القاضي إياس اياس بن معاوية بن قرة المزني، ابو واثلة: قاي البصرة، واحد اعاجيب الدهر في الفطنة والذكاء. يضرب المثل بذكائه وزكنه قيل له: ما فيك عيب غير انك معجب ! فقال: ايعجبكم ما اقول؟ قالوا نعم، قال: فانا احق ان اعجب به. ودخل مدينة واسط فقال لاهلها بعد ايام: يو م قدمت بلدكم عرفت خياركم من شراركم، قالوا: كيف؟ قال: معنا قوم خيار الفوا منكم قوما وقوم شرار الفوا قوما، فعلمت ان خياركم من الفه خيارنا وكذلك شراركم. قال الجاحظ: اياس من مفاخر مضر ومن مقدمي القضاء، كان صادق الحس. اقبا، عجيب الفراسة ملهما، وجيها عند الخلفاء. وللمدائني كتاب سماه (زكن اياس). توفي بواسط

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 33

القاضي إياس إياس بن معاوية بن قرة أو واثلة البصري المزني، قاضي البصرة وأحد الأعلام. روى عن أبيه وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وغيرهم، روى له مسلم وابن ماجة. وتوفي سنة إحدى وعشرين ومائة. روى له مسلم شيئا في مقدمة الكتاب والبخاري تعليقا. قال عبد الله بن شوذب: كان يقال: يولد كل عام بعد المائة رجل تام العقل. وكانوا يرون إياس بن معاوية منهم. وكان أحد من يضرب به المثل في الذكاء والرأي والسؤدد والعقل، وأول ما ولي القضاء ما قام حتى قضى سبعين قضية وفصلها. ثم خرج إياس من القضاء في قضية كانت فاستعمل عدي بن أرطاة على القضاء الحسن البصري، وقد اختلفوا في هروبه من القضاء على أقوال: أحدها أنه رد شهادة شريف مطاع فآلى أن يقتله فهرب. وقال خالد الحذاء: قضى إياس بشاهد ويمين المدعي. وكان عمر بن عبد العزيز قد ولاه القضاء لأنه كتب إلى نائبه بالعراق عدي بن أرطاة أن اجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة الحرشي، فول قضاء البصرة أنفذهما، فجمع بينهما فقال له إياس: أيها الأمير، سل عني وعن القاسم فقيهي المصر الحسن البصري ومحمد بن سيرين! وكان القاسم يأتيهما وإياس لا يأتيهما، فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا به، فقال له: لا تسأل لا عنه ولا عني، فو الله الذي لا إله إلا هو، إن إياس بن معاوية أفقه مني وأعلم بالقضاء، فإن كنت كاذبا فما يحل لك أن توليني، وإن كنت صادقا فينبغي لك أن تقبل قولي. فقال له إياس: إنك جئت برجل أوقفته على شفير جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبة يستغفر الله منها وينجو مما يخاف. فقال عدي بن أرطاة: أما إذ فهمتها فأنت لها، فاستقضاه.
وقال إياس: ما غلبني قط سوى رجل واحد، وذاك أني كنت في مجلس القضاء بالبصرة فدخل علي رجل شهد عندي أن البستان الفلاني. -وذكر حدوده- هو ملك فلان، فقلت له: كم عدد شجره؟ فسكت ثم قال: منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس؟ فقلت: منذ كذا. فقال: كم عدد خشب سقفه؟ فقلت له: الحق معك! وأجزت شهادته. وقيل: إنه كان يوما في موضع فحدث فيه ما أوجب الخوف، وهناك ثلاث نسوة لا يعرفهن. فقال: هذه حامل وهذه مرضع وهذه عذراء! فقيل له: من أين علمت ذلك؟ قال: إن عند الخوف لا يضع الإنسان يده إلا على أعز ما له الذي يخاف عليه، ورأيت الحامل قد وضعت يدها على جوفها والمرضع قد وضعت يدعا على ثديها والعذراء وضعت يدها على فرجها. ونظر يوما وهو بواسط إلى آجرة فقال: تحت هذه الآجرة دابة. فنزعوا الآجرة فإذا تحتها حية مطوقة، فسألوه عن ذلك فقال: إني رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين جميع آجر تلك الرحبة، فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس. ومر يوما بمكان فقال: أسمع صوت كلب غريب! فقيل له في ذلك فقال: عرفته بخضوع صوته وشدة نباح غيره من الكلاب. فكشفوا عن ذلك فوجدوا كلبا مربوطا والكلاب تنبحه. وكان يوما في برية فأعوزهم الماء، فسمع نباح كلب فقال: هذا على رأس بئر. فاستقروا النباح فوجدوه كما قال، فسألوه عن ذلك فقال: لأني سمعت صوته كالذي يخرج من بئر. وتحاكم إليه اثنان فقال أحدهما: إني نزلت إلى النهر لأستحم ولي قطيفة خضراء جديدة وضعتها على جانب النهر، وجاء هذا وعليه قطيفة حمراء عتيقة فوضعها ونزل الماء، ولما طلعنا سبقني وأخذ القطيفة الخضراء. فقال: ألكما بينة؟ فقالا: لا. فأمر بمشط فحضر فمشطهما به، فلما فعله خرج الصوف الأخضر من رأس صاحب القطيفة الخضراء فأمر له بها. ونظر يوما إلى رجل فقال: هذا غريب من واسط فقيه كتاب هرب منه عبد! فقيل له في ذلك فقال: أما إنه من أهل واسط فإن في ثيابه أثر تراب واسط، وأنا أنه غريب فإنه يمشي ويسأل، وأما أنه فقيه كتاب فإنه لا يميل إلا إلى الصغار ولا يأنس إلا بهم ولا يسأل إلا منهم، وأما أنه هرب منه عبد فإنه إذا رأى أسود تلمحه ونظر إليه طويلا. وكان إياس يقول: كل من لم يعرف عيب نفسه فهو أحمق. فقيل له: فما عيبك؟ قال: كثرة الكلام. وإياس في عداد السادات الطلس لأنه لم يكن بوجهه نبات.
وروى المسعودي في شرح المقامات الحريرية: إن المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي وخلفه وقدامه أربعمائة طيلسان من العلماء وغيرهم، فقال المهدي: أف لهذه العثانين، أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم قال له المهدي: كم سنك؟ فقال: سني -أطال الله بقاء أمير المؤمنين- سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال: تقدم، بارك الله فيك! وكان سنه سبع عشرة سنة. قلت: وفيه بعد لأن إياسا توفي في دولة بني أمية. وقال إياس في العام الذي مات فيه: رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين فجريا معا فلم أسبقه ولم يسبقني، وعاش أبي ستا وسبعين سنة وأنا فيها. فلما كان آخر لياليه قال: أتدرون أي ليلة هذه؟ استكملت فيها عمر أبي! ونام فأصبح ميتا.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 9- ص: 0