عز الدولة بختيار، أبو منصور، عز الدولة ابن معز الدولة أحمد بن بويه: أحد سلاطين العراق من بني بويه. ديلمي الأصل. كان شديد البأس يمسك الثور بقرنيه ويصرعه. تسلطن بعد أبيه (سنة356هـ) ونشبت معارك بينه وبين ابن عمه عضد انتهت بمقتله. وكانت له عناية بالأدب، وله نظم

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 44

عز الدولة أبو منصور بختيار بن معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي الملك
في مجمع الآداب مولده بالأهواز يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر ربيع الآخر سنة 332 وقتل في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شوال سنة 369 بقصر الجص ومبلغ عمره 36 سنة وخمسة أشهر وأيام وكانت مدة إمارته إحدى عشرة سنة وقال ابن الأثير قتل سنة 367 وعمره 36 سنة وملك 11 سنة وشهورا.
وفي مجمع الآداب كانت أمه ديلمية ونشا بالعراق فاكتسب فصاحة العراق وسجاحة الأخلاق (انتهى). قال ابن الأثير في سنة 343 خطب بمكة والحجاز لركن الدولة ومعز الدولة وولده عز الدولة بختيار وفي سنة 344 في المحرم أوصى معز الدولة إلى ابنه بختيار وقلده الأمر بعده وجعله أمير الأمراء. وفي سنة 350 مرض معز الدولة مرضا شديدا فاحضر الوزير المهلبي والحاجب سبكتكين وأصلح بينهما ووصاهما بابنه بختيار وسلم جميع ماله إليه. وفي مجمع الآداب ولي عز الدولة بختيار الأمر بالحضرة بعد وفاة أبيه معز الدولة في يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة 356 وكان المطيع لله قد لقب بختيار في أيام أبيه عز الدولة ورتبه لحجبته (انتهى) قال ابن الأثير في سنة 346 لما أحس معز الدولة بالموت عهد إلى ابنه عز الدولة بختيار ولما مات معز الدولة وجلس ابنه عز الدولة في الإمارة مطر الناس ثلاثة أيام بلياليها مطرا دائما منع الناس من الحركة فأرسل إلى القواد فأرضاهم فانجلت السماء وقد رضوا فسكنوا ولم يتحرك أحد وكتب عز الدولة إلى العسكر بمصالحة عمران بن شاهين وكان بينه وبين أبيه معز الدولة حرب ففعلوا وعادوا. وكان معز الدولة لما حضرته الوفاة وصى ولده بختيار بطاعة عمه ركن الدولة واستشارته في كل ما يفعله وبطاعة ابن عمه عضد الدولة لأنه أكبر منه سنا وأقوم بالسياسة ووصاه بتقرير كاتبيه العباس بن الحسين ومحمد بن العباس لكفايتهما وأمانتهما ووصاه بالديلم والأتراك وبالحاجب سبكتكين فخالف هذه الوصايا جميعها واشتغل باللهو واللعب وعشرة النساء والمساخر والمغنين وشرع في إيحاش كاتبيه وسبكتكين فاستوحشوا وانقطع سبكتكين عنه فلم يحضر داره ونفى كبار الديلم عن مملكته شرها إلى اقطاعاتهم وأموالهم وأموال المتصلين بهم فاتفق أصاغرهم عليه وطلبوا الزيادات واضطر إلى مرضاتهم واقتدى بهم الأتراك فعملوا مثل ذلك ولم يتم له على سبكتكين ما يريد لاحتياطه واتفق الأتراك معه وخرج الديلم إلى الصحراء وطالعوا بختيار بإعادة من أسقط منهم فاحتاج إن يجيبهم لتغير سبكتكين عليه وفعل الأتراك مثل فعلهم وكان أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس ينظران في الأمور أيام معز الدولة عند موت وزيره المهلبي من غير تسمية لأحدهما بوزارة ولما توفي معز الدولة كان كاتبه أبو الفرج المذكور يتولى أمر عمان فسلمها إلى نواب عضد الدولة وسار نحو بغداد لأن بختيار لما ملك بعد موت أبيه تفرد أبو الفضل بالنظر في الأمور فخاف أبو الفرج إن يستمر انفراده عنه فسلم عمان إلى عضد الدولة لئلا يؤمر بالمقام فيها لحفظها وسار إلى بغداد فلم يتمكن من الذي أراد وتفرد أبو الفضل بالوزارة وفي سنة 357 عصى حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار وكان بالبصرة لما مات والده فحسن له من عنده الاستبداد بالبصرة فسير إليه بختيار وزيره أبا الفضل فاظهر الوزير أنه يريد الانحدار إلى الأهواز ولما بلغ واسطا أقام بها ليصلح أمرها وكتب إلى حبشي يعده تسليم البصرة ويقول لزمني مال على الوزارة ويطلب مساعدته فأرسل إليه مائتي ألف درهم وأرسل الوزير إلى عسكر الأهواز إن يقصد الأبلة في يوم عينه وسار هو إلى البصرة فوصلها في ذلك اليوم وقبض على حبشي وحبسه برامهرمز فأرسل عمه ركن الدولة وخلصه. وفي سنة 358 قبض بختيار على وزيره أبي الفضل العباس بن الحسين وعلى جميع أصحابه وقبض أموالهم وأملاكهم واستوزر أبا الفرج محمد بن العباس ثم عزل أبا الفرج وأعاد أبا الفضل. وفيها نفي شيرزاد وكان قد غلب على أمر بختيار وصار يحكم على الوزير والجند وغيرهم فعزم الأتراك على قتله فمنعهم سبكتكين وقال خوفوه ليهرب فهرب من بغداد وعهد إلى بختيار ليحفظ ماله وملكه فلما سار عن بغداد قبض بختيار ماله وملكه فعيب بذلك على بختيار وسار شيرزاد إلى ركن الدولة ليصلح أمره مع بختيار فتوفي بالري. وفي سنة 359 في شوال انحدر بختيار إلى البطيحة لمحاصرة عمران بن شاهين فأقام بواسط يتصيد شهرا ثم أمر وزيره أبا الفضل إن ينحدر إلى الجامدة وعزم على سد أفواه الأنهار فبنى المسنيات وزادت دجلة فخربتها وانتقل عمران إلى معقل آخر وطالت الأيام وضجر الناس وشغب الجند على الوزير وشتموه فاضطر بختيار إلى مصالحة عمران وكان عمران قد خافه أولا وبذل له خمسة آلاف ألف درهم فلما رأى اضطراب أمر بختيار بذل ألفي ألف درهم في نجوم ولما رحل العسكر تخطف عمران أطراف الناس فغنم منهم وفسد عسكر بختيار وزالت عنهم الطاعة والهيبة ووصل بختيار بغداد في رجب سنة 361 وفيها أغار ملك الروم على الرها ونواحيها وساروا في ديار الجزيرة حتى بلغوا نصيبين فغنموا وسبوا وأحرقوا وفعلوا مثل ذلك بديار بكر فسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين وكان بختيار يومئذ يتصيد بنواحي الكوفة فخرج إليه وجوه أهل بغداد مستغيثين منكرين عليه اشتغاله بالصيد وقتال عمران بن شاهين وهو مسلم فوعدهم التجهز للغزاة وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمره بالتجهز للغزو واستنفار العامة ففعل وكتب بختيار إلى أبي تغلب بن حمدان صاحب الموصل يأمره باعداد الميرة و العلوفات فأجابه بالفرح والقبول ثم إن بختيار أرسل إلى المطيع لله يطلب منه ما لا يخرجه في الغزاة فقال هذا لا يلزمني وإنما يلزم من البلاد في يده وليس لي إلا الخطبة وترددت الرسائل بينهما حتى بلغوا إلى التهديد فبذل المطيع أربعمائة ألف درهم باع لأجلها موجوداته فلما قبض بختيار المال بطل حديث الغزاة. وفي سنة 360 تزوج أبو تغلب بن حمدان ابنة عز الدولة بختيار وعمرها ثلاث سنين على صداق مائة ألف دينار. وفي سنة 362 احترق الكرخ حريقا عظيما لأن صاحب المعونة قتل عاميا فثار به العامة والأتراك فهرب فأخذوه وقتل وأحرق وفتحت السجون فركب الوزير أبو الفضل لأخذ الجناة وأرسل حاجبا له يسمى صافيا في جمع لقتال العامة بالكرخ، وكان شديد العصبية للسنية فألقى النار في عدة أماكن من الكرخ فاحترق سبعة عشر ألف إنسان وثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجدا ودور كثيرة وأموال لا تحصى. وفيها في ذي الحجة عزل بختيار وزيره أبا الفضل واستوزر محمد بن بقية فتعجب الناس لذلك لأنه كان وضيعا في نفسه وأبو أحد الزراعين لكنه كان قريبا من بختيار يتولى له المطبخ ويقدم له الطعام ومنديل الخوان على كتفه وهو الذي صلبه عضد الدولة لما استولى على بغداد ورثي بالأبيات المشهورة التي أولها

وحبس بختيار الوزير أبا الفضل ومات قريبا وقيل أنه سم. قال ابن الأثير وكان في ولايته مضيعا لجانب الله فمن ذلك أنه أحرق الكرخ ببغداد فهلك فيه من الناس والأموال ما لا يحصى وظلم الرعية وأخذ الأموال ليفرقها على الجند ليسلم فما سلمه الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس وأما ابن بقية فإنه استقامت أموره بما أخذه من أموال أبي الفضل وأصحابه فلما فني ذلك عاد إلى ظلم الرعية فانتشرت الأمور وزاد الاختلاف بين الأتراك وبختيار فأصلح ابن بقية الحال بين بختيار وسبكتكين على دخل وركب سبكتكين إلى بختيار ومعه الأتراك ثم عاد الحال إلى الفساد لأن ديلميا مر وهو سكران بدار سبكتكين فرمى الروشن فاخذه غلمان سبكتكين وظن سبكتكين أنه وضع على قتله فقرره فلم يعترف فأنفذه إلى بختيار فأمر بقتله فقوي ظن سبكتكين أنه كان وضعه عليه وإنما قتله لئلا يفشو ذلك وتحرك الديلم لقتله فأرضاهم بختيار فرجعوا. وفيها أرسل بختيار الشريف أبا أحمد الموسوي والد الرضي والمرتضى برسالة إلى أبي تغلب بن حمدان بالموصل فمضى إليه وعاد في المحرم سنة 363 وفيها في ربيع الأول سار بختيار إلى الموصل ليستولي عليها ويأخذها من أبي تغلب بن حمدان لأن حمدان وأخاه إبراهيم كانا قد سارا إلى بختيار واستجارا به من أخيهما أبي تغلب فوعدهما النصر واشتغل عن ذلك بأمر البطيحة وغيرها فلما فرع عاود حمدان وإبراهيم الحديث معه وبذل له حمدان مالا جزيلا وصغر عنده أمر أخيه أبي تغلب وحسن ذلك الوزير أبو الفضل ظنا منه إن الأموال تكثر عليه ثم هرب إبراهيم وعاد إلى أخيه أبي تغلب فقوي عزم بختيار على قصد الموصل ثم عزل أبا الفضل واستوزر ابن بقية فكاتبه أبو تغلب فقصر في خطابه فأغرى به بختيار فسار عن بغداد ووصل إلى الموصل 19 ربيع الثاني وكان أبو تغلب سار عن الموصل لما قرب منه بختيار وأخلى الموصل من كل ميرة وسار يطلب بغداد فأعاد بختيار وزيره ابن بقية والحاجب سبكتكين إلى بغداد فدخل ابن بقية بغداد ونزل سبكتكين بحربى فعاد أبو تغلب عن بغداد ونزل بالقرب من سبكتكين وجرت بينهما مطاردة يسيرة واتفقا سرا على إظهار الاختلاف إلى إن يتمكنا من القبض على الخليفة والوزير ووالدة بختيار وأهله ثم ينتقل سبكتكين إلى بغداد ويعود أبو تغلب إلى الموصل ليبلغ من بختيار ما أراد وخاف سبكتكين سوء الأحدوثة فتوقف وانفسخ ما كان بينه وبين أبي تغلب وتراسلوا في الصلح على إن أبا تغلب يضمن البلاد كالسابق ويطلق لبختيار ثلاثة آلاف كرغلة عوضا عن مؤونة سفره ويرد على أخيه حمدان أملاكه إلا ماردين وأرسلوا إلى بختيار بذلك ليرحل عن الموصل وعاد أبو تغلب إليها فلما سمع بختيار بقرب أبي تغلب منه خافه لأن عسكره عاد أكثره مع سبكتكين وطلب ابن بقية من سبكتكين إن يسير نحو بختيار فتثاقل ثم أفكر في العواقب فسار على مضض وتعصب أهل الموصل لأبي تغلب لما نالهم من بختيار من المصادرات ودخل الناس في الصلح فطلب أبو تغلب من بختيار إن يلقب لقبا سلطانيا وان يسلم إليه زوجته ابنة بختيار فأجابه بختيار خوفا وعاد عن الموصل إلى بغداد فلما وصل الكحيل بلغه إن أبا تغلب قتل قوما كانوا استأمنوا إلى بختيار فعادوا إلى الموصل ليأخذوا أموالهم وأهاليهم فقتلهم فاشتد عليه ذلك وأقام بمكانه وأرسل إلى الوزير والحاجب يأمرهما بالإصعاد إليه ففعلا ووصلوا الموصل أواخر جمادى الآخرة ونزلوا بالدير الأعلى وفارقها أبو تغلب إلى تل يعفر وعزم بختيار على قصده أين سلك فأرسل أبو تغلب كاتبه إلى بختيار فاعتقله وترددت الرسل بينهما وحلف أبو تغلب أنه لم يعلم بقتل أولئك فعاد الصلح فأرسل عز الدولة الشريف أبا أحمد الموسوي والقاضي محمد بن عبد الرحمن فحلفا أبا تغلب وانحدر بختيار عن الموصل 17 رجب وعاد إليها أبو تغلب وجهز بختيار ابنته وسيرها إلى أبي تغلب وبقيت معه إلى إن أخذت منه ولم يعرف لها بعد ذلك خبر. وفيها ابتدأت الفتنة بين الأتراك والديلم لأن بختيار قلت عنده الأموال فتوجه هو ووزيره بالعسكر إلى الأهواز ليتعرضوا لبختكين متوليها بحجة يأخذون بها منه مالا وتخلف عنه سبكتكين التركي فلما وصلوا الأهواز خدم بختيار وحمل إليه أموالا جليلة وبختيار يفكر في طريق يأخذه به فاتفق إن حصلت فتنة بين الأتراك والديلم واجتهد بختيار في تسكينها فلم يمكنه فاستشار الديلم وكان أذنا فأشاروا بقبض رؤساء الأتراك فاعتقلهم وقيدهم وفيهم حم لسبكتكين وهرب الأتراك واستولى بختيار على إقطاع سبكتكين وأمر فنودي بالبصرة بإباحة دم الأتراك وكان بختيار قد واطأ والدته وأخوته أنه إذا كتب إليهم بالقبض على الأتراك يظهرون إن بختيار قد مات ويجلسون للعزاء فإذا حضر سبكتكين عندهم قبضوا عليه فلما قبض بختيار على الأتراك كتب إليهم على أجنحة الطيور يعرفهم ذلك فوقع الصراخ في داره وأشاعوا موته فسمع سبكتكين بذلك فأرسل يسال عمن أخبرهم فلم يجد نقلا يطمئن إليه فارتاب بذلك ثم وصله رسل الأتراك بالخبر فعلم إن ذلك مكيدة ودعاه الأتراك إلى إن يتأمر عليهم فتوقف وأرسل إلى أبي إسحاق بن معز الدولة يخبره إن الحال أنفسد بينه وبين أخيه فلا يرجى صلاحه وانه لا يرى العدول عن طاعة مواليه وان أساؤوا إليه ويدعوه إلى إن يعقد الأمر له فعرض الأمر على والدته فمنعته فلما رأى سبكتكين ذلك ركب في الأتراك وحصر دار بختيار يومين ثم أحرقها وأخذ أبا إسحاق وأبا طاهر ابني معز الدولة ووالدتهما فسألوه إن يمكنهم من الانحدار إلى واسط ففعل وانحدروا وانحدر معهم المطيع لله في الماء فرده سبكتكين واستولى على ما كان لبختيار جميعه في بغداد ونزل الأتراك في دور الديلم. وظفر بختيار بذخيرة لبختكين فأخذها ثم رأى ما فعله سبكتكين والأتراك وان بعضهم بسواد الأهواز قد عصوا عليه واضطرب غلمانه الذين في داره وأتاه مشايخ الأتراك من البصرة فعاتبوه على ما فعل بهم وقال له عقلاء الديلم لا بد لنا في الحرب من الأتراك يدفعون عنا بالنشاب فاضطرب رأيه ثم أطلق بختكين آزادويه وجعله صاحب الجيش موضع سبكتكين وظن إن الأتراك يأنسون به وأطلق المعتقلين وسار إلى والدته وأخوته بواسط، وكتب إلى عمه ركن الدولة والى ابن عمه عضد الدولة يسألهما النجدة والى أبي تغلب يطلب المساعدة وانه إذا فعل اسقط عنه المال الذي عليه وأرسل إلى عمران بن شاهين بالبطيحة خلعا وأسقط عنه باقي المال الذي عليه، وخطب إليه إحدى بناته وطلب منه عسكرا، فأما ركن الدولة عمه فإنه جهز عسكرا مع وزيره ابن العميد وكتب إلى ابنه عضد الدولة يأمره بالمسير إلى ابن عمه والاجتماع مع ابن العميد، فأما عضد الدولة فإنه وعد المسير وانتظر ببختيار الدوائر طمعا في ملك العراق وأما عمران بن شاهين فقال أما إسقاط المال فنحن نعلم أنه لا أصل له وقد قبلته وأما الوصلة فإنني لا أتزوج أحدا إلا إن يكون الذكر من عندي وقد خطب إلى العلويون وهم موالينا فما أجبتهم، وأما الخلع فاني لست ممن يلبس ملبوسكم وقد قبلها ابني، وأما إنفاذ عسكر فان رجالي لا يسكنون إليكم لكثرة ما قتلوا منكم. وذكر ما عامله به هو وأبوه مرارا ومع هذا فلا بد إن يحتاج إلى إن يدخل بيتي مستجيرا بي والله لأعاملنه بضد ما عاملني هو وأبوه فكان كذلك. و أما أبو تغلب بن حمدان فأجاب إلى المسارعة وأنفذ أخاه الحسين بن ناصر الدولة إلى تكريت في عسكر وانتظر انحدار الأتراك عن بغداد فان ظفروا ببختيار دخل بغداد مالكا لها، فلما انحدر الأتراك عن بغداد سار أبو تغلب إليها ليوجب على بختيار الحجة في إسقاط المال ووصل بغداد والناس في بلاء عظيم مع العيارين فحمى البلد، وأما الأتراك فإنهم انحدروا مع سبكتكين فلما وصلوا إلى دير العاقول مرض سبكتكين فمات فقدم الأتراك عليهم الفتكين من أكبر قوادهم وموالي معز الدولة وفرح بختيار بموت سبكتكين وظن إن أمر الأتراك ينحل بموته، فلما رأى انتظام أمورهم ساءه ذلك، وسار الأتراك إليه وهو بواسط ونزلوا قريبا منه وصاروا يقاتلونه نوائب نحو خمسين يوما ولم تزل الحرب بينهم وبينه متصلة والظفر للأتراك، وحصروه واشتد عليه الحصار وتابع إنفاذ الرسل إلى عضد الدولة وكتب إليه:
فلما رأى عضد الدولة ذلك وان الأمر قد بلغ ببختيار ما كان يرجوه سار نحو العراق نجدة له في الظاهر وباطنه بضد ذلك فسار في عساكر فارس واجتمع به أبو الفتح بن العميد وزير أبيه ركن الدولة في عساكر الري بالأهواز وساروا إلى واسط، فلما سمع الفتكين بوصولهم رجع إلى بغداد وعزم على إن يجعلها وراء ظهره ويقاتل على ديالى ووصل عضد الدولة فاجتمع به بختيار وسار عضد الدولة إلى بغداد في الجانب الشرقي وأمر بختيار إن يسير في الجانب الغربي، ولما سمع أبو تغلب بقرب الفتكين منه عاد عن بغداد إلى الموصل لأن أصحابه شغبوا عليه ووصل الفتكين إلى بغداد محصورا من جميع جهاته وذلك إن بختيار أرسل إلى ضبة بن محمد الأسدي وهو من أهل عين التمر وهو الذي هجاه المتنبي فأمره بالإغارة على أطراف بغداد وبقطع الميرة عنها وكتب بمثل ذلك إلى بني شيبان وكان أبو تغلب من ناحية الموصل يمنع الميرة وينفذ سراياه فغلا السعر ببغداد وسار العيارون والمفسدون فنهبوا الناس ببغداد وكبس الفتكين المنازل في طلب الطعام، وسار عضد الدولة نحو بغداد، فلقيه الفتكين والأتراك بين ديالى والمدائن فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم الأتراك فقتل منهم خلق كثير ووصلوا إلى ديالى فعبروا على جسور كانوا عملوها فغرق أكثرهم من الزحمة وسار الأتراك إلى تكريت وسار عضد الدولة فنزل بظاهر بغداد ثم دخلها ونزل بدار المملكة وكان قد طمع في العراق واستضعف بختيار وإنما خاف أباه ركن الدولة فوضع جند بختيار على الشغب به والمطالبة بأموالهم وكان بختيار لا يملك قليلا ولا كثيرا، وأشار عضد الدولة على بختيار بترك الالتفات إليهم وان لا يعدهم بما لا يقدر عليه وان يعرفهم أنه لا يريد الإمارة والرياسة عليهم ووعده أنه إذا فعل ذلك توسط الحال بينهم على ما يريده فظن بختيار أنه ناصح له ففعل ذلك وأغلق بابه وصرف كتابه وحجابه فراسله عضد الدولة ظاهرا بمحضر مقدمي الجند يشير عليه بمقاربتهم وتطيب قلوبهم وكان أوصاه سرا إن لا يقبل فعمل بما أوصاه وقال لست أميرا لهم ولا بيني وبينهم معاملة وقد برئت منهم فترددت الرسل بينهم ثلاثة أيام وعضد الدولة يغريهم به والشغب يزيد، وأرسل بختيار إليه يطلب إنجاز ما وعده به ففرق الجند على عدة جميلة واستدعى بختيار وأخوته فقبض عليهم في 26 جمادى الآخرة سنة 364 وجمع الناس وأعلمهم استعفاء بختيار من الإمارة عجزا عنها ووعدهم الإحسان فسكنوا إلى قوله، وكان المرزبان بن بختيار بالبصرة متوليا لها، فلما بلغه قبض والده امتنع على عضد الدولة وكتب إلى ركن الدولة عم أبيه يشكو ما جرى على والده وعميه من عضد الدولة ومن أبي الفتح بن العميد ويذكر له الحيلة التي تمت عليه، فلما سمع ركن الدولة ذلك ألقى نفسه عن سريره إلى الأرض وامتنع عن الأكل والشرب ومرض مرضا لم يستقل منه مدة حياته وكان محمد بن بقية بعد بختيار قد خدم عضد الدولة وضمن منه واسطا وأعمالها، فلما وصلها خلع طاعة عضد الدولة ووافقه على ذلك عمران بن شاهين فجهز عضد الدولة جيشا على ابن بقية فكسرهم ابن بقية وكتب ركن الدولة إلى ابن بقية والمرزبان وغيرهما ممن احتمى لبختيار يأمرهم بالثبات والصبر ويعرفهم أنه على المسير إلى العراق لإخراج عضد الدولة وإعادة بختيار، فاضطربت النواحي على عضد الدولة، فعزم على إنفاذ أبي الفتح بن العميد برسالة إلى أبيه يعرفه ما جرى له وما فرق من الأموال وضعف بختيار عن حفظ البلاد وانه إن أعيد خرجت المملكة من أيديهم ويسأله ترك نصرة بختيار، وقال لأبي الفتح فان أجاب وإلا فقل له أنا أضمن منك أعمال العراق في كل سنة بثلاثين ألف ألف درهم وأبعث بختيار وأخويه إليك فان اختاروا أقاموا عندك وان اختاروا بعض بلاد فارس سلمته إليهم، وان أحببت إن تحضر إلى العراق وتنفذ بختيار إلى الري وأعود أنا إلى فارس فالأمر إليك، فان أجاب وإلا فقل له أيها السيد الوالد! أنت مقبول الحكم والقول، ولكن لا سبيل إلى إطلاق هؤلاء بعد مكاشفتهم وإظهار العداوة وسيقاتلونني جهدهم فتنشر الكلمة فان قبلت ما ذكرته فانا العبد الطائع وان أبيت فسأقتل بختيار وأخويه وأخرج عن العراق فخاف ابن العميد إن يسير بهذه الرسالة وأشار إن يسير بها غيره ويسير هو بعده فيكون كالمشير على ركن الدولة فأرسل بها غيره وتبعه ابن العميد فلما ذكر الرسول بعض الرسالة وثب إليه ركن الدولة ليقتله فهرب ثم رده بعد ما سكن غضبه وقال قل لفلان بعني عضد الدولة خرجت إلى نصرة ابن أخي أو للطمع في مملكته أ ما علمت أني نصرت فلانا و فلانا وسماها واعدتهما إلى ملكهما ولم أخذ منهما درهما واحدا طلبا لحسن الذكر وأنت تمن علي بدرهمين أنفقتهما علي وعلى أولاد أخي ثم تطمع في ممالكهم وتهددني بقتلهم ثم جاء ابن العميد فحجبه وتهدده عضد الدولة. وكان ركن الدولة يقول أني أرى كل ليلة أخي معز الدولة في المنام يعض على أنامله ويقول يا أخي هكذا ضمنت لي إن تخلفني في ولدي وكان ركن الدولة يحب أخاه محبة شديدة لأنه رباه. وتوسط الناس لابن العميد عند ركن الدولة فإذن له بالحضور عنده فرده إلى عضد الدولة وعرفه جلية الحال فأجاب إلى المسير إلى فارس وأخرج بختيار من محبسه وخلع عليه وشرط عليه إن يكون نائبا عنه بالعراق ويخطب له ويجعل أخاه أبا إسحاق أمير الجيش لضعف بختيار وسار إلى فارس في شوال سنة 364 واستقر بختيار ببغداد ولم يف لعضد الدولة بالعهود وأنفذ إلى ابن بقية من حلفه له وحضر عنده وأكد الوحشة بين بختيار وعضد الدولة وثارت الفتنة بعد مسير عضد الدولة واستمال ابن بقية الأجناد وجبى كثيرا من الأموال إلى خزانته وكان إذا طالبه بختيار بالمال وضع الجند على مطالبته فثقل على بختيار فاستشار في مكروه يوقعه به فبلغ ذلك ابن بقية فعاتب بختيار عليه فأنكره وحلف له فاحترز ابن بقية منه، ثم توفي ركن الدولة سنة 366. وفيها تجهز عضد الدولة يطلب العراق لما كان يبلغه عن بختيار وابن بقية من استمالة أصحاب الأطراف واتفاقهم على معاداته ولما كانا يقولانه من الشتم القبيح له وانحدر بختيار إلى واسط على عزم محاربة عضد الدولة وكان حسنويه الكردي وأبو تغلب بن حمدان وعداه النصرة فلم يفيا له ثم سار بختيار إلى الأهواز وسار عضد الدولة من فارس نحوهم فالتقوا في ذي القعدة واقتتلوا فخامر على بختيار بعض عسكره وانتقلوا إلى عضد الدولة فانهزم بختيار وأخذ ماله ومال ابن بقية ونهبت الأثقال ولما وصل بختيار إلى واسط حمل إليه ابن شاهين صاحب البطيحة مالا وسلاحا وغير ذلك من الهدايا النفيسة ودخل بختيار إليه فأكرمه وحمل إليه مالا جليلا وأعلاقا نفيسة وعجب الناس من قول عمران إن بختيار سيدخل منزلي مستجيرا بي كما مر في هذه الترجمة فكان كما قال ثم أصعد بختيار إلى واسط وسير عضد الدولة جيشا إلى البصرة فملكها وأقام بختيار بواسط وأحضر ما كان له ببغداد والبصرة من مال وغيره ففرقه في أصحابه ثم قبض على ابن بقية لأنه اطرحه واستبد بالأمر دونه وجبي الأموال إلى نفسه ولم يوصل إلى بختيار منها شيئا وأراد أيضا التقرب إلى عضد الدولة بقبضه لأنه هو الذي كان يفسد الأحوال بينهم وأرسل عضد الدولة في الصلح ثم أتاه ابنا حسنويه في نحو ألف فارس معونة له فاظهر المقام بواسط ومحاربة عضد الدولة ثم بدا له في المسير فسار إلى بغداد فعاد عنه ابنا حسنويه إلى أبيهما وأقام بختيار ببغداد وكان له غلام تركي يميل إليه فاخذ في جملة الأسرى وانقطع خبره عن بختيار فحزن لذلك وقال فجيعتي بهذا الغلام أعظم من فجيعتي بذهاب ملكي ثم سمع أنه في جملة الأسرى فأرسل إلى عضد الدولة يبذل له ما أحب في رده فأعاده إليه وفي هذه السنة وهي سنة 366 نقلت ابنة عز الدولة بختيار إلى الطائع وكان تزوجها وفي سنة 367 سار عضد الدولة إلى بغداد وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعته وأن يسير عن العراق إلى أي جهة أراد وضمن مساعدته بما يحتاج إليه من مال وسلاح وغير ذلك فاختلف أصحاب بختيار عليه في الإجابة إلى ذلك إلا أنه أجاب إليه لضعف نفسه فأرسل إليه عضد الدولة خلعة فلبسها وتجهز بما أنفذه إليه عضد الدولة وخرج عن بغداد عازما على قصد الشام ومعه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان فلما صار بعكبرا حسن له حمدان قصد الموصل وأطمعه فيها وقال أنها خير من الشام وأسهل فسار بختيار نحو الموصل وكان عضد الدولة قد حلفه إن لا يقصد ولاية أبي تغلب بن حمدان فنكث وقصدها فلما صار إلى تكريت أتته رسل أبي تغلب إن يقبض على أخيه حمدان ويسلمه إليه وإذا فعل قاتل معه عضد الدولة وأعاده إلى ملكه ببغداد فقبض بختيار على حمدان وسلمه إلى نواب أبي تغلب فحبسه وسار بختيار إلى الحديثة واجتمع مع أبي تغلب وسارا جميعا نحو العراق ومع أبي تغلب نحو عشرين ألف مقاتل وبلغ ذلك عضد الدولة فسار نحوهما فالتقوا بقصر الحص بنواحي تكريت 18 شوال 367 فهزمهما وأسر بختيار وأحضر عند عضد الدولة فلم يأذن بإدخاله عليه وأمر بقتله فقتل وكان عمره 36 سنة وملك 11 سنة وشهورا (انتهى) ما أخذناه من تاريخ ابن الأثير من أحوال عز الدولة بختيار بن بويه الديلمي. ومن شعره قوله

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 541

عز الدولة بختيار بن أحمد

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0

عز الدولة ابن بويه اسمه بختيار.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0

عز الدولة صاحب العراق، الملك أبو منصور بختيار، ابن الملك معز الدولة أحمد بن بويه بن فنا خسرو الديلمي.
تزوج الطائع لله ببنته شهناز على مائة ألف دينار.
وكان شديد البأس، يمسك ثورا بقرنيه فيصرعه.
وكان مسرفا مبذرا.
تسلطن بعد أبيه، وقد خرج عليه ابن عمه عضد الدولة، وجرت بينهما حروب، وأسر مملوك بديع الجمال لعز الدولة، فتجنن عليه، وترك الأكل وبكى، وافتضح، وكتب إلى عضد الدولة، وخضع وبذل في فدائه عوديتين؛ ثمن إحداهما مائة ألف، وقال: رضيت برده، وأدع الملك، فرده.
وقيل: كان راتبه من الشمع في الشهر عدة قناطير.
التقى هو وعضد الدولة في شوال سنة سبع وستين وثلاث مائة، فقتل في المصاف، فندم عضد الدولة، وبكى لما جيء برأسه.
عاش ستا وثلاثين سنة.
وضاع أمر الإسلام بدولة بني بويه، وبني عبيد الرافضة، وتركو الجهاد، وهاجت نصارى الروم، وأخذوا المدائن، وقتلوا وسبوا.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 276