بكار بن قتيبة بكار بن قتيبة بن أسد، أبو بكرة، من بني الحارث بن كلدة الثقفي: قاض فقيه محدث. ولى القضاء بمصر للمتوكل العباسي سنة 246هـ. ولما صار الأمر إلى أحمد بن طولون بمصر، أمره بخلع (الموفق) من ولاية العهد، فامتنع بكار، فاعتقله، فأقام بالسجن يقصده الناس ويروون عنه الحديث ويفتيهم، وهو باق على القضاء، إلى ان توفى في سجنه بمصر. له كتب منها (الوثائق والعهود)

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 60

بكار بن قتيبة الثقفي بكار بن قتيبة بن أسد بن أبي بردعة بن عبد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبى بكرة نفيع بن الحرث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكرة البكراوي، البصري، قاضي مصر.
سمع أبا داود الطيالسي ويزيد بن هارون، والطبقة.
روى عنه الطحاوي فأكثر، وأبو عوانة في صحيحه وابن خزيمة، وغيرهم.
وتفقه علي هلال الرأي.
وله مناقب جمة ذكرها غير واحد من أصحاب التراجم. واستوفاها سيدنا ومولانا حافظ العصر في كتابه في قضاة مصر.
ولي مصر من قبل المتوكل، ودخلها يوم الجمعة لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة ست وأربعين ومائتين.
صنف كتاب ’’الشروط’’ وكتاب ’’المحاضر والسجلات’’ وكتاب ’’الوثائق والعقود’’.
وقال ابن زولاق: نظر بكار في مختصر المزني، فوجد فيه ردا على أبي حنيفة فقال لبعض شهوده: اذهبا واسمعا هذا الكتاب من أبي إبراهيم المزني، فإذا فرغ منه فقولا له: سمعت الشافعي يقول ذلك؟ واشهدا عليه به. ففعلا وعادا إلى القاضي بكار، وشهدا عنده على المزني أنه سمع الشافعي يقول ذلك. فقال بكار: الآن استقام لنا أن نقول: قال الشافعي. ثم صنف كتاباجليلا رد فيه على الشافعي، ونقض فيه رده على أبي حنيفة.
قال الطحاوي: مولده سنة اثنتين وثمانين ومائة.
ووفاته يوم الخميس لست بقين من ذي الحجة سنة سبعين ومائتين.
وقال ابن يونس: لست خلون من ذي الحجة. والله أعلم.
وقال في المسالك: وكان يحدث في السجن من طاق فيه، لأن أصحاب الحديث شكوا إلى ابن طولون انقطاع سماع الحديث من بكار، وسألوه الإذن له في الحديث، ففعل.

  • دار القلم - دمشق-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 144

بكار بن قتيبة بن أسد بن عبيد الله بن بشير الثقفي ابن صاحب رسول -صلى الله عليه وسلم- أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، البكراوي، البصري، القاضي الكبير، العلامة، المحدث، أبو بكرة الفقيه، الحنفي، قاضي القضاة بمصر.
مولده: في سنة اثنتين وثمانين ومائة، بالبصرة.
وسمع: أبا داود الطيالسي، وروح بن عبادة، وعبد الله بن بكر السهمي، وأبا عاصم، ووهب بن جرير، وسعيد بن عامر الضبعي، وطبقتهم.
وعني بالحديث، وكتب الكثير، وبرع في الفروع، وصنف، واشتغل.
حدث عنه: أبو عوانة في (صحيحه)، وابن خزيمة، وعبد الله بن عتاب الزفتي، ويحيى بن صاعد، وابن جوصا، وأبو جعفر الطحاوي، وابن زياد النيسابوري، وابن أبي حاتم، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وأبو علي بن حبيب الحصائري، وأبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو الخامي، وأحمد بن سليمان بن حذلم، ومحمد بن محمد بن أبي حذيفة الدمشقي، وأبو العباس الأصم، والحسن بن محمد بن النعمان الصيداوي، وأبو بكر محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري، وأحمد بن عبد الله الناقد، وخلق كثير من أهل مصر ودمشق، ومن الرحالة، وكان من قضاة العدل.
قال أبوبكر بن المقرئ: حدثنا محمد بن بكر الشعراني بالقدس، حدثنا أحمد بن سهل الهروي، قال:
كنت ساكنا في جوار بكار بن قتيبة، فانصرفت بعد العشاء، فإذا هو يقرأ: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: 26].
قال: ثم نزلت في السحر، فإذا هو يقرؤها، ويبكي، فعلمت أنه كان يتلوها من أول الليل.
قال محمد بن يوسف الكندي: قدم بكار قاضيا إلى أن توفي، فأقامت مصر بلا قاض بعده سبع سنين، ثم ولى خمارويه محمد بن عبدة القضاء.
قال: وكان أحمد بن طولون أراد بكارا على لعن الموفق -يعني: ولي العهد- فامتنع، فسجنه إلى أن مات أحمد بن طولون، فأطلق القاضي بكار، وبقي يسيرا ومات، فغسل ليلا، وكثر الناس، فلم يدفن إلى العصر.
قلت: كان عظيم الحرمة، وافر الجلالة، من العلماء العاملين، كان السلطان ينزل إليه، ويحضر مجلسه، فذكر أبو جعفر الطحاوي أن بكار ابن قتيبة استعظم فسخ حكم الحارث بن مسكين في قضية ابن السائح -يعني: لما حكم عليه- فأخرج من يده دار الفيل، وتوجه ابن السائح إلى العراق يغوث على ابن مسكين.
قال الطحاوي: وكان الحارث إنما حكم فيها بمذهب أهل المدينة، فلم يزل يونس بن عبد الأعلى يكلم القاضي بكارا، ويجسده حتى جسد، ورد إلى ابني السائح الدار.
ولا أحصي كم كان أحمد بن طولون يجيء إلى مجلس بكار وهو يملي، ومجلسه مملوء بالناس، فيتقدم الحاجب، ويقول: لا يتغير أحد من مكانه.
فما يشعر بكار إلا وأحمد إلى جانبه، فيقول له: أيها الأمير، ألا تركتني كنت أقضي
حقك وأقوم؟
قال: ثم فسد الحال بينهما حتى حبسه، وفعل به ما فعل.
وقيل: إن بكارا صنف كتابا ينقض فيه على الشافعي رده على أبي حنيفة، وكان يأنس بيونس بن عبد الأعلى، ويسأله عن أهل مصر وعدولهم.
ولما اعتقله ابن طولون لم يمكنه أن يعزله، لأن القضاء لم يكن إليه أمره.
وقيل: إن بكارا كان يشاور في حكم يونس، والرجل الصالح موسى ولد عبد الرحمن بن القاسم، فبلغنا أن موسى سأله: من أين المعيشة؟
قال: من وقف لأبي أتكفى به.
قال: أريد أن أسألك يا أبا بكرة، هل ركبك دين بالبصرة؟
قال: لا.
قال: فهل لك ولد أو زوجة؟
قال: ما نكحت قط، وما عندي سوى غلامي.
قال: فأكرهك السلطان على القضاء؟
قال: لا.
قال: فضربت آباط الإبل بغير حاجة إلا لتلي الدماء والفروج؟ لله علي لا عدت إليك.
قال: أقلني يا أبا هارون.
قال: أنت ابتدأت بمسألتي، انصرف، ولم يعد إليه.
قلت: رضي الله عن موسى، فلقد صدقه، وصدعه بالحق.
ولم يكن بكار مكابرا، فيقول: تعين علي القضاء.
وقال الحسن بن زولاق في ترجمة بكار: لما اعتل أحمد بن طولون، راسل بكارا، وقال: إنا رادوك إلى منزلك، فأجبني. فقال:
قل له: شيخ فان وعليل مدنف، والملتقى قريب، والقاضي -عز وجل-.
فأبلغها الرسول أحمد، فأطرق، ثم أقبل يكرر ذلك على نفسه، ثم أمر بنقله من السجن إلى دار اكتريت له، وفيها كان يحدث، فلما مات الملك قيل لأبي بكرة: انصرف إلى منزلك.
فقال: هذه الدار بأجرة، وقد صلحت لي، فأقام بها.
قال الطحاوي: فأقام بها بعد أحمد أربعين يوما، ومات.
قلت: كان ولي العهد الموفق قد استبد بالأمور، وضيق على أخيه الخليفة المعتمد.
قال الصولي: تخيل المعتمد من أخيه، فكاتب أحمد بن طولون، واتفقا، وقال المعتمد:

فبلغنا أن ابن طولون جمع العلماء والأعيان، وقال: قد نكث الموفق أبو أحمد بأمير المؤمنين، فاخلعوه من العهد.
فخلعوه، إلا بكار بن قتيبة.
وقال: أنت أوردت علي كتاب المعتمد بتوليته العهد، فهات كتابا آخر منه بخلعه.
قال: إنه محجور عليه ومقهور؟
قال: لا أدري.
فقال له: غرك الناس بقولهم: ما في الدنيا مثل بكار، أنت قد خرفت وقيده وحبسه، وأخذ منه جميع عطائه من سنين، فكان عشرة آلاف دينار، فقيل: إنها وجدت بختومها وحالها.
وبلغ ذلك الموفق، فأمر بلعن ابن طولون على المنابر.
ونقل القاضي ابن خلكان: أن ابن طولون كان ينفذ إلى بكار في العام ألف دينار، سوى المقرر له، فيتركها بختمها، فلما دعاه إلى خلع الموفق، طالبه بجملة المال، فحمله إليه بختومه ثمانية عشر كيسا، فاستحيا ابن طولون عند ذلك، ثم أمره أن يسلم القضاء إلى محمد بن شاذان الجوهري، ففعل، واستخلفه، وكان يحدث من طاقة السجن، لأن أصحاب الحديث طلبوا ذلك من أحمد، فأذن لهم على هذه الصورة.
قال ابن خلكان: وكان بكار تاليا للقرآن، بكاء، صالحا، دينا، وقبره مشهور قد عرف باستجابة الدعاء عنده.
قال الطحاوي: كان على نهاية في الحمد على ولايته، وكان ابن طولون على نهاية في تعظيمه وإجلاله إلى أن أراد منه خلع الموفق، قال: فلما رأى أنه لا يلتئم له ما يحاوله ألب عليه سفهاء الناس، وجعله لهم خصما، فكان يقعد له من يقيمه، مقام الخصوم، فلا يأبى، ويقوم بالحجة لنفسه، ثم حبسه في دار، فكان كل جمعة يلبس ثيابه وقت الصلاة، ويمشي إلى الباب، فيقولون له الموكلون به: ارجع، فيقول: اللهم اشهد.
قال أبو عمر الكندي: قدم بكار قاضيا من قبل المتوكل في جمادى
الآخرة، سنة ست وأربعين ومائتين، فلم يزل قاضيا إلى أن توفي في ذي الحجة، سنة سبعين ومائتين.
وقيل: شيعه خلق عظيم أكثر ممن يشهد صلاة العيد، وأمهم عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة الثقفي - رحمه الله تعالى -.
قلت: عاش تسعا وثمانين سنة.
وفيها مات: أحمد بن طولون صاحب مصر، وإبراهيم بن مرزوق، وأسيد بن عاصم، والحسن بن علي بن عفان، والربيع المرادي، وزكريا بن يحيى المروزي، وعباس بن الوليد بن مزيد، ومحمد بن مسلم بن وارة، ومحمد بن هشام بن ملاس، ومحمد بن ماهان - رفيقه - وأحمد بن المقدام الهروي، وأحمد بن عبد اللة البرقي، وداود الظاهري، وأبو بكر الضغاني، وأبو البختري ابن شاكر.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورا في سنة تسع وست مائة، أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا ابن طلاب، أخبرنا ابن جميع، حدثنا الحسن بن محمد بن النعمان بصور، حدثنا بكار بن قتيبة، حدثنا أبو مطرف بن أبي الوزير، حدثنا موسى بن عبد الملك بن عمير، عن أبيه، عن شيبة الحجبي، عن عمه -يعني: عثمان بن طلحة- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه).
أخبرنا علي بن أحمد الحسيني بالإسكندرية، أخبرنا محمد بن أحمد ببغداد، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا بكار بن قتيبة، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا سليم بن حيان، حدثنا سعيد بن ميناء، حدثنا ابن الزبير، أخبرتني عائشة:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها: (لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية، لهدمت الكعبة، وألزقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين: بابا شرقيا، وبابا غربيا، ولزدت ستة أذرع من الحجر في البيت، فإن قريشا استقصرت لما بنت البيت).

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 10- ص: 197

بكار بن قتيبة بن عبد الله بن أبي بردعة بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة أبو بكرة الثقفي، البكراوي
وفي هذا النسب، من تقديم بعض الآباء، على بعض، وإثبات البعض، وإسقاط البعض، خلاف، لا علينا أن نطيل به، لعدم الفائدة المهمة في ذلك.
ولدسنة اثنتين وثمانين ومائة، وأخذ الفقه والشروط عن هلال بن يحيى، وعيسى بن أبان، وطلب الحديث، فأكثر عن أبي داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، وصفوان بن عيسى، وعبد الصمد بن عبد الوارث، ومؤمل بن إسماعيل، وغيرهم من مشايخ البصرة.
وروى عنه أبو داود السجستاني، خارج ’’ السنن ’’ وابن خزيمة، وأبو عوانة، في ’’ صحيحيهما ’’ والطحاوي، أكثر عنه جدا، وخلائق كثيرون، وكان له اتساع في الفقه والحديث.
وعن أحمد بن سهل الهروي قال: كنت ألازم غريما لي، بعد العشاء الآخرة، أو نحو هذا، وكنت ساكنا في جوار بكار بن قتيبة، فانصرفت إلى منزلي، فإذا هو يقرأ (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض)، الآية، فوقفت أتسمع عليه طويلا، ثم انصرفت فقمت في السحر، على أن أصير إلى منزل الغريم، فإذا هو يقرأ هذه الآية، ويرددها، فعلمت أنه كان يقرؤها من أول الليل.
وكان كثيرا ما ينشد:

قال أبو عمر الكندي: قال محمد بن الربيع الجيزي: ولي بكار قضاء مصر من قبل المتوكل، فدخلها يوم الجمعة، لثمان ليال خلون من جمادى الآخرة، سنة ست وأربعين ومائتين.
ويقال: إنه لقي وهو قاصد مصر محمد بن أبي الليث بالجفار؛ وهو الرمل الذي بين غزة والعريش، راجعا إلى العراق مصروفا، فقال له بكار: أنا رجل غريب، وأنت قد عرفت البلد، فدلني على من أشاوره وأسكن إليه.
فقال له: عليك برجلين، أحدهما عاقل وهو يونس بن عبد الأعلى، فإنني سمعت في سفك دمه وقدر علي فحقن دمي، والآخر موسى بن عبد الرحمن بن القاسم؛ فإنه زاهد.
قال: فصهما لي.
فوصفهما له، فلما دخل بكار مصر، ودخل الناس إليه، رأى شيخا بالوصف الذي وصف له به يونس بن عبد الأعلى، فظن أنه هو، فأكرمه، فبينا هو في الحديث معه، إذ قيل: يونس بن عبد الأعلى. فأعرض عن الرجل، وتلقى يونس فأكرمه، وأتاه موسى بن عبد الرحمن، فأعظمه، واستشاره، وأخذ برأيه.
واتفق أنه قال لموسى، بعد ما تخصص به: يا أبا هارون، من أين المعيشة؟ قال: من وقف أبي.
قال: يكفيك؟ قال: قد تكفيت به، وقد سأل القاضي، فأسأل؟ قال: سل.
قال: هل ركب القاضي دين بالبصرة لم يجد له وفاء حتى تولى القضاء؟ قال: لا.
قال: فرزق ولدا أحوجه إلى ذلك؟ قال: لا.
قال: فعيال؟ قال: ما نكحت قط.
قال: فأجبره السلطان وخوفه؟ قال: لا.
قال: فضربت آباط الإبل من البصرة إلى مصر لغير حاجة!! لله على أن دخلت عليك أبدا.
قال: أقلني.
قال: أنت ابتدأت.
ثم انصرف عنه، فلم يعد إليه.
قال ابن حجر: وقد استبعد صاحبنا جمال الدين صحة هذه الحكاية، من جهة أن ابن أبي الليث كان حينئذ محبوسا بالعراق، ولأن خروجه من مصر كان في سنة إحدى وأربعين، قبل مجيء بكار بخمس سنين.
وأجرى المتوكل على بكار في الشهر مائة وثمانين وستين دينارا.
وكان بكار عافرفا بالفقه، كثير البكار، والتلاوة، وكان إذا فرغ من الحكم خلا بنفسه، وعرض من تقدمن إليه، وما حكم به، على نفسه، وكان يكثر الوعظ للخصوم، ولا سيما عند اليمين، وكان يحاسب أمناءه في كل وقت، ويسأل عن الشهود.
ودخل عليه أبو إبراهيم المزني، في شهادة، ولم يكن رآه قبلها، لاشتغال المزني بنفسه، وإنما اضطر إلى أداء الشهادة، فلما أداها، قال له: تسم.
فقال: إسماعيل بن يحيى المزني.
قال: صاحب الشافعي؟ قال: نعم.
فاستدعى من شهد عنده أنه هو، فقبل شهادته.
وقال الطحاوي: ما أدري كم كان يجيء أحمد بن طولون إلى بكار، وهو على الحديث، فما يشعر به بكار إلا وهو جالس إلى جنبه، فيقول: ما هذا أيها الأمير، هلا تركتني حتى أقضي حقك، أحسن الله مجازاتك.
وقال ابو حاتم ابن أخي بكار: قدم على بكار رجل من أهل البصرة، ذكر أنه كان رفيقه في المكتب، فأكرمه جدا، ثم احتاج إلى شهادة، فشهد عند بكار مع رجل مصري، فتوقف عن الحكم، فظن أهل مصر أن توقفه لأجل المصري، فسئل في خلوة عن ذلك، فقال: المصري على عدالته، ولكن السبب البصري، وذكر منه أمرا رآه في الصغر، وقال: لا تطيب نفسي إذا ذكرت ذلك أن أقبل شهادته.
وقيل: إنه ذكر أنه أكل معه أرزا في سمن، فنفذ العسل الذي من ناحية بكار، ففتح من جهة صاحبه حتى جرى إليه، فقال له (أخترقتها لتغرق أهلها).
فقال: له بكار: أتهزأ بالقرآن في مثل هذا! فبقيت في نفسه عليه.
وكان بكار في غاية العفاف، وسلامة الصدر، اتفق أنه دخل عليه بعض أمنائه، وهومخرق الثياب، فقال: بعثتني أحفظ تركة فلان، فصنع بي جاره هذا.
فقال: أحضروه.
فأحضره الأعوان، فقال له بكار: أنت صنعت هذا بأميني.
قال: نعم.
فقال: خذوه.
فأخذه الأعوان، فسقط ميتا، فدهش بكار، فقال له أمناء القاضي: هذا عمله اليوم، مات مرتين.
فاستوى الرجل جالسا، فقال: كذبوا والله، ما مت إلا الساعة، ورقد.
فجعل بكار يرش عليه ماء الورد، ويشمه الكافور، ويرفق به، ويعده، إلى أن قام فصرفه، وأقبل على أعوانه، فقال: هددتموه، وجررتموه، فلو وافق أجله!.
وكان ابن طولون إذا حضر جنازة لا يصلي عليها غيره، إلا أن يكون بكار حاضرا.
ويقال: إن بكارا كان عثمانيا، فتظلم إليه رجل، فجعل ينادي: ذهب الإسلام.
فقال له بكار: يا هذا، نحر عثمان فما ذهب الإسلام، يذهب بسببك!
فلما وقع بينه وبين ابن طولون بكته بها ابن طباطبا النقيب.
وقال الطحاوي: جاء رجل إلى أبي محمد بن العباس التل الفقيه، فقال له: في يدي دار لرجل غائب، وإني أريد إخراجها من يدي.
فقال له: صر إلى القاضي، فسلمها له.
فمضى، وعاد، فقال: قلت له، فقال: أخرجوه. فقال له التل: صدق، عد إليه، وسم له اسم صاحبها، وأنه غائب. ففعل، فقال: أخرجوه. فقال له التل: صدق، عد إليه، وأذكر له موضعها وحدودها. ففعل، فقال: أخرجوه، فقال له التل: صدق، عد إليه، واذكر له إنك لا ملك لك عليها، ولا على شيء منها بسبب من الأسباب. فقال: أخرجوه. فقال التل: صدق، عد إليه، وقل له: وأنا عاجز عن حفظها. فمضى، ثم عاد، فقال: عرفته ذلك، فقال: اكتبوا عليه بما ذكرنا كتابا، وأعطوه نسخة، واقبضوا الدار، وأقيموا لها أمينا، حتى يحضر صاحبها. فقال له التل: ابتليت بقاض فقيه.
قال ابن حجر: والتل هذا يسمى محمد بن العباس، بصرى سكن مصر، ومات في ذي الحجة، سنة اثنتين وسبعين ومائتين.
وعن بكار أنه قال يوما في مجلسه: ما حللت سراويلي على حلال قط.
فقال له رجل: ولا حرام؟ فقال: والحرام يذكر!! وكان بكار يخالف أصحابه الحنفية في تحليل قليل النبيذ، ويذهب إلى تحريمه، وكان يعاتب صاحبه أبا جعفر التل على الشرب.
قال ابن زولاق: كان لبكار اتساع في العلم والمناظرة، ولما رأى ’’ مختصر المزني ’’ وما فيه من الرد على أبي حنيفة، شرع هو في الرد على الشافعي، فقال لشاهدين من شهوده: اذهبا إلى المزني، فقولا له: سمعت الشافعي يقول ما في هذا الكتاب؟
فمضيا وسمعا ’’ المختصر ’’ كله من المزني، وسألاه: أسمعت الشافعي يقول هذا؟ قال: نعم.
فعادا إلى بكار، فأخبراه بذلك، فقال: الآن استقام لنا أن نقول: قال الشافعي. ثم صنف الرد المذكور.
ومن قضايا بكار، أن رجلا خاصم آخر شافعيا في شفعة جوار، فطالبه عند بكار، فأنكر، فطاوله بكار حتى عرف أنه من أهل العلم، فقال بكار للمدعي: ألك بينة؟ قال: لا.
قال لخصمه: أتحلف؟ قال: نعم.
فحلفه، فحلف، فزاد في آخر اليمين: إنه ما يستحق عليك هذه الشفعة على قول من يعتقد شفعة الجوار، فامتنع، فقال له بكار: قم فأعطه شفعته.
فأخبر الرجل المزني بقضيته، فقال: صادفت قاضيا فقيها.
ولما غضب أحمد بن طولون على بكار سجنه، وكان السبب في ذلك أنه لما خرج إلى قتال الموفق بسبب المعتمد، حين ضيق وهو ولي العهد على أخيه المعتمد، وهو الخليفة حينئذ، حتى إنه لم يبق للمعتمد إلا الإسم، ضاق المعتمد بذلك، فكاتب أمراء الأطراف، فوافقه أحمد بن طولون، وواعده أن يحضر إليه، ويحمله معه إلى مصر، ويجعلها دار الخلافة، ويذب عنه من يخالفه في ذلك، فتهيأ المعتمد لذلك، واهتم أحمد بأمره، فبلغ الموفق، فنصب لأحمد الحرب، وصرح بعزله ولعنه، فصرح أحمد بخلع الموفق من ولاية العهد، وأمر بلعنه، وخرج أحمد بالعسكر من مصر، واستصحب بكارا.
فلما كان بدمشق، جاء كتاب المعتمد إلى ابن طولون بخلع الموفق من ولايته العهد، ففعل، وأجاب القضاة كلهم إلى خلعه وسماه بكار الناكث، وأشهد على نفسه هو وسائر قضاة الشام والثغور.
وطلب منهم أحمد أن يلعنوا الموفق، فامتنع بكار، فألح عليه، فأصر على الامتناع حتى أغضبه.
وكان قبل ذلك مكرما معظما عنده، عارفا بحقه، وكان يجيزه في كل سنة بألف دينار، فلما غضب عليه أرسل إليه: أين جوائزي؟ فقال: على حالها.
فأحضرها من منزله بخواتيمها ستة عشر كيسا، فقبضها أحمد منه.
ثم لم يزل عليه في لعن الموفق، وهو يمتنع من إجابته، إلى أن قال يوما لأحمد: (ألا لعنة الله على الظالمين).
فقال علي بن الحسين بن طباطبا نقيب الطالبيين بمصر: أيها الأمير، إنه عناك.
فغضب أحمد، وأمر بتمزيق ثيابه، وجروه برجله وليس عليه إلا سراويل وخفان وقلنسوة، وهو مسلوب الثياب، فضربه رجل بعود حديد على رجله الممدودة، فقال: أوه. وضمها، ثم حمل من بين يديه إلى السجن، ثم أقامه للناس يطالبونه بمظالم يدعونها عليه، فكان يحضر في مجلس المظالم بين يدي أحمد قائما.
وكان الطحاوي يقول: ما تعرض له أحد فأفلح بعد ذلك، لقد تعرض له غلام يقال له: عامر بن محمد بن نجيح، وكان في حجره، فرآه بكار في مجلس المظالم، فقال له: يا عامر ما تصنع ها هنا؟ قال: أتلفت على مالي.
فقال: إن كنت كاذبا فلا نفعك الله بعقلك.
قال: فأخبرني من رآه وهو ذاهب العقل، يسيل لعابه، يسبه الناس وهو يرميهم بالحجارة، وهم يقولون: هذه دعوة بكار.
قال: وتقدم إليه نصراني، فقال: أيها الأمير: إن هذا الذي يزعم أنه كان قاضيا جعل ربع أبي حبسا.
فقال بكار: ثبت عندي أن اباه حبس هذا الربع، وهو تملكه، فأمضيت الحبس، فجاءني هذا متظلما، فضربته، فخرج إلى بغداد، فجاءني بكتاب هذا الذي تزعم أنه الموفق: ’’ لا تمض أحباس النصارى ’’، فعرفت أنه جاهل، فلم ألتفت إليه، وقد شهد عندي إسحاق بن معمر، بأن هذا كان أسلم ببغداد على يد الموفق، لفإن شهد عندي آخر مثل إسحاق ضربت عنقه.
فصاح أحمد بالنصراني: المطبق، المطبق، فأخرج وحبس.
قال الطحاوي: ولما قبض أحمد بن طولون يد كار عن الحكم وسجنه، أمره أن يسلم القضاء لمحمد بن شاذان الجوهري، كالخليفة له، ففعل.
ثم كان بكار إذا حضر مجلس المظالم للمناظرة يعاد إلى السجن إذا انقضى المجلس، وكان يغتسل في كل يوم جمعة، ويلبس ثيابه، ويجيء إلى باب السجن، فيرده السجان، ويقول: أعذرني أيها القاضي، فما أقدر على إخراجك.
فيقول: اللهم اشهد.
فبلغع ذلك أحمد، فأرسل إليه: كيف رأيت المغلوب المقهور لا أمر له ولا نهي، ولا تصرف له في نفسه، لا يزال هكذا حتى يرد على كتاب المعتمد بإطلاقك.
ولما طال حبس بكار طلب أصحاب الحديث إلى أحمد أن يأذن لهم في السماع منه، فكان يحدثهم من طاق السجن، فأكثر من سمع منه في آخر عمره كان كذلك.
قال ابن زولاق: ثم أمر ابن طولون بنقل بكار من السجن إلى دار اكتريت له عند درب الصقلي، فأقام فيها.
فلما مات أحمد بن طولون بلغ بكارا، فقال: ما للناس؟! قيل: انصرف أيها القاضي إلى منزلك، فقد مات أحمد.
فقال: انصرف أيها القاضي إلى منزلك، فقد مات أحمد.
فقال: الدار بأجرة، وقد صلحت لي.
وعاش بعد ابن طولون أربعين يوما، ومات في تلك الدار، وكانت جنازة حافلة جدا، وما روى أحد فيها راكبا، وصلى عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة، ودفن بطريق القرافة. والدعاء عند قبره مستجاب، ومات يوم الخميس، لخمس بقين من ذي الحجة، سنة سبعين ومائتين، وقد قارب التسعين، وكانت مدة ولايته أربعا وعشرين سنة، رحمه الله تعالى، ورضى عنه، ونفعنا ببركاته، آمين.

  • دار الرفاعي - الرياض-ط 0( 1983) , ج: 1- ص: 192

بكار بن قتيبة بن أسد بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة البكراوي الثقفي، كنيته أبو بكرة.
كان قاضياً بمصر، يروي عن: يزيد بن هارون، وأهل البصرة، حدثنا عنه: ابن خزيمة والناس، وكان ينتحل مذهب أبي حنيفة في الفقه.
وقال ابن يونس: حدث بمصر حديثاً كثيراً.
وقال مسلمة بن قاسم: كان على قضاء مصر، وكان ثقة، وذكر منقبته.
وذكروه في قضاة مصر، وذكروا له مناقب جمة.
توفي ليلة الخميس لست خلون من ذي الحجة سنة سبعين ومائتين.

  • مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 3- ص: 1

بكار بن قتيبة بن أسد بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة البكراوي الثقفي كنيته أبو بكرة
كان على قضاء مصر
يروي عن يزيد بن هارون وأهل البصرة حدثنا عنه بن خزيمة والناس كان ينتحل مذهب أبي حنيفة في الفقه

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 8- ص: 1