أبو طاهر إبراهيم بن ناصر الدولة الحسن ابن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي
قتل سنة 380 بنصيبين كما يأتي:
كان من أمراء آل حمدان المعروفين له بأس ونجدة وذكر في الحروب قال ابن الأثير في سنة 358 اختلف أولاد ناصر الدولة بسبب إقطاع ولده حمدان الرحبة وماردين وغيرهما فاتفقت فاطمة الكردية زوجة ناصر الدولة مع ابنها أب تغلب فقبضوا على ناصر الدولة وكان حمدان من أم غيرها فوقع الحرب بينهم ثم مات ناصر الدولة وقبض أبو تغلب أملاك أخيه حمدان وتجهز أبو تغلب ليسير إلى حمدان وقدم بين يديه أخاه أبا الفوارس محمدا إلى نصيبين فلما وصلها كاتب أخاه حمدان ومالا على أبي تغلب فأرسل أبو تغلب إلى محمد يستدعيه ليزيد في إقطاعه، فلما حضر عنده قبض عليه فسار إبراهيم والحسين ابنا ناصر الدولة إلى أخيهما حمدان خوفا من أبي تغلب وساروا إلى سنجار، فسار أبو تغلب إليهم من الموصل سنة 360 ولم يكن لهم بلقائه طاقة فراسله أخواه إبراهيم والحسين يطلبان العود إليه خديعة منهما ليفتكا به فأجابهما إلى ذلك فهربا إليه وتبعهما كثير من أصحاب حمدان فعاد حمدان واستأمن إلى أبي تغلب وأطلعه على حيلة أخويه إبراهيم والحسين عليه فأراد القبض عليهما فحذرا وهربا ثم إن نائب حمدان بالرحبة أخذ جميع ما له بها وهرب إلى أصحاب أبي تغلب بحران فاضطر حمدان إلى العود للرحبة وأرسل أبو تغلب سرية كبسوا حمدان بالحربة فنجا هاربا واستولى أبو تغلب عليها وسار حمدان إلى بغداد ملتجئا إلى بختيار ومعه أخوه إبراهيم وعاد الحسين إلى أخيه أبي تغلب مستأمنا وحمل بختيار إلى حمدان وأخيه إبراهيم هدايا جليلة كثيرة المقدار وكرمهما واحترامهما وصارا في خدمته وفي سنة 363 سار بختيار إلى الموصل ليستولي عليها وعلى ما بيد أبي تغلب بن حمدان، وسبب ذلك ما مر من مسير حمدان وأخيه إبراهيم إلى بختيار واستجارتهما به وشكواهما إليه من أخيهما أبي تغلب فوعدهما أن ينصرهما ويخلص أعمالهما وأموالهما منه وينتقم لهما واشتغل عن ذلك ببعض الفتن فلما فرغ عاود حمدان وإبراهيم الحديث معه وبذل له حمدان مالا جزيلا وصغر عنده أمر أخيه أبي تغلب ثم إن إبراهيم هرب من عند بختيار وعاد إلى أخيه فقروي عزم بختيار على قصد الموصل فقصدها ثم اصطلح مع أبي تغلب بعد حوادث كثيرة ورجع عنها ثم إن يختيار وقعت معه حوادث كثيرة وفتن فكتب إلى أبي تغلب بطلب مساعدته فأجابه إلى ذلك وأنفذ أخاه أبا عبد الله الحسين بن ناصر الدولة إلى تكريت في عسكر (وهذا يدل على أن الحسين كان قد رجع إلى أخيه أبي تغلب) ثم إن بخيتار ضعف أمره وخرج عن بغداد وعزم على قصد الشام ومعه حمدان بن ناصر الدولة (وهذا يدل على رجوع حمدان من عند أخيه أبي تغلب إلى بختيار) فلما صار بختيار بعكبرا حسن له حمدان قصد الموصل فلما صار إلى تكريت أرسل إليه أبو تغلب أن يقبض على أخيه حمدان ويسلمه إليه فيكون معه على عضد الدولة فقبض على حمدان وسلمه إلى نواب أخيه فحبسه وسارا إلى حرب عضد الدولة فهزمهما وقبض على بختيار وقتله وملك الموصل وهرب أبو تغلب إلى الشام فقتل بالرملة في خبر طويل وصار أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين ابنا ناصر الدولة في خدمة شرف الدولة بن عضد الدولة بعد وفاة أبيه عضد الدولة ببغداد فلما توفي شرف الدولة وملك بهاء الدولة استأذناه في الإصعاد إلى الموصل فأذن لهما فأصعدا ثم علم القواد الغلط في ذلك فكتب بهاء الدولة إلى خواشاذه وهو يتولى الموصل يأمره بدفعهما عنها فأرسل إليهما خواشاذه يأمرهما بالعود عنه فأعادا جوابا جميلا وجدا في السير حتى نزلا بالدير الأعلى بظاهر الموصل وثار أهل الموصل الديلم والأتراك فنهبوهم وخرجوا إلى بني حمدان وخرج الديلم إلى قتالهم فهزمهم المواصلة وبنو حمدان وقتل منهم خلق كثير واعتصم الباقون بدار الإمارة وعزم أهل الموصل على قتلهم والاستراحة منهم فمنعهم بنو حمدان على ذلك وسيروا خواشاذه ومن معه إلى بغداد وأقاموا بالموصل وكثر العرب عندهم فلما ملك أبو طاهر إبراهيم وأبو عبيد الله الحسين ابنا ناصر الدولة الموصل طمع فيها باذا الكردي صاحب ديار بكر فجمع الأكراد فأكثر، وممن أطاعه الأكراد البشنوية أصحاب قلعة فنك وكانوا كثيروا وكاتب أهل الموصل فاستمالهم فأجابه بعضهم فسار إليهم ونزل بالجانب الشرقي فضعفا عنه وراسلا أبا الذواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل واستنصراه فطلب منهما جزيرة عمر ونصيبين وبلدا وغير ذلك فأجابه إلى ما طلب واتفقوا وسار إليه الحسين وأقام إبراهيم بالموصل يحارب باذا فلما اجتمع الحسين وأبو الذواد سارا إلى بلد وعبرا دجلة وصارا مع باذا على أرض واحدة وهو لا بعلم فأتاه الخبر وقد قارباه فأراد الانتقال إلى الجبل لئلا يأتيه هؤلاء من خلفه وإبراهيم من أمامه فاختلط أصحابه وأدركه الحمدانية فناوشهم القتال وأراد باذا الانتقال من فرس لآخر فسقط واندفعت ترقوته فأتاه ابن أخته أبو علي بن مروان وأراده على الركوب فلم يقدر فتركوه وانصرفوا واحتموا بالجبل ووقع باذا بين القتلى فعرفه بعض العرب فقتله وحمل رأسه إلى بني حمدان وأخذ جائزة سنية وسار أبو علي بن مروان ابن أخت باذا في طائفة من الجيش إلى حصين كيفما وهو على دجلة وبه امرأة باذا وأهله فقال لزوجة خاله قد أنفذني خالي إليك في مهم فلما صعد أخبرها بهلاكه وملك وما كان لخاله حصنا حصنا وذلك ابتداء دولة بني مروان وسار إلى ميافارقين وسار إليه أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين ابنا ناصر الدولة فوجداه قد أحكم أمره فتصافوا واقتتلوا وظفر أبو علي وأسر أبا عبد الله الحسين بن حمدان فأكرمه وأحسن إليه ثم أطلقه فسار إلى أخيه أبي طاهر إبراهيم وهو بآمد يحصرها فأشار عليه بمصالحة ابن مروان فلم يفعل واضطر الحسين إلى موافقته وسارا إلى ابن مروان فواقعاه فهزمهما وأسر أبا عبد الله ثانيا فأساء إليه وضيق عليه إلى أن كاتبه صاحب مصر فأطلقه ومضى إلى مصر وتقلد منها ولاية حلب وأقام بتلك الديار إلى أن توفي وأما أبو طاهر إبراهيم فإنه لما وصل إلى نصيبين قصده أبو الذواد فأسره وعليا ابنه والمزعفر أمير بني تميم وقتلهم صبرا وملك الموصل.
وقد وجدنا في ديوان الشريف الرضي أنه قتل سنة 382 وقد رثاه الشريف الرضي أنه قتل سنة 382 وقد رثاه الشريف الرضي بقصيدتين موجودتين في ديوانه دالية ورائية من أجود المرائي لا سيما الرائية وكان صديقا له وقد استفدنا من صداقة الشريف له ورثائه إياه بأكثر من قصيدة الرائية لفصاحة ألفاظها وكثرة معانيها فسرها أبو الفتح عثمان بن جني النحوي في حياة الرضي ومدحه الرضي لتفسيره إياها بقصيدة في ديوانه فمن الدالية قوله:
تفوز بنا المنون وتستبد | ويأخذنا الزمان ولا يرد |
وأنظر ماضيا في عقب ماض | لقد أيقنت أن الأمر جد |
رويدا بالفرار من المنايا | فليس يفوتها الساري المجد |
فأين ملوكنا الماضون قدما | أعدوا للنوائب واستعدوا |
وكل فتى تحب بجانبيه | خواطر بالقناقب قب وجرد |
فما دفع المنايا عنه وفر | ولا هزم النوائب عنه جند |
أعارهم الزمان نعيم عيش | فيا سرعان ما نزعوا وردوا |
هم فرط لنا في كل يوم | نمدهم وإن لم يستمدوا |
فلا الغادي يروح فترتجيه | ولا المتروح العجلان يغدو |
وللإنسان من هذي الليالي | وهوب لا يدوم ومسترد |
تجد لنا ملابسها فيبقى | جديداها ويبلى المستجد |
أإبراهيم أما دمع عيني | عليك فما يعد وزلا يحد |
يفضض بالأوائل منه طرف | ويدمي بالأواخر منه خد |
بكيتك للوداد ورب باك | عليك من الأقارب لا يود |
وأن بكاء من تبكيه قربى | لدون بكاء من يبكيه ود |
إذ غضنا الدموع أبت علينا | مناقب منك ليس لهن ند |
فمنهن اشتطاطك في المساعي | وفضل العزم والباع الأشد |
فأين مسابق الآجال طعنا | يعود ورمحه ريان ورد |
وأن الآسر الفكاك يسري | إليه من العدى ذم وحمد |
فأعناق أحاط بهن من | وأعناق أحاط بهن قد |
أيا سهما رعى غرضا فأخطى | وذي الأقدار أسهمها أسد |
ولو غير الردى جاثاك أقعى | به من باسك الخصم الألد |
فيا أسد يصول عليه ذئب | ويا مولى يطول عليه عبد |
وهل بقيت قبائله فيبقى | ربيعة أو نزار أو معد |
من القوم الأولى طلبوا ونالوا | وجد بهم إلى العلياء جد |
تصدع مجد أولهم فشدوا | جوانبه بأنفسهم وسدوا |
إذا عد الأماجد جاء منهم | عديد كالرمال فلم يعدوا |
سقاه احم نجدي التوالي | يعم بودقه غور ونجد |
إذا مخضت حوافله جنوب | مرى لقحاته برق ورعد |
ولا عرى قراه من الغوادي | ومن نوراها سبط وجعد |
إذا ما الركب مر عليه قالوا | أيا حالي الصعيد سقاك عهد |
لقد كرمت يمينك قبل حيا | وقد كرم الغمام عليك بعد |
ألقي السلاح ربيعة بن نزار | أودي الردى بقريعك المغوار |
وترجلي عن كل أجرد سابح | ميل الرقاب نواكس الأبصار |
ودعي الأعنة من أكفك أنها | فقدت مصرفها ليوم مغار |
وتجنبي جر القنا فلقد مضى | عنهن كبش الفيلق الجرار |
قطع الزمان لسانك العضب الشبا | وهدى تخمط فحلك الهدار |
واجتاح ذاك البحر يطفح موجه | وطوى غوارب ذلك التيار |
اليوم صرحت النوائب كيدها | فينا وبان تحامل الأقدار |
مستنزل الأسد الهزبر برمحه | ولى وفالق هامة الجبار |
وتعطلت وقفات كل كريهة | أبدا وحط رواق كل غبار |
هيهات لا علق النجيع بعامل | يوما ولا علق السرى بعذار |
يا تغلب ابنة وائل ما لي أرى | نجميك قد أفلا عن النظار |
غربا فذاك غروبه لمنية | عجلى وذاك غروبه لأسار |
ما لي رأيت فناء دارك عاطلا | من كل أبلج كالشهاب الواري |
متخلي الأقطار إلا من جوى | ونشيج كل خريدة معطار |
وحنين ملقاة الرحال مناخة | وصهيل واضعة السروج عواري |
فجعت سماؤك بالشموس وحولت | عنها وعنك مطالع الأقمار |
في كل يوم نوء مجد ساقط | منها ونجم مناقب متواري |
يا طالبا بالثأر أعجلك الردى | عن أن تنام على وجود الثأر |
هجرت ركاب الركب بعدك قطعها | هول الدجى ومهاول الأوعار |
أين القباب الحمر تفهق بالقرى | مهتوكة الأستار للزوار |
أين القنا مركوزة تهفو بها | عذب البنود يطرن كل مطار |
أين الجياد مللن من طول السرى | يقذفن بالمهرات والأمهار |
من معشر غلب الرقاب جحاجح | غلبوا على الأقدار والأخطار |
من كل أروع طاعن أو ضارب | أو واهب أو خالع أو قاري |
ركبوا رمحاهم إلى أغراضهم | أمم العلى وجروا بغير عثار |
فاستنزلوا أرزاقهم بسيوفهم | فغنوا بغير مذلة وصغار |
لا ينبذون إلى الخلائف طاعة | بقعاقع الإيعاد والإنذار |
كثر النصير لهم فلما جاءهم | أمر الردى وجدوا بلا أنصار |
هم أعجلوا داعي المنون تعرضا | للطعن بين ذوابل وشفار |
نزلوا بقارعة تشابه عندها | ذل العبيد وعزة الأحرار |
خرس قد اعتنقوا الصفيح وطالما اعـ | ـتنقوا الصفائح والدماء جواري |
شرفا بني حمدان إن نفوسكم | من خير عرق ضارب ونجار |
أنفت مكن الموت الذليل فأشعرت | جلدا على وقع القنا الخطار |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 251