أشجع السلمي اشجع بن عمرو السلمي، أبو الوليد، من بني سليم، من قيس عيلان: شاعر فحل، كان معاصرا لبشار. ولد باليمامة ونشأ في البصرة، وانتقل إلى الرقة واستقر ببغداد. مدح البرامكة وانقطع إلى جعفر ابن يحيى فقربه من الرشيد، فاعجب الرشيد به، فاثرى وحسنت حاله، وعاش إلى ما بعد وفاة الرشيد ورثاه. واخباره كثيرة.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 331
أشجع بن عمرو السلمي أبو الوليد وأبو عمرو
من ولد الشريد ابن مطرود السلمي
(السلمي) في أنساب السمعاني بضم السين المهملة وفتح اللام نسبة إلى سليم وهم قبيله من العرب مشهورة يقال لها سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مصر تفرقت في البلاد.
أقوال العلماء فيه
كان شاعرا مفلقا مكثرا سائر الشعر معدودا في فحول الشعراء في طبقة أبي نواس وأبي العتاهية وبشار وأمثالهم. مدح الخلفاء وولاة العهود والوزراء والأمراء وغيرهم وأخذ جوائزهم السنية وحظي عندهم فمدح الرشيد وأولاده فأعجب به الرشيد ومدح البرامكة فأعجبوا به ومدح غيرهم. ودخل على الصادقعليه السلام فمدحه وأجازه ورثى الرضاعليه السلام وسيأتي ذكر ذلك كله مفصلا. وفي الأغاني: أشجع بن عمرو السلمي يكنى أبا الوليد من ولد الشريد بن مطرود السلمي قال الشعر وأجاد. وعد في الفحول وكان الشعر يومئذ في ربيعة واليمن ولم يكن لقيس شاعر معدود فلما نجم أشجع وقال الشعر افتخرت به قيس. وقال في ترجمة أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم: كان أشجع يأخذ عن بشار ويعظمه وفي كتاب الأوراق لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي: أخبار أبي الوليد أشجع بن عمرو السلمي ومختار شعره: وقيل أنه كان يكنى أبا عمرو من ولد الشريد بن مطرود السلمي. ثم قال كان أشجع شاعر قيس عيلان في وقته لم يكن فيهم غيره فصححوا نسبه وتعصبوا له إلا ترى إن الشعراء أيام الرشيد ليس فيهم من قيس عيلان أحد ولا مذ أول هذه الدولة إلا بشار بن برد مولى بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس وكان يفخر بقيس فلما مات لم يجدوا غير أشجع وأكثر الشعراء أيام هارون الرشيد من اليمن وربيعة (انتهى) فبشار لم يكن من قيس عيلان وإنما كان من مواليهم. وفي تاريخ بغداد: أشجع بن عمرو أبو الوليد وقيل أبو عمرو السلمي الشاعر إلى إن قال كان أشجع حلوا ظريفا سائر الشعر وله كلام جزل ومدح رصين. وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: أشجع بن عمرو أبو الوليد السلمي هو شاعر من ولد الشريد بن المطرود مشهور.
نشأته
روى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني بسنده إن أبا أشجع تزوج امرأة من أهل اليمامة فشخص معها إلى بلدها فولدت له هناك أشجع ونشا باليمامة ثم مات أبوه فقدمت به أمه البصرة تطلب ميراث أبيه وكان له هناك مال فمات بها فربي أشجع ونشا بالبصرة فكان من لا يعرفه يدفع نسبه ثم لما كبر وقال الشعر وأجاد وعد في الفحول افتخرت به قيس وأثبتت نسبه. ثم خرج إلى الرقة والرشيد بها فنزل على بني سليم فتقبلوه وأكرموه ومدح البرامكة وانقطع إلى جعفر خاصة واصفاه مدحه فأعجب به وأوصله إلى الرشيد فأعجب به أيضا فأثرى وحسنت حاله في أيامه وتقدم عنده (انتهى) وروى أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق بأسانيده أنه كان يماميا ثم تأدب بالبصرة و ربي بها ثم ادعي إلى سليم بن منصور بن عكرمة بن حصفة بن قيس عيلان ثم شخص إلى الرقة. ولما كان شاعر قيس عيلان في وقته لم يكن فيهم غيره صححوا نسبه وتعصبوا له وأنه تزوج أبوه بامرأة من أهل اليمامة فشخص معها فولد له أشجع ثم قدم إلى البصرة فتربى بها وتأدب ثم خرج إلى الرقة فنزل على بني سليم فقبلوه وأكرموه (انتهى) وفي تاريخ بغداد للخطيب أنه من أهل الرقة قدم البصرة فتأدب بها ثم ورد بغداد فنزلها واتصل بالبرامكة وغلب من بينهم على جعفر بن يحيى فحباه واصطفاه وآثره وأدناه فمدح جعفر بقصائد كثيرة ووصله بهارون الرشيد فمدحه وهو بالرقة بقصيدة تمكنت بها حاله عند الرشيد وأولها:
قصر عليه تحية وسلام | نشرت عليه جمالها الأيام |
ويقال أنه لما أنشده هذه القصيدة أعطاه هارون مائة ألف درهم (انتهى) وفي تاريخ دمشق: ولد باليمامة ونشا بالبصرة وتأدب بها وقال الشعر ثم قصد الرشيد بالرقة وامتدحه ومدح البرامكة واختص بجعفر بن يحيى وخرج معه إلى دمشق حين انتدبه الرشيد للإصلاح بين أهلها. ثم نقل قول الخطيب السابق. ولا يخفى إن الظاهر من الأغاني إن أصل أبيه من البصرة ولكنه حيث تزوج امرأة من أهل اليمامة فولدت أشجع هناك ومات أبوه باليمامة فجاءت به إلى البصرة تطلب ميراث أبيه لأنه كان بصريا وله مال بالبصرة وهو ينافي قول الخطيب أنه من أهل الرقة قدم البصرة فتأدب بها مع أنه لم يذكر أحد إن أشجع من أهل الرقة وإنما ذكروا أنه قدم الرقة على الرشيد وكان قدومه من البصرة كما عرفت فهو بصري الأصل يمامي المولد والمنشأ بصري المنشأ والتربية ثانيا نزل بغداد وقدم الرقة فالصواب أبدال الرقة باليمامة في عبارة الخطيب ولعل ذلك من سهو القلم أو من النساخ.
تشيعه
عده ابن شهراشوب في شعراء أهل البيت المتكلفين وذلك أنه عدهم أربع طبقات: المجاهرون والمقتصدون والمتقون والمتكلفون وعد من المتكلفين أشجع السلمي ويكفى في تشيعه مدحه الإمام الصادق جعفر بن محمد ورثاؤه حفيده الإمام الرضاعليه السلام في ذلك الزمان الذي كان لا يعاقب فيه مادحهم بأقل من القتل وقطع اللسان ونبش قبره بعد الموت وإحراقه. روى الشيخ في الأمالي بسنده أنه دخل الأشجع السلمي على الصادقعليه السلام يمدحه فوجده عليلا فجلس وأمسك فقال له الصادق عد عن العلة واذكر ما جئت له فقا:
ألبسك الله منه عافيه | في نومك المعتري وفي أرقك |
يخرج من جسمك السقام كما | اخرج ذل السؤال من عنقك |
فقال يا غلام أيش معك قال أربعمائة درهم قال أعطها الأشجع فأخذها وشكر وولى فقال ردوه فقال يا سيدي سالت فأعطيت وأغنيت فلم رددتني قال حدثني أبي عن آبائه عن النبي أنه قال خير العطاء ما أبقى نعمة باقية وأن الذي أعطيتك لا يبقى لك نعمة باقية وهذا خاتمي فإن أعطيت به عشرة آلاف وإلا فعد إلي وقت كذا أوفك إياها فقال يا سيدي قد أغنيتني.
وفي مجموعة ورام المسماة تنبيه الخواطر إن أشجع دخل على الإمام الصادقعليه السلام فقال: يا سيدي أنا كثير الأسفار وأحصل في المواضع المفزعة فعلمني ما آمن به على نفسي، فعلمه الصادقعليه السلام آية. وله يرثي الرضا ع، قال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين قال أشجع بن عمرو السلمي يرثي الرضاعليه السلام هكذا أنشدنيها علي بن الحسين بن علي بن حمزة عن عمه محمد بن علي بن حمزة العلوي وذكر أنها لما شاعت غير أشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد:
يا صاحب العيس تخدي في أزمتها | اسمع واسمع غدا يا صاحب العيس |
أقر السلام على قبر بطوس ولا | تقري السلام ولا النعمى على طوس |
فقد أصاب قلوب المسلمين بها | روع وأفرخ فيها روع إبليس |
اختلست واحد الدنيا وسيدنا | فأي مختلس منا ومخلوس |
ولو بدا الموت حتى يستدير به | لاقى وجوه رجال دونه شوس |
بؤسا لطوس فما كانت منازلها | مما تخوفه الأيام بالبوس |
معرس كان لا تعريس ملتبس | يا طول ذلك من ناي وتعربس |
أن المنايا أنالته مخالبها | ودونه عسكر جم الكراديس |
أوفى عليه الردى في خيس أشبله | والموت يلقى أبا الأشبال في الخيس |
ما زال مقتبسا من نور والده | إلى النبي ضياء غير مقبوس |
في منبت نهضت فيه فروعهم | بشاهق في بطاح الملك مغروس |
والفرع لا يرتقي إلا على ثقة | من القواعد والدنيا لتأسيس |
لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا | لطم الخدود ولا جدع المعاطيس |
من يوم طوس الذي ثارت بروعته | لنا النعاة وأفواه القراطيس |
حقا بان الرضا أودى الزمان به | ما يطلب الموت إلا كل منفوس |
ذا اللحظتين وذا اليومين مفترش | رمسا كاخر في يومين مرموس |
بمطلع الشمس وافته منيته | ما كان يوم الردى عنه بمحبوس |
يا نازلا جدثا في غير منزله | ويا فريسة يوم غير مفروس |
لبست ثوب البلى أعزز علي به | لبسا جديدا وثوبا غير ملبوس |
صلى عليك الذي قد كنت تعبده | تحت الهواجر في تلك الأماليس |
لولا مناقضة الدنيا محاسنها | لما تقايسها أهل المقاييس |
أسكنك الله دارا غير زائلة | في منزل برسول الله مأنوس |
وأورد أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق أبياتا من هذه القصيدة وقال أنها في رثاء الرشيد ولم يذكر له شيئا في رثاء الرضاعليه السلام وهذا يؤيد ما مر من أنها لما شاعت غير أشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد والظاهر أنه بسبب ذلك وقع اشتباه في بعض أبياتها فادخل شيء من رثاء الرشيد في رثاء الرضاعليه السلام مثل قوله: ودونه عسكر جم الكراديس وقوله: أوفى عليه الردى في خيس أشبله فان هذا يناسب إن يكون في رثاء الرشيد. قال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق وقال أشجع يرثي الرشيد:
يا صاحب العيس تخدي في أزمتها | اسمع مقالي واسمع صاحب العيس |
أقر السلام على قبر بطوس ولا | تقر السلام ولا نعمى على طوس |
إن المنايا أنالته مخالبها | ودونه عسكر جم الكراديس |
أوفى عليه الذي أوفى بأشبله | والموت يلقى أبا الأشبال في الخيس |
من كان مقتبسا من نور سابقة | إلى النبي ضياء غير مقبوس |
في منبت نهضت فيه فروعهم | بسامق في بطاح الملك مغروس |
والفرع لا يلتقي إلا على ثقة | من القواعد قد شدت بتأسيس |
ومن غريب ما وقع لنا في هذا المقام أننا وجدنا في كتاب لبعض المعاصرين ممن لا يوثق بنقله أنه حكى عن الكتاب الكبير لأبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني ولا شك إن مراده به الأغاني أبياتا لأشجع السلمي قال أنها صريحة في موالاته من جملتها:
أغدو إلى عصبة صمت مسامعهم | عن الهدى بين زنديق ومافون |
لا يذكرون عليا في مجالسهم | ولا بنيه بني الغر الميأمين |
إلى نهاية أربعة أبيات وكنت قبل ذلك استقرأت شعر أشجع في الأغاني فلم أعثر عليها فقلت لعله زاع عنها بصري فاستقرأته ثانيا فلم أجدها فعلمت أنه اشتبه عليه الحال برجل آخر فتتبعت فهرست القوافي للأغاني فوجدتها بعد جهد شديد لمحمد بن وهيب الحميري. وقال أشجع يرثي الرشيد ويمدح الأمين كما في كتاب الأوراق:
إمام قام حين مضى إمام | نظام ليس ينقطع النظام |
بكى ذاك الأنام أسى ووجدا | وسر بذا الذي قام الأنام |
مضى الماضي وكان لنا قواما | وهذا بعد ذاك لنا قوام |
إمامان استقر بذا قرار | وحول ذاك فاخترم الحمام |
على ذاك السلام غداة ولى | ودام لذا السلامة والسلام |
سهام الموت تقصد كل حي | ومن ذا ليس تقصده السهام |
أمير المؤمنين ثوى ضريحا | بطوس فلا يحس ولا يرام |
كان لم يغن في الدنيا وتغدو | إلى أبوابه العصب الكرام |
ولم ينحر بمكة يوم نحر | ولم يبهج به البلد الحرام |
ولم يلق العدو بمقربات | يهيم أمامها جيش لهام |
أقول لساكن قبرا بطوس | سقاك ولا سقى طوس الغمام |
لأظلم كل ذي نور ولكن | بوجه محمد كشف الظلام |
ولولا ملكه إذ غبت عنا | لما ساع الشراب ولا الطعام |
فقد حيي الحلال به فدرت | لنا التقوى ومات به الحرام |
اتصاله بجعفر بن المنصور
في الأغاني والأوراق بالإسناد أول أمر أشجع اتصاله بجعفر بن أبي جعفر المنصور في آخر أيام المنصور وهو حدث ومن أول شعره في جعفر بن المنصور:
اذكروا حرمة العواتك منا | يا بني هاشم بن عبد مناف |
قد ولدناكم ثلاث ولادات | خلطن الأشراف بالأشراف |
مهدت هاشما نجوم قصي | من بني فالج حجور عفاف |
يضربون الجبار في اخدعيه | ويسقونه نقيع الذعاف |
بسيوف ورثن عن قيس عيلا | ن ثقال على العدو خفاف |
ولعوف بن أحمد بن يزيد | شرف مشرف على الأشراف |
من يسوى بأحمد بن يزيد | وبأسلافه من الأسلاف |
وله جانب يخشن في ليـ | ـن وفتك يشوبه بعفاف |
لبني زافر سحائب أشجا | ن وظل على العشيرة ضافي |
كفرت نعمة بنو الحجاف | وتولت منيعة الأعطاف |
بعد فك الأغلال عن عبد رب | ومسأمير قيده العزاف |
يسكن الطير في الشباك ولا تسـ | ـكن روعات قلبه الرجاف |
معصم بالفرار تحمله الرهـ | ـبة بين الإيضاع والإيجاف |
اتصاله بالرشيد وأخباره معه
يظهر أنه بعد ما تأدب بالبصرة وقال الشعر وبرع فيه طلب سوقا تنفق فيه بضاعته فقصد حضرة الرشيد لأنها كانت محط رحال الشعراء والخليفة يمنحهم الجوائز الجليلة والبرامكة هناك ممدحون مشهورون بالجود والعطاء وكانت بيوت أموال المسلمين في تلك الأعصار ينفق قسم عظيم منها على المغنين والقيان ومن ساعده الحظ من الشعراء فنزل أشجع بغداد واتصل بالبرامكة ومدحهم فاعجبوا به وأجازوه وأوصلوه إلى الرشيد فمدحه وأعجب به وأجازه وأتى الرقة ومدح الرشيد بها فأجازه وفضله على غيره من الشعراء وكانت الرقة مصيف الرشيد وكان يقيم بها كثيرا وله فيها قصر مشيد يسمى القصر الأبيض لكن لا يعلم إن اتصاله بالبرامكة كان في بغداد أو في الرقة ففي الأغاني وكتاب الأوراق كما ستعرف التصريح بان أشجع قدم من البصرة إلى الرقة فيكون أول اتصاله بالرشيد في الرقة لا في بغداد ولا يظهر من ذلك الخبر أنه اتصل بالبرامكة قبل اتصاله بالرشيد ولا أنهم هم الذين أوصلوه إلى الرشيد بل ظاهر قوله الآتي ونالتني خلة أنه لم يكن اتصل بهم بعد وإلا لسدوا خلته على إن المروي كما سبق أنه نزل بالرقة على بني سليم فتقبلوه وأكرموه وأزالوا خلته ولا يبعد إن يكون اتصل بالبرامكة في الرقة ومدحهم قبل اتصاله بالرشيد وإن لم يذكر في الخبر، وأن الخلة التي نالته كانت قبل نزوله على بني سليم وقبل اتصاله بالبرامكة وان البرامكة هم الذين جعلوه في جملة الشعراء الثمانية الذين تقدموا لمدح الرشيد كما يأتي وإن نزوله بغداد كان بعد ذهابه للرقة فإنه جاء من البصرة إلى الرقة ثم جاء من الرقة إلى بغداد ونزلها ولكن يظهر من بعض ما يأتي إن اتصاله بالبرامكة كان في بغداد وأن اتصاله بالرشيد كان في الرقة بسبب الفضل بن الربيع لا بسبب البرامكة ويدل عليه قول أشجع في الدالية الآتية التي يمدح بها الفضل بن الربيع:
ووصفتني عند الخليفة غائبا | وأذنت لي فشهدت أفخر مشهد وظاهر كلام الخطيب السابق إن جعفر هو الذي وصله بالرشيد فمدحه وهو بالرقة وهو الذي فهمه ابن عساكر فإنه نقل عن الخطيب أنه قال مدح جعفرا بقصائد كثيرة وأوصله إلى الرشيد فمدحه وهو بالرقة بقصيدة تمكنت بها حاله عند الرشيد وأولها: |
قصر عليه تحية وسلام | خلعت عليه جمالها الأيام |
وبالجملة فالأخبار في ذلك غير متفقة والله أعلم. ونحن ننقل أخباره مع الرشيد من الأغاني وكتاب الأوراق لأبي بكر الصولي محمد بن يحيى وهو معاصر لصاحب الأغاني ويروي صاحب الأغاني عنه وقد ننقل من غيرهما. في الأغاني وكتاب الأوراق: حدث أشجع قال شخصت من البصرة إلى الرقة فوجدت الرشيد غازيا ونالتني خلة فخرجت حتى لقيته منصرفا من الغزو فصاح صائح ببابه من كان هاهنا من الشعراء فليحضر يوم الخميس فحضرنا سبعة وأنا ثامنهم وأمرنا بالبكور في يوم الجمعة فبكرنا وأدخلنا وقدم واحد واحد منا ينشد على الأسنان وكنت أحدث القوم سنا وأرثهم حالا فما بلغ إلي حتى كادت الصلاة إن تجب فقدمت والرشيد على كرسي وأصحاب الأعمدة بين يديه سماطان فقال لي أنشدني فخفت إن أبتدئ من قصيدتي التي أولها:
تذكر عهد البيض وهو لها ترب | وأيام يصبي الغانيات ولا يصبو |
فابتدأت قولي في المديح:
إلى ملك يستغرق المال جوده | مكارمه نثر ومعروفه سكب |
وما زال هارون الرضى بن محمد | له من مياه النصر مشربها العذب |
متى تبلغ العيس المراسيل بابه | بنا فهناك الرحب والمنزل الرحب |
وما بعد هارون الإمام لزائر | يرجي الغنى جدب ولا دونه خصب |
لقد جمعت فيك الظنون ولم يكن | لغيرك ظن يستريح له قلب |
جمعت ذوي الأهواء حتى كأنهم | على منهج بعد افتراقهم ركب |
بثثت على الأعداء أبناء دربة | فلم تقهم منهم حصون ولا درب |
وما زلت ترميهم بهم متفردا | أنيساك حزم الرأي والصارم العضب |
جهدت فلم أبلغ علاك بمدحة | وليس على من كان مجتهدا عتب |
فضحك الرشيد وقال لي خفت إن يفوت وقت الصلاة فينقطع المديح عليك فبدأت به وتركت التشبيب وأمرني بان أنشده التشبيب فأنشدته إياه فأمر لكل واحد من الشعراء بعشرة آلاف درهم وأمر لي بضعفها عشرين ألف درهم وقال ابن عساكر قيل أنه لما أنشده هذه القصيدة أعطاه مائة ألف درهم.
وفي الأغاني والأوراق وتاريخ ابن عساكر واللفظ مأخوذ من المجموع بالإسناد عن أحمد بن سيار الجرجاني وكان راوية شاعرا: قال دخلت أنا وأشجع والتيمي أبو محمد وابن رزين الخراساني على الرشيد بالرقة وقد فرع من قصره الأبيض وكان قد ضرب أعناق قوم في تلك الساعة فجعلنا نتخلل الدماء حتى وصلنا إليه فأنشده أبو محمد التيمي قصيدة له يذكر فيها تغفور وقعته ببلاد الروم فنثر مثل الدر من جودة شعره وأنشده أشجع قوله:
قصر عليه تحية وسلام | نثرت عليه جمالها الأيام |
فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت | للملك فيه سلامة ودوام |
قصر سقوف المزن دون سقوفه | فيه لأعلام الهدى إعلام |
نشرت عليه الأرض كسوتها التي | نسج الربيع وزخرف الأرهام |
أدنتك من ظل النبي وصية | وقرابة وشجت بها الأرحام |
برقت سماؤك في العدو وأمطرت | هاما لها ظل السيوف غمام |
وإذا سيوفك صافحت هام العدى | طارت لهن عن الرؤوس الهام |
تثني على أيامك الأيام | والشاهدان الحل والاحرام |
وعلى عدوك يا ابن عم محمد | رصدان ضوء الصبح والأظلام |
فإذا تنبه رعته وذا غفا | سلت عليه سيوفك الأحلام |
وكان الرشيد متكئا فاستوى جالسا وقال أحسن الله هكذا تمدح الملوك ودنوت أنا فأنشدته بعد أشجع:
زمن بأعلى الرقتين قصير | لم يثنه للحادثات غرير |
لا تبعد الأيام إذ ورق الصبا | غض وإذا غضن الشباب نضير |
ومضيت في القصيدة حتى أتممتها فأعجب بها وقال قل للمغنين يعملوا ألحانا في تشبيب هذه القصيدة فوجه إلي الفضل بن الربيع أنفذ إلي قصيدتك فاني أريد إن أنشدها الجواري. وفي رواية الأغاني إن الذي أوصل أشجع إلى الرشيد هو الفضل بن الربيع وقال له هو أشعر شعراء هذا الزمان وقد اقتطعته عنك البرامكة فأمر بإحضاره وإيصاله مع الشعراء فأنشده قصر عليه تحية وسلام القصيدة فاستحسنها الرشيد وأمر له بعشرين ألف درهم. وركب الرشيد يوما في قبة ومعه سعيد بن سالم الباهلي فاستدعى رجلا حسن الصوت ينشد الشعر فيطرب بحسن صوته أشد من أطراب الغناء فقال أنشدني قصيدة الجرجاني فأنشده فقال: الشعر في ربيعة سائر اليوم فقال له سعيد بن سالم يا أمير المؤمنين استنشده قصيدة أشجع فابي فلم يزل به حتى أجاب إلى استماعها فلما بلغ إلى قوله وعلى عدوك والذي بعده قال له سعيد والله يا أمير المؤمنين لو خرس بعد هذين البيتين لكان أشعر الناس. وقال سعيد بن سليم الباهلي كنت عند الرشيد فدخل عليه أشجع ومنصور النمري فأنشده أشجع: قصر عليه تحية وسلام فجلست أرفع منه وتعصبت للقيسية فلما بلغ قوله: وعلى عدوك يا بن عم محمد البيتين. استحسن ذلك الرشيد وأومأت إلى أشجع إن يقطع الشعر وعلمت أنه لا يأتي بمثلهما فلم يفعل ومر في شعره ففتر الرشيد بعد البيتين وكان عالما بالشعر ثم ضرب بمخصرة كانت بيده الأرض فأنشده النمري قوله:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع | إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع |
فمر والله في قصيدة قلما تقول العرب مثلها فجعل الرشيد يضرب بمخصرته الأرض ويقول الشعر في ربيعة سائر اليوم فلما خرجنا قلت لأشجع غمزتك إن تقطع فلم تفعل ويلك ولم تأت بشيء فهلا مت بعد البيتين أو خرست فكنت تكون أشعر الناس. وفي الأوراق قال الرشيد لأشجع من أين أخذت قولك وعلى عدوك البيتين فقلت لا أكذب والله من قول النابغة:
فإنك كالليل الذي هو مدركي | وإن خلت إن المنتأى عنك واسع |
فقال صه هو عندي من كلام الأخطل لعبد الملك بن مروان وقد قال له أنا مجيرك من الجحاف فقال من يجيرني منه إذا نمت. ودخل أشجع على الرشيد وقد مات ابن ابن له والناس يعزونه فأنشده:
نقص من الدين ومن أهله | نقص المنايا من بني هاشم |
قدمته فاصبر على فقده | إلى أبيه وأبي القاسم |
فقال الرشيد ما عزاني اليوم أحد أحسن من تعزية أشجع وأمر له بصلة. وكتب أشجع إلى الرشيد وقد أبطا عنه شيء أمر له به:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة | لها عنق بين الرواة فسيح |
بان لسان الشعر ينطقه الندى | ويخرسه الإبطاء وهو فصيح |
فضحك الرشيد وقال لن يخرس لسان شعرك وأمر بتعجيل صلته وفي الأغاني والأوراق: لما انصرف الرشيد من غزوته التي فتح بها هرقلة قدم الرقة في آخر شهر رمضان فلما عيد جلس للشعراء فدخلوا عليه وفيهم أشجع فبدرهم وأنشأ يقول:
لا زلت تنشر أعيادا وتطويها | تمضي بها لك أيام وتمضيها |
مستقبلا بهجة الدنيا ولذتها | أيامها لك نظم في لياليها |
العيد والعيد والأيام بينهما | موصولة لك لا تفنى وتفنيها |
ولا تقضت بك الدنيا ولا برحت | يطوي بك الدهر أياما وتطويها |
وليهنك الفتح والأيام مقبلة | إليك بالنصر معقودا نواصيها |
أمست هرقلة تهوي من جوانبها | وناصر الله والإسلام يرميها |
ملكتها وقتلت الناكثين بها | بنصر من يملك الدنيا ومن فيها |
ما روعي الدين والدنيا على قدم | بمثل هارون راعيه وراعيها |
فأمر له بألف دينار وقال لا ينشدني أحد بعده، فقال أشجع والله لأمره بان لا ينشده أحد بعدي أحب إلي من صلته. ودخل أشجع على الرشيد ثاني يوم الفطر فأنشده:
استقبل العيد بعمر جديد | مدت لك الأيام حبل الخلود |
مصعدا في درجات العلا | نجمك مقرون بسعد السعود |
واطو رداء الشمس ما اطلعت | نورا جديدا كل يوم جديد |
تمضي لك الأيام ذا غبطة | إذا أتى عيد طوى عمر عيد |
فوصله بعشرة آلاف درهم. ودخل أشجع على الرشيد حين قدم من الحج وقد مطر الناس يوم قدومه فأنشده:
إن يمن الإمام لما أتانا | جلب الغيث من متون الغمام |
فابتسام النبات في اثر الغـ | ـيث بنواره كسرج الظلام |
ملك من مخافة الله مغض | وهو مغضى له من الإعظام |
ألف الحج والجهاد فما ينـ | ـفك من سفرتين في كل عام |
سفر للجهاد نحو عدو | والمطايا لسفرة الإحرام |
طلب الله فهو يسعى إليه | بالمطايا وبالجياد السوام |
فيداه يد بمكة تدعوه | وأخرى في دعوة الإسلام |
وفي الأوراق: بسنده لما عقد الرشيد البيعة لابنيه وكتب بينهما كتابا علقه في سقف الكعبة ما كان شيء أعجب إليه يسمعه من استصابة رأيه في ذلك وتوكيده من شعر أنشده أشجع:
قل للإمام ابن الإمام | أهل التحية والسلام |
إن الخلافة لم تزل | بيديك موثقة الزمام |
استأنس الحرمان منـ | ـك بزورة في كل عام والحجر |
والحجر الأصـ | ـم بطول مس واستلام |
قضيت نسكك وانصرفـ | ـت بخير ظعن أو مقام |
وكتبت بين خليفتيـ | ـك كتاب قطع للخصام |
عقد شددت قواه ما | سجع الحمام مع الحمام |
قلدته عنقيهما | بشهادة البيت الحرام |
والمسلمون شهود ذا | لك بين زمزم والمقام |
وشهيدك الله العلي | عليهما وعلى الأنام |
وأمر الرشيد بحفر نهر لبعض أهل السواد كان قد خرب وبطل ما عليه فقال أشجع:
أجرى الإمام الرشيد نهرا | عاش بإجرائه الموات |
جاد عليه بريق فيه | وسر مضمونه الفرات |
القحه درة لقوحا | يرضع أخلافها النبات |
على رياض له بنات | ما ولدتهن أمهات |
للماء من فوقها انتباه | وللثرى تحتها سبات |
في جانبيه وجانبيها | أعنة الماء مطلقات |
وقال يرثي الرشيد:
غربت بالمشرق الشمس | فقل للعين تدمع |
ما رأينا قط شمسا | غربت من حيث تطلع |
مدحه الأمين صغيرا
في الأغاني عن أشجع: دخلت على محمد الأمين حين أجلس مجلس الأدب للتعليم هو ابن أربع سنين وكان يجلس فيه ساعة ثم يقوم فأنشدته وذكر منها بيتين وفي الأوراق قال يمدح محمد الأمين بقصيدة أولها:
حمد السرى وتصرم الادلاج | ولكل ضيق شديدة إفراج |
ملك أبوه وأمه من نبعة | منها سراج الأمة الوهاج |
شربت بمكة في ربا بطحائها | ماء النبوة ليس فيه مزاج |
ملك على أمواله لنواله | سطو يكون لها به ازعاج |
خير البرية من به | وضح الهدى للناس والمنهاج |
فأمرت له زبيدة بمائة ألف درهم قال أبو الفرج ولم يملك الخلافة أحد أبوه وأمه من بني هاشم إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ص) ومحمد بن زبيدة (انتهى).
مدحه المأمون
في الأغاني: قال الرشيد للعباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس: يا عم إن الشعراء قد أكثروا في مدح محمد بسببي وبسبب أم جعفر ولم يقل أحد منهم في المأمون شيئا وأنا أحب إن أقع على شاعر فطن ذكي يقول فيه فأمر العباس أشجع إن يقول فيه وكان أشجع منقطعا إلى العباس فقال:
بيعة المأمون آخذة | بعنان الحق في أفقه |
أحكمت مراتها عقدا | تمنع المحتال في نفقه |
لن يفك المرء ربقتها | أو يفك الدين من عنقه |
وله من وجه والده | صورة تمت ومن خلقه |
فأتى بها العباس الرشيد وادعى أنها له فاستحسنها الرشيد وقال قد سررتني مرتين بإصابتك ما في نفسي وبأنها لك وأمر له بثلاثين ألف دينار فأعطى أشجع منها خمسة آلاف درهم وأخذ الباقي.
اتصاله بالبرامكة وأخباره معهم
ونأخذ ذلك من الأغاني وكتاب الأوراق دون غيرهما. في الأغاني:
حدث أشجع السلمي أنه كان في مجلس بعض أخوانه يتحدث وينشد فدخل انس بن أبي شيخ النصري فقام القوم له غيره لأنه لم يعرفه فسال عنه فقيل له أشجع الشاعر فاستنشده فقال إنك لشاعر فما يمنعك من جعفر بن يحيى قال ومن لي به قال أنا فقل أبياتا ولا تطل قال وتقدمني إلى الباب وجاء فدخل فخرج الحاجب فقال أشجع فقمت فقال ادخل فدخلت واستنشدني فأنشدته:
وترى الملوك إذا رأيتهم | كل بعيد الصوت والجرس |
فإذا بدا لهم ابن يحيى جعفر | رجعوا الكلام بمنطق همس |
ذهبت مكارم جعفر وفعاله | في الناس مثل مذاهب الشمس |
فأمر له بعشرة آلاف درهم قال ثم لقيت المبارك مؤدب الفضل بن يحيى فقال لي أنشد ما قلته في جعفر فأنشدته فقال ما يمنعك من الفضل فقلت ومن لي به فقال أنا فأدخلني عليه فأنشدته:
وما قدم الفضل بن يحيى مكانه | على غيره بل قدمته المكارم |
لقد أرهب الأعداء حتى كأنما | على كل ثغر بالمنية قائم |
فقال لي كم أعطاك جعفر فقلت عشرة آلاف درهم فقال أعطوه عشرين ألفا.
وفي الأغاني والأوراق: جلس جعفر بن يحيى في الصالحية على مستشرف له فجاء أعرابي من بني هلال بن عامر فشكى خلة واستماح بأحسن لفظ وأصح لسان فقال له جعفر أتقول الشعر يا هلالي؟ فقال قد كنت أقوله وأنا حدث أتملح به ثم تركته لما صرت شيخا قال فأنشدنا لشاعركم حميد بن ثور فأنشد:
لمن الديار بجانب الحمس | كمخط ذي الحاجات بالنفس |
حتى أتى على آخرها فاندفع أشجع فأنشده مديحا فيه قاله لوقته على وزنها وقافيتها:
ذهبت مكارم جعفر وفعاله | في الناس مثل مذاهب الشمس |
ملك تسوس له المعالي نفسه | والعقل خير سياسة النفس |
فإذا تراءاه الملوك تراجعوا | جهر الكلام بمنطق همس |
ساد البرامك جعفر وهم الأولى | بعد الخليفة سادة الأنس |
ماضر من قصد ابن يحيى راغبا | بالسعد حل به أم النحس |
فاستحسن جعفر ذلك منه، وقال صف موضعنا هذا، فقال:
قصور الصالحية كالعذارى | لبسن ثيابهن ليوم عرس |
إذا ما الطل أثر في ثراه | تنفس نوره من غير نفس |
فتغبقه السماء بصبغ ورس | وتصبحه باكؤس عين شمس |
فقال جعفر للأعرابي كيف ترى صاحبنا يا هلالي فقال أرى خاطره طوع لسانه وبيان الناس تحت بيانه وقد جعلت له ما تصلني به فقال بل نقرك يا اعرابي ونرضيه وأمر للأعرابي بمائة دينار ولأشجع بمائتين. واشترى جعفر بن يحيى المرغاب من آل الرشيد بعشرين ألف ألف درهم ورده على أصحابه فقال أشجع يمدحه:
رد السباخ ندى يديه وأهلها | منها بمنزلة السماك الأعزل |
قد أيقنوا بذهابها وهلاكهم | والدهر يوعدهم بيوم أعضل |
فافتكها لهم وهم من دهرهم | بين الجران وبين حد الكلكل |
ما كان يرجى غيره لفكاكها | يرجى الكريم لكل خطب معضل |
ولما خرج جعفر بن يحيى ليصلح أمر الشام نزل في مضربه وأمر بإطعام الناس فقام أشجع فأنشده:
فئتان طاغية وباغية | جلت أمورهما عن الخطب |
قد جاءكم بالخيل شارية | ينقلن نحوكم رحا الحرب |
لم يبق إلا إن تدور بكم | قد قام هاديها على قطب |
فأمر له بمائة دينار وقال دائم القليل خير من منقطع الكثير فقال له ونزر الوزير أكثر من جزيل غيره فأمر له بمثلها وكان يجري عليه كل جمعة مائة دينار مدة مقامه ببابه. وكان الناس بباب جعفر بن يحيى وهو عليل فقيل لهم أنه لا أذن عليه فكتب إليه أشجع:
لما اشتكى جعفر بن يحيى | فارقني النوم والقرار |
ومر عيشي علي حتى | كأنما طعمه المرار |
حزنا على جعفر بن يحيى | لا حقق الخوف والحذار |
إن يعفه الله لا نبالي | ما أحدث الليل والنهار |
فأدخل أشجع وحده وانصرف سائر الناس.
ولما ولى الرشيد جعفر بن يحيى خراسان جلس للناس فدخلوا عليه يهنئونه ثم دخل الشعراء فأنشدوه فقام أشجع آخرهم فقال أتأذن لي في إنشاد شعر قضيت به حق سؤددك وكمالك وخففت به ثقل أياديك عندي فقال هات يا أبا الوليد فإنك أكثر شعرائنا برا بنا فأنشده هذه القصيدة وذكر في الأغاني والأوراق أبياتا منها وذكرها ابن عساكر في تاريخ دمشق بتمامها ونحن ذكرنا أكثر ما ذكره ابن عساكر وتركنا بعضه لغلط النسخة:
أتصبر يا قلب أم تجزع | فان الديار غدا بلقع |
غدا يتفرق أهل الهوى | ويكثر باك ومسترجع |
وتمضي الطلول ويبقى الهوى | ويصنع ذو الشوق ما يصنع |
فها أنت تبكي وهم جيرة | فكيف يكون إذا ودعوا |
وراحت بهم أو غدت أينق | تخب على الأين أو توضع |
أتطمع في العيش بعد الفرا | ق بئس لعمرك ما تطمع |
ترجى هجوعك من بعدهم | وأنت من الآن ما تهجع |
هنالك يقطع من يشتهي الـ | ـوصال ويوصل من يقطع |
لعمري لقد قلت الفراق | وأسمعت صوتك لو يسمع |
فما عرجوا حين ناديتهم | ولا آذنوك ولا ودعوا |
فان تصبح الأرض عريانة | تهب بها الشمال الزعزع |
فقد كان ساكنها ناعما | له محضر وله مربع |
ومغترب ينقضي ليله | قنوتا ومقلته تدمع |
يؤرقه ما بدا في الفؤا | د ما يستقر له مضجع |
ألا إن بالغور لي حاجة | تؤرق عيني فما تهجع |
إذا الليل ألبسني ثوبه | تقلب فيه فتى موجع |
يبرح بالعاشقين الهوى | إذا اشتملت فوقه الأضلع |
ولا يستطيع الفتى ستره | إذا جعلت عينه تدمع |
لقد زادني طربا بالعراق | بارق عودية يلمع |
إذا قلت قد هدأت عارضت | بأبيض ذي رونق بسطع |
ودوية بين أقطارها | مقاطع أرضين لا تقطع |
يضل القطا بين أرجائها | إذا ما سرى والفتى المصقع |
تخطيتها فوق عيرانة | من الريح في مرها أسرع |
إلى جعفر نزعت رغبة | وأي فتى نحوه تنزع |
إذا وضعت رجلها عنده | تضمنها البلد الممرع |
وما لامرئ دونه مطلب | وما لامرئ غيره مقنع |
رأيت الملوك تغض الجفون | إذا ما بدا الملك الأتلع |
يفوت الرجال بحسن القوام | ويقصر عن شاوه المسرع |
ولا يرفع الناس من حطه | ولا يضع الناس من يرفع |
يريد الملوك مدى جعفر | وهم يجمعون ولا يجمع |
وكيف ينالون غاياته | وما يصنعون كما يصنع |
وليس بأوسعهم في الغنى | ولكن معروفه أوسع |
هو الملك المرتجى للذي | يضيق بأمثاله الأذرع |
يلوذ الملوك بأبوابه | إذا نابها الحدث المفظع |
بديهته مثل تفكيره | متى رمته فهو مستجمع |
إذا هم بالأمر لم يثنه | رجوع ولا شادن أفرع |
فللجود في كفه مطلب | وللسر في صدره موضع |
وكم قائل إذا رأى ثروتي | وما في فضول الغنا أصنع |
غدا في ظلال ندى جعفر | يجر ثياب الغنى أشجع |
كان أبا الفضل بدر السما | ء لعشر خلت بعدها أربع |
لفرقته استوحشت بابل | وأشرق إذ أمه المطلع |
فقل لخراسان تحيا فقد | أتاها ابن يحيى الفتى الأروع |
فأقبل عليه جعفر ضاحكا واستحسن شعره وجعل يخاطبه مخاطبة الأخ أخاه بنثر أحسن من نظمه ثم أمر له بألف دينار وكان جعفر يقول ما مدحت بشعر أحب إلي من عينية أشجع يعني هذه ثم بدا للرشيد فعزله عن خراسان فوجم لذلك جعفر فدخل عليه أشجع فأنشده:
أمست خراسان تعزى بما | أخطاها من جعفر المرتجى |
كان الرشيد المعتلي أمره | ولى عليها المشرق الأبلجا |
ثم أراه رأيه أنه | أمسى إليه منهم أحوجا |
فكم به الرحمن من كربة | في مدة تقصر قد فرجا |
فضحك جعفر وقال لقد هونت علي العزل وقمت لأمير المؤمنين بالعذر فسلني ما شئت فقال قد كفاني جودك ذل السؤال فأمر له بألف دينار آخر. وأعطي جعفر بن يحيى مروان بن أبي حفصة وقد مدحه ثلاثين ألف درهم وأعطى أشجع وقد مدحه معهما ثلاثة آلاف وكان ذلك في أول اتصاله فكتب إليه أشجع:
أعطيت مروان الثلاثين | التي حلت رعاثه |
وأبا النضير وإنما | أعطيتني معهم ثلاثة |
ما خانني حوك القصيـ | ـد وما اتهمت سوى الحداثة |
فأمر له بعشرين ألف درهم أخرى. ووعد يحيى بن خالد أشجع السلمي وعدا فاخره عنه فقال له:
رأيتك لا تستلذ المطال | وتوفي إذا غدر الخائن |
فماذا تؤخر من حاجتي | وأنت لتعجيلها ضامن |
ألم تر إن احتباس النوال | لمعروف صاحبه شائن |
فلم يتعجل ما أراد فكتب إليه:
رويدك إن عز الفقر أدنى | إلي من الثراء مع الهوان |
وما ذا تبلغ الأيام مني | بريب صروفها ومعي لساني |
فبلغ قوله جعفرا فقال ويلك هذا تهديد فلا تعد لمثله وكلم أباه فقضى حاجته فقال:
كفاني صروف الدهر يحيى بن خالد | فأصبحت لا ارتاح للحدثان |
كفاني كفاه الله كل ملمة | طلاب فلان مرة وفلان |
فأصبحت في رغد من العيش واسع | اقلب فيه ناظري ولساني |
وفي الأوراق والأغاني: اعتل يحيى بن خالد ثم صلح فدخل إليه الناس يهنئونه بالعافية ودخل أشجع فأنشده:
لقد قرعت شكاة أبي علي | قلوب معاشر كانت صحاحا |
فإن يدفع لنا الرحمن عنه | صروف الدهر والأجل المتاحا |
فقد أمسى صلاح أبي علي | لأهل الدين كلهم صلاحا |
إذا ما الموت أخطاه فلسنا | نبالي الموت حيث غدا وراحا |
وما أذن لأحد في النشيد ذلك اليوم سواه.
وفي الأوراق: جعل جعفر بن يحيى لأشجع ناحية فكان بها فرفع عليه قوم فقبل قولهم فيه فكتب إليه:
أمفسدة سعاد علي ديني | ولأئمتي على طول الحنين |
وما تدري سعاد إذا تخلت | من الأشجان كيف أخو الشجون |
تنام ولا أنام لطول حزني | وأين أخو السرور من الحزين |
لقد راعتك عند قطين سعدى | رواحل عاديات بالقطين |
كان دموع عيني يوم بانوا | جداول من ذرى وشل معين |
لقد هزت سنان القول منى | رجال وقيعة لم يعرفوني |
هم جازوا حجابك يا ابن يحيى | فقالوا بالذي يهوون دوني |
أطافوا بي لديك وغبت عنهم | ولو أدنيتني لتحنبوني |
وقد شهدت عيونهم فقالت | علي وغيبت عنهم عيوني |
ولما إن كتبت بما أرادوا | تدرع كل ذي غمر دفين |
كففت عن المقاتل باديات | وقد هيات صخرة منجنون |
ولو أرسلتها دمغت رجالا | وصالت في الأحشة والشئون |
وكنت إذا هززت حسام قول | قطعت بحجة علق الوتين |
لعل الدهر يطلق من لساني | لهم يوما ويبسط من يميني |
فاقضي دينهم بوفاء قول | وأثقلهم لصدقي بالديون |
وقد علموا جميعا إن قولي | قريب حين أدعوه يجيني |
وكنت إذا هجوت رئيس قوم | وسمت على الذؤابة والجبين |
بخط مثل حرق النار باق | يلوح على الحواجب والعيون |
أمائلة بودك يا ابن يحيى | رجالات ذوو ضغن كمين |
يشيمون السيوف إذا رأوني | إذا وليت سلت من جفون |
ولو كشفت سرائرنا جميعا | علمت من البري من الظنين |
علا م وأنت تعرف نصح حبي | وأخذي منك بالسبب المتين |
وعسفي كل مهمهة خلاء | إليك بكل يعملة أمون |
وإحيائي الدجى لك بالقوافي | أقيم صدورهن على المتون |
وإيصالي إلى أقصى صلاتي | بمكة بين زمزم والحجون |
تقرب منك أعدائي وأنأى | وتجلس مجلسي من لا يليني |
ولو عاينت نفسك في مكاني | إذا لنزلت عندك باليمن |
ولكن الشكوك نأين عني | بودك والمصير إلى اليقين |
وإن أنصفتني أحرقت منهم | بنضج الكي إثباج البطون |
أخباره مع محمد بن منصور أحد قواد الرشيد
أقبل أشجع إلى باب محمد بن منصور بن زياد وكان أمر عسكر الرشيد يدور عليه فرأى ازدحام الناس عليه فقال:
خليلي كف عن عذلي | فما شغلك من شغلي |
أفق عنك فما مثلـ | ـك في أمر الحا مثلي |
أبعد الخمس والخمسيـ | ـن تلحاني على الجهل؟ |
وهبني قد تعشقت | أما يعشق ذو العقل؟ |
وما علقت إلا مثـ | ـل من علق من قبلي |
غزالا وقضيبا ما | ل في دعص من الرمل |
على باب ابن منصور | علامات من البذل |
جماعات وحسب البا | ب نبلا كثزه الأهل |
وما يجتمع الناس | لغير البذل والفضل |
وما يغنون إلا حيـ | ـثما يرسي ذوو البذل |
وما يخفى على الناس | مكان الخصب والمحل |
وفي رواية أنه لما بلغه بيتاه وهما على باب ابن منصور البيت والذي بعده قال هما والله أحب مدائحه إلي.
وشرب محمد بن منصور دواء فكتب إليه أشجع:
أصح الله جسمك ذو العلاء | وأعقبك السلامة في الدواء |
وأبدلك الإله به صلاحا | وعافية تمحق كل داء |
وألبسك المليك رداء عمر | على الأيام ممدود البقاء |
شفاك الله طاوي كل سقم | فان العيش في بشر الشفاء |
فقد أنزلت من قطحان بيتا | رفيع السمك متسع الفناء |
فقال محمد بن منصور ما جاءتنا اليوم هدية أحسن من هدية أشجع وأجازه.
أشجع وأخواه
وكان لأشجع أخوان أحمد والحارث وكان أحمد شاعرا ولم يكن الحارث كذلك. وفي الأغاني قيل لأحمد ما لك لا تمدح الملوك كما يمدحهم أخوك فقال إن أخي بلاء علي وإن كان فخرا لأني لا أمدح أحدا ممن يرضيه دون شعري إلا قال أين هذا من قول أشجع. وكان أحمد بن عمر مدح أحمد بن جميل بشعر ودفعه إلى أخيه أشجع وسأله إيصاله إليه فتوانى عن ذلك فقال أحمد يهجوه:
وسائلة لي ما أشجع | فقلت يضر ولا ينفع |
قريب من الشر واع له | أصم عن الخير ما يسمع |
بطئ عن الأمر أحظى به | إلى كل ما ساءني مسرع |
شرود الوداد على قربه | يفرق منه الذي أجمع |
أسب باني شقيق له | فانفي به أبدا أجدع |
وفي بعض أخبار الأغاني إن أخويه اسمهما أحمد ويزيد قال: مر أشجع وأخواه أحمد ويزيد بقبر الوليد بن عقبة وإلى جانبه قبر أبي زبيد الطائي وكان نصرانيا والقبران كل متوجه إلى قبلة ملته وكان أبو زبيد أوصى لما احتضر إن يدفن إلى جنب الوليد بالبليخ فأنشأ أشجع يقول:
مررت على عظام أبي زبيد | وقد لاحت ببلقعة صلود |
وكان له الوليد نديم صدق | فنادم قبره قبر الوليد |
أنيسا ألفة ذهبت فأمست | عظامهما تأنس بالصعيد |
وما أدري بمن تبدأ المنايا | بأحمد أو بأشجع أو يزيد |
أشعاره
في كتاب الأوراق: أنشدنا المبرد يوما أبياتا ولم يسم شاعرها وقال لا أعرف في وصف أصحاب المعارف أحسن منها فكتبوها ولم أكتبها فقال لي لم لا تكتبها فقلت أنا أحفظ القصيدة فقال لمن هي قلت لأشجع السلمي قال فيمن قلت في إبراهيم وعثمان ابني نهيك وفي مسودة الكتاب في إبراهيم بن عثمان بن نهيك صاحب شرطة الرشيد وكان إبراهيم هذا جبارا عنيدا قال فأنشدنيها فأنشدته إياها فضحك وقال حسبك أنت مفروع منك أقول وهذا يدلنا على شدة عنايتهم بالأدب فإذا مر بهم ما يستحسن من شعره وغيره كتبوه جميعا وعلى فضل صاحب الأوراق أبي بكر الصولي وحفظه وأول القصيدة:
لمن المنازل مثل ظهر الأرقم | قدمت وعهد أنيسها لم يقدم |
فتكت بها سنتان يعتورانها | بالعاصفات وكل أسحم مرزم |
دمن إذا استثبت عينك عهدها | رجعت إليك بناظر المتوهم |
ولقد طعنت الليل في إعجازه | بالكاس بين غطارف كالأنجم |
يتمايلون على النعيم كأنهم | قضب من الهندي لم تتثلم |
وسعى بها الظبي الغرير يزيدها | طيبا ويغشمها إذا لم تغشم |
والليل منتقب بفضل ردائه | قد كاد يحسر عن أغر ارثم |
فإذا أدارتها الأكف رأيتها | تثني الفصيح إلى لسان الأعجم |
وعلى بنان مديرها عقيانة | من لونها وعلى فضول المعصم |
تغلي إذا ما الشعريان تلظيا | صنفا وتسكن في طلوع المرزم |
ولقد فضضناها بخاتم ربها | بكرا وليس البكر مثل الأيم |
ولها سكون في الإناء وخلفها | شغب يطوح بالكمي المعلم |
تعطي على الظلم الفتى بقيادها | قسرا وتظلمه إذا لم يظلم |
لبني نهيك طاعة لو أنها | رجمت بركز متالع لم تكلم |
قوم إذا غمزوا قناة عدوهم | حطموا جوانبها ببأس محطم |
في سيف إبراهيم خوف واقع | لذوي النفاق وفيه أمن المسلم |
ويبيت يكلأ والعيون هواجع | مال المضيع ومهجة المستسلم |
ليل يواصله بضوء نهاره | يقظان ليس يذوق نوم النوم |
شد الخطام بأنف كل مخالف | حتى استقام له الذي لم يخطم |
لا يصلح السلطان إلا شدة | تغشى البرئ بفضل ذنب المجرم |
ومن الولاة مقحم لا يتقى | والسيف تقطر شفرتاه من الدم |
منعت مهابتك النفوس حديثها | بالشئ تكرهه وإن لم تعلم |
ونهجت في سبل السياسة منهجا | فهمت مذهبه الذي لم يفهم |
وقد أورد صاحب الأوراق شيئا كثيرا من مختار شعر أشجع ورتب قسما منه على الحروف وقسما لم يرتبه. قال يمدح جعفر بن يحيى:
أقفر بعد الرياب ملحوب | خود عليها الجمال مصبوب |
غلبت والحب من يغالبه | فهو بحكم الحبيب مغلوب |
أما لمستوهب وصالكم | حق وإن قل منك موهوب |
رحلت وهما يحثه أمل | فهو كبرق تلاه شؤبوب |
إلى نجيب في بيت مملكة | يكنفه سادة مناجيب |
أحيا ابن يحيى النوال مغتربا | فكل مجد إليه مجلوب |
وكل بذل زكت مناسبه | فهو إلى البرمكي منسوب |
ترب معروفه عوائده | والعرف عند الكرام مربوب |
لابس تاجين تاج مكرمة | وتاج ملك عليه معصوب |
تحب من جعفر طلاقته | وبذل سمح الأخلاق محبوب |
وقال يمدح جعفر بن يحيى أيضا:
قف بأطلال لسلمى | دارسات موحشات |
وبها وحش ظباء | كالظباء الآنسات |
كن أسباب المنايا | ومحل الشهوات |
بين وصل وصدود | كحياة وممات |
وفلاة ذات أكل | للحوم اليعملات |
جزتها والليل داج | ضارب بالجنبات |
أبتغي من آل يحيى | ملكا جم الهبات |
خلق الله ابن يحيى | للحجا والمكرمات |
وصل الله يديه | بالمنايا والصلات |
فهو يعطيك ابتداء | قبل نوب النائبات |
قصر الله بإيجاز | له عمر العداة |
بأبي الفضل بن يحيى | ذي الأيادي السابغات |
عز ذو الدين وذلت | عنق من كل عاتي |
ففداء لأبي الفضل | على رغم العداة |
كل عاص لنوال | ومطيع العاذلات |
قد وصفناك ولكن | قف بالفضل صفاتي |
وقال:
ليس للحاجات إلا | من له وجه وقاح |
ولسان طرمذان | و غدو ورواح |
إن تكن أبطأت | الحاجات عني والسراح |
فعلي الجهد فيها | وعلى الله النجاح |
وقال في آل برمك كما في مروج الذهب:
ولي عن الدنيا بنو برمك | فلو تولى الناس ما زادا |
كأنما أيامهم كلها | كانت لأهل الأرض أعيادا |
وقال فيهم أيضا:
قد سار دهر ببني برمك | ولم يدع فيهم لنا بقيا |
كانوا أولي وهم أهله | فارتفع الخير عن الدنيا |
وقال يرثي أخاه كما في الأوراق:
أأدهن رأسي أو تضاعف كسوتي | ورأسك معفور وأنت سليب |
فاقسم لا أصبو إلى عيش لذة | وقد ضم لحييه عليك قليب |
ولا زلت أبكي ما تغنت حمامة | عليك وما هبت صبا وجنوب |
و ما حملت عين من الماء قطرة | وما اخضر في دوح الأراك قضيب |
بكائي كثير والدموع قليلة | وأنت بعيد والمزار قريب |
فلا يفرح الباقي خلاف الذي مضى | فكل فتى للموت فيه نصيب |
أخ كان مني في حمى لا يحله | سواه ولا يفضي إليه غريب |
تعجب سلمى من مشيب ذؤابتي | وعمر أبيها أنه لعجيب |
ومثل الذي لو تعلمين أصابني | به الدهر يبلي رمتي ويشيب |
رزئت أخا لا ينتجي القوم دونه | إذا ضمهم يوم أصم عصيب |
أبعد أخي يصفو لي العيش أنني | إذا لمضيع للعهود كذوب |
نسيبك من أمسى يناجيك طرفه | وليس لمن تحت التراب نسيب |
أضيق بأمري حين أذكر أحمدا | وصدري بأوراد الأمور رحيب |
ندب وننسى أنني بمضيعة | ولليل فيه والنهار دبيب |
وكل فتى يوما وإن طال عمره | سيدعى إلى ما ساءه فيجيب وقال يرثيه أيضا: |
لئن أنا لم أدرك من الدمع ثاريا | ولم أشف قرحا داخلا في فؤاديا |
لتخترمني الحادثات وحسرتي | بأحمد في سوداء قلبي كما هيا |
لقد أفسد الدنيا علي فراقه | وكدر منها كل ما كان صافيا |
تخلصت الأيام لا در درها | حبال ابن أمي أحمد من حباليا |
وباعد ما قد كان بيني وبينه | من القرب أيام تسوق اللياليا |
كأن يميني يوم فارقت أحمدا | أخي وشقيقي فارقتها شماليا |
وما كانت الأيام بيني وبينه | ولا فرح اللذات إلا عواريا |
خليلي لا تستبطئا ما انتظرتما | فان قريبا كل ما كان آتيا |
ألا تريان الليل يطوي نهاره | وضوء النهار كيف يطوي اللياليا |
وقال في الرثاء كما في الأوراق:
مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق | ولا مغرب إلا له فيه مادح |
وما كنت أدري ما فواضل كفه | على الناس حتى غيبته الصفائح |
فأصبح في لحد من الأرض ميتا | وكان به حيا تضيق الصحاصح |
مضى حين مد المجد أطناب بيته | عليه وأمته الأمور الفوادح |
وحين استهانت نزح كل تنوقة | إلى جود كفيه الرقاق النوازح |
فان سفحت عيني عليه دموعها | فقل له منها الدموع السوافح |
سأبكيك ما فاضت دموعي فان تغض | فحسبك مني ما تجن الجوانح |
وما أنا من رزء وإن جل جازع | ولا لاغتباط بعد موتك فارح |
كأن لم يمت حي سواك ولم تقم | على أحد إلا عليك النوائح |
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها | لقد حسنت من قبل فيك المدائح |
وقال يرثي أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي:
ويحها هل درت على من تنوح | أسقيم فؤادها أم صحيح |
جبل أطبقوا عليه بجرجا | ن ضريحا ما ذا أجن الضريح |
بليت حلة المكارم في النا | س وقل المميح والمستميح |
رحم الله أحمد بن يزيد | رحمة تغتدي وأخرى تروح |
ذهب الأعظمون من قيس عيلا | ن تباعا يتلو الصريح الصريح |
إن أطافت به المراثي قريبا | فقديما أطاف فيه المديح |
سخنت أعين الجياد عليه | وبكى فقده القنا والصفيح |
فسوام الدموع بعدك يا أحـ | ـمد في كل مقلة مسروح |
وقال يمدح الفضل بن الربيع:
غلب الرقاد على جفون المسعد | وغرقت في سهر وليل سرمد |
ولطالما سهرت بحبي أعين | أهدي السهاد لها ولما أسهد |
أيام أرعى في رياض بطالة | ورد الصبا منها الذي لم يورد |
لهو يساعده الشباب ولم أجد | بعد الشبيبة في الهوى من مسعد |
ما الدهر إلا الناشئان تواليا | يوم يروح لنا ويوم يغتدي |
فالأمس ليس براجع لك عهده | واليوم ليس بمدرك |
ما في الغد وخفيفة الأحشاء غير خفيفة | مجدولة جدل العنان الأجرد |
غضبت على أردافها أعطافها | فالحرب بين إزارها والمسجد |
خالفت فيها عاذلا لي ناصحا | ورشدت إذ خالفت قول المرشد |
لأحملن مآربي عيدية | حملا لحاجات الفتى المتورد |
أأقيم محتلا لضيم حوادث | مع همة موصولة بالفرقد |
وارى مخايل ليس يخلف برقها | للفضل إن رعدت وان لم ترعد |
يا ابن الربيع حسرت شكري بالذي | أوليتني في عود أمرك والبدي |
أوصلتني ورفدتني وكلاهما | شرف فقأت به عيون الحسد |
ووصفتني عند الخليفة غائبا | وأذنت لي فشهدت أفخر مشهد |
وكفيتني منن الرجال بنائل | أغنى يدي عن إن تمد إلى يد |
وله في محمد بن منصور بن زياد:
أسلمني البين إلى لجة | للهم تنسي لجة البحر |
أحارب الليل فما ينجلي | حربي له إلا مع الفجر |
أخلو بأحزاني وفكري به | والحزن مقرون مع الفكر |
إذا دعا شوقي به عبرة | فاضت على الخدين والنحر |
أمسى ابن منصور رجاء الورى | مؤملا في العسر واليسر |
يسلك في الكل طريق الندى | منكبا عن طرق الغدر |
ويجعل البشر دليلا على | توفير ما يبذل من وفر |
كما يدل البرق في ومضه | لرائد الخصب على القطر |
شرى ابن منصور بأمواله | مكارما تبقى على الدهر |
ما هو إلا بدر سعد أتى | لأربع زادت على العشر |
وله يمدح طاهر بن الحسين:
لقد سرني من ذا اليمينين طاهر | تجاوزه بالعفو عن كل غادر |
أتى من طلوع الشمس كالشمس اطلعت | لنا وجهها الأعلى على كل ناظر |
كأن ستور الغيب وهي حصينة | تكشفها للخط آراء طاهر |
سما لملوك جور الله فعلهم | لما اجترموا والله ليس بجائر |
وفتحت الدنيا لهم شهواتهم | وزين ما فيها لهم كل فاجر |
إذا استتبعتهم نعمة في طريقها | أزلهم عنها ركوب الجرائر |
فان عوتبوا فيها أحالوا بدينهم | على ما تواتيه صروف المقادر |
ملوك أرادت إن تجد حبالها | من الله تعسا للجدود العواثر |
أمستهم الدنيا به من عذابها | وأظهر منهم كامنات السرائر |
فلم تبك دنيا فارقوها عليهم | ولا بهم سرت بطون المقابر |
وأقسم لولا طاعة طاهرية | محبتها مخلوطة بالضمائر |
إذا ثوب الداعي بها زعزعت له | متون القنا الخطي بين العساكر |
لغالت بني العباس والملك دعوة | مفرقة الأنساب بين العشائر |
فأردى عداهم بالرديني طاعنا | وكل رهيف الحد للضرب باتر |
يلين إذا ما مست الكف صقله | ويخشن في مس الطلى والأباهر |
فأنفذ حكم الله فيما أراده | وما مع حكم الله أمر لآمر |
بخيل يحار الطرف في جنباتها | أوائلها مشفوعة بالأواخر |
فقل لرجال الدولتين إلا افخروا | بطاهر العالي على كل فاخر |
سلبت رداء الملك ظالم نفسه | وصنت الذي ولاك قصم الجبابر |
ولم تظلم المخلوع شيئا ولا الذي | علوت بذكراه فروع المنابر |
فطأطأت أعناقا وكانت رفيعة | تجاوز أبراج النجوم البواهر |
وقد كان إشهاد على الشرط مودع | ببيت الحرام والصفا والمشاعر |
فرام الأمين النقض فالتاث أمره | برأي غواة فيه باد وحاضر |
تراث لدين الله أدرك ثأرها | على عز دين الله أكرم ثائر |
فلما قضى النحب العراقي عاجها | إلى نحبة بالشام قب الخواصر |
أقول وقد خيلت لديهم خيوله | لكثرتها سرب القطا المتبادر |
عليكم بأسباب يشد متونها | إذا جذبتها الحرب فتل المرائر |
خذوا العروة الوثقى منالأمر ترشدوا | ولا تشردوا عنها شرود الأباعر |
وخافوا من السلطان بادر أمره | فلن يملك المحتاط رجع البوادر |
وقال يمدح القاسم بن الرشيد كما في الأوراق:
سل الفجر عن ليلي إذا طلع الفجر | وعن نشر أحزان يموت لها الصبر |
أراضية سلمى بما صنع الدهر | وإبعاده وصلا دنا معه هجر |
أرتنا الليالي غدرها بعد ما وفت | ولم نخش منها إن يكون لها غدر |
ليالي لا أعصى وأعصي عواذلي | وتشفع لي تسع تقدمها عشر |
سميع لما أهوى سريع إلى الصبا | وفي أذني عن لوم من لامني وقر |
عواذل لا يقدرن مني على التي | تسيرني قصدا وإن كثر الزجر |
إذا خفن إعناتي مسحن ذؤابتي | وقلن فتى سكر شباب له سكر |
فأما وحبل اللهو يجذبه الصبا | وعرف الذي يأتينه عنده نكر |
تصيده باللحظ مذ أشرفت له | عيون الظباء النجل والأوجه الزهر |
وتسكره كأس الصبا وتميله | وخمر الشباب ليس يبلغها الخمر |
وجارية لم تملك الشمس نظرة | إليها ولم يبعث بجدتها الدهر |
سقيمة لحظ ما درت كيف سقمه | وساحرة الالحاظ لم تدر ما السحر |
تظلم لو تغنى الظلامة خصرها | من الردف أتعابا فما أنصف الخصر |
وماجت كموج البحر بين ثيابها | يجور بها شطر ويعدلها شطر |
إذا وصفت ما فوق مجرى وشاحها | غلائلها ردت شهادتها الأزر |
وصلنا بها الدنيا فلما تصرمت | وأبدى نجوم الشيب في رأسه الشعر |
رأينا نفارا من ظباء أوانس | وليس بها إلا انتقال الصبا نفر |
رأين فتى غاضت مياه جماله | وأيبس من أغصانه الورق الخضر |
وكان الصبا بين الغواني وبينه | رسولا له النهي المحكم والأمر |
إليك ولي العهد ألقت رحالها | طلائح قد أفنى عرائكها السفر |
حداها سهيل فاستمرت دريرة | إليك وقادتها المجرة والنسر |
إذا ما عدمنا الفجر خضنا بوجهه | دجى الليل حتى يستبين لنا الفجر |
حبانا أمير المؤمنين بسائس | على وجهه سيما الطلاقة والبشر |
بمستقبل في ملكه وشبابه | أناف به العز المؤيد والقدر |
عليه جلال الكبرياء وما له | سوى هيبة يسمو النوال بها كبر |
من الجوهر المخبور في السوم قدره | يزيد قلوب الناس عجبا به الخبر |
كريح الخزمى حركت نشرها الصبا | تزيدك طيبا كلما زادها النشر |
وما امتنعت من عهده نفس مسلم | بشرق ولا غرب أتاها له ذكر |
من الذهب الإبريز صيغ وإنما | من الطينة البيضاء يستخلص التبر |
لقد نطقت أيامكم بفخاركم | فأغنتكم عن إن يفوه بها الشعر |
وقال يمدح جعفر بن يحيى بن خالد كما في الأوراق:
لقد ذكرتني الدارمية دورها | وان شحطت عنها وبان دثورها |
كان رسوم الدار بعد أنيسها | صحائف رهبان عواف سطورها |
ولم أر يوما كان أفظع في الهوى | من اليوم سارت فيه عيري وعيرها |
غدت بهم ريح الشمال فانجدوا | وراحت بنا نحو العراق دبورها |
وذكرني العيش التي قد تصرمت | بشاشته اطلال سعدى ودورها |
ليالي سعدى لا تزال تزورني | على رقبة من أهلها وأزورها |
وإذ أنا مثل الغصن يناد في الثرى | ويسمو بأغصان يرف نضيرها |
ويلقى عيون الغانيات بسنة | يحار إذا ما واجهته بصيرها |
وما زال صرف الدهر يصدع بيننا | بأمر النوى حتى استمر مريرها |
ألا ليت أيامي ببرقة معتق | تعود لياليها لنا وشهورها |
وغزلان أنس قد حكت لي عيونها | عيون ألمها تحويرها وفتورها |
إذا جاذبت أردافها في قيامها | أعاليها مالت عليه خصورها |
رقاق الثنايا مرهفات بطونها | ومملوءة أعجازها ونحورها |
أتتك المطايا بعد خمسين ليلة | يصيب الهدى أغبابها وبكورها |
ينازع أعنان السماء صعودها | إليك وغيطان الهضوم حدورها |
وان واجهت هولا من الليل لفها | على جانبيه عزمها وجسورها |
وهانت عليها الأرض يوم بعثتها | إليك ابن يحيى سهلها ووعورها |
على كل فتلاء الذراعين زادها | إذا ما رحلنا كورها وجريرها |
يكاد إذا ما حرك السوط ربها | لأمر وإن لم يعنها يستطيرها |
فان تسترح من طول إدلاجنا بها | إليك فقد كانت قليلا فتورها |
على ثقة بالمنزل الرحب والغنى | لديك وأحواض غزار بحورها |
لنعم مناخ الراغبين إذا غدت | شمال يزجي مرها زمهريرها |
ونعم مناخ المستجير بجوده | لفك رقاب لم تجد من يجيرها |
ونعم المنادى باسمه حين تلتقي | صدور القنا والحرب تغلي قدورها |
به التام الصدع الشامي والتقت | قبائل قد كانت شتاتا أمورها |
فأطفأ نارا قد علا لمعانها | فروع البلاد واستطار سعيرها |
رأيت ابن يحيى في الأمور إذا التوت | يشير على الجلى ولا يستشيرها |
غني بفضل الحزم عن رأي غيره | يسدي الأمور نحوها وينيرها |
وقال في رئيسين من قومه تعاديا كما في الأوراق من أبيات:
علام تصبح قيس وهي واحدة | شتى ويصبح أمر الناس مجتمعا |
ليس الشريف الذي يخشى غوائله | بنو أبيه إذا ما ليلهم هجعا |
الفضل عند الذي يعفو ذنوبهم | فان رأى مذهبا في عصبة رجعا |
إن عز صاحبه ذلت خلائقه | لغير ذل وإن ضاقوا له اتسعا |
وقال يمدح جعفر بن يحيى كما في الأوراق من قصيدة:
تغيرت المنازل والرباع | وقيعان الأراكة والتلاع |
ديار الحي مالك بعد سلمى | تعلاك اكتئاب واختشاع |
أجار بك الزمان ولا امتناع | لما يجني الزمان ولا دفاع |
وما لك يا طلول ديار سلمى | جواب مسلمين ولا استماع |
أينصرم الزمان ولم تعودي | إلى دنياك أيتها البقاع |
بها بسط الغيوث منورات | كما نسجت يمانية صناع |
إذا نام الخلي فلا منام | يطيف بمقلتي ولا اضطجاع |
وكان القرب يوصل لي سرورا | ففرقه تناء وانقطاع |
فلما إن رأيت الصفو كدرا | وفي العالي من العيش اتضاع |
بعثت العيس تسرع بالفيافي | قوائمها المقومة السراع |
إلى ملك يدين المال منه | سماح لا يطيف به امتناع |
له القدم التي سبقت سواه | إلى العلياء والشرف اليفاع |
مقدم كل ذي قدم ومجد | وطال له على الأبواع باع |
مجير حين لا يرجى مجير | ومسطيع لما لا يستطاع |
كريم في مواقع راحتيه | ينال الري والشبع الجياع |
يحوط ودائع الأسرار منه | بصدر فيه إن ضاقوا اتساع |
إذا التفت أضالعه عليه | فليس عليه للأذن اطلاع |
وثقت بجعفر في كل خطب | فلا هلك يخاف ولا ضياع |
بسيفك نجعة من كل عاص | وللفقراء من يدك انتجاع |
فأرض الشام خصب بعد جدب | لها من بعد فرقتها اجتماع |
وقال يمدحه أيضا كما في الأوراق من قصيدة:
أرى بارقا نحو الحجاز تطلعا | تحدر في شرقيها وترفعا |
أمات وأحيا أنفسا بوميضه | سقى الله مغناه وإن كان بلقعا |
ويا حسرة أدت إلى القلب لوعة | فلم أستطع للهم إذ جاش مدفعا |
حبيب دنا حتى إذا ما تطلعت | إلى قربه الأعناق بان فودعا |
ولم أر مثلينا غداة فراقنا | مودع ألف لم يمت ومودعا |
وما زالت الأيام تدخل بيننا | وتجذب حبل الوصل حتى تقطعا |
سأرتاد للحاجات عيسا شملة | تغول حبالا عند شد وانسعا |
وليس لها من مقصد دون جعفر | وإن لقيت عذبا رواء ومربعا |
هو الغيث من أي الوجوه انتجعته | وجدت جنابا مستطابا ومشرعا |
فلا سعة الأموال تبلغ جوده | ولا ضيقها ينهاه إن يتوسعا |
وما زال يتلو والدا بعد والد | إلى غاية خفاضة من ترفعا |
ويتعب في حمل المكارم نفسه | ولو شاء كان المستريح المودعا |
وما وجد المداح حين تخيروا | لمدحهم إلا أبا الفضل موضعا |
وقال يمدح جعفر بن يحيى كما في الأوراق من قصيدة:
أسعد فؤادا دائم الخفق | وكفاك ما ألقى من العشق |
ضحكت سليمى عن لمى برد | متهلل كتهلل البرق |
يا من تقدمه الملوك إذا | رفعت أسنتها إلى السبق |
كم من يد لك فضل نعمتها | متقسم جار على الخلق |
لم يعر من معروفها أحد | يبغي الندى في الغرب والشرق |
أصلحت أمر الشام محتبسا | ورتقت ما فيها من الفتق |
ما كان يدرك بالقتال ولا | بالمال ما أدركت بالرفق |
ما زلت تدحض كل باطلة | حتى أقمتهم على الحق |
أدركت ما فات الملوك فما | بلغوك في فتق ولا رتق |
كانوا أرقاء الطغاة فقد | أعتقتهم من ذلك الرق |
أطفأت نيران الطغاة وقد | ذل التقي وعز ذو الفسق |
ما بين رأيك إذ تقسمه | فرقا وبين الموت من فرق |
وقال أيضا كما في الأوراق من قصيدة:
يا بارقا حلب البليخ غمامه | لا زال منك على البليخ سجال |
كم ليلة بك لا أراعي نجمها | قصرت وأردية الظلام طوال |
فكان فار المسك يفتق ريحه | في روضك الغدوات والآصال |
ولرب لابسة قناع تحية | حوراء تخطب حسنها الآمال |
يصف القضيب على الكثيب قوامها | ولها من البدر المنير مثال |
كست الحوادث طرفها ولسانها | خمرا وماء شبابها مختال |
سبق القضاء بكل ما هو كائن | فليجهد المتصرف المحتال |
إن الجنوب تهيجني نفحاتها | ويحن قلبي إن تهب شمال |
لا تطلبن العذر مني ظالما | فبكاء مثلي في الرسوم ضلال |
وقال في جعفر بن يحيى كما في الأوراق:
أبا الشام تبكي من بنجد منازله | وتندب ربعا قد تفرق آهله |
تميل إلى من لا يباليك إن نأى | وأنت إليه هائم القلب مائله |
إذا مازج الشيب الشباب تجهزت | إلى الحلم أفراس الصبا ورواحله |
ولا عيش إلا والصبا قائد له | فقل في لياليه الذي أنت قائله |
أتى الله أرض الشام بالأمن فانجلت | ضبابة خوف قد أربت غياطله |
أتاها ابن يحيى جعفر فكأنما | أتاها ربيع قد تعرم وابله |
ولم يبق سهل في قرى الشام كلها | ولا جبل إلا اطمأنت زلازله |
له عزمات يفلق الصخر وقعها | وحلم أصيل ليس حلم يعادله |
فقل للرضا هارون خير خليفة | فما فاق عاصيه، ولا خاب آمله |
نظرت لأهل الشام لما تعاظمت | ظلامتهم حتى علا الحق باطله |
فوليت من لا يملأ القول قلبه | إذا اختلجت نفس الجبان بلابله |
تكاد قلوب الناس تخلي صدورهم | إذا علقت بالمشرفي أنامله |
تمنى ابن أيلول منى حال دونها | تيقظ قوم مدرك من يحاوله |
تلبس أثواب الظلام لظلمه | ولم يدر إن الله ذا الطول خاذله |
فسدت عليه وجه كل محجة | رماح ابن يحيى جعفر ومناصله |
وأصبح مخذولا بدار مذلة | تراسل أطراف السيوف مقاتله |
وقال يمدحه أيضا كما في الأوراق:
أنخت ركاب الجهل بعد كلال | وأدبر عني باطلي وضلالي |
فان يخل درعي من مراحي فربما | بسطت يميني في الصبا وشمالي |
بألف ظباء طائعات لامرتي | وعهد شباب ذائع وجمال |
إذا هن حاولن القيام تعذبت | خصور بأرداف لهن ثقال |
الأرب ليل قد حسرت قناعه | وقد لف بيني ثوبه برحال |
إلى مك لا يبلغ المدح قدره | ولو أيد المثني بكل مقال |
أمنت من الأيام لما تعلقت | حبال ابن يحيى جعفر بحبالي |
إذا حل محتاج بجانب جعفر | كفته بوادي الجود كل نزال |
وتقسم طرفا في الورى لحظاته | برفع رجال أو بحط رجال |
ويخطب أياما فيغلي مهورها | وأثمان أيام الكرام غوالي |
أخذت بأسباب الغنى حين جررت | بباب ابن يحيى البرمكي جمالي |
وقال يمدحه أيضا من قصيدة كما في الأوراق:
يا دار سعدى ما لربعك خاشعا | حل البلى بطولها فأحالها |
لا زالت الأنواء وهي غزيرة | تسقي بلادك سهلها وجبالها |
سقيا لسعدى ما ألذ حديثها | وأجل مجلسها وأنعم بالها |
أيام أجري في عنان مشيئتي | مرحا تجر غوايتي أذيالها |
يا رب قافية عقلت متونها | حتى إذا اطردت حللت عقالها |
فمضت كان متونها هندية | كالبرق أخلصت القيون صقالها |
ما مد يحيى كفه لكريمة | بعدت على الآمال إلا نالها |
ملك لو إن الراسيات بحلمه | وزنت شوامخها إذا لأشالها |
الحلم يملكه لدى سطواته | والجود يملك كفه ونوالها |
لا يلتوي صدر الأمور ووردها | أبدا إذا ما البرمكي أجالها |
وقال يمدح محمد بن جميل كما في الأوراق:
لعمري لقد لامت سعاد على الهوى | ولست الذي يصغي للأمة لائم |
دعيني ولذاتي أطعها فإنني | أبادر باللذات شيب المقادم |
دعيني أكن إن غير الشيب لمتي | على ماضيات في الصبا غير نادم |
يذكرني نجدا وطيب عراصها | على ظما برد الرياح النواسم |
ومفتولة الأعضاد تدمى أنوفها | تثني المباني في رؤوس المخارم |
فيطوين بالأيدي مناشر أرجل | ويبسطن أثوابا بنسخ المناسم |
وكم خبطت من فحمة لدجنة | وجمرة وهاج من الصيف جاحم |
إلى ابن جميل أفنت السير بالسرى | سراعا وأفناها دوام الديامم |
أناخت بممنوع الحمى واسع الجدى | صبور على عض السنون اللوازم |
يسوس إذا ساس الأمور بمحصد | من الرأي حلال عقود العزائم |
كفى ابن جميل أنه غير راقد | عن المكرمات والأمور الجسائم |
ينام غرارا راعيا لأموره | وأكثر ما يطوي الدجى غير نائم |
إذا ذكر المثنون يومي محمد | رأيت ابتهاجا في وجوه البراجم |
تسامت بأعناق طوال وأعين | إلى الفضل أيام العلى والمكارم |
وقال يمدحه من أبيات أيضا كما في الأوراق:
محمد خير آل مر | في حادث والدهر والقديم |
لو حل بين النجوم حي | من عزه حل في النجوم |
ما بلغت وائل وقيس | بسيد منهم عظيم |
ما بلغت في ذرى المعالي | بابن جميل بنو تميم |
وقال يمدح جعفر بن يحيى ويصف كاتبه انس بن أبي شيخ من قصيد كما في الأوراق:
أجد له الهوى سقما | وضمن قلبه ألما |
بنفسي من محاسنه | تجد لقلبي السقما |
وأبهى الناس سالفة | ومبتسما وملتزما |
وأحسن من يرى عينا | وجيدا واضحا وفما |
كان محاسن الدنيا | تبسم إن هو ابتسما |
أشبهه وأظلمه | إذا شبهته الصنما |
رحلنا اليعملات ولم | نهب خفضا ولا أكما |
إلى ملك أنامله | تميت الهم والعدما |
أتى البلد الشامي في | لباس الحرب مستلما |
فكان بغير حكم | الأشعري هناك ما حكما |
أذاق الموت أقواما | بظلمهم وما ظلما |
وقوما ألبستهم راحتاه | العفو والنعما |
بسيف يخفض النجوى | وجود يرفع الهمما |
أمات اللؤم نائله | وأحيا الجود والكرما |
وما حفظ الحقوق كجعفر | أحد ولا الذمما |
ولا أخطت سحائب | جوده عربا ولا عجما |
يقدم جعفر أنسا | على أصحابه قحما |
وحق له يقدمه | على رغم الذي رغما |
إذا أخذت أنامله | تبين فضله القلما |
وحسبك من عليم | ينتقي الألفاظ والكلما |
تطأطأ كل مرتفع | من الكتاب إذ نجما |
وأصبح كل ذي علم | يرى انسا به علما |
سريع في تيقنه | يضئ برأيه الظلما |
ووقاف لدى شبه | يقول بقدر ما علما |
وقال يمدحه أيضا من قصيدة كما في الأوراق:
بأكناف الحجاز هوى دفين | يؤرقني إذا هدت العيون |
أحن إلى الحجاز حنين إلف | قرين الحب فارقه القرين |
وظاعنة بقلبك يوم ولت | لها بشر يلين ولا تلين |
إليك خبطن أرض العدو عشقا | وأنت لكل خابطة ضمين |
وما بعدت بلاد أنت فيها | ولا كذبت مؤملك الظنون |
وما نال الغنى من لم تنله | شمال من عطائك أو يمين |
إذا غاب ابن يحيى عن بلاد | فليس على الزمان بها معين |
يقيه لدى الحروب حسام حتف | أعارته جسارتها المنون |
يهين المال أقوام كرام | ومال الباخلين لهم مهين |
وما يفنى الكريم فناء مال | ولا يبقى لما بقي الضنين |
وقال يمدح محمد بن منصور كما في الأوراق:
حي طيفا أتاك بعد المنام | يتخطى إليك هول الظلام |
حيه إذا أتاك بالرقة البيضا | ء يسري من البلاد الحرام |
جاز بطن العقيق نحو سكارى | من عقار المسير صرعى نيام |
هجعوا عند أينق ثم لفوا | ثني كف بفضل ثني زمام |
لمت الشعث من سعاد ومنا | رسل بيننا من الأحلام |
بخلت بالسلام عنا وجادت | بهواها وطيفها في المنام |
إن كفي محمد لتجودا | ن على مجتدبه جود الغمام |
من يضع رجله بباب ابن منصور | يضعه بباب أبيض سامي |
ملك لا يزال أول معدو | د إذا ما ابتدي بعد الكرام |
جاعل ماله برغم الأعادي | جنة بينه وبين الملام |
يسبق الوعد بالنوال كما يسـ | ـبق برق الغيوث صوب الغمام |
وقال يمدح جعفر بن يحيى كما في الأوراق:
عجبت لما رأتني | أندب الربع المحيلا |
واقفا في الدار أبكي | لا أرى إلا طلولا |
جعل الشوق لعيـ=ـني | إلى الدمع سبيلا |
إنما أبكي ظباء | كن بالأمس حلولا |
ثم أضحوا تسحب الريـ | ـح بمغناهم ذيولا |
كلما قلت اطمأنت | دارهم قالوا الرحيلا |
ما أرى الأيام تبقيـ | ـن على حال خليلا |
ليتها إذ حرمتنا | وعدت وعدا جميلا |
وجهها يحكي لنا الشـ | ـمس وفوها السلسبيلا |
رب خرق قد تعسـ | ـفت له ميلا فميلا |
طالبا من آل يحيى | ملكا يعطي الجزيلا |
ملكا ألبس حسنا | وجلالا وقبولا |
وقال يتشوق بغداد كما في الأوراق:
ألا ليت حيا بالعراق عهدتهم | ذوي غبطة في عيشهم وليان |
يرون دموعي حين يشتمل الدجى | علي وما ألقى من الحدثان |
إذا لرأوا جسما أضر به الهوى | وعين معنى جمة الهملان |
بعدت وبيت الله ممن تحبه | هواك عراقي وأنت يماني |
إذا ذكرت بغداد لي فكأنما | تحرك في قلبي شباة سنان |
وقال يفتخر بقيس ويصف الدنيا كما في الأوراق:
أرى الدهر يعطي مرة ويسوف | ويتلف أموالا مرارا ويخلف |
نحن إلى الدنيا ونأمن غشها | وفيها لنا يوم من الشر متلف |
إذا اكتحلت عين امرئ بجمالها | أضاء لها منه جمال مزخرف |
على أنها مشغوفة وهي فارك | لعشاقها ظلامة ليس تنصف |
إذا افتخرت قيس على الناس أشرفت | بأيامها هامات من يتشرف |
سيوف لها في يوم بدر وقائع | ويوم حنين والقنا يتقصف |
لقيس حلوم يمطر البر غيمها | تعود على من عق منها وتخلف |
وقال يرثي محمد بن المنصور بن زياد كما في الأوراق:
أنعى فتى الجود إلى الجود | ما مثل من أنعى بموجود |
أنعى فتى أصبح معروفه | منتشرا في البيض والسود |
أنعى فتى مص الثرى بعده | بقية الماء من العود |
قد ثلم الدهر به ثلمة | جانبها ليس بمسدود |
أنعي فتى كان ومعروفه | يملأ ما بين ذرى البيد |
فأصبحا بعد تساميهما | قد جمعا في بطن ملحود |
اليوم نخشى عثرات الندى | وسطوة البخل على الجود |
من لم يكن سائله ممسكا | منه بأذناب المواعيد |
وكل مفقود عدلنا به | وإن تغالى غير مفقود |
وقال لأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي في علته كما عن الأوراق:
كيف أمسيت من شكاتك لا زلـ | ـت معافى ممتعا بالسلامة |
يا ابن خال النبي أصبحت للمنـ | ـعم نعمى وللكريم كرامة |
ويزيد أبوك كان على الأعـ | ـداء سيفا تقوم فيه القيامة |
نال معروفك العراقين والشا | م وتجدا ويثربا واليمامة |
ووردنا منه حياضا رواء | ورأينا آثاره بتهامة |
وقال كما في مجموعة الأمثال:
مدحناهم فلم ندرك بمدح | مآثرهم ولم نترك مقالا |
وله كما في المجموعة:
مذ غاب عني فما أرى حسنا | يأنس إلا بذكره الحسن |
لولا رجاء الإياب لانصدعت | قلوبنا بعده من الحزن |
وله كما في المجموعة:
مكارم ألبست أثوباها | كل جديد غيرها بالي |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 447
أشجع السلمي الشاعر أشجع بن عمرو السلمي من ولد الشريد بن مطرود، ربي ونشأ بالبصرة ثم خرج إلى الرقة والرشيد بها، فمدح البرامكة وانقطع إلى جعفر خاصة وأصفاه مدحه، ووصله الرشيد وأعجبه وأثرت حاله في أيامه وتقدم عنده، وهو القائل يصف الخمر:
ولقد طعنت الليل في أعجازه | والكأس بين غطارف كالأنجم |
يتمايلون على النعيم كأنه | قضب من الهندي لم تتثلم |
والليل ملتحف بفضل ردائه | قد كاد يحسر عن أغر أرثم |
فإذا أدارتها الأكف رأيتها | تثني الفصيح إلى لسان أعجم |
وعلى بنان مديرها عقيانة | من كسبها وعلى فضول المعصم |
تغلي إذا ما الشعريان تلظتا | صيفا وتسكن في طلوع المرزم |
ولها سكون في الإناء وتارة | شغب تطوح بالكمي المعلم |
تعطي على الظلم الفتى بقيادها | قسرا وتظلمه إذا لم يظلم |
قصر عليه تحية وسلام | نثرت عليه جمالها الأيام |
فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت | للملك فيه سلامة وسلام |
قصر سقوف المزن دون سقوفه | فيه لإعلام الهدى أعلام |
نشرت عليه الأرض كسوتها التي | نسج الربيع وزخرف الأرهام |
أدنتك من ظل النبي وصية | وقرابة وشجت بها الأرحام |
برقت سماؤك في العدو فأمطرت | هاما لها ظل السيوف غمام |
وإذا سيوفك صافحت هام العدى | طارت لهن عن الرؤوس الهام |
تثني على أيامك الأيام | الشاهدان الحل والإحرام |
وعلى عدوك يا ابن عم محمد | رصدان: ضوء الصبح والإظلام |
فإذا تنبه رعته وإذا غفا | سلت عليه سيوفك الأحلام |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 9- ص: 0