أبو الحسن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (ع)
ثامن أئمة أهل البيت الطاهر صلوات الله عليهم أجمعين
مولده ووفاته ومدة عمره ومدفنه
ولد بالمدينة يوم الجمعة أو يوم الخميس 11-ذي الحجة أو ذي القعدة أو ربيع الأول سنة 153 أو 148 للهجرة سنة وفاة جده الصادق (ع) أو بعدها بخمس سنين.
وتوفي يوم الجمعة أو الاثنين آخر صفر أو 17 أو 21-من شهر رمضان أو 18 جمادى الأولى أو 23 من ذي القعدة أو آخره سنة 203 أو 206 أو 202 قال الصدوق في العيون: الصحيح أنه توفي في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة 203 وكانت وفاته بطوس من أرض خراسان في قرية يقال لها سنا آباد من رستاق نوقان من نوقان على دعوة.
وعمره 48 أو 47 أو 50 أو 51-أو 57 سنة و49 يوما أو 79 يوما أو بزيادة 9 أشهر عليها أو 6 أشهر و10 أيام على حسب الاختلاف في تاريخ ‹ صفحة 13 › المولد والوفاة وما يقال في عمره الشريف أنه 55 أو 52 أو 49 سنة لا يكاد ينطبق على شيء من الأقوال والروايات والظاهر أن منشأ بعضه التسامح بعد السنة الناقصة سنة كاملة. ومن الغريب ما ذكره الصدوق في العيون من أن ولادته في 11-ربيع الأول سنة 153 ووفاته لتسع بقين من رمضان سنة 203 وعمره 49 سنة و6 أشهر مع أنه على هذا يكون عمره 50 سنة و6 أشهر و10 أيام ومنشأه عدم التدقيق في الحساب وقد وقع نظيره من الشيخ المفيد
منها مع أبيه 24 سنة وأشهرا كما في مطالب السؤول و25 سنة إلا شهرين في قول ابن الخشاب والمطابق لما مر أن يكون عمره يوم وفاة أبيه 35 سنة أو 29 سنة وشهرين وبعد أبيه 25 سنة كما في مطالب السؤول والمطابق لما تقدم أن يكون بقاؤه بعده 20 سنة كما في الإرشاد أو بنقيصة شهرين أو ثلاثة أو 20 سنة و4 أشهر أو 22 سنة إلا شهرا وهي مدة إمامته وخلافته وهي بقية ملك الرشيد عشر سنين وخمسة وعشرين يوما ثم خلع الأمين وأجلس عمه إبراهيم بن المهدي أربعة وعشرين يوما ثم اخرج محمد ثانية وبويع له وبقي سنة وسبعة أشهر وقتله طاهر بن الحسين ثم ملك المأمون عبد الله بن هارون بعده عشرين سنة واستشهد. (ع) بعد مضي خمس سنين أو ثمان سنين من ملك المأمون.
أمه
في مطالب السؤول: أمه أم ولد تسمى الخيزران المرسية وقيل شقراء النوبية واسمها أروى وشقراء لقب لها. قال الطبرسي في إعلام الورى: أمه أم ولد يقال لها أم البنين واسمها نجمة ويقال سكن النوبية ويقال تكتم، قال الحاكم أبو علي قال الصولي والدليل على أن اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا ع: إلا أن خير الناس نفسا ووالدا ورهطا وأجدادا علي المعظم أتتنا به للعلم والحلم ثامنا أماما يؤدي حجة الله تكتم قال أبو بكر: وقد نسب قوم هذا الشعر إلى عم أبي إبراهيم بن العباس ولم اروه وما لم يقع لي رواية وسماعا فاني لا أحققه ولا أبطله، قال وتكتم من أسماء نساء العرب قد جاءت في الأشعار كثيرا منها في قول الشاعر: طاف الخيالان فزادا سقما خيال تكنى وخيال تكتما وصحح الفيروز آبادي تكنى وتكتم على بناء المجهول وقال كل منهما اسم لامرأة.
كنيته
أبو الحسن ويقال أبو الحسن الثاني. وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ما يدل على أنه يكنى بأبي بكر فروى بسنده عن عيسى بن مهران عن أبي الصلت الهروي قال: سألني المأمون يوما عن مسالة فقلت قال فيها أبو بكر كذا وكذا فقال من أبو بكر أبو بكرنا أو أبو بكر العامة قلت بل أبو بكرنا فقال عيسى لأبي الصلت من أبو بكركم فقال علي بن موسى الرضا كان يكنى به.
لقبه
في مطالب السؤول: ألقابه الرضا والصابر والرضي والوفي وأشهرها الرضا، ومثله في الفصول المهمة مع إبدال الرضي والوفي بالزكي والولي، وفي مناقب ابن شهراشوب قال أحمد البزنطي إنما سمي الرضا لأنه كان رضا لله تعالى في سمائه ورضا لرسوله والأئمة (ع) بعده في أرضه وقيل لأنه رضي به المخالف والموالف وقيل لأنه رضي به المأمون.
نقش خاتمه
في الفصول المهمة: حسبي الله، وفي الكافي بسنده عن الرضا (ع): نقش خاتمي ما
شاء الله لا قوة إلا بالله، وفي العيون: نقش خاتمه وليي الله.
بوابه
في الفصول المهمة: بوابه محمد بن الفرات، وفي المناقب: كان بوابه محمد بن راشد.
شاعره
دعبل الخزاعي وأبو نواس وإبراهيم بن العباس الصولي.
أولاده
قال كمال الدين محمد بن طلحة في مطالب السؤول: أما أولاده فكانوا ستة: خمسة ذكور وبنت واحدة وأسماء أولاده: محمد القانع، الحسن، جعفر، إبراهيم، الحسن، عائشة ونحوه ذكر عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في معالم العترة الطاهرة وابن الخشاب في مواليدل البيت وأبو نعيم في الحلية. وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: أولاده محمد الأمام أبو جعفر الثاني وجعفر وأبو محمد الحسن وإبراهيم وابنة واحدة. (وقال المفيد) في الإرشاد: مضى الرضا (ع) ولم يترك ولدا نعلمه إلا ابنه الأمام بعده أبا جعفر محمد بن علي (ع) وقال ابن شهراشوب في المناقب: أولاده محمد الأمام فقط. وقال الطبرسي في إعلام الورى: كان للرضا من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علي الجواد لا غير، وعن العدد القوية: كان له ولدان محمد وموسى لم يترك غيرهما، وعن قرب الإسناد أن البزنطي قال للرضا (ع) إني أسألك منذ سنين عن الخليفة بعدك وأنت تقول ابني ولم يكن لك يومئذ ولد اليوم قد وهب الله لك ولدين فأيهما هو؟ ونقل المجلسي في البحار في باب حسن الخلق عن عيون أخبار الرضا (ع) حديثا عن فاطمة بنت الرضا عن أبيها الخ.
فته في خلقه وحليته
في الفصول المهمة: صفته معتدل القامة.
صفته في أخلاقه وأطواره
في إعلام الورى: في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه وأخلاقه الكريمة قال إبراهيم بن العباس يعني الصولي: ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان جوابه كله وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد وكان يختمه في كل ثلاث وكان يقول لو إني أردت أن اختمه في أقرب من ثلاث لختمت ولكنني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت وعنه قال: ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا وشهدت منه ما لم أشاهد من أحد وما رأيته جفا أحدا بكلام قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرع منه وما رد أحدا عن حاجة قدر عليها ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ولا رأيته يشتم أحدا من مواليه ومماليكه ولا رأيته تفل قط ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم وكان إذا خلا ونصبت الموائد اجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس وكان قليل النوم بالليل كثير الصوم لا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول أن ذلك يعدل صيام الدهر وكان كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه. قال: وعن محمد بن أبي عياد: كان جلوس الرضا (ع) على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم، وقال الصدوق في العيون: كان (ع) خفيف الأكل قليل الطعام وفي خلاصة تذهيب الكمال عن سنن ابن ماجة: كان سيد بني هاشم وكان المأمون يعظمه ويجله وعهد له بالخلافة واخذ له العهد وقال الحاكم في تاريخ نيسابور كان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة وفي تهذيب التهذيب: كان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب.
وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن رجاء بن أبي الضحاك وكان بعثه المأمون لأشخاص الرضا (ع) قال: والله ما رأيت رجلا كان أتقى لله منه ولا أكثر ذكرا له في جميع أوقاته منه ولا أشد خوفا لله عزل وجل إلى أن قال: وكان لا ينزل بلدا إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي (ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه فأخبرته بما شاهدت منه في ليله ونهاره وظعنه وإقامته فقال بلى يا ابن أبي الضحاك هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم الحديث. وفي أنساب السمعاني: قال أبو حاتم بن حبان البستي يروي عن أبيه العجائب روى عنه أبو الصلت وغيره كان يهم ويخطئ قلت والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب، والخلل في روايته من رواته فأنه ما روى عنه ثقة إلا متروك، والمشهور من رواياته الصحيفة وراويها عليه مطعون فيه الأنساب: وكتب بعض من كانت عنده نسخة الأنساب على هامشها كما في النسخة المطبوعة بالتصوير الشمسي ما صورته: أنظر إلى هذه الجرأة العظيمة من هذا المغرور كيف يوهم ويخطئ ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووارث علمه أحد علماء العترة النبوية وإمامهم المجمع على غزارة علمه وشرفه وليت شعري كيف ظهر لهذا الناصبي الذي أفنى عمره في علم الرسوم لأجل الدنيا حتى نال بها قضاء بلخ وغيرها وهم علي بن موسى الرضا وخطؤه وبينهما نحو مائة وخمسين عاما لولا بغض القربى النبوية التي أمر الله بحبها ومودتها وأمر رسوله (ع) بالتمسك بها قاتلهم الله أنى يؤفكون ويظهر أن بعض قارئيها ممن لم ترق في عينه ضرب بيده عليها بقصد طمسها لكنها بقيت واضحة جلية.
فضائله ومناقبه
وهي كثيرة وقد تكلفت بها كتب الأخبار والتاريخ. قال اليافعي في مرآة الجنان: فيها أي سنة 203 توفي الأمام الجليل المعظم سلالة السادة الأكارم أبو الحسن علي بن موسى الكاظم أحد الأئمة الإثني عشر ولي المناقب الذين انتسبت الأمامية إليهم وقصروا بناء مذهبهم عليهم ولا بد من ملاحظة ما مر في سيرة الصادق (ع) من اشتراك الكل في أنهم أكمل أهل زمانهم ونحن نذكر هنا طرفا من مناقبه وفضائله لتعسر استقصائها.
)أحدها): العلم مر عن إبراهيم بن العباس الصولي أنه قال: ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره وان المأمون كان يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وان جوابه كله كان انتزاعات من القرآن المجيد. وفي إعلام الورى عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجلس له عددا من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلا أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور ولقد سمعته يقول كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيا الواحد منهم عن مسالة أشاروا إلى بأجمعهم وبعثوا إلي المسائل فأجبت عنها قال أبو الصلت ولقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه أن موسى بن جعفر كان يقول لبنيه هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم.
وفي مناقب ابن شهراشوب عن كتاب الجلاء والشفاء قال محمد بن عيسى اليقطيني: لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا (ع) جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر ألف مسالة. وروى الشيخ في كتاب الغيبة عن الحميري عن اليقطيني مثله إلا أنه قال خمسة عشر ألف مسالة، وفي المناقب ذكر أبو جعفر القمي في عيون أخبار الرضا أن المأمون جمع علماء سائر الملل مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين منهم عمران الصابي والهربذ الأكبر وأصحاب زردشت ونطاس الرومي والمت فقطع الرضا وأحدا بعد واحد كان المأمون اعلم خلفاء بني العباس وهو مع ذلك كله انقاد له اضطرارا حتى جعله ولي عهده وزوج ابنته.
أجوبة المسائل
روى الصدوق في العيون بسنده عن الحسين بن خالد أنه قال للرضا: يا ابن رسول الله أن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن الله خلق آدم على صورته فقال قاتلهم الله لقد حذفوا أول الحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته.
(وسئل) عن رجل قال كل مملوك قديم في ملكي فهو حر فقال يعتق من مضى له في ملكه ستة أشهر لقوله تعالى والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم وبين العرجون القديم والعرجون الحديث ستة أشهر. وعن كتاب نثر الدرر سال الفضل بن سهل علي بن موسى الرضا (ع) في مجلس المأمون فقال يا أبا الحسن الناس مجبرون فقال الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه.
وفي تهذيب التهذيب: قال المبرد عن أبي عثمان المازني سئل علي بن موسى الرضا (ع) يكلف الله العباد ما لا يطيقون قال وأعدل من ذلك، قال يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون قال هم أعجز من ذلك.
(أقول) المراد والله العالم أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون مستغنين عن أقدار الله لهم، ويأتي في أخباره مع المأمون من أجوبة مسائله في أنواع العلوم الشيء الكثير.
(ثانيها): الحلم وكفى في حلمه تشفعه إلى المأمون في الجلودي الذي كان ذهب إلى المدينة بأمر الرشيد ليسلب نساء آل أبي طالب ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا وأحدا ونقم بيعة الرضا (ع) فحبسه المأمون ثم دعا به من الحبس بعد ما قتل اثنين قبله فقال الرضا يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ فظن الجلودي أنه يعين عليه فاقسم على المأمون أن لا يقبل قوله فيه فقال والله لا أقبل قوله فيك وأمر بضرب عنقه، وسيأتي ذلك مفصلا في خبر عزم المأمون على الخروج من مرو.
(ثالثها): التواضع مر في صفته (ع) عن إبراهيم بن العباس أنه كان إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس. وعن ياسر الخادم: كان الرضا (ع) إذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير والكبير فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وروى الكليني في الكافي بسنده عن رجل من أهل بلخ قال: كنت مع الرضا (ع) في سفره إلى خراسان فدعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقال له بعض أصحابه جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال ع: أن الرب تبارك وتعالى واحد والأم واحدة والأب واحد والجزاء بالأعمال.
(رابعها): مكارم الأخلاق مر في صفته (ع) عن إبراهيم بن العباس أنه (ع) ما جفا أحدا بكلام قط ولا قطع على أحد كلامه حتى يفرع منه وما رد أحدا عن حاجة قدر عليها ولا مد رجليه ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ولا شتم أحدا من مواليه ومماليكه ولا تفل قط ولا قهقه في ضحكه بل يتبسم. وروى الكليني في الكافي بسنده أنه نزل بأبي الحسن الرضا (ع) ضيف وكان جالسا عنده يحدثه في بعض الليل فتغير السراج فمد الرجل يده ليصلحه فزبره أبو الحسن (ع) ثم بادره بنفسه فأصلحه ثم قال إنا قوم لا نستخدم أضيافنا. (وبسنده) عن ياسر ونادر خادمي الرضا (ع) أنهم قالا: قال لنا أبو الحسن صلى الله عليه وآله وسلم أن قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا ولربما دعا بعضنا فيقال هم يأكلون فيقول دعوهم حتى يفرغوا.
(خامسها) الكرم والسخاء سيأتي عند ذكر ولايته للعهد أنه وفد عليه من الشعراء إبراهيم بن العباس الصولي فوهب له عشرة آلاف من الدراهم التي ضربت باسمه، وأجاز أبا نواس بثلثمائة دينار لم يكن عنده غيرها وساق إليه البغلة، وأجاز دعبلا الخزاعي بستمائة دينار واعتذر إليه. وفي المناقب عن يعقوب بن إسحاق النوبختي قال: مر رجل بأبي الحسن الرضا (ع) فقال له أعطني على قدر مروءتك قال لا يسعني ذلك فقال على قدر مروءتي قال أما هذا فنعم. ثم قال يا غلام أعطه مائتي دينار. قال وفرق (ع) بخراسان ماله كله في يوم عرفة فقال له الفضل بن سهل أن هذا لمغرم فقال بل هو المغنم لا تعدن مغرما ما ابتعت به أجراوكرما.
وروى الكليني في الكافي بسنده عن اليسع بن حمزة: كنت في مجلس أبي الحسن الرضا (ع) وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام إذ دخل عليه رجل طوال آدم فقال السلام عليك يا ابن رسول الله رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك مصدري من الحج وقد افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلة فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي ولله علي نعمة فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك فلست موضع صدقة فقال له اجلس رحمك الله واقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وإنا فقال أتأذنون لي في الدخول فقال له سليمان قدم الله أمرك فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج ورد الباب واخرج يده من أعلى الباب وقال أين الخراساني فقال ها إنا ذا فقال خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك وتبرك بها ولا تتصدق بها عني واخرج فلا أراك ولا تراني ثم خرج فقال سليمان جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت فلما ذا سترت وجهك عنه فقال مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له أما سمعت قول الأول:
متى آته لأطلب حاجة | رجعت إلى لي ووجهي بمائه |
(سادسها): كثرة الصدقات مر عن إبراهيم بن العباس أنه (ع) كان كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة.
(سابعها): الهيبة في قلوب الناس فسيأتي أنه لما خرج للصلاة في مرو ورآه القواد والعسكر رموا بنفوسهم عن دوابهم ونزعوا خفافهم وقطعوها بالسكاكين طلبا للسرعة لما رأوه راجلا حافيا، وأنه لما هجم الجند على دار المأمون بسرخس بعد قتل الفضل بن سهل وجاءوا بنار ليحرقوا الباب وطلب منه المأمون أن يخرج إليهم فلما خرج وأشار إليهم أن يتفرقوا تفرقوا مسرعين.
أخباره مع المأمون
طلبه إياه من المدينة إلى مرو وجعله ولي عهده
كان المأمون متشيعا لأمير المؤمنين علي (ع) مجاهرا بذلك محتجا عليه مكرما لآل أبي طالب متجاوزا عنهم على عكس أبيه الرشيد ويدل على تشيعه أمور كثيرة نذكر هنا طرفا منها.
1-احتجاجه على العلماء في تفضيل علي (ع) بالحجج البالغة كما رواه صاحب العقد الفريد ونقلناه بتمامه في الجزء الأول من معادن الجواهر ورواه الصدوق في العيون مسندا.
2- جعله الرضا (ع) ولي عهده وتزويجه ابنته وإحسانه إلى العلويين.
3- تزويجه الجواد ابنته وإكرامه وإجلاله.
4- قوله أتدرون من علمني التشيع وحكايته خبر الكاظم (ع) مع الرشيد وتقدم في سيرة الكاظم (ع).
5- إفتاؤه بتحليل المتعة وقوله ومن أنت يا جعل حتى تحرم ما أحل الله في الخبر المشهور.
6- قوله بخلق القرآن وفقا لقول الشيعة حتى عد ذلك من مساوئه.
7- ما ذكره البيهقي في المحاسن والمساوي قال: قال المأمون أنصف شاعر الشيعة حيث يقول:
إنا وإياكم نموت فلا | أفلح بعد الممات من ندما |
قال وقال المأمون:
ومن غاو يعض علي غيظا | إذا أدنيت أولاد الوصي |
يحاول أن نور الله يطفى | ونور الله في حصن أبي |
فقلت أليس قد أوتيت علما | وبان لك الرشيد من الغوي |
وعرفت احتجاجي بالمثاني | وبالمعقول والأثر القوي |
بآية خطة وبأي معنى | تفضل ملحدين على علي |
علي أعظم الثقلين حقا | وأفضلهم سوى حق النبي |
8- ما ذكره الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) قال دخل عبد الله بن مطرق بن ماهان على المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضا فقال له المأمون ما تقول فيل هذا البيت فقال عبد الله ما أقول في طينة عجنت بماء الرسالة وغرست بماء الوحي هل ينفح منها إلا مسك الهدى وعنبر التقى فدعا المأمون بحقة فيها لؤلؤ فحشا فاه.
9- ما ذكره سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص قال: قال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق وغيره كان المأمون يحب عليا (ع) كتب إلى الأفاق بان علي بن أبي طالب أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن لا يذكر معاوية بخير ومن ذكره بخير أبيح دمه وماله. قال الصولي: ومن أشعار المأمون في علي (ع):
الأم على حب الوصي أبي الحسن | وذلك عندي من عجائب ذا الزمن |
خليفة خير الناس والأول الذي | أعان رسول الله في السر والعلن |
ولولاه ما عدت لهاشم أمرة | وكانت على الأيام تقصى وتمتهن |
ولى بني العباس ما اختص غيرهم | ومن منه أولي بالتكرم والمنن |
فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى | وفاض عبيد الله جودا على اليمن |
وقسم أعمال الخلافة بينهم | فلا زال مربوطا بذا الشكر مرتهن |
قال ومن أشعار المأمون:
لا تقبل التوبة من تائب | إلا بحب ابن أبي طالب |
أخو رسول الله حلف الهدى | والأخ فوق الخل والصاحب |
أن جمعا في الفضل يوما فقد | فاق أخوه رغبة الراغب |
فقدم الهادي في فضله | تسلم من اللائم والعائب |
أن مال ذو النصب إلى جانب | ملت مع الشيعي في جانب |
أكون في آل نبي الهدى | خير نبي من بني غالب |
حبهم فرض نؤدي به | كمثل حج لازم واجب |
قال وذكر الصولي في كتاب الأوراق أيضا قال كان مكتوبا على سارية من سواري جامع البصرة:
رحم الله عليا | أنه كان تقيا |
وكان يجلس إلى تلك السارية أبو عمر الخطابي واسمه حفص وكان أعور، فأمر به فمحي فكتب إلى المأمون بذلك فشق عليه وأمر بأشخاصه إليه، فلما دخل عليه قال لم محوت اسم أمير المؤمنين على السارية فقال: وما كان عليها فقال:
رحم الله عليا | أنه كان تقيا |
فقال: بلغني أنه كان نبيا فقال كذبت بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقا لأدبتك ثم أمر بإخراجه.
سبب طلب المأمون الرضا (ع)
إلى خراسان ليجعله ولي عهده
قيل أن السبب في ذلك أن الرشيد كان قد بايع لابنه محمد الأمين بن زبيدة وبعده لأخيه المأمون وبعدهما لأخيهما القاسم المؤتمن وجعل أمر عزله وإبقائي البلاد بين الأمين والمأمون فجعل شرقيها للمأمون وأمره بسكنى مرو وغربيها للأمين وأمره بسكنى بغداد فكان المأمون في حياة أبيه في مرو ثم أن الأمين بعد موت أبيه في خراسان خلع أخاه المأمون من ولاية العهد وبايع لولد له صغير فوقعت الحرب بينهما فنذر المأمون حين ضاق به الأمر أن أظفره الله بالأمين أن يجعل الخلافة في أفضل آل أبي طالب فلما قتل أخاه الأمين واستقل بالسلطنة وجرى حكمه في شرق الأرض وغربها كتب إلى الرضا (ع) يستقدمه إلى خراسان ليفي بنذره. وهذا الوجه اختاره الصدوق في عيون الأخبار فروى بسنده عن الريان بن الصلت أن الناس أكثروا في بيعة الرضا من القواد والعامة ومن لا يحب ذلك وقالوا هذا من تدبير الفضل بن سهل فأرسل إلي المأمون فقال بلغني أن الناس يقولون أن بيعة الرضا كانت من تدبير الفضل بن سهل قلت نعم قال ويحك يا ريان أيجسر أحد أن يجئ إلى خليفة قد استقامت له الرعية فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك أيجوز هذا في العقل قلت لا والله قال سأخبرك بسبب ذلك: أنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه عقد لعلي بن موسى بن ماهان وأمره أن يقيدني بقيد ويجعل الجامعة في عنقي وبعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان فانهزم وخرج صاحب السرير وغلب على كور خراسان من ناحيته فورد علي هذا كله في أسبوع ولم يكن لي قوة بذلك ولا مال أتقوى به ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن فأردت أن ألحق بملك كابل فقلت في نفسي رجل كافر ويبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله من ذنوبي وأستعين به على هذه الأمور وأستجير بالله عز وجل فأمرت ببيت فكنس وصببت علي الماء ولبست ثوبين أبيضين وصليت أربع ركعات ودعوت الله واستجرت به وعاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة أن أفضى الله بهذا الأمر إلي وكفاني عاديته أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه الله عز وجل فيه فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمد ما كان وأفضى الله إلي بهذا الأمر فأحببت أن أفي بما عاهدته فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت فهذا كان سببها الحديث ويأتي في حديث أبي الفرج والمفيد أن الحسن بن سهل لما جعل يعظم على المأمون إخراج الأمر من أهله ويعرفه ما في ذلك عليه قال له المأمون إني عاهدت الله على إني أن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب وما اعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض.
وقيل إنما بايعه لأنه نظر في الهاشميين فلم يجد أحدا أفضل ولا أحق بالخلافة منه وهذا الوجه لا ينافي الوجه الأول قال اليافعي في مرآة الجنان: أن سبب طلب المأمون الرضا (ع) إلى خراسان وجعله ولي عهده أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء وهو بمدينة مرو من بلاد خراسان وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا بين كبير وصغير واستدعى عليا المذكور فانزله أحسن منزل وجمع خواص الأولياء وأخبرهم أنه نظر في ولد العباس وأولاد علي بن أبي طالب فلم يجد أحدا في وقته أفضل ولا أحق بالخلافة من علي الرضا فبايعه. وقال الطبري في تاريخه أنه ورد كتاب من الحسن بن سهل إلى بغداد أن أمير المؤمنين المأمون جعل علي بن موسى بن جعفر بن محمد ولي عهده من بعده وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا اعلم منه الحديث وروى الصدوق في العيون عن البيهقي عن الصولي عن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرب إلى الله عز وجل وإلى رسوله بصلة رحمه بالبيعة لعلي بن موسى ليمحو بذلك ما كان من أمر الرشيد فيهم وما كان يقدر على خلافه في شيء إلى أن قال وما كان يحب أن يتم العهد للرضا (ع) بعده قال الصولي وقد صح عندي ما حدثني به عبيد الله من جهات: منها أن عون بن محمد حدثني عن محمد بن أبي سهل النوبختي أو عن أخ له قال لما عزم المأمون على العقد للرضا (ع) بالعهد قلت والله لاعتبرن ما في نفس المأمون من هذا الأمر أيحب إتمامه أو يتصنع به فكتبت إليه على يد خادم كان يكاتبني بأسراره على يده: قد عزم ذو الرياستين على عقد العهد والطالع السرطان وفيه المشتري والسرطان وإن كان شرف المشتري فهو برج منقلب لا يتم أمر يعقد فيه ومع هذا فإن المريخ في الميزان في بيت العاقبة وهذا يدل على نكبة المعقود له وعرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري فكتب إلي إذا قرأت جوابي إليك فاردده إلي مع الخادم ونفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه وأن يرجع ذو الرياستين عن عزمه لأنه أن فعل ذلك ألحقت الذنب بك وعلمت أنك سببه فضاقت علي الدنيا وتمنيت إني ما كنت كتبت إليه ثم بلغني أن الفضل بن سهل قد تنبه على الأمر ورجع عن عزمه وكان حسن العلم بالنجوم فخفت والله على نفسي وركبت إليه فقلت أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتري قال لا قلت أفتعلم أن في الكواكب نجما يكون في حال أسعد منها في شرفها قال لا قلت فامض العزم على رأيك إذ كنت تعقده وسعد الفلك في أسعد حالاته فأمضى الأمر على ذلك فما علمت إني من أهل الدنيا حتى وقع العقد فزعا من المأمون. وحاصل الخبر أن الفضل النوبختي وكان منجما أراد اختبار ما في نفس المأمون فكتب إليه أن أحكام النجوم تدل على أن عقد البيعة للرضا في هذا الوقت لا يتم وأنها تدل على نكبة المعقود له فإن كان باطن المأمون كظاهره ترك عقد البيعة في ذلك الوقت وأخره إلى وقت يكون أوفق منه فأجابه المأمون وحذره من أن يرجع ذو الرياستين عن عزمه على إيقاع عقد البيعة في ذلك الوقت وأنه إذا رجع علم أن ذلك من النوبختي وأمره بإرجاع الكتاب إليه لئلا يطلع عليه أحد ثم بلغه أن الفضل بن سهل تنبه أن الوقت غير صالح لعقد البيعة لأنه كان عالما بالنجوم فخاف النوبختي أن ينسب رجوع الفضل بن سهل عن عزمه إليه فيقتله المأمون فركب إليه وأقنعه من طريق النجوم أن الوقت صالح على خلاف الحقيقة لأنه كان اعرف منه بالنجوم فلبس الأمر عليه حتى أقنعه. وقيل أن السبب في ذلك أن الفضل بن سهل أشار عليه بهذا فاتبع رأيه قال الصدوق في عيون أخبار الرضا: قد ذكر قوم أن الفضل بن سهل أشار على المأمون بأن يجعل علي بن موسى الرضا ولي عهده منهم أبو علي الحسين بن أحمد السلامي ذكر ذلك في كتابه الذي صنفه في أخبار خراسان قال فكان الفضل بن سهل ذو الرياستين وزير المأمون ومدبر أموره وكان مجوسيا فأسلم على يدي يحيى بن خالد البرمكي وصحبه وقيل بل أسلم سهل والد الفضل على يدي المهدي وأن الفضل اختاره يحيى بن خالد البرمكي لخدمة المأمون وضمه إليه فتغلب عليه واستبد بالأمر دونه وإنما لقب بذي الرياستين لأنه تقلد الوزارة ورياسة الجند فقال الفضل حين استخلف المأمون يوما لبعض من كان يعاشره أين يقع فعلي فيما أتيته من فعل أبي مسلم فيما أتاه فقال أن أبا مسلم حولها من قبيلة إلى قبيلة وأنت حولتها من أخ إلى أخ وبين الحالين ما تعلمه، قال الفضل: فاني أحولها من قبيلة إلى قبيلة ثم أشار على المأمون بان يجعل علي بن موسى الرضا ولي عهده فبايعه وأسقط بيعة المؤتمن أخيه. فلما بلغ خبره العباسيين ببغداد ساءهم ذلك فاخرجوا إبراهيم بن المهدي وبايعوه بالخلافة فلما بلغ المأمون خبر إبراهيم علم أن الفضل بن سهل أخطأ عليه وأشار بغير الصواب فخرج من مرو منصرفا إلى العراق واحتال على الفضل بن سهل حتى قتله واحتال على علي بن موسى حتى سم في علة كانت أصابته فمات. ثم قال الصدوق: هذا ما حكاه أبو علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه والصحيح عندي أن المأمون إنما ولاه العهد وبايع له للنذر الذي قد تقدم ذكره وأن الفضل بن سهل لم يزل معاديا ومبغضا له وكارها لأمره لأنه كان من صنائع آل برمك.
كتاب المأمون إلى الرضا (ع)
بالقدوم عليه وإرساله من يشخصه
روى الصدوق في العيون بسنده عن جماعة قالوا: لما انقضى أمر المخلوع واستوى أمر المأمون كتب إلى الرضا يستدعيه ويستقدمه إلى خراسان فاعتل عليه الرضا بعلل كثيرة فما زال المأمون يكاتبه ويسأله حتى علم الرضا (ع) أنه لا يكف عنه فخرج وأبو جعفر له سبع سنين. وقال الطبري في هذه السنة أي سنة 200 للهجرة وجه المأمون رجاء بن أبي الضحاك وهو عم الفضل بن سهل وفرناس الخادم لأشخاص علي بن موسى بن جعفر بن محمد ومحمد بن جعفر وكان محمد بن جعفر خرج على المأمون بمكة وتسمى بإمرة المؤمنين ثم خلع نفسه على يد الجلودي فخرج به الجلودي إلى العراق حتى سلمه إلى الحسن بن سهل فبعث به الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو مع رجاء بن أبي الضحاك، ذكر ذلك الطبري أيضا فيكون رجاء اخذ الرضا من المدينة ومحمد بن جعفر من العراق.
روى الصدوق في العيون بسنده عن رجاء بن أبي الضحاك قال بعثني المأمون في أشخاص علي بن موسى الرضا من المدينة وأمرني أن آخذ به على طريق البصرة والأهواز وفارس ولا آخذ به على طريق قم وأمرني أن أحفظه بنفسي بالليل والنهار حتى أقدم به عليه فكنت معه من المدينة إلى مرو الحديث، ويأتي عن أبي الفرج والمفيد أنه كان المتولي لأشخاصهما الجلودي واسمه عيسى بن يزيد ويبعده أن الجلودي كان من قواد الرشيد وكان عدوا للرضا فلم يكن المأمون ليبعثه في أشخاصه، قال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين بعد ما ذكر أن الرضا دس إليه المأمون فيما ذكر سما فمات منه: ذكر الخبر في ذلك أخبرني ببعضه علي بن الحسين بن علي بن حمزة عن عمه محمد بن علي بن حمزة العلوي وأخبرني بأشياء منه أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي وجمعت أخبارهم أقول وأورد المفيد في الإرشاد بعض هذا الخبر كما أورده أبو الفرج لكن بدون سند وزاد عليه والظاهر أن ما اتفقا فيه نقله المفيد من المقاتل لأن نسخته كانت عنده بخط أبي الفرج كما صرح به في موضع آخر من الإرشاد فما اتفقا فيه نقلناه عنهما وما انفرد به أحدهما نقلناه عنه خاصة قالوا كان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب فحملهم إليه من المدينة وفيهم الرضا علي بن موسى (ع) فاخذ بهم على طريق البصرة حتى جاء بهم وكان المتولي لأشخاصهم المعروف بالجلودي قال أبو الفرج: من أهل خراسان.
وروى الكليني أن المأمون كتب إلى الرضا (ع) لا تأخذ على طريق الجبل وقم وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس. وفي رواية الصدوق: كتب إليه المأمون: لا تأخذ على طريق الكوفة وقم فحمل على طريق البصرة والأهواز وفارس نهاه عن طريق الكوفة وقم لكثرة الشيعة فيهما فخاف من تألبهم واجتماعهم عليه وطلب منه أن يذهب على طريق البصرة والأهواز وفارس وهي شيراز وما والاها وذلك لأن الذاهب من العراق إلى خراسان له طريقان أحدهما طريق البصرة الأهواز فارس الثاني طريق بلاد الجبل وهي كرمانشاه همدان قم.
وقال الحاكم في تاريخ نيسابور: أشخصه المأمون من المدينة إلى البصرة ثم إلى الأهواز ثم إلى فارس ثم إلى نيسابور إلى أن أخرجه إلى مرو وكان ما كان.
وروى الصدوق في العيون بسنده عن محول السجستاني قال: لما ورد البريد بأشخاص الرضا (ع) إلى خراسان كنت إنا بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرارا كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب فتقدمت إليه وسلمت عليه فرد السلام وهناته فقال ذرني فاني اخرج من جوار جدي صلى الله عليه وآله وسلم فأموت في غربة.
وروى الحميري في الدلائل عن أمية بن علي قال: كنت مع أبي الحسن (ع) بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار إلى خراسان، ومعه أبو جعفر ع، وأبو الحسن (ع) يودع البيت فلما قضى طوافه عدل إلى المقام فصلى عنده فصار أبو جعفر على عنق موفق يطوف به فصار أبو جعفر (ع) إلى الحجر فجلس فيه فأطال فقال له موفق قم جعلت فداك فقال ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاء الله واستبان في وجهه الغم فأتى موفق أبا الحسن (ع) فقال جعلت فداك قد جلس أبو جعفر (ع) في الحجر وهو يأبى أن يقوم فقام أبو الحسن (ع) فأتى أبا جعفر (ع) فقال له قم يا حبيبي فقال ما أربد أن أبرح من مكاني هذا قال بلى يا حبيبي ثم قال كيف أقوم وقد ودعت البيت وداعا لا تراجع إليه فقال قم يا حبيبي فقام معه. دخوله نيسابور روى الصدوق في العيون: أن الرضا (ع) لما دخل نيسابور نزل في محلة يقال لها القزويني الغزيني خل فيها حمام وهو الحمام المعروف اليوم بحمام الرضا وكانت هناك عين قد قل ماؤها فأقام عليها من اخرج ماءها حتى توفر واتخذ من خارج الدرب حوضا ينزل إليه بالمراقي إلى هذه العين فدخله الرضا (ع) واغتسل فيه ثم خرج منه فصلى على ظهره والناس يتناوبون ذلك الحوض ويغتسلون منه التماسا للبركة ويصلون على ظهره ويدعون الله عز وجل في حوائجهم وهي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلى يومنا هذا. حديث سلسلة الذهب
في كتاب الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي قال حدث المولى السعيد أمام الدنيا عماد الدين محمد بن أبي سعيد بن عبد الكريم الوازن في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة أورد صاحب كتاب تاريخ نيشابور في كتابه أن علي بن موسى الرضا (ع) لما دخل إلى نيشابور في السفرة التي خص فيها بفضيلة الشهادة كان في قبة مستورة بالسقلاط على بغلة شهباء وقد شق نيسابور فعرض له الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية والمثابران على السنة المحمدية أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم وأهل الأحاديث وأهل الرواية والدراية فقالا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نذكرك به فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلة عن القبة وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة فكانت له ذؤابتان على عاتقه والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه وهم ما بين صارخ وباك ومتمرع في التراب ومقبل لحافر بغلته وعلا الضجيج فصاح الأئمة والعلماء والفقهاء: معاشر الناس اسمعوا وعوا وأنصتوا لسماع ما ينفعكم ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي فقال علي بن موسى الرضا ع. حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين شهيد كربلا عن أبيه علي بن أبي طالب أنه قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حدثني جبرائيل قال سمعت رب العزة سبحانه تعالى يقول كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي ثم أرخى الستر على القبة وسار. فعدوا أهل المحابر والدوي الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا وفي رواية عد من المحابر أربعة وعشرون ألفا سوى الدوي.
وصول الرضا (ع) إلى مرو
قال أبو الفرج والمفيد في تتمة كلامهما السابق: فقدم بهم أي بالجماعة من آل أبي طالب الجلودي على المأمون فأنزلهم دارا وأنزل الرضا علي بن موسى (ع) دارا قال المفيد وأكرمه وعظم أمره.
البيعة للرضا (ع) بولاية العهد
روى الصدوق في العيون بسنده في حديث أن الرضا (ع) لما ورد مرو عرض عليه المأمون أن يتقلد الإمرة والخلافة فأبى الرضا (ع) ذلك وجرت في هذا مخاطبات كثيرة وبقوا في ذلك نحوا من شهرين كل ذلك يأبى عليه أبو الحسن علي بن موسى أن يقبل ما يعرض عليه. قال المفيد في تتمة كلامه السابق: ثم أن المأمون أنفذ إلى الرضا (ع) إني أريد أن اخلع نفسي من الخلافة وأقلدك إياها فما رأيك في ذلك فأنكر الرضا (ع) هذا الأمر وقال له أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد فرد عليه الرسالة وقال فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي فأبى عليه الرضا (ع) إباء شديدا فاستدعاه إليه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرياستين ليس في المجلس غيرهم وقال إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي واضعه في رقبتك فقال له الرضا (ع) الله الله يا أمير المؤمنين أنه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه قال له فإني موليك العهد من بعدي فقال له أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين فقال له المأمون كلاما فيه كالتهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه أن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه ولا بد من قبولك ما أريده منك فإنني لا أجد محيصا عنه فقال له الرضا (ع) فاني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على انني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم فأجابه المأمون إلى ذلك كله.
ثم قال المفيد: اخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد قال حدثنا جدي قال حدثني موسى بن سلمة قال كنت بخراسان مع محمد بن جعفر فسمعت أن ذا الرياستين خرج ذات يوم وهو يقول وا عجباه وقد رأيت عجبا سلوني ما رأيت فقالوا وما رأيت أصلحك الله قال رأيت المأمون أمير المؤمنين يقول لعلي بن موسى قد رأيت أن أقلدك أمور المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأجعله في رقبتك ورأيت علي بن موسى يقول يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بذلك ولا قوة فما رأيت خلافة قط كانت أضيع منها أن أمير المؤمنين يتقصى منها ويعرضها على علي بن موسى وعلي بن موسى يرفضها ويأباها. قال: وذكر جماعة من أصحاب الأخبار ورواة السير والآثار وأيام الخلفاء أن المأمون لما أراد العقد للرضا علي بن موسى (ع) وحدث نفسه بذلك أحضر الفضل بن سهل فاعلمه بما قد عزم عليه من ذلك وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ففعل واجتمعا بحضرته فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه فقال له المأمون إني عاهدت الله على إنني أن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض، فلما رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته فيه فأرسلهما إلى الرضا (ع) فعرضا ذلك عليه فامتنع منه فلم يزالا به حتى أجاب ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته فسر بذلك.
وذكر نحوه أبو الفرج في تتمة كلامه السابق إلا أنه قال فأرسلهما إلى علي بن موسى فعرضا ذلك عليه فأبى فلم يزالا به وهو يأبى ذلك ويمتنع منه إلى أن قال له أحدهما أن فعلت وإلا فعلنا بك وصنعنا تهدداه ثم قال له أحدهما والله أمرني بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد.
(أقول): سيأتي أن الحسن بن سهل قبل بيعة الرضا وبعدها كان في العراق في بغداد والمدائن فالظاهر أن المأمون استدعاه إلى خراسان حين أراد البيعة للرضا (ع) فلما تم أمر البيعة عاد إلى العراق. قال المفيد: وجلس المأمون للخاصة في يوم خميس وخرج الفضل بن سهل فاعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى الرضا (ع) وأنه قد ولاه عهده وسماه الرضا وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الأخر على أن يأخذوا رزق سنة فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفراشه وأجلس الرضا عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع له أول الناس فرفع الرضا (ع) يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم، فقال له المأمون: أبسط يدك للبيعة، فقال الرضا (ع) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا كان يبايع، فبايعه الناس ووضعت البدر وقامت الخطباء والشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا (ع) وما كان المأمون في أمره، ثم دعا أبو عباد وهو أحد وزراء المأمون وكاتب سره بالعباس بن المأمون فوثب فدنا من أبيه فقبل يده وأمره بالجلوس، ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد، فقال له الفضل بن سهل قم فقام فمشى حتى قرب من المأمون فوقف ولم يقبل يده فقيل له امض فخذ جائزتك وناداه المأمون ارجع يا أبا جعفر إلى مجلسك فرجع، ثم جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي يقبضان جوائزهما حتى نفدت الأموال. ثم قال المأمون للرضا (ع) أخطب الناس وتكلم فيهم فحمد الله وأثنى عليه وقال: (إن لنا عليكم حقا برسول الله صلى الله عليه وسلمولكم علينا حقا به فإذا أنتم أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم). ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس. وروى الصدوق في العيون والأمالي عن الحسين ابن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن الحسين بن الجهم عن أبيه قال: صعد المأمون المنبر ليبايع علي بن موسى الرضا (ع) فقال: أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والله لو قرئت هذه الأسماء على الصم والبكم لبرئوا بإذن الله عز وجل. وقال الطبري: جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده وسماه الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة وكتب بذلك إلى الأفاق وذلك يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 201. وروى الصدوق في العيون عن البيهقي عن أبي بكر الصولي عن أبي ذكوان عن إبراهيم بن العباس الصولي قال: كانت البيعة للرضا (ع) لخمس خلون من شهر رمضان سنة 201.
(وقال المفيد) وأبو الفرج: وأمر المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسم الرضا (ع) وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس وخطب للرضا (ع) في كل بلد بولاية العهد. قال أبو الفرج: فحدثني أحمد بن محمد بن سعيد (وقال المفيد): روى أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن العلوي قال حدثني من سمع عبد الحميد بن سعيد يخطب في تلك السنة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فقال في الدعاء له: اللهم وأصلح ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع):
ستة آباء هم ما هم | أفضل من يشرب صوب الغمام |
وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله فلما دخل عليه قال: إني قد قلت قصيدة وجعلت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال فانشده قصيدته التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة | ومنزل وحي مقفر العرصات |
حتى أتى على آخرها فلما فرع من إنشادها قام الرضا (ع) فدخل إلى حجرته وبعث إليه خادما بخرقة خز فيها ستمائة دينار وقال لخادمه قل له استعن بهذه على سفرك واعذرنا فقال له دعبل لا والله ما هذا أردت ولا له خرجت ولكن قل له ألبسني ثوبا من أثوابك وردها عليه فردها الرضا (ع) إليه وقال له خذها وبعث إليه بجبة من ثيابه فخرج دعبل حتى ورد قم فلما رأوا الجبة معه أعطوه فيها ألف دينار فأبى عليهم وقال لا والله ولا خرقة منها بألف دينار ثم خرج من قم فاتبعوه وقطعوا عليه الطريق واخذوا الجبة فرجع إلى قم وكلمهم فيها فقالوا ليس إليها سبيل ولكن أن شئت فهذه ألف دينار خذها قال لهم وخرقة منها فأعطوه ألف دينار وخرقة من الجبة الإرشاد.
وقال عبد الله بن المعتز كما في مناقب ابن شهراشوب:
وأعطاكم المأمون حق خلافة | لنا حقها لكنه جاد بالدنيا |
فمات الرضا من بعد ما قد علمتم | ولاذت بنا من بعده مرة أخرى |
صورة العهد الذي كتبه المأمون
بخطه بولاية العهد للرضا (ع).
كتب المأمون بخطه ومن إنشائه عهدا للرضا (ع) بولاية العهد وأشهد عليه، وكتب عليه الرضا (ع) بخطه الشريف وذكره عامة المؤرخين. قال علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة: في سنة 670 وصل من مشهده الشريف أحد قوامه ومعه العهد الذي كتبه المأمون بخط يده وبين سطوره وفي ظهره بخط الأمام (ع) وما هو مسطور فقبلت مواقع أقلامه وسرحت طرفي في رياض كلامه وعددت الوقوف عليه من منن الله وإنعامه ونقلته حرفا حرفا وهو بخط المأمون: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده أما بعد فإن الله عز وجل اصطفى الإسلام دينا واصطفى له من عباده رسلا دالين عليه وهادين إليه يبشر أولهم آخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم حتى انتهت نبوة الله إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم على فترة من الرسل ودروس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من الساعة فختم الله به النبيين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد بما أحل وحرم ووعد وأوعد وحذر وأنذر وأمر به ونهى عنه لتكون له الحجة البالغة على خلقه
{ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم} فبلغ عن الله رسالته ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ثم بالجهاد والغلظة حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده صلى الله عليه وآله وسلم فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الوحي والرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة وإتمامها وعزها والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها تقام فرائض الله وحدوده وشرائع الإسلام وسننه ويجاهد بها عدوه فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله وأمن السبيل وحقن الدماء وصلاح ذات أبين وجمع الألفة وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم واختلاف ملتهم وقهر دينهم واستعلاء عدوهم وتفرق الكلمة وخسران الدنيا والآخرة فحق علي من استخلفه الله في أرضه وائتمنه على خلقه أن يجهد لله نفسه ويؤثر ما فيه رضى الله وطاعته ويعتد لما لله مواقفه عليه ومسائله عنه ويحكم بالحق ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود (ع)
{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله أن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}، وقال الله عز وجل:
{فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}، وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال: لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها، وأيم الله أن المسؤول عن خاصة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله ليعرض على أمر كبير وعلى خطر عظيم فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمة وبالله الثقة واليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة والفوز من الله بالرضوان والرحمة وأنظر الأمة لنفسه انصحهم لله في دينه وعباده من خلائفه في أرضه من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه (ع) في مدة أيامه وبعدها وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده وينصبه علما لهم ومفزعا في جمع ألفتهم ولم شعثهم وحقن دمائهم والأمن بإذن الله من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ورفع نزع الشيطان وكيده عنهم فإن الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاحه وألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة وشملت فيه العافية ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة والسعي في الفرقة والتربص للفتنة ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها وثقل محملها وشدة مؤونتها وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله منها فانصب بدنه واسهر عينه وأطال فكره فيما فيه عز الدين وقمع المشركين وصلاح الأمة ونشر العدل وإقامة الكتاب والسنة ومنعه ذلك من الخفض والدعة ومهنا العيش علما بما الله سائله عنه ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل ما يقدر عليه في ورعه ودينه وعلمه وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه مناجيا له تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته الهامة ما فيه رضاه وطاعته في إناء ليله ونهاره معملا في طلبه والتماسه فيل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب فكره ونظره مقتصرا ما علم حاله ومذهبه منهم على علمه وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته حتى استقصى أمورهم معرفة وابتلى أخبارهم مشاهدة واستبرى أحوالهم معاينة وكشف ما عندهم مسألة فكانت خبرته بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع وعلمه الناصع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وتسلمه من الناس وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية والألسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناضيا وحدثا ومكتهلا فعقد له بالعهد والخلافة من بعده واثقا بخيرة الله في ذلك إذ علم الله أنه فعله إيثارا له وللدين ونظرا للإسلام والمسلمين وطلبا للسلامة وثبات الحق والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه فبايعوا مسرعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة وسماه الرضا إذ كان رضا عند أمير المؤمنين فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين لأمير المؤمنين وللرضا من بعده علي بن موسى على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينين وعباده بيعة مبسوطة إليها أيديكم منشرحة لها صدوركم عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها وآثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم فيها شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم وحقن دمائكم ولم شعثكم وسد ثغوركم وقوة دينكم واستقامة أموركم وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين فأنه الأمر الذي أن سارعتم إليه وحمدتم الله عليه عرفتم الحظ فيه أن شاء الله وكتب بيده في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
صورة ما كان على ظهر العهد
بخط الأمام علي بن موسى الرضا (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين أقول وإنا علي الرضا بن موسى بن جعفر أن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قطعت وأمن نفوسا فزعت بل أحياها وقد تلفت وأغناها إذا افتقرت مبتغيا رضى رب العالمين لا يريد جزاء من غيره وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع اجر المحسنين وأنه جعل إلى عهده والإمرة الكبرى أن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله بشدها وفصم عروة أحب الله إيثاقها فقد أباح حريمه وأحل محرمه إذا كان بذلك زاريا على الأمام منتهكا حرمة الإسلام بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات ولم يعترض بعدها على العزمات خوفا من شتات الدين واضطراب حبل المسلمين ولقرب أمر الجاهلية ورصد فرصة تنتهز وبائقة تبتدر وقد جعلت الله على نفسي إذ استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وان لا اسفك دما حراما ولا أبيح فرجا ولا مالأ إلا ما سفكته حدود الله وأباحته فرايضه وان أتخير الكفاة جهدي وطاقتي وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه فأنه عز وجل يقول وأوفوا بالعهد أن العهد كان مسؤولا وان أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للغير مستحقا وللنكال متعرضا وأعوذ بالله من سخطه واليه ارغب في التوفيق لطاعته والحؤول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين. وما أدري ما يفعل بي ولا بكم أن الحكم إلا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه والله يعصمني وإياه وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه والفضل بن سهل وسهل بن الفضل ويحيى بن أكثم وعبد الله بن طاهر وثمامة بن أشرس وبشر بن المعتمر وحماد بن النعمان في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
الشهود على الجانب الأيمن
شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه وهو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق، وكتب بخطه في التاريخ المبين فيه عبد الله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته فيه بتاريخه شهد حماد بن النعمان بمضمونه ظهره وبطنه وكتب بيده في تاريخه بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك.
الشهود على الجانب الأيسر
رسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق نرجو أن يجوز بها الصراط ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الروضة والمنبر على رؤوس الأشهاد بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد بعد استيفاء شروط البيعة عليهم بما أوجب أمير المؤمنين الحجة على جميع المسلمين ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه وكتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتاريخ فيه.
هذا ما ذكره صاحب كشف الغمة وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ثم قرئ العهد في جميع الأفاق وعند الكعبة وبين قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنبره وشهد فيه خواص المأمون وأعيان العلماء فمن ذلك شهادة الفضل بن سهل كتب بخطه شهدت على أمير المؤمنين عبد الله المأمون وعلى أبي الحسن علي بن موسى بن جعفر بما أوجبا به الحجة عليهما للمسلمين وأبطلا به شبهة الجاهلين وكتب فضل بن سهل في التاريخ المذكور وشهد عبد الله بن طاهر بمثل ذلك وشهد بمثله يحيى بن أكثم القاضي وحماد بن أبي حنيفة وأبو بكر الصولي والوزير المغربي وبشر بن المعتمر في خلق كثير.
صورة الدرهم الذي ضرب
في عهد الرضا (ع) بأمر المأمون
كما اورده صاحب كتاب مطلع الشمس واستشهد على ذلك جماعة من العلماء والمجتهدين ووضعوا خطوطهم وخواتيمهم وأصل الصورة بالخط الكوفي ونقشت أيضا بالخط النسخ وهذه صورة الخط النسخ.
كتب على أحد الجانبين في الوسط في سبعة سطور هكذا:
الله
محمد رسول الله
المأمون خليفة الله
مما أمر به الأمير الرضا
ولي عهد المسلمين علي بن موسى
ابن علي بن أبي طالب
ذو الرياستين
وكتب عن الجانب الأخر في الوسط في أربعة سطور هكذا:
لا إله إلا الله
وحده لا شريك له
المشرق
وكتب على أحد جانبي الدرهم بشكل دائرة هكذا:
محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
وعلى الجانب الأخر بشكل دائرتين داخلة وخارجة فعلى الداخلة هكذا:
بسم الله ضرب هذا الدرهم بمدينة أصبهان سنة أربع ومائتين.
وعلى الخارجة هكذا:
في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون.
ومما ينبغي التنبه له أن كتابة هذا الدرهم إذا صحت تؤيد أن وفاة الرضا (ع) سنة 206 وتوهن ما قيل أن وفاته سنة 203 أو أقل كما مر إلا أن يكون هذا الدرهم طبع بعد وفاته (ع) تبركا وليس مما طبع بأمر المأمون والله أعلم.
خروج الرضا (ع) لصلاة العيد بمرو وعوده قبل الصلاة
في إرشاد المفيد: روى علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعا قال لما حضر العيد وكان قد عقد للرضا (ع) الأمر بولاية العهد بعث المأمون إليه في الركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة بهم فبعث إليه الرضا (ع) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول هذا الأمر فاعفني من الصلاة بالناس فقال له المأمون إنما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك ولم تزل الرسل تتردد بينهما في ذلك فلما ألح عليه المأمون أرسل إليه أن أعفيتني فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال له المأمون اخرج كيف شئت وأمر القواد والحجاب والناس أن يبكروا إلى باب الرضا (ع) قال فقعد الناس لأبي الحسن (ع) في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار جميع القواد والجند إلى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل أبو الحسن (ع) ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه ومس شيئا من الطيب واخذ بيده عكازا وقال لمواليه افعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر وكبر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة سقطوا كلهم عن الدواب إلى الأرض وكان أحسنهم حالا من كان معه سكين فقطع بها شرابة جاجيلته ونزعها وتحفى. وكبر الرضا (ع) على الباب الأكبر وكبر الناس معه فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا أبا الحسن (ع) وسمعوا تكبيره وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين يا أمير المؤمنين أن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلنا على دمائنا فأنفذ إليه أن يرجع فبعث إليه المأمون قد كلفناك شططا وأتعبناك ولسنا نحب أن تلحقك مشقة فارجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم على رسمه، فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه وركب ورجع واختلف أمر الناس في ذلك اليوم ولم ينتظم في صلاتهم. وحق أن ينشد في ذلك قول البحتري في المتوكل فالرضا (ع) أحق به كما أشار إليه ابن شهراشوب في المناقب:
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا | لما طلعت من الصفوف وكبروا |
حتى انتهيت إلى المصلى لابسا | نور الهدى يبدو عليك فيظهر |
ومشيت مشية خاشع متواضع | لله لا يزهى ولا يتكبر |
ولو أن مشتاقا تكلف فوق ما | في وسعه لسعى إليك المنبر. |
بقية أخباره مع المأمون
أدخل رجل إلى المأمون أراد ضرب رقبته والرضا (ع) حاضر فقال المأمون ما تقول فيه يا أبا الحسن فقال أقول أن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا، فعفا عنه. وروى الأبي في نثر الدرر أن المأمون قال للرضا (ع) يا أبا الحسن أخبرني عن جدك علي بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة والنار فقال يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حب علي إيمان وبغضه كفر قال بلى قال الرضا (ع) فهو قسيم الجنة والنار، فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
مجلس للرضا (ع) عند المأمون
أجاب فيه عن الآيات الموهمة عدم عصمة الأنبياء
في عيون أخبار الرضا: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي حدثني أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن علي بن محمد بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (ع) فقال له المأمون يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون قال بلى قال فما معنى قول الله عز وجل
{فعصى آدم ربه فغوى} فقال (ع) أن الله تبارك وتعالى قال لآدم
{أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة} وأشار لهما إلى شجرة الحنطة
{فتكونا من الظالمين} ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وإنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما وقال
{ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة} وإنما نهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الأكل منها
{إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما من الناصحين} ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا
{فدلاهما بغرور} {فأكلا} منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عز وجل
{وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه فهدى} وقال عز وجل
{أن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}. فقال له المأمون فما معنى قول الله عز وجل
{فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} فقال له الرضا (ع) أن حواء ولدت لآدم وإن آدم (ع) وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا
{لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين، فلما آتيناهما صالحا} من النسل خلقا سويا بريئا من الزمان والعاهة وكان ما آتاهما صنفين صنفا ذكر إنا وصنفا إناثا فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل قال الله تبارك وتعالى
{فتعالى الله عما يشركون}، فقال المأمون أشهد انك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقا فأخبرني عن قول الله عز وجل في حق إبراهيم (ع)
{فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي} فقال الرضا (ع) أن إبراهيم (ع) وقع إلى ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي اختفى فيه فلما جن عليه الليل فرأى الزهرة قال
{هذا ربي} على الإنكار والاستخبار
{فلما أفل} الكوكب
{قال لا أحب الأفلين} لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم
{فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي} على الإنكار والاستخبار
{فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} يقول لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين
{فلما} أصبح و
{رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر} من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا على الأخبار والإقرار
{فلما أفلت قال} للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس
{يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما إنا من المشركين} وإنما أراد إبراهيم (ع) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل
{وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه}. قال المأمون بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان قال الرضا (ع) أن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فقضى موسى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات فقال هذا من عمل الشيطان يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى (ع) من قتله
{أنه} يعني الشيطان
{عدو مضل مبين}. فقال المأمون فما معنى قول موسى
{رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} قال يقول إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني
{فغفر له أنه هو الغفور الرحيم قال} موسى
{رب بما أنعمت علي} من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة
{فلن أكون ظهيرا للمجرمين} بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى
{فأصبح} موسى (ع)
{في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه} على آخر
{قال له يا موسى انك لغوي مبين} قاتلت رجلا بالأمس وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك وأراد أن يبطش به
{فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما} وهو من شيعته
{قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس أن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}. قال المأمون جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون
{فعلتها إذا وإنا من الضالين} قال الرضا (ع) أن فرعون قال لموسى لما أتاه
{وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين، قال} موسى
{فعلتها إذا وإنا من الضالين} عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك
{ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين} وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم
{ألم يجدك يتيما فأوى} يقول
{ألم يجدك وحيدا فأوى }إليك الناس ووجدك ضالا يعني عند قومك فهدى أي هداهم إلى معرفتك
{ووجدك عائلا فأغنى} يقول أغناك بان جعل دعاءك مستجابا قال المأمون بارك الله فيك يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل
{ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن} {الآية} كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (ع) لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال فقال الرضا (ع) أن كليم الله موسى بن عمران علم أن الله تعالى غني عن أن يرى بالأبصار ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم فخرج بهم إلى الطور وسال الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وإمام لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة الزيتونة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا انك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله تعالى إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا انك لو سالت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى يا قوم أن الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم بإعلامه فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى يا رب انك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت اعلم بصلاحهم فأوحى الله تعالى إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى
{رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه} وهو يهوي
{فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل} بآية من آياته
{جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك} يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي
{وإنا أول المؤمنين} منهم بأنك لا ترى. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن. فأخبرني عن قول الله عز وجل
{ولقد هممت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} فقال الرضا (ع) لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم يهم بذنب ولا يأتيه ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق (ع) أنه قال همت بان تفعل وهم بان لا يفعل. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل
{وذا النون إذ ذهب مغاضبا} الآية فقال الرضا (ع) ذاك يونس بن متى (ع) ذهب مغاضبا لقومه
{فظن} بمعنى استيقن
{أن لن نقدر عليه} أي لن نضيق عليه رزقه ومنه قوله عز وجل
{وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه} أي ضيق وقتر
{فنادى في الظلمات} أي ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت
{أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله تعالى له وقال عز وجل
{فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن. فأخبرني عن قول الله عز وجل
{حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} قال الرضا (ع) يقول الله عز وجل حتى إذا استيأس الرسل من قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن. فأخبرني عن قول الله عز وجل
{ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} قال الرضا (ع) لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما فلما جاءهم صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا
{أجعل الآلهة إلها وأحدا أن هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم أن هذا لشيء يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة أن هذا إلا اختلاق} فلما فتح الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مكة قال له يا محمد
{إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن. فأخبرني عن قول الله عز وجل
{عفا الله عنك لم أذنت لهم} قال الرضا (ع) هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته وكذلك قوله تعالى
{لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} وقوله عز وجل
{ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} قال صدقت يا ابن رسول الله
{الحديث}.
قال الصدوق هذا الحديث غريب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع ما جاء من نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت (ع).
وفي المناقب: قال ابن سنان كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم الأثنين ويوم الخميس ويقعد الرضا (ع) على يمينه فرفع إليه أن صوفيا من أهل الكوفة سرق فأمر بإحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال سوأة لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح فقال الرجل فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا وقال الله تعالى
{فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لآثم} {فلا إثم عليه} وقد منعت من الخمس والغنايم فقال وما حقك منها فقال قال الله تعالى
{واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فمنعتني حقي وإنا مسكين وابن السبيل وإنا من حملة القرآن وقد منعت كل سنة مني مائتي دينار بقول النبي (ع) فقال المأمون لا أعطل حدا من حدود الله وحكما من إحكامه في السارق من أجل أساطيرك هذه قال فابدأ أولا بنفسك فطهرها ثم طهر غيرك وأقم حدود الله عليها ثم على غيرك قال فالتفت المأمون إلى الرضا (ع) فقال ما يقول قال يقول أنه سرق فسرق قال فغضب المأمون ثم قال والله لأقطعكن قال أتقطعني وأنت عبدي فقال ويلك أيش تقول قال أليست أمك اشتريت من مال الفيء فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك وإنا منهم وما أعتقتك والأخرى أن النجس لا يطهر نجسا إنما يطهر طاهر ومن في جنبه حد لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه أما سمعت الله تعالى يقول
{أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} فالتفت المأمون إلى الرضا (ع) فقال ما تقول قال أن الله عز وجل قال لنبيه (ع)
{قل فلله الحجة البالغة} وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها على جهله كما يعلمها العالم بعلمه والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة وقد احتج الرجل، قال فأمر بإطلاق الرجل الصوفي وغضب على الرضا (ع) في السر ورواه الصدوق في العيون بسنده عن محمد بن سنان نحوه.
تزويج الرضا (ع) بنت المأمون أو أخته
روى الصدوق في العيون أن المأمون بعد ما جعل الرضا (ع) ولي عهده زوجه ابنته أم حبيب أو أم حبيبة في أول سنة 102 وفي رواية أنه زوجه ابنته أم حبيبة وسمى للجواد ابنته أم الفضل وتزوج هو ببوران بنت الحسن بن سهل كل هذا في يوم واحد. وقال علي بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب ع: زوجه المأمون ابنته وقيل أخته المكناة أم أبيها قال والرواية الصحيحة أخته أم حبيبة وسأله أن يخطب لنفسه فلما اجتمع الناس للأملاك خطب خطبة قال في آخرها والتي تذكر أم حبيبة أخت أمير المؤمنين عبد الله المأمون صلة للرحم وأمشاج الشبيكة وقد بذلت لها من الصداق خمسمائة درهم تزوجني يا أمير المؤمنين فقال المأمون نعم قد زوجتك فقال قد قبلت ورضيت. عزم المأمون على الخروج من مرو إلى بغداد وسبب ذلك وما يتعلق منه بالرضا (ع) ولا بد لبيان ذلك من تقديم مقدمة تاريخية: روى الطبري في تاريخه أنه في سنة 168 ولى المأمون كل ما كان طاهر بن الحسين افتتحه من كور الجبال وفارس والأهواز والبصرة والكوفة والحجاز واليمن الحسن بن سهل وكتب إلى طاهر وهو مقيم ببغداد بتسليم ذلك إلى خلفاء الحسن بن سهل وأن يشخص إلى الرقة وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب. وطاهر بن الحسين الخزاعي هذا هو الذي فتح بغداد وقتل الأمين. وفي سنة 199 قدم الحسن بن سهل بغداد من عند المأمون واليه الحرب والخراج وفرق عماله في الكور والبلدان وكان هرثمة بن أعين من قواد بني العباس في العراق حين ورد الحسن بن سهل إليها فسلم إلى الحسن ما كان بيده من الأعمال وتوجه نحو خراسان مغاضبا للحسن حتى بلغ حلوان وخرج بالكوفة أبو السرأيا فاستفحل أمره فلم يلق عسكرا إلا هزمه فأرسل الحسن إلى هرثمة ليرجع ويحارب أبا السرأيا فأبى فلم يزل الحسن يتلطف به حتى قبل وهزم أبو السرأيا وقتل فلما فرع هرثمة من أمر أبي السرأيا خرج حتى أتى خراسان وقد أتته كتب المأمون أن يرجع إلى الشام أو الحجاز فأبى وقال لا ارجع حتى آتي أمير المؤمنين إدلالا منه عليه لما كان يعرف من نصيحته له ولآبائه وأراد أن يعرف المأمون ما يدبر عليه الفضل وما يكتم عنه من الأخبار ولا يدعه حتى يرده إلى بغداد فعلم الفضل ما يريد فافسد قلب المأمون عليه وقال أنه دس أبا السرأيا وهو جندي من جنده حتى عمل ما عمل ولو شاء هرثمة أن لا يفعل ذلك أبو السرأيا ما فعله وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدة كتب أن يرجع فأبى مشاقا فلما دخل على المأمون عنفه فذهب ليعتذر فلم يقبل ذلك منه ووجئ انفه وديس بطنه وحبس ثم دسوا إليه فقتلوا وقالوا للمأمون أنه مات وذلك سنة 200 وكان الحسن بن سهل بالمدائن حين شخص هرثمة إلى خراسان والوالي على بغداد من قبله علي بن هشام فلما اتصل بأهل بغداد ما صنع بهرثمة طردوا علي بن هشام من بغداد وهرب الحسن بن سهل إلى واسط وذلك في أوائل سنة 201-وكان عيسى بن محمد بن أبي خالد بن الهندوان عند طاهر بن الحسين بالرقة فقدم بغداد واجتمع هو وأبوه على قتال الحسن بن سهل بأهل بغداد فجرح أبوه في بعض الوقائع فمات ثم رأى الحسن بن سهل أنه لا طاقة له بعيسى فصالحه وبايع المأمون الرضا بولاية العهد في هذه السنة فورد على عيسى بن محمد بن أبي خالد كتاب من الحسن بن سهل يعلمه فيه بان المأمون بايع للرضا بولاية العهد وأمر بطرح لبس الثياب السود ولبس ثياب الخضرة ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ويأخذ أهل بغداد بذلك جميعا فقال بعضهم نبايع ونلبس الخضرة وقال بعض لا نبايع ولا نلبس الخضرة ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس وإنما هذا دسيس من الفضل بن سهل وغضب ولد العباس من ذلك واجتمع بعضهم إلى بعض وقالوا نولي بعضنا ونخلع المأمون فبايعوا إبراهيم بن المهدي وخلعوا المأمون وذلك يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة سنة 201-وذكر أبو علي الحسين في العيون أن المأمون لما بايع الرضا بولاية العهد وبلغ ذلك العباسيين ببغداد ساءهم فاخرجوا إبراهيم بن المهدي عم المأمون المعروف بابن شكلة وبايعوه بالخلافة وخلعوا المأمون وكان إبراهيم مغنيا مشهورا مولعا بضرب العود منهمكا بالشراب وفيه يقول أبو فراس الحمداني:
منكم علية أم منهم وكان لكم | شيخ المغنين إبراهيم أم لهم |
ويقول دعبل الخزاعي:
يا معشر الأجناد لا تقنطوا | خذوا عطاياكم ولا تسخطوا |
فسوف يعطيكم حنينية | يلذها الأمرد والأشمط |
والمعبديات لقوادكم | لا تدخل الكيس ولا تربط |
وهكذا يرزق أصحابه | خليفة مصحفه البربط |
وقال دعبل أيضا:
أن كان إبراهيم مضطلعا بها | فلتصلحن من بعده لمخارق |
{مخارق من المغنين المشهورين} وكتب المأمون إلى الحسن بن سهل بمحاصرة بغداد ووقعت الحرب بين أصحاب إبراهيم وأصحاب الحسن بن سهل واختل الأمر في عراق العرب والمأمون لا يعلم بذلك كان الفضل يخفي عنه الأخبار ولا يخبره أحد خوفا من الفضل فأخبره الرضا بذلك وأشار عليه بالرحيل إلى بغداد. قال الطبري ذكر أن علي بن موسى بن جعفر بن محمد العلوي أخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من الأخبار وأن أهل بيته والناس قد نقموا عليه أشياء وأنهم بايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي بالخلافة فقال المأمون أنهم لم يبايعوا له بالخلافة وإنما صيروه أميرا يقوم بأمرهم على ما أخبر به الفضل فاعلمه أن الفضل قد كذبه وغشه وان الحرب قائمة بين إبراهيم والحسن بن سهل وان الناس ينقمون عليه مكانه ومكان أخيه ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك فقال ومن يعلم هذا فسمى له أناسا من وجوه أهل العسكر فسألهم فأبوا أن يخبروه حتى يكتب لهم أمانا بخطه ألا يعرض لهم الفضل فاخبروه بما فيه الناس من الفتن وبغضب أهل بيته ومواليه وقواده وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة وأن هرثمة إنما جاء لينصحه وأن الفضل دس إليه من قتله وأنه أن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة منه ومن أهل بيته وان طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته ما أبلى حتى إذا وطئ الأمر أخرج من ذلك كله وصير في زاوية من الأرض بالرقة وان الدنيا قد تفتقت من أقطارها وسألوه الخروج إلى بغداد فلما تحقق ذلك عنده أمر بالرحيل إلى بغداد فلما علم الفضل بن سهل ببعض ذلك تعنتهم حتى ضرب بعضهم بالسياط وحبس بعضا ونتف لحى بعض فعاوده علي بن موسى في أمرهم واعلمه ما كان من ضمانه لهم فاعلمه أنه يداوي ما هو فيه. وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: قال علماء السير فلما فعل المأمون ذلك شغبت بنو العباس ببغداد عليه وخلعوه من الخلافة وولوا إبراهيم بن المهدي والمأمون بمرو وتفرقت قلوب شيعة بني العباس عنه فقال له علي بن موسى الرضا (ع): يا أمير المؤمنين النصح لك واجب والغش لا يحل لمؤمن أن العامة تكره ما فعلت معي والخاصة تكره الفضل بن سهل فالرأي أن تنحينا عنك حتى يستقيم لك الخاصة والعامة فيستقيم أمرك.
وروى الصدوق في العيون بسنده عن ياسر الخادم قال: بينما نحن عند الرضا (ع) يوما إذ سمعنا وقع القفل الذي كان على باب المأمون إلى دار أبي الحسن (ع) فقال لنا أبو الحسن قوموا تفرقوا عنه فجاء المأمون ومعه كتاب طويل فأراد الرضا (ع) أن يقوم فاقتسم عليه المأمون بحق المصطفى أن لا يقوم إليه ثم جاء حتى انكب على أبي الحسن وقبل وجهه وقعد بين يديه على وسادة فقرأ ذلك الكتاب عليه فإذا هو فتح لبعض قرى كابل فيه إنا فتحنا قرية كذا وكذا فلما فرع قال له الرضا (ع): وسرك فتح قرية من قرى الشرك؟ فقال له المأمون: أوليس في ذلك سرور؟ فقال يا أمير المؤمنين أتى الله في أمة محمد وما ولاك الله في هذا الأمر وخصك فإنك قد ضيعت أمور المسلمين وفوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيها بغير حكم الله عز وجل وقعدت في هذه البلاد وتركت بيت الهجرة ومهبط الوحي وان المهاجرين والأنصار يظلمون دونك ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه ويعجز عن نفقته فلا يجد من يشكو إليه حاله ولا يصل إليك فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين وارجع إلى بيت النبوة ومعدن المهاجرين والأنصار، أما علمت يا أمير المؤمنين أن والي لمسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط من أراده أخذه، قال المأمون يا سيدي فما ترى؟ قال أرى أن تخرج من هذه البلاد وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك وتنظر في أمور المسلمين ولا تكلهم إلى غيرك فإن الله عز وجل سائلك عما ولاك فقام المأمون فقال نعم ما قلت يا سيدي هذا هو الرأي، فخرج وأمر أن تقدم النوائب وبلغ ذلك ذا الرياستين فغمه غما شديدا وقد كان غلب على الأمر ولم يكن للمأمون عنده رأي فلم يجسر أن يكاشفه ثم قوي بالرضا (ع) جدا، فجاء ذو الرياستين إلى المأمون وقال له يا أمير المؤمنين ما هذا الرأي الذي أمرت به؟ فقال أمرني سيدي أبو الحسن بذلك وهو الصواب، فقال يا أمير المؤمنين ما هذا بصواب قتلت بالأمس أخاك وأزلت الخلافة عنه وبنو أبيك معادون لك وجميع أهل العراق وأهل بيتك ثم أحدثت هذا الحدث الثاني انك جعلت ولاية العهد لأبي الحسن وأخرجتها من بني أبيك والعامة والفقهاء والعلماء وآل عباس لا يرضون بذلك وقلوبهم متنافرة عنك، والرأي أن تقيم بخراسان حتى تسكن قلوب الناس على هذا ويتناسوا ما كان من أمر محمد أخيك، وهاهنا يا أمير المؤمنين مشايخ قد خدموا الرشيد وعرفوا الأمر فاستشرهم في ذلك فإن أشاروا به فأمضه، فقال المأمون: مثل من؟ قال: مثل علي بن أبي عمران وابن مؤنس والجلودي، وهؤلاء هم الذين نقموا بيعة أبي الحسن (ع) ولم يرضوا به فحبسهم المأمون، فلما كان من الغد جاء أبو الحسن (ع) فدخل على المأمون فقال يا أمير المؤمنين ما صنعت؟ فحكى له ما قاله ذو الرياستين ودعا المأمون بهؤلاء النفر فأخرجهم من الحبس وأول من أدخل عليه علي بن أبي عمران فنظر إلى الرضا (ع) بجنب المأمون فقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم وخصكم به وتجعله في أيدي أعدائكم ومن كان آباؤك يقتلونهم ويشردونهم في البلاد فقال المأمون له يا ابن الزانية وأنت بعد على هذا قدمه يا حرسي فاضرب عنقه فضرب عنقه. وأدخل ابن مؤنس فلما نظر إلى الرضا (ع) بجنب المأمون قال يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد من دون الله فقال له المأمون يا ابن الزانية وأنت بعد على هذا يا حرسي قدمه فاضرب عنقه فضربت عنقه. ثم أدخل الجلودي وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة بعثه الرشيد وأمره أن ظفر به أن يضرب عنقه وان يغير على دور آل أبي طالب (ع) وان يسلب نساءهم ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا وأحدا ففعل الجلودي ذلك وقد كان مضى أبو الحسن موسى (ع) فصار الجلودي إلى باب أبي الحسن (ع) فانهجم على داره مع خيله فلما نظر الرضا (ع) إليه جعل النساء كلهن في بيت واحد ووقف على باب البيت فقال الجلودي لأبي الحسن لا بد من أن ادخل البيت فاسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين فقال الرضا إنا أسلبهن لك وأحلف إني لا أدع عليهن شيئا إلا أخذته فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن فدخل أبو الحسن (ع) فلم يدع عليهن شيئا حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأزرهن إلا أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير. فلما كان في هذا اليوم وأدخل الجلودي على المأمون قال الرضا (ع) يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ فقال المأمون يا سيدي هذا الذي فعل ببنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما فعل من سلبهن فنظر الجلودي إلى الرضا (ع) وهو يكلم المأمون ويسأله أن يعفو عنه ويهبه له فظن أنه يعين عليه لما كان الجلودي فعله فقال يا أمير المؤمنين أسألك بالله وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في فقال المأمون يا أبا الحسن قد استعفى ونحن نبر قسمه ثم قال لا والله لا اقبل قوله فيك ألحقوه بصاحبيه فقدم فضربت عنقه. ورجع ذو الرياستين إلى أبيه سهل وقد كان المأمون أمر أن تقدم النوائب فردها ذو الرياستين فلما قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرياستين أنه قد عزم على الخروج فقال الرضا (ع) ما صنعت يا أمير المؤمنين بتقديم النوائب فقال المأمون يا سيدي مرهم أنت بذلك قال فخرج أبو الحسن (ع) فصاح بالناس قدموا النوائب قال فكأنما وقعت فيهم النيران وأقبلت فيهم النوائب تتقدم وتخرج وقعد ذو الرياستين في منزله فبعث إليه المأمون فاتاه فقال له ما لك قعدت في بيتك فقال يا أمير المؤمنين أن ذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند العامة والناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع وبيعة الرضا (ع) ولا آمن السعاة والحساد وأهل البغي أن يسعوا بي فدعني أخلفك بخراسان فقال له المأمون لا يستغني عنك وأما ما قلت أنه يسعى بك وتبغى لك الغوائل فليس أنت عندنا إلا الثقة المأمون الناصح المشفق فاكتب لنفسك ما تثق به من الضمان والأمان وأكد لنفسك ما تكون به مطمئنا فذهب وكتب لنفسه كتابا وجمع عليه العلماء وأتى به المأمون فقرأه وأعطاه كل ما أحب وكتب خطه فيه وكتب له بخطه كتاب الحياء إني قد حبوتك بكذا وكذا من الأموال والضياع والسلطان وبسط له من الدنيا أمله فقال ذو الرياستين يا أمير المؤمنين يجب أن يكون خط أبي الحسن (ع) في هذا الأمان يعطينا ما أعطيت فأنه ولي عهدك فقال المأمون قد علمت أن أبا الحسن قد شرط علينا أن لا يعمل من ذلك شيئا ولا يحدث حدثا ولا نسأله ما يكرهه فأساله أنت فأنه لا يأبى عليك في هذا فجاء واستأذن على أبي الحسن (ع) قال ياسر فقال لنا الرضا (ع) قوموا تنحوا فتنحينا فدخل فوقف بين يديه ساعة فرفع أبو الحسن رأسه فقال ما حاجتك يا فضل؟ قال يا سيدي هذا أمان كتبه لي أمير المؤمنين وأنت أولى أن تعطينا ما أعطانا أمير المؤمنين إذ أنت ولي عهد المسلمين فقال له الرضا (ع) أقرأه وكان كتابا في أكبر جلد فلم يزل قائما حتى قرأه فلما فرع قال له أبو الحسن (ع) يا فضل لك علينا هذا ما اتقيت الله عز وجل قال ياسر فنقض عليه أمره في كلمة واحدة فخرج من عنده. خروج المأمون والرضا (ع) من مروروى المفيد في الإرشاد بسنده عن ياسر الخادم قال: لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى بغداد خرج وخرج معه الفضل بن سهل ذو الرياستين وخرجنا مع أبي الحسن الرضا (ع).
وصول المأمون والرضا إلى سرخس وقتل الفضل بن سهل
وقال ياسر الخادم في تتمة رواية الصدوق المتقدمة: فلما كان بعد ذلك بأيام ونحن في بعض المنازل إلى أن قال: فإذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان إلى داره من دار أبي الحسن (ع) يقول يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل وكان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه وأخذ من دخل عليه في الحمام وكانوا ثلاثة نفر أحدهم ابن خالة الفضل ذي العلمين فجئ بهم إلى المأمون فقال لهم لم قتلتموه؟ قالوا اتق الله يا أمير المؤمنين قتلناه بأمرك، فلم يلتفت إلى كلامهم وقتلهم. وكان ذلك في شعبان سنة 203 قال الطبري: وكان الذين قتلوا الفضل من حشم المأمون وهم أربعة: غالب المسعودي الأسود وقسطنطين الرومي وفرج الديلمي وموفق الصقلبي فقالوا للمأمون أنت أمرتنا بقتله فأمر بهم فضربت أعناقهم وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل قال الصدوق والسلامي كما يأتي: كان ذلك في شعبان سنة 203 وقال الطبري كان ذلك يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان سنة 202 ولعل رواية الصدوق أقرب إلى الصواب.
وحكى الصدوق في العيون عن أبي علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه تاريخ نيسابور أنه قال: احتال المأمون على الفضل بن سهل حتى قتله غالب خال المأمون في الحمام بسرخس مغافصة في شعبان سنة 203، وقال ياسر الخادم في روايته السابقة: واجتمع القواد والجند ومن كان من جند ذي الرياستين على باب المأمون فقالوا اغتاله وقتله فلنطلبن بدمه، فقال المأمون للرضا (ع) يا سيدي ترى أن تخرج إليهم فتفرقهم، قال ياسر: فركب الرضا (ع) وقال اركب فلما خرجنا من الباب نزل الرضا (ع) إليهم وقد اجتمعوا وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب فصاح بهم وأومئ إليهم بيده أن تفرقوا فتفرقوا، قال ياسر فاقبل الناس والله يقع بعضهم على بعض وما أشار إلى أحد إلا ركض ومر ولم يقف له أحد.
ويأتي بقية أخباره مع المأمون عند ذكر وفاته (ع).
بعض ما روي من طريق الرضا (ع)
في حلية الأولياء عن أحمد بن رزين قال: سألت الرضا (ع) عن الإخلاص فقال طاعة الله عز وجل. وفي الحلية: حدثنا يوسف بن إبراهيم ابن موسى السهمي الجرجاني حدثنا علي بن محمد القزويني حدثنا داود بن سليمان القزاز حدثنا علي بن موسى الرضا حدثني أبي عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم خزائن ومفتاحها السؤال فاسألوا يرحمكم الله فأنه يؤجر فيه أربعة: السائل والمعلم والمستمع والمحب لهم".
من روى عن الرضا (ع) في مناقب ابن شهراشوب: روى عنه جماعة من المصنفين منهم أبو بكر الخطيب في تاريخه والثعلبي في تفسيره والسمعاني في رسالته وابن المعتز في كتابه وغيرهم وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في معالم العترة الطاهرة: روى عنه عبد السلام بن صالح الهروي وداود بن سليمان وعبد الله بن العباس القزويني وطبقتهم وفي مناقب ابن شهراشوب: من ثقاته أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ومحمد بن الفضيل الكوفي الأزدي وعبد الله بن جندب البجلي وإسماعيل بن سعد الأحوص الأشعري وأحمد بن محمد الأشعري ومن أصحابه الحسن بن علي الخزاز ويعرف بالوشاء ومحمد بن سليمان الديلمي بصري وعلي بن الحكم الأنباري وعبد الله بن المبارك النهاوندي وحماد بن عثمان الناب وسعد بن سعد والحسن بن سعيد الأهوازي ومحمد بن الفضل الرجحي وخلف البصري ومحمد بن سنان وبكر بن محمد الأزدي وإبراهيم بن محمد الهمداني ومحمد بن أحمد بن قيس بن غيلان وإسحاق بن معاوية الخصيبي وفي تهذيب التهذيب: روى عنه ابنه محمد وأبو عثمان المازني النحوي وعلي بن علي الدعبلي وأيوب بن منصور النيسابوري وأبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي والمأمون بن الرشيد وعلي بن مهدي بن صدقة له عند نسخة وأبو أحمد داود بن سليمان بن يوسف القاري القزويني له عنه نسخة وعامر بن سليمان الطائي له عنه نسخة كبيرة وأبو جعفر محمد بن محمد بن حبان التمار وآخرون وقال الحاكم في تاريخ نيسابور: روى عنه من أئمة الحديث آدم بن أبي إياس ونصر بن علي الجهضمي ومحمد بن رافع القشيري وغيرهم.
مؤلفاته
له مؤلفات كثيرة ذكرها العلماء إجمالا وتفصيلا ففي خلاصة تذهيب الكمال عن سنن ابن ماجة عنه: عبد السلام بن صالح وجماعة عدة نسخ وفي تهذيب التهذيب: عنه علي بن مهدي له عنه نسخة وداود بن سليمان له عنه نسخة وعامر بن سليمان الطائي له عنه نسخة كبيرة أما مؤلفاته على التفصيل فهي هذه:
1- ما كتبه إلى محمد بن سنان في جواب مسائله عن علل الأحكام الشرعية.
2-لعلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنه سمعها من الرضا (ع) مرة بعد مرة وشيئا بعد شيء فجمعها وأطلق لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا فأنها في الحقيقة من تأليف الرضا فهو كالمؤلف الذي يملي على الكاتب.
3- ما كتبه إلى المأمون من محض الإسلام وشرائع الدين وهذه الثلاثة أوردها الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا بإسناده المتصلة.
4 -ما كتبه إلى المأمون أيضا في جوامع الشريعة روى الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول أن المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرياستين إلى الرضى
والفرائض والسنن فإنك حجة الله على خلقه ومعدن العلم فدعا الرضا بدواة وقرطاس وقال للفضل اكتب بسم الله الرحمن الرحيم وذكر الرسالة وهي قريبة من الرسالة الثالثة.
5-الرسالة المذهبة أو الرسالة الذهبية في الطب التي بعث بها إلى المأمون العباسي في حفظ صحة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة والأدوية وسميت بذلك لأن المأمون أمر أن تكتب بماء الذهب. وهذه الرسالة أشار إليها الشيخ في الفهرست في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري حيث قال: له كتب وعد منها الرسالة المذهبة عن الرضا (ع) ثم قال أخبرنا برواياته جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن محمد بن جمهور قال ورواها محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسن بن متيل عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي بن علي عن محمد بن جمهور. وقال ابن شهراشوب في معالم العلماء في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي له الرسالة المذهبة عن الرضا (ع) في الطب وذكر منتخب الدين في الفهرست أن السيد فضل الله بن علي الراوندي كتب عليها شرحا سماه ترجمة العلوي للطب الرضوي. فظهر أنها كانت مشهورة بين علمائنا ولهم إليها طرق وأسانيد وفي البحار أنها من الكتب المعروفة وأوردها المجلسي في البحار بتمامها في المجلد الرابع عشر وذكر أنه وجد لها سندين
(أحدهما) قال موسى بن علي بن جابر السلامي أخبرني الشيخ الأجل العالم الأوحد سديد الدين يحيى بن محمد بن علي الخازن أدام الله توفيقه: اخبرني أبو محمد الحسين محمد بن جمهور
(والثاني) قال هارون بن موسى التلعبكري "رض": حدثنا محمد بن هشام بن سهل ره حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور حدثني أبي وكان عالما بأبي الحسن علي بن موسى الرضا به ملازما لحديثه وكان معه حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان واستشهد بطوس قال: كان المأمون بنيسابور وفي مجلسه سيدي أبو الحسن الرضا (ع) وجماعة من المتطببين والفلاسفة مثل يوحنا بن ماسويه وجبرئيل بن يختيشوع وصالح بن بلهمة الهندي وغيرهم من منتحلي العلوم وذوي البحث فجرى ذكر الطب وما فيه صلاح الأجسام وقوامها فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام وتغلغلوا في علم ذلك وكيف ركب الله تعالى في هذا الجسد وجمع فيه هذه الأشياء المتضادة من الطبائع الأربع ومضار الأغذية ومنافعها وما يلحق الأجسام من مضارها من العلل وأبو الحسن (ع) ساكت لا يتكلم في شيء من ذلك فقال له المأمون ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الذي نحن فيه هذا اليوم والذي لا بد فيه من معرفة هذه الأشياء والأغذية النافع منها والضار وتدبير الجسد فقال أبو الحسن (ع) عندي من ذلك ما جربته وعرفت صحته بالأخبار ومرور الأيام مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الإنسان جهله ولا يعذر في تركه فإذا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته وعاجل المأمون الخروج إلى بلخ وتخلف عنه أبو الحسن (ع) وكتب المأمون إليه كتابا ينتجزه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته من جهته على ما سمعه منه وجربه من الأطعمة والأشربة وأخذ الأدوية والفصد والحجامة والسواك والحمام والنورة والتدبير في ذلك فكتب الرضا (ع) إليه كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم اعتصمت بالله أما بعد فأنه وصل إلي كتاب أمير المؤمنين فيما أمرني به من توقيفه على ما يحتاج إليه مما جربته وسمعته في الأطعمة والأشربة وأخذ الأدوية والفصد والحجامة والحمام والنورة والباه وغير ذلك مما يدبر استقامة أمر الجسد وقد فسرت له ما يحتاج إليه وشرحت له ما يعمل عليه من تدبير مطعمه ومشربه وأخذه الدواء وفصده وحجامته وباهه وغير ذلك مما يحتاج إليه من سياسة جسمه وبالله التوفيق: اعلم أن الله عز وجل لم يبتل الجسد بداء إلا جعل له دواء يعالج به وذلك أن الأجسام الإنسانية جعلت على مثال الملك ثم ذكر الرسالة بتمامها.
6 كتاب فقه الرضا وهو كتاب في أبواب الفقه وهذا الكتاب لم يكن معروفا قبل زمن المجلسي الأول واشتهر في زمانه إلى اليوم والسبب في اشتهاره أن جماعة من أهل قم أحضروا نسخته إلى مكة المكرمة فرآها القاضي الأمير السيد حسين الأصبهاني فجزم بأنه تأليف الرضا (ع) فاستنسخه وأحضره معه إلى أصفهان فأراه المجلسي الأول فجزم بصحة نسبته وكذلك ولده المجلسي الثاني جزم بصحة نسبته وفرق أحاديثه على مجلدات كتابه البحار وجعله أحد مصادر كتابه المذكور فاشتهر من ذلك اليوم.
وقال في مقدمات البحار: كتاب فقه الرضا (ع) أخبرني به السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين طاب ثراه بعد ما ورد أصفهان قال قد اتفق في بعض سني مجاورتي في جوار بيت الله الحرام أن أتاني جماعة من أهل قم حاجين وكان معهم كتاب قديم يوافق تاريخه عصر الرضا (ع) وسمعت الوالد ره أنه قال سمعت السيد يقول كان عليه خطه صلى الله عليه وآله وسلم وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء وقال السيد حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الأمام (ع) فأخذت الكتاب وكتبته وصححته فأخذ والدي قدس الله روحه هذا الكتاب من السيد واستنسخه وصححه وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير سند وما يذكره والده في رسالته إليه وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكور فيه.
وممن جزم بصحة نسبته السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي في فوائده الرجالية والشيخ يوسف البحراني وغيرهم وممن جزم بذلك من المعاصرين المحدث الشيخ ميرزا حسين النوري فأدرجه في كتابه مستدركات الوسائل وفرق ما فيه على أبوابه وعده صاحب الوسائل من الكتب المجهولة المؤلف وكذا صاحب الفصول في الأصول وغيرهما وجماعة توقفوا فيه وربما احتمل بعضهم أن يكون هو رسالة علي بن بابويه والد الصدوق لولده لأن اسمه علي بن موسى وإن وجد في أوله يقول عبد الله علي بن موسى الرضا أما بعد لاحتمال أن يكون زيادة من النساخ لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل ولكن ينافيه أن الأصل عدم السهو في لفظ الرضا وإن فيه: مما نداوم به نحن معاشر أهل البيت، وبعد ذكر آية الخمس فتطول علينا بذلك امتنانا منه ورحمة، وعند ذكر ليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي التي ضرب فيها جدنا أمير المؤمنين. وفي كتاب الزكاة روي عن أبي العالم وفي باب الربا أمرني أبي ففعلت وفي باب الحج قال أبي أن أسماء بنت عميس، وفيه ليس الموقف هو الجبل وكان أبي يقف حيث يبيت وفيه أبي عن جدي عن أبيه قال رأيت علي بن الحسين يمشي ولا يرمل وفيه قال أبي من قبل امرأته، وذكر أحكاما كثيرة صدرها بقوله قال أبي وفيه: العالم إنا سمعته يقول عند غروب الشمس، والعالم كان لقبا للكاظم (ع). وكيف كان فجمهور المحققين من العلماء لم يثبتوا صحته وتوقفوا فيه وجعلوا ما أسند فيه إلى الرضا (ع) أو إلى العالم (ع) رواية مرسلة تصلح مؤيدا ومرجحا ويؤيده أنه لو كان من تأليفه (ع) لأشتهر أمره وتواتر لأنه (ع) كان في عصره ظاهر الأمر معروف الفضل مشهور الذكر حتى أنه لما روى حديثا لعلماء نيسابور كتبه عنه أربعة وعشرون ألفا من أهل المحابر فضلا عن أهل الدوي.
7- صحيفة الرضا (ع). في مقدمات البحار: صحيفة الرضا مع اشتهارها في مرتبة المراسيل لا المسانيد وإن شاهدت في بعض النسخ لها إسنادا إلى أبي علي الطبرسي لكنه غير معلوم عندي وفي مستدركات الوسائل: صحيفة الرضا (ع) ويعبر عنه أيضا بمسند الرضا كما في مجمع البيان وبالرضويات كما في كشف الغمة وهو من الكتب المعروفة المعتمدة التي لا يدانيها في الاعتبار والاعتماد كتاب صنف قبله أو بعده. أقول: من العجيب مع هذا ما سمعت من البحار أنها في مرتبة المراسيل لا المسانيد وعندي منها نسخة مخطوطة وقد أتى الشيخ عبد الواسع اليماني الزيدي بنسخة منها معه من اليمن وطبعها في دمشق وأجاز لي روايتها عنه بالسند الموجود في أولها وقد ذكرته في القسم الثاني من الرحيق المختوم وهي مختلفة في المتن عن النسخة التي عندي. ثم قال في المستدركات: وهو أي كتاب صحيفة الرضا (ع) داخل في فهرست كتاب الوسائل إلا أن له نسخا متعددة وأسانيد مختلفة يزيد متن بعضها على بعض واقتصر صاحب الوسائل على نسخة الطبرسي وروايته إلى أن قال وقد جمع الفاضل الأميرزا عبد الله في رياض العلماء طرقها قال فمن ذلك ما رأيته في بلدة أردبيل في نسخة من هذه الصحيفة وكان صدر سندها هكذا: قال الشيخ الأمام الأجل العالم نور الملة والدين ضياء الإسلام والمسلمين أبو أحمد أناليك العادل المرزوي قرأ علينا الشيخ القاضي الأمام الأجل الأعز الأمجد الأزهد مفتي الشرق والغرب بقية السلف أستاذ الخلف صفي الملة والدين ضياء الإسلام المسلمين وارث الأنبياء والمرسلين أبو بكر محمود بن علي بن محمد السرخسي في المسجد الصلاحي بشادياخ نيسابور عمرها الله غداة يوم الخميس الرابع من ربيع الأول من شهور سنة عشر وستمائة قال أخبرنا الشيخ الأمام الأجل السيد الزاهد ضياء الدين حجة الله على خلقه أبو محمد الفضل بن محمد بن إبراهيم الحسيني تغمده الله بغفرانه وأسكنه أعلى جنانه في شهور سنة سبع وأربعين وخمسمائة قراءة عليه قال أخبرنا أبو المحاسن أحمد بن عبد الرحمن اللبيدي قال أخبرنا أبو لبيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن لبيد قال حدثنا الأستاذ الأمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب رضوان الله عليه سنة خمس وأربعمائة بنيسابور في داره قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة قال حدثني أبي في سنة ستين ومائتين قال حدثنا علي بن موسى الرضا (ع) أمام المتقين وقدوة أسباط سيد المرسلين مما أورده في مؤلفه المعنون بصحيفة أهل البيت (ع) سنة أربع وتسعين ومائة قال حدثني أبي موسى بن جعفر (ع) قال الخ. . .
ما أثر عنه من الحكم والمواعظ والآداب
المنقول من نثر الدرر للآبي
قال (ع) ليس الحمية من الشيء تركه ولكن الإقلال منه وقال في قوله تعالى
{فاصفح الصفح الجميل} قال: عفو بغير عتاب، وفي قوله:
{خوفا وطمعا} قال خوفا للمسافر وطمعا للمقيم.
المنقول من تذكرة ابن حمدون
قال علي بن موسى بن جعفر ع: من رضي من الله عز وجل بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل. وقال (ع) لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة ولا يعدم تعجيل العقوبة مع أدراع البغي.
المنقول من تحف العقول
قال الرضا (ع): لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه فأما السنة من ربه فكتمان السر وأما السنة من نبيه فمداراة الناس وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء. صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله. ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله. من أخلاق الأنبياء التنظيف. لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن، الصمت باب من أبواب الحكمة. أن الصمت يكسب المحبة وأنه دليل على كل خير. الأخ الأكبر بمنزلة الأب. صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله. التودد إلى الناس نصف العقل. أن الله يبغض القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال. لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول والشر منه مأمون يستكثر قليل الخير من غيره ويستقل كثير الخير من نفسه لا يسام من طلب الحوائج إليه ولا يمل من طلب العلم طول دهره الفقر في الله أحب إليه من الغنى والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه والخمول أشهى إليه من الشهرة ثم قال العاشرة وما العاشرة قيل له ما هي قال لا يرى أحدا إلا قال هو خير مني واتقى إنما الناس رجلان رجل خير منه واتقى ورجل شر منه وأدنى فإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال لعل خير هذا باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي وإذا رأى الذي هو خير منه واتقى تواضع له ليلحق به فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وسادل زمانه. وسأله أحمد بن نجم عن العجب الذي يفسد العمل فقال العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمتن على الله ولله المنة عليه. وسئل عن خيار العباد فقال الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا استغفروا وإذا أعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا وإذا أغضبوا غفروا وسئل عن حد التوكل فقال أن لا تخاف أحدا إلا الله وقال: الأيمان أربعة أركان التوكل على الله والرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله. صل رحمك ولو بشربة من الماء وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها ففي كتاب الله ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى. أن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم من المجاهد في سبيل الله. وقيل له كيف أصبحت قال أصبحت بأجل منقوص وعمل محفوظ والموت في رقابنا والنار من ورائنا ولا ندري ما يفعل بنا. خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته والكرم في طباعه والرصانة في خلقه والنبل في نفسه والمخافة لربه. السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه. يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت أنال بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. عونك للضعيف أفضل من الصدقة. لا يستكمل عبد حقيقة الأيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث التفقه في الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر على الرزايا.
قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا (ع) فقال لي يا علي من أحسن الناس معاشا قلت يا سيدي أنت أعلم به مني فقال يا علي من حسن معاش غيره في معاشه، يا علي من أسوأ الناس معاشا قلت أنت أعلم قال: من لم يعش غيره في معاشه يا علي أحسنوا جوار النعم فأنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم يا علي أن شر الناس من منع رفده وأكل وحده وجلد عبده. أحسن الظن بالله فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته ونعمله وبصره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام. ليس لبخيل راحة ولا لحسود لذة ولا لملول وفاء ولا لكذوب مروءة.
ومن كلامه (ع) ذكرته في المجالس السنية ولا أعلم الآن من أين نقلته قال (ع): أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم ولد فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله على يحيى وعيسى (ع) في هذه الثلاثة المواطن فقال في يحيى: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا. وفي عيسى: والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا.
وقال (ع): أن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل صلاته وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل. لا يجمع المال إلا بخصال خمس ببخل شديد وأمل طويل وحرص غالب وقطيعة الرحم وإيثار الدنيا على الآخرة. لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر فيوم ويوم لا فإن لم يقدر ففي كل جمعة.
المنقول عن كتاب الذخيرة
من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن خاف أمن ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم ومن فهم علم وصديق الجاهل في تعب وأفضل المال ما وقي به العرض وأفضل العقل معرفة الإنسان نفسه والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقه. المنقول من كتاب النزهة
قال (ع): من كثرت محاسنه مدح بها واستغنى عن التمدح بذكرها. من لم يتابع رأيك في صلاحه فلا تصغ إلى رأيه ومن طلب الأمر من وجهه لم يزل وإن زل لم تخذله الحيلة. كفاك ممن يريد نصحك بالنميمة ما يجد من سوء الحساب في العاقبة. وقال (ع) للحسن بن سهل في تعزيته: التهنئة بأجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة. من صدق الناس كرهوه. المسكنة مفتاح البؤس. أن للقلوب إقبالا وأدبارا ونشاطا وفتورا فإذا أقبلت بصرت وفهمت وإذا أدبرت كلت وملت فخذوها عند إقبالها ونشاطها واتركوها عند إدبارها وفتورها. أصحب السلطان بالحذر والصديق بالتواضع والعدو بالتحرز والعامة بالبشر. الأجل آفة الأمل والبر غنيمة الحازم والتفريط مصيبة ذي القدرة والبخل يمزق العرض والحب داعي المكاره وأجل الخلائق وأكرمها اصطناع المعروف وإغاثة الملهوف وتحقيق أمل الأمل وتصديق مخيلة الراجي والاستكثار من الأصدقاء في الحياة والباكين بعد الوفاة.
بعض أدعيته القصار
روى الصدوق في العيون بسنده عن أبي جعفر الثاني عن آبائه عن الحسين بن علي (ع) وذكر خبرا طويلا فيه دعاء لكل أمام حتى وصل إلى الرضا (ع) فقال وله دعاء يدعو به:
اللهم أعطني الهدى وثبتني عليه واحشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع أنكل التقوى وأهل المغفرة.
ما نسب إليه من الشعر
في مناقب ابن شهراشوب أنشأ الرضا (ع). ويأتي نسبته إلى إنشاده:
إذا كان دوني من بليت بجهله | أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل |
وإن كان مثلي في محلي من النهي | أخذت بحلمي كي أجل عن المثل |
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى | عرفت له حق التقدم والفضل |
قال وله (ع) أقول ويأتي نسبته إلى إنشاده:
وذي غيلة سالمته فقهرته | فأوقرته مني بعفو التحمل |
ولم أر للأشياء أسرع مهلكا | لغمر قديم من وداد معجل |
وله أورده ابن شهراشوب في المناقب:
لبست بالعفة ثوب الغنى | وصرت امشي شامخ الراس |
#لست إلى النسناس مستأنسا لكنني آنس بالناس
إذا رأيت التيه من ذي الغنى | تهت على التائه بالياس |
وما تفاخرت على معدم | ولا تضعضعت لافلاس |
وروى الصدوق في العيون بسنده عن أحمد بن الحسين كاتب أبي الفياض قال حضرنا مجلس علي بن موسى الرضا فشكا رجل أخاه فأنشأ الرضا يقول:
اعذر أخاك على ذنوبه | واستر وغط على عيوبه |
واصبر على بهت السفيه | وللزمان على خطوبه |
ودع الجواب تفضلا | وكل الظلوم إلى حسيبه |
وفي الاختصاص كتب المأمون إلى الرضا (ع) عظني فكتب إليه وفي العيون بسنده عن المغيرة سمعت أبا الحسن الرضا (ع) يقول:
انك في دنيا لهامدة | يقبل فيها عمل العامل |
أما ترى الموت محيطا بها | يصلب فيها أمل الآمل |
تعجل الذنب بما تشتهي | وتأمل التوبة من قابل |
والموت يأتيله بغتة | ما ذاك فعل الحازم العاقل |
وقال:
نعى نفسي إلى نفسي المشيب | وعند الشيب يتعظ اللبيب |
فقد ولى الشباب إلى مداه | فلست أرى مواضعه تئوب |
سابكيه واندبه طويلا | وأدعوه إلي عسى يجيب |
وهيهات الذي قد فات | منه تمنيني به النفس الكذوب |
وراع الغانيات بياض رأسي | ومن مد البقاء له يشيب |
أرى البيض الحسان يحدن عني | وفي هجرانهن لنا نصيب |
فان يكن الشباب مضى حبيبا | فان الشيب لي أيضا حبيب |
سأصحبه بتقوى الله حتى | يفرق بيننا الأجل القريب |
ما أنشده من الشعر
في كتاب عيون أخبار الرضا بسنده قال الرضا (ع) قال لي المأمون هل رويت شيئا من الشعر قلت رويت منه الكثير قال أنشدني أحسن ما رويته في الحلم فأنشدته وتقدم نسبة ابن شهراشوب ذلك إلى إنشائه (ع):
إذا كان دوني من بليت بجهله | أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل |
وإن كان مثلي في محلي من النهي | أخذت بحلمي كي أجل عن المثل |
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى | عرفت له حق التقدم والفضل |
قال المأمون من قائله قلت بعض فتياننا قال فأنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل فقلت:
إني ليهجرني الصديق تجنبا | فأريه أن لهجره أسبابا |
وأراه أن عاتبته أغريته | فأرى له ترك العتاب عتابا |
وإذا ابتليت بجاهل متحلم | يجد المحال من الأمور صوابا |
أوليته مني السكوت وربما | كان السكوت عن الجواب جوابا |
فقال من قائله قلت بعض فتياننا. قال فأنشدني أحسن ما رويته في استجلاب العدو حتى يكون صديقا فقال (ع) أقول مر نسبة البيت الأول والثالث إلى إنشائه (ع):
وذي غلة سالمته فقهرته | فأوقرته مني بعفو التجمل |
ومن لا يدافع سيئات عدوه | بإحسانه لم يأخذ القول من عل |
ولم أر في الأشياء أسرع مهلكا | لغمر قديم من وداد معجل |
فقال له المأمون ما أحسن هذا من قاله قال بعض فتياننا فقال فأنشدني أحسن ما رويته في كتمان السر فقال:
وإني لأنسى السر كيلا أذيعه | فيا من رأى سرا يصان بان ينسى |
مخافة أن يجري ببالي ذكره | فينبذه قلبي إلى ملتو حسا |
فيوشك من لم يفش سرا وجال في | خواطره أن لا يطيق له حبسا |
فقال له المأمون إذا أمرت أن يترب الكتاب كيف تقول قال ترب قال فمن السحاء قال سح قال فمن الطين قال طين قال يا غلام ترب هذا الكتاب وسحه وطينه وامض به إلى الفضل بن سهل وخذ لأبي الحسن ثلاثمائة ألف درهم. وفي عيون الأخبار بسنده عن محمد بن يحيى بن أبي عباد عن عمه قال سمعت الرضا (ع) يوما ينشد شعرا وقليلا ما كان ينشد شعرا:
كلنا نأمل مدا في الأجل | والمنايا هن آفات الأمل |
لا يغرنك أباطيل المنى | والزم القصد ودع عنك العلل |
إنما الدنيا كظل زائل | حل فيه راكب ثم رحل |
فقلت لمن هذا أعز الله الأمير فقال لعراقي لكم فقلت أنشدنيه أبو العتاهية لنفسه فقال هات اسمه ودع عنك هذا أن الله سبحانه وتعالى يقول
{ولا تنابزوا بالألقاب} ولعل الرجل يكره هذا.
وفي العيون بسنده عن الرضا (ع) عن آبائه قال كان أمير المؤمنين (ع) يقول:
خلقت الخلائق في قدرة | فمنهم سخي ومنهم بخيل |
فأما السخي ففي راحة | وأما البخيل فشؤم طويل |
وفي العيون بسنده عن الريان بن الصلت قال أنشدني الرضا (ع) لعبد المطلب:
يعيب الناس كلهم زمانا | وما لزماننا عيب سوانا |
نعيب زماننا والعيب فينا | ولو نطق الزمان بنا هجانا |
وإن الذئب يترك لحم ذئب | ويأكل بعضنا بعضا عيانا |
(وبسنده) عن إبراهيم بن العباس الصولي قال كان الرضا (ع) ينشد كثيرا:
إذا كنت في خير فلا تغترر | به ولكن قل اللهم سلم وتمم |
وفي المناقب عن كتاب الشعراء أنه كان (ع) يتمثل:
تضئ كضوء السراج السليط | لم يجعل الله فيه نحاسا |
بعض ما مدح به من الشعر
في إعلام الورى عن محمد بن يحيى الفارسي قال نظر أبو نواس إلى الرضا (ع) ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنا منه وسلم عليه وقال يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا وأحب أن تسمعها مني فقال هات فأنشأ يقول:
مطهرون نقيات ثيابهم | تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا |
من لم يكن علويا حين تنسبه | فما له في قديم الدهر مفتخر |
الله لما برا خلقا فأتقنه | صفاكم واصطفاكم أيها البشر |
فأنت الملأ الأعلى وعندكم | علم الكتاب وما جاءت به السور |
فقال الرضا (ع) قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد يا غلام هل معك من نفقتنا شيء فقال له ثلاثمائة دينار فقال أعطها إياه ثم قال لعله استقلها يا غلام سق إليه البغلة. قال ولأبي نواس أيضا فيه حين عوتب على الإمساك عن مديحه فقال:
قيل لي أنت أوحد الناس طرا | في فنون من الكلام النبيه |
لك من جوهر الكلام بديع | يثمر الدر في يدي مجتنيه |
فعلى م تركت مدح ابن موسى | والخصال التي تجمعن فيه |
قلت لا أهتدي لمدح أمام | كان جبريل خادما لأبيه |
سبب وفاته وكيفيتها
روى الصدوق في العيون بسنده عن ياسر الخادم: قال لما كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتل أبو الحسن (ع) فدخلنا طوس وقد اشتدت به العلة فبقينا بطوس أياما فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين الحديث.
(أقول): ويظهر من عدة أخبار أن علته كانت الحمى، قال المجلسي في البحار: اعلم أن أصحابنا وغيرهم اختلفوا في أن الرضا (ع) هل مات حتف أنفه أو مضى شهيدا بالسم وهل سمه المأمون أو غيره والأشهر بيننا أنه مضى شهيدا بسم المأمون. وروى الصدوق في العيون عدة روايات في أنه سمه المأمون وكذلك روى المفيد في الإرشاد. وفي خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال عن سنن ابن ماجة القزويني كلاهما من علماء أهل السنة أنه مات مسموما بطوس. وفي مقاتل الطالبيين: كان المأمون عقد له على العهد من بعده ودس له فيما ذكر بعد ذلك سما فمات منه وفي تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر عن الحاكم في تاريخ نيسابور أنه قال استشهد علي بن موسى بسنا آباد. وفيه عن أبي حاتم بن حبان أنه (ع) مات آخر يوم من صفر وقد سم في ماء الرمان وسقي. وقال الطبري أنه أكل عنبا فأكثر منه فمات فجأة.
سبب سم المأمون الرضا (ع)
قال المفيد في الإرشاد: كان الرضا علي بن موسى يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه الله ويقبح له ما يرتكب من خلافه فكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ويبطن كراهته واستثقاله قال المفيد وأبو الفرج: ودخل الرضا (ع) يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال (ع) يا أمير المؤمنين لا تشرك بعبادة ربك أحدا قال المفيد فصرف المأمون الغلام وتولى تمام وضوئه بنفسه وزاد ذلك في غيظه ووجده وكان الرضا يزري على الحسن والفضل ابني سهل عند المأمون إذا ذكرهما ويصف له مساويهما وينهاه عن الإصغاء إلى قولهما وعرفا ذلك منه فجعلا يحطبان عليه عند المأمون ويذكران له عنه ما يبعده منه ويخوفانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه وعمل على قتله وقال أبو الفرج اعتل الرضا علته التي مات فيها وكان قبل ذلك يذكر ابني سهل عند المأمون فيزري عليهما وينهى المأمون عنهما ويذكر له مساويهما. أما الكليني فليس في كتابه رواية تدل على أنه مات مسموما كما أنه لم يذكر في أبيه موسى بن جعفر أنه مات مسموما مع اشتهار أمره بذلك بل اقتصر على أنه مات في حبس السندي بن شاهك. وفي كشف الغمة: بلغني ممن أثق به أن السيد رضي الدين علي بن طاوس كان لا يوافق على أن المأمون سم الرضا ولا يعتقده وكان كثير المطالعة والتنقيب والتفتيش على مثل ذلك والذي كان يظهر من المأمون من حنوه عليه وميله إليه واختياره له دون أهله وأولاده مما يؤيد ذلك ويقرره.
قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص وظاهره أنه نقله عن أبي بكر الصولي في كتاب الأوراق: وزعم قوم أن المأمون سمه وليس بصحيح فأنه لما مات علي توجع له المأمون وأظهر الحزن عليه وبقي أياما لا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا وهجر اللذات ويأتي تفصيل الحال في ذلك. قال المفيد: بعد ما ذكر أن المأمون عمل على قتل الرضا (ع) فاتفق أنه أكل هو والمأمون طعاما فاعتل منه الرضا (ع) وأظهر المأمون تمارضا وقال أبو الفرج اعتل الرضا فجعل المأمون يدخل إليه فلما ثقل تعلل المأمون وأظهر أنهما أكلا عنده طعاما ضارا فمرضا.
(أقول) كلام المفيد يدل على أنه كان قد سمه في ذلك الطعام فتمارض المأمون ليوهم الناس أن مرض الرضا من الطعام الضار لا من السم ولكن عبارة أبي الفرج تدل على أن الطعام لم يكن مسموما وإنما كان السم في غيره مما يأتي لكن المأمون أظهر أن المرض من أكل الطعام الضار ولعل ذلك أقرب إلى الصواب. قال أبو الفرج: ولم يزل الرضا عليلا حتى مات، واختلف في أمر وفاته وكيف كان سبب السم الذي سقيه، ثم قال المفيد ونحوه أبو الفرج فذكر محمد بن علي بن حمزة عن منصور بن بشير عن أخيه عبد الله بن بشير قال أمرني المأمون أن أطول أظفاري على العادة ولا أظهر لأحد ذلك ففعلت ثم استدعاني فاخرج لي شيئا يشبه التمر الهندي وقال لي اعجن هذا ليديك جميعا ففعلت ثم قام وتركني ودخل على الرضا (ع) فقال ما خبرك قال له أرجو أن أكون صالحا قال له وإنا اليوم بحمد الله صالح فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا اليوم قال لا فغضب المأمون وصاح على غلمانه وقال للرضا فخذ ماء الرمان الساعة فأنه مما لا يستغنى عنه ثم دعاني فقال ائتنا برمان فأتيته به فقال لي أعصره بيديك ففعلت وسقاه المأمون الرضا بيديه فشربه فكان ذلك سبب وفاته ولم يلبث إلا يومين حتى مات (ع) قال محمد بن علي بن حمزة عن أبي الصلت الهروي قال دخلت على الرضا (ع) وقد خرج المأمون من عنده فقال لي يا أبا الصلت قد فعلوها أي سقوني السم وجعل يوحد الله ويمجده قال محمد بن علي وسمعت محمد بن الجهم يقول كان الرضا (ع) يعجبه العنب فاخذ له منه شيء فجعل في مواضع أقماعه الإبر أياما ثم نزعت منه وجئ به إليه فأكل منه وهو في علته التي ذكرناها فقتله وذكر أن ذلك من لطيف السموم.
قال علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة: قد ذكر المفيد شيئا ما يقبله نقدي ولعلي وأهم وهو أن الأمام (ع) كان يعيب ابني سهل عند المأمون ويقبح ذكرهما إلى غير ذلك وما كان أشغله بأمور دينه وآخرته واشتغاله بالله عن مثل ذلك وعلى رأي المفيد رحمه الله أن الدولة المذكورة من أصلها فاسدة وعلى غير قاعدة مرضية فاهتمامه (ع) بالوقيعة فيهما حتى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه فيه ما فيه ثم أن نصيحته للمأمون وإشارته عليه بما ينفعه في دينه لا يوجب أن يكون سببا لقتله وموجبا لركوب هذا الأمر العظيم منه وقد كان يكفي في هذا الأمر أن يمنعه عن الدخول عليه أو يكفه عن وعظه ثم إنا لا نعرف أن الإبر إذا غرست في العنب صار العنب مسموما ولا يشهد به القياس الطبي والله تعالى اعلم بحال الجميع واليه المصير وعند الله تجتمع الخصوم. قال: ورأيت في كتاب يعرف بكتاب النديم لم يحضرني عند جمع هذا الكتاب: أن جماعة من بني العباس كتبوا إلى المأمون يسفهون رأيه في تولية الرضا (ع) العهد بعده وإخراجه عنهم إلى بني علي (ع) ويبالغون في تخطئته وسوء رأيه فكتب إليهم جوابا غليظا سبهم فيه ونال من أعراضهم وقال فيهم القبائح وقال من جملة ما قال وبقي على خاطري أنتم نطف السكأرى في أرحام القيان إلى غير ذلك وذكر الرضا (ع) ونبه على فضله وشرف نفسه وبيته وهذا وأمثاله مما ينفي عن المأمون الأقدام على إزهاق تلك النفس الطاهرة والسعي فيما يوجب خسران الدنيا والآخرة والله أعلم.
قال المجلسي في البحار: رد الأربلي في كشف الغمة ما ذكره المفيد بوجوه سخيفة ثم قال بعد نقل كلامه ولا يخفى وهنه إذ الوقيعة في ابني سهل لم تكن للدنيا حتى يمنعه عنها الاشتغال بعبادة الله تعالى بل كان ذلك لما وجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن وكون خلافة المأمون فاسدة لا يمنع منه كما نصح غيره للمسلمين في الغزوات والحروب ثم أنه ظاهر أن نصيحة الأشقياء ووعظهم بمحضر الناس لا سيما المدعين للفضل والخلافة مما يثير حقدهم وحسدهم وغيظهم. أقول وأما أن الإبر إذا غرست في العنب لا يصير مسموما ولا يقتضيه القياس الطبي فالظاهر من الخبر أن تلك الإبر كانت مسمومة بسم من لطيف السموم لا أن مجرد وضعها في العنب اثر سما. قال سبط بن الجوزي عن كتاب الأوراق لأبي بكر الصولي: وقيل أنه دخل الحمام ثم خرج فقدم إليه طبق فيه عنب مسموم قد أدخلت فيه الإبر المسمومة من غير أن يظهر أثرها فأكله فمات مع أن الخبر الأخر دال على سمه في الرمان. وأما ما ذكره سبط بن الجوزي في الاستدلال على عدم سم المأمون له من أنه توجع له وأظهر الحزن عليه الخ فليس ببعيد من دهاء المأمون ليرفع عن نفسه تهمة قتله التي كانت قد شاعت في ذلك الوقت مع أن التوجع له وإظهار الحزن عليه سببه معرفته بفضله لا ينافي وقوع القتل الذي سببه خوف ذهاب الملك من يده.
(قال المؤلف): فيكون قد سمه المأمون في أثناء علته. والذي يقتضيه ظاهر الحال أن المأمون لما رأى اختلال أمر السلطنة عليه ببيعة أهل بغداد لإبراهيم بن المهدي وكان سبب ذلك بيعته للرضا بولاية العهد وكان الناس ينسبون ذلك إلى الفضل بن سهل وكان الفضل يخفي اضطراب المملكة عن المأمون خوفا من هذه النسبة ولأغراض أخر سواء كانت النسبة صحيحة أو باطلة فخاف المأمون ذهاب الملك من يده ورأى أنه لا يكف عنه سوء رأي الناقمين فيه إلا قتل الفضل والرضا فبعث إلى الفضل من قتله في حمام سرخس ودس السم إلى الرضا فقتله. وسواء قلنا أن بيعة المأمون للرضا كانت من أول أمرها على وجه الحيلة كما مر عن المجلسي أو قلنا أنها كانت عن حسن نية لا يستبعد منه سم الرضا فإن النيات يطرأ عليها ما يغيرها من خوف ذهاب الملك الذي قتل الملوك أبناءهم وإخوانهم لأجله والسبب الذي دعا المأمون إلى قتل الفضل هو الذي دعاه إلى سم الرضا فقتله للفضل الذي لا شك فيه يرفع الاستبعاد عن سمه الرضا بعد ورود الروايات به ونقل المؤرخين له واشتهاره حتى ذكرته الشعراء قال أبو فراس الحمداني:
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته | وأبصروا بعض يوم رشدهم فعموا |
عصابة شقيت من بعد ما سعدت | ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا |
وقال دعبل في رثاء الرضا (ع):
شككت فما أدري أمسقي شربة | فأبكيك أم ريب الردى فيهون |
أيا عجبا منهم يسمونك الرضا | وتلقاك منهم كلحة وغضون |
وقوله شككت وإن كان ظاهره عدم العلم إلا أن قوله وتلقاك منهم كلحة وغضون كالمحقق لذلك. وغضون الجبهة ما يحدث فيها عند العبوس الطي.
قال المفيد ونحوه قال أبو الفرج: لما توفي الرضا (ع) كتم المأمون موته يوما وليلة ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق (ع) وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وبكى وأظهر حزنا شديدا وتوجعا وأراهم إياه صحيح البدن وقال يعز علي يا أخي أن أراك في هذه الحال قد كنت أؤمل أن أقدم قبلك فأبى الله إلا ما أراد ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه. والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سنا آباد على دعوة من نوقان بأرض طوس وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن (ع) بين يديه في قبلته.
وروى الصدوق في العيون بسنده في حديث: أن آخر ما تكلم به الرضا (ع): "قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وكان أمر الله قدرا مقدورا".
وأنه شق لحد الرشيد فدفنه معه وقال نرجو أن ينفعه الله تبارك وتعالى بقربه.
بعض مراثي الرضا
عليه السلام
في المناقب قال دعبل بن علي يرثيه:
يا حسرة تتردد | وعبرة ليس تنفد |
على علي بن موسى | بن جعفر بن محمد |
وروى أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن عياش في المقتضب عن علي بن هارون بن يحيى المنجم عن علي بن أبي عبد الخوافي يرثي الرضا (ع):
يا أرض طوس سقاك الله رحمته | ما ذا حويت من الخيرات يا طوس |
طابت بقاعك في الدنيا وطيبها | شخص ثوى بسنا آباد مرموس |
شخص عزيز على الإسلام | مصرعه في رحمة الله مغمور ومغموس |
يا قبره أنت قبر قد تضمنه | حلم وعلم وتطهير وتقديس |
فافخر فإنك مغبوط بجثته | وبالملائكة الإبرار محروس |
في كل عصر لنا منكم أمام هدى | فربعه أهل منكم ومأنوس |
أمست نجوم سماء الدين آفلة | وظل أسد الشري قد ضمها الخيس |
حتى متى يظهر الحق المنير بكم | فالحق في غيركم داج ومطموس |
وقال الصدوق في العيون: وجدت في كتاب لمحمد بن حبيب الضبي وهي طويلة ذكرناها بتمامها في ترجمته ونذكر منها هنا أبياتا:
قبر بطوس به أقام أمام | حتم إليه زيارة ولمام |
قبر أقام به السلام وان غدا | تهدى إليه تحية وسلام |
قبر سنا أنواره تجلو العمى | وبتربه قد تدفع الأسقام |
قبر يمثل للعيون محمدا | ووصيه والمؤمنون قيام |
قبر إذا حل الوفود بربعه | رحلوا وحطت عنهم الآثام |
الله عنه به لهم متقبل | وبذاك عنهم جفت الأقلام |
أن يغن عن سقي الغمام فأنه | لولاه لم تسق البلاد غمام |
قبر علي بن موسى حله | بثراه يزهو الحل والإحرام |
من زاره في الله عارف حقه | فالمس منه على الجحيم حرام |
ومقامه لا شك يحمد في غد | وله بجنات الخلود مقام |
يا ابن النبي وحجة الله التي | هي للصلاة وللصيام |
قيام أنتم ولاة الدين والدنيا | ومن لله فيه حرمة وذمام |
ما الناس إلا من أقر بفضلكم | والجاحدون بهائم وهوام |
يدعون في دنياكم وكأنهم | في جحدهم إنعامكم أنعام |
ولقد تهيجني قبوركم إذا | هاجت سواي معالم وخيام |
من كان يغرم بامتداح ذوي الغنى | فبمدحكم لي صبوة وغرام |
والى أبي الحسن الرضاديتها | مرضية تلتذها الإفهام |
خذها عن الضبي عبدكم الذي | هانت عليه فيكم الألوام |
أن اقض حق الله فيك فإن لي | حق القرى للضيف إذ يعتام |
من كان بالتعليم أدرك حبكم | فمحبتي إياكم إلهام |
وروى الشيخ في المجالس بسنده عن محمد بن يحيى بن أكثم القاضي عن أبيه قال أقدم المأمون دعبل بن علي الخزاعي وأمنه على نفسه واستنشده قصيدته الكبيرة فجحدها فقال لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك فقال وهذا منتخبها:
يا أمة السوء ما جازيت أحمد | في حسن البلاء على التنزيل والسور |
لم يبق حي من الأحياء نعلمه | من ذي يمان ولا بكر ولا مضر |
إلا وهم شركاء في دمائهم | كما تشارك أيسار على جزر |
قتلا وأسرا وتخويفا ومنهبة | فعل الغزاة بأهل الروم والخزر |
أرى أمية معذورين أن قتلوا | ولا أرى لبني العباس من عذر |
قوم قتلتم على الإسلام أولهم | حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر |
إربع بطوس على قبر الزكي بها | أن كنت تربع من دين على وطر |
قبران في طوس خير الناس كلهم | وقبر شرهم هذا من العبر |
ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما | على الزكي بقرب الرجس من ضرر |
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت | له يداه فخذ ما شئت أو فذر |
تذهيب قبة الرضا (ع)
جاء الشاه عباس الأول ماشيا على قدميه من أصفهان إلى خراسان وأمر بتذهيبها من خالص ماله في سنة 1010 وتم في سنة 1016.