أيوب أيوب النبي الصابر: من أنبياء العرب قبل موسى. كان يسكن أرض (عوص) في شرقي فلسطين، أو في حوران. وهو عند مؤرخي العرب، من بني إبراهيم الخليل، بينهما خمسة آباء. وعند بعض شراح التوراة، قبل إبراهيم. و (سفر أيوب) في التوراة، عربي الأصل، بما فيه من أسماء للأشخاص وللأماكن، ومن وصف لبادية الشام وحيواناتها ونباتاتها، ترجم من العربية إلى العبرية في زمن موسى أو بعده. وقد يكون في أصله العربي (شعرا) كما يدل عليه أسلوبه ولنا رأي في اسمين غير معروفين عند العرب وردا في (السفر) لعل مترجمه عن العربية زادهما لجعله (عبريا) وأدباء الغرب شديدو العناية بسفر أيوب، واسمه عندهم Job وقد لقبه فيكتور هوغو ببطريرك العبريين. وقال (في كتابه عن شكسبير)، وهو يتحدث عن العباقرة: إن أيوب كان أديبا وهو أول من ابتدع أسلوب الفواجع (drama) وقد ضاع شعره العربي ولم يبق منه غير الترجمة العبرية المنسوبة إلى موسى. وقال: إن قصة صبره على العذاب أتت بحادث (الفداء) بعد ألفي عام. ويقول الأب لويس شيخو في كتاب النصرانية وآدابها، وهو يذكر علم النجوم: (ولنا شاهد في سفر أيوب على معرفة العرب لأسماء النجوم وحركاتها في الفلك إذ كان أيوب النبي عربي الأصل عاش في غربي الجزيرة حيث امتحن الله صبره) ويقول الدكتور جواد علي (في تاريخ العرب قبل الإسلام): من القائلين بأن أسفار أيوب عربية الأصل والمتحمسين في الدفاع عن هذا الرأي، المستشرق (مارجليوث) وقد عالج هذا الموضوع بطريقة المقابلات اللغوية ودراسة الأسماء الواردة في تلك الأسفار. وكذلك يرى هذا الرأي (F. H. Foster) و (Pfeiffer) من العلماء الأمريكيين. ويقول جرمانوس فرحات في معجمه (إحكام باب الأعراب): (أيوب الصديق، من الأنبياء، من بلاد حوران، من نسل عيسو بن إسحاق، لا يعد من الإسرائيليين، كان قبل موسى، وقيل كان معاصرا له) ومما يحسن ذكره استطرادا لا لتقرير حقيقة تاريخية أن أهل (نوى) بفتح النون والواو، وهي قرية بين دمشق وطبرية، كانوا يتناقلون أن (أيوب) من سكانها، قال المسعودي: (ومسجده، والعين التي اغتسل منها، والحجر الذي كان يأوي إليه في خلال بلائه، مشهورة في بلاد نوى والجولان، في وقتنا هذا سنة 332هـ) وذكر النووي أنه كان في عصره (القرن السابع للهجرة) قبر في (نوى) يعتقد أهلها أنه (قبر أيوب) وبنوا عليه مشهدا ومسجدا. أما قصة أيوب فخلاصتها، كما أجملها أبو الفداء، أنه كان صاحب أموال عظيمة، وابتلاه الله بأن أذهب أمواله حتى صار فقيرا، وابتلاه في جسده حتى تجذم، وبقي مرميا على مزبلة لا يطيق أحد أن يشم رائحته، وهو على عبادته وشكره وصبره، ثم إن الله تعالى عافاه ورزقه، وكان من الأنبياء وفي البحر المحيط لأبي حيان، أن الله استنبأه وبسط عليه الدنيا، وكثر أهله وماله، ثم ابتلاه بذهاب ولده وماله وبالمرض في بدنه، ثماني عشرة سنة، فقالت له امرأته يوما: لو دعوت الله؟ فقال لها: كم كانت مدة الرخاء؟ قالت: ثمانين سنة، فقال: أنا أستحيي من الله أن أدعوه، وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي! وروى أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أيوب بقي في محنته ثماني عشرة سنة يتساقط لحمه، حتى مله العالم، ولم يصبر عليه إلا امرأته.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 36