أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام
ثاني أئمة أهل البيت الطاهر وأول السبطين سيدي شباب أهل الجنة ريحانتي المصطفى واحد الخمسة أصحاب العبا. أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين.
مولده الشريف
ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان على الصحيح المشهور بين الخاصة والعامة وقيل في شعبان ولعله اشتباه بمولد أخيه الحسين (ع) سنة ثلاث أو اثنتين من الهجرة وقيل غير ذلك ولكن المشهور الأثبت أحد هذين. وهو أول أولاد علي وفاطمة (ع) روى الكليني في الكافي عن الصادق (ع) انه كان بين الحسن والحسين (ع) طهر واحد وكان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشر فالعشر هي أقل الطهر والستة الأشهر مدة الحمل، وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره انه كان بينهما طهر واحد وان الحسين (ع) كان في بطن أمه ستة أشهر ولكن ينافي ذلك ما ذكروه في تاريخ ولادتهما من أن الحسن (ع) ولد منتصف شهر رمضان سنة ثلاث أو اثنتين والحسين (ع) لخمس خلون من شعبان سنة أربع أو ثلاث فيكون بين ميلاديهما عشرة أشهر وعشرون يوما وهو الذي اعتمده ابن شهراشوب في المناقب وإذا كان ميلاد الحسن (ع) سنة اثنتين والحسين (ع) سنة أربع يكون بين ميلاديهما سنة وعشرة أشهر وعشرون يوما وهو قريب مما حكي عن قتادة من أن بين ولادتيهما سنة وعشرة أشهر فالظاهر أنه وقع اشتباه في نسبة الولادة لستة أشهر إلى الحسين (ع) وإنما هي للحسن (ع) فالراوي سمع أن بين ولادة الحسن والحمل بالحسين طهر واحد وان الحسن ولد لستة أشهر فنسي ونسبه إلى الحسين أو وقع الاشتباه من الرواة بين الاسمين لتقارب الحروف خصوصا في الخط القديم الذي هو بغير نقط فرتب على هذا الاشتباه أن بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشرا ونسب ذلك إلى الصادق (ع) ملفقا من روايتين أحداهما أن بين الحمل والولادة طهر واحد هي صواب والثانية أن الحسين ولد لستة أشهر وهو اشتباه وإنما هو للحسن والله أعلم وعن الواقدي أن بين ولادة الحسن والحمل بالحسين خمسين ليلة. فلما ولد الحسن قالت فاطمة لعلي سمه فقال ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاخرج إليه فقال: اللهم إني أعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وفي أسد الغابة عن أبي احمد العسكري سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسنا ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية. وروى الكليني بسنده عن الصادق (ع) قال عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بيده وقال بسم الله عقيقة عن الحسن وقال اللهم عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله وفي رواية عق عنه بكبشين أملحين. ولعل الرواية انه عق عن الحسن والحسين بكبشين أملحين كما في طبقات ابن سعد من أنه عق عنهما بكبشين فوقع اشتباه في النقل، وأعطى القابلة فخذا ودينارا وحلق رأسه وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة فكان وزنه درهما وشيئا وقيل بل أمر أمه أن تفعل ذلك قال ابن الصباغ فصارت العقيقة والتصدق بوزن الشعر سنة مستمرة عند العلماء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حق الحسن وطلى رأسه بالخلوق وقال الدم فعل الجاهلية، وفي أسد الغابة بسنده عن أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب إنها قالت يا رسول الله رأيت كان عضوا من أعضائك في بيتي قال خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعينه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم.
كنيته
أبو محمد لا غير كناه به النبي صلى الله عليه وسلم كما في أسد الغابة عن أبي احمد العسكري.
لقبه
أشهر ألقابه: التقي والزكي والسبط
نقش خاتمه
في الفصول المهمة: {العزة لله وحده} وفي الوافي وغيره عن الرضا (ع) العزة لله وفي عنوان المعارف للصاحب بن عباد (الله أكبر وبه أستعين) وفي الوافي وغيره عن الصادق (ع) أن نقش خاتم الحسن والحسين (ع) (حسبي الله).
بوابه
سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ملك عصره معاوية
أولاده
كان له خمسة عشر ولدا ما بين ذكر وأنثى وهم: زيد، أم الحسن، أم الحسين، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية. الحسن، أمه خولة بنت منضور الفزارية. عمر. القاسم عبد الله، أمهم أم أولد. عبد الرحمن، أمه أم ولد. الحسين الملقب بالأثرم. طلحة، فاطمة أمهم أم اسحق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي. أم عبد الله. فاطمة. أم سلمة. رقية، لأمهات شتى ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد.
صفته (ع) في خلقه وحليته
عن الغزالي في الإحياء والمكي في قوت القلوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن (ع) اشبهت خلقي وخلقي. (وقال المفيد) في الإرشاد كان الحسن (ع) أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وهيأة وهديا وسؤددا. وفي أسد الغابة بسنده عن انس بن مالك لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي وروى البغوي الحسين بن مسعود في كتابه مصابيح السنة عن انس بن مالك مثله وزاد: وقال في الحسين أيضا كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم أقول قال ذلك انس لما رأى رأس الحسين (ع) بين يدي ابن زياد. والجمع بين الحديثين يقتضي أن يكون الحسن أشبه الناس به ما عدا الحسين، والحسين أشبه به ما عدا الحسن وحاصله انه لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم منهما (ع) وقد يجمع بينهما بما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن علي (ع) أنه قال الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه ما أسفل من ذلك ويمكن أن يجمع بينهما بان الحسن كان في حياته أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين ومن جميع الناس وبعد وفاة الحسن (ع) صار الحسين (ع) أشبه بجده من بقية الناس وحاصله أن الحسين أشبه به صلى الله عليه وسلم بعد الحسن ولكن قد ينافي ذلك ما حكي عن الزهراء (ع) إنها كانت ترق صلى الله عليه وسلم الحسن (ع) وتقول:
أشبه أباك يا حسن | واخلع عن الحق الرسن |
وأعبد إلها ذا منن | ولا توال ذا الإحن |
وقالت للحسين (ع):
أنت شبيه بأبي | لست شبيها بعلي |
مع إمكان الجمع أيضا بإرادة الشبه من بعض الجهات دون بعض لا عموم الشبه من جميع الوجوه والله أعلم. وكيف كان فمما جاء في صفته (ع) ما رواه غير واحد من العلماء منهم ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة مرفوعا إلى أحمد بن محمد بن أيوب المقبري وغيره قالوا: كان الحسن (ع) أبيض اللون مشربا بحمرة أدعج العينين سهل الخدين دقيق المسربة كث اللحية ذا وفرة كان عنقه بريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير مليحا من أحسن الناس وجها وكان يخضب بالسواد وكان جعد الشعر حسن البدن وقال ابن سعد: كان الحسن والحسين يخضبان بالسواد.
صفته في أخلاقه وأطواره
ذكر غير واحد من العلماء أن الحسن (ع) كان من أوسع الناس صدرا وأسجحهم خلقا. وقال المدائني: كان الحسن (ع) أكبر ولد علي وكان سيدا سخيا حليما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه.
وروى الصدوق في الأمالي بإسناده عن الصادق عن أبيه عن جده (ع) أن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم وكان إذا حج حج ماشيا وربما مشى حافيا، ولا يمر في شيء من أحواله إلا ذكر الله سبحانه وكان أصدق الناس لهجة وأفصحهم منطقا وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول إلهي ضيفك ببابك يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم. وعن الزبير بن بكار في كتاب انساب قريش. روت زينب بنت أبي رافع قالت أتت فاطمة (ع) بابنيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه التي توفي فيها فقالت يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا فقال أما حسن فان له هيبتي وسؤددي وأماحسين فان له جرأتى وجودي. قال الطبرسي في إعلام الورى: ويصدق هذا الخبر ما رواه محمد بن إسحاق قال: ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغ الحسن بن علي كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر أحد من خلق الله إجلالا له فإذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس قال الراوي: ولقد رأيته في طريق مكة نزل عن راحلته فمشى فما من خلق الله أحدك إلا نزل ومشى حتى رأيت سعد بن أبي وقاص قد نزل ومشى إلى جنبه. وعن واصل بن عطاء: كان الحسن بن علي (ع) عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك. قال المفيد في الإرشاد: كان الحسن بن علي وصي أبيه أمير المؤمنين (ع) ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته وكتب إليه عهدا مشهورا ووصية ظاهرة في معالم الدين وعيون الحكمة والآداب وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفقهاء.
فضائل الحسن والحسين
عليه السلام
(أما شرف النسب) فكفاهما أن جدهما محمد المصطفى سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وأبوهما علي المرتضى سيد الأوصياء وأمهما فاطمة البضعة الزهراء سيدة النساء. وجدتهما خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما وأول امرأة بذلت أموالها في سبيل الله وأعانت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهدها على تبليغ رسالته وخففت من آلامه لاذى قومه.
وعمهما جعفر وعم أبيهما حمزة أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وسيد الشهداء وجدهما أبو طالب ناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمدافع عنه والمتحمل الأذى في سبيله. وجد أبيهما عبد المطلب شيبة الحمد وسيد البطحاء. وجد جدهما هاشم مطعم الحجيج وهاشم الثريد وسيد قريش:
شرف تورث كابرا عن كابر | كالرمح انبوبا على أنبوب |
خير الفروع فروعهم | وأصولهم خير الأصول |
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب فكانت ذريته صلى الله عليه وسلم منحصرة في الحسن والحسين وأبنائهما.
وروى النسائي في الخصائص وابن عبد البر في الاستيعاب بالإسناد عن أبي سعيد الخدري في حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وروى النسائي بسنده عن انس بن مالك قال: دخلت أو ربما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين ينقلبان على بطنه ويقول ريحانتاي من هذه الأمة. وفي أسد الغابة باسناده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم
{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} في بيت أم سلمة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله، قال أنت على مكانك أنت إلى خير.
وبإسناده عن زيد بن أرقم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
شدة حب النبي صلى الله عليه وسلم لهما
ووجوب محبتهما على كل واحد وان حبهما حب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وان بغضهما بغضه
قال المفيد في الإرشاد وكانا حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جميع له وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن انس بن مالك سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك أحب إليك قال الحسن والحسين وكان يقول لفاطمة ادعي لي ابني فيشمهما ويضمهما إليه.
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن والحسين (ع) وهما على وركيه "هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم أنك تعلم إني أحبهما فأحبهما" ورواه في أسد الغابة بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وفي الاستيعاب: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال في الحسن والحسين "اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما" وفي الإصابة وعند احمد من طريق عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال "من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني" وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله ادخله الجنة ومن أبغضهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله ومن أبغضه الله ادخله النار". وروى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت عن زيد بن أرقم كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده فمرت فاطمة صلى الله عليه وسلم خارجة من بيتها إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها الحسن والحسين (ع) ثم تبعها علي (ع) فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلي فقال: "من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغض هؤلاء فقد أبغضني". وعن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم. وعن أسلم رأيت الحسن والحسين على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نعم الفرس لكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعم الفارسان هما.
وروى الترمذي والنسائي في صحيحيهما بالإسناد إلى بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
جوامع مناقبهما
روي أن الحسن والحسين (ع) مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء فاظهرا تنازعا يقول كل منهما للآخر أنت لا تحسن الوضوء وقالا أيها الشيخ كن حكما بيننا فتوضأ وقالا أينا يحسن الوضوء فقال الشيخ كلاكما تحسنان الوضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يحسن وقد تعلم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما.
وقال مدرك بن زياد لابن عباس وقد أمسك للحسن ثم للحسين بالركاب وسوى عليهما ثيابهما: أنت أسن منهما تمسك لهما بالركاب؟ فقال وما تدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوليس مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما. وفي تذكرة الخواص في إفراد البخاري عن ابن عباس: كان رسول الله يعوذ الحسن والحسين فيقول "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" ويقول "إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بها إسماعيل واسحق".
مناقب الحسن (ع) شدة محبة النبي صلى الله عليه وسلم له
في تذكرة الخوا صلى الله عليه وسلم روى أحمد بن حنبل في المسند بسنده عن البراء بن عازب: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن على عاتقه وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه متفق عليه وفي رواية فأحب من يحبه. ورواه أبو نعيم في الحلية بسنده عن البراء إلا أنه قال من أحبني فليحبه. وروى أحمد بن حنبل بسنده عن أبي هريرة في حديث فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فجلس بفناء بيت فاطمة ع. إلى أن قال فجاء الحسن يشتد حتى عانقه وقبله وقال اللهم أحبه وأحب من يحبه متفق عليه. وعن كتاب بشارة المصطفى عن يعلى بن مرة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد دعي إلى طعام فإذا الحسن (ع) يلعب في الطريق فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أما م القوم ثم بسط يده فجعل يمر مرة هاهنا ومرة هاهنا يضاحكه حتى أخذه فجعل إحدى يديه في رقبته والاخرى على رأسه ثم اعتنقه فقبله ثم قال حسن مني وأنا منه أحب الله من أحبه.
سخاء الحسن
عليه السلام
روى أبو نعيم في الحلية أن الحسن بن علي (ع) قاسم الله ماله نصفين (وبسنده) خرج الحسن بن علي من ماله مرتين وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات حتى أن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفا ويمسك خفا. وذكر مثله محمد بن حبيب في أما ليه. وذكر ابن سعد في الطبقات انه قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى كان يعطي نعلا ويمسك نعلا وخرج من ماله لله تعالى مرتين. وفي شرح النهج روى أبو جعفر محمد بن حبيب في أما ليه أن الحسن (ع) أعطى شاعرا فقال له رجل من جلسائه سبحان الله أتعطي شاعرا يعصى الرحمن ويقول البهتان فقال يا عبد الله أن خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك وان من ابتغاء الخير اتقاء الشر. وروى ابن شهراشوب في المناقب أن رجلا سأله فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وقال ائت بحمال يحمل لك فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه وقال هذا كرى الحمال. وجاءه بعض الأعراب فقال أعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعها إليه فقال الإعرابي يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وانشر مدحتي فانشأ الحسن (ع) يقول: نحن أناس نوالنا خضل "الأبيات الآتية". وروى المدائني قال خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجا ففاتتهم إثقالهم فجاعوا وعطشوا فرأوا عجوزا في خباء فاستسقوها فقالت هذه الشويهة احلبوها وامتذقوا لبنها ففعلوا واستطعموها فقالت ليس إلا هذه الشاة فليذبحها أحدكم فذبحها أحدهم وكشطها ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا وقالوا عندها فلما نهضوا قالوا نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا عدنا فألمي بنا فأنا صانعون بك خيرا ثم رحلوا فلما جاء زوجها أخبرته فقال ويحك تذبحين شأتى لقوم لا تعرفينهم ثم تقولين نفر من قريش ثم مضت الأيام فأضرت بها الحال فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فرآها الحسن (ع) فعرفها فقال لها أتعرفينني قالت لا قال أنا ضيفك يوم كذا وكذا فأمر لها بألف شاة وألف دينار وبعث معها رسولا إلى الحسين (ع) فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبد الله بن جعفر فأعطاها مثل ذلك.
تواضعه
عليه السلام
حكى ابن شهراشوب في المناقب عن كتاب الفنون وكتاب نزهة الأبصار أن الحسن (ع) مر على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الأرض وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها فقالوا له هلم يا ابن بنت رسول الله إلى الغداء فنزل وقال فان الله لا يحب المتكبرين وجعل يأكل معهم ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم.
أخباره
إرسال علي ابنه الحسن (ع) إلى الكوفة قبل حرب الجمل
لما خرج أمير المؤمنين (ع) إلى العراق في اثر أصحاب الجمل ووصل إلى الربذة بعث عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري إلى الكوفة لما بلغه أن أبا موسى يخذل لها عن اللحاق به وكان واليا عليها من قبل عثمان فاقره علي فأبطأ عليه الرجلان قال أبو مخنف فلما أبطا ابن عباس وابن أبي بكر عن علي ولم يدر ما صنعا رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها وبعث إلى الكوفة الحسن ابنه وعمار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد بن عبادة ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة فاقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرأوا كتاب علي (ع).
خطبة الحسن (ع) بالكوفة
قال أبو مخنف: لما دخل الحسن وعمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس فحمد الله وصلى على رسوله ثم قال:
أيها الناس أنا جئنا ندعوكم إلى الله والى كتابه وسنة رسوله والى أفقه من تفقه من المسلمين واعدل من تعدلون وأفضل من تفضلون وأوفى من تبايعون من لم يعيه القرآن ولم تجهله السنة ولم تقعد به السابقة إلى من قربه الله تعالى ورسوله قرابتين قرابة الدين وقرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون فقرب منه وهم متباعدون وصلى معه وهم مشركون وقاتل معه وهم منهزمون وبارز معه وهم محجمون وصدقه وهم يكذبون إلى من لم ترد له ولا تكافأ له سابقة وهو يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق ويأمركم بالمسير إليه لتؤازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ومثلوا بعماله وانتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واحضروا بما يحضر به الصالحون.
قال أبو مخنف: ولما فرع الحسن بن علي من خطبته قام بعده عمار فخطب خطبة حث فيها الناس على الخروج إلى أمير المؤمنين (ع) فلما سمع أبو موسى خطبة الحسن وعمار قام فصعد المنبر وخطب خطبة طويلة خذل فيها الناس عن علي وبالغ في ذلك فرد عليه عمار ثم جذبه فنزل عن المنبرو قال الطبري في تاريخه أن عليا (ع) أرسل ابن عباس من ذي قار إلى الكوفة فلقي أبا موسى واجتمع الرؤساء فخطبهم أبو موسى وخذلهم فرجع ابن عباس إلى علي (ع) فأخبره فدعا الحسن ابنه وعمار بن ياسر وأرسلهما إلى الكوفة فلما قدماها خرج أبو موسى فلقي الحسن (ع) فضمه إليه وقال لعمار يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين وأحللت نفسك مع الفجار قال لم افعل ولم يسؤني فقطع عليهما الحسن الكلام وقال يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا فو الله ما أردنا إلا الإصلاح وما مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء قال أبو موسى صدقت بأبي وأمي ولكن المستشار مؤتمن فغضب عمار ورد عليه فقام رجل من بني تميم ورد على عمار وثار زيد بن صوحان وطبقته فانتصروا لعمار وصعد أبو موسى المنبر فقام شبث بن ربعي ورد على زيد وقام الحسن بن علي فقال أيها الناس أجيبوا دعوة إمامكم وسيروا إلى إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينصره والله لأن يليه أولو النهى أمثل في العاجلة وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على أمرنا أصلحكم الله.
وأتت الأخبار عليا (ع) باختلاف الناس بالكوفة فقال للأشتر أنت شفعت في أبي موسى أن أقره على الكوفة فاذهب فأصلح ما أفسدت فاقبل الأشتر حتى دخل الكوفة ووصل القصر فاقتحمه وأبو موسى يخطب الناس على المنبر ويثبطهم وعمار يخاطبه والحسن يقول له اعتزل عملنا وتنح عن منبرنا لا أم لك إذ دخل غلمان أبي أبو موسى يقولون هذا الأشتر قد جاء فدخل القصر فضربنا وأخرجنا فنزل أبو موسى من المنبر.
أخباره في حرب صفين
حضر الحسن والحسين (ع) مع أبيهما حرب الجمل وصفين والنهروان ولم يكن يأذن لهما في مباشرة القتال. في نهج البلاغة: من كلام له (ع) في بعض أيام صفين وقد رأى الحسن ابنه (ع) يتسرع إلى الحرب: املكوا عني هذا الغلام لا يهدني فإني أنفس بهذين يعني الحسن والحسين (ع) على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وسلموفي هذا دلالة على أن الحسنين (ع) نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وولداه وابناه مع ما دلت عليه آية المبأهلة:
{فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} وإنما عنى الحسن والحسين وسمى الله تعالى عيسى ذرية إبراهيم (ع) في قوله ومن ذريته داود وسليمان إلى أن قال ويحيى وعيسى ف أما قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم فإنما عنى به زيد بن حارثة لأنهم كانوا يقولون إنه ابن محمد. ومن أخباره يوم صفين ما ذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال أرسل عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي (ع) أن لي إليك حاجة فالقني فلقيه الحسن (ع) فقال له عبيد الله أن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئه الناس فهل لك في خلعه وان تتولى أنت هذا الأمر فقال كلا والله لا يكون ذلك ثم قال يا ابن الخطاب والله لكأني انظر إليك قتيلا في يومك أو غدك أما أن الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق تري نساء أهل الشام موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا قال نصر فو الله ما كان إلا بياض ذلك اليوم حتى قتل عبيد الله فمر الحسن (ع) فإذا رجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن (ع) لمن معه انظروا من هذا فإذا رجل من همدان وإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب قد قتله الهمداني في أول الليل وبات عليه حتى أصبح وقول عبيد الله هذا للحسن (ع) خداع ما كان لينطلي على الحسن.
جعل علي (ع) الولاية في أوقافه للحسن ثم للحسين (ع)
جعل أمير المؤمنين على الولاية في أوقافه لابنه الحسن وبعده لأخيه الحسين ع. فقال في كتاب الوقف الذي رواه السيد الرضي في نهج البلاغة هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله فإنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفق منه بالمعروف فان حدث بحسن حدث وحسين حي قام بالأمر بعده وأصدر مصدره وان لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي واني إنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكريما لحرمته وتشريفا لوصلته.
وصايا علي لولده الحسن (ع)
كتب أمير المؤمنين لولده الحسن وصية جليلة عظيمة طويلة بعد منصرفه من صفين مذكورة في نهج البلاغة ووصاياه لابنه الحسن وله وللحسين (ع) في نهج البلاغة كثيرة.
وصية علي لولده الحسن (ع) عند وفاته
كان الحسن (ع) وصي أبيه أوصى إليه لما ضربه ابن ملجم بالوصية التي ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين فقال فيها أوصيك يا حسن وجميع ولدي الخ.
ما فعله الحسن قبيل مقتل أبيه (ع) إلى ما بعد دفنه
روى الطبري بإسناده عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لي الحسن بن علي (ع) خرجت وأبي يصلي في المسجد فقال لي يا بني إني بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان إلى أن قال قال الحسن (ع) وجاء ابن أبي الهياج فإذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتوره الرجلان فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق وأما الآخر فاثبتها في رأسه والحسن هو الذي تولى غسل أبيه والصلاة عليه وقتل عبد الرحمن بن ملجم.
وروى أبو الفرج الأصفهاني بسنده أن أمير المؤمنين (ع) لما توفي ولى غسله ابنه الحسن وعبد الله بن عباس وصلى عليه ابنه الحسن فكبر عليه خمس تكبيرات. قال أبو الفرج ف أما ابن ملجم فان الحسن بن علي بعد دفنه أمير المؤمنين دعا به وأمر بضرب عنقه فقال له أن رأيت أن تأخذ علي العهود أن ارجع إليك حتى أضع يدي في يدك بعد أن امضي إلى الشام فانظر ما صنع صاحبي بمعاوية فإن كان قتله وإلا قتلته ثم عدت إليك حتى تحكم في حكمك فقال هيهات والله لا تشرب الماء البارد حتى تلحق روحك بالنار ثم ضرب عنقه واستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه فوهبها لها فحرقتها بالنار.
خطبته بعد وفاة أبيه (ع)
وهذه الخطبة رواها الأبشيهي في كتاب المستطرف وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين ورواها الحاكم في المستدرك بسند كل من فيه سادة أشراف وبين رواياتهم تفاوت.
خطبته (ع)
برواية الأبشيهي قال أن الحسن صعد المنبر بعد وفاة أبيه فأراد الكلام فخنقته العبرة ثم نطق فقال فيما قاله:
الحمد لله ما أحببنا وكرهنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وإني احتسب عند الله عز وجل مصابي بأفضل الآباء رسول الله القائل من أصيب بمصيبة فليتسل بمصيبته في فإنها أعظم المصائب والله الذي لا إله إلا هو الذي انزل على عبده الفرقان لقد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدركه الآخرون فعند الله نحتسب ما دخل علينا وعلى جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فو الله لا أقول اليوم إلا حقا إلى أن قال وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم أراد أن يبتاع بها خادما لأهله إلا أن أمور الله تعالى تجري على أحوالها فما أحسنها من أمر الله وما أسوأها من أنفسكم إلا أن قريشا أعطت أزمتها شياطينها فقادتها بأعنتها إلى النار فمنهم من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهره الله تعالى عليه ومنهم من أسر الضغينة حتى وجد على النفاق أعوانا رفع الكتاب وجف القلم وأمور تقضي في كتاب قد خلا.
بيعته بالخلافة
فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال: معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه فاستجاب الناس فقالوا ما أحبه إلينا وأوجب حقه علينا وأحقه بالخلافة وبادروا إلى البيعة له بالخلافة. قال المفيد في الإرشاد: كانت بيعته يوم الجمعة 21 رمضان سنة 40 قال أبو الفرج: ثم نزل من المنبر فرتب العمال وأمر الأمراء ونظر في الأمور وأنفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة قال: وكان أول شيء أحدثه الحسن بن علي (ع) أنه زاد المقاتلة مائة مائة وقد كان علي (ع) أبوه فعل ذلك يوم الجمل والحسن (ع) فعله على حال الاستخلاف فتبعه الخلفاء من بعد ذلك.
قال المفيد: فلما بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين (ع) وبيعة الناس ابنه الحسن (ع) دس رجلا من حمير إلى الكوفة ورجلا من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا على الحسن الأمور فعرف ذلك الحسن فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة فاخرج وأمر بضرب عنقه وكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فاخرج وضربت عنقه.
المكاتبة بين الحسن وابن عباس ومعاوية
وكتب الحسن إلى معاوية أما بعد فإنك دسست إلي الرجال كأنك تحب اللقاء لا أشك في ذلك فتوقعه أن شاء الله وبلغني أنك شمت بما لم يشمت به ذو الحجى وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:
فانا ومن قد مات منا لكالذي | يروح فيمسي في المبيت ليغتدي |
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى | تجهز لأخرى مثلها فكأن قد |
فأجابه معاوية: أما بعد فقد وصل كتابك وفهمت ما ذكرت فيه ولقد علمت بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس وإن عليا أباك لكما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وأنت الجواد وأنت الذي | إذا ما القلوب ملأن الصدورا |
جدير بطعنة يوم اللقاء | يضرب منها النساء النحورا |
وما مزبد من خليخ البحار | يعلو الآكام ويعلو الجسورا |
بأجود منه بما عنده | يعطي الألوف ويعطي البدورا |
قال أبو الفرج وكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية: أما بعد فإنك ودسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية يعني ابن الأشكر:
لعمرك إني والخزاعي طارقا | كنعجة غار حتفها تتحفز |
أثارت عليها شفرة بكراعها | فظلت بها من آخر الليل تنحر |
شمت بقوم من صديقك هلكوا | أصابهم يوم من الدهر اصفر |
فأجابه معاوية: أما بعد فان الحسن كتب إلي بنحو ما كتبت به وإنك لم تصب مثلكم ومثلي ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر:
فو الله ما أدري واني لصادق | إلى أي من يضطنني أتعذر |
أعنف أن كانت زنيبة أهلكت | ونال بني لحيان شر ونفروا |
وروى المدائني أن ابن عباس كتب إلى الحسن: أما بعد فان المسلمين لوك أمرهم بعد علي (ع) فشمر للحرب وجاهد عدوك وقارب أصحابك وهو كتاب طويل وهذا وكتابه السابق إلى معاوية يدل على وجوده بالبصرة كما أن ما تقدم في خبر البيعة للحسن (ع) يدل على أنه كان حين وفاة أمير المؤمنين (ع) في الكوفة وكل ذلك ينافي ما روي أنه حمل مال البصرة وذهب إلى مكة وخالف عليا (ع) وباعده ف أما أن خبر مفارقته غير صحيح وأما أنه رجع إلى أمير المؤمنين (ع).
قال أبو الفرج: وكتب الحسن بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان مع جندب بن عبد الله الأزدي وقال المدائني أنه أرسل معه أيضا الحارث بن سويد التيمي تيم الرباب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله جل وعز بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فبلغ رسالات الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وإن حتى أظهر الله به الحق ومحق الشرك وأعز به العرب عامة وشرف به قريشا خاصة فقال تعالى وانه لذكر لك ولقومك فلما توفي صلى الله عليه وسلم تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته وأسرته فرأت العرب أن القول كما قالت قريش ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش أنصاف العرب لها فلما صرنا أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم وأولياءه إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يتلمسونه به واليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من له لا بفضل في الدين معروف ولا أثر في الإسلام محمود وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسترد فتعلم لمن عقبى الدار أن عليا رضوان الله عليه لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض ويوم من الله عليه بالإسلام ويوم يبعث حيا ولأني المسلمون الأمر بعده وإنما حملني على هذا الكتاب الأعذار فيما بيني وبين الله في أمرك ولك في ذلك أن فعلت الحظ الجسيم وللمسلمين فيه صلاح فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم إني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ ودع البغي واحقن دماء المسلمين وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. قال المدائني فقدما على معاوية فدعواه إلى بيعة الحسن فلم يجب إلى ذلك.
قال أبو الفرج: فكتب إليه معاوية من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله وذكرت تنازع المسلمين الأمر من بعده فرأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر ألفاروق وأبي عبيدة الأمين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلحاء المهاجرين والأنصار فكرهت ذلك لك فإنك أمرؤ عندنا وعند الناس غير ضنين وأنا أحب لك القول السديد والذكر الجميل أن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا قرابتكم من نبيكم ولا مكانكم من الإسلام فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها ورأى صلحاء الناس أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها سلما وأعلمها بالله وأقواها على أمر الله فاختاروا أبا بكر فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه ما عدلوا إلى غيره وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها وأبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو علمت أنك أضبط مني للرعية وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ولكن قد علمت إني أطول منك ولاية وأقدم تجربة وأكثر سياسية وأكبر سنا فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي ولك ما في بيت مال العراق وخراج أي كور العراق شئت يجيبها أمينك ويحملها إليك في كل سنة ولك أن لا يستولي عليك بالإشاءة ولا تقضي دونك الأمور ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله.
قال المدائني: أن معاوية كتب في آخر كتابه إلى الحسن (ع) فإن أباك سعى على عثمان حتى قتل مظلوما وطالب الله بدمه ومن يطلبه الله فلن يفوته ثم أبتز الأمة أمرها وفرق جماعتها فخالفه نظراؤه من أهل السابقة والجهاد والقدم في الإسلام وادعى إنهم نكثوا بيعته فقاتلهم فسفكت الدماء واستحلت الحرم ثم أقبل إلينا لا يدعي علينا بيعة ولكنه يريد أن يملكا اعتزازا فحاربناه وحاربنا ثم صارت الحرب إلى أن اختار رجلا واخترنا رجلا ليحكما بما تصلح عليه الأمة وتعود به الجماعة والألفة وأخذنا بذلك عليهما ميثاقا وعليه وعلينا مثله على الرضى بما حكما فأمضى الحكمان عليه الحكم بما علمت وخلعاه فو الله ما رضي بالحكم ولا صبر لأمر الله فكيف تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك وقد خرج عنه فانظر لنفسك ولدينك والسلام ثم قال للحارث وجندب ارجعا فليس بيني وبينكم إلا السيف. فرجعا وأقبل إلى العراق في ستين ألفا واستخلف على الشام الضحاك بن قيس الفهري.
قال جندب: فلما أتيت الحسن (ع) بكتاب معاوية قلت أن الرجل سائر إليك فابدأ بالمسير إليه حتى تقابله في أرضه وبلاده وعمله فأما أن تقدر أنه ينقاد لك فلا والله حتى يرى يوما أعظم من يوم صفين، فقال افعل.
وكتب معاوية إلى الحسن (ع): أما بعد فان الله عز وجل يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس وآيس من أن تجد فينا غميزة وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ثم الخلافة لك من بعدي فأنت أولى الناس بها والسلام. فأجابه الحسن (ع): أما بعد فقد وصل إلي كتابك فتركت جوابك خشية البغي عليك فاتبع الحق تعلم إني من له والسلام. فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة: أما بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤونة عدوكم وقتلة خليفتكم أن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأما لأنفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجدكم وجهدكم وحسن عدتكم فقد أصبتم بحمد الله الثار وبلغتم الأمل وأهلك الله أهل البغي والعدوان والسلام.
فاجتمعت العساكر إلى معاوية وسار قاصدا إلى العراق وبلغ الحسن خبر مسيره وإنه قد بلغ جسر منبج فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي الصلاة جامعة فاقبل الناس يتوثبون ويجتمعون فقال الحسن (ع) إذا رضيت جماعة الناس فاعلمني، وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال اخرج، فخرج الحسن (ع) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا أن الله مع الصابرين فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة (وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له) فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف، فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال: أنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام ألا تجيبون أمامكم وابن بنت نبيكم أين خطباء مضر المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها ثم استقبل الحسن بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد ورده وصدره قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليواف ثم مضى لوجهه فخرج عن المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر علامه أن يلحقه بما يصلحه وكان عدي بن حاتم أول الناس عسكرا وقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول فقال لهم الحسن (ع) صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل وخرج الناس فعسكروا ونشطوا للخروج وخرج الحسن (ع) إلى المعسكر واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمره باستحثاث الناس وأشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى يلتئم العسكر وسار الحسن (ع) في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيد الله بن عباس فقال له يا ابن عم إني باعث معك اثني عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر الرجل منهم يرد الكتيبة فسر بهم وألن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير بمسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فإن أنت لقيته فاحبسه حتى نأتيك في إثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك وإن فعل فقاتله فان أصبت فقيس على الناس وإن أصيب قيس فسعيد بن قيس على الناس. فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات وقرى الفلوجة حتى أتى مسكن قال المفيد استنفر الحسن (ع) الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا ومعه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم محكمة أي خوارج يؤثرون قتال معاوية بكل حيله وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وأصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين فسار حتى أتى حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب ثم بكر ونزل ساباط دون القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فقال:
الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق وأئتمنه على الوحي صلى الله عليه وسلم أما بعد فو الله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة إلا وان ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة إلا واني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا على رأيي غفر الله لي ولكن وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا. فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه فقالوا كفر والله الرجل وهذا يدل على إنهم كانوا خوارج ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء ثم دعا بفرسه فركبه وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال ادعوا لي ربيعة وهمدان فدعوا له فأطافوا به ودفعوا الناس عنه ومعهم شوب من غيرهما فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان أو سنان بن الجراح وكان قد تقدمه إلى مظلم ساباط فوقف به فلما حاذاه أخد بلجام فرسه أو بغلته وبيده مغول وهو سيف دقيق يكون غمده كالسوط فقال الله أكبر يا حسن أشركت كما أشرك أبوك من قبل وهذا يدل على أنه كان خارجيا ثم طعنه فوقعت الطعنة في فخذه فشقه حتى بلغ أربيته وهي أصل الفخذ أو ما بين أعلاه وأسفل البطن وفي رواية حتى بلغ العظم وضرب الحسن (ع) الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه فخرا جميعا إلى الأرض، وفي رواية انه غشي عليه فوثب إليه رجل من شيعة الحسن يقال له عبد الله بن خطل الطائي فنزع المغول من يده فخضخضه به واكب ظبيان بن عمارة على الجراح فقطع أنفه ثم أخذا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه حتى قتلوه، وحمل الحسن (ع) على سرير إلى المدائن فأنزل بها على سعيد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير المؤمنين (ع) بها فاقره الحسن (ع) على ذلك واشتغل الحسن بنفسه يعالج جرحه جاءه سعد بن مسعود بطبيب فقام عليه حتى برئ، هكذا ذكر المفيد وأبو الفرج. والذي ذكره الطبري وابن الأثير وسبط بن الجوزي ناقلا له عن الشعبي انه لما نزل الحسن (ع) المدائن نادى مناد في العسكر ألا أن قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا إلى سرادق الحسن فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا أقول من كانت هذه حالتهم كيف يمكر الركون إليهم والانتصار بهم قال المفيد وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن إليه عند دنوهم من عسكره وبلغ الحسن ذلك وروى الصدوق في العلل أن معاوية دس إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه أنك إذا قتلت الحسن فلك مائة ألف درهم وجند من أجناد الشام وبنت من بناتى فبلغ الحسن (ع) ذلك فاستلأم ولبس درعا وسترها وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة إلا كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة وفي الخرائج أن الحسن (ع) بعث إلى معاوية قائدا من كندة في أربعة آلاف فلما نزل الأنبار بعث إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ووعده بولاية بعض كور الشام والجزيرة فصار إليه في مائتين من خاصته ثم بعث رجلا من مراد ففعل كالأول بعد ما حلف بالإيمان التي لا تقوم لها الجبال انه لا يفعل وأخبرهم الحسن (ع) انه سيفعل كصاحبه.
(قال أبو الفرج): ثم أن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحبوبية بمسكن فاقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بإزائه فلما كان الغد بعث معاوية إلى عبيد الله أن الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلم الأمر إلي فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا وإلا دخلت وأنت تابع ولك أن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم يعجل لك في هذا الوقت النصف وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر فانسل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج وطلبوه فلم يجدوه وصلى بهم قيس بن سعد ثم خطبهم فقال: أيها الناس لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع أي الجبان أن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط أن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يقاتله ببدر فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين وان أخاه ولاه علي (ع) على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين فاشترى به الجواري وزعم أن ذلك له حلال وان هذا ولاه أيضا على اليمن فهرب من بسر بن أرطاة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع فنادى الناس الحمد لله الذي أخرجه من بينا امض بنا إلى عدونا.
قال المفيد: وورد على الحسن (ع) كتاب قيس بن سعد يخبره بما صنع عبيد الله بن العباس فازدادت بصيرته بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما اظهروا له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصته من شيعته وشيعة أبيه وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به أو تسليمه إليه فاشترط على نفسه في أجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن (ع) وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدا من أجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة فتعلق (ع) لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والأعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين فأجابه معاوية إلى ذلك. وأما قيس بن سعد بن عبادة فقال أبو الفرج إنه نهض بمن معه لقتال معاوية وخرج إليهم بسر بن أرطاة في عشرين ألفا فصاحوا بهم هذا أميركم قد بايع وهذا الحسن قد صالح فعلام تقتلون أنفسكم فقال قيس لأصحابه: اختاروا أحد اثنين أما القتال مع غير إمام أو تبايعون بيعة ظلال فقالوا بل نقاتل بلا إمام فخرجوا وضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس لا والله لا تلقاني أبدا إلا وبيني وبينك السيف والرمح وجرت بينهما مكاتبات أغلظ كل منهما فيها لصاحبه فقال عمرو بن العاص لمعاوية مهلا أن كاتبته أجابك بأشد من هذا وإن تركته دخل فيما يدخل فيه الناس فامسك عنه أقول: شتان بين عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد فهذا يسألم معاوية بعد ما ذبح بسر بن أرطاة أولاده الصغار على درج صنعاء حين أرسله معاوية ويبيع شرفه بالمال ويرضي بالذل والعار وقيس بن سعد يحلف أن لا يلقى معاوية إلا وبينه وبينه الرمح أو السيف بعد ما بلغه أن الحسن (ع) قد صالح:
أبت الحمية أن تفارق لها | وأبى العزيز بان يعيش ذليلا |
ثم انصرف قيس بمن معه إلى الكوفة وانصرف الحسن (ع). (أقول) ومما تقدم يعلم أن الحسن (ع) لم يفرط في أمر السياسة وأخذ بالحزم والتدبير فعلم بالجاسوسين اللذين أرسلهما معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (ع) وقتلهما واستحث أهل العراق وسار بمن اتبعه منهم لقتال معاوية وأرسل اثني أشر ألفا مقدمة له وأمر عليهم ابن عمه عبيد الله بن العباس وأمره بمشاورة قيس وسعيد لما يعلم من نصحهما وان إمارات الخذلان كانت بادية على أهل العراق بتثاقلهم أول الأمر حين دعاهم وإنهم لم يخرجوا إلا بعد التأنيب والتوبيخ ممن عرفت وان المخلصين منهم له كانوا أقل قليل وأكثرهم خوارج وأهل عصبية خرجوا تبعا لرؤسائهم وطمعا في النهب وانه كان يتخوف خذلان أصحابه من أول الأمر وان خطبته بالمدائن لم تكن إلا لاختبارهم وإظهار أسرارهم وانه لم يكن من الرأي أن يسير بهم على تلك الحال إذ لا يؤمن أن يسلموه إلى معاوية فلما ظهر له فساد نيات الخوارج فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله مع ما كان من فعل عبيد الله بن عباس والقائدين المرسلين بعده وما علمه من مكاتبة أصحابه معاوية وما ضمنوه له من الفتك به أو تسليمه إليه وعلم أنه لو لم يصالح لسلموه إلى معاوية ولكانت المفسدة أعظم أجاب إلى الصلح مكرها مرغما واختار أقل الضررين وأهون المفسدتين وان صلحه هذا لا يجعل لمعاوية عذرا ولا يرفع عنه وزرا بل يزيده ذما واثما. ومما يدل على ما ذكرناه ما ذكره ابن الأثير في الكامل قال لما راسل معاوية الحسن في تسليم الأمر إليه خطب فقال أنا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أما م دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم إمام دينكم إلا وقد أصبحتم بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره فأما الباكي فخاذل وأما الطالب فثائر إلا أن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة فان أردتم الموت رددناه عليه وان أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى فناداه الناس من كل جانب: البقي البقية. وما حكاه سبط بن الجوزي عن السدي أنه قال لم يصالح الحسن معاوية رغبة في الدنيا وإنما صالحه لما رأى أهل العراق يريدون الغدر به وفعلوا معه ما فعلوا فخاف منهم أن يسلموه إلى معاوية والدليل على أنه خطب بالنخيلة قبل الصلح فقال أيها الناس أن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إنما هو حق اتركه أرادة لإصلاح الأمة وحقنا لدمائها وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وقال ابن الأثير لما تم الصلح قال الحسن يا أهل العراق إنه سخي بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي.
وقال (ع) في جملة كلام له رواه الطبرسي في الاحتجاج: والله ما سلمت الأمر إلى معاوية إلا لأني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه.
ومن مجموع ما مر يعلم الوجه في صلحه (ع) وانه كان هو الرأي والصواب وسيأتي في سيرة أخيه الحسين (ع) وجه الفرق بين حالتيهما.
شروط الصلح
حكى الصدوق عن كتاب الفروق بين الأباطيل والحقوق تاليف محمد بن بحر الشيباني عن أبي بكر محمد بن الحسن بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ثنا أبو طالب زيد بن اجزم ثنا أبو داود ثنا القاسم بن فضيل ثنا يوسف بن مازن الراسبي قال: بايع الحسن بن علي معاوية على أن لا يسميه أمير المؤمنين ولا يقيم عنده شهادة وأن لا يتعقب على شيعة علي شيئا ويؤمنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه وأن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وصفين ألف ألف درهم وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد من بلاد فارس وكان فيما شرطه أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة. وقال ابن الأثير انه لم يجبه إلى الكف عن شتم علي فطلب أن لا يشتم وهو يسمع فأجابه إلى ذلك ثم لم يف له به أيضا وعاهد معاوية الحسن على ما تم بينهما من الشروط وحلف له بالوفاء وكتب بينه وبينه بذلك كتابا ثم لم يف له بشيء مما عاهده عليه. صورة كتاب الصلح بين الحسن ومعاوية
ذكره ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة. بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غائلة سوء سرا وجهرا ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق شهد عليه بذلك فلان وفلان وكفى بالله شهيدا.
قال المفيد: فلما تم الصلح سار معاوية حتى نزل النخيلة وهي معسكر الكوفة وكان ذلك يوم جمعة فصلى بالناس وخطبهم وقال أبو الفرج انه جمع الناس بالنخيلة فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها أحد من الرواة تامة وجاءت مقطعة فنذكر ما انتهى إلينا منها فقال: ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ثم انتبه فاستدرك وقال إلا هذه الأمة فإنها وانها. قال المفيد وأبو الفرج وقال في خطبته إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون إلا واني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها. وفي رواية أبي الفرج أنه قال أن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به قال أبو الفرج قال شريك في حديثه هذا هو التهتك. وقال المدائني: خطب معاوية أهل الكوفة فقال: أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون أن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة لمطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين قال أبو الفرج: لما بويع معاوية خطب فذكر عليا (ع) فنال منه ونال من الحسن (ع) فقام الحسين (ع) ليرد عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا أنا الحسن وأبي علي وأنت معاوية وأبوك صخر وأمي فاطمة وأمك هند وجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدك حرب وجدتي خديجة وجدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا والأمنا حسبا وشرنا قديما وأقدمنا كفرا ونفاقا. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين قال يحيى بن معين ونحن نقول آمين قال أبو عبيد ونحن أيضا نقول آمين قال أبو الفرج وأنا أقول آمين قال المؤلف وأنا أقول آمين.
وأقام معاوية ومن بعده من ملوك بني أمية على سب أمير المؤمنين (ع) إلا ما كان من عمر بن عبد العزيز وأخاف معاوية شيعة أمير المؤمنين وقتلهم وشردهم وهدم كثيرا من دورهم فقتل عمرو بن الحمق وحبس زوجته آمنة بنت الشريد سنتين في سجن دمشق وقتل حجر بن عدي وأصحابه بمرج عذراء وحمل عبد الله بن هاشم المرقال إليه مكبلا بالحديد من العراق إلى الشام وأما خراج دار أبجرد فقال ابن الأثير أن أهل البصرة منعوا الحسن منه وقالوا فيئنا لا نعطيه أحدا قال وكان منعهم بأمر معاوية، وقال المدائني كان الحضين بن المنذر الرقاشي يقول والله ما وفى معاوية للحسن بشيء مما أعطاه: قتل حجرا وأصحاب حجر وبايع لابنه يزيد وسم الحسن.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب سلم الأمر الحسن إلى معاوية في النصف من جمادى الأولى من سنة 41 وكل من قال أنه كان سنة أربعين فقد وهم. وفي المستدرك للحاكم كان ذلك في جمادي الأولى سنة 41.
وقيل كان ذلك لخمس بقين من ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر فعلى الأول تكون مدة خلافته الظاهرة سبعة أشهر وأربعة وعشرين يوما لأن بيعته كانت في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 وعلى الثاني تكون خلافته ستة أشهر وأربعة أيام وقيل ثلاثة أيام وقيل خمسة أيام وذلك بناء على الخلاف في تاريخ وفاة أمير المؤمنين (ع) وعلى الثالث تكون أكثر من ذلك بأيام.
معاتبة أصحاب الحسن (ع) له على الصلح واعتذاره إليهم
قال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين اجتمع إلى الحسن (ع) وجوه الشيعة وأكابر أصحاب أمير المؤمنين (ع) يلومونه ويبكون إليه جزعا مما فعله.
وقال المدائني أن معاوية لما خطب الناس بالكوفة وقال في جملة خطبته كل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين قال المسيب بن نجبة للحسن (ع) ما ينقضي عجبي منك بايعت معاوية ومعك أربعون ألفا لنفسك وثيقة وعقدا ظاهرا أعطاك أمرا فيما بينك وبينه ثم قال ما قد سمعت والله ما أراد بها غيرك قال فما ترى قال أرى أن ترجع إلى ما كنت عليه فقد نقض ما كان بينه وبينك فقال يا مسيب إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء ولا أثبت عند الحرب مني ولكني أردت صلاحكم وكف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه حتى يستريح بر ويستراح من فاجر.
قال المدائني ودخل عبيد بن عمرو الكندي على الحسن (ع) وكان ضرب على وجهه مع قيس بن سعد بن عبادة فقال ما الذي أرى بوجهك قال أصابني مع قيس فالتفت حجر بن عدي إلى الحسن وقال كل أما لا يخلو من سوء أدب حمله عليه شدة الحب ثم قال أنا رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا فتغير وجه الحسن وغمز الحسين حجرا فسكت فقال الحسن (ع) يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه رأيك وما فعلت ما فعلت إلا إبقاء عليك والله كل يوم في شأن.
بعض أخبار الحسن
عليه السلام
قال المدائني روى أبو الطفيل أن الحسن (ع) قال لمولى له أتعرف معاوية بن خديج قال نعم قال إذا رأيته فاعلمني فرآه خارجا من دار عمرو بن حريث فقال هو هذا فدعاه فقال له أنت الشاتم عليا عند ابن آكلة الأكباد أما والله لئن وردت الحوض ولا ترده لترينه مشمرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين.
قال المدائني وحدثنا سليمان بن أيوب عن الأسود بن قيس العبدي أن الحسن (ع) لقي يوما حبيب بن مسلمة فقال له يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله قال إما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك قال بلى والله ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك كفي آخرتك ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كان ذلك كما قال الله عز وجل خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولكنك كما قال الله سبحانه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
ما جرى بين الحسن (ع) وزياد ابن أبيه
ولنقدم قبل ذلك الكلام على نسب زياد واستلحاق معاوية إياه: كانت سمية أم زياد أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي طبيب العرب وكانت تحت عبيد عبد من عبيد ثقيف فقدم أبو سفيان إلى الطائف فنزل على رجل خمار يقال له أبو مريم فطلب منه بغيا فأتى له بسمية وهي متزوجة بعبيد فبات معها فولدت زيادا على فراش عبيد فكان يقال له زياد بن عبيد ثم أن أبا سفيان أدعاه في خلافة عمر لكنه لم يجسر على المجاهرة بذلك خوفا من عمر ومن المسلمين لمخالفة ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وحيث أن زيادا ولد على فراش عبيد فهو ابنه شرعا وزنا أبي سفيان بأمه لا يسوع الحاقه به. روى غير واحد من المؤرخين أن زيادا تكلم كل أما وهو غلام حدث بمحضر عمر في خلافته أعجب الحاضرين وأبو سفيان حاضر وعلي بن أبي طالب (ع) وعمرو بن العاص فقال عمرو لله أبو هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان انه لقرشي وإني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه فقال علي ومن هو قال أنا فقال مهلا يا أبا سفيان فقال عمرو هلا تستلحقه قال أخاف هذا الجالس يعني عمر أن يخرق علي أبي قال المدائني فلما كان زمن علي (ع) ولى زيادا فارس أو بعض أعمالها فضبطها ضبطا صالحا وجبى خراجها وكتب إليه معاوية كتابا يتهدده فيه وكتب في أسفل الكتاب شعرا يعرض له فيه بأنه أخوه من جملته:
چتنسى أباك وقد شالت نعامته | إذ يخطب الناس والوالي لهم عمر |
فلما ورد الكتاب على زياد خطب الناس فقال العجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يهددني وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج سيدة نساء العالمين وأبو السبطين وصاحب الولاية والمنزلة والأخاء في مائة ألف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان أما والله لو تخطى هؤلاء أجمعين إلي لوجدني ضرابا بالسيف. ثم كتب إلى علي (ع) وبعث بكتاب معاوية في كتابه فكتب إليه علي (ع) أما بعد فإني قد وليتك ما وليتك وأنا أراك لذلك لا وإنه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني التيه وكذب النفس لم تستوجب بها ميراثا ولم تستحق بها نسبا وان معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فاحذره ثم أحذره ثم أحذره والسلام. فلما قرأ زياد الكتاب قال شهد بها ورب الكعبة ولم تزل في نفسه حتى أدعاه معاوية فلما قتل علي (ع) بقي زياد في عمله وخاف معاوية جانبه فكتب إليه كتابا يتهدده فيه من جملته: من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد أما بعد فإنك عبد قد كفرت النعمة واستدعيت النقمة أنك لا أم لك بل لا أب لك ظننت أنك تخرج من قبضتي ولا ينالك سلطاني أمس عبد واليوم أمير خطة ما ارتقاها مثلك يا ابن سمية إذ أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة فإنك أن تفعل فدمك حقنت وإلا اختطفتك بأضعف ريش ونلتك بأهون سعي والسلام. فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا وجمع الناس وصعد المنبر وقال: ابن آكلة الأكباد وقاتلة أسد الله ومظهر الخلاف ومسر النفاق ورئيس الأحزاب ومن أنفق ماله في إطفاء نور الله كتب إلي يرعد ويبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها وعما قليل تصيرها الرياح قزعا كيف ارهبه وبيني وبينه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن ابن عمه في مائة ألف من المهاجرين والأنصار والله لو أذن لي فيه لأريته الكواكب نهارا. وكتب إلى معاوية أما بعد فقد وصل إلي كتابك فوجدتك كالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب ويتعلق بأرجل الضفادع طمعا في الحياة إنما يكفر النعم ويستدعي النقم من حاد الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ف أما سبك لي فلو لا حلم ينهاني عنك وخوفي أن أدعي سفيها لأثرت لك مخازي لا يغسلها الماء وأما تعييرك لي بسمية فان كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة وأما زعمك أنك تختطفني بأضعف ريش وتتناولني بأهون سعي فهل رأيت بازيا يفزعه صفير القنابر أم هل سمعت بذئب أكله خروف والسلام، فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه وأحزنه وبعث إلى المغيرة بن شعبة فخلا به وقال إني أريد مشاورتك في أمر مني فانصحني فيه وكن لي أكن لك فقد خصصتك بسري وآثرتك على ولدي قال المغيرة والله لتجدني في طاعتك أمضى من الماء في الحدور قال أن زيادا قد أقام بفارس يكش لنا كشيش الأفاعي وهو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة جوال الفكر مصيب إذا رمى وقد خفت منه الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حيا وأخشى ممالأته حسنا قال المغيرة أنا له أن لم أمت أن زيادا رجل يحب الشرف وصعود المنابر فلو لاطفته المسألة وألنت له الكتاب لكان إليك أميل وبك أوثق فاكتب إليه وأنا الرسول فكتب إليه معاوية كتابا يظهر له فيه انه أخوه ويعده بالإمرة من جملته: من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان أنك قاطع الرحم واصل العدو حملك سوء ظنك بي وبغضك لي على أن عققت قرابتي وقطعت رحمي حتى كأنك لست أخي وليس صخر بن حرب أباك وأبي وشتان ما بيني وبينك أطلب بدم ابن أبي العاص وأنت تقاتلني فكنت:
كتاركة بيضها بالعراء | وملحفة بيض أخرى جناحا |
وقد رأيت أن اعطف عليك ولا أؤأخذك بسوء سعيك وان أصل رحمك وابتغي الثواب في أمرك فاعلم أبا المغيرة أنك لو خضت في طاعة القوم فتضرب بالسيف حتى ينقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا فان بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع وقد أوثق للذبح فارجع رحمك الله إلى أصلك واتصل بقومك فان أحببت جانبي ووثقت بي فأمر بأمره وإلا ففعل جميل لا علي ولا لي والسلام. فقدم المغيرة بالكتاب على زياد فجعل يتأمله ويضحك فقال له المغيرة دع عنك اللجاج وارجع إلى قومك وصل أخاك ثم جمع زياد الناس بعد يومين أو ثلاثة فخطبهم وقال: أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم وارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان فوجدتهم كالأضاحي في كل عيد يذبحون ولقد أفنى هذان اليومان الجمل وصفين ما ينيف على مائة ألف كلهم يزعم أنه طالب حق فإن كان الأمر هكذا فالقاتل والمقتول في الجنة كلا ليس كذلك ولكن أشكل الأمر والتبس على القوم وإني لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ فكيف لامرئ بسلامة دينه وقد نظرت في أمر الناس فوجدت أحمد العاقبتين العافية وسأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته ومغبته فقد حمدت طاعتكم أن شاء الله ثم نزل وكتب جواب الكتاب: أما بعد فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه فالحمد لله الذي عرفك الحق وردك إلى الصلة ولست ممن يجهل معروفا ولقد قمت يوم قرأت كتابك مقاما يعبأ به الخطيب المدرة فتركت من حضر لا أهل ورد ولا صدر كالمتحيرين بمهمة ضل بهم الدليل وأنا على أمثالها قدير. فأعطاه معاوية جمع ما سأله وكتب إليه بخط يده ما وثق به وقدم عليه الشام، قال المدائني فلما أراد معاوية استلحاقه صعد المنبر وأصعد زيادا معه فأجلسه بين يديه على المرقاة التي تحت مرقاته ثم قال أيها الناس إني قد عرفت نسبنا أهل لبيت في زياد فمن كان عنده شهادة فليقم بها فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان وإنهم سمعوا ما أقر به قبل موته فقام أبو مريم السلولي وكان خمارا في الجاهلية فقال أشهد أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف فاشتريت له لحما وخمرا وطعاما فلما أكل قال أصب لي بغيا فأتيت سمية فقلت لها أن أبا سفيان أمرني أن صيب له بغيا فهل لك قالت نعم يجئ الآن عبيد بغنمه وكان راعيا فإذا تعشى ونام أتيته فلم تلبث أن جاءت تجر ذيلها فدخلت معه حتى أصبحت فقلت له كيف رأيت صاحبتك قال خير صاحبة لولا ذفر في إبطيها. فقال له زياد من فوق المنبر يا أبا مريم لا تشتم أمهات الرجال فشتم أمك. واستلحقه معاوية فصار يسمى زياد بن أبي سفيان بعد ما كان يسمى زياد بن عبيد وزوج معاوية ابنته من محمد بن زياد ليؤكد بذلك صحة الاستلحاق وذلك سنة 44 ذكره في الاستيعاب. واستعظم ذلك المسلمون وتحرجوا من أن يسموه زياد بن أبي سفيان وخافوا أن يسموه زياد بن عبيد فكانوا يقولون زياد بن أبيه أو ابن أمه أو ابن سمية أو زياد بدون نسبة ولكن في عصر معاوية سماه أكثر الناس زياد بن أبي سفيان لأن الناس مع الملوك رهبة أو رغبة وليس أتباع الدين فيهم إلا كالقطرة من البحر المحيط وكتبت عائشة إلى زياد كتابا فلم تدر ما تكتب عنوانه أن كتبت زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته وإن كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت فكتبت: من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد فلما قرأه ضحك وقال لقد لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصبا. وقال الجاحظ أن زيادا مر وهو والي البصرة بأبي العريان العدوي وكان شيخا مكفوفا ذا لسن وعارضة شديدة فقال أبو العريان ما هذه الجلبة قالوا زياد بن أبي سفيان فقال ما ترك أبو سفيان إلا فلانا وفلانا من أين جاء زياد فبلغ ذلك زيادا فأرسل إليه مائتي دينار فقال له الرسول ابن عمك زياد الأمير أرسل إليك هذه قال وصلته رحم أي والله ابن عمي حقا ثم مر به زياد من الغد في موكبه فسلم عليه فبكى أبو العريان فقيل له ما يبكيك قال عرفت صوت أبي سفيان في صوت زياد فبلغ ذلك معاوية فكتب إلى أبي العريان:
ما لبثتك الدنانير التي بعثت | إن لونتك أبا العريان ألوانا |
أمسى إليك زياد في أرومته | نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا |
لله در زياد لو تعجلها | كانت له دون ما تخشاه قربانا |
#فقال أبو العريان اكتب جوابه يا غلام:
أحدث لنا صلة تحيا النفوس بها | قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا |
أما زياد فقد صحت مناسبه | عندي فلا ابتغي في الحق بهتانا |
من يسد خيرا يصبه حين يفعله | أو يسد شرا يصبه حيثما كانا |
وقال في ذلك عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان:
إلا أبلغ معاوية بن حرب | لقد ضاقت بما تأتى اليدان |
أتغضب أن يقال أبوك عف | وترضى أن يقال أبوك زاني |
فاشهد أن رحمك من زياد | كرحم الفيل من ولد الأتان |
وأشهد إنها حملت زيادا | وصخر من سمية غير داني |
فبلغ ذلك معاوية فغضب على عبد الرحمن وقال لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضاه ويعتذر إليه فأتاه فانشده من أبيات:
إليك أبا المغيرة تبت مما | جرى بالشام من خطل اللسان |
عرفت الحق بعد ضلال رأيي | وبعد الغي من زيغ الجنان |
زياد من أبي سفيان غصن | تهادى ناظرا بين الجنان |
وان زيادة في آل حرب | أحب إلي من وسطى بناني |
إلا أبلغ معاوية بن حرب | لقد ظفرت بما تأتى اليدان |
فقال معاوية لحا الله زيادا لم يتنبه لقوله وان زيادة في آل حرب. وقال يزيد بن مفرع الحميري في زياد:
شهدت بأن أمك لم تباشر | أبا سفيان واضعة القناع |
ولكن كان أمر فيه لبس | على حذر شديد وارتياع |
وقال أيضا:
إن زيادا ونافعا وأبا بكرة | عندي من أعجب العجب |
هم رجال رجال ثلاثة خلقوا | في رحم أنثى وكلهم لأب |
ذا قرشي كما تقول وذا | مولى وهذا ابن عمه عربي |
وقال أيضا:
فكر ففي ذاك أن فكرت معتبر | هل نلت مكرمة إلا بتأمير |
عاشت سمية ما عاشت وما علمت | إن ابنها من قريش في الجماهير |
وكما استلحق معاوية زيادا استلحق زياد عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين (ع) فقد قال الحسين (ع) فيه إلا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة والذلة، وروى ابن ابن الكلبي أن عبادا استلحقه زياد كما استلحق معاوية زيادا كلاهما لدعوة. قال: لما أذن لزياد في الحج فبينا هو يتجهز وأصحاب القرب يعرضون عليه قربهم إذ تقدم عباد وكان خرازا فقال له زياد: من أنت؟ قال ابنك! وقعت على أمي فلانة فولدتني وكانت أمة لبني قيس بن ثعلبة فأنا مملوك لهم، فقال صدقت إني لأعرف ما تقول، فبعث فاشتراه واستلحقه، وولي معاوية عبادا سجستان بعد موت زياد وولى عبيد الله البصرة، وفيهما يقول يزيد بن المفرع الحميري:
أعباد ما للؤم عنك محول | ولا لك أم من قريش ولا أب |
فقل لعبيد الله ما لك والد | بحق ولا يدري أمرؤ كيف تنسب |
واستاذن زياد معاوية في الحج فإذن له فبلغ ذلك أبا بكرة أخاه وأمهما جميعا سمية وكان قد حلف أن لا يكلمه لما لجلج في الشهادة على المغيرة بن شعبة في الزنا أيام عمر فجلد أبا بكرة وباقي الشهود، فلما استلحقه معاوية زاد غيظ أبي بكرة منه فلما بلغه انه يريد الحج جاء إليه وجعل يكلم ولدا له فقال يا غلام أن أباك ركب في الإسلام عظيما زنى امه وانتفى من أبيه ثم يريد أن يركب ما هو أعظم يوافي الموسم غدا ويوافي أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي من أمهات المؤمنين فان أذنت له فأعظم بها فرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وان منعته فأعظم بها فضيحة على أبيك فامتنع زياد عن الحج، ذكره الجاحظ، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن زيادا حج مع معاوية فأراد الدخول على أم حبيبة فذكر قول أبي بكرة فلم يفعل وقيل إنها حجبته ولم تأذن له، وقيل حج ولم يزر المدينة من أجل ذلك.
قال ابن أبي الحديد قال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة منهن لكانت موبقة: انتزؤاه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها واستلحاقه زيادا مراغمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدي، فيا ويله من حجر وأصحاب حجر. وقال أيضا: روى الشرقي بن القطامي قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب (ع) فلما قدم زياد الكوفة طلبه وأخافه فأتى الحسن بن علي (ع) مستجيرا به فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله ونقض داره فكتب الحسن بن علي (ع) إلى زياد: أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وحبست له وعياله فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه عياله وشفعني فيه فقد أجرته والسلام. فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة وأنا سلطان وأنت سوقة تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته كتبت إلي في فاسق آويته إقامة منك على سوء الرأي وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك غير رفيق بك ولا مرع عليك فان أحب لحم إلي أن آكله اللحم الذي أنت منه فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك فان عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه وإن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك والسلام.
فلما ورد الكتاب على الحسن (ع) قرأه وتبسم، وكتب جواب كتاب زياد كلمتين لا ثالثة لهما: من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية أما بعد فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر والسلام".
وحكى ابن أبي الحديد في ترجمة الحسن (ع) عن المدائني أن زيادا طلب رجلا من أصحاب الحسن (ع) ممن كان في كتاب الأمان فكتب فيه الحسن: من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا من الأمان لأصحابنا وقد ذكر لي فلان أنك تعرضت له فأحب أن لا تعرض له إلا بخير والسلام. فغضب زياد حيث لم ينسبه إلى أبي سفيان فكتب إليه: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن وذكر نحوا مما مر في خبر سعيد بن سرح، فالظاهر إنها واقعة واحدة ويحتمل التعدد، وكيف كان فيظهر أن الحسن (ع) لم ينسبه في قصة ابن سرح إلى أبي سفيان فلذلك غضب ونسب الحين (ع) إلى أمه. وهذا ثمرة ما فعلته الأمة إلى أهل البيت (ع) فغصبتهم حقهم ودفعتهم عن مقامهم ولم ترع فيهم وصية جدهم صلى الله عليه وسلم وحكمت فيهم الطلقاء وأبناء الطلقاء والأدعياء وأبناء الأدعياء حتى أصبح نغل سمية يخاطب الحسن (ع) بهذا الخطاب ويتكلم في أمير المؤمنين (ع) بهذا الكلام:
لا أضحك الله سن الدهر أن ضحكت | وآل أحمد مظلومون قد قهروا |
مناظرة الحسن (ع) ومفاخرته معاوية وأصحابه
أوردها سبط ابن الجوزي الحنفي يوسف قزأو علي في تذكرة الخواص بصورة مختصرة. وأوردها الزبير بن بكار في كتاب المفآخرات كما في شرح النهج لابن أبي الحديد بصورة مطولة ومع ذلك بين الروايتين بعض التفاوت ونحن نذكرها مقتبسة من مجموعهما، قال أهل السير: لما سلم الحسن الأمر إلى معاوية اجتمع إلى معاوية رهط من شيعته وهم عمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي (ع) قوارص وبلغه عنهم مثل ذلك فقالوا لمعاوية أن الحسن قد أحيا أباه وذكره قال فصدق وأمر فأطيع وخفقت له النعال وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه ولا يزال يبلغنا عنه ما يسؤنا فابعث إليه فليحضر لنسبه ونسب أباه ونعيره ونوبخه ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلك قال معاوية إني لا أرى ذلك ولا أفعله فعزموا عليه فقال لا تفعلوا فو الله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي وقال إنه ألسن بني هاشم، قالوا أبعث إليه على كل حال، قال أن بعثت إليه لأنصفنه منكم، فقال عمرو بن العاص أتخشى أن يأتي باطله على حقنا، قال معاوية أما إني أن بعثت إليه لأمرنه أن يتكلم بلسانه كله واعلموا إنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب ولا يلصق بهم العار ولكن اقذفوه بحجره تقولون له أن أباك قتل عثمان وكره خلافة الخلفاء قبله، فجاءه الرسول فقال يا جارية أبغيني ثيابي اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأدرأ بك في نحورهم وأستعين بك عليهم فاكفينهم كيف شئت وأنى شئت بحول منك وقوة يا أرحم الراحمين، ثم قام فلما دخل على معاوية أعظمه وأكرمه وأجلسه إلى جانبه وقد ارتاد القوم وخطروا خطران الفحول بغيا في أنفسهم وعلوا، ثم قال: يا أبا محمد أن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني، فقال الحسن: سبحان الله الدار دارك والإذن فيها إليك أن كنت أجبتهم إلى ما أرادوا وما في أنفسهم إني لأستحيي لك من الفحش، وإن كانوا غلبوك على رأيك إني لأستحيي لك من الضعف، أما إني لوعلمت بمكانهم جئت بمثلهم من بني عبد المطلب وما لي أن أكون مستوحشا منك ولا منهم وان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فقال معاوية إني كرهت أن أدعوك ولكن هؤلاء حملوني على ذلك وإن لك منهم النصف ومني وإنما دعوناك لنقررك أن عثمان قتل مظلوما وأن أباك قتله فأجبهم ولا تمنعك وحدتك واجتماعهم أن تتكلم بكل لسانك فتكلم عمرو بن العاص فذكر عليا (ع) فلم يدع شيئا يعيبه به إلا قاله وقال إنه شتم أبا بكر وكره خلافته وبايعه مكرها وشرك في دم عمر وقتل عثمان وادعى من الخلافة ما ليس له ثم ذكر الفتنة يعيده بها ثم قال إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء واستحلالكم ما حرم الله من الدماء وحرصكم على الملك وإتيانكم ما لا يحل ثم أنك يا حسن تحدث نفسك أن لخلافة صائرة إليك وليس عندك عقل ذلك ولا لبه وإنما دعوناك لنسبك وأباك ف أما أبوك فقد تفرد الله به وكفانا أمره وأما أنت فلو قتلناك ما كان علينا إثم من الله ولا عيب من الناس. وقال الوليد بن عقبة يا بني هاشم كنتم أخوال عثمان فنعم الولد كان لكم فعرف حقكم وكنتم أصهاره فنعم الصهر كان لكم فكنتم أول من حسده فقتله أبوك ظلما فكيف ترون الله طلب بدمه والله أن بني أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية وقال عتبة بن أبي سفيان يا حسن كان أبوك شر قريش لقريش اسفكه لدمائها واقطعه لأرحامها طويل السيف واللسان يقتل الحي ويعيب الميت وأما رجاؤك الخلافة فلست في زندها قادحا ولا في ميزانها راجحا وأنكم يا بني هاشم قتلتم عثمان وأن في الحق أن نقتلك وأخاك به ف أما أبوك فقد كفانا الله أمره. وتكلم المغيرة بن شعبة فشتم عليا وقال والله ما أعيبه في قضية بخون ولا في حكم بميل ولكنه قتل عثمان. ثم سكتوا فتكلم الحسن بن علي (ع) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال أما بعد يا معاوية فما هؤلاء شتموني ولكنك شتمتني فحشا ألفته وسوء رأي عرفت به وخلقا سيئا ثبت عليه وبغيا علينا عداوة منك لمحمد وأهله ولكن اسمع يا معاوية واسمعوا فلأقولن فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم: أنشدكم الله هل تعلمون أن الذي شتمتموه صلى القبلتين وأنت يا معاوية بهما كافر وبايع البيعتين بيعة الفتح وبيعة الرضوان وأنت بأحداهما كافر وبالأخرى ناكث وأنشدكم الله هل تعلمون انه أول الناس إيمانا وانك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم تسرون الكفر وتظهرون الإسلام وتستمالون بالأموال وأنه كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وان راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه ثم لقيكم يوم أحد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعك ومع أبيك راية الشرك وفي كل ذلك يفتح الله له ويفلج حجته وينصر دعوته ويصدق حديثه ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المواطن كلها عنه راض وعليك وعلى أبيك ساخط وبات يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين وفداه بنفسه ليلة الهجرة حتى أنزل الله فيه: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. وانزل فيه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت أخي في الدنيا والآخرة" وجاء أبوك على جمل احمر يوم الأحزاب يحرض الناس وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعن الراكب والقائد والسائق أتنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لما هم أن يسلم تنهاه عن الإسلام:
يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا | بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا |
خالي وعمي وعم الأم ثالثهم | وحنظل الخير قد أهدى لنا الارقا |
لا تركنن إلى أمر تقلدنا | والراقصات بنعمان به الخرقا |
فالموت ون من قول العداة لقد | حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا |
والله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت وأنشدكم الله أتعلمون أن عليا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل فيه يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا خطيبات ما أحل الله لكم وأنت يا معاوية دعا عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك فنهمك إلى يوم القيامة فقال اللهم لا تشبعه. وان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليا بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله وفعل في خيبر مثلها. وأنتم أيها الرهط نشدتكم الله ألا تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها أولها: يوم لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من مكة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى الدين فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وتوعده وهم أن يبطش به والثانية: يوم العير والثالثة: يوم أحد حيث وقف تحت الجبل ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلاه وهو ينادي أعل هبل والرابعة: يوم الأحزاب والخامسة: يوم الحديبية ولعن القادة والأتباع فقيل يا رسول الله أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع يسلم وأما القادة فلا يفلح منهم أحد والسادسة: يوم الجمل الأحمر والسابعة: يوم وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان. فهذا لك يا معاوية وأما أنت يا ابن النابغة فادعاك خمسة من قريش غلب عليك ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وولدت على فراش مشترك ثم قام أبوك فقال أنا شانئ محمد الأبتر فأنزل الله فيه
{إن شانئك هو الأبتر} وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع المشاهد وهجوته وآذيته بمكة وكدته وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة ثم خرجت تريد النجاشي لتأتى بجعفر وأصحابه فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا وأكذبك واشيا جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي ففضحك الله وفضح صاحبك فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام وهجوت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعين بيتا من الشعر فقال اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة. وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت أنا أبو عبد الله إذا نكات قرحة أدميتها ثم حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ود وبالله ما نصرت عثمان حبا ولا غضبت له قتيلا ويحك يا ابن العاص ألست القائل لما خرجت إلى النجاشي:
تقول ابنتي أين هذا الرحيل | وما السير مني بمستنكر |
فقلت ذريني فإني أمرؤ | أريد النجاشي في جعفر |
لأكويه عنده كية | أقيم بها نخوة الأصعر |
وشأني احمد من بينهم | وأقولهم فيه بالمنكر |
واجري إلى عيبه جاهدا | ولو كان كالذهب الأحمر |
ولا أنثني عن بني هاشم | بما أسطعت في الغيب والمحضر |
فان قبل العيب مني له | وإلا لويت له مشفري |
وأما أنت يا وليد فو الله ما ألومك على بغض علي وقد قتل أباك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا وجلدك ثمانين في الخمر لما صليت بالمسلمين الفجر سكران وفيك يقول الحطيئة:
شهد الحطيئة حين يلقى ربه | إن الوليد أحق بالعذر |
نادى وقد تمت صلاتهم | أأزيدكم سكرا وما يدري |
ليزيدهم أخرى ولو قبلوا | لأتت صلاتهم على العشر |
فأبوا أبا وهب ولو قبلوا | لقرنت بين الشفع والوتر |
حبسوا عنانك إذ جريت ولو | تركوا عنانك لم تزل تجري |
وسماك الله في كتابه فاسقا وسمى أمير المؤمنين مؤمنا حيث تفاخرتما فقلت له اسكت يا علي فأنا أشجع منك جنانا وأطول منك لسانا. فقال لك علي اسكت يا وليد فأنا مؤمن وأنت فاسق فأنزل الله تعالى في موافقة قوله:
{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ثم أنزل فيك على موافقة قوله:
{إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} ومهما نسيت فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه:
أنزل الله والكتاب عزيز | في علي وفي الوليد قرانا |
فتبوا الوليد إذ ذاك فسقا | وعلي مبوأ إيمانا |
ليس من كان مؤمنا عمرك الله | كمن كان فاسقا خوانا |
سوف يدعى الوليد بعد قليل | وعلي إلى الحساب عيانا |
فعلي يجزي بذاك جنانا | ووليد يجزى بذاك هوانا |
رب جد لعقبة بن إبان | لابس في بلادنا تبانا |
وما أنت وقريش إنما أنت علج من أهل صفورية وأقسم بالله لانت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه وأما أنت ياعتبة فو الله ما أنت بحصيف فأجيبك ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك وما عندك خير يرجى ولا شر يتقى وما عقلك وعقل أمتك إلا سواء وما يضر عليا لو سببته على رؤوس الأشهاد وأما وعيدك إياي بالقتل فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك فقال فيك نصر بن حجاج:
يا للرجال وحادث الأزمان | ولسبة تخزي أبا سفيان |
نبئت عتبة خانه في عرسه | جبس لئيم الأصل في لحيان |
وكيف ألومك على بغض علي وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر وشرك حمزة في قتل جدك عتبة وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد. وأما أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه إنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فإني طائرة عنك فقالت النخلة هل علمت بك واقعة علي فأعلم بك طائرة عني وإن حد الله عليك في الزنا لثابت ولقد درأ عمر عنك حقا الله سائله عنه ولقد سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها فقال لا باس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا لعلمه بأنك زان. وأما فخركم علينا بالإمارة فإن الله تعالى يقول:
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}. ثم قام الحسن فنفض ثوبه وانصرف فتعلق عمرو بثوبه وقال يا
أمير المؤمنين قد شهدت قوله في وأنا مطالب له بحد القذف فقال معاوية خل عنه لا جزاك الله خيرا فتركه فقال معاوية قد أنبأتكم أنه ممن لا تطاق عارضته ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني والله ما قام حتى أظلم علي البيت قوموا عني فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم وعدو لكم عن رأي الناصح المشفق وقال:
أمرتكم أمرا فلم تسمعوا له | وقلت لكم لا تبعثن إلى الحسن |
فجاء ورب الراقصات عشية | بركبانها يهوين من سرة اليمن |
أخاف عليكم منه طول لسانه | وبعد مداه حين أجراره الرسن |
فلما أبيتم كنت فيكم كبعضكم | وكان خطابي فيه غبنا من الغبن |
فحسبكم ما قال مما علمتم | وحسبي بما ألقاه في القبر والكفن |
جوعه إلى المدينة
قال المدائني: أقام الحسن (ع) بالكوفة أي أما ثم تجهز للشخوص إلى المدينة فدخل عليه المسيب بن الفزاري وظبيان بن عمارة التميمي ليودعاه فقال الحسن (ع) الحمد لله الغالب على أمره لو جمع الناس جميعا على أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا إلى أن قال فعرض له المسيب وظبيان بالرجوع فقال ليس إلى ذلك سبيل فلما كان الغد خرج وتوجه إلى المدينة هو وأخوه الحسين (ع) وأهل بيته وحشمهم وجعل الناس يبكون عند مسيرهم من الكوفة فلما صار بدير هند نظر إلى الكوفة وقال:
ولا عن قلى فارقت دار معاشري | هم المانعون حوزتي وذماري |
قال المفيد: خرج الحسن (ع) إلى المدينة فأقام بها كاظما غيظه لازما منزله منتظرا لأمر ربه.
وفاة الحسن
عليه السلام
روى الزبير بن بكار في كتاب انساب قريش عن محمد بن حبيب في أما ليه عن ابن عباس أنه قال أول ذل دخل على العرب موت الحسن ع. وفي مقاتل الطالبيين قيل لأبي إسحاق متى ذل الناس قال حيث مات الحسن وادعي زياد وقتل حجر بن عدي وكان الحسن (ع) شرط على معاوية في شروط الصلح أن لا يعهد إلى أحد بالخلافة بعده وأن تكون الخلافة له من بعده، قال أبو الفرج وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه أرسل إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني على أن تسمي الحسن وبعث إليها بمائة ألف درهم فسوغها المال ولم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا يا بني مسمة الأزواج وكان ذلك بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب قال قتادة وأبو بكر بن حفص: سم الحسن بن علي سمته امرأته بنت الأشعث بن قيس الكندي وقالت طائفة كان ذلك منه بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك، وقال المدائني دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن وقال لها أن قتلته بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد ابني فمرض أربعين يوما فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد وقال أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله ص، (وقال المفيد): لما تم لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد دس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن (ع) من حملها على سمه وضمن لها أن يزوجها بابنه يزيد فأرسل إليها مائة ألف درهم فسقته جعدة السم فبقي أربعين يوما ومضى لسبيله، وفي تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي قال علماء السير منهم ابن عبد البر سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي وقال الشعبي دس إليها معاوية فقال سمي الحسن وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم فلما مات الحسن بعث إليها بالمال ولم يزوجها بيزيد قال وحكى جدي في كتاب الصفوة قال ذكر يعقوب بن سفيان في تاريخه أن جعدة هي التي سمته وقال الشاعر في ذلك:
تعزفكم لك من سلوة | تفرج عنك غليل الحزن |
بموت النبي وقتل الوصي | وقتل الحسين وسم الحسن |
وقال الصادق (ع) أن الأشعث شرك في دم أمير المؤمنين (ع) وابنته جعدة سمت الحسن (ع) وابنه محمد شرك في دم الحسين ع.
وصية الحسن بن علي إلى أخيه الحسين
عليه السلام
رواها الشيخ الطوسي في أماليه عن ابن عباس: هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنه يعبده حق عبادته لا شريك له في الملك ولا ولي له من الذل وأنه خلق كل شيء فقدره تقديرا وأنه أولى من عبد وأحق من حمد من أطاعه رشد ومن عصاه غوى ومن تاب إليه تدى فإني أوصيك يا حسين بمن خلفت من لي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم وتكون لهم خلفا ووالدا وأن تدفنني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أحق به وببيته فان أبوا عليك فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك والرحم الماسة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تهريق في أمري محجمة من دم حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا.
وروى الحاكم في المستدرك أنه لما توفي أقام نساء بني هاشم النوح عليه شهرا، وعن أبي جعفر قال مكث الناس يبكون على الحسن بن علي وعطلت الأسواق، قال الشيخ الطوسي في الأمالي: فلما توفي دعا الحسين ابن عباس وعبد الرحمن بن جعفر وعلي بن عبد الله بن عباس فأعانوه على غسله وحنطوه والبسوه أكفانه وخرجوا به إلى المسجد فصلوا عليه (وقال المفيد): لما مضى لسبيله غسله الحسين (ع) وكفنه وحمله على سريره ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية إنهم سيدفنونه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجمعوا لذلك ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسين (ع) إلى قبر جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجدد به عهدا أقبلوا إليهم في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة. أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف، وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أمية، وقال سبط ابن الجوزي: قال ابن سعد عن الواقدي لما احتضر الحسن قال ادفنوني عند أبي يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد الحسين (ع) أن يدفنه في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت بنو أمية ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وكان واليا على المدينة فمنعوه وقامت بنو هاشم لتقاتلهم فقال أبو هريرة أرأيتم لو مات ابن لموسى أما كان يدفن مع أبيه قال ابن سعد ومنهم أيضا عائشة وقالت لا يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد. وقال أبو الفرج الأصبهاني: قال يحيى بن الحسن: سمعت علي بن طاهر بن زيد يقول لما أرادوا دفنه ركبت عائشة بغلا واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل: فيوما على بغل ويوما على جمل. قال المفيد في تتمة الخبر السابق: فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له ارجع يا مروان من حيث جئت ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها بوصيته بذلك (إلى آخر كلامه) وقال الحسين (ع): والله لولا عهد الحسن بحقن الدماء وإن لا ريق في أمره محجمة دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا. ومضوا بالحسن فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
ولما بلغ معاوية موت الحسن (ع) سجد وسجد من حوله وكبر وكبروا معه، ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما فقال بعض الشعراء:
أصبح اليوم ابن هند شامتا | ظاهر النخوة إذ مات الحسن |
يا ابن هند أن تذق كأس الردى | تك في الدهر كشيء لم يكن |
لست بالباقي فلا تشمت به | كل حي للمنايا مرتهن |
ولما أتى نعيه إلى البصرة وذلك في أمارة زياد بن سمية بكى الناس فسمع الضجة أبو بكرة أخو زياد وكان مريضا فقال ما هذا فقالت له زوجته وكانت ثقفية مات الحسن بن علي والحمد لله الذي أراح الناس منه فقال اسكتي ويحك فقد أراحه الله من شر كثير وفقد الناس بموته خيرا كثيرا يرحم الله حسنا. ذكره المدائني. وكانت وفاته (ع) بالمدينة يوم الخميس لليلتين بقيتا من صفر وقيل في السابع منه وقيل لخمس بقين من ربيع الأول وفي رواية الحاكم لخمس خلون منه سنة خمسين من الهجرة أو خمس وأربعين أو تسع وأربعين أو إحدى وخمسين أو أربع وأربعين أو سبع وأربعين أو ثمان وخمسين وله سبع وأربعون سنة أو ست وأربعون وأربعة أشهر وثلاثة عشرة يوما وقيل غير ذلك ووقع هنا اشتباهات من أعاظم العلماء مثل الكليني والمفيد والطبرسي بيناها في الجزء الخامس من المجالس السنية، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين وستة أشهر وقيل ثمان سنين وقام بالأمر بعد أبيه وله سبع وثلاثون سنة وأقام إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وخمسة أيام أو ثلاثة أيام على الخلاف في وفاة أمير المؤمنين (ع) إنها ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين من شهر رمضان وقيل غير ذلك كما تقدم وبقي بعد الصلح تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشرة يوما وقيل غير ذلك والله أعلم.
كتابة العلم
عن السيوطي في تدريب الراوي أنه كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثير منهم وأباحها طائفة وفعلوها منهم علي وابنه الحسن ولا شك في أنه لولا كتابة العلم لضاع العلم فهي منقبة لعلي وولده (ع).
كلام له (ع) في التوحيد
روى الصدوق في كتاب التوحيد أنه جاء رجل إلى الحسن (ع) فقال له يا ابن رسول الله صف لي ربك كأني أنظر إليه فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم ولا آخر متناه ولا قبل مدرك ولا بعد محدود ولا أمد بحتي ولا شخ صلى الله عليه وسلم فيتجزى ولا اختلاف صفة فيتناهى ولا تدرك العقول وأوهامها ولا الفكر وخطراتها ولا الألباب وأذهانها صفته فتقول متى ولا بدئ مما ولا ظاهر على ما ولا باطن فيما ولا تارك فهلا خلق الخلق فكان بديا بديئا ابتدأ ما ابتدع وابتدع ما ابتدأ وفعل ما أراد وأراد ما استزاد ذلكم الله رب العالمين.
المأثور عنه (ع) في الحكم والآداب والمواعظ ونحوها
قال له جنادة بن أبي أمية في مرضه الذي توفي فيه: عظني يا ابن رسول الله قال نعم استعد لسفرك وحصل زادك قبل حلول أجلك واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك واعلم أن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فإن كان حلالا كنت قد زهدت فيها وإن كان حر أما لم يكن في وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة وإن كان العتاب فالعتاب يسير واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا وإذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك وإذا خدمته صانك وإذا أردت معونة أعانك وإن قلت صدق قولك وإن صلت شد صولك وإن مددت يدك بفضل مدها وان بدت منك ثلمة سدها وإن رأى منك حسنة عدها وإن سألته أعطاك وإن سكت عنه ابتداك وإن نزلت بك إحدى الملمات واساك من لا تأتيك منه البوائق ولا تختلف عليك منه الطرائف ولا يخذلك عند الحقائق وإن تنازعتما منقسما آثرك.
شيء من حكمه القصيرة منقول من تحف العقول
قال (ع): ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم، اللؤم أن لا تشكر النعمة، وقال لبعض ولده: يا بني لا تؤاخ أحدا حتى تعرف موارده ومصادره، القريب من قربته المودة وان بعد نسبه والبعيد من باعدته المودة وان قرب نسبه، الخير الذي لا شر فيه الشكر مع النعمة والصبر على النازلة، العار ون من النار، وقال في وصف أخ صالح كان له: كان من أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه كان لا يشتكي ولا يسخط ولا يتبرم كان أكثر دهره صامتا فإذا قال بذ القائلين كان إذا جالس العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت كان لا يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه كان لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله، وقيل له فيك عظمة فقال بل في عزة الله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وسئل عن المروءة فقال شح الرجل على دينه وإصلاحه ماله وقيامه بالحقوق. وسأله رجل أن يجالسه فقال إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب أو تغتاب عندي أحدا فقال له الرجل ائذن لي في الانصراف قال نعم إذا شئت، ومر (ع) في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال أن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وقصر آخرون فخابوا فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وأيم الله كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بأساءته ثم مضى، ومن الفصول المهمة: هلاك المرء في ثلاث الكبر والحر صلى الله عليه وسلم والحسد فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس والحر صلى الله عليه وسلم عدو النفس وبه خرج آدم من الجنة والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل. ومن كشف الغمة: لا أدب لمن لا عقل له ولا مروءة لمن لا همة له ولا حياء لمن لا دين له ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل وبالعقل تدرك الداران جميعا ومن حرم العقل حرمهما جميعا. لا تأت رجلا إلا أن ترجو نواله أو تخاف يده أو تستفيد من علمه أو ترجو بركة دعائه أو تصل رحما بينك وبينه. ما رأيت ظالما بمظلوم من حاسد. وقال ع: يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا وارض بما قسم الله تكن غنيا وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا أنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا أصبح جمعهم بورا وعملهم غرورا ومساكنهم قبورا يا ابن آدم لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فخذ مما في يديك لما بين يديك فان المؤمن يتزود والكافر يتمتع، وقال (ع): ما فتح الله عز وجل على أحد باب مسالة فخزن عنه باب الإجابة ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد وقال ع: المعروف ما لم يتقدمه مطل ولا يتبعه من والإعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد، وسئل عن البخل فقال هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا، وقال (ع) لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا، المزاح يأكل الهيبة وقد أكثر من الهيبة الصامت، المسؤول حر حتى يعد ومسترق حتى ينجز، الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود، تجهل النعم ما أقامت فإذا ولت عرفت.
المأثور عن الحسن (ع) من الشعر
فمنه ما أورده ابن شهراشوب في المناقب وهو قوله ع:
ذري كدر الأيام أن صفاءها | تولى بأيام السرور الذواهب |
وكيف يغر الدهر من كان بينه | وبين الليالي محكمات التجارب |
وقوله (ع):
قل للمقيم بغير دار إقامة | حان الرحيل فودع الأحبابا |
إن الذين لقيتهم وصحبتهم | صاروا جميعا في القبور ترابا |
وقوله (ع):
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها | إن المقام بظل زائل حمق |
وقوله (ع):
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني | وشربة من قراح الماء تكفيني |
وطمرة من رقيق الثوب تسترني | حيا وإن مت تكفيني لتكفيني |
وقال وقد جاءه إعرابي فقال أعطوه ما في الخزانة فكان عشرين ألف درهم فقال يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وانشر مدحتي فأنشأ الحسن (ع) يقول:
نحن أناس نوالنا خضل | يرتع فيه الرجاء والأمل |
تجود قبل السؤال أنفسنا | خوفا على ماء وجه من يسل |
لو علم البحر فضل نائلنا | لغاض من بعد فيضه خجل |
وفي كتاب العمدة لابن رشيق: وهو أي الحسن (ع) القائل وقد خرج على أصحابه مختضبا رواه البرد:
نسود أعلاها وتأبى أصولها | فليت الذي يسود منها هو الأصل |