مقدمي المولدين ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس (انتهى) وفي تاريخ بغداد: هو أحد من سار قوله وانتشر شعره وشاع ذكره ويقال إن أحدا لم يجتمع له ديوانه بكماله لعظمه وكان يقول في الغزل والمديح والهجاء قديما ثم تنسك وعدل عن ذلك إلى الشعر في الزهد وطريقة الوعظ فأحسن القول فيه وجود وأربى على كل من ذهب ذلك المذهب وأكثر شعره حكم وأمثال وكان سهل القول قريب المأخذ بعيدا من التكلف متقدما في الطبع (انتهى).
مكانته في الشعر
كان أبو العتاهية يفضل على شعراء عصره وبعضهم يقول أنه أشعر الناس هذا وفي عصره من فحول الشعراء مثل أبي نواس وبشار والعتابي والنمري ومسلم بن الوليد وأبي الشيص ومروان بن أبي حفصة والسيد الحميري وأشجع السلمي ودعبل الخزاعي ومحمد بن أمية ومحمد بن مناذر وأبي المشمقمق وغيرهم وفي الأغاني يقال إن أكثر الناس شعرا في الجاهلية والإسلام ثلاثة بشار وأبو العتاهية والسيد فإنه لا يعلم إن أحدا قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع (انتهى) وكان أبو نواس مع شهرته وعلو مكانه في الشعر يعترف له بأنه أشعر منه ويقول عن شعره أفسحر هذا ففي الأغاني بسنده أنه قيل لأبي نواس وقد أنشد شعرا: أنت أشعر الناس فقال أما والشيخ حي يعني أبا العتاهية فلا. وفيه بسنده أنه قرئ بعض شعره على أبي نواس فقال قد والله أجاد ولم يقل فيه سوءا. وفي تاريخ بغداد بسنده عن ابن أبي شيخ قال بكرت إلى سكة ابن نيبخت فرأيت أبا نواس فجلست إليه فمر بنا أبو العتاهية على حمار فسلم ثم أوما برأسه إلى أبي نواس وأنشأ يقول:
فنظر إلي أبو نواس ثم قال أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. وفيه بسنده إن أبا نواس كان جالسا في بعض طرق بغداد والناس يمرون به وهو ممدود الرجل بين بني هاشم والقواد ووجوه أهل بغداد فكل يسلم عليه فلا يقوم إلى أحد ولا يقبض رجله إذا اقبل شيخ على حمار فوثب إليه أبو نواس وامسك الشيخ عليه حماره واعتنقا وجعل أبو نواس يحادثه وهو قائم على رجليه حتى رئي أبو نواس يرفع إحدى رجليه ويضعها على الأخرى مستريحا من الإعياء ثم انصرف الشيخ ورجع أبو نواس إلى مكانه فقيل له من هذا الشيخ الذي رأيناك تعظمه هذا الإعظام وتجله هذا الإجلال فقال: هذا إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية فقال له السائل لم أجللته هذا الإجلال وساعة منك عند الناس أكثر منه قال ويحك لا تقل فوالله ما رأيته قط إلا توهمت أنه سماوي وأنا ارضي (انتهى) وكان بشار وهو الشاعر المقدم يقول أنه أشعر زمانه ويطرب عند سماع شعره ويقول لأشجع وأبو العتاهية ينشد: انظر هل طار الخليفة عن فرشه ففي الأغاني بسنده قيل لبشار من أشعر أهل زماننا فقال مخنث أهل بغداد يعني أبا العتاهية. وبسنده أنه جلس المهدي للشعراء يوما فإذن لهم وفيهم بشار وأشجع وأبو العتاهية وكان أشجع يأخذ عن بشار قال أشجع فلما سمع بشار كلام أبي العتاهية قال يا أخا سليم أهذا ذلك الكوفي الملقب قلت نعم قال لا جزى الله خيرا من جمعنا معه ثم قال له المهدي انشد فقال ويحك أو يبدأ به فيستنشد أيضا فقلت قد ترى فأنشد:
قال أشجع: فقال لي بشار ويحك يا أخا سليم ما أدري من أي أمريه أعجب أمن ضعف شعره أم من تشبيبه بجارية الخليفة يسمع ذلك بإذنه قال المؤلف أعجب شيء ما بلغ به هؤلاء المتسمون بالخلافة من الخلاعة وقلة الغيرة حتى صار الشعراء يشببون بجواريهم في مجلسهم العام ولكن من يبرز جواريه تغني إمام الأجانب لا يمكن إن يغار من التشبيب بها. قال حتى أتى على قوله:
قال أشجع فقال لي بشار وقد اهتز طربا ويحك يا أخا سليم أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طربا لما يأتي به هذا الكوفي.
(ومروان بن أبي حفصة) وهو من مشاهير شعراء عصره ومقدم عند بني العباس بانحرافه عن الطالبيين يمدح الخليفة العباسي بقصيدة طويلة ويمدحه أبو العتاهية وهو شيعي زيدي ببيتين فيسوى بينهما في العطاء ففي تاريخ بغداد بسنده عن العتبي قال رئي مروان بن أبي حفصة واقفا بباب الجسر كئيبا آسفا ينكت بسوطه في معرفة دابته فقيل له يا أبا السمط ما الذي نراه بك قال أخبركم بالعجب مدحت أمير المؤمنين فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفيها ووصفت الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضا أرضا ورملة رملة حتى إذا أشفيت منه على غنى الدهر جاء ابن بياعة النخاخير يعني أبا العتاهية فأنشده بيتين فضعضع بهما شعري وسواه في الجائزة بي وهما:
ومسلم بن الوليد على تقدمه يقول له وقد سمع بعض شعره: لا والله يا أبا إسحاق لا يبالي من أحسن إن يقول مثل هذا ما فاته من الدنيا رواه في الأغاني. وأبو تمام الطائي ومكانته في الشعر والأدب لا تلحق يقول عن بعض شعره أنه ما شركه فيه أحد. ففي الأغاني بسنده قال أبو تمام الطائي: لأبي العتاهية خمسة أبيات ما شركه فيها أحد ولا قدر على مثلها متقدم ولا متأخر وهي قوله:
وقوله لأحمد بن يوسف:
وقوله في موسى الهادي:
وقوله:
وفي تاريخ بغداد بسنده عن أبي تمام قال: تكتب من شعر أبي العتاهية خمسة أبيات فان أحدا لم يشركه فيها ولا تهيأ لأحد مثلها وذكر الخمسة المتقدمة. وابن الأعرابي مع علو كعبه في معرفة الشعر ونقده يقول ما رأيت شاعرا قط أطبع ولا أقدر على بيت منه وما أحسب مذهبه إلا ضربا من السحر. ففي الأغاني حدث ابن الأعرابي إن الرشيد حم فصار أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع برقعة فيها أبيات في حق الرشيد فوصل إليه بذلك مال جليل فقال رجل بالمجلس لابن الأعرابي ما هذا الشعر بمستحق لما قلت لأنه شعر ضعيف فقال ابن الأعرابي وكان أحد الناس: الضعيف والله عقلك ألأبي العتاهية تقول أنه ضعيف الشعر فوالله ما رأيت شاعرا قط أطبع ولا أقدر على بيت منه وما أحسب مذهبه إلا ضربا من السحر ثم انشد له:
ثم قال للرجل هل تعرف أحدا يحسن إن يقول مثل هذا الشعر فقال له الرجل يا أبا عبد الله جعلني الله فداءك أني لم أردد عليك ما قلت ولكن الزهد مذهب أبي العتاهية وشعره في المديح ليس كشعره في الزهد فقال أفليس هو الذي يقول في المديح:
فتخلص الرجل من شر ابن الاعرابي بان قال له القول كما قلت وما كنت سمعت له مثل هذين الشعرين وكتبهما عنه. هذا مع إن صاحب الأغاني روى إن ابن الأعرابي كان يعيب أبا العتاهية ويثلبه. فإذا كان هذا قوله فيه وهو يعيبه ويثلبه كان أقرب إلى الصحة.
والفراء يحيى بن زياد الأقطع من مشاهير علماء العربية يعترف بأنه أشعر أهل عصره. ففي الأغاني بسنده عن يحيى بن زياد الفراء قال لي جعفر بن يحيى يا أبا زكريا أزعم إن أبا العتاهية أشعر أهل هذا العصر فقلت هو والله أشعرهم عندي. والورد بن زيد الخزاعي أخو دعبل وهو من معاريف شعراء ذلك العصر يقول أنه أشعر الإنس والجن. ففي الأغاني بسنده قيل لورد بن زيد بن رزين الشاعر من أشعر أهل زمانه؟ قال: أبو نواس قلت فما تقول في أبي العتاهية فقال أبو العتاهية أشعر الإنس والجن.
وهذا سلم الخاسر ومكانته في الشعر غير مجهولة يقول أنه أشعر الجن والإنس ففي الأغاني بسنده إن موسى الشهرزوري قال لسلم الخاسر أنشدني لنفسك قال ولكن أنشدك لأشعر الجن والإنس لأبي العتاهية ثم أنشدني قوله:
وعن رجاء بن مسلمة قلت لسلم الخاسر من أشعر الناس فقال إن شئت أخبرتك بأشعر الجن والإنس فقلت إنما أسألك عن الإنس فان زدتني الجن فقد أحسنت فقال أشعرهم الذي يقول: سكن يبقى له سكن الأبيات مع إن أبا العتاهية هجاه كما في الأغاني بقوله:
وكان بينهما منافرة والجماز كان ابن أخت سلم واقتص لخاله بالأبيات التي أولها: ما أقبح التزهيد من واعظ كما يأتي.
وهذا العتابي كلثوم بن عمرو وهو من لا يجهل مكانه في الشعر يقول أنه أشعر الناس الأولين والآخرين في وقته ففي الأغاني بسنده قال العتابي لمحمد بن النضر أنشدني لشاعر العراق يعني أبا نواس فأنشده وقال ظننتك تقول هذا لأبي العتاهية فقال لو أردت أبا العتاهية لقلت لك أنشدني لأشعر الناس ولم اقتصر على العراق. وبسنده قال العتابي الشاعر: لكم يا أهل العراق شاعر منوه الكنية ما فعل فذكر القوم أبا نواس فانترهم ونفض يده وقال ليس ذلك فقيل لعلك تريد أبا العتاهية قال نعم ذاك أشعر الأولين والآخرين في وقته. وفي الأغاني بسنده عن مصعب بن عبد الله: أبو العتاهية أشعر الناس بقوله:
قال مصعب: هذا كلام سهل لا حشو فيه ولا نقصان يعرفه العاقل ويقر به الجاهل. وعن عبد الله بن عبد العزيز العمري أشعر الناس أبو العتاهية حيث يقول:
صدق والله وأحسن.
ومدح أبو العتاهية عمرو بن العلاء مولى عمرو بن حريث صاحب المهدي وكان ممدحا فأمر له بسبعين ألف درهم فقال بعض الشعراء كيف فعل هذا بهذا الكوفي واي شيء مقدار شعره فبلغه فأحضره فقال إن الواحد منكم ليدور على المعنى فلا يصيبه ويتعاطاه فلا يحسنه وهذا كان المعاني تجمع له مدحني فقصر التشبيب وقال:
وعن المعلى بن عثمان قيل لأبي العتاهية كيف تقول الشعر قال ما أردته قط إلا مثل لي فأقول ما أريد واترك ما لا أريد.
وعن روح بن الفرج الحرمازي سمعت أبا العتاهية يقول: لو شئت إن اجعل كلامي كله شعرا لفعلت.
وقال محمد بن أبي العتاهية سئل أبي هل تعرف العروض قال أنا أكبر من العروض وله أوزان لا تدخل في العروض.
وقيل لأبي العتاهية: أما يصعب عليك شيء من الألفاظ فتحتاج فيه إلى استعمال الغريب كما يحتاج إليه سائر من يقول الشعر قال لا فقال: أني لأحسب ذلك من ركوبك القوافي السهلة قال: فاعرض علي ما شئت من القوافي الصعبة فقال قل على مثل البلاغ فقال من ساعته:
واجتمعت الشعراء على باب الرشيد فإذن لهم فدخلوا وأنشدوا فأنشد أبو العتاهية:
فأدهش له الرشيد وقال له أحسنت والله وما خرج في ذلك اليوم أحد من الشعراء بصلة غيره. وأجرى الرشيد الخيل فجاء فرس يقال له المشمر سابقا وكان الرشيد معجبا به فأمر إن يقولوا فيه فبدرهم أبو العتاهية فقال:
فأجزل صلته وما جسر أحد بعد أبي العتاهية إن يقول فيه شيئا.
المقايسة بينه وبين أبي نواس
في الأغاني قال الحرمازي: شهدت أبا العتاهية وأبا نواس في مجلس وكان أبو العتاهية أسرع الرجلين جوابا عند البديهة وأبو نواس أسرعهما في قول الشعر فإذا تعاطيا جميعا الشرعة فضله أبو العتاهية وإذا تمهلا فضله أبو نواس.
مذهبه
كان يتشيع بمذهب الزيدية ولعله أخذ التشيع من الكوفة التي كان أهلها شيعة إلا ما ندر ولكنه مع تشيعه كان يقول بالجبر كما ستعرف وقد مر في ترجمة أبي سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل النوبختي إن له كتابا في الصفات للرد على أبي العتاهية في التوحيد في شعره ولعل المراد الرد عليه في قوله بالجبر وفي إثبات صفات له تعالى زائدة على الذات قديمة كما يقوله الأشاعرة ويتفرع عليه قدم القرآن كما يأتي الإشارة إليه. وفي الأغاني: كان قوم من أهل عصره ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة ممن لا يؤمن بالبعث ويحتجون بان شعره إنما هو في ذكر الموت والفناء دون ذكر النشور والمعاد (انتهى) وهذه الحجة واهية جدا فالواعظ بالشعر أو النثر يخوف الناس بالموت ليزهدهم في الدنيا ولا يخوفهم بالبعث. ويظهر من الأغاني إن منصور بن عمار استاء من أبي العتاهية لان منصورا تكلم كلاما فقال أبو العتاهية أنه سرقه من رجل كوفي فنسبه منصور إلى الزندقة واحتج بهذه الحجة الواهية. وروي في الأغاني إن جارة له رأته ليلة يقنت في صلاته فروت عنه أنه يكلم القمر واتصل الخبر بحمدويه صاحب الزنادقة فترقبه فرآه يصلي ثم رآه يقنت فانصرف خاسئا. وهكذا يكون نصيب العالم من الجهال يصلي ويقنت في صلاته ويناجي ربه فتراه امرأة سخيفة العقل لم تر من يقنت قبل هذا مقابل القمر رافعا يديه فتظن أنه يكلم القمر ويعبد الكواكب ولولا إن حمدويه عرف إن هذا قنوت لالتصقت به الزندقة بشهادة هذه المرأة الجاهلة.
وفي الأغاني بسنده عن أحمد بن حرب كان مذهب أبي العتاهية القول بالتوحيد وان الله خلق جوهرين متضادين لا من شيء ثم بنى العالم منهما وان العالم حديث العين والصنعة لا محدث له إلا الله وكان يزعم إن الله سيرد كل شيء إلى الجوهرين المتضادين قبل إن تفنى الأعيان جميعا وكان يذهب إلى إن المعارف واقعة بقدر الفكر والاستدلال والبحث طباعا وكان يقول بالوعيد وبتحريم المكاسب كذا ويتشيع بمذهب الزيدية البترية المبتدعة لا ينتقص أحدا ولا يرى مع ذلك الخروج على السلطان وكان مجبرا قال الصولي فحدثني يموت بن المزرع حدثني الجاحظ قال أبو العتاهية لثمامة ابن أشرس بين يدي المأمون أسألك عن مسالة فقال له المأمون عليك بشعرك فقال إن رأى أمير المؤمنين إن يأذن لي في مسألته ويأمره بإجابتي فقال له أجبه إذا سالك فقال أنا أقول كلما فعله العباد من خير وشر فهو من الله وأنت تأبى ذلك فمن حرك يدي هذه وجعل أبو العتاهية يحركها فقال ثمامة حركها من أمه زانية فقال شتمني والله يا أمير المؤمنين فقال ثمامة ناقض الماص بظر أمه والله يا أمير المؤمنين فضحك المأمون وقال ألم أقل لك إن تشتغل بشعرك وتدع ما ليس من عملك قال ثمامة فلقيني بعد ذلك فقال لي يا أبا معن ما أغناك الجواب عن السفه فقلت إن من أتم الكلام ما قطع الحجة وعاقب على الإساءة وشفى من الغيظ وانتصر من الجاهل. وبسنده عن العباس بن رستم: كان أبو العتاهية مذبذبا في مذهبه يعتقد شيئا فإذا سمع طاعنا عليه ترك اعتقاده إياه وأخذ غيره (انتهى) وهذا يمكن إن يكون مدحا بأنه إذا ظهر له الحق أخذ به ولم يتعصب. وفي الأغاني: حدثني أبو شعيب صاحب أبي داود قلت لأبي العتاهية القرآن عندك مخلوق أم غير مخلوق قال سألتني عن الله أم عن غير الله قلت من غير الله فامسك وأعدت عليه فأجابني هذا الجواب حتى فعل ذلك مرارا فقلت ما لك لا تجيبني قال قد أجبتك ولكنك حمار (انتهى) وأراد بجوابه هذا إن القرآن كلام الله فهو قديم بقدم الله فلو كان القرآن مخلوقا لكان الله مخلوقا. قال وحدث خليل بن أسد النوشجاني قال أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال: زعم الناس أني زنديق والله ما ديني إلا التوحيد فقلنا فقل شيئا نتحدث به عنك فقال:
وفي تاريخ بغداد بسنده قال الرشيد لأبي العتاهية الناس يزعمون انك زنديق فقال يا سيدي كيف أكون زنديقا وأنا القائل:
أحواله
في الأغاني كان في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين ثم كان يبيع الفخار بالكوفة ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم. وبسنده عن أبي الشمقمق أنه رأى أبا العتاهية يحمل زاملة المخنثين فقلت له أمثلك يضع نفسه هذا الموضع مع سنك وشعرك وقدرك فقال أريد إن أتعلم كيادهم وأتحفظ كلامهم (انتهى) ثم روى بسنده عن خيار الكاتب: كان أبو العتاهية وإبراهيم الموصلي من أهل المذار جميعا وكان أبو العتاهية وأهله يعملون الجرار الخضر فقدما إلى بغداد ثم افترقا فنزل إبراهيم الموصلي بغداد ونزل أبو العتاهية الحيرة وذكر عن الرياشي مثله وان أبا العتاهية نقله إلى الكوفة. وبسنده عن الخليل بن أسد: كان أبو العتاهية يأتينا فيستأذن ويقول أبو إسحاق الخزاف وكان أبوه حجاما ولذلك يقول أبو العتاهية:
ثم روى أبو الفرج أنه كان لأبي العتاهية عبيد من السودان ولأخيه زيد عبيد منهم يعملون الخزف في أتون لهم ويدفعونه إلى أجير لهم اسمه أبو عباد اليزيدي بالكوفة فيبيعه لهم وقيل بل كان يفعل ذلك أخوه لا هو وسئل عن ذلك فقال أنا جرار القوافي وأخي جرار التجارة وقال عبد الحميد بن سريع أنا رأيت أبا العتاهية وهو جرار يأتيه الأحداث والمتأدبون فينشدهم أشعاره فيكتبونها على ما تكسر من الخزف (انتهى) ومر قول الخطيب أنه كان يقول الشعر في الغزل والمديح والهجاء قديما ثم تنسك وعدل عن ذلك إلى الشعر في الزهد والوعظ. وروي في الأغاني أنه تنسك ولبس الصوف وانه لما فعل ذلك أمره الرشيد إن يقول شعرا في الغزل فامتنع فضربه ستين عصا وحلف إن لا يخرج من حبسه حتى يقول شعرا في الغزل فحلف أبو العتاهية بعتق كل مملوك له وطلاق امرأته إن تكلم سنة إلا بالقرآن أو الذكر فكان الرشيد تحزن مما فعله فأمر إن يحبس في داره ويوسع عليه فمكث هكذا سنة فقال الرشيد لمسروق الخادم كم ضربنا أبا العتاهية قال ستين فأمر له بستين ألف درهم وخلع عليه وأطلقه. وقال محمد بن أبي العتاهية: كان أبي لا يفارق الرشيد في سفر ولا حضر إلا في الحج وكان يجري عليه في كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والمعاون فلما قدم الرشيد الرقة لبس أبي الصوف وتزهد وترك حضور المنادمة والقول في الغزل فأمر الرشيد بحبسه فحبس فكتب إليه من وقته:
قال قلما قرأ الرشيد الأبيات قال قولوا له لا باس عليك فكتب إليه:
فأمر بإطلاقه. وقال محمد بن أبي العتاهية أيضا: إن أباه لبس كساء صوف ودراعة صوف وآلى على نفسه إن لا يقول شعرا في الغزل فأمر الرشيد بحبسه والتضييق عليه فقال:
وتوانى الرشيد في إخراجه إلى إن قال الأبيات التي أولها:
فرق له وأمر بإطلاقه. وفي رواية للأغاني إن الرشيد حبسه وضيق عليه حتى يقول الشعر الرقيق في الغزل كما كان يقول فحبسه في بيت خمسة أشبار في مثلها فصاح الموت أخرجوني فانا أقول كلما شئتم فقيل له قل فقال حتى أتنفس فاخرج وأعطي دواة وقرطاسا فقال أبياتا في الغزل ولعل حبسه وإطلاقه قد تكرر. وله في الرشيد لما حبسه أشعار كثيرة ذكر جملة منها في الأغاني. ولما مات موسى الهادي قال أبو العتاهية: لا أقول شعرا بعده أبدا. وقال إبراهيم الموصلي لا أغني بعده أبدا وكان محسنا إليهما فحبسهما الرشيد. وشرب الرشيد مع جعفر وغنت جارية صوتا ببيت واحد فاستحسناه فقال الرشيد ما أحوجه إلى بيت ثان فأرسل إلى أبي العتاهية فكتب إليه أبو العتاهية:
ثم قال أبو العتاهية لإبراهيم إلى كم هذا تلاح الخلفاء هلم أقل شعرا وتغني فيه فقال أبو العتاهية:
فدعا بهما الرشيد فأنشده أبو العتاهية وغناه إبراهيم فأعطى كل واحد مائة ألف درهم ومائة ثوب. وفي لسان الميزان جمع أبو عمر بن عبد البر زهديات أبي العتاهية في مجلد كبير.
أخباره
في الأغاني بسنده عن محمد بن أبي العتاهية أنه فخر رجل من كنانة على أبي العتاهية واستطال بأهله فقال أبو العتاهية:
وفي شذرات الذهب: يقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال: عذب الماء فطابا ثم قال أجيزوا فترددوا ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته وقرب مأخذه حتى طلع أبو العتاهية فقالوا هذا، قال وفيم أنتم قالوا قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه قال وما الذي قال قالوا: عذب الماء فطابا فقال أبو العتاهية: حبذا الماء شرابا. وشاور رجل أبا العتاهية فيما ينقشه على خاتمه فقال انقش عليه لعنة الله على الناس وانشد:
وقيل له أي شعر قلته أحكم قال قولي:
وكان أبو العتاهية يختلف إلى عمرو بن مسعدة لود كان بينه وبين أخيه مجاشع بن مسعدة فاستأذن أبو العتاهية على عمرو فحجب عنه فكتب إليه:
وكان أبو العتاهية قد هجا عبد الله بن معن بن زائدة بقوله:
وكان ابن نوفل قال في عبد الملك بن عمير القاضي:
فقال عبد الملك تركني وان السعلة لتعرض لي في الخلاء فاذكر قوله فأهاب إن أسعل وقال عبد الله بن معن ما لبست سيفي قط فرأيت إنسانا يلحظني إلا ظننت أنه يحفظ قول أبي العتاهية في فلذلك يتأملني فأخجل. وفي الأغاني بسنده عن أبي العتاهية قال: لما تركت قول الشعر حبسني الرشيد فأدخلت السجن وأغلق الباب علي فدهشت كما يدهش مثلي لتلك الحال وإذا أنا برجل جالس في جانب الحبس مقيد فتمثل:
فقلت له أعد يرحمك الله البيتين فقال لي ويلك يا أبا العتاهية ما أسوأ أدبك دخلت فما سلمت تسليم المسلم على المسلم ولا سالت مسالة الحر للحر ولا توجعت توجع المبتلى حتى إذا سمعت بيتين من الشعر الذي لا فضل فيك غيره لم تصبر عن استعادتها فقلت أني دهشت لهذه الحال فاعذرني فقال أنا أولى بالدهش والحيرة منك لأنك حبست في إن تقول شعرا به ارتفعت وأنا مأخوذ بان أدل على ابن رسول الله(ص) ليقتل أو اقتل دونه ووالله لا أدل عليه أبدا فأينا أحق بالدهش فقلت أنت والله أولى سلمك الله ثم أعاد البيتين حتى حفظتهما وسألته من هو فقال أنا حاضر داعية عيسى بن زيد وابنه أحمد ولم نلبث إن سمعنا صوت الأقفال فسكب عليه ماء كان عنده ولبس ثوبا نظيفا و دخل الجند والحرس معهم الشمع فأخرجونا وقدم قبلي إلى الرشيد فسأله عن أحمد بن عيسى فقال لا تسألني عنه فلو كان تحت ثوبي هذا ما كشفته عنه وأمر بضرب عنقه فضرب ثم قال لي أظنك قد ارتعت يا إسماعيل فقلت دون ما رأيته تسيل منه النفوس فقال ردوه إلى محبسه وانتحلت البيتين وزدت فيهما:
أخباره في البخل
في الأغاني: كان أبو العتاهية أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمعه من الأموال. وبسنده عن ثمامة بن أشراس أنشدني أبو العتاهية:
فقلت له من أين قضيت بهذا فقال من قول رسول الله(ص) إنما لك من مالك ما أكلت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت فقلت له أتؤمن بان هذا قول رسول الله(ص) وانه الحق قال نعم قلت فلم تحبس عندك سبعا وعشرين بدرة في دارك ولا تأكل منها ولا تشرب ولا تزكي ولا تقدمها ذخرا ليوم فقرك وفاقتك فقال يا أبا معن والله إن مما قلت لهو الحق ولكن أخاف الفقر والحاجة إلى الناس فقلت وبم تزيد حال من افتقر على حالك وأنت دائم الحرص دائم الجمع شحيح على نفسك لا تشتري اللحم إلا من عيد إلى عيد. فترك جواب كلامي كله ثم قال لي والله لقد اشتريت في يوم عاشوراء لحما وتوابله وما يتبعه بخمسة دراهم فأضحكني حتى أذهلني عن جوابه. وقال الجاحظ حدثني ثمامة قال دخلت إلى أبي العتاهية فرأيت قدامه خبزا يابسا وقدحا فيه لبن حليب فكان يأخذ القطعة من الخبز فيغمسها في اللبن ويخرجها فقلت له كأنك اشتهيت إن تتأدم بلا شيء وما رأيت أحدا قبلك تدم بلا شيء وكان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى فقير متجمل فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار فيقول أبو العتاهية اللهم أغنه عما هو بسبيله شيخ ضعيف سيء الحال متجمل اللهم أعنه اصنع له بارك فيه فقيل له أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ وتزعم أنه فقير فلم لا تتصدق عليه فقال أخشى إن يعتاد الصدقة والصدقة آخر كسب العبد وان في الدعاء لخيرا كثيرا.
وكان له خادم اسود طويل كأنه محراك أتون وكان يجري عليه كل يوم رغيفين بغير إدام فشكا العبد ذلك إلى صديق له ليسأله إن يزيده رغيفا فقال له يا أبا إسحاق كم تجري على هذا الخادم كل يوم، قال: رغيفين قال لا يكفيانه فقال من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير وكل من أعطى نفسه شهوتها هلك وهذا خادم إن لم أعوده القناعة والاقتصاد أهلكني فمات الخادم فكفنه في إزار وفراش له خلق فقال له سبحان الله خادم قديم الحرمة طويل الخدمة واجب الحق تكفنة في خلق وإنما يكفيك له كفن بدينار فقال أنه يصير إلى البلا والحي أولى بالجديد من الميت فقال يرحمك الله أبا إسحاق عودته الاقتصاد حيا وميتا.
ووقف عليه سائل من الظرفاء وحوله جماعة فسأله فقال صنع الله لك فأعاد السؤال فأجابه كذلك فأعاده ثالثا فرد عليه مثل ذلك فقال ألست القائل:
فبالله عليك أتريد إن تعد مالك كله لثمن كفنك؟ قال لا، قال فكم قدرت له؟ قال خمسة دنانير، قال فهي إذا حظك من مالك كله، قال نعم، قال فتصدق علي بدرهم من غير حظك، قال لو تصدقت عليك لكان حظي، قال فافرض إن دينارا من الخمسة نقص قيراطا وادفع إلي قيراطا وإلا فأمر آخر قال ما هو قال: القبور تحفر بثلاثة دراهم فأعطني درهما وأعطيك كفيلا باني أحفر لك قبرك به متى مت وتربح درهمين فإن لم أحتفر رددته على ورثتك أو رده كفيلي فقال أبو العتاهية أعزب لعنك الله وغضب عليك فضحك الحاضرون ومر السائل يضحك فقال أبو العتاهية من أجل هذا وأمثاله حرمت الصدقة فقالوا له ومن حرمها ومتى حرمت وقيل له أتزكي مالك فقال ما أنفق على عيالي إلا من زكاة مالي فقالوا سبحان الله إنما ينبغي إن تخرج زكاة مالك إلى الفقراء والمساكين، فقال: لو انقطعت عن عيالي زكاة مالي لم يكن في الأرض أفقر منهم.
وكان أبو العتاهية عند قثم بن جعفر بن سليمان ينشده في الزهد فأرسل قثم إلى الجماز فحضر وأبو العتاهية ينشد فأنشأ الجماز يقول:
أشعاره
في الأغاني عن الرياشي سمعت الأصمعي يستحسن قول أبي العتاهية:
قال ومن شعره أرجوزته التي سماها ذات الأمثال ويقال إن فيها أربعة آلاف مثل منها قوله:
قال وهي طويلة جدا. ومن شعره في الغزل قوله:
ومن رائق شعره قوله في عتبة جارية الخيزران وكان يهواها ويشبب بها وهو:
وقوله في تشبيه البنفسج:
وفي تاريخ بغداد بسنده عن المبرد قال لا اعلم شيئا من غزل أبي العتاهية ومديحه يخلو من صنعة وربما كان من القصيدة في موضعين فمن شعره الذي كان يستطرف قوله:
#آه، من غمي وكربي *من شدة حبي
قال المبرد ومن مليح أشعاره قوله:
قال المبرد ومن شعره المختار قوله:
وقد جمعنا طرفا صالحا من شعره في الزهد والمواعظ في الجزء الثالث من معادن الجواهر فأغنى عن ذكره هنا.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 393

أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان مولى عنزة المعروف بأبي العتاهية، مولده بعين التمر ونشأ بالكوفة وسكن بغداد، وكان يبيع الجرار. واشتهر بمحبة عتبة جارية المهدي وأكثر تشبيبه وتشبيهه فيها، فمن ذلك قوله:

واستأذن أن يهدي إلى المهدي في النيروز والمهرجان فأذن له، فأهدى في أحدهما برنية ضخمة فيها ثوب ناعم مطيب وكتب في حواشيه:
فهم بدفع عتبة إليه، فجزعت وقالت: يا أمير المؤمنين، حرمتي وخدمتي! أفتدفعني إلى رجل قبيح المنظر بائع جرار متكسب بالشعر؟ فأعفاها وقال: املأوا له البرنية مالا! فقال للكتاب: أمر لي بدنانير! فقالوا: ما ندفع ذلك إليك، ولكن إن شئت أعطيناك دراهم. إلا أن يفصح بما أراد. فاختلف في ذلك حولا، فقالت عتبة: لو كان عاشقا كما يزعم لم يكن يختلف منذ حول في التمييز بين الدراهم والدنانير وقد أعرض عن ذكري صفحا. وقال في عمر بن العلاء:
فأبطأ بره عنه قليلا فكتب إليه:
فأعطاه سبعين ألف درهم وخلع عليه حتى عجز عن القيام، فغار الشعراء لذلك، فجمعهم ثم قال: يا معشر الشعراء، عجبا لكم! ما أشد حسدكم بعضا لبعض! إن أحدكم يأتينا يمدحنا بقصيدة يشبب فيها بصديقته بخمسين بيتا فما يبلغنا حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره، وقد أتانا أبو العتاهية فشبب بأبيات يسيرة ثم قال:... وأنشد الأبيات. وقال أشجع السلمي: أذن الخليفة المهدي للناس في الدخول عليه، فدخلنا وأمرنا بالجلوس. فاتفق أن جلس إلى جانبي بشار بن برد وسكت المهدي. وسمع بشار حسا فقال لي: من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية. فقال: أتراه ينشد في هذا المحفل؟ فقلت: أحسبه سيفعل. قال: فأمره المهدي أن ينشد فأنشد:
فقال بشار: ويحك يا أخا سليم: ما أدري من أي أمريه أعجب: أمن ضعف شعره أم تشبيبه بجارية الخليفة ويسمعه ذلك بإذنه! حتى أتى على قوله:
فقال بشار: ويحك يا أشجع، هل طار الخليفة عن فرشه؟ قال أشجع: فو الله، ما انصرف أحد عن ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية. ونسك آخر عمره وقال في الزهد أشعارا كثيرة. وقد عجز الرواة أن يضبطوا شعر بشار بن برد والسيد الحميري وأبي العتاهية لكثرة أشعارهم. ولقب أبا العتاهية لاضطراب كان فيه، وقيل: بل كان يحب الخلاعة والمجون فلقب بذلك لعتوه. وكان أبو نواس يعظمه ويخضع له ويقول: والله ما رأيته إلا أني أرضي وأنه سماوي. وحكي أن أباه كان حجاما، ولذلك قال:
ومن شعره:
فقيل له لما أنشد هذه الأبيات: كيف تقول هذا وتحبس عندك سبعا وعشرين بدرة في دارك لا تأكل منها ولا تشرب ولا تزكي؟ فقال: لهو الحق ولكني أخاف الفقر والحاجة، ولقد أشتري من عيد إلى عيد، ولقد اشتريت في يوم عاشوراء لحما وتوابله بخمسة دراهم. وكان له جار ضعيف الحال جدا متجمل يلتقط النوى، وكان يمر بأبي العتاهية فيقول: اللهم أعنه على ما هو بسبيله! ويدعو له إلى أن مات الشيخ نحوا من عشرين سنة ولم يزده على الدعاء شيئا، فقيل له: يا أبا إسحاق، نراك تكثر الدعاء لذلك الشيخ وتزعم أنه فقير معيل فلم لا تتصدق عليه بشيء؟ فقال: أخشى أن يعتاد الصدقة والصدقة آخر مكاسب العبد وإن في الدعاء لخيرا كثيرا.
وقال محمد بن عيسى الحرقي -وكان جارا لأبي العتاهية- قال: كان سائل من العيارين الظرفاء وقف على أبي العتاهية وجماعة جيرانه حوله فسأله، فقال: صنع الله لك! فأعاد السؤال ورد مثل ذلك، فأعاد الثالثة فرد مثل ذلك، فغضب وقال: ألست الذي يقول:
قال: نعم. قال: فبالله أتريد أن تعد مالك كله لثمن كفنك؟ قال: لا. قال: بالله كم قدرت لكفنك؟ قال: خمسة دنانير. قال: هي حظك إذا من مالك؟ قال: نعم. قال: فتصدق علي من غير حظك بدرهم واحد! قال: لو تصدقت عليك لكان حظي. قال: فاعمل على أن دينارا من الخمسة وضيعته قيراط وادفع إلي قيراطا واحدا وإلا فواحدة أخرى! قال: وما هي؟ قال: القبور تحفر بثلاثة دراهم فأعطني درهما وأقيم لك كفيلا بأني أحفر لك قبرك متى مت وتربح درهمين لم يكونا في حسابك، فإن لم أحفر لك رددته على ورثتك أو رده كفيلي عليهم. فخجل أبو العتاهية وقال: اغرب، قبحك الله وغضب عليك! وضحك جميع من حضر ومر السائل يضحك، فالتفت إلينا أبو العتاهية وقد اغتاظ فقال: من أجل هذا وأمثاله حرمت الصدقة! فقلنا له: من حرمها ومتى حرمت؟ فما رأينا أحدا ادعى أن الصدقة حرمت قبله ولا بعده.
ولما حضرته الوفاة قال: أشتهي أن يجيء مخارق ويغني عند رأسي:
والبيتان له من جملة أبيات: وأوصى أن يكتب على قبره من الخفيف:
وكانت ولادته سنة ثلاثين ومائة ووفاته سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقيل: سنة إحدى عشرة ومائتين. وأخباره مستقصاة في كتاب الأغاني.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 9- ص: 0

أبو العتاهية اسمه إسماعيل بن القاسم.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 19- ص: 0

أبو العتاهية رأس الشعراء الأديب الصالح الأوحد أبو إسحاق إسماعيل بن قاسم بن سويد بن كيسان العنزي مولاهم الكوفي نزيل بغداد.
لقب بأبي العتاهية لاضطراب فيه، وقيل: كان يحب الخلاعة فيكون مأخوذا من العتو.
سار شعره لجودته وحسنه وعدم تقعره.
وقد جمع أبو عمر بن عبد البر شعره، وأخباره تنسك بأخرة، وقال في المواعظ والزهد فأجاد.
وكان أبو نواس يعظمه ويتأدب معه لدينه ويقول: ما رأيته إلا توهمت أنه سماوي وأني أرضى.
مدح أبو العتاهية المهدي والخلفاء بعده والوزراء وما أصدق قوله:

وهو القائل:
وقال:
وقال:
توفي أبو العتاهية: في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة، ومائتين وقيل: سنة ثلاث عشرة ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة أو نحوها ببغداد.
واشتهر بمحبة عتبة فتاة المهدي بحيث إنه كتب إليه هذين البيتين:
فهم بدفعها إليه فجزعت واستعفت وقالت: أتدفعني إلى سوقة قبيح المنظر؟ فعوضه بذهب.
وله في عمر بن العلاء:
فخلع عليه وأعطاه سبعين ألفا.
وتحتمل سيرة أبي العتاهية أن تعمل في كراريس.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 8- ص: 333