ابن هرمة إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الكناني القرشي، أبو اسحاق: شاعر غزل من سكان المدينة. من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. ورحل إلى دمشق ومدح الوليد بن يزيد الأموي، فأجازه، ثم وفد على المنصور العباسي في وفد أهل المدينة، فتجهم له، ثم أكرمه. وانقطع إلى الطالبيين وله شعر فيهم. وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم. قال الأصمعي: ختم الشعر بابن هرمة. وكان مولعا بالشراب جلده صاحب شرطة المدينة. ولأبي بكر محمد بن يحيى الصولي كتاب (أخبار ابن هرمة).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 50

أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر القرشي الفهري المدني
ولادته ووفاته
في الأغاني عن البلاذري: ولد سنة 90 وأنشد أبا جعفر المنصور في سنة 140 قصيدته التي أولها:

ثم طر بعدها مدة طويلة ’’انتهى’’.
شاعريته
في الأغاني: كان الأصمعي يقول ختم الشعراء بابن هرمة وحكم الحضرمي وابن ميادة وطفيل الكناني ودكين العذري. وفيه أيضا بسنده قدم جرير المدينة فأتاه ابن هرمة وابن أذينة فأنشداه فقال جرير: القرشي أشعرهما والعربي أفصحهما ’’انتهى’’ وبسنده عن ابن الأعرابي أنه كان يقول ختم الشعراء بابن هرمة.
قصيدته الخالية من الإعجام
في الأغاني بسنده أن عامر بن صالح أنشد قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا ليس فيها حرف يعجم قال ولم أجد هذه القصيدة في شعر ابن هرمة ولا كنت أظن أن أحدا تقدم رزبنا العروضي إلى هذا الباب وأولها:
قال وجدتها في رواية الأصمعي ويعقوب بن السكيت اثني عشر بيتا فنسختها للحاجة إلى ذلك وليس فيها حرف يعجم إلا ما اصطلح عليه الكتاب من تصييرهم مكان ألف ياء مثل أعلى فإنها في اللفظ بالألف وتكتب بالياء ومثل رأى ونحو هذا وهو في التحقيق في اللفظ بالألف وإنما اصطلح الكتاب على كتابته بالياء ’’انتهى’’ وإلا هاء التأنيث التي تلفظ هاء في الوقف وتاء في الدرج فكأنهم اعتبروها حرفا مهملا لذلك. والقصيدة:
من سائر شعره
في الأغاني بسنده كان المسور بن عبد الملك المخزومي يعيب شعر ابن هرمة وكان المسور هذا عالما بالشعر والنسيب فقال ابن هرمة فيه:
أخباره
في الأغاني بسنده عن عبد الله بن مصعب الزبيري عن أبيه قال لقيني ابن هرمة فقال لي يا ابن مصعب أتفضل علي ابن أذينة أما شكرت قولي:
يعني مصعب بن عبد الله فقلت يا أبا إسحاق أقلني (الخبر) وبسنده عن ابن هرمة ما رأيت أسخى ولا أكرم من رجلين إبراهيم بن عبد الله بن مطيع وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد الله بن معمر أما إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال أحسنوا ضيافة أبي إسحاق فأتيت بكل شيء من الطعام فأردت أن أنشده فقال ليس هذا وقت الشعر ثم أخرج الغلام إلي رقعة فقال ائت بها الوكيل فأتيته بها فقال إن شئت أخذت جميع ما كتب به وإن شئت أعطيتك القيمة قلت وما أمر لي به قال مائتا شاة برعائها وأربعة أحمال وجمال ومظلة وما تحتاج إليه وقوتك وقوت عيالك سنة قلت فأعطني القيمة فأعطاني مائتي دينار وأما إبراهيم بن عبد الله فأتيته بمنزله في مشاش فدخل إلى منزله ثم خرج إلي برزمة من ثياب وصرة من دراهم ودنانير وحلي ثم قال لا والله ما أبقينا في منزلنا ثوبا إلا ثوبا نواري به امرأة ولا حليا ولا دينارا ولا درهما. وقال يمدح إبراهيم:
وبسنده إن إبلا لمحمد بن عمران تحمل علفا مرت بمحمد بن عبد العزيز الزهري ومعه ابن هرمة فقال يا أبا إسحاق إلا تستعلف محمد بن عمران وهو يريد أن يعرضه لمنعه فيهجوه فأرسل ابن هرمة في أثر الحمولة رسولا حتى وقف علي بن عمران فأبلغه رسالته فرد إليه الإبل بما عليها وقال إن احتجت إلى غيرها زدناك فقال ابن هرمة لابن عبد العزيز اغسلها عني فإنه إن علم أني استعلفته ولا دابة لي وقعت منه في سوأة قال بماذا تعطيني حمارك قال هو لك بسرجه ولجامه فقال ابن هرمة من حفر حفرة سوء وقع فيها.
وبسنده عن ابن أبي زريق قال كنت مع السري بن عبد الله باليمامة وكان يتشوق إلى إبراهيم بن علي بن هرمة ويحب أن يفد عليه فأقول ما يمنعك أن تكتب إليه فيقول أخاف أن يكلفني من المؤنة ما لا أطيق فكنت أكتب بذلك إلى ابن هرمة فكره أن يقدم عليه إلا بكتاب منه ثم غلب فشخص إليه فنزل علي ومعه راويته ابن ربيح له ما يمنعك من القدوم على الأمير وهو من الحرص على قدومك على ما كتبت به إليك قال الذي منعه من الكتاب إلي فدخلت على السري فأخبرته بقدومه فسر بذلك وجلس للناس مجلسا عاما ثم إذن لابن هرمة فدخل عليه ومعه راويته ابن ربيح وكان ابن هرمة قصيرا دميما أريمص وكان ابن ربيح طويلا جسيما نقي الثياب فسلم على السري ثم قال له أصلحك الله إني قد قلت شعرا أثنيت فيه عليك فقال أنشد فقال هذا ينشد فجلس فأنشده ابن ربيح قصيدته التي أولها:
ثم قال فيها يمدح السري:
وأنشده أيضا قصيدة مدحه فيها أولها:
ثم قال فيها بمدح السري:
وأنشده أيضا مما مدحه به قوله:
(عوجا نحيي الطلول بالكثب) يقول فيها يمدحه:
فلما فرغ ابن ربيح قال السري لابن هرمة مرحبا بك يا أبا إسحاق ما حاجتك قال جئتك عبدا مملوكا قال بل حرا كريما وابن عم فما ذاك قال ما تركت لي مالا إلا رهنته ولا صديقا إلا كلفته.
يقول ابن أبي زريق حتى كأن له ديانا وله عليه مالا فقال له السري وما دينك قال سبعمائة دينار قال قد قضاها الله جل وعز عنك قال ابن زريق فأقام أياما ثم قال لي قد اشتقت فقلت له قل شعرا تشوق فيه فقال قصيدته التي يقول فيها:
وهي طويلة مختارة من شعره يقول فيها يمدح السري:
فأمر له بسبعمائة دينار في قضاء دينه ومائة دينار يتجهز بها ومائة دينار يعرض بها أهله ومائة دينار إذا قدم على أهله (قال ليلى أبو الفرج): قوله يعرض بها أهله أي يهدي لهم بها هدية والعراضة الهدية قال الفرزدق يهجو هشام بن عبد الملك:
وبسنده عن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال وافينا الحج فأصبحنا بالسيالة فإذا إبراهيم بن علي بن هرمة يأتينا فاستأذن على أخي محمد بن عبد العزيز فأذن له فقال ألا أخبرك ببعض ما تستطرف قال بلى يا أبا إسحاق قال فإنه أصبح عندنا ها هنا منذ أيام محمد بن عمران الطلحي وإسماعيل بن عبد الله بن جبير وأصبح ابن عمران بجملين له ظالعين فجاءني رسوله إن أجب فأتيته فأخبرني بظلع جمليه وأنه يريد أن يردهما إلى مكانهما ويأتي بناضجين له بعمق وقال لي فرغ لنا دارك واشتر لنا علفا واستلنه بجهدك فإنا مقيمون ها هنا حتى تأتينا جمالنا فقلت في الرحب والدار فارغة وزوجته طالق عن اشتريت عود علف عندي حاجتك واشتريت له من كل شيء فاخره وأرسلته إليه مع دجاج كان عندنا وساومني في السوق عبد لإسماعيل بن عبد الله وأنا لا أعرفه على حمل علف فاشتراه بعشرة دراهم فجئت أتقاضاه ثمنه فإذا العبد لإسماعيل فحياني إسماعيل ورحب بي وقال هل من حاجة يا أبا إسحاق فأخبره العبد فأجلسني فتغديت عنده ثم أمر لي مكان كل درهم بدينار وأمرت لي زوجته فاطمة بنت عباد بخمسة دنانير. وأقام ابن عمران عندي ثلاثا وأتاه جملاه فما فعل بي شيئا فبينا هو يترحل إذ كلم غلاما له بشيء فلم يفهم فقال لي ما أقدر على إفهامه مع قعودك عندي قد والله آذيتني ومنعتني ما أردت فقمت مغتما حتى إذا كنت على باب الدار لقيني إنسان فسألني هل فعل إلي شيئا فقلت له أنا والله بخير إذ تلف مالي وربحت بدني وطلع علي وأنا أقولها فشتمني وزعم أن لولا إحرامه لضربني وراح وما أعطاني درهما فقلت:
فلما أنشدها قال محمد بن عبد العزيز نحن نعينك يا أبا إسحاق لقوله يا من يعين قال قد رفعك الله عن العون الذي أريده ما أردت إلا رجلا مثل عبد الله بن خنزيرة وطلحة أطباء الكلية يمسكونه لي وآخذ خوط سلم فأوجع به خواصره وجواعره. فلما بلغ في إنشاده إلى قوله (مثل ابن عمران آباء له سلفوا) قال عذرا إلى الله واليكم إني لم أعن من آبائه طلحة بن عبيد الله فقال له إسماعيل بن جعفر بن محمد فعنيت من آبائه أبا سليمان محمد بن طلحة يا دعي وأرسل إليه محمد بن طلحة حفيد عبد الرحمن بن أبي بكر يدعوه فقال له ما الذي بلغني من هجائك أبا سليمان والله لا أرضى حتى تحلف أن لا تقول له أبدا إلا خيرا وتترضاه إذا رجع وتمدحه قال افعل بالحب والكرامة وأعطاه ثلاثين دينارا وأعطاه محمد بن عبد العزيز مثلها ومدح محمد بن عمران فقال:
ومن هنا يعلم ما كان عليه ابن هرمة من صنعة الشعراء في التحليل لكسب المال حتى بالسؤال والكدية وفي المدح والذم لذلك وفي المهارة في التخلص والتأويل فهو يقول لعبد الله بن الحسن لما قال له تفضل الحسن بن زيد علي وعلى أخواتي بقولك:
فيقول ما عنيت إلا فرعون وهامان وقارون كما ذكر في ترجمة الحسن بن زيد ويقول في محمد بن عمران الطلحي.
ثم يعتذر بأنه لم يعن من آبائه طلحة بن عبيد الله ثم يعطيه محمد بن طلحة البكري ومحمد بن عبد العزيز كل واحد ثلاثين دينارا ويطلب إليه الأول أم يمدح محمد بن عمران بعدها هجاه فيفعل. ويظهر من مجموع أخباره إن الكبراء كانوا يهابون لسانه. وفي الأغاني بسنده أن إبراهيم بن هرمة مدح محمد بن عمران الطلحي فألفاه روايته وقد جاءته عير تحمل له غلة قد جاءته من الفرع أو خبير فقال له رجل إن أبا ثابت عمران بن عبد العزيز أغراه بك وأنا حاضر عنده وأخبره بعيرك هذه فقال إنما أردت أبو ثابت أن يعرضني للسانه قودوا إليه القطار فقيد إليه. وبسنده أن ابن هرمة قال يمدح أبا الحكم المطلب بن عبد الله:
فلاموه وقالوا أتمدح غلاما حديث السن بمثل هذا قال نعم وكانت له ابنة يلقبها عيينة وقيل عينة فقال:
وبسنده أن ابن هرمة أرسل إلى عبد العزيز بن المطلب بكتاب يشكو فيه بعض حاله فبعث إليه بخمسة عشر دينارا فمكث شهرا ثم بعث يطلب منه شيئا آخر فقال أنا والله ما نقوى على ما كان يقوى عليه الحكم بن المطلب وكان عبد العزيز قد خطب إلى امرأة من ولد عمر فردته فخطب إلى امرأة من بني عامر بن لؤي فزوجوه فقال ابن هرمة:
وقال فيه أيضا:
وبسنده أنه جلس ابن هرمة مع قوم فذكر الحكم بن المطلب فأطنب في مدحه فقالوا إنك لتكثر ذكر رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها غراء لردك عنها وكانوا قد عرفوا أن الحكم بها معجب وفي داره سبعون شاة تحلب فخرج فدق الباب فخرج إليه غلامه فقال أعلم أبا مروان بمكاني وكان أمر أن لا يحجب عنه ابن هرمة فخرج إليه متشحا فقال أفي مثل هذه الساعة يا أبا إسحاق فقال نعم جعلت فداك ولد لأخ لي مولود فلم تدر عليه أمه فطلبوا له شاة حلوبة فلم يجدوها فذكرت شاة عندك يقال لها غراء فسألني أن أسالكها فقال أتجيء في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحدة والله لا تبقى في الدار شاة إلا انصرفت بها سقهن معه يا غلام فساقهن وفيهن ما ثمنه عشرة دنانير وأكثر ’’انتهى’’.
وقال الأستاذ أحمد أمين في الجزء الثاني من ضحى الإسلام: والأدب اتجه أكثره إى مشايعة رغبات القصر يذم الشعراء من ذمهم الخلفاء ويمدحون من رضوا عنه فإذا خرج محمد بن عبد الله على المنصور قال ابن هرمة:
وإذا رضي المعتصم عن الأفشين فقصائد أبي تمام تترى في مدحه وإذا غضب عليه وصلبه فقصائد أبي تمام أيضا تقال في ذمه وكفره. إلى آخر ما استشهد به من هذا القبيل (قال المؤلف): الأدب وجهته من يوم وجد إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة رغبات القصور إلا ما ندر ولم يختص بذلك عصر دون عصر، وقوله اتجه يقال فيما لم يكن متجها لا فيما وجهته شيء واحد من أول وجوده ولا يختص ذلك بالأدب بل جميع أعمال بني آدم إلا ما شذ وجهتها رغبات من يخافونه ويرجونه، لكنه يمكننا أن نقول إن ابن هرمة كان-وهو علوي النزعة-يظهر اتجاه أدبه للعلويين في دولة أعدائهم أهل القصور فقد جاء في ترجمته أنه مدحهم في حال أشد الخوف من العباسيين حتى أنه لما سئل عن قائله قال قائله من عض ببظر أمه فقيل له ألست أنت قائله فقال لأن يعض المرء ببظر أمه خير له من أن يأخذ ابن قحطبة، وقوله الذي استشهد به في محمد بن عبد الملك الحسني لما خرج على المنصور لا يدل على اتجاهه إلى متابعة رغبات القصور فهو علوي الرأي في شعره وغيره عند عدم كون العلويين من أرباب القصور، وشعره هذا الذي قاله في محمد لم يكن عند كون محمد صاحب قصر فصاحب القصر يومئذ والحول والطول هو المنصور ومحمد في مبدأ ثورة لم تكسبه دولة ولا ملكا ولا يدري ما نهايتها فلو كان متجها بأدبه إلى مشايعة رغبات القصر لاتجه به إلى رغبات قصر المنصور أو لا تنظر إلا إلى ما بعد هذه الثورة لينظر عما تنجلي ولم يكن آمنا في ذلك الوقت من انجلائها عن تغلب المنصور على محمد فهو يخاف عقابه عليها أشد الخوف ومع ذلك أقدم عليها. فهذا يدلنا على أنه لم يكن منخرطا في سلك من عدهم كأبي تمام وغيره على أنه ليس هناك مت يدلنا على أن أبا تمام مدح الافشين ثم ذمه وكفره مع أنه لم يكن كافرا فقد نسب إليه الكفر الذي قتله المعتصم لأجله وليس لنا ما يدل على كذب هذه النسبة.
نسبته
(المدني) نسبة إلى المدينة المنورة لأنه كان ساكنا بها ويوجد في بعض الكتب في نسبته المديني والمعروف في النسبة إليها المدني على غير القياس تخفيفا بين النسبة إليها والنسبة إلى مدين فيقال المديني (وهرمة) بفتح الهاء وسكون الراء.
أقوال العلماء فيه
في تاريخ ابن عساكر قال علي بن عمر الحافظ: كان إبراهيم هذا مقدما في شعراء المحدثين قدمه محمد بن داود بن الجراح على بشار وأبي نواس وغيرهما من المحدثين وقال الخطيب عند ذكره: هو شاعر مفلق فصيح مسهب مجيد محسن القول سائر الشعر وهو أحد الشعراء المخضرمين أدرك الدولتين الأموية والهاشمية وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين وقال الأصمعي ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة وهو آخر الحجج ’’انتهى’’ وذكره الخطيب في تاريخ بغداد فقال: شاعر مفلق إلى قوله الطالبيين ثم روى بسنده عن علي بن عمر الحافظ أنه قال إبراهيم بن هرمة الشاعر مقدمة في شعراء المحدثين إلى آخر ما مر.
تشيعه
قد سمعت قول الخطيب في تاريخ بغداد أنه كان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين في العصر الأموي والعباسي عصر الملك العضوض وإكثاره من مدائح الطالبيين ورثائهم منها قصائد كثيرة في عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب وزيد بن الحسن بن علي ومراث في الحسين عليه السلام قيل وبعضها مذكور في معجم البلدان وله قصائد تعرف بالهاشميات يرويها الرواة وكان المنصور يعرفه بالتشيع لآل أبي طالب لاشتهار ذلك عنه وتجاهره به كما يدل عليه خبره الآتي معه وقال ابن عساكر في تاريخه أنه قيل له في دولة بني العباس ألست القائل:
فقال أعض الله قائلها بهن أمه فقال له من يثق به:
ألست قائلها قال بل ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل ’’انتهى’’ (وفي ذيل أمالي القالي) ثنا أبو بكر بن أبي الأزهر ثنا الزبير خبرنا ابن ميمون عن أبي مالك قال قال ابن هرمة وذكر الأبيات فسأله بعد ذلك رجل من قائلها؟ قال من عض ببظر أمه قال ابنه يا أبت ألست قائلها قال بلى قال فلم تشتم نفسك قال أليس الرجل بعض بظر أمه خير له من أن يأخذه ابن قحطبة ’’انتهى’’ وروى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة قال كان متصلا بنا وهو القائل فينا وذكر الأبيات الثلاثة. وكان معروفا بالتشيع عند الأمويين والعباسيين وكانوا مع ذلك يكرمونه لشعره فيمدحهم ويجيزونه الجوائز الجليلة مدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك فأجازه ومدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فأجازه مع بغض المنصور له بغضا شديدا لحبه الطالبيين وانقطاعه إليهم كما ستعرف ذلك كله.
أخباره وأحواله
قال إبراهيم بن هرمة لعبد الله بن مصعب ألم يبلغني أنك تفضل علي بن أذينة قال نعم قال ما شكرتني في مدحي أباك بقولي:
فقال له اقلنيها يا أبا إسحاق وهلم نروي من شعرك ما شئت فروى له هاشمياته أي أخذها من فيه ’’انتهى’’ وهذا يدل على أن الناس كانت تتحامى رواية هاشمياته. وحدث راوية إبراهيم بن هرمة أنه كان عليه دين مائة دينار فذهب إلى الحمراء قصر الحسن بن زيد في الهاجرة فقال ما جاء بك في هذا الوقت قال علي مائة دينار قد منعتني القائلة وأنشأ يقول:
فقال يا غلام افتح باب تمرنا فبع منه بمائة دينار وأعطها غريمه وبع بمائة دينار أخرى وأعطه إياها فقال ابن هرمة يا سيدي مر لي بحمل ثلاثين حمارا تمرا فأمر له بها. وفي مجالس المؤمنين عن تذكرة ابن المعتز: كان ابن هرمة حجازيا يسكن المدينة وله مدائح كثيرة في خلفاء بني العباس وفي عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ثم ذكر خبر الأبيات الثلاثة المتقدمة ثم قال كان مداحا للحكم بن عبد المطلب وكان الحكم من أسخياء زمانه فلما مات الحكم قيل لابن هرمة قد هرم شعرك فقال لم يهرم شعري ولكن هرمت مكارم الأخلاق بعد الحكم ’’انتهى’’ وقدم ابن هرمة دمشق ومدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك وأجازه واحتبسه عنده واشتاق إلى وطنه فقال في ذلك شعرا وقدمها أيضا قاصدا عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فأجازه وقيل له مرة أتمدح عبد الواحد بشعر مدحت به أحدا غيره فتقول فيه:
ثم يقول:
فبأي شيء استوجب منك هذا المدح قال أصابتني أزمة بالمدينة فوفدت على عبد الواحد بدمشق فقال ما وراءك فقلت لا تسألني فإن الدهر قد جنى علي فما وجدت مستغاثا غيرك فأجازني بألف دينار وقال أقم فأغث من وراءك وأعطاني جملا ولم أنشده بيتا واحدا.
ووفد علة المنصور حين انتقل إلى مدينة السلام سنة 146 أو 145 وقد كتب إلى أهل المدينة أن يفد عليه خطباؤهم وشعراؤهم، والمنصور وراء ستر رقيق وحاجبه أو الخصيب قائم وهو يقول يا أمير المؤمنين هذا فلان الخطيب فيقول أخطب وهذا فلان الشاعر فيقول أنشد قال ابن هرمة ولم تكن في الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه وكنت في آخر من بقي فقال له هذا ابن هرمة فسمعته يقول لا مرحبا ولا أهلا ولا أنعم الله به عينا فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت والله نفسي ثم قلت أن لم أشتد هلكت فقال أبو الخصيب أنشد فأنشدته:
حتى انتهيت إلى قولي:
فقال يا غلام ارفع عني الستر فرفعه ثم قال تمم القصيدة فلما فرغت قال ادن فدنوت ثم قال اجلس فجلست فقال يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء لولاها لفضلتك على نظرائك فاقر لي بذنوبك اعفها عنك، فقلت هذا رجل فقيه يردي أن يقتلني بحجة فقلت يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به فضربني بالمخصرة فقلت:
فضربني ثانيا فقلت:
فقال قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل ورؤبة بن العجاج ولئن بلغني عنك ما أكره لأقتلنك قلت نعم فأتيت المدينة فأتاني رجل من الطالبيين فسلم علي فقلت تنح عني لا تشط بدمي. وكان ابن هرمة جوادا كريما متلافا وكان له كلاب إذا أبصرت الأضياف لم تنبح عليهم وبصبصت بأذنابها بين أيديهم فقال يمدحها:
ونزل رجل ببنات ابن هرمة بعد موته فرأى حالة سيئة فقال إحداهن قد كان أبوك حسن الحال فما ترك لكن فقال كيف يترك لنا شيئا وهو القائل:
ومر رجل بمنزله فإذا بنية له تعلب بالطين قال أين أبوك قالت وفد إلى بعض الملوك الأجواد قال انحري لنا ناقة فإنا أضيافك قال والله ما عندنا قال شاة قالت والله ما عندنا قال فدجاجة قالت والله ما عندنا قالت فأعطينا بيضة قالت والله ما عندنا قال فباطل ما قال أبوك:
قالت فذلك الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء واجتاز نصيب بمنزل ابن هرمة فناداه هرمة يا أبا إسحاق فخرجت ابنته فقال أين أبوك قالت راح لحاجة انتهز فيها برد الفيء قال فهل من قرى قالت لا والله فقال قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول:
قالت ففعله والله ذاك بها أقلها عندنا (وقال مرقع) كنت مع ابن هرمة في سقيفه ابن أذينة فجاءه راع بقطعة من غنمه يشاوره فيما يبيع ويترك فقلت له يا أبا إسحاق أين عزب عنك قولك:
تصف نفسك بالسخاء والكرم وقرى الأضياف. فقال مالك أخزاك الله ولا جزاك الله خيرا ثم قال من أخذ منها شيئا فهو له فانتهبناها ولم يبق شيء مع الرعي.
ووفد أهل الكوفة على معن بن زائدة لما ولاه المنصور آذربيجان فرأى معن هيئة فأنشأ يقول:
فقال له رجل منهم أصلح الله الأمير ألا أنشدك أحسن مكن هذا لابن عمك ابن هرمة فأنشده:
قال معن أحسنت والله وإن كان الشعر لغيرك يا غلام أعطهم أربعة آلاف فقال الغلام يا سيدي دراهم أو دنانير قال والله لا تكون همتك أرفع من همتي صفرها لهم. ورئيت جارية للمنصور وعليها قميص مرقوع فقيل أنت جارية للخليفة وتلبسين هذا فقالت أما سمعتم قول ابن هرمة:
وبعده:
ويقال إن ابن هرمة كان يشرب مع أناس بأعلى السيالة وهي موضع بنواحي المدينة كان به منزله فقل ما عنده فذكر له أن حسن بن حسن بن حسن قد قدم السيالة فكتب إليه يذكر أن أصحابا له قدموا عليه وقد خف ما معهم ولم يذكر من شرابه شيئا وكتب في أسفل الكتاب:
فقال وأنا علي عهد الله إن لم أخبر بقصته أهل السيالة فيردعه أميرها ثم قال يا أهل السيالة هذا ابن هرمة يشرب بالشرف فعلم ابن هرمة فهرب.
شعره
قد سمعت قول الخطيب في تاريخ بغداد أنه شاعر مفلق فصيح مسهب مجيد حسن القول سائر الشعر وقول علي بن عمر الحافظ أنه مقدم في شعراء المحدثين قدمه محمد بن داود بن الجراح على بشار وأبي نواس وغيرهما وقول الأصمعي أنه ختم الشعر به وهو آخر الحجج وفي فهرست ابن النديم عند تعداد الشعراء إبراهيم بن علي بن هرمة وشعره مجرد نحو مئتي ورقة وفي صنعة أبي سعيد السكري نحو خمسمائة ورقة وقد صنعه الصولي فلم يأت بشيء ’’انتهى’’ وكل صفحة من الورقة عشرون سطرا كما ذكره قبل ذلك. وفي اعتناء العلماء بشعره ما يدل على مكانته فمن شعره قوله يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع:
ولقيته رجل من قريش ممن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن فقال له ما فعل الناس يا أبا إسحاق فقال:
وقوله:
وقوله:
وقوله في فناء الأحبة:
وقوله:
وقوله كما في مجموعة الأمثال الشعرية:
وقوله:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 189

ابن هرمة اسمه إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 274

ابن هرمة الشاعر إبراهيم بن علي بن سلمة الفهري المدني الشاعر المعروف بابن هرمة، من شعراء الدولتين نديم المنصور، كان شيخ الشعراء في زمانه وكان منقطعا إلى الطالبيين، قال الدارقطني: هو مقدم في شعراء المحدثين قدمه بعضهم على بشار بن برد وعلى أبي نواس، قيل إنه كان منهوما في الشراب لا يكاد يصير عنه، فقال للمنصور: يا أمير المؤمنين إنني مغرى بالشراب وكلما أمسكني والي المدينة حدني وقد طال هذا فاكتب لي إليه، فكتب إلى عامله بالمدينة: أما بعد فمن أتاك بابن هرمة سكران فحد ابن هرمة ثمانين واجلد الذي يأتي به مائة، فكان يمر به العس وهو ملقى على قارعة الطريق فيقول: من يشتري ثمانين بمائة! قال صاحب الأغاني عن عامر بن صالح أنه أنشد قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا ليس فيها حرف معجم، قال صاحب الأغاني: لم أجدها في مجموع شعره ولا كنت أظن أحدا تقدم رزينا العروضي إلا هذا الباب وهي على ما ذكره يعقوب ابن السكيت اثنا عشر بيتا، وهي:

وهي مثبتة في الأغاني بكمالها. وكان ابن هرمة قصيرا دميما وكان يقول: أنا ألأم العرب، دعي أدعياء: هرمة دعي في الخلج، ونسب الخلج في قريش يشك فيه. ومر يوما على جيرانه وهو ميت سكرا حتى دخل منزله فلما كان من الغد دخلوا عليه فعاتبوه في الحالة التي رأوها منه فقال: أنا في طلب مثلها منذ دهر أما أسمعتهم قولي:
فنهضوا من عنده ونقضوا ثيابهم وقالوا: ما يفلح هذا أبدا. ويقال إنه ولد سنة سبعين وأنشد المنصور سنة أربعين ومائة وعمر بعد ذلك مدة طويلة، وهو القائل من قصيدة:
وكان كذلك لقد مات وما يحمل جنازته إلا أربعة نفر لا يتبعها أحدا حتى دفن بالبقيع وكانت وفاته بعد المائة والخمسين تقريبا. وكان الأصمعي يقول: ختم الشعر بابن ميادة والحكم الخضري وابن هرمة وطفيل الكناني ومكين العذري.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0