أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر القرشي الفهري المدني
ولادته ووفاته
في الأغاني عن البلاذري: ولد سنة 90 وأنشد أبا جعفر المنصور في سنة 140 قصيدته التي أولها:
إن الغواني قد أعرضن مقلية | لما رعى هدف الخمسين ميلادي |
ثم طر بعدها مدة طويلة ’’انتهى’’.
شاعريته
في الأغاني: كان الأصمعي يقول ختم الشعراء بابن هرمة وحكم الحضرمي وابن ميادة وطفيل الكناني ودكين العذري. وفيه أيضا بسنده قدم جرير المدينة فأتاه ابن هرمة وابن أذينة فأنشداه فقال جرير: القرشي أشعرهما والعربي أفصحهما ’’انتهى’’ وبسنده عن ابن الأعرابي أنه كان يقول ختم الشعراء بابن هرمة.
قصيدته الخالية من الإعجام
في الأغاني بسنده أن عامر بن صالح أنشد قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا ليس فيها حرف يعجم قال ولم أجد هذه القصيدة في شعر ابن هرمة ولا كنت أظن أن أحدا تقدم رزبنا العروضي إلى هذا الباب وأولها:
ارسم سودة أمسى دارس الطلل | معطلا رده الأحوال كالحلل |
قال وجدتها في رواية الأصمعي ويعقوب بن السكيت اثني عشر بيتا فنسختها للحاجة إلى ذلك وليس فيها حرف يعجم إلا ما اصطلح عليه الكتاب من تصييرهم مكان ألف ياء مثل أعلى فإنها في اللفظ بالألف وتكتب بالياء ومثل رأى ونحو هذا وهو في التحقيق في اللفظ بالألف وإنما اصطلح الكتاب على كتابته بالياء ’’انتهى’’ وإلا هاء التأنيث التي تلفظ هاء في الوقف وتاء في الدرج فكأنهم اعتبروها حرفا مهملا لذلك. والقصيدة:
ارسم سودة محل دارس الطلل | معطل رده الأحوال كالحلل |
لما رأى أهلها سدوا مطالعها | رام الصدود وعاد الود كالمهل |
وعاد ودك داء لا دواء له | ولو دعاك طوال الدهر للرحل |
ما وصل سودة إلا وصل صارمه | أحلها الدهر درا مأكل الوعل |
وعاد أمواهها سدما وطار لها | سهم دعا أهلها للصرم والعلل |
صدوا وصد وساء المرء صدهم | وحام للورد ردها حومة العلل |
وحلؤه رداها ماؤها عسل | ما ماء رده لعمر الله كالعسل |
دعا الحمام حماما سد مسمعه | لما دعاه ودهر طامح الأمل |
طوح سارحة حوم ملمعة | وممرع السر سهل ماكد السهل |
وحاولوا رد أمر لا مرد له | والصرم داء لأهل اللوعة الوصل |
أحلك الله أعلى كل مكرمة | والله أعطاك أعلى صالح العمل |
سهل موارده سمح مواعده | مسود لكرام سادة حمل |
من سائر شعره
في الأغاني بسنده كان المسور بن عبد الملك المخزومي يعيب شعر ابن هرمة وكان المسور هذا عالما بالشعر والنسيب فقال ابن هرمة فيه:
إياك لا الزمن لحييك من لجمي | نكلا ينكل قراضا من اللجم |
يدق لحييك أو تنقاد متبعا | مشي المقيد ذي القردان والحلم |
إني إذا ما امرؤ خفت نعامته | إلي واستحصدت منه قوى الوذم |
عقدت في ملتقى أوادج لبته | طوق الحمامة لا يبلى على القدم |
إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله | كفاي لكن لساني صائغ الكلم |
أخباره
في الأغاني بسنده عن عبد الله بن مصعب الزبيري عن أبيه قال لقيني ابن هرمة فقال لي يا ابن مصعب أتفضل علي ابن أذينة أما شكرت قولي:
فما لك مختلا عليك خصاصة | كأنك لم تنبت ببعض المنابت |
كأنك لم تصحب شعيب بن جعفر | ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت |
يعني مصعب بن عبد الله فقلت يا أبا إسحاق أقلني (الخبر) وبسنده عن ابن هرمة ما رأيت أسخى ولا أكرم من رجلين إبراهيم بن عبد الله بن مطيع وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد الله بن معمر أما إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال أحسنوا ضيافة أبي إسحاق فأتيت بكل شيء من الطعام فأردت أن أنشده فقال ليس هذا وقت الشعر ثم أخرج الغلام إلي رقعة فقال ائت بها الوكيل فأتيته بها فقال إن شئت أخذت جميع ما كتب به وإن شئت أعطيتك القيمة قلت وما أمر لي به قال مائتا شاة برعائها وأربعة أحمال وجمال ومظلة وما تحتاج إليه وقوتك وقوت عيالك سنة قلت فأعطني القيمة فأعطاني مائتي دينار وأما إبراهيم بن عبد الله فأتيته بمنزله في مشاش فدخل إلى منزله ثم خرج إلي برزمة من ثياب وصرة من دراهم ودنانير وحلي ثم قال لا والله ما أبقينا في منزلنا ثوبا إلا ثوبا نواري به امرأة ولا حليا ولا دينارا ولا درهما. وقال يمدح إبراهيم:
أرقتني تلومني أم بكر | بعد هدء واللوم قد يؤذيني |
حذرتني الزمان ثم قالت | ليس هذا الزمان بالمأمون |
قلت لما هبت تحذرني الدهـ | ـر دعي اللوم عنك واستبقيني |
إن ذا الجود والمكارم إبر | هيم يعنيه كل ما يعنيني |
قد خبرناه في القديم فألفيـ | ـنا مواهيده كعين اليقين |
قلت ما قلت للذي هو حق | مستبين لا للذي يعطيني |
نضحت أرضنا سماؤك بعد الـ | ـجدب منها وبعد سوء الظن |
فدعينا آثار غيث هراقتـ | ـه بدا محكم القوى ميمون |
وبسنده إن إبلا لمحمد بن عمران تحمل علفا مرت بمحمد بن عبد العزيز الزهري ومعه ابن هرمة فقال يا أبا إسحاق إلا تستعلف محمد بن عمران وهو يريد أن يعرضه لمنعه فيهجوه فأرسل ابن هرمة في أثر الحمولة رسولا حتى وقف علي بن عمران فأبلغه رسالته فرد إليه الإبل بما عليها وقال إن احتجت إلى غيرها زدناك فقال ابن هرمة لابن عبد العزيز اغسلها عني فإنه إن علم أني استعلفته ولا دابة لي وقعت منه في سوأة قال بماذا تعطيني حمارك قال هو لك بسرجه ولجامه فقال ابن هرمة من حفر حفرة سوء وقع فيها.
وبسنده عن ابن أبي زريق قال كنت مع السري بن عبد الله باليمامة وكان يتشوق إلى إبراهيم بن علي بن هرمة ويحب أن يفد عليه فأقول ما يمنعك أن تكتب إليه فيقول أخاف أن يكلفني من المؤنة ما لا أطيق فكنت أكتب بذلك إلى ابن هرمة فكره أن يقدم عليه إلا بكتاب منه ثم غلب فشخص إليه فنزل علي ومعه راويته ابن ربيح له ما يمنعك من القدوم على الأمير وهو من الحرص على قدومك على ما كتبت به إليك قال الذي منعه من الكتاب إلي فدخلت على السري فأخبرته بقدومه فسر بذلك وجلس للناس مجلسا عاما ثم إذن لابن هرمة فدخل عليه ومعه راويته ابن ربيح وكان ابن هرمة قصيرا دميما أريمص وكان ابن ربيح طويلا جسيما نقي الثياب فسلم على السري ثم قال له أصلحك الله إني قد قلت شعرا أثنيت فيه عليك فقال أنشد فقال هذا ينشد فجلس فأنشده ابن ربيح قصيدته التي أولها:
عوجا على ربع ليلى أم محمود | كيما نسائله من دون عبود |
عن أم محمود إذ شط المزار بها | لعل ذلك يشفي داء معمود |
فعرجا بعد تغوير وقد وقفت | شمس النهار ولاذ الظل بالعود |
شيئا فما رجعت أطلال منزلة | قفر جوابا المحزون الجوى مودي |
ثم قال فيها يمدح السري:
ذاك السرى الذي لولا تدفقه | بالعرف مات حليف المجد والجود |
من يعتمدك ابن عبد الله مجتديا | لسيب عرفك يعمد خير معمود |
يا ابن الأساة الشفاة المستعاث بهم | والمطعمين ذرى الكوم المقاحيد |
والسابقين إلى الخيرات قومهم | سبق الجياد إلى غاياتها القود |
أنت ابن مسلنطح البطحاء منبتكم | بطحاء مكة لا روس القراديد |
لكم سقايتها قدما وندوتها | قد حازها والد منكم لمولود |
لولا رجاؤك لم تعسف بنا قلص | أجواز مهمهمة قفر الصوى بيد |
لكن دعاني وميض لاح معترضا | من نحو أرضك في دهم مناضيد |
وأنشده أيضا قصيدة مدحه فيها أولها:
أفي طلل قفر تحمل آهله | وقفت وماء العين ينهل هامله |
تسائل عن سلمى سفاها وقد نأت | بسلمى نوى شحط فكيف تسائله |
وترجو ولم ينطق وليس بناطق | جوابا محيل قد تحمل آهله |
ونؤى كخط النون ما أن تبينه | عفته ذيول من شمال تذائله |
ثم قال فيها بمدح السري:
فقل للسري الواصل البرذي الندى | مديحا إذا ما بث صدق قائله |
جواد على العلات يهتز للندى | كما اهتز عضب أخلصته صياقله |
نفى الظلم عن أهل اليمامة عدله | فعاشوا وزاح الظلم عنهم وباطله |
وناموا بأمن خوف وشدة | بسيرة عدل ما تخاف غوائله |
وقد علم المعروف أنك خدنه | ويعلم هذا الجوع أنك قاتله |
بك الله أحيا أرض حجر وغيرها | من الأرض حتى عاش بالبقل آكله |
وأنت ترجى للذي أتت أهله | وتنفع ذا القربى لديك وسائله |
وأنشده أيضا مما مدحه به قوله:
(عوجا نحيي الطلول بالكثب) يقول فيها يمدحه:
دع عنك سلمى وقل محبرة | لماجد الجد طيب النسب |
محض مصفى العروق يحمده | في العسر واليسر كل مرتغب |
الواهب الخيل في أعنتها | والوصفاء الحسان كالذهب |
مجدا وحمدا يفيده كرما | والحمد في الناس خير مكتسب |
فلما فرغ ابن ربيح قال السري لابن هرمة مرحبا بك يا أبا إسحاق ما حاجتك قال جئتك عبدا مملوكا قال بل حرا كريما وابن عم فما ذاك قال ما تركت لي مالا إلا رهنته ولا صديقا إلا كلفته.
يقول ابن أبي زريق حتى كأن له ديانا وله عليه مالا فقال له السري وما دينك قال سبعمائة دينار قال قد قضاها الله جل وعز عنك قال ابن زريق فأقام أياما ثم قال لي قد اشتقت فقلت له قل شعرا تشوق فيه فقال قصيدته التي يقول فيها:
أألحمامه في نخل ابن هداج | هاجت صبابة عاني القلب مهتاج |
أم المخبر إن الغيث قد وضعت | منه العشار تماما غير أخداج |
شفت شوائفها بالفرش من ملل | إلى الأعارف من حزن فأوجاج |
حتى كأن وجوه الأرض ملبسة | طرائفا من سدي عصب وديباج |
وهي طويلة مختارة من شعره يقول فيها يمدح السري:
أما السري فإني سوف أمدحه | ما المادح الذاكر الإحسان كالهاجي |
ذاك الذي هو بعد الله أنقذني | فلست أنساه إنقاذي وإخراجي |
ليث بحجر إذا ما هاجه فزع | هاج إليه بإلجام وإسراج |
لأحبونك مما اصطفى مدحا | مصاحبات لعمار وحجاج |
أسدي الصنيعة من بر ومن لطف | إلى قروع لباب الملك ولاج |
كم من يدلك في الأقوام قد سلفت | عند امرئ ذي غنى أو عند محتاج |
فأمر له بسبعمائة دينار في قضاء دينه ومائة دينار يتجهز بها ومائة دينار يعرض بها أهله ومائة دينار إذا قدم على أهله (قال ليلى أبو الفرج): قوله يعرض بها أهله أي يهدي لهم بها هدية والعراضة الهدية قال الفرزدق يهجو هشام بن عبد الملك:
كانت عراضتك التي عرضتنا | يوم المدينة زكمة وسعالا |
وبسنده عن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال وافينا الحج فأصبحنا بالسيالة فإذا إبراهيم بن علي بن هرمة يأتينا فاستأذن على أخي محمد بن عبد العزيز فأذن له فقال ألا أخبرك ببعض ما تستطرف قال بلى يا أبا إسحاق قال فإنه أصبح عندنا ها هنا منذ أيام محمد بن عمران الطلحي وإسماعيل بن عبد الله بن جبير وأصبح ابن عمران بجملين له ظالعين فجاءني رسوله إن أجب فأتيته فأخبرني بظلع جمليه وأنه يريد أن يردهما إلى مكانهما ويأتي بناضجين له بعمق وقال لي فرغ لنا دارك واشتر لنا علفا واستلنه بجهدك فإنا مقيمون ها هنا حتى تأتينا جمالنا فقلت في الرحب والدار فارغة وزوجته طالق عن اشتريت عود علف عندي حاجتك واشتريت له من كل شيء فاخره وأرسلته إليه مع دجاج كان عندنا وساومني في السوق عبد لإسماعيل بن عبد الله وأنا لا أعرفه على حمل علف فاشتراه بعشرة دراهم فجئت أتقاضاه ثمنه فإذا العبد لإسماعيل فحياني إسماعيل ورحب بي وقال هل من حاجة يا أبا إسحاق فأخبره العبد فأجلسني فتغديت عنده ثم أمر لي مكان كل درهم بدينار وأمرت لي زوجته فاطمة بنت عباد بخمسة دنانير. وأقام ابن عمران عندي ثلاثا وأتاه جملاه فما فعل بي شيئا فبينا هو يترحل إذ كلم غلاما له بشيء فلم يفهم فقال لي ما أقدر على إفهامه مع قعودك عندي قد والله آذيتني ومنعتني ما أردت فقمت مغتما حتى إذا كنت على باب الدار لقيني إنسان فسألني هل فعل إلي شيئا فقلت له أنا والله بخير إذ تلف مالي وربحت بدني وطلع علي وأنا أقولها فشتمني وزعم أن لولا إحرامه لضربني وراح وما أعطاني درهما فقلت:
يا من يعين على ضيف ألم بنا | ليس بذي كرم يرجى ولا دين |
أقام عندي ثلاثا سنة سلفت | أغضيت منها على الأقذاء والهون |
تحدث الناس عما فيك من كرم | هيهات ذاك لضيفان المساكين |
أصبحت تخزن ما تحوي وتجمعه | أبا سليمان من أشلاء قارون |
مثل ابن عمران آباء له سلفوا | يجزون فعل ذوي الإحسان بالدون |
ألا تكون كإسماعيل إن له | رأيا أصيلا وفعلا غير ممنون |
أو مثل زوجته فيما ألم بها | هيهات من أمها ذات النطاقين |
فلما أنشدها قال محمد بن عبد العزيز نحن نعينك يا أبا إسحاق لقوله يا من يعين قال قد رفعك الله عن العون الذي أريده ما أردت إلا رجلا مثل عبد الله بن خنزيرة وطلحة أطباء الكلية يمسكونه لي وآخذ خوط سلم فأوجع به خواصره وجواعره. فلما بلغ في إنشاده إلى قوله (مثل ابن عمران آباء له سلفوا) قال عذرا إلى الله واليكم إني لم أعن من آبائه طلحة بن عبيد الله فقال له إسماعيل بن جعفر بن محمد فعنيت من آبائه أبا سليمان محمد بن طلحة يا دعي وأرسل إليه محمد بن طلحة حفيد عبد الرحمن بن أبي بكر يدعوه فقال له ما الذي بلغني من هجائك أبا سليمان والله لا أرضى حتى تحلف أن لا تقول له أبدا إلا خيرا وتترضاه إذا رجع وتمدحه قال افعل بالحب والكرامة وأعطاه ثلاثين دينارا وأعطاه محمد بن عبد العزيز مثلها ومدح محمد بن عمران فقال:
ألم تر أن القول يخلص صدقه | وتأبى فما تزكو لباغ بواطله |
ذممت امرأ لم يطبع الذم عرضه | قليلا لدى تحصيله من يشاكله |
فما بالحجاز من فتى ذي إمارة | ولا شرف إلا ابن عمران فاضله |
فتى لا يطور الذم ساحة بيته | وتشقى به ليل التمام عواذله |
ومن هنا يعلم ما كان عليه ابن هرمة من صنعة الشعراء في التحليل لكسب المال حتى بالسؤال والكدية وفي المدح والذم لذلك وفي المهارة في التخلص والتأويل فهو يقول لعبد الله بن الحسن لما قال له تفضل الحسن بن زيد علي وعلى أخواتي بقولك:
الله أعطاك فضلا من عطيته | على هن وهن فيما مضى وهن |
فيقول ما عنيت إلا فرعون وهامان وقارون كما ذكر في ترجمة الحسن بن زيد ويقول في محمد بن عمران الطلحي.
مثل ابن عمران آباء له سلفوا | يجزون فعل ذوي الإحسان بالدون |
ثم يعتذر بأنه لم يعن من آبائه طلحة بن عبيد الله ثم يعطيه محمد بن طلحة البكري ومحمد بن عبد العزيز كل واحد ثلاثين دينارا ويطلب إليه الأول أم يمدح محمد بن عمران بعدها هجاه فيفعل. ويظهر من مجموع أخباره إن الكبراء كانوا يهابون لسانه. وفي الأغاني بسنده أن إبراهيم بن هرمة مدح محمد بن عمران الطلحي فألفاه روايته وقد جاءته عير تحمل له غلة قد جاءته من الفرع أو خبير فقال له رجل إن أبا ثابت عمران بن عبد العزيز أغراه بك وأنا حاضر عنده وأخبره بعيرك هذه فقال إنما أردت أبو ثابت أن يعرضني للسانه قودوا إليه القطار فقيد إليه. وبسنده أن ابن هرمة قال يمدح أبا الحكم المطلب بن عبد الله:
لما رأيت الحادثات كنفنني | وأورثتني بؤسي ذكرت أبا الحكم |
سليل ملوك سبعة قد تتابعوا | هم المصطفون والمصفون بالكرم |
فلاموه وقالوا أتمدح غلاما حديث السن بمثل هذا قال نعم وكانت له ابنة يلقبها عيينة وقيل عينة فقال:
كانت عيينة فينا وهي عاطلة | بين الجواري فحلاها أبو الحكم |
فمن لحانا على حسن المقال له | كان المليم وكنا نحن لم نلم |
وبسنده أن ابن هرمة أرسل إلى عبد العزيز بن المطلب بكتاب يشكو فيه بعض حاله فبعث إليه بخمسة عشر دينارا فمكث شهرا ثم بعث يطلب منه شيئا آخر فقال أنا والله ما نقوى على ما كان يقوى عليه الحكم بن المطلب وكان عبد العزيز قد خطب إلى امرأة من ولد عمر فردته فخطب إلى امرأة من بني عامر بن لؤي فزوجوه فقال ابن هرمة:
خطبت إلى كعب فردوك صاغرا | فحولت من كعب إلى جذم عامر |
وفي عامر عز قديم وإنما | أجازك فيهم هزل أهل المقابر |
وقال فيه أيضا:
أبا لبخل تطلب ما قدمت | عرانين جادت بأموالها |
فهيهات خالفت فعل الكرام | خلاف الجمال بأبوابها |
وبسنده أنه جلس ابن هرمة مع قوم فذكر الحكم بن المطلب فأطنب في مدحه فقالوا إنك لتكثر ذكر رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها غراء لردك عنها وكانوا قد عرفوا أن الحكم بها معجب وفي داره سبعون شاة تحلب فخرج فدق الباب فخرج إليه غلامه فقال أعلم أبا مروان بمكاني وكان أمر أن لا يحجب عنه ابن هرمة فخرج إليه متشحا فقال أفي مثل هذه الساعة يا أبا إسحاق فقال نعم جعلت فداك ولد لأخ لي مولود فلم تدر عليه أمه فطلبوا له شاة حلوبة فلم يجدوها فذكرت شاة عندك يقال لها غراء فسألني أن أسالكها فقال أتجيء في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحدة والله لا تبقى في الدار شاة إلا انصرفت بها سقهن معه يا غلام فساقهن وفيهن ما ثمنه عشرة دنانير وأكثر ’’انتهى’’.
وقال الأستاذ أحمد أمين في الجزء الثاني من ضحى الإسلام: والأدب اتجه أكثره إى مشايعة رغبات القصر يذم الشعراء من ذمهم الخلفاء ويمدحون من رضوا عنه فإذا خرج محمد بن عبد الله على المنصور قال ابن هرمة:
غلبت على الخلافة من تمنى | ومناه المضل بها الضلول |
فأهلك نفسه سفها وجبنا | ولم يقسم له منها فتيل |
دعوا إبليس إذ كذبوا وجاروا | فلم يصرفهم المغوي الخذول |
وما الناس احتبوك بها ولكن | حباك بذلك الملك الجليل |
تراث محمد لكم وكنتم | أصول الحق إذ نفي الأصول |
وإذا رضي المعتصم عن الأفشين فقصائد أبي تمام تترى في مدحه وإذا غضب عليه وصلبه فقصائد أبي تمام أيضا تقال في ذمه وكفره. إلى آخر ما استشهد به من هذا القبيل (قال المؤلف): الأدب وجهته من يوم وجد إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة رغبات القصور إلا ما ندر ولم يختص بذلك عصر دون عصر، وقوله اتجه يقال فيما لم يكن متجها لا فيما وجهته شيء واحد من أول وجوده ولا يختص ذلك بالأدب بل جميع أعمال بني آدم إلا ما شذ وجهتها رغبات من يخافونه ويرجونه، لكنه يمكننا أن نقول إن ابن هرمة كان-وهو علوي النزعة-يظهر اتجاه أدبه للعلويين في دولة أعدائهم أهل القصور فقد جاء في ترجمته أنه مدحهم في حال أشد الخوف من العباسيين حتى أنه لما سئل عن قائله قال قائله من عض ببظر أمه فقيل له ألست أنت قائله فقال لأن يعض المرء ببظر أمه خير له من أن يأخذ ابن قحطبة، وقوله الذي استشهد به في محمد بن عبد الملك الحسني لما خرج على المنصور لا يدل على اتجاهه إلى متابعة رغبات القصور فهو علوي الرأي في شعره وغيره عند عدم كون العلويين من أرباب القصور، وشعره هذا الذي قاله في محمد لم يكن عند كون محمد صاحب قصر فصاحب القصر يومئذ والحول والطول هو المنصور ومحمد في مبدأ ثورة لم تكسبه دولة ولا ملكا ولا يدري ما نهايتها فلو كان متجها بأدبه إلى مشايعة رغبات القصر لاتجه به إلى رغبات قصر المنصور أو لا تنظر إلا إلى ما بعد هذه الثورة لينظر عما تنجلي ولم يكن آمنا في ذلك الوقت من انجلائها عن تغلب المنصور على محمد فهو يخاف عقابه عليها أشد الخوف ومع ذلك أقدم عليها. فهذا يدلنا على أنه لم يكن منخرطا في سلك من عدهم كأبي تمام وغيره على أنه ليس هناك مت يدلنا على أن أبا تمام مدح الافشين ثم ذمه وكفره مع أنه لم يكن كافرا فقد نسب إليه الكفر الذي قتله المعتصم لأجله وليس لنا ما يدل على كذب هذه النسبة.
نسبته
(المدني) نسبة إلى المدينة المنورة لأنه كان ساكنا بها ويوجد في بعض الكتب في نسبته المديني والمعروف في النسبة إليها المدني على غير القياس تخفيفا بين النسبة إليها والنسبة إلى مدين فيقال المديني (وهرمة) بفتح الهاء وسكون الراء.
أقوال العلماء فيه
في تاريخ ابن عساكر قال علي بن عمر الحافظ: كان إبراهيم هذا مقدما في شعراء المحدثين قدمه محمد بن داود بن الجراح على بشار وأبي نواس وغيرهما من المحدثين وقال الخطيب عند ذكره: هو شاعر مفلق فصيح مسهب مجيد محسن القول سائر الشعر وهو أحد الشعراء المخضرمين أدرك الدولتين الأموية والهاشمية وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين وقال الأصمعي ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة وهو آخر الحجج ’’انتهى’’ وذكره الخطيب في تاريخ بغداد فقال: شاعر مفلق إلى قوله الطالبيين ثم روى بسنده عن علي بن عمر الحافظ أنه قال إبراهيم بن هرمة الشاعر مقدمة في شعراء المحدثين إلى آخر ما مر.
تشيعه
قد سمعت قول الخطيب في تاريخ بغداد أنه كان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين في العصر الأموي والعباسي عصر الملك العضوض وإكثاره من مدائح الطالبيين ورثائهم منها قصائد كثيرة في عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب وزيد بن الحسن بن علي ومراث في الحسين عليه السلام قيل وبعضها مذكور في معجم البلدان وله قصائد تعرف بالهاشميات يرويها الرواة وكان المنصور يعرفه بالتشيع لآل أبي طالب لاشتهار ذلك عنه وتجاهره به كما يدل عليه خبره الآتي معه وقال ابن عساكر في تاريخه أنه قيل له في دولة بني العباس ألست القائل:
مهما ألام على حبهم | فإني أحب بني فاطمة |
بني بنت من جاء بالمحكما | ت وبالدين والسنن القائمه |
ولست أبالي بحبي لهم | سواهم من النعم السائمه |
فقال أعض الله قائلها بهن أمه فقال له من يثق به:
ألست قائلها قال بل ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل ’’انتهى’’ (وفي ذيل أمالي القالي) ثنا أبو بكر بن أبي الأزهر ثنا الزبير خبرنا ابن ميمون عن أبي مالك قال قال ابن هرمة وذكر الأبيات فسأله بعد ذلك رجل من قائلها؟ قال من عض ببظر أمه قال ابنه يا أبت ألست قائلها قال بلى قال فلم تشتم نفسك قال أليس الرجل بعض بظر أمه خير له من أن يأخذه ابن قحطبة ’’انتهى’’ وروى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة قال كان متصلا بنا وهو القائل فينا وذكر الأبيات الثلاثة. وكان معروفا بالتشيع عند الأمويين والعباسيين وكانوا مع ذلك يكرمونه لشعره فيمدحهم ويجيزونه الجوائز الجليلة مدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك فأجازه ومدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فأجازه مع بغض المنصور له بغضا شديدا لحبه الطالبيين وانقطاعه إليهم كما ستعرف ذلك كله.
أخباره وأحواله
قال إبراهيم بن هرمة لعبد الله بن مصعب ألم يبلغني أنك تفضل علي بن أذينة قال نعم قال ما شكرتني في مدحي أباك بقولي:
رأيتك مختلا عليك خصاصة | كأنك لم تنبت ببعض المنابت |
كأنك لم تصحب شعيب بن جعفر | ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت |
فقال له اقلنيها يا أبا إسحاق وهلم نروي من شعرك ما شئت فروى له هاشمياته أي أخذها من فيه ’’انتهى’’ وهذا يدل على أن الناس كانت تتحامى رواية هاشمياته. وحدث راوية إبراهيم بن هرمة أنه كان عليه دين مائة دينار فذهب إلى الحمراء قصر الحسن بن زيد في الهاجرة فقال ما جاء بك في هذا الوقت قال علي مائة دينار قد منعتني القائلة وأنشأ يقول:
أما بنو هاشم حولي فقد رفضوا | نيل الصياب الذي جمعت في قرني |
فما بيثرب منهم من أعاتبه | إلا عوائد أرجوهن من حسن |
الله أعطاك فضلا من عطيته | على هن وهن فيما مضى وهن |
فقال يا غلام افتح باب تمرنا فبع منه بمائة دينار وأعطها غريمه وبع بمائة دينار أخرى وأعطه إياها فقال ابن هرمة يا سيدي مر لي بحمل ثلاثين حمارا تمرا فأمر له بها. وفي مجالس المؤمنين عن تذكرة ابن المعتز: كان ابن هرمة حجازيا يسكن المدينة وله مدائح كثيرة في خلفاء بني العباس وفي عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ثم ذكر خبر الأبيات الثلاثة المتقدمة ثم قال كان مداحا للحكم بن عبد المطلب وكان الحكم من أسخياء زمانه فلما مات الحكم قيل لابن هرمة قد هرم شعرك فقال لم يهرم شعري ولكن هرمت مكارم الأخلاق بعد الحكم ’’انتهى’’ وقدم ابن هرمة دمشق ومدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك وأجازه واحتبسه عنده واشتاق إلى وطنه فقال في ذلك شعرا وقدمها أيضا قاصدا عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فأجازه وقيل له مرة أتمدح عبد الواحد بشعر مدحت به أحدا غيره فتقول فيه:
وجدنا غالبا كانت جناحا | وكان أبوك قادمة الجناح |
ثم يقول:
أعبد الواحد المأمول أني | أغص حذار شخصك بالقراح |
فبأي شيء استوجب منك هذا المدح قال أصابتني أزمة بالمدينة فوفدت على عبد الواحد بدمشق فقال ما وراءك فقلت لا تسألني فإن الدهر قد جنى علي فما وجدت مستغاثا غيرك فأجازني بألف دينار وقال أقم فأغث من وراءك وأعطاني جملا ولم أنشده بيتا واحدا.
ووفد علة المنصور حين انتقل إلى مدينة السلام سنة 146 أو 145 وقد كتب إلى أهل المدينة أن يفد عليه خطباؤهم وشعراؤهم، والمنصور وراء ستر رقيق وحاجبه أو الخصيب قائم وهو يقول يا أمير المؤمنين هذا فلان الخطيب فيقول أخطب وهذا فلان الشاعر فيقول أنشد قال ابن هرمة ولم تكن في الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه وكنت في آخر من بقي فقال له هذا ابن هرمة فسمعته يقول لا مرحبا ولا أهلا ولا أنعم الله به عينا فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت والله نفسي ثم قلت أن لم أشتد هلكت فقال أبو الخصيب أنشد فأنشدته:
سرى ثوبه عنك الصبا المتخايل | وقرب للبين الخليط المزايل |
حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في خوافي سريرة | إذا كرها فيها عقاب ونائل |
فأم الذي آمنته تأمن الردى | وأم الذي حولت بالثكل ثاكل |
فقال يا غلام ارفع عني الستر فرفعه ثم قال تمم القصيدة فلما فرغت قال ادن فدنوت ثم قال اجلس فجلست فقال يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء لولاها لفضلتك على نظرائك فاقر لي بذنوبك اعفها عنك، فقلت هذا رجل فقيه يردي أن يقتلني بحجة فقلت يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به فضربني بالمخصرة فقلت:
اصبر من ذي ضاغط عركرك | ألفى بواني زوره للمبرك |
فضربني ثانيا فقلت:
اصبر من عود بجنبه جلب | قد أثر البطان فيه الحقب |
فقال قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل ورؤبة بن العجاج ولئن بلغني عنك ما أكره لأقتلنك قلت نعم فأتيت المدينة فأتاني رجل من الطالبيين فسلم علي فقلت تنح عني لا تشط بدمي. وكان ابن هرمة جوادا كريما متلافا وكان له كلاب إذا أبصرت الأضياف لم تنبح عليهم وبصبصت بأذنابها بين أيديهم فقال يمدحها:
ويدل ضيفي في الظلام على القرى | إشراق ناري أو نبيح كلابي |
حتى إذا واجهنه وعرفنه | فدينه ببصابص الأذناب |
وجعلن مما قد عرفن يقدنه | ويكدن أن ينطقن بالترحاب |
ونزل رجل ببنات ابن هرمة بعد موته فرأى حالة سيئة فقال إحداهن قد كان أبوك حسن الحال فما ترك لكن فقال كيف يترك لنا شيئا وهو القائل:
لا غنمي مد في البقاء لها | ألا دراك القرى ولا أبلي |
ومر رجل بمنزله فإذا بنية له تعلب بالطين قال أين أبوك قالت وفد إلى بعض الملوك الأجواد قال انحري لنا ناقة فإنا أضيافك قال والله ما عندنا قال شاة قالت والله ما عندنا قال فدجاجة قالت والله ما عندنا قالت فأعطينا بيضة قالت والله ما عندنا قال فباطل ما قال أبوك:
كم ناقة قد وجأت منحرها | بمستهل الشؤبوب أو جمل |
قالت فذلك الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء واجتاز نصيب بمنزل ابن هرمة فناداه هرمة يا أبا إسحاق فخرجت ابنته فقال أين أبوك قالت راح لحاجة انتهز فيها برد الفيء قال فهل من قرى قالت لا والله فقال قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول:
لا أتبع العوذ بالفصال ولا | ابتاع إلا قصيرة الأجل |
إني إذا ما البخيل أمنها | تبيت صورا مني على وجل |
قالت ففعله والله ذاك بها أقلها عندنا (وقال مرقع) كنت مع ابن هرمة في سقيفه ابن أذينة فجاءه راع بقطعة من غنمه يشاوره فيما يبيع ويترك فقلت له يا أبا إسحاق أين عزب عنك قولك:
لا غنمي مد في الحياة لها | إلا دراك القرى ولا أبلي |
لا أتبع العوذ الفصال ولا | أبتاع إلا قريبة الأجل |
كم ناقة قد وجأت منحرها | بمستهل الشؤبوب أو جمل |
تصف نفسك بالسخاء والكرم وقرى الأضياف. فقال مالك أخزاك الله ولا جزاك الله خيرا ثم قال من أخذ منها شيئا فهو له فانتهبناها ولم يبق شيء مع الرعي.
ووفد أهل الكوفة على معن بن زائدة لما ولاه المنصور آذربيجان فرأى معن هيئة فأنشأ يقول:
إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم | مرمتها فالدهر بالناس قلب |
فأحسن ثوبيك الذي أنت لابس | وافره مهريك الذي ليس يركب |
وبادر بمعروف إذا كنت قادرا | زوال اقتدار أو غنى عنك يذهب |
فقال له رجل منهم أصلح الله الأمير ألا أنشدك أحسن مكن هذا لابن عمك ابن هرمة فأنشده:
وللنفس تارات يحل بها العزا | وتسخو عن المال النفوس الشحائح |
إذا المرء لم ينفعك حيا فنفعه | أقل إذ ضمت عليه الصفائح |
لأية حال يخبأ المرء ماله | حذار غد والموت غاد فرائح |
قال معن أحسنت والله وإن كان الشعر لغيرك يا غلام أعطهم أربعة آلاف فقال الغلام يا سيدي دراهم أو دنانير قال والله لا تكون همتك أرفع من همتي صفرها لهم. ورئيت جارية للمنصور وعليها قميص مرقوع فقيل أنت جارية للخليفة وتلبسين هذا فقالت أما سمعتم قول ابن هرمة:
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه | خلق وجيب قميصه مرقوع |
وبعده:
أو ما تراني شاحبا متبذلا | كالسيف يخلق جفنه فيضيع |
فلرب لذة ليلة قد نلتها | وحرامها بحلالها مدفوع |
ويقال إن ابن هرمة كان يشرب مع أناس بأعلى السيالة وهي موضع بنواحي المدينة كان به منزله فقل ما عنده فذكر له أن حسن بن حسن بن حسن قد قدم السيالة فكتب إليه يذكر أن أصحابا له قدموا عليه وقد خف ما معهم ولم يذكر من شرابه شيئا وكتب في أسفل الكتاب:
أني استحيتك أن أقول بحاجتي | فإذا قرأت صحيفتي فتفهم |
وعليك عهد الله أن أخبرتها | أهل السيالة إن فعلت وإن لم |
فقال وأنا علي عهد الله إن لم أخبر بقصته أهل السيالة فيردعه أميرها ثم قال يا أهل السيالة هذا ابن هرمة يشرب بالشرف فعلم ابن هرمة فهرب.
شعره
قد سمعت قول الخطيب في تاريخ بغداد أنه شاعر مفلق فصيح مسهب مجيد حسن القول سائر الشعر وقول علي بن عمر الحافظ أنه مقدم في شعراء المحدثين قدمه محمد بن داود بن الجراح على بشار وأبي نواس وغيرهما وقول الأصمعي أنه ختم الشعر به وهو آخر الحجج وفي فهرست ابن النديم عند تعداد الشعراء إبراهيم بن علي بن هرمة وشعره مجرد نحو مئتي ورقة وفي صنعة أبي سعيد السكري نحو خمسمائة ورقة وقد صنعه الصولي فلم يأت بشيء ’’انتهى’’ وكل صفحة من الورقة عشرون سطرا كما ذكره قبل ذلك. وفي اعتناء العلماء بشعره ما يدل على مكانته فمن شعره قوله يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع:
ستكفيك الحوائج إن ألمت | عليك بصرف متلاف مفيد |
فتى بتحمل الأثقال ماض | مطيع جده آل الأسيد |
حلفت لأمدحنك في معد | وذي يمن على رغم الحسود |
بقول لا يزال وفيه حسن | بأفواه الرواة على النشيد |
وقبلك ما مدحت زناد كاب | لأخرج وري آبية صلود |
فأعياني فدونك فاعتنيني | فما المذموم كالرجل الحميد |
وكان كحية رقيت فصمت | على الصادي برقيته المعيد |
فاقسم لا تعود له رقاتي | ولا أثني له ما عشت جيدي |
ولقيته رجل من قريش ممن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن فقال له ما فعل الناس يا أبا إسحاق فقال:
أرى الناس في أمر سحيل فلا تزل | على ثقة أو تبصر الأمر مبرما |
تمسك بأطراف الكلام فإنه | نجاتك مهما خفت أمرا مجمجما |
فلست على رجع الكلام بقادر | إذا القول عن زلاته فارق الفما |
وكائن ترى من وافر العرض صامتا | وآخر أردى نفسه إن تكلما |
وقوله:
كأن عيني إذ ولت حمولهم | عنا جناحا حمام صادفت مطرا |
أو لؤلؤ سلس في عقد جارية | خرقاء نازعها الولدان فانتشرا |
وقوله:
أسد في الغيل يحمي أشبلا | قلما يعتاده فيه القرم |
مطرق يكذب عن أقرانه | ينقض الكلم إذا الكلم التأم |
وقوله في فناء الأحبة:
ما أظن الزمان يا أم عمرو | تاركا إن هلكت من يبكيني |
وقوله:
تزور أمرا لا يمحض القوم سره | ولا ينتجي الأدنون فيما يحاول |
إذا ما أبى شيئا مضى كالذي أبى | وما قال إني فاعل فهو قائل |
وقوله كما في مجموعة الأمثال الشعرية:
ما رغبة النفس في الحياة وإن | عاشت طويلا فالموت لاحقها |
يوشك من فر من منيته | في بعض غراته يوافقها |
من لم يمت عبطة يمت هرما | الموت كأس والمرء ذاقها |
وقوله:
وإني وإن كانت مراضا صدوركم | لملتمس البقيا سليم لكم صدري |
وإن ابن عم المرء من شد أزره | وأصبح يحمي غيبه وهو لا يدري |
ابن هرمة اسمه إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة.