أبو وهيب بهلول بن عمر الصيرفي أو الصوفي الكوفي
توفي سنة وقبره ببغداد.
هكذا ترجم في هامش كتاب عقلاء المجانين المطبوع في مصر ووصف بالصيرفي وفي روضات الجنات بهلول بن عمرو الكوفي الصوفي اسمه وهب (انتهى) وفي مجالس المؤمنين بهلول بن عمرو هو وهيب بن عمرو (انتهى) وقد يظن إن الصواب الصوفي والصيرفي تصحيف، كما أنه قد وقع الاشتباه بين إن يكون اسمه وهيب أو كنيته أبو وهيب، وحكي في مجالس المؤمنين عن تاريخ كزيده حمد الله المستوفي إن أباه عمرا عم الرشيد العباسي وأن بهلولا كان من أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأنه كان يستعمل التقية، وان الرشيد كان يسعى في قتل الإمام الكاظم عليه السلام ويحتال في ذلك، فأرسل إلى حملة الفتوى يستفتيهم في إباحة دمه متهما إياه بإرادة الخروج عليه ومنهم البهلول. فخاف من هذا واستشار الكاظم عليه السلام فأمره بإظهار الجنون ليسلم فإن صح هذا فيكون معاصرا للصادق والكاظم عليه السلام ولسنا نعلم مبلغ تاريخ كزيده من الإعتبار. وفي روضات الجنات يؤيد ذلك ما في كتاب غرائب الأخبار للسيد نعمة الله التستري قال روي إن الرشيد أراد إن يولي رجلا القضاء فشاور أصحابه فأشاروا ببهلول فاستدعاه وقال له أعنا على عملنا هذا قال بأي شيء أعينك قال بعمل القضاء قال أنا لا أصلح لذلك قال أطبق أهل بغداد أنك صالح له فقال سبحان الله أنا أعرف بنفسي منهم فان كنت في أخباري باني لا أصلح للقضاء صادقا فهو ما أقول وان كنت كاذبا فالكاذب لا يصلح لهذا العمل، فألحوا عليه وشددوا وقالوا لا ندعك أو تقبل قال إن كان ولا بد فأمهلوني الليلة حتى أفكر في أمري، فلما أصبح تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول طرقوا خلوا الطريق لا يطأكم فرسي فقال الناس جن بهلول فقال هارون ما جن ولكن فر بدينه منا، وبقي على ذلك إلى إن مات (انتهى) وكيف كان الأمر فما يأتي من أخبار البهلول يدل على عقل وافر وانه ليس فيه شيء من الجنون وانه كان يظهره لمصلحة من المصالح وانه كان معاصرا للرشيد. ثم إن صاحب المجالس ذكر نقلا عن تاريخ كزيده حكايات للبهلول مع الإمام أبي حنيفة وإنها كانت في عصر الرشيد مع إن بين وفاة البهلول ووفاة أبي حنيفة نحو أربعين سنة لأن أبا حنيفة توفي سنة 150 والبهلول سنة 190 وإدراكه له وإن كان ممكنا إلا إن جعله ذلك في عصر الرشيد يبطل الخبر من أصله لأن أبا حنيفة لم يعاصر الرشيد بل المنصور، والبهلول إن كان عاصر الصادق عليه السلام فقد عاصر المنصور، ثم إن كونه من بني العباس أيضا موضع شك لأنه لو كان كذلك لوصف بالهاشمي أو العباسي ولم يقتصر في وصفه على الصيرفي أو الصوفي ويأتي بهلول بن محمد الكوفي وان ابن حجر وصفه بالصيرفي فلعل الاشتباه نشأ من هنا وهو غير هذا لاختلاف الأب وعدم الإشارة إلى ما اشتهر به هذا من إظهار الجنون.
وقال في الوفيات حدث عن إيمان بن وائل وعمرو بن دينار وعاصم بن أبي النجود وكان من عقلاء المجانين ووسوس وله كلام مليح ونوادر وأشعار واستقدمه الرشيد وغيره من الخلفاء ليسمع كلامه. قال الأصمعي رأيت بهلولا قائما ومعه خبيص فقلت له أيش معك؟ فقال خبيص! فقلت أطعمني، فقال ليس هو لي، قلت لمن هو؟ قال لحمدونة ابنة الرشيد بعثته لي آكله لها. وقال عبد الله بن عبد الكريم كان لبهلول صديق قبل إن يجن فلما أصيب بعقله فارقه صديقه فبينما بهلول يمشي في بعض طرقات البصرة إذ رأى صديقه فلما رآه صديقه عدل عنه فقال بهلول:
ادن مني ولا تخافن غدري | ليس يخشى الخليل غدر الخليل |
أربي الذي ينالك مني | ستر ما يتقى وبث الجميل |
(قال) الفضل بن سليمان كان بهلول يأتي سليمان بن علي فيضحك منه ساعة ثم ينصرف، فجاءه يوما فضحك منه ساعة ثم قال عندك شيء نأكله؟ فقال لغلامه هات لبهلول خبزا وزيتونا، فأكل ثم قام لينصرف وقال لسليمان يا صاحب إن جئنا إلى بيتكم يوم العيد يكون عندكم لحم؟ فخجل سليمان. وجاء إلى بعض أشراف الكوفة وقال له أشتهي آكل عسلا بسرقين! فدعا بهما، فأكل من العسل وأمعن فيه، فقال له الرجل لم لا تأكل السرقين كما قلت؟ قال العسل وحده أطيب. وعبث به الصبيان يوما فنفر منهم والتجأ إلى دار بابها مفتوح، فدخلها وصاحب الدار قائم له ضفيرتان فصاح به ما أدخلك داري؟ فقال يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. وسأله يوما علي بن الصمد البغدادي هل قلت شيئا في رقة البشرة؟ فقال اكتب:
اضمر إن اضمر حبي له | فيشتكي إضمار إضماري |
رق فلو مرت به ذرة | لخضبته بدم جاري |
فقال أريد أرق من هذا! فقال:
اضمر إن يأخذ المرآة لكي | يبصر وجها له، فأدناها |
فجاز وهم الضمير منه إلى | وجنته في الهوى فأدماها |
فقال أريد أرق من هذا أيها الأستاذ! قال نعم وما أظنه أكتب:
شبهته قمرا إذ مر مبتسما | فكاد يجرحه التشبيه أو كلما |
ومر في خاطري تقبيل وجنته | فسيلت فكرتي في وجنتيه دما |
فقال أريد أرق من هذا! فقال يا ابن الفاعلة ارق من هذا كيف يكون؟ رويد لأنظر إن كان طبخ في المنزل حريرة أرق من هذا (انتهى).
تشيعه
عن محاضرات الراغب أنه قال كان بهلول يتشيع فقال له إسحاق الكندي أكثر الله في الشيعة مثلك، فقال بل أكثر الله في المرجئة مثلي وفي الشيعة مثلك (انتهى) وأخباره الآتية تدل على أنه كان من أهل الموالاة والتشيع لأهل البيت عليه السلام عن بصيرة نافذة. ومر قول المستوفي أنه كان من أصحاب الإمامين الصادق وابنه الكاظم عليه السلام وإن إظهاره الجنون كان بأمر الكاظم عليه السلام وقاية لنفسه. وقال صاحب مجالس المؤمنين روي إن البهلول جاء يوما إلى باب بعض أئمة المذاهب فسمعه يقول لتلامذته إن أشياء يقولها جعفر بن محمد الصادق لا تعجبني، يقول إن الشيطان يعذب بالنار وكيف يعذب بالنار وهو مخلوق من النار ويقول إن الله تعالى لا يمكن إن يرى مع أنه موجود وكل موجود يمكن رؤيته ويقول إن العبد هو الفاعل لأفعاله مع إن الله تعالى هو خالق كل شيء. فأخذ بهلول مدرة وضربه بها فشجه وهرب فتبعوه وقبضوا عليه ورفعوا أمره إلى الخليفة فقال بهلول أنه يقول إن إبليس مخلوق من النار فلا يمكن إن تؤثر فيه وهو مخلوق من التراب فكيف أثر فيه ويقول إن كل موجود يرى فليرني الألم الذي برأسه ويقول إن الله هو الفاعل لأفعال العباد فإذن الله هو الذي ضربه لا أنا. ثم حكى صاحب المجالس عن الشيخ الأجل المتكلم محمد بن جرير بن رستم الطبري أنه روى في كتاب الإيضاح إن البهلول كان مارا في بعض أزقة البصرة فرأى جماعة يسرعون في المشي أمامه فقال لرجل منهم هؤلاء البهائم الشاردون بلا راع إلى أين يذهبون؟ فقال له ذلك الرجل من باب المزاح يطلبون الماء والكلأ فقال له البهلول كيف ذلك مع قلة الحمى والمنع الشديد والله لقد كان العلف كثيرا رخيصا ولكنهم أحرقوه بالنار ثم أنشد هذه الأبيات:
برئت إلى الله من ظالم | لسبط النبي أبي القاسم |
ودنت إلهي بحب الوصي | وحب النبي أبي فاطم |
وذلك حرز من النائبات | ومن كل متهم غاشم |
بهم أرتجي الفوز يوم المعاد | وأنجو غدا من لظى ضارم |
فلما سمعوا كلامه رجعوا إليه وقالوا له أنهم ذاهبون إلى مجلس والي البصرة محمد بن سليمان ابن عم الرشيد، فقال لأي شيء تذهبون إليه؟ فقالوا إن عمرو بن عطاء العدوي من أولاد عمر بن الخطاب ومن علماء الزمان حضر مجلسه ونريد تحقيق حاله ومعرفة مبلغ فضله كماله وإن كنت تذهب معنا لتناظره كان ذلك حسنا، فقال لهم بهلول ويلكم مجادلة العاصي توجب زيادة جرأته على العصيان ويمكن إن توقع أصحاب البصيرة في الشبهة ولا شك في وجود الله تعالى ولا شبهة في الحق ولا التباس فإذا كنتم من أهل المعرفة تقنعون بما أخذتم من أهل العرفان فلما يئسوا منه ذهبوا إلى مجلس محمد بن سليمان وحكوا له ما جرى لهم مع البهلول فأمر غلمانه بإحضاره فاحضروه فلما وصل إلى قرب دار محمد بن سليمان قام عمرو بن عطاء العدوي واستأذن محمد بن سليمان في مناظرة بهلول فإذن له ولما وصل بهلول إلى الدار قال السلام على من اتبع الهدى وتجنب الضلالة والغوى، فقال عمرو بن عطاء السلام على المسلمين إجلس يا بهلول فقال بهلول أ تأمرني بشيء لا مدخل لك فيه وتتقدم فيه على رجل فضله عليك ظاهر، ومثلك في هذا الباب مثل رجل طفيلي على خوان رجل آخر ويريد إن يمتن على الناس ويعطيهم من هذا الخوان، فبقي عمرو بن عطاء مبهوتا لا يحير جوابا، فحينئذ قال محمد بن سليمان لعمرو بن عطاء كنت تريد إن تناظره، وهو في حديث الورود جعلك ساكتا مبهوتا، فقال بهلول أيها الأمير هذا الأمر ليس صعبا عند الله تعالى أ ما قرأت قوله تعالى
{فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين}. ثم قال محمد بن سليمان للبهلول المجلس مجلسي وقد أذنت لك في الجلوس. فدعا له بهلول فقال عمر الله مجلسك وأسبغ نعمه عليك وأوضح برهان الحق لديك وأراك الحق حقا وأعانك على إتباعه وأراك الباطل باطلا وأعانك على اجتنابه، فقال عمرو بن عطاء يا بهلول التزم طريق الحق وابتعد عن الهزل وتكلم كلاما حسنا فقال بهلول ويلك هل يوجد كلام أحسن من هذا الكلام الإلهي وهل يوجد كلام جدي غيره، فأنت تكلم كلاما نقيا ولا تشر إلى عيوب الناس قبل إن تنظر في عيب نفسك، فقال عمرو بن عطاء يا بهلول أنت ترى نفسك من مشهوري زمانك وتدعي الاطلاع على المعارف فأريد أما إن تسألني أو أسألك، فقال بهلول لا أحب إن أكون سائلا ولا مسؤولا فقال العدوي لماذا؟ قال لأني إذا سألتك عن شيء لا تعلمه لا تقدر إن تجيبني عنه، وإذا سألتني تسألني بطريق أهل التعنت والعناد فيختلط الحق بالباطل، والذين هم كذلك نهى الله تعالى عن مجالستهم بقوله تعالى
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وأما ينسيك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}. فقال العدوي إن كنت من أهل الإيمان فقل لي ما هو الإيمان، فقال بهلول قال مولاي جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الإيمان عقد بالقلب وقول باللسان وعمل الجوارح والأركان، فقال العدوي تقول إن إمامك الصادق فيظهر من هذا أنه في زمانه لم يكن صادق غيره؟ فقال بهلول هو كذلك ومع ذلك فهذا يجري عليك فان جدك سمي أبا بكر الصديق، فهل في زمانه لم يكن صديق غيره، فقال العودي بلى لم يكن غيره، فقال بهلول كلامك هذا رد على الكتاب والسنة، أما الكتاب فلأن الله تعالى جعل من آمن بالله ورسوله صديقا فقال والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون، وأما السنة فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه إذا فعلت الخير كنت صديقا، فقال العدوي إن أبا بكر سمي صديقا لأنه أول رجل صدق الرسول ص. فقال بهلول مع إن الأولية ممنوعة تخصيصه بذلك خطا في اللغة ورد على الآية المذكورة. فترك العدوي هذه الجهة وجعل ينتقل معه من غصن إلى غصن إلى إن قال لبهلول من إمامك؟ قال إمامي من أوجب الرسول له على الخلق الولا وتكاملت فيه الخيرات وتنزه عن الأخلاق الدنيات. ذلك إمامي وإمام البريات. فقال له العدوي ويلك إذا لا ترى إن إمامك هارون الرشيد، فقال البهلول أنت لأي شيء ترى إن أمير المؤمنين خال من هذه الصفات والمحامد والله أني لا أظن إلا أنك عدو لأمير المؤمنين مخالف له في الباطن وتظهر الاعتقاد بخلافته وأقسم بالله لو بلغه هذا الخبر لأدبك تأديبا بليغا. فضحك عند ذلك محمد بن سليمان وقال لعمرو بن عطاء والله لقد ضيعك بهلول وجعلك لا شيء وأوقعك في الورطة التي أردت إن توقعه فيها وما أحسن بالإنسان إن يبتعد عما لا يحسنه وما أقبح به إن يدخل في شيء يعلم أنه ليس من أهله، ثم أمر بعض غلمانه فاخذ بيد عمرو بن عطاء وأخرجه من المجلس وقال لبهلول ما الفضل إلا فيك وما العقل إلا عندك والمجنون من سماك مجنونا، يا بهلول أخبرني أيهما أفضل علي بن أبي طالب أو أبو بكر، فقال بهلول أصلح الله الأمير إن عليا من النبي صلى الله عليه وسلم كالصنو من الصنو والعضد من الذراع، وأبو بكر ليس منه ولا يوازيه في فضله إلا مثله ولكل فاضل فضله. ثم قال محمد بن سليمان لبهلول أخبرني أولاد علي أحق بالخلافة أو أولاد العباس فرأى بهلول إن المقام حرج فسكت خوفا من محمد، فقال له محمد لم لا تتكلم؟ فقال بهلول أين للمجانين قوة تمييز وتحقيق هذه الأمور، دع عنك ذكر ما مضى وأصلح ما نحن فيه الآن فإنني جائع، قال محمد بن سليمان ما تشتهي؟ قال ما يسد باب الجوع. فأمر محمد إن يحضروا له عدة ألوان من الطعام مع شيء من الخبز، فاحضروا ذلك فقال كل فقال بهلول أصلح الله الأمير ما طاب طعام المخشى ولا المغشى يعني لا ينبغي الأكل في الظلمة ولا بين جماعة فائذن لي إن أخذ هذا الطعام وأخرج إلى خارج المجلس، فأذن له. فألقى تلك الأطعمة على الأرض وفر هاربا وهو يقول هذه الأبيات:
إن كنت تهواهم حقا بلا كذب | فالزم جنونك في جد وفي لعب |
إياك من إن يقولوا عاقل فطن | فتبتلى بطويل الكد والنصب |
مولاك يعلم ما تطويه من خلق | فما يضرب إن سبوك بالكذب |
فاجتمع الأطفال الذين كانوا حوله وأخذوا ذلك الطعام وهرب منهم ودخل مسجدا كان قريبا من ذلك المكان وأغلق بابه ووقف خلف الباب وجعل يقرأ هذه الآية
{فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب}. فلما رأى محمد بن سليمان ما جرى لبهلول مع الأطفال ضحك وأمر بطرد الأطفال وقال لا إله إلا الله لقد رزق علي بن أبي طالب لب كل ذي لب. ونقل إن جماعة من الظرفاء يعرفون عقيدة بهلول، قالوا له ورد في الأخبار أنه لو وزن إيمان الشيخين بإيمان جميع الأمة لرجح إيمانهما على إيمان جميع الأمة، فقال بهلول على البديهة إن كان هذا الخبر صحيحا فلا بد إن يكون الميزان غير مضبوط. وذكروا إن بهلولا حضر مجلس جماعة يتذاكرون الحديث فرووا في أثناء ذلك عن أم المؤمنين أنها قالت لو أدركت ليلة القدر ما سالت ربي إلا العفو والعافية، فقال بهلول تركتم نصف الدعاء. قالوا وما هو؟ قال والظفر بعلي بن أبي طالب.
أخباره
في الروضات حكي إن الوزير قال له يوما يا بهلول طب نفسا فان الخليفة ولاك على الخنازير والذئاب، فقال إذا عرفت ذلك فألزم نفسك كي لا تخرج عن طاعتي وولايتي، فضحك الحاضرون وخجل الوزير. وقيل له يوما وهو في البصرة عد لنا مجانين البلد فقال كيف وهم لا يحصون فان شئتم أعد لكم العقلاء (انتهى) وسئل بهلول عن رجل مات وخلف أما وابنا وابنة وزوجة ولم يخلف مالا فقال لأمه الثكل ولابنه وابنته اليتم وللزوجة خراب البيت وما بقي من الهم فللعصبة، وفي كتاب عقلاء المجانين تأليف الحسن بن محمد النيسابوري صاحب التفسير المشهور قال الحسن بن سهل بن منصور سمعت بهلولا وقد رماه الصبيان بالحصى وقد أدمته حصاة فقال:
حسبي الله توكلت عليه | ونواصي الخلق طرا بيديه |
ليس للهارب في مهربه | أبدا من روحة إلا إليه |
رب رام لي بأحجار الأذى | لم أجد بدا من العطف عليه |
فقلت له تعطف عليهم وهم يرمونك، قال اسكت لعل الله سبحانه وتعالى يطلع على غمي ووجعي وشدة فرح هؤلاء فيهب بعضنا لبعض. وفيه قال عمر بن جابر الكوفي مر بهلول بصبيان كتاب فجعلوا يضربونه فدنوت منه فقلت لم لا تشكوهم لآبائهم؟ فقال لي اسكت فلعل إذا مت يذكرون هذا الفرح فيقولون رحم الله ذلك المجنون! وفيه قال علي السيرافي حمل الصبيان يوما على بهلول، فانهزم منهم فدخل دار بعض القرشيين ورد الباب، فخرج صاحب الدار فاحضر له طبقا فيه طعام فجعل يأكل ويقول. فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. وفيه قال بعض أهل الكوفة. ولد لبعض أمراء الكوفة ابنة فساءه ذلك فاحتجب وامتنع من الطعام والشراب فأتى بهلول حاجبه فقال ائذن لي على الأمير هذا وقت دخولي عليه، فلما وقف بين يديه قال. أيها الأمير ما هذا الحزن أ جزعت لذات سوى هيأته رب العالمين، أيسرك إن لك مكانها ابنا مثلي؟ فقال ويحك فرجت عني فدعا بالطعام وأذن للناس. وعن محاضرات الراغب كتب بهلول يوما إلى عيناوة كتابي إليك ليلة الميلاد لثلاث ساعات من النهار ودجلة تطفح بالماء والموصل هاهنا والحجارة لا تزداد إلا كثرة والصبيان بترهم الله لا
يزدادون إلا خبثا ولعنة فان قدرت إن لا تبيت إلا وحولك حجارة فافعل واستعمل قول الله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل. قال وعدا يوما بين أيدي الصبيان فدخل دارا وصعد سطحها واطلع عليهم وقال يا بني الفجار من أين بلاني الله بكم؟! فقال له رجل ويلك تناول الحجارة وارجمهم بها وفرقهم عنك، فقال مر يا مجنون أنا إن فعلت شيئا من هذا رجعوا إلى التيوس آبائهم فقالوا لهم هذا المجنون بدأ يحرك يديه فيجب إن يغل ويقيد فان في ذلك أجرا عظيما فلا يكفيني ما ألقاه منهم حتى أغل وأقيد. (انتهى) وفي كتاب عقلاء المجانين قال محمد بن عبد الله بينما أنا في مسجد الكوفة يوم الجمعة والخطيب يخطب إذ قام رجل به لمم وجنون فقال أيها الناس أني رسول الله إليكم جميعا فقام بهلول وقال ولا تعجل بالقرآن من قبل إن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما (انتهى) وحكي إن بعض الخلفاء قال لبهلول أتريد إن أحيل أمر معاشك إلى الخزانة حتى لا تكون في تعب منه طول حياتك، فقال أرضى به ما إن خلا من معايب أولها إنك لا تدري إلى ما أحتاج حتى تهيأه لي، ثانيها إنك لا تدري متى أحتاج حتى لا تتجاوزه، ثالثها انك لا تدري مقدار حاجتي حتى لا تزيد عنه ولا تنقص فتبتليني، والله الذي ضمن رزقي يدري جميع هذه الثلاثة مني، مع أنك ربما غضبت علي فحرمتني والله سبحانه وتعالى لا يمنعني فضله ورزقه وإن كنت عاصيا له بجميع أعضائي وجوارحي (انتهى).
خبره مع موسى الهادي
عن محاضرات الراغب احضر بهلول وعيناوة عند موسى الهادي فقال موسى لم سميت بهلولا؟ فقال أنت لم سميت موسى؟ فقال يا ابن الفاعلة! فالتفت بهلول إلى عيناوة وقال كنا اثنين فصرنا ثلاثة، ثم قال موسى لعيناوة ما هذا الستر قال أرمني قال وهذا لمقعد قال طبري فصفعه بهلول وقال اسكت فإن الساعة يقول هم أشباح أنماط لا مجانين فضحك موسى حتى استلقى.
أخباره مع الرشيد
في كتاب عقلاء المجانين عن علي بن ربيعة الكندي. قال خرج الرشيد إلى الحج فلما كان بظاهر الكوفة بصر بهلولا على قصبة وخلفه الصبيان وهو يعدو فقال من هذا؟ قالوا بهلول المجنون قال كنت أشتهي إن أراه فادعوه من غير ترويع فقالوا أجب أمير المؤمنين فعدا على قصبته فقال الرشيد السلام عليك يا بهلول فقال عليك السلام يا أمير المؤمنين فقال كنت إليك مشتاقا قال لكني لم أشتق إليك قال عظني قال وبم أعظك؟ هذه قصورهم وهذه قبورهم. فقال زدني فقد أحسنت! فقال من أعطاه الله مالا وجمالا فعف في جماله وواسى في ماله كتب في ديوان الأبرار. فظن الرشيد أنه يريد منه شيئا فقال أمرنا بقضاء دينك، فقال بهلول لا، أنه لا يقضى دين بدين، أردد الحق على أهله واقض دين نفسك فقال قد أمرنا إن يجرى عليك قال أترى الله يعطيك وينساني ثم ولى هاربا. قال وروي بإسناد آخر أنه قال للرشيد يا أمير المؤمنين فكيف لو أقامك الله بين يديه فسألك عن النقير والفتيل والقطمير، قال فخنقته العبرة فقال الحاجب حسبك يا بهلول قد أوجعت أمير المؤمنين، فقال الرشيد دعه، فقال بهلول إنما أفسده أنت وإضرابك، فقال الرشيد أريد إن أصلك بصلة فقال بهلول ردها على من أخذت منه فقال الرشيد فحاجة، قال إن لا تراني ولا أراك، ثم قال يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد، ثم ولى بقصبته وأنشأ يقول:
فعدك قد ملكت الأرض طرا | ودان لك العباد فكان ما ذا |
ألست تموت في قبر ويحوي | تراثك بعد هذا ثم هذا |
وأورده في المجالس نحوه وفي آخره فقال له الرشيد اطلب مني حاجة فقال بهلول حاجتي إن لا تراني ولا أراك بعد هذا وحرك قصبته ومشى وقال ابتعد لا يرمحك الفرس (انتهى). وفي كشكول البهائي لما وصل الرشيد الكوفة قاصدا الحج خرج أهل الكوفة للنظر إليه وهو في هودج عال، فنادى البهلول. يا هارون، يا هارون. فقال من المجتري علينا؟ فقيل هو البهلول. فرفع السجف فقال البهلول يا أمير المؤمنين روينا بالإسناد عن قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة لا ضرب ولا طرد ولا قال إليك إليك، وتواضعك يا أمير المؤمنين في سفرك هذا خير من تكبرك. فبكى الرشيد حتى جرت دموعه على الأرض وقال أحسنت يا بهلول زدنا، فقال أيما رجل آتاه الله مالا وجمالا وسلطانا فانفق ماله وعف جماله وعدل في سلطانه كتب في ديوان الله من الأبرار، فقال له الرشيد أحسنت وأمر له بجائزة فقال لا حاجة لي فيها ردها إلى من أخذتها منه، قال فنجري عليك رزقا يقوم بك، فرفع البهلول طرفه إلى السماء وقال يا أمير المؤمنين أنا وأنت عيال الله فمحال إن يذكرك وينساني (انتهى) وذكر صاحب الروضات ذلك الخبر بما فيه زيادة وبعض تغيير، فأوردناه وان لزم التكرير، قال حكي عن الفضل بن الربيع قال حججت مع هارون الرشيد فلما صرنا بالكوفة وكنا في طاق المحامل إذا نحن ببهلول قاعد يلعب بالتراب فابتدر إليه الخدم فطردوه فأسرعت إليه وقلت هذا أمير المؤمنين قد أقبل فلما حاذاه الهودج قام قائما وقال يا أمير المؤمنين حدثني أيمن بن نايل قال حدثني قدامة بن عبد الله قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى على جمل أحمر تحته رحل رث ولم يكن ضرب ولا طرد. فقلت يا أمير المؤمنين أنه بهلول المجنون قال قد عرفت، قال قل وأوجز فقال:
هب أنك قد ملكت الأرض طرا | ودان لك العباد فكان ما ذا |
ألست تصير في قبر ويحثو | عليك ترابه هذا وهذا |
فقال أجدت، قال وأوجز قال يا أمير المؤمنين من رزقه الله مالا وجمالا فعف في جماله وواسى من مال كتب عند الله في ديوان الأبرار فظن هارون إن عليه دينا فقال، قد أمرنا أن يقضي عنك دينك، قال لا تفعل يا أمير المؤمنين لا يقضى دين بدين أردد الحق إلى أهله فجميع ما في يديك دين عليك، فقال قد أمرنا إن يجري عليك نفقة، قال لا تفعل أتراه أجرى عليك ونسيني، ثم ولى وأنشأ يقول:
توكلت على الله | وما أرجو سوى الله |
وما الرزق من الناس | بل الرزق من الله |
وفي كتاب عقلاء المجانين عن بعض الكوفيين قال حج الرشيد فذكر بهلولا حين دخل الكوفة فأمر بإحضاره فقال ألبسوه سوادا وضعوا على رأسه قلنسوة طويلة وأوقفوه في مكان كذا ففعلوه به ذلك. وقالوا إذا جاء أمير المؤمنين فادع له، فلما حاذاه الرشيد رفع رأسه إليه وقال يا أمير المؤمنين أسأل الله إن يرزقك ويوسع عليك من فضله، فضحك الرشيد وقال أمين، فلما حازه الرشيد دفعه صاحب الكوفة في قفاه وقال أهكذا تدعو لأمير المؤمنين يا مجنون، قال بهلول اسكت ويلك يا مجنون فما في الدنيا أحب إلى أمير المؤمنين من الدراهم، فبلغ ذلك الرشيد فضحك وقال والله ما كذب. وفي المجالس نقلا من تاريخ كزيده إن بهلولا مر بهارون الرشيد وقد بنى قصرا جديدا فقال لبهلول أكتب شيئا على هذا القصر فأخذ بهلول قطعة من الفحم وكتب. رفعت الطين ووضعت الدين ورفعت الجص ووضعت النص، فإن كان من مالك فقد أسرفت والله لا يحب المسرفين وإن كان من مال غيرك فقد ظلمت والله لا يحب الظالمين (انتهى) وفي الكشكول دخل بهلول وعليان المجنون على الرشيد فكلمهما فأغلظا له في الجواب فأمر بنطع وسيف فقال عليان كنا مجنونين، في البلد فصرنا الآن ثلاثة.
ما أثر عنه من المواعظ والحكم زيادة على ما مر
في كتاب عقلاء المجانين قال عبد الرحمن الكوفي لقيني بهلول المجنون فقال لي أسألك قلت اسال، قال أي شيء السخاء؟ قلت البذل والعطاء، قال هذا السخاء في الدنيا فما السخاء في الدين؟ قلت المسارعة إلى طاعة الله، قال أ فيريدون منه الجزاء؟ قلت نعم بالواحد
عشرة، قال ليس هذا سخاء هذه متاجرة ومرابحة، قلت فما هو عندك؟ قال لا يطلع على قلبك وأنت تريد منه شيئا بشيء. وفيه قال عباس البناء نظر بهلول إلي وأنا أبني دارا لبعض أبناء الدنيا، فقال لي لمن هذه الدار؟ فقلت لرجل من نبلاء الكوفة، فقال أرنيه فأريته إياه فناداه يا هذا لقد تعجلت الحماية قبل العناية اسمع إلى صفة دار كونها العزيز أساسها المسك وبلاطها العنبر اشتراها عبد قد أزعج للرحيل كتب على نفسه كتابا وأشهد على ضمائره شهودا، هذا ما اشترى العبد الجافي من الرب الوافي اشترى منه هذه الدار بالخروج من ذل الطمع إلى عز الورع فما أدرك المستحق فيما اشتراه من درك فعلى المولى خلاص ذلك وإقبال الآخرة أحد حدودها ينتهي إلى ميادين الصفا والحد الثاني ينتهي إلى ترك الجفاء والحد الثالث ينتهي إلى لزوم الوفا والحد الرابع ينتهي إلى سكون الرضا في جوار من على العرش استوى، لها شارع ينتهي إلى دار السلام وخيام قد ملئت بالخدام، وانتقال الأسقام وزوال الضر والآلام، يا لها من دار لا ينقضي نعيمها ولا يبيد. دار أسست من الدر والياقوت شرف تلك الخدور وجعل بلاطها من البهاء والنور. قال فترك الرجل قصره وهام على وجهه وأنشأ بهلول يصيح خلفه ويقول:
يا ذا الذي طلب الجنان لنفسه | لا تهربن فإنه يعطيكا |
(أقول) أين هذا إن ضح من الكتاب الذي كتبه أمير المؤمنين عليه السلام لمن اشترى دارا وهو موجود في نهج البلاغة، وفيه قال الحسين الصقلي نظرت وقد زار سعدون بهلولا ورأيتهما فسمعت سعدون يقول لبهلول أوصني وإلا أوصيك فناداه بهلول أوصني يا أخي فقال سعدون أوصيك بحفظ نفسك ومكنها من حبك فان هذه الدنيا ليست لك بدار، قال بهلول أنا أوصيك يا أخي فقال قل، فقال اجعل جوارحك مطيتك واحمل عليها زاد معرفتك واسلك بها طريق مبغك فان ذكرتك ثقل الحمل فذكرها عاقبة البلوغ. فلم يزالا يبكيان جميعا حتى خشيت عليهما الفناء. وفيه قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك رأيت بهلولا في بعض المقابر وقد دلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب فقلت ما تصنع هاهنا فقال أجالس أقواما لا يؤذونني وان غبت عنهم لا يغتابونني فقلت قد غلا السعر فهلا تدعو الله فيكشف فقال والله لا أبالي ولو حبة بدينار إن الله تعالى أخذ علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه إن يرزقنا كما وعدنا ثم صفق بيديه وأنشأ يقول:
يا من تمتع بالدنيا وزينتها | ولا تنام عن اللذات عيناه |
شغلت نفسك فيما لست تدركه | تقول لله ما ذا حين تلقاه |
وفي الروضات عن الفضيل قال دخلت الكوفة وأنا أريد الحج إلى بيت الله الحرام وإذا بهلول جالس بين قبرين قديمين، فقلت له يا بهلول ما جلوسك هاهنا؟ قال يا فضيل أ ما ترى هذه الأعين السائلة والمحاسن البالية والشعور المتمعطة والجلود المتمزقة والجماجم الخاوية والعظام النخرة لا يتقاربون بالأنساب ولا يتواصلون تواصل الأحباب وكيف يتواصل من قد طحنتهم كلاكل البلى وأكلت لحومهم الجنادل في الثرى وخلت منهم المنازل والقرى، قد صارت الوجوه عابسة بعد نضرتها والعظام نخرة بعد قوتها تجر عليهم الرياح ذيولها وتصب عليهم السماء سيولها ثم بكى وجعل يقول:
تناديك أحداث وهن صموت | وأربابها تحت التراب خفوت |
فيا جامع الدنيا حريصا لغيره | لمن تجمع الدنيا وأنت تموت |
قال الفضيل: وإذا بهاتف وهو يقول:
مل الأحبة زورتي فجفيت | وسكنت في دال البلى ونسيت |
وكذاك ينسى كل من سكن الثرى | وتمله الزوار حين يموت |
قال الفضيل: فوقع بهلول مغشيا عليه فتركته وانصرفت. وفي كتاب عقلاء المجانين عن عبد الرحمن الأسلمي قال قال أبي لبهلول أي شيء أولى بك؟ قال العمل الصالح. وفيه عن علي بن الحسين قال. لما مات أبو بهلول خلف ستمائة درهم، فأخذها القاضي وحجز عليها، فاتاه بهلول فقال أصلح الله القاضي أ وتزعم أني مصاب في عقلي فانا جائع فادع لي بمائتي درهم حتى اقعد في أصحاب الحلقان أبيع واشتري فان رأيت مني رشدا ضممت إليها الباقي وان تلفت فالذي أتلفت أقل مما بقي، فدعا القاضي بالكيس ووزن له مائتي درهم، فأخذها بهلول ولزم الحيرة حتى أنفدها، ثم جاء إلى القاضي وهو في مجلس الحكم فقال يا بهلول ما صنعت؟ فقال أعز الله القاضي أنفقتها فان رأى القاضي إن يزن من ماله مائتي درهم ويردها إلى الكيس حتى يرجع الكيس إلى ما كان، قال القاضي فتجحد لي ما أخذت؟ قال كلا ولكني أقمت عندك شاهدين باني موضع لها، قال صدقت، ودعا بمائتي درهم وردها إلى الكيس (انتهى). وعن محاضرات الراغب مثله أقول أظن هذه الحكاية موضوعة على لسانه فان من يمتنع من جائزة الرشيد ويكون بهذا الزهد لا يحتال على القاضي بأخذ المال ولكن الناس تضع على كل أحد ما يناسب حاله كما وضعوا على جحى كل ما فيها سخف وعلي أبي نواس كل ما فيه مجون وعلى مجنون ليلى كل شعر فيه تواجد، وأظن إن من هذا القبيل ما رأيته في بعض المواضع من إن البهلول مر بقوم عشرة من أصل شجرة فقالوا تصعد هذه الشجرة وتأخذ عشرة دراهم قال نعم فأعطوه إياها فجعلها في كمه ثم قال هاتوا سلما، فقالوا لم يكن هذا في الشرط فقال كان في شرطي دون شرطكم. فإذا كانت صفاته ما مر كيف يحتال لأخذ المال.
كتبه إلى الخلفاء والقضاة والأمراء
ذكر صاحب كتاب عقلاء المجانين أنه كتب إلى الواثق وابن أبي دؤاد والخلعي صاحب شرطة بغداد وفي هذه الكتب إنكار خلق القرآن وذم معتقده، وفي كتابه للواثق من الخائف الذليل إلى المخالف لكلام ربه تعالى. وفي كلامه لابن أبي دؤاد من الصادق المتواضع إلى الكاذب المتكبر. وأنا أظن إن هذه الكتب موضوعة عليه، أولا لأن الواثق بويع بالخلافة سنة 227 وتوفي سنة 232 وبهلول توفي سنة وكان في عصر الرشيد كما مر، ثانيا أنه لم يكن ليكتب إلى الواثق وهو الخليفة بأنه مخالف لكلام ربه تعالى وقد مر توقيه من الكلام على التفضيل بين العلويين والعباسيين ولم يكن ليكتب إلى القاضي ابن أبي دؤاد ويصفه بالكاذب المتجبر وهو قاضي قضاة الواثق، وكذلك ما حكاه في الكتاب المذكور عن صباح الوزان الكوفي أنه قال لقيت بهلول يوما فقال لي أنت الذي يزعم أهل الكوفة انك تقول في الشيخين؟ فقلت معاذ الله إن أكون من الجاهلين الخ. . . والله العالم.
ما قاله بهلول من الشعر أو أنشده زيادة على ما مر
في كتاب عقلاء المجانين لبهلول في الترقيق:
أضمر من أضمر حبي له | فيشتكي أضمار أضمار |
رق فلو مرت به ذرة | لخضبته بدم جاري |
وله أيضا في أرق منه:
أضمر إن يأخذ المرآة لكي | ينظر تمثاله فأدناها |
فجاء وهم الضمير منه إلى | وجنته في الهوى فأدماها |
وله أيضا:
شبهته قمرا إذ مر مبتسما | فكاد يجرحه التشبيه أو كلما |
ومر في خاطري تقبيل وجنته | فسيلت فكري من عارضيه دما |
وله:
إذا خان الأمير وكاتباه | وقاضي الأرض داهن في القضاء |
فويل ثم ويل ثم ويل | لأهل الأرض من أهل السماء |
وفيه قال عبد الواحد بن زيد مر بهلول برجل قد وقف على جدار رجل يكلم امرأة فأنشأ يقول:
كن حبيبا إذا خلوت بذنب | دون ذي العرش من حكيم مجيد؟ |
أتهاونت بالإله بديا | وتواريت عن عيون العبيد |
أقرأت القرآن أم لست تدري | أن ذا العرش دون حبل الوريد |
ثم ولى وهو يقول من نوقش في الحساب غفر له، فقلت له من نوقش الحساب عذب، فقال اسكت يا بطال إن الكريم إذا قدر غفر. وفيه قال عبد الخالق سمعت أبي يقول سمعت بهلولا يقول من كانت الآخرة أكبر همه أتته الدنيا وهي راغمة، ثم أنشأ يقول:
يا خاطب الدنيا إلى نفسه | تنح عن خطتها تسلم |
أن التي تخطب غدارة | قريبة العرس من المأتم |
قال ولبهلول:
حقيق بالتواضع من يموت | وحسب المرء من دنياه قوت |
فما للمرء يصبح ذا اهتمام | وشغل لا تقوم له النعوت |
صنيع مليكنا حسن جميل | وما أرزاقنا مما يفوت |
فيا هذا سترحل عن قريب | إلى قوم كلامهم السكوت |
وفيه قال علي بن خالد بت ليلة على سور طرسوس فمر بهلول فلكزني برجله ثم أنشأ يقول:
يا طالب الحور إلا #تستحي | يحملك النور على السور |
وخاطب الحور طويل البكا | مقيد الأعضاء محصور |
لا يطعم الغمض وما إن له | راحة جسم أو يرى الحور |
في جنة زخرفها ذو العلى | ينعم فيها كل محبور |
قال فانتبهت فزعا ولم أنم بعد ذلك في الحرس. وفيه قال محمد بن خالد الواسطي أنشدني بهلول يقول:
دع الحرص على الدنيا | وفي العيش فلا تطمع |
ولا تجمع من المال | فما تدري لمن تجمع |
فان الرزق مقسوم | وسوء الظن لا ينفع |
فقير كل ذي حرص | غني كل من يقنع |
وفيه قال كثير بن روح رأيت بهلولا ذات يوم يتمثل وهو يقول هذه الأبيات:
يا طالب الرزق في الآفاق مجتهدا | اتبعت نفسك حتى شفك الطلب |
تسعى لرزق كفاك الله بغيته | اقعد فرزقك قد يأتي به السبب |
كم من دنئ ضعيف العقل تعرفه | له الولاية والأرزاق والذهب |
ومن حسيب له عقل يزينه | بادي الخصاصة لا يدري له سبب |
فاسترزق الله مما في خزائنه | فالله يرزق لا عقل ولا حسب |