ذو النون المصري ثوبان بن إبراهيم الإخميمي المصري، أبو الفياض، أو ابو الفيض: أحد الزهاد العباد المشهورين، من أهل مصر. نوبي الأصل من الموالي. كانت له فصاحة وحكمة وشعر. وهو أول من تكلم بمصر في (ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية) فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم. واتهمه المتوكل العباسي بالزندقة، فاستحضره إليه وسمع كلامه، ثم أطلقه، فعاد إلى مصر. وتوفي بجيزتها

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 102

ذو النون المصري اسمه ثوبان تقدم في حرف الثاء المثلثة فليطلب هناك.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 14- ص: 0

ذو النون المصري الزاهد، شيخ الديار المصرية، ثوبان بن إبراهيم، وقيل: فيض بن أحمد. وقيل: فيض بن إبراهيم النوبي، الإخميمي. يكنى: أبا الفيض. ويقال: أبا الفياض. ولد: في أواخر أيام المنصور.
وروى عن: مالك، والليث، وابن لهيعة، وفضيل بن عياض، وسلم الخواص، وسفيان بن عيينة، وطائفة.
وعنه: أحمد بن صبيح الفيومي، وربيعة بن محمد الطائي، ورضوان بن محيميد، وحسن بن مصعب، والجنيد بن محمد الزاهد، ومقدام بن داود الرعيني، وآخرون.
وقل ما روى من الحديث، ولا كان يتقنه. قيل: إنه من موالي قريش، وكان أبوه نوبيا.
وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر، وكان واعظا.
قال ابن يونس: كان عالما، فصيحا، حكيما. توفي في ذي القعدة، سنة خمس وأربعين ومائتين.
وقال السلمي: حملوه على البريد من مصر إلى المتوكل ليعظه في سنة، وكان إذا ذكر بين يدي المتوكل أهل الورع، بكى.
وقال يوسف بن أحمد البغدادي: كان أهل ناحيته يسمونه الزنديق، فلما مات، أظلت الطير جنازته، فاحترموا بعد قبره.
عن أيوب مؤدب ذي النون، قال: جاء أصحاب المطالب ذا النون، فخرج معهم إلى قفط وهو شاب، فحفروا قبرا، فوجدوا لوحا فيه: اسم الله الأعظم، فأخذه ذو النون، وسلم إليهم ما وجدوا.
قال يوسف بن الحسين الرازي: حضرت ذا النون، فقيل له: يا أبا الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: نمت، في الصحراء، ففتحت عيني، فإذا قنبرة عمياء سقطت من وكر، فانشقت الأرض، فخرج منها سكرجتان ذهب وفضة، في إحداهما سمسم، وفي الأخرى ماء، فأكلت، وشربت، فقلت: حسبي. فتبت، ولزمت الباب، إلى أن قبلني.
قال السلمي في ’’محن الصوفية’’: ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، وهجره علماء مصر، وشاع أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف وهجروه حتى رموه بالزندقة، فقال أخوه: إنهم يقولون: إنك زنديق، فقال:

قال: وقال محمد بن الفرخي: كنت مع ذي النون في زورق، فمر بنا زورق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرون إلى السلطان يشهدون عليك بالكفر. فقال: اللهم إن كانوا كاذبين، فغرقهم. فانقلب الزورق، وغرقوا، فقلت له: فما بال الملاح؟ قال: لم حملهم وهو يعلم قصدهم؟ ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى، خير لهم من أن يقفوا شهود زور. ثم انتفض وتغير، وقال: وعزتك لا أدعو على أحد بعدها. ثم دعاه أمير مصر، وسأله عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمره، وطلبه المتوكل، فلما سمع كلامه، ولع به، وأحبه، وكان يقول: إذا ذكر الصالحون، فحي هلا بذي النون.
قال علي بن حاتم: سمعت ذا النون يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: مهما تصور في وهمك، فالله بخلاف ذلك. وسمعته يقول: الاستغفار جامع لمعان، أولهما: الندم على ما مضى، الثاني: العزم على الترك، والثالث: أداء ما ضيعت من فرض لله، الرابع: رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها، الخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام، السادس: إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية.
وعن عمرو بن السرح: قلت لذي النون: كيف خلصت من المتوكل، وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام، قلت في نفسي: يا من ليس في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في القلوب خطرات إلا وهي عليك دليلات، ولك شاهدات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات، فبالقدرة التي تجير بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد، وعلى آل محمد، وأخذت قلبه عني. فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني، ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض.
وقال يوسف بن الحسين: حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل، وكان مولعا به، يفضله على الزهاد، فقال: صف لي أولياء الله. قال: يا أمير المؤمنين! هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته، وجللهم بالبهاء من إرادة كرامته، ووضع على مفارقهم تيجان مسرته،
فذكر كلاما طويلا، وقد استوفى ابن عساكر أحوال ذي النون في ’’تاريخه’’، وأبو نعيم في الحلية.
ومن كلامه: العارف لا يلتزم حالة واحدة، بل يلتزم أمر ربه في الحالات كلها.
أرخ عبيد الله بن سعيد بن عفير وفاته -كما مر- في سنة خمس وأربعين ومائتين.
وأما حيان بن أحمد السهمي، فقال: مات بالجيزة، وعدي به إلى مصر في مركب خوفا من زحمة الناس على الجسر لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة ست وأربعين ومائتين، وقال آخر: مات سنة ثمان وأربعين. والأول أصح. وكان من أبناء التسعين.
ابن زياد، الرواجني:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 9- ص: 417

ذو النون المصري ومنهم العلم المضي والحكم المرضي الناطق بالحقائق، الفائق للطرائق، له العبارات الوثيقة والإشارات الدقيقة. نظر فعبر وذكر فازدجر أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري رحمه الله تعالى

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن الهيثم المصري، قال: سمعت ذا النون المصري العابد الفيض، يقول: " اللهم اجعلنا من الذين جازوا ديار الظالمين، واستوحشوا من مؤانسة الجاهلين، وشابوا ثمرة العمل بنور الإخلاص، واستقوا من عين الحكمة وركبوا سفينة الفطنة، وأقلعوا بريح اليقين، ولجوا في بحر النجاة، ورسوا بشط الإخلاص. اللهم اجعلنا من الذين سرحت أرواحهم في العلا، وحطت همم قلوبهم في عاريات التقى حتى أناخوا في رياض النعيم، وجنوا من رياض ثمار التسنيم، وخاضوا لجة السرور، وشربوا بكأس العيش، واستظلوا تحت العرش في الكرامة. اللهم اجعلنا من الذين فتحوا باب الصبر وردموا خنادق الجزع وجازوا شديد العقاب وعبروا جسر الهوى، فإنه تعالى يقول: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] اللهم اجعلنا من الذين أشارت إليهم أعلام الهداية، ووضحت لهم طريق النجاة، وسلكوا سبيل إخلاص اليقين "

حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، حدثني أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري أبو حامد، ثنا عبد القدوس بن عبد الرحمن الشامي، قال: سمعت أبا الفيض ذا النون بن إبراهيم المصري يقول: " إلهي وسيلتي إليك نعمك علي، وشفيعي إليك إحسانك إلي، إلهي أدعوك في الملأ كما تدعى الأرباب، وأدعوك في الخلا كما تدعى الأحباب، أقول في الملأ: يا إلهي وأقول في الخلا: يا حبيبي، أرغب إليك وأشهد لك بالربوبية مقرا بأنك ربي وإليك مردي، ابتدأتني برحمتك من قبل أن أكون شيئا مذكورا، وخلقتني من تراب ثم أسكنتني الأصلاب، ونقلتني إلى الأرحام، ولم تخرجني برأفتك في دولة أيمة ثم أنشأت خلقي من مني يمنى، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث بين دم ولحم ملتاث، وكونتني في غير صورة الإناث، ثم نشرتني إلى الدنيا تاما سويا، وحفظتني في المهد طفلا صغيرا صبيا، ورزقتني من الغذاء لبنا مريا، وكفلتني حجور الأمهات، وأسكنت قلوبهم رقة لي وشفقة علي، وربيتني بأحسن تربية، ودبرتني بأحسن تدبير، وكلأتني من طوارق الجن وسلمتني من شياطين الإنس، وصنتني من زيادة في بدني تشينني، ومن نقص فيه يعيبني، فتباركت ربي وتعاليت يا رحيم، فلما استهللت بالكلام أتممت علي سوابغ الإنعام، وأنبتني زائدا في كل عام، فتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، حتى إذا ملكتني شأني وشددت أركاني أكملت لي عقلي، ورفعت حجاب الغفلة عن قلبي، وألهمتني النظر في عجيب صنائعك وبدائع عجائبك، وأوضحت لي حجتك ودللتني على نفسك، وعرفتني ما جاءت به رسلك، ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش بمنك العظيم وإحسانك القديم، وجعلتني سويا ثم لم ترض لي بنعمة واحدة دون أن أتممت علي جميع النعم، وصرفت عني كل بلوى، وأعلمتني الفجور لأجتنبه، والتقوى لأقترفها، وأرشدتني إلى ما يقربني إليك زلفى، فإن دعوتك أجبتني، وإن سألتك أعطيتني، وإن حمدتك شكرتني، وإن شكرتك زودتني. إلهي فأي نعم أحصي عددا، وأي عطائك أقوم بشكره، أما أسبغت علي من النعماء أو صرفت عني من الضراء. إلهي أشهد لك بما شهد لك باطني وظاهري وأركاني، إلهي إني لا أطيق إحصاء نعمك فكيف أطيق شكرك عليها، وقد قلت وقولك الحق: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل: 18] أم كيف يستغرق شكري نعمك وشكرك من أعظم النعم عندي، وأنت المنعم به علي كما قلت سيدي: {وما بكم من نعمة فمن الله} [النحل: 53] وقد صدقت قولك. إلهي وسيدي، بلغت رسلك بما أنزلت إليهم من وحيك غير أني أقول بجهدي ومنتهى علمي ومجهود وسعي ومبلغ طاقتي: الحمد لله على جميع إحسانه حمدا يعدل حمد الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين "

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد، ثنا محمد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النون المصري، يقول في دعائه: «اللهم إليك تقصد رغبتي، وإياك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي لا أسأل الخير إلا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك، يا من جمع كل شيء حكمته، ويا من نفذ في كل شيء حكمه، يا من الكريم اسمه، لا أحد لي غيرك فأسأله، ولا أثق بسواك فآمله، ولا أجعل لغيرك مشيئة من دونك أعتصم بها وأتوكل عليه، فمن أسأل إن جهلتك، وبمن أثق بعد إذ عرفتك، اللهم إن ثقتي بك وإن ألهتني الغفلات عنك وأبعدتني العثرات منك بالاغترار، يا مقيل العثرات إن لم تتلافني بعصمة من العثرات فإني لا أحول بعزيمة من نفسي، ولا أروم على خليفة بمكان من أمري. أنا نعمة منك وأنا قدر من قدرك، أجري في نعمك وأسرح في قدرك، أزداد على سابقة علمك ولا أنتقص من عزيمة أمرك، فأسألك يا منتهى السؤالات، وأرغب إليك يا موضع الحاجات سواك، من قد كذب كل رجاء إلا منك، ورغبة من رغب عن كل ثقة إلا عنك أن تهب لي إيمانا أقدم به عليك، وأوصل به عظم الوسيلة إليك وأن تهب لي يقينا لا توهنه بشبهة إفك، ولا تهنه خطرة شك ترحب به صدري وتيسر به أمري ويأوي إلى محبتك قلبي حتى لا ألهو عن شكرك ولا أنعم إلا بذكرك، يا من لا تمل حلاوة ذكره ألسن الخائفين، ولا تكل من الرغبات إليه مدامع الخاشعين، أنت منتهى سرائر قلبي في خفايا الكتم، وأنت موضع رجائي بين إسراف الظلم. من ذا الذي ذاق حلاوة مناجاتك فلها بمرضاة بشر عن طاعتك ومرضاتك. رب أفنيت عمري في شدة السهو عنك، وأبليت شبابي في سكرة التباعد منك، ثم لم أستبطئ لك كلاءة ومنعة في أيام اغتراري بك وركوني إلى سبيل سخطك وعن جهل، يا رب قربتني الغرة إلى غضبك، وأنا عبدك ابن عبدك، قائم بين يديك متوسل بكرمك إليك، فلا يزلني عن مقام أقمتني فيه غيرك، ولا ينقلني من موقف السلامة من نعمك إلا أنت، أتنصل إليك بما كنت أواجهك به من قلة استحيائي من نظرك، وأطلب العفو منك يا رب إذ العفو نعمة لكرمك، يا من يعصى ويتاب إليه فيرضى كأنه لم يعص بكرم لا يوصف وتحنن لا ينعت، يا حنان بشفقته يا متجاوزا بعظمته لم يكن لي حول فأنتقل عن معصيتك إلا في وقت أيقظتني فيه لمحبتك، وكما أردت أن أكون كنت، وكما رضيت أن أقول قلت، خضعت لك وخشعت لك إلهي لتعزني بإدخالي في طاعتك، ولتنظر إلي نظر من ناديته فأجابك واستعملته بمعونتك فأطاعك، يا قريب لا تبعد عن المعتزين، ويا ودود لا تعجل على المذنبين اغفر لي وارحمني يا أرحم الراحمين»

حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن زيد، ثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء، ثنا سعيد بن عبد الحكم، قال: سمعت ذا النون، يقول: " خرجت في طلب المناجاة، فإذا أنا بصوت فعدلت إليه فإذا أنا برجل قد غاص في بحر الوله وخرج على ساحل الكمه، وهو يقول في دعائه: أنت تعلم أني لا أعلم أن الاستغفار مع الإصرار لؤم وأن تركي الاستغفار مع معرفتي بسعة رحمتك لعجز، إلهي أنت الذي خصصت خصائصك بخالص الإخلاص، وأنت الذي سلمت قلوب العارفين من اعتراض الوسواس، وأنت آنست الآنسين من أوليائك وأعطيتهم كفاية رعاية المتوكلين عليك تكلؤهم في مضاجعهم وتطلع على سرائرهم، وسري عندك مكشوف وأنا إليك ملهوف. قال: ثم سكنت صرخته فلم أسمع له صوتا "

حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون أبا الفيض، يقول: «اللهم اجعلنا من الذين تفكروا فاعتبروا، ونظروا فأبصروا، وسمعوا فتعلقت قلوبهم بالمنازعة إلى طلب الآخرة حتى أناخت وانكسرت عن النظر إلى الدنيا وما فيها، ففتقوا بنور الحكم ما رتقه ظلم الغفلات وفتحوا أبواب مغاليق العمى بأنوار مفاتيح الضياء، وعمروا مجالس الذاكرين بحسن مواظبة استيدام الثناء، اللهم اجعلنا من الذين تراسلت عليهم ستور عصمة الأولياء وحصنت قلوبهم بطهارة الصفاء، وزينتها بالفهم والحياء، وطيرت همومهم في ملكوت سماواتك حجابا حتى تنتهي إليك فرددتها بظرائف الفوائد اللهم اجعلنا من الذين سهل عليهم طريق الطاعة، وتمكنوا في أزمة التقوى، ومنحوا بالتوفيق منازل الأبرار فزينوا وقربوا وكرموا بخدمتك»

وسمعته يقول: «لك الحمد يا ذا المن والطول والآلاء والسعة، إليك توجهنا وبفنائك أنخنا، ولمعروفك تعرضنا، وبقربك نزلنا، يا حبيب التائبين، ويا سرور العابدين، ويا أنيس المنفرين ويا حرز اللاجئين ويا ظهر المنقطعين، ويا من حبب إليه قلوب العارفين وبه آنست أفئدة الصديقين، وعليه عطفت رهبة الخائفين، يا من أذاق قلوب العابدين لذيذ الحمد وحلاوة الانقطاع إليه، يا من يقبل من تاب ويعفو عمن أناب، ويدعو المولين كرما ويرفع المقبلين إليه تفضلا، يا من يتأنى على الخاطئين ويحلم عن الجاهلين، ويا من حل عقدة الرغبة من قلوب أوليائه، ومحا شهوة الدنيا عن فكر قلوب خاصته وأهل محبته، ومنحهم منازل القرب والولاية، ويا من لا يضيع مطيعا ولا ينسى صبيا، يا من منح بالنوال، ويا من جاد بالاتصال، يا ذا الذي استدرك بالتوبة ذنوبنا وكشف بالرحمة غمومنا وصفح عن جرمنا، بعد جهلنا وأحسن إلينا بعد إساءتنا، يا آنس وحشتنا ويا طبيب سقمنا، يا غياث من أسقط بيده، وتمكن حبل المعاصي، وأسفر خدر الحيا عن وجهه، هب خدودنا للتراب بين يديك يا خير من قدر وأرأف من رحم وعفا»

حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: «أسألك باسمك الذي ابتدعت به عجائب الخلق في غوامض العلم، يجود جلال جمال وجهك في عظيم عجيب تركيب أصناف جواهر لغاتها، فخرت الملائكة سجدا لهيبتك من مخافتك أن تجعلنا من الذين سرحت أرواحهم في العلى وحطت همم قلوبهم في مغلبات الهوى حتى أناخوا في رياض النعيم، وجنوا من ثمار التسنيم، وشربوا بكأس العشق وخاضوا لجج السرور واستظلوا تحت فناء الكرامة، اللهم اجعلنا من الذين شربوا بكأس الصفا فأورثهم الصبر على طول البلاء حتى توليت قلوبهم في الملكوت وجالت بين سرائر حجب الجبروت، ومالت أرواحهم في ظل برد نسيم المشتاقين الذين أناخوا في رياض الراحة ومعدن العز وعرصات المخلدين»

حدثنا أبي، ثنا سعيد بن أحمد، ثنا عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: " اعتل رجل من إخواني فكتب إلي أن ادع الله لي فكتبت إليه: سألتني أن أدعو الله لك أن يزيل عنك الغم واعلم يا أخي أن العلة مجزلة يأنس بها أهل الصفا والهمم والضياء في الحياة، ذكرك للشفاء ومن لم يعد البلاء نعمة فليس من الحكماء، ومن لم يأمن التشفيق على نفسه فقد أمن أهل التهمة على أمره، فليكن معك يا أخي حياء يمنعك عن الشكوى، والسلام "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد بن عثمان، حدثني إبراهيم بن يحيى الزبيدي، قال: لما حمل ذو النون بن إبراهيم إلى جعفر المتوكل أنزله في بعض الدور وأوصى به زرافة. وقال: أنا إذا رجعت غدا من ركوبي فأخرج إلي هذا الرجل، فقال له زرافة: إن أمير المؤمنين قد أوصاني بك، فلما رجع من الغد من الركوب قال له: انظر بأن تستقبل أمير المؤمنين بالسلام، فلما أخرجه إليه قال له: سلم على أمير المؤمنين، فقال ذو النون: «ليس هكذا جاءنا الخبر، إنما جاءنا في الخبر أن الراكب يسلم على الراجل». قال: فتبسم أمير المؤمنين وبدأه بالسلام، فنزل إليه أمير المؤمنين، فقال له: أنت زاهد أهل مصر؟ قال: «كذا يقولون». فقال له زرافة: فإن أمير المؤمنين يحب أن يسمع من كلام الزهاد. قال: فأطرق مليا ثم قال: " يا أمير المؤمنين إن الجهل علق بنكتة أهل الفهم، يا أمير المؤمنين إن لله عبادا عبدوه بخالص من السر فشرفهم بخالص من شكره فهم الذين تمر صحفهم مع الملائكة فرغا حتى إذا صارت إليه ملأها من سر ما أسروا إليه، أبدانهم دنيوية وقلوبهم سماوية قد احتوت قلوبهم من المعرفة كأنهم يعبدونه مع الملائكة بين تلك الفرج وأطباق السماوات لم يخبتوا في ربيع الباطل ولم يرتعوا في مصيف الآثام، ونزهوا الله أن يراهم يثبون على حبائل مكره هيبة منهم له وإجلالا أن يراهم يبيعون أخلاقهم بشيء لا يدوم وبلذة من العيش مزهودة، فأولئك الذين أجلسهم على كراسي أطباق أهل المعرفة بالأدواء والنظر في منابت الدواء، فجعل تلامذتهم أهل الورع والبصر، فقال لهم: إن أتاكم عليل من فقدي فداووه أو مريض من تذكري فأدنوه، أو ناس لنعمتي فذكروه، أو مبارز لي بالمعاصي فنابذوه، أو محب لي فواصلوه، يا أوليائي فلكم عاتبت ولكم خاطبت ومنكم الوفاء طلبت، لا أحب استخدام الجبارين ولا تولي المتكبرين ولا مصافاة المترفين، يا أوليائي وأحبابي جزائي لكم أفضل الجزاء وإعطائي لكم أفضل العطاء وبذلي لكم أفضل البذل، وفضلي عليكم أوفر الفضل، ومعاملتي لكم أوفى المعاملة ومطالبتي لكم أشد مطالبة، وأنا مقدس القلوب وأنا علام الغيوب وأنا عالم بمجال الفكر ووسواس الصدور، من أرادكم قصمته ومن عاداكم أهلكته ". ثم قال ذو النون: «بحبك وردت قلوبهم على بحر محبته فاغترفت منه ريا من الشراب فشربت منه بمخاطر القلوب فسهل عليها كل عارض عرض لها عند لقاء المحبوب، فواصلت الأعضاء المبادرة وألفت الجوارح تلك الراحة، فهم رهائن أشغال الأعمال، قد اقتلعتهم الراحة بما كلفوا أخذه عن الانبساط بما لا يضرهم تركه. قد سكنت لهم النفوس ورضوا بالفقر والبؤس واطمأنت جوارحهم على الدءوب على طاعة الله عز وجل بالحركات، وظعنت أنفسهم عن المطاعم والشهوات، فتوالهوا بالفكرة، واعتقدوا بالصبر، وأخذوا بالرضا ولهوا عن الدنيا، وأقروا بالعبودية للملك الديان ورضوا به دون كل رقيب وحميم فخشعوا لهيبته، وأقروا له بالتقصير وأذعنوا له بالطاعة، ولم يبالوا بالقلة إذا خلوا بأقل بكاء، وإذا عوملوا فإخوان حياء، وإذا كلموا فحكماء، وإذا سئلوا فعلماء، وإذا جهل عليهم فحلماء، فلو قد رأيتهم لقلت عذارى في الخدور، وقد تحركت لهم المحبة في الصدور بحسن تلك الصور التي قد علاها النور، وإذا كشفت عن القلوب رأيت قلوبا لينة منكسرة، وبالذكر نائرة وبمحادثة المحبوب عامرة، لا يشغلون قلوبهم بغيره، ولا يميلون إلى ما دونه، قد ملأت محبة الله صدورهم فليس يجدون لكلام المخلوقين شهوة ولا بغير الأنيس ومحادثة الله لذة، إخوان صدق وأصحاب حياء ووفاء وتقى وورع وإيمان ومعرفة ودين، قطعوا الأودية بغير مفاوز، واستقلوا الوفاء بالصبر على لزوم الحق، واستعانوا بالحق على الباطل فأوضح لهم الحجة، ودلهم على المحجة فرفضوا طريق المهالك وسلكوا خير المسالك ودلهم، أولئك هم الأوتاد الذين بهم توهب المواهب، وبهم تفتح الأبواب، وبهم ينشأ السحاب، وبهم يدفع العذاب، وبهم يستقي العباد والبلاد فرحمة الله علينا وعليهم»

سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي - المذكور بنيسابور - يقول: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون المصري، يقول: " تنال المعرفة بثلاث: بالنظر في الأمور كيف دبرها، وفي المقادير كيف قدرها وفي الخلائق كيف خلقها "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد الحكم بن أحمد بن سلام الصدفي قال: سمعت ذا النون المصري يقول: قرأت في باب مصر بالسريانية فتدبرته فإذا فيه يقدر المقدرون، والقضاء يضحك "

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر من أصله، ثنا أبو بكر الدينوري المفسر سنة ثمان وثمانين ومائتين، ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي قال: سمعت ذا النون المصري يقول: «إن لله عبادا ملأ قلوبهم من صفاء محض محبته وهيج أرواحهم بالشوق إلى رؤيته فسبحان من شوق إليه أنفسهم، وأدنى منه هممهم وصفت له صدورهم، سبحان موفقهم ومؤنس وحشتهم وطبيب أسقامهم، إلهي لك تواضعت أبدانهم منك إلى الزيادة، انبسطت أيديهم ما طيبت به عيشهم، وأدمت به نعيمهم، فأذقتهم من حلاوة الفهم عنك، ففتحت لهم أبواب سمواتك، وأنحنت لهم الجواز في ملكوتك، بك أنست محبة المحبين، وعليك معول وشوق المشتاقين وإليك حنت قلوب العارفين، وبك آست قلوب الصادقين، وعليك عكفت رهبة الخائفين، وبك استجارت أفئدة المقصرين، قد بسطت الراحة من فتورهم، وقل طمع الغفلة فيهم لا يسكنون إلى محادثة الفكرة فيما لا يعنيهم ولا يفترون عن التعب والسهر يناجونه بألسنتهم ويتضرعون إليه بمسكنتهم يسألونه العفو عن زلاتهم والصفح عما وقع الخطأ به في أعمالهم فهم الذين ذابت قلوبهم بفكر الأحزان وخدموه خدمة الأبرار الذين تدفقت قلوبهم ببره وعاملوه بخالص من سره حتى خفيت أعمالهم عن الحفظة فوقع بهم ما أملوا من عفوه ووصلوا بها إلى ما أرادوا من محبته فهم والله الزهاد والسادة من العباد الذين حملوا أثقال الزمان فلم يألموا بحملها، وقفوا في مواطن الامتحان فلم تزل أقدامهم عن مواضعها حتى مال بهم الدهر وهانت عليهم المصائب وذهبوا بالصدق والإخلاص عن الدنيا، إلهي فيك نالوا ما أملوا كنت لهم سيدي مؤيدا ولعقولهم مؤديا حتى أوصلتهم أنت إلى مقام الصادقين في عملك وإلى منازل المخلصين في معرفتك فهم إلى ما عند سيدهم متطلعون وإلى ما عنده من وعيده ناظرون ذهبت الألام عن أبدانهم لما أذاقهم من حلاوة مناجاته ولما أفادهم من ظرائف الفوائد من عنده فيا حسنهم والليل قد أقبل بحنادس ظلمته وهدأت عنهم أصوات خليقته وقدموا إلى سيدهم الذي له يأملون فلو رأيت أيها البطال أحدهم وقد قام إلى صلاته وقراءته فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين فانخلع قلبه وذهل عقله فقلوبهم في ملكوت السماوات معلقة وأبدانهم بين أيدي الخلائق عارية وهمومهم بالفكر دائمة، فما ظنك بأقوام أخيار أبرار وقد خرجوا من رق الغفلة واستراحوا من وثائق الفترة وأنسوا بيقين المعرفة وسكنوا إلى روح الجهاد والمراقبة، بلغنا الله وإياكم هذه الدرجة»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر الدينوري ح، وحدثنا محمد بن إسحاق الشمشاطي، قال: سمعت ذا النون يقول: بينما أنا أسير في جبال أنطاكية وإذا أنا بجارية كأنها مجنونة وعليها جبة من صوف فسلمت عليها فردت السلام ثم قالت: ألست ذا النون المصري، قلت: عافاك الله كيف عرفتيني؟ قالت: فتق الحبيب بيني وبين قلبك فعرفتك باتصال معرفة حب الحبيب، ثم قالت: أسألك مسألة؟ قلت: سليني قالت أي شيء السخاء؟ قلت: البذل والعطاء قالت: هذا السخاء في الدنيا فما السخاء في الدين؟ قلت: المسارعة إلى طاعة المولى قالت: فإذا سارعت إلى طاعة المولى تحب منه خيرا؟ قلت: نعم للواحد عشرة، قالت: مر يا بطال، هذا في الدين قبيح ولكن المسارعة إلى طاعة المولى أن يطلع إلى قلبك وأنت لا تريد منه شيئا بشيء ويحك يا ذا النون إني أريد أن أقسم عليه في طلب شهوة منذ عشرين سنة فأستحي منه مخافة أن أكون كأجير السوء إذا عمل طلب الأجر ولكن أعمل تعظيما لهيبته وعز جلاله، قال: ثم مررت وتركتني

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة وأحمد بن محمد بن أبان قالا: ثنا سعيد بن عثمان، حدثني ذو النون قال: بينا أنا في بعض مسيري إذ لقيتني امرأة فقالت لي: من أين أنت؟ قلت: رجل غريب، فقالت لي: ويحك وهل يوجد مع الله أحزان الغربة؟ وهو مؤنس الغرباء، ومعين الضعفاء؟ قال: فبكيت فقالت لي ما يبكيك؟ قلت: وقع الدواء على داء قد قرح فأسرع لي نجاحه، قالت: فإن كنت صادقا فلم بكيت؟ قلت: والصادق لا يبكي؟ قالت: لا قلت: ولم؟ قالت: لأن البكاء راحة للقلب، وملجأ يلجأ إليه، وما كتم القلب شيئا أحق من الشهيق والزفير، فإذا أسبلت الدمعة استراح القلب، وهذا ضعف الأطباء بإبطال الداء قال: فبقيت متعجبا من كلامها، فقالت لي: ما لك؟ قلت: تعجبت من هذا الكلام، قالت: وقد نسيت القرحة التي سألت عنها؟ قلت: لا ما أنا بالمستغني عن طلب الزوائد قالت: صدقت حب ربك سبحانه، واشتق إليه فإن له يوما يتجلى فيه على كرسي كرامته لأوليائه وأحبائه فيذيقهم من محبته كأسا لا يظمئون بعده أبدا قال: ثم أخذت في البكاء والزفير والشهيق وهي تقول: سيدي إلى كم تخلفني في دار لا أجد فيها أحدا يسعفني على البكاء أيام حياتي - ثم تركتني ومضت

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: كم من مطيع مستأنس، وكم عاص مستوحش، وكم محب ذليل، وكل راج طالب قال: وسمعته يقول: اعلموا أن العاقل يعترف بذنبه، ويحس بذنب غيره، ويجود بما لديه ويزهد فيما عند غيره ويكف عن أذاه ويحتمل الأذى عن غيره والكريم يعطي قبل السؤال، فكيف يبخل بعد السؤال؟ ويعذر قبل الاعتذار، فكيف يحقد بعد الاعتذار؟ ويعف قبل الامتناع فكيف يطمع في الازدياد، قال: وسمعته يقول: ثلاثة من أعلام المحبة: الرضا في المكروه، وحسن الظن في المجهول، والتحسين في الاختيار في المحذور، وثلاثة من أعلام الصواب: الأنس به في جميع الأحوال، والسكون إليه في جميع الأعمال، وحب الموت بغلبة الشوق في جميع الأشغال، وثلاثة من أعمال اليقين: النظر إلى الله تعالى في كل شيء، والرجوع إليه في كل أمر، والاستعانة به في كل حال، وثلاثة من أعمال الثقة بالله: السخاء بالموجود، وترك الطلب للمفقود، والاستنابة إلى فضل الموجود، وثلاثة من أعمال الشكر: المقاربة من الإخوان في النعمة، واستغنام قضاء الحوائج قبل العطية، واستقلال الشكر لملاحظة المنة، وثلاثة من أعلام الرضا: ترك الاختيار قبل القضا، وفقدان المرارة بعد القضا، وهيجان الحب في حشو البلا، وثلاثة من أعمال الأنس بالله: استلذاذ الخلوة، والاستيحاش من الصحبة، واستحلاء الوحدة، وثلاثة من أعلام حسن الظن بالله: قوة القلب، وفسحة الرجا في الذلة، ونفي الإياس بحسن الإنابة، وثلاثة من أعلام الشوق: حب الموت مع الراحة وبغض الحياة مع الدعة، ودوام الحزن مع الكفاية "

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني، ثنا أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري، ثنا عبد القدوس بن عبد الرحمن الشاشي قال: سمعت ذا النون المصري يقول: «إلهي ما أصغي إلى صوت حيوان ولا حفيف شجر، ولا خرير ماء، ولا ترنم طائر، ولا تنعم ظل، ولا دوي ريح، ولا قعقعة رعد إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك دالة على أنه ليس كمثلك شيء، وأنك غالب لا تغلب وعالم لا تجهل، وح‍ليم لا تسفه، وعدل لا تجور، وصادق لا تكذب، إلهي فإني أعترف لك اللهم بما دل عليه صنعك، وشهد لك فعلك، فهب لي اللهم طلب رضاك برضاي ومسرة الوالد لولده يذكرك لمحبتي لك، ووقار الطمأنينة وتطلب العزيمة إليك لأن من لم يشبعه الولوع باسمك ولم يروه من ظمائه ورود غدران ذكرك، ولم ينسه جميع الهموم رضاه عنك، ولم يلهه عن جميع الملاهي تعداد آلائك، ولم يقطعه عن الأنس بغيرك مكانه منك كانت حياته ميتة، وميتته حسرة، وسروره غصة وأنسه وحشة، إلهي عرفني عيوب نفسي وافضحها عندي لأتضرع إليك في التوفيق للتنزه عنها، وأبتهل إليك بين يديك خاضعا ذليلا في أن تغسلني منها، واجعلني من عبادك الذين شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم تجول في ملكوتك وتتفكر في عجائب صنعك ترجع بفوائد معرفتك وعوائد إحسانك قد ألبستهم خلع محبتك وخلعت عنهم لباس التزين لغيرك، إلهي لا تترك بيني وبين أقصى مرادك حجابا إلا هتكته ولا حاجزا إلا رفعته، ولا وعرا إلا سهلته ولا بابا إلا فتحته حتى تقيم قلبي بين ضياء معرفتك، وتذيقني طعم محبتك وتبرد بالرضا منك فؤادي، وجميع أحوالي حتى لا أختار غير ما تختاره وتجعل لي مقاما بين مقامات أهل ولايتك ومضطربا فسيحا في ميدان طاعتك، إلهي كيف استرزق من لا يرزقني إلا من فضلك؟ أم كيف أسخطك في رضا من لا يقدر على ضري إلا بتمكينك، فيا من أسأله إيناسا به وإيحاشا من خلقه ويا من إليه التجائي في شدتي ورجائي ارحم غربتي وهب لي من المعرفة ما أزداد به يقينا، ولا تكلني إلى نفسي الأمارة بالسوء طرفة عين»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا سعيد بن عثمان الخليط، عن أبي الفيض ذى النون المصري قال: إن لله لصفوة من خلقه، وإن لله لخيرة من خلقه قيل له: يا أبا الفيض فما علامتهم؟ قال: إذا خلع العبد الراحة وأعطى المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة، قيل له: يا أبا الفيض فما علامة إقبال الله عز وجل على العبد؟ قال: إذا رأيته صابرا شاكرا ذاكرا فذلك علامة إقبال الله على العبد، قيل: فما علامة إعراض الله عن العبد قال: إذا رأيته ساهيا راهبا معرضا عن ذكر الله فذاك حين يعرض الله عنه، ثم قال: ويحك كفى بالمعرض عن الله وهو يعلم أن الله مقبل عليه وهو معرض عن ذكره، قيل له يا أبا الفيض فما علامة الأنس بالله؟ قال: إذا رأيته يؤنسك بخلقه فإنه يوحشك من نفسه، وإذا رأيته يوحشك من خلقه فإنه يؤنسك بنفسه، ثم قال أبو الفيض: الدنيا والخلق لله عبيد، خلقهم للطاعة وضمن لهم أرزاقهم ونهاهم وحذرهم وأنذرهم، فحرصوا على ما نهاهم الله عنه وطلبوا الأرزاق وقد ضمنها الله لهم، فلا هم في أرزاقهم استزادوا، ثم قال: عجبا لقلوبكم كيف لا تتصدع ولأجسامكم كيف لا تتضعضع، إذا كنتم تسمعون ما أقول لكم وتعقلون "

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر الدينوري، ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي قال: سمعت ذا النون المصري، يقول: " بينا أنا سائر على شاطيء نيل مصر إذ أنا بجارية تدعو وهي تقول في دعائها: يا من هو عند ألسن الناطقين، يا من هو عند قلوب الذاكرين، يا من هو عند فكرة الحامدين، يا من هو على نفوس الجبارين والمتكبرين، قد علمت ما كان مني، يا أمل المؤملين، قال: ثم صرخت صرخة خرت مغشيا عليها، قال: وسمعت ذا النون يقول: دخلت على صواد نيل مصر فجاءني الليل فقمت بين زروعها فإذا أنا بامرأة سوداء قد أقبلت إلى سنبلة ففركتها ثم امتنعت عليها فتركتها وبكت وهي تقول: يا من بذره حبا يابسا في أرضه ولم يك شيئا، أنت الذي صيرته حشيشا، ثم أنبته عودا قائما، بتكوينك وجعلت فيه حبا متراكبا، ودورته فكونته وأنت على كل شيء قدير وقالت: عجبت لمن هذه مشيئته كيف لا يطاع، وعجبت لمن هذا صنعه كيف يشتكي، فدنوت منها فقلت: من يشكو أمل المؤملين فقالت لي: أنت يا ذا النون، إذا اعتلك فلا ت‍جعل علتك إلى مخلوق مثلك، واطلب دواءك ممن ابتلاك وعل‍يك السلام، لا حاجة لي في مناظرة البطالين، ثم أنشأت تقول:

[البحر الطويل]

حدثنا محمد بن أحمد بن الصباح، ثنا أبو بكر محمد بن خلف المؤدب وكان من خيار عباد الله قال: رأيت ذا النون المصري على ساحل البحر عند صخرة موسى، فلما جن الليل خرج فنظر إلى السماء والماء فقال: سبحان الله، ما أعظم شأنكما، بل شأن خالقكما أعظم منكما ومن شأنكما، فلما تهور الليل لم يزل ينشد هذين البيتين إلى أن طلع عمود الصبح:

[البحر المقتضب]

أنشدنا عثمان بن محمد العثماني قال: أنشدني العباس بن أحمد لذي النون المصري

[البحر الوافر]

 

حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن عبيد الله، ثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء، ثنا أبو عثمان سعيد بن الحكم تلميذ ذى النون قال: سئل ذو النون: ما سبب الذنب؟ قال: اعقل ويحك ما تقول فإنها من مسائل الصديقين سبب الذنب النظرة، ومن النظرة الخطرة، فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت، وإن لم تذكرها امتزجت بالوساوس فتتولد منها الشهوة وكل ذلك بعد باطن لم يظهر على الجوارح، فإن تذكرت الشهوة، وإلا تولد منها الطلب، فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه العقل

حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد، ثنا أحمد بن عيسى الوشاء قال: سمعت أبا عثمان سعيد بن الحكم يقول: سمعت أبا الفيض ذا النون بن إبراهيم يقول: بينما أنا أسير ذات ليلة ظلماء في جبال بيت المقدس إذ سمعت صوتا حزينا وبكاء جهيرا وهو يقول: يا وحشتاه بعد أنسنا يا غربتاه عن وطننا وا فقراه بعد غنانا وا ذلاه بعد عزنا، فتتبعت الصوت حتى قربت منه فلم أزل أبكي لبكائه حتى أصبحنا نظرت إليه فإذا رجل ناحل كالشن المحترق فقلت: يرحمك الله تقول مثل الكلام فقال: دعني فقد كان لي قلب فقدته، ثم أنشأ يقول:

[البحر السريع]

فقلت له:

[البحر الكامل]

حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي بن خلف يقول: سمعت إسرافيل يقول: سمعت ذا النون يقول: إن سكت علم ما تريد، وإن نطقت لم تنل بنطقك ما لا يريد، وعلمه بمرادك ينبغي أن يغنيك عن مسألته أو ينجيك عن مطالبته "

حدثنا أحمد بن محمد قال: سمعت أبا محمد يقول: سمعت إسرافيل يقول: سمعت ذا النون يقول: سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر الشام يقول: إن لله عبادا عرفوه بيقين من معرفته فشمروا قصدا إليه، احتملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب، صحبوا الدنيا بالأشجان، وتنعموا فيها بطول الأحزان فما نظروا إليها بعين راغب، ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب، خافوا البيات فأسرعوا، ورجوا النجاة فأزمعوا، بذكره لهجت ألسنتهم في رضا سيدهم، نصبوا الآخرة نصب أعينهم، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم، فلو رأيتهم رأيت قوما ذبلا شفاههم، خمصا بطونهم، حزينة قلوبهم، ناحلة أجسامهم، باكية أعينهم، لم يصحبوا الملل والتسويف، وقنعوا من الدنيا بقوت طفيف لبسوا من اللباس أيارا بالية، وسكنوا من البلاد قفارا خالية، هربوا من الأوطان واستبدلوا الوحدة من الإخوان، فلو رأيتهم لرأيت قوما قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر، وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب، خمص لطول السرى شعث لفقد الكرا، قد وصلوا الكلال بالكلال للنقلة والارتحال

أخبرنا أحمد قال: سمعت أبا محمد يقول: سمعت إسرافيل يقول: حضرت ذا النون في الحبس وقد دخل الجلواذ بطعام له، فقام ذو النون فنفض يده فقيل له: إن أخاك جاء به فقال: إنه مر على يدي ظالم، قال: وسمعت رجلا سأل ذا النون فقال: رحمك الله ما الذي أنصب العباد وأضناهم فقال: ذكر المقام، وقلة الزاد، وخوف الحساب، ثم سمعته يقول بعد فراغه من كلامه: ولم لا تذوب أبدان العمال وتذهل عقولهم والعرض على الله أمامهم، وقراءة كتبهم بين أيديهم، والملائكة وقوف بين يدي الجبار ينتظرون أمره في الأخيار والأشرار، ثم قال: مثلوا هذا في نفوسهم وجعلوه نصب أعينهم، قال: وسمعت ذا النون يقول: قال الحسن: ما أخاف عليكم منع الإجابة إنما أخاف عليكم منع الدعاء "

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، ثنا أحمد بن محمد بن سهل الصيرفي، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: «إن الطبيعة النقية هي التي يكفيها من العظمة رائحتها، ومن الحكمة إشارة إليها»

حدثنا أحمد بن محمد، ثنا الحسن بن علي بن خلف قال: سمعت إسرافيل يقول: أنشدنا ذو النون بن إبراهيم المصري فقال:

[البحر الطويل]

حدثنا أحمد قال: سمعت أبا محمد يقول: سمعت إسرافيل يقول: سمعت ذا النون يقول: كتب رجل إلى عالم: ما الذي أكسبك علما من ربك، وما أفادك في نفسك؟ فكتب إليه العالم: أثبت العلم الحجة، وقطع عمود الشك والشبهة، وشغلت أيام عمري بطلبه، ولم أدرك منه ما فاتني، فكتب إليه الرجل: العلم نور لصاحبه، ودليل على حظه، ووسيلة إلى درجات السعداء، فكتب إليه العالم: أبليت إليه في طلبه جدة الشباب وأدركني حين علمت الضعف عن العمل به، ولو اقتصرت منه على القليل كان لي فيه مرشد إلى السبيل

حدثنا أحمد قال: سمعت أبا محمد يقول: سمعت إسرافيل يقول: سأل رجل ذا النون المصري عن سؤال، فقال له ذو النون: «قلبي لك مقفل، فإن فتح لك أجبتك، وإن لم يفتح لك فاعذرني واتهم نفسك»

حدثنا عثمان بن محمد بن عثمان، ثنا محمد بن أحمد الواعظ، ثنا العباس بن يوسف الشكلي، ثنا سعيد بن عثمان، قال: كنت مع ذي النون في تيه بني إسرائيل فبينا نحن نسير إذا بشخص قد أقبل فقلت: أستاذ شخص، فقال لي: انظر فإنه لا يضع قدمه في هذا المكان إلا صديق: فنظرت فإذا امرأة، فقلت إنها امرأة فقال: صديقة ورب الكعبة فابتدر إليها وسلم عليها فردت السلام، ثم قالت: ما للرجل ومخاطبة النساء؟ فقال لها: إني أخوك ذو النون ولست من أهل التهم فقالت: مرحبا حياك الله بالسلام فقال لها: ما حملك على الدخول إلى هذا الموضع؟ فقالت: آية في كتاب الله تعالى: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97] فكلما دخلت إلى موضع يعصى فيه لم يهنني القرار فيه بقلب قد أبهلته شدة محبته، وهام بالشوق إلى رؤيته فقال لها: صفي لي، فقالت: يا سبحان الله أنت عارف تكلم بلسان المعرفة تسألني؟ فقال: يحق للسائل الجواب فقالت: نعم، المحبة عندي لها أول وآخر، فأولها لهج القلب بذكر المحبوب، والحزن الدائم، والتشوق اللازم، فإذا صاروا إلى أعلاها شغلهم وجدان الخلوات عن كثير من أعمال الطاعات، ثم أخذت في الزفير والشهيق وأنشأت تقول:

[البحر المتقارب]

ثم شهقت شهقة فإذا هي قد فارقت الدنيا

حدثنا عثمان بن محمد بن أحمد، ثنا العباس بن يوسف قال: سمعت سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون يقول: وصف لي رجل بشاهرت فقصدته فأقمت على بابه أربعين يوما، فلما كان بعد ذلك رأيته، فلما رآني هرب مني، فقلت له: سألتك بمعبودك إلا وقفت علي وقفة، فقلت سألتك بالله بم عرفت الله، وبأي شيء تعرف إليك الله حتى عرفته؟ فقال لي: نعم، رأيت لي حبيبا إذا قربت منه قربني وأدناني، وإذا بعدت صوت بي وناداني، وإذا قمت بالفترة رغبني ومناني، وإذا عملت بالطاعة زادني وأعطاني، وإذا عملت بالمعصية صبر علي وتأناني، فهل رأيت حبيبا مثل هذا؟ انصرف عني ولا تشغلني ثم ولى وهو يقول:

[البحر البسيط]

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: مدح الله تعالى الشوق لنوره السماوات، وأنى لوجهه الظلمات؟ وحجبه بجلالته عن العيون، ووصل بها معارف العقول، وأنفذ إليه أبصار القلوب، وناجاه على عرشه ألسنة الصدور؟ إلهي لك تسبح كل شجرة، ولك تقدس كل مدرة بأصوات خفية ونغمات زكية، إلهي قد وقفت بين يديك قدمي، ورفعت إليك بصري، وبسطت إلى مواهبك يدي، وصرخ إليك صوتي وأنت الذي لا يضجره الندا ولا تخيب من دعاك، إلهي هب لي بصرا يرفعه إليك صدقه، فإن من تعرف إليك غير مجهول ومن يلوذ بك غير مخذول، ومن يبتهج بك مسرور ومن يعتصم بك منصور

قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله تعالى: حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد قال: سمعت ذا النون يقول: إن لله خالصة من عباده، ونجباء من خلقه، وصفوة من بريته صحبوا الدنيا بأبدان، أرواحها في الملكوت معلقة، أولئك نجباء الله من عباده، وأمناء الله في بلاده، والدعاة إلى معرفته، والوسيلة إلى دينه، هيهات بعدوا وفاتوا، ووارتهم بطون الأرض وفجاجها على أنه لا تخلو الأرض من قائم فيها بحجته على خلقه لئلا تبطل حجج الله، ثم قال: وأين؟ أولئك قوم حجبهم الله من عيون خلقه، وأخفاهم عن آفات الدنيا وفتنها، ألا وهم الذين قطعوا أودية الشكوك باليقين، واستعانوا على أعمال الفرائض بالعلم، واستدلوا على فساد أعمالهم بالمعرفة، وهربوا من وحشة الغفلة وتسربلوا بالعلم لاتقاء الجهالة، واحتجزوا عن الغفلة بخوف الوعيد، وجدوا في صدق الأعمال لإدراك الفوت، وخلوا عن مطامع الكذب ومعانقة الهوى، وقطعوا عرى الارتياب بروح اليقين وجاوزوا ظلم الدجا ودحضوا حجيج المبتدعين باتباع السنن، وبادروا إلى الانتقال عن المكروه قبل فوت الإمكان، وسارعوا في الإحسان تعريضا للقعود عن الإساءة ولاقوا النعم بالشكر استجلالا لمزيده، وجعلوه نصب أعينهم عند خواطر الهمم وحركات الجوارح من زينة الدنيا وغرورها، فزهدوا فيها علانا، وأكلوا منها قصدا وقدموا فضلا، وأحرزوا ذخرا، وتزودوا منها التقوى، وشمروا في طلب النعيم بالسير الحثيث والأعمال الزكية، وهم يظنون بل لا يشكون أنهم مقصرون، وذلك أنهم عقلوا فعرفوا، ثم اتقوا وتفكروا فاعتبروا حتى أبصروا، فلما أبصروا استولت عليهم طرقات أحزان الآخرة، فقطع بهم الحزن حركات ألسنتهم عن الكلام من غير هي خوفا من التزيين فيسقطوا من عين الله، فأمسكوا وأصبحوا في الدنيا مغمومين وأمسوا فيها مكروبين، مع عقول صحيحة، ويقين ثابت، وقلوب شاكرة، وألسن ذاكرة وأبدان صارة وجوارح مطيعة، أهل صدق ونصح وسلامة وصبر وتوكل ورضا وإيمان، عقلوا عن الله أمره فشغلوا الجوارح فيما أمروا به، وذكر وحياء، وقطعوا الدنيا بالصبر على لزوم الحق وهجروا الهوى بدلات العقول وتمسكوا بحكم التنزيل وشرائع السنن ولهم في كل ثارة منها دمعة ولذة وفكر وعبرة، ولهم مقام على المزيد للزيادة فرحمة الله علينا وعليهم وعلى جميع المؤمنين والصالحين " قال: وسمعت ذا النون يقول: إياك أن تكون في المعرفة مدعيا وتكون بالزهد محترفا وتكون بالعبادة متعلقا، فقيل له: يرحمك الله فسر لنا ذلك فقال: أما علمت أنك إذا أشرت في المعرفة إلى نفسك بأشياء وأنت معرى من حقائقها كنت مدعيا؟ وإذا كنت في الزهد موصوفا بحالة وبك دون الأحوال كنت محترفا وإذا علقت بالعبادة قلبك وظننت أنك تنجو من الله بالعبادة لا بالله كنت بالعبادة متعلقا لا بوليها والمنان عليك؟ " قال: وسمعت ذا النون يقول: «معاشرة العارف كمعاشرة الله يحتمل عنك ويحلم عنك تخلقا بأخلاق الله الجميلة»، قال: وسمعت ذا النون يقول: «أهل الذمة يحملون على الحال المحمودة والمباح من الفعل فما الفرق بين الذمي والحنيفي، الحنيفي أولى بالحلم والصفح والاحتمال»

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو حامد أحمد بن محمد النيسابوري، ثنا عبد القدوس بن عبد الرحمن قال: قيل لأبي الفيض ذي النون: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت تعبا إن نفعني تعبي والموت يجد في طلبي وقيل له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت مقيما على ذنب ونعمة، فلا أدري من الذنب أستغفر أم على النعمة أشكر، وقيل له: كيف أصبحت؟ قال أصبحت بطالا عن العبادة متلوثا بالمعاصي أتمنى منازل الأبرار وأعمل عمل الأشرار، وسمعت ذا النون يقول: «إلهي لو أصبت موئلا في الشدائد غيرك أو ملجأ في المنازل سواك لحق لي أن لا أعرض إليه بوجهي عنك، ولا أختاره عليك، لقديم إحسانك إلي وحديثه، وظاهر منتك علي وباطنها، ولو تقطعت في البلاد إربا إربا، وأنصبت على الشدائد صبا صبا، ولا أجد مشتكى غيرك، ولا مفرجا لما بي عن سواك فيا وارث الأرض ومن عليها، ويا باعث جميع من فيها، ورث أملي فيك مني أملي، وبلغ همي فيك منتهى وسائلي»

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى الرازي، ثنا محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري قال: سمعت ذا النون يقول: يا خراساني احذر أن تنقطع عنه فتكون مخدوعا قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأن المخدوع من ينظر إلى عطاياه فينقطع عن النظر إليه بالنظر إلى عطاياه، ثم قال: تعلق الناس بالأسباب وتعلق الصديقون بولي الأسباب، ثم قال: علامة تعلق قلوبهم بالعطايا طلبهم منه العطايا، ومن علامة تعلق قلب الصديق بولي العطايا انصباب العطايا عليه وشغله عنها به، ثم قال: ليكن اعتمادك على الله في الحال لا على الحال مع الله ثم قال: اعقل فإن هذا من صفوة التوحيد "

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا الحسن بن أبي الحسن، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الخواص قال: سمعت ذا النون يقول: من أدرك طريق الآخرة فليكثر مسألة الحكماء ومشاورتهم، ولكن أول شيء يسأل عنه العقل؛ لأن جميع الأشياء لا تدرك إلا بالعقل، ومتى أردت الخدمة لله فاعقل لم تخدم ثم أخدم "

حدثنا عثمان بن أحمد، ثنا أحمد، ثنا محمد بن عيسى قال: سمعت يوسف بن الحسن يقول: أتى رجل من أهل البصرة ذا النون فسأله: متى تصح لي عزلة الخلق؟ قال: إذا قويت على عزلة نفسك، قال: فمتى يصح طلبي للزهد؟ قال: إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا من جميع ما يشغلك عن الله لأن جميع ما شغلك عن الله هي دنيا قال يوسف: فذكرت ذلك لطاهر القدسي فقال: هذا نزل أخبار المرسلين

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون المصري وسئل أي الحجاب أخفى الذي يحتجب به المريد عن الله؟ فقال: ويحك: ملاحظة النفس وتدبيرها، وقال ذو النون وقال بعضهم: علم القوم بأن الله يراهم على حال فاحترزو لله عمن سواه، فقال له غيره من أصحابه من الزهاد وكان حاضرا بمجلسه، يقال له طاهر - يا أبا الفيض رحمك الله بل نظروا بعين اليقين إلى محبوب القلوب فرأوه في كل حالة موجودا، وفي كل لمحة ولحظة قريبا بكل رطب ويابس عليما، وعلى كل ظاهر وباطن شهيدا، وعلى مكروه ومحبوب قائما، وعلى تقريب البعيد وتبعيد القريب مقتدرا ولهم في كل الأحوال والأعمال سائسا، ولما يريدهم به موفقا، فاستغنوا بسياسته وتدبيره وتقويته عن تدبير أنفسهم، وخاضوا البحار وقطعوا القفار بروح النظر إلى نظره البهيج، وخرقوا الظلمات بنور مشاهدته، وتجرعوا المرارات بحلاوة وجوده، وكابدوا الشدائد واحتملوا الأذى في جنب قربه وإقباله عليهم، وخاطروا بالنفوس فيما يعلمون ويحملون ثقة منهم باجتيازه، ورضوا بما يضعهم فيه من الأحوال محبة منهم لإرادته وموافقة لرضاه ساخطين على أنفسهم معرفة منهم بحقه، واستعدادا للعقوبة بعدله عليهم، فأداهم ذلك إلى الابتلاء منه فلم تسع عقولهم ومفاصلهم وقلوبهم محبة لغيره، ولم تبق زنة خردلة منهم خالية منه ولا باقيا فيهم سواه، فهم له بكليتهم، وهو لهم حظ في الدنيا والآخرة، وقد رضي عنهم ورضوا عنه، وأحبهم فأحبوه، وكانوا له وكان لهم، وآثروه وآثرهم، وذكروه فذكرهم {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة: 22] فصاح عند ذلك ذو النون وقال: أين هؤلاء؟ وكيف الطريق إليهم وكيف المسلك؟ فصاح به: يا أبا الفيض الطريق مستقيم، والحجة واضحة، فقال له: صدقت والله يا أخي، فالهرب إليه ولا تعرج إلى غيره

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: ويحك من ذكر الله على حقيقة نسي في حبه كل شيء، ومن نسي في حبه كل شيء حفظ الله عليه كل شيء وكان له عوضا في كل شيء، قال: وسمعت ذا النون وأتاه رجل فقال: يا أبا الفيض دلني على طريق الصدق والمعرفة، فقال: يا أخي أد إلى الله صدق حالتك التي أنت عليها على موافقة الكتاب والسنة، ولا ترق حيث لم نرق فتزل قدمك فإنه إذا زل بك لم تسقط، وإذا ارتقيت أنت تسقط وإياك أن تترك ما تراه يقينا لما ترجوه شكا، قال: وسمعت ذا النون يقول وسئل: متى يجوز للرجل أن يقول: أراني الله كذا وكذا؟ فقال: إذا لم يطق ذلك، ثم قال ذو النون: أكثر الناس إشارة إلى الله في الظاهر أبعدهم من الله، وأرغب الناس في الدنيا وأخفاهم لها طلبا أكثرهم لها ذما عند طلابها، قال: وسمعته يقول: كلت ألسنة المحققين لك عن الدعاوى ونطقت ألسنة المدعين لك بالدعاوى قال: وسمعت ذا النون يقول: لا يزال العارف ما دام في دار الدنيا مترددا بين الفقر والفخر فإذا ذكر الله افتخر وإذا ذكر نفسه افتقر، قال: وسمعت ذا النون وسئل: بم عرف العارفون ربهم؟ فقال: إن كان بشيء فبقطع الطمع والإشراف منهم على اليأس مع التمسك منهم بالأحوال التي أقامهم عليها وبذل المجهود من أنفسهم ثم إنهم وصلوا بعد إلى الله بالله

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا أحمد بن عيسى الرازي، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون المصري وذكر يوما علو المراتب وقرب الأولياء وفوائد الأصفياء وأنس المحبين فأنشأ يقول: «

[البحر الخفيف]

وقال يوسف: وسألت ذا النون: ما " علاقة الآخرة في الله، قال: ثلاث: الصفاء، والتعاون، والوفاء. فالصفاء في الدين، والتعاون في المواساة، والوفاء في البلاء "

حدثنا عثمان بن محمد، حدثني أحمد بن عبد الله القرشي، حدثني محمد بن خلف، قال: سمعت إبراهيم بن عبد الله الصوفي، يقول: سئل ذو النون عن سماع العظة الحسنة والنغمة الطيبة، فقال: " مزامير أنس في مقاصير قدس بألحان توحيد في رياض تمجيد بمطربات الغواني في تلك المعاني المؤدية بأهلها إلى النعيم الدائم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ثم قال: هذا لهم الخبر فكيف طعم النظر "

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا أحمد بن محمد أبو الحسن الأنصاري، قال: سمعت يوسف بن الحسن، يقول: قال ذو النون المصري يوما وأتاه رجل فقال له: أوصني فقال: «بم أوصيك؟ إن كنت ممن قد أيد منه في علم الغيب بصدق التوحيد فقد سبق لك قبل أن تخلق إلى يومنا هذا دعاء النبيين والمرسلين والصديقين وذلك خير لك من وصيتي لك، وإن يكن غير ذلك فلن ينفعك النداء»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو بكر الدينوري، ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي، قال: سمعت ذا النون، يقول: " بينا أنا سائر على شاطئ نيل مصر إذا أنا بجارية، عليها دباء شعت الكلال، وإذا القلب منها متعلق بحب الجبار، وهي منقطعة في نيل مصر وهو يضطرب بأمواجه، فبينا هي كذلك إذ نظرت إلى حوت ينساب بين الوجبتين فرمت بطرفها إلى السماء وبكت وأنشأت تقول: لك تفرد المتفردون في الخلوات ولعظيم رجاء ما عندك سبح الحيتان في البحور الزاخرات، ولجلال هيبتك تصافيت الأمواج في البحور المستفحلات، ولمؤانستك استأنست بك الوحوش في الفلوات، وبجودك وكرمك قصد إليك يا صاحب البر والمسامحات، ثم ولت عني وهي تقول:

[البحر السريع]

ثم غابت عني فلم أرها، فانصرفت وأنا حزين القلب، ضعيف الرأي "

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر، ثنا محمد بن أحمد، قال: سمعت ذا النون، يقول: بينا أنا سائر، بين جبال الشام، إذا أنا بشيخ، على تلعة من الأرض قد تساقطت حاجباه على عينيه كبرا، فتقدمت إليه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم أنشأ وهو يقول بصوت عليل: " يا من دعاه المذنبون فوجدوه قريبا، ويا من قصد إليه الزاهدون فوجدوه حبيبا، ويا من استأنس به المجتهدون فوجدوه سريعا مجيبا ثم أنشأ يقول:

[البحر الكامل]

ثم صرخ صرخة فإذا هو ميت "

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر بن محمد، قال: سمعت ذا النون، يقول: إن «لله عبادا فتقوا الحجب، وعلوا النجب حتى كشف لهم الحجب فسمعوا كلام الرب»

قال: وسمعت ذا النون، يقول: إن «لله عبادا على الآرائك يسمعون كلام الله إذا كلم المحبين في المشهد الأعلى، لأنهم عبدوه سرا فأوصل إلى قلوبهم طرائف البر، عملوا ببعض ما علموا فلما وقفوا في الظلام بين يديه هدى قلوبهم إلى ما يعلمون فحسرت ألبابهم لمعرفة الوقوف بين يديه»

حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبيد الله، ثنا أحمد بن عيسى الوشاء، قال: سمعت سعيد بن الحكم، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «لكل قوم عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه من ذكر الله»

حدثنا محمد بن أحمد، قال: سمعت أحمد بن عيسى، يقول: سمعت أبا عثمان سعيد بن الحكم يقول: سئل ذو النون: " من أدوم الناس عناء؟ قال: أسوؤهم خلقا، قيل: وما علامة سوء الخلق، قال: كثرة الخلاف

قال: وسمعت ذا النون يقول: سئل جعفر بن محمد عن السفلة، فقال: «من لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه»

حدثنا محمد بن محمد، ثنا أحمد بن عيسى، ثنا سعيد بن الحكم، قال: سمعت ذا النون، يقول: دخلت على متعبدة، فقلت لها: كيف أصبحت؟ قالت: «أصبحت من الدنيا على فناء، مبادرة للجهاز، متأهبة لهول يوم الجواز، أعترف لله على ما أنعم بتقصيري عن شكرها، وأقر بضعفي عن إحصائها وشكرها، قد غفلت القلوب عنه وهو منشئها، وأدبرت عنه النفوس وهو يناديها، فسبحانه ما أمهله للأنام مع تواتر الأيادي والإنعام»

قال: وسمعت ذا النون، يقول: " بينا أنا أسير في بلاد الشام إذا أنا بعابد خرج من بعض الكهوف، فلما نظر إلي استتر بين تلك الأشجار ثم قال: أعوذ بك سيدي ممن يشغلني عنك يا مأوى العارفين وحبيب التوابين ومعين الصادقين. وغاية أمل المحبين. ثم صاح: واغماه من طول البكاء واكرباه من طول المكث في الدنيا، ثم قال: سبحان من أذاق قلوب العارفين به حلاوة الانقطاع إليه فلا شيء ألذ عندهم من ذكره والخلوة بمناجاته، ثم مضى وهو يقول: قدوس قدوس قدوس. فناديته: أيها العابد قف لي، فوقف لي وهو يقول: اقطع عن قلبي كل علاقة واجعل شغله بك دون خلقك، فسلمت عليه ثم سألته أن يدعو الله لي فقال: خفف الله عنك مؤن نصب السير إليه، ودلك على رضاه حتى لا يكون بينك وبينه علاقة، ثم سعى من بين يدي كالهارب من السبع "

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا محمد بن أحمد المذكر، عن بعض، أصحابه، قال: قال ذو النون لفتى من النساك: يا فتى، خذ لنفسك بسلاح الملامة، واقمعها برد الظلامة تلبس غدا سرابيل السلامة، واقصرها في روضة الأمان وذوقها مضض فرائض الإيمان تظفر بنعيم الجنان، وجرعها كأس الصبر، ووطنها على الفقر حتى تكون تام الأمر. فقال له الفتى: وأي نفس تقوى على هذا؟ فقال: نفس على الجوع صبرت، وفي سربال الظلام خطرت، نفس ابتاعت الآخرة بالدنيا بلا شرط ولا ثنيا، نفس تدرعت رهبانية القلق، ورعت الدجى إلى واضح الفلق، فما ظنك بنفس في وادي الحنادس سلكت وهجرت اللذات فملكت، وإلى الآخرة نظرت، وإلى العيناء أبصرت وعن الذنوب أقصرت، وعلى الذر من القوت اقتصرت، ولجيوش الهوى قهرت، وفي ظلم الدياجي سهرت، فهي بقناع الشوق مختمرة وإلى عزيزها في ظلم الدجا مشتمرة، قد نبذت المعايش ورعت الحشايش، هذه نفس خدوم عملت ليوم القدوم، وكل ذلك بتوفيق الحي القيوم

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي، ثنا أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن هاشم، قال: قلت لذي النون: صف لنا من خيار من رأيت، فذرفت عيناه وقال: " ركبنا مرة في البحر نريد جدة ومعنا فتى من أبناء نيف وعشرين سنة، قد ألبس ثوبا من الهيبة، فكنت أحب أن أكلمه فلم أستطع. بينما نراه قارئا، وبينما نراه صائما، وبينما نراه مسبحا، إلى أن رقد ذات يوم ووقعت في المركب تهمة فجعل الناس يفتش بعضهم بعضا إلى أن بلغوا إلى الفتى النائم، فقال صاحب الصرة: لم يكن أحد أقرب إلي من هذا الفتى النائم. فلما سمعت ذلك قمت فأيقظته فما كان حتى توضأ للصلاة وصلى أربع ركعات، ثم قال: يا فتى ما تشاء، فقلت: إن تهمة وقعت في المركب وإن الناس قد فتش بعضهم بعضا حتى بلغوا إليك. فالتفت إلى صاحب الصرة وقال: أكما يقول؟ فقال: نعم، لم يكن أحد أقرب إلي منك. فرفع الفتى يديه يدعو وخفت على أهل المركب من دعائه وخيل إلينا أن كل حوت في البحر قد خرج، في فم كل حوت درة، فقام الفتى إلى جوهرة في حوت فأخذها فألقاها إلى صاحب الصرة، وقال: في هذه عوض مما ذهب منك وأنت في حل "

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن محمد بن حمدان، ثنا عبد القدوس بن عبد الرحمن الشاشي، قال سمعت أبا الفيض ذا النون يقول: «إلهي من ذا الذي ذاق طعم حلاوة مناجاتك فألهاه شيء عن طاعتك ومرضاتك؟ أم من ذا الذي ضمنت له النصر في دنياه وآخرته فاستنصر بمن هو مثله في عجزه وفاقته؟ أم من ذا الذي تكفلت له بالرزق في سقمه وصحته فاسترزق غيرك بمعصيتك في طاعته؟ أم من ذا الذي عرفته آثامه فلم يحتمل خوفا منك مئونة فطامه؟ أم من ذا الذي أطلعته على ما لديك ثم انقطع إليك من كرامته فأعرض عنك صفحا إخلادا إلى الدعة في طلب راحته؟ من ذا الذي عرف دنياه وآخرته فآثر الفاني على الباقي لحمقه وجهالته؟ أم من ذا الذي شرب الصافي من كأس محبتك فلم يستبشر بقوارع محنتك؟ أم من ذا الذي عرف حسن اختيارك لخلقك في قدرتك فلم يرض بذلك؟ أم من ذا الذي عرف علمك بسره وعلانيته وقدرتك على نفعه وضره فلم يكتف بك عن علم غيرك به ولم يستغن بك عن قدرة عاجز مثله»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يدعو: «اللهم متع أبصارنا بالجولان في جلالك، وسهرنا عما نامت عنه عيون الغافلين، واجعل قلوبنا معقودة بسلاسل النور وعلقها بأطناب التفكر، ونزه أبصارنا عن سر مواقف المتحيرين، وأطلقنا من الأسر لنجول في خدمتك مع الجوالين، اللهم اجعلنا من الذين استعملوا ذكر قطع اللذات، وخالفوا متاع الغرة بواضحات المعرفة. اللهم اجعلنا من الذين لخدمتك في أقطار الأرض لهم طلابا، ولخصائص أصفيائك أصحابا، وللمريدين المعتكفين ببابك أحبابا. اللهم اجعلنا من الذين غسلوا أوعية الجهل بصفو ماء الحياة في مسالك النعيم، حتى جالت في مجالس الذكر مع رطوبة ألسنة الذاكرين. اللهم اجعلنا من الذين رتعوا في زهرة ربيع الفهم حتى تسامت أسنة الفكرة فوق سمو السمو حتى تسامى بهم نحو مسام العلويين براحات القلوب ومستنبطات عيون الغيوب بطول استغفار الوجوه في محاريب قدس رهبانية الخاشعين، حتى لاذت أبصار القلوب بجواهر السماء، وعبرت أفنية النواحين من مصاف الكروبيين ومجالسة الروحانيين فتوهموا أن قد قرب احتراق بالقلوب عند إرسال الفكرة في مواقع الأحزان بين يديك، فأحرقت نار الخشية بصائر مناقب الشهوات من قلوبهم، وسكنت خوافي ضلوع مضايق الغفلات من صدورهم، فأنبت ذكر الصلوات رقاد قلوبهم»

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، قال: قرأ علي أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى الرازي قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «بالعقول يجتنى ثمر القلوب، وبحسن الصوت تستمال أعنة الأبصار، وبالتوفيق تنال الحظوة وبصحبة الصالحين تطيب الحياة، والخير مجموع في القرين الصالح إن نسيت ذكرك وإن ذكرت أعانك»

حدثنا عثمان بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون، يقول: " حرم الله الزيادة في الدين، والإلهام في القلب والفراسة في الخلق على ثلاثة نفر: على بخيل بدنياه وسخي بدينه وسيئ الخلق مع الله. فقال له رجل: بخيل بالدنيا عرفناه وسخي بدينه عرفناه صف لنا سيئ الخلق مع الله. قال: يقضي الله قضاء ويمضي قدرا وينفذ علما ويختار لخلقه أمرا فترى صاحب سوء الخلق مع الله مضطربا في ذلك كله غير راض به دائما شكواه من الله إلى خلقه فما ظنك "

حدثنا عثمان بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: قلت لذي النون: " دلني على الطريق الذي يؤديني إليه من ذكره. فقال: من أنس بالخلوة فقد استمكن من بساط الفراغ، ومن غيب عن ملاحظة نفسه فقد استمكن من مقاعد الإخلاص، ومن كان حظه من الأشياء هواه لم يبال ما فاته ممن هو دونه، ثم قال: المتضح يبدي غير الذي هو به، والصادق لا يبالي على أي جنب وقع "

قال: وسمعت ذا النون يقول: «العارف متلوث الظاهر صافي الباطن، والزاهد صافي الظاهر متلوث الباطن»

قال: وسمعت ذا النون، يقول: «إن المؤمن إذا آمن بالله واستحكم إيمانه خاف الله، فإذا خاف الله تولدت من الخوف هيبة الله، فإذا سكن درجة الهيبة دامت طاعته لربه، فإذا أطاع تولدت من الطاعة الرجاء فإذا سكن درجة الرجاء تولدت من الرجاء المحبة، فإذا استحكمت معاني المحبة في قلبه سكن بعدها درجة الشوق، فإذا اشتاق أداه الشوق إلى الأنس بالله، فإذا أنس بالله اطمأن إلى الله فإذا اطمأن إلى الله كان ليله في نعيم ونهاره في نعيم، وسره في نعيم وعلانيته في نعيم»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو بكر الدينوري، ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي،. قال: سمعت ذا النون المصري، يقول: إن «لله عبادا أسكنهم دار السلام فأخمصوا البطون عن مطاعم الحرام، وأغمضوا الجفون عن مناظر الآثام، وقيدوا الجوارح عن فضول الكلام، وطووا الفرش وقاموا في جوف الظلام، وطلبوا الحور الحسان من الحي الذي لا ينام، فلم يزالوا في نهارهم صياما وفي ليلهم قياما حتى أتاهم ملك الموت عليه السلام»

حدثنا محمد بن محمد بن عبيد الله، ثنا أحمد بن عيسى الوشاء، ثنا سعيد بن الحكم، قال: سمعت ذا النون، يقول: " بينا أنا أسير، في بعض سياحتي فإذا أنا بصوت، حزين كئيب موجع القلب أسمع الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول: سبحان مفني الدهور، سبحان مخرب الدنيا، سبحان مميت القلوب، سبحان باعث من في القبور. فاتبعت الصوت فإذا أنا بنقب، وإذا الصوت خارج من النقب وهو يقول: سبحان من لا يسع الخلق إلا سره، سبحانك ما ألطفك بمن خالفك، وأوفاك بعهدك، سبحانك ما أحلمك عمن عصاك وخالف أمرك. ثم قال: سيدي بحلمك نطقت، وبفضلك تكلمت، وما أنا والكلام بين يديه بما لا يستأهله قدري فيا إله من مضى قبلي ويا إله من يكون بعدي، بالصالحين فألحقني ولأعمالهم فوفقني. ثم قال: أين الزهاد والعباد؟ أين الذين شدوا مطاياهم إلى منازل معروفة، وأعمال موصوفة، نزل بهم الزمان فأبلاهم، وحل بهم البلاء فأفناهم فهل أنتظر إلا مثل الذي حل بهم. ثم أقبل على ما كان فيه. فقلت: رجل عزفت نفسه عن كلام الناس، فانصرفت وتركته باكيا "

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: «أشد المريدين نفاقا من لحظ لحظة أو نطق بكلمة بلا حجة استبانها فيما بينه وبين ربه ثم سئل عن الحجة فعبر عن نفسه بحجة كان قبل الفعل في الوقت غافلا»

قال: وسمعت ذا النون، وسأله رجل: أي الأحوال أغلب على قلب العارف السرور والفرح أم الحزن والهموم؟ فقال: " أوصلنا الله وإياكم إلى جميل ما نأمله منه، والعلم في هذا عندي والله أعلم أنه ليس هناك حال يشار إليه دون حال، ولا سبب دون سبب، وأنا أضرب لك مثلا: اعلم رحمك الله أن مثل العارف في هذه الدار مثل رجل قد توج بتاج الكرامة وأجلس على سرير في بيت ثم علق من فوق رأسه سيف بشعره وأرسل على باب البيت أسدان ضاريان فالملك يشرف كل ساعة بعد ساعة على الهلاك والعطب فأنى له بالسرور والفرح على التمام؟ وبالله التوفيق "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد، قال: سمعت ذا النون، يقول: وسئل عن الآفة التي، يخدع بها المريد عن الله، فقال: " يريه الألطاف والكرامات والآيات. قيل له: يا أبا الفيض: فيم يخدع قبل وصوله إلى هذه الدرجة، قال: بوطء الأعقاب، وتعظيم الناس له، والتوسع في المجالس وكثرة الأتباع فنعوذ بالله من مكره وخدعه "

قال: وسمعت ذا النون وسئل: ما أساس قسوة القلب للمريد؟ فقال: «بحثه عن علوم رضى نفسه بتعليمها دون استعمالها والوصول إلى حقائقها»

وقال: " لو أن الخلق عرفوا ذل أهل المعرفة في أنفسهم لحثوا التراب على رءوسهم وفي وجوههم. فقال رجل كان حاضرا في المجلس: رجل مؤيد. فذكرت لطاهر المقدسي فقال: سقى الله أبا الفيض، حقا ما قال، ولكني أقول: لو أبدى الله نور المعرفة للزاهدين والعابدين والمحتجبين عنه بالأحوال لاحترقوا واضمحلوا وتلاشوا حتى كأن لم يكونوا. قال الرجل: فذكرت لأحمد بن أبي الحواري فقال: أما أبو الفيض عافاه الله فقال ذلك في وقت ذكره لنفسه، وأما طاهر فقال ذلك في وقت ذكره لربه، وكل مصيب، والله أعلم "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد، قال: سمعت ذا النون، يقول: " ثلاثة علامات الخوف: الورع عن الشبهات بملاحظة الوعيد، وحفظ اللسان مراقبة للتعظيم، ودواء الكمد إشفاقا من غضب الحليم. وثلاثة من أعمال الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة ونسيان رؤيتهم في الأعمال نظرا إلى الله واقتضاء ثواب العمل في الآخرة بحسن عفو الله في الدنيا بحسن المدحة، وثلاثة من أعمال الكمال: ترك الجولان في البلدان، وقلة الاغتباط لنعماه عند الامتحان، وصفو النفس في السر والإعلان، وثلاثة من أعمال اليقين: قلة المخالفة للناس في العشرة، وترك المدح لهم في العطية، والتنزه عن دمهم في المنع والرزية. وثلاثة من أعلام المتوكل: نقض العلائق، وترك التملق في السلائق، واستعمال الصدق في الخلائق، وثلاثة من أعلام الصبر: التباعد عن الخلطاء في الشدة، والسكون إليه مع تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحة المعيشة. وثلاثة من أعلام الحكمة: إنزال النفس من الناس كباطنهم، ووعظهم على قدر عقولهم ليقوموا عنه بنفع حاضر. . . . . وثلاثة من أعلام الزهد: قصر الأمل، وحب الفقر، واستغناء مع صبر. وثلاثة من أعلام العبادة: حب الليل للسهر بالتهجد والخلوة، وكراهة الصبح لرؤية الناس والغفلة، والبدار بالصالحات مخافة الفتنة. وثلاثة من أعلام التواضع: تصغير النفس معرفة بالعيب، وتعظيم الناس حرمة للتوحيد، وقبول الحق والنصيحة من كل أحد. وثلاثة من أعمال السخاء: البذل للشيء مع الحاجة إليه، وخوف المكافأة استقلالا للعطية، والخوف على النفس استغناء لإدخال السرور على الناس. وثلاثة من أعلام حسن الخلق: قلة الخلاف على المعاشرين، وتحسين ما يرد عليه من أخلاقهم وإلزام النفس اللائمة فيما يختلفون فيه كفا عن معرفة عيوبهم. وثلاثة من أعلام الرحمة للخلق: انزواء العقل للملهوفين، وبكاء القلب لليتيم والمسكين، وفقدان الشماتة بمصائب المسلمين، وبذل النصيحة لهم متجرعا لمرارة ظنونهم وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوه وكرهوه. وثلاثة من أعظم الاستغناء بالله: التواضع للفقراء المتذللين، والتعظم على الأغنياء المتكبرين، وترك المعاشرة لأبناء الدنيا المستكبرين. وثلاثة من أعلام الحياء: وجدان الأنس بفقدان الوحشة، والامتلاء من الخلوة بإدمان التفكر، واستشعار الهيبة بخالص المراقبة. وثلاثة من أعلام المعرفة: الإقبال على الله، والانقطاع إلى الله، والافتخار بالله. وثلاثة من أعلام التسليم: مقابلة القضاء بالرضا، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء "

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي، حدثني عبد الله بن سهل، قال: سألت ذا النون فقلت: متى أعرف ربي؟ قال: " إذا كان لك جليسا ولم تر لنفسك سواه أنيسا، قلت: فمتى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما أسخطه عندك أمر من الصبر، قلت: فمتى أشتاق إلى ربي؟ قال: إذا جعلت الآخرة لك قرارا ولم تسم الدنيا لك مسكنا ودارا "

سمعت أبا محمد بن حيان، يقول: سمعت عمر بن يحيى، يقول: سمعت ذا النون، يقول: " مكتوب في التوراة: ملعون من ثقته إنسان مثله "

سمعت محمد بن إبراهيم، يقول: سمعت محمد بن ريان، يقول: سمعت ذا النون، يقول - وجاءه أصحاب الحديث ليسألوه عن الخطرات والوسواس - فقال: أنا «أتكلم في شيء من هذا فإن هذا يحدث سلواني عن شيء من الصلاة والحديث»

قال: ورأى ذو النون علي خفا أحمر فقال: «انزع هذا يا بني فإنه شهوة، ما لبسه النبي صلى الله عليه وسلم إنما لبس النبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين»

سمعت محمد بن إبراهيم، يقول: سمعت علي بن حاتم العثماني، - بمصر - يقول: سمعت ذا النون، - وأومأ إلى موضع بمصر - يقول: " كأنك عن قليل ترى هذه المدينة عامرة وتخرج منها الخيل المحذفة، وقوم عجم، وعن قليل تراها خرابا، قال علي بن حاتم: ورأيناها عامرة ورأيناها خرابا "

وسمعت ذا النون، يقول: «القرآن كلام الله»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عباس بن حمدان، ثنا أبو الحسن، صاحب الشافعي، قال: «حضرت جنازة ذي النون فرأيت الخفافيش تقع على نعشه وبدنه وتطير»

حدثنا محمد بن علي، قال: سمعت محمد بن زياد، يقول: «لما مات ذو النون رأيت على جنازته طيورا خضراء فلا أدري أي شيء كان. ومات عندنا بمصر فأمر أن يجعل قبره مع الأرض»

حدثنا أبو جعفر أحمد بن علي بن عبد الله بن حمدان - بالكوفة - ثنا عبد الله بن محمد السمناني، ثنا أبو يعقوب يوسف بن أحمد البغدادي المكفوف، ثنا أبو الفيض بن إبراهيم المصري، ذو النون - سنة خمس وأربعين ومائتين بسر من رأى - قال: " رأيت رجلا في برية يمشي حافيا وهو يقول: المحب مجروح الفؤاد لا راحة له قد زحزحت الجرحة الدواء وأزعج الدواء الداء، فاجتمعا والقلب بينهما بحول يرتكض، فسلمت عليه فقال لي: وعليك السلام يا ذا النون. قلت: عرفتني قبل هذا، قال: لا. قلت: فمن أين لك هذه الفراسة؟ فقال: ممن يملكها ليست مني هو الذي نور قلبي بالفراسة حتى عرفني إياك من غير معرفة سبقت لي، يا ذا النون قلبي عليل وجسمي مشغول وأنا سائح في البرية أسير فيها منذ عشرين سنة ما أعرف بيتا ولا يكنني سقفي يسترني من الشمس إذا لظت ويحفظني من الرياح إذا هبت ويكلؤني من الحر والبرد جميعا، فصف لي بعض ما أنا فيه إن كنت وصافا، ثم جلس وجلست، فقلت: القلب إذا كان عليلا جالت الأحزان والأسقام فيه، ليس للقلب مع ما يجول من أصل الأسقام دواء وإن يستجلب الأحزان من استجلبها يطول سقمه ليشكوه ويشكو إليه، فصرخ صرخة، ثم قال: ما لي وللشكوى، أما لو طالت البلوى حتى أصير رميما ما تحركت لي جارحة بالشكوى "

قال ذو النون: " فقلت: طرقت الفكرة في قلوب أهل الرضا فمالت بهم ميلة، فزعزعت الجوى، ودكدكت الضمير، فاختلفا جميعا، فالتويا فعرفتا طريق الرضا منهم بالألفة إليه، فوهب لهم هبة ثم أتحفهم بتحف الرضا، فماجت في بحار قلوبهم موجه فهيجت منها اللذة لا بل هيجت منها هيجان اللذات، فشخصت بالحلاوة التي أتحفت إلى من أتحفها، فمرت تطير من جوف الجوى فأي طيران يكون أبهى من قلوب تطير إلى سيدها، لقد هبت إليه بلا أجنحة تطير، لقد مرت في الملكوت أسرع من هبوب الرياح ومن يردها وهو يدعوها إليه، لقد فتح الباب حين هبت طائرة فدخلت قبل أن تقرع الباب لقد مهد لها مهادا، فتنزهت في روح رياض قدسه فهي له ومعه. فقال: يا ذا النون زدت الجرح قرحا، وقتلت فأوجعت، يا هذا ما صحبت صاحبا منذ صحبته أصحبك اليوم. قلت: فقم بنا. فقمنا جميعا نسير بلا زاد فلما وغلنا في البرية وطوينا ثلاثا فقال لي: قد جعت؟ قلت: نعم، قال: فأقسم عليه حتى يطعمك، قلت: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا تسأله شيئا إن شاء أطعمك وإن شاء ترك. قال: فتبسم وقال: امض الآن فلقد أفيض علينا من أطايب الأطعمة ولذيذ الأشربة حتى دخلنا مكة سالمين، ثم فارقني وفارقته. قال يوسف: فلقد رأيت ذا النون كلما ذكره بكى وتأسف على صحبته "

حدثنا محمد بن محمد بن عبيد الله، ثنا نصر بن شافع المقدسي الزاهد، ثنا موسى بن علي الإخميمي، قال: قال ذو النون: " وصف لي رجل باليمن قد برز على المخالفين وسما على المجتهدين. وذكر لي باللب والحكمة ووصف لي بالتواضع والرحمة. قال: فخرجت حاجا فلما قضيت نسكي مضيت إليه لأسمع من كلامه وأنتفع بموعظته أنا وناس كانوا معي يطلبون منه مثل ما أطلب. وكان معنا شاب عليه سيما الصالحين ومنظر الخائفين وكان مصفر الوجه من غير مرض، أعمش العينين من غير عمش، ناحل الجسم من غير سقم، يحب الخلوة ويأنس بالوحدة، تراه أبدا كأنه قريب عهد بالمصيبة أو قد فدحته نائبة. فخرج إلينا فجلسنا إليه فبدأ الشاب بالسلام عليه وصافحه فأبدى له الشيخ البشر والترحيب فسلمنا عليه جميعا، ثم بدأ الشاب بالكلام، فقال: إن الله تعالى بمنه وفضله قد جعلك طبيبا لسقام القلوب، ومعالجا لأوجاع الذنوب، وبي جرح قد فعل، وداء قد استكمل، فإن رأيت أن تتلطف لي ببعض مراحمك، وتعالجني برفقك، فقال له الشيخ: سل ما بدا لك يا فتى. فقال له الشاب: يرحمك الله ما علامة الخوف من الله؟ فقال: أن يؤمنه خوفه من كل خوف غير خوفه. ثم قال: يرحمك الله متى يتبين للعبد خوفه من ربه؟ قال: إذا أنزل نفسه من الله بمنزلة السقيم، فهو يحتمي من كل الطعام مخافة السقام، ويصبر على مضض كل دواء مخافة طول الضنا. فصاح الفتى صيحة وقال: عافيت فأبلغت وعالجت فشفيت، ثم بقي باهتا ساعة لا يحير جوابا حتى ظننت روحه قد خرجت من بدنه، ثم قال: يرحمك الله، ما علامة المحب لله؟ قال له: حبيبي إن درجة الحب رفيعة، قال: فأنا أحب أن تصفها لي. قال: إن المحبين لله شق لهم من قلوبهم فأبصروا بنور القلوب إلى عز جلال الله، فصارت أبدانهم دنياوية، وأرواحهم حجبية، وعقولهم سماوية، تسرح بين صفوف الملائكة كالعيان وتشاهد ملك الأمور باليقين، فعبدوه بمبلغ استطاعتهم بحبهم له لا طمعا في جنة ولا خوفا من نار. قال: فشهق الفتى شهقة وصاح صيحة كانت فيها نفسه. قال: فانكب الشيخ عليه يلثمه وهو يقول هذا مصرع الخائفين هذه درجة المجتهدين هذا أمان المتقين "

حدثنا أحمد بن المعلى الصفدي الوراق، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى الرازي، ثنا يوسف بن الحسين، ومحمد بن أحمد، قالا: سمعنا ذا النون، يقول: " دارت رحى الإرادة على ثلاث: على الثقة بوعد الله والرضا ودوام قرع باب الله "

حدثنا أحمد، ثنا أحمد، ثنا يوسف، ومحمد، قالا: سمعنا ذا النون، يقول: " طوبى لمن أنصف ربه عز وجل قيل: وكيف ينصف ربه؟ قال: يقر له بالآفات في طاعاته وبالجهل في معصيته، وإن آخذه بذنوبه رأى عدله، وإن غفر له رأى فضله، وإن لم يتقبل منه حسناته لم يره ظالما لما معه من الآفات، وإن قبلها رأى إحسانه لما جاد به من الكرامات "

سمعت أبي يقول: سمعت أبا الحسن الملطي يقول: سمعت أبا عبد الله الجلاء يقول: " خرجت إلى شط نيل مصر فرأيت امرأة تبكي وتصرخ فأدركها ذو النون فقال لها: ما لك تبكين؟ فقالت: كان ولدي وقرة عيني على صدري فخرج تمساح فاستلب مني ولدي. قال: فأقبل ذو النون على صلاته وصلى ركعتين ودعا بدعوات فإذا التمساح خرج من النيل والولد معه ودفعه إلى أمه، قال أبو عبد الله فأخذته وأنا كنت أرى "

حدثنا أبي، ثنا أبو الحسن بن أبان، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: قال بعض الحكماء: «ما خلص العبد لله إلا أحب أن يكون في حب لا يعرف»

حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: سمعت عبد الحكم بن أحمد بن سلام، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «نعوذ بالله من النبطي إذا استعرب»

سمعت محمد بن إبراهيم، يقول: سمعت عبد الحكم بن أحمد بن سلام، يقول: سمعت ذا النون، يقول: " رأيت في برية موضعا له دندرة فإذا كتاب فيه مكتوب: احذروا العبيد المعتقين والأحداث المتقربين، والجند المتعبدين، والنبط المستعربين "

قال «وكان ذو النون رجلا نحيفا يعلوه حمرة ليس بأبيض اللحية»

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن حمدان النيسابوري، ثنا عبد القدوس بن عبد الرحمن الشامي، سمعت ذا النون، يقول: «إلهي إن أهل معرفتك لما أبصروا العافية، ولمحوا بأبصارهم إلى منتهى العاقبة وأيقنوا بجودك وكرمك وابتدائك إياهم بنعمك ودللتهم على ما فيه نفعهم دونك إذ كنت متعاليا عن المضار والمنافع، استقلوا كثير ما قدموا من طاعتك واستصغروا عظيم ما اقترفوا من عبادتك، واستلانوا ما استوعره غيرهم. بذلوا المجهود في طلب مرضاتك، واستعظموا صغر التقصير في أداء شكرك، وإن كان ليس شيء من التقصير في طاعتك بذل المجهود صغيرا كان عندهم، فنحلت لذلك أبدانهم، وتغيرت ألوانهم، وخلت من غيرك قلوبهم، واشتغلت بذكرك عقولهم وألسنتهم، وانصرفت عن خلقك إليك همومهم، وآنست وطابت بالخلوة فيك نفوسهم، لا يمشون بين العباد إلا هونا وهم لا يسعون في طاعتك إلا ركضا. إلهي فكما أكرمتهم بشرف هذه المنازل وأبحتهم رفعة هذه الفضائل، اعقد قلوبنا بحبل محبتك ثم حولنا في ملكوت سماواتك وأرضك، واستدرجنا إلى أقصى مرادك درجة درجة، واسلك بنا مسلك أصفيائك منزلة منزلة، واكشف لنا عن مكنون علمك حجابا حجابا، حتى تنتهي إلى رياض الأنس، وتجتني من ثمار الشوق إليك، وتشرب من حياض معرفتك، وتتنزه في بساتين نشر آلائك وتستنقع في غدران ذكر نعمائك، ثم ارددها إلينا بطرف الفوائد، وامددها بتحف الزوائد، واجعل العيون منا فوارة بالعبرات، والصدور منا محشوة بالحرقات، واجعل قلوبنا من القلوب التي سافرت إليك بالجوع والعطش، واجعل أنفسنا من الأنفس التي زالت عن اختيارها لهيبتك، أحينا ما أحييتنا على طاعتك، وتوفنا إذا توفيتنا على ملتك راضين مرضيين هداة مهديين مهتدين غير مغضوب علينا ولا ضالين»

سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول: سمعت الحسن بن علي بن خلف، يقول: سمعت إسرافيل، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «

[البحر الطويل]

سمعت أحمد بن محمد، يقول: سمعت الحسن بن علي، يقول: سمعت إسرافيل، يقول: سمعت رجلا، يسأل ذا النون: متى تصح عزلة الخلق؟ فقال: «إذا قويت على عزلة النفس»

حدثنا أحمد بن محمد، حدثني أحمد بن عثمان المكي الصوفي، عن أبيه، قال: قال لنا ذو النون المصري: " رأيت في التيه أسود كلما ذكر الله ابيض لونه، فقلت له: يا هذا إنه ليبدو عليك حال يغيرك، فقال: إليك عني يا ذا النون فإنه لو بدا عليك ما يبدو علي لجلت كما أجول، ثم أنشأ يقول:

[البحر الطويل]

حدثنا أحمد بن محمد، قال: سمعت الحسن بن علي، يقول: سمعت إسرافيل، يقول: سمعت ذا النون، يقول: " نظرت إلى رجل في بيت المقدس قد استفرغه الوله فقلت له: ما الذي أثار منك ما أرى "، قال: ذهب الزهاد والعباد بصفو الإخلاص وبقيت في كدر الانتقاص فهل من دليل مرشد أو حكيم موقظ؟ قال: وسمعت ذا النون، يقول: " وقد مر به قوم على الدواب وأنا جالس معه فقال: هل ترى كنيفا على كنيف "

حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يزيد، قال: سمعت أحمد بن محمد بن عمر، يقول: سمعت سعيد بن عثمان الخياط، يقول: سمعت ذا النون، يقول وسأله رجل: يا أبا الفيض رحمك الله، من أراد التواضع كيف السبيل إليه؟ فقال له: " افهم ما ألقي إليك من أراد إلى سلطان الله ذهب سلطان نفسه لأن النفوس كلها حقيرة عند هيبته ومن أشرف التواضع أن لا ينظر إلى نفسه دون الله، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تواضع لله رفعه الله» يقول: من تذلل بالمسكنة والفقر إلى الله رفعه الله بعز الانقطاع إليه "

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، ثنا أبو العباس بن يوسف الشكلي، ثنا سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: «

[البحر الكامل]

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، ثنا الحسن بن علي بن خلف، قال: وسمعت إسرافيل، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «يا رب أنت الذي دخل في رحمتك كل شيء فلم تضق إلا عمن ارتجله الشك إلى جحدك»

قال: وسمعت ذا النون، يقول: وقد وقف عليه رجل فسأله شيئا، فقال له ذو النون: «إن المتكفل برزقك غير متهم عليك»

قال: " وكنت مع ذي النون في سفينة وأجد في فمي بلة فبزقتها في الماء، فقال: «تعست يا بغيض، تبزق على نعمة الله»

قال: وأنشدني ذو النون رحمه الله تعالى: «

[البحر الطويل]

قال: وسمعت ذا النون، يقول: «اجلس إلى من تكلمك صفته ولا تجلس إلى من يكلمك لسانه»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر الدينوري، ثنا محمد بن أحمد الشمشاطي، قال: سمعت ذا النون، يقول " إن لله عبادا عاملوه بالتصديق فقد يسلمون من طريق دقيق، ويفتح لهم حجاب المضيق، ويسامحهم الشفيق الرفيق، جعلوا الصيام غذاء لما سمعوه يقول: {فيهما من كل فاكهة زوجان} [الرحمن: 52] فهم غدا يسكنون مع الحور في الشرفات، ويأكلون مما اشتهت أنفسهم من الشهوات في جنات عدن مع القاصرات، وقد أتاهم جبريل بالزيادة من صاحب السماوات، فمن مثل هؤلاء القوم وقد كشف لهم الحجاب عالم السر والخفيات، ونظر إليهم صاحب البر والكرامات "

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر بن أحمد، قال: سمعت ذا النون، يقول: «إن لله عبادا علموا الطريق إليه والوقوف غدا بين يديه فثارت القلوب إلى محجوب الغيوب فجرعوا مرارة مذاق خوف واستعملوا الظلام في رضى صاحب السماوات، فسقاهم من أعين العلم والزيادات وغوصهم في بحار السلامات، فهم غدا يسلمون من هؤلاء الزلازل والسطوات ويسكنون الغرفات»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عمر بن بحر الأسدي، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: قال بعض المتعبدين: كنت مع ذي النون المصري بمكة فقلت له: رحمك الله لم صار الوقوف بالجبل ولم يصر بالكعبة، قال: «لأن الكعبة بيت الله والجبل باب الله، فلما قصدوه وافدين أوقفهم بالباب يتضرعون». فقيل له يرحمك الله فالوقوف بالمشعر الحرام كيف صار بالحرم قال: «لما أذن لهم بالدخول إليه أوقفهم بالحجاب الثاني وهي المزدلفة، فلما طال تضرعهم أمرهم بتقريب قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم حجابا دونه، وأذن بالزيارة إليه على طهارة». قيل له: فلم كره الصوم أيام التشريق؟ قال: «لأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه»، قيل له: يرحمك الله، فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى؟ قال: «هو مثل الرجل تكون بينه وبين أخيه جناية فيتعلق بثوبه ويستجدي له ويتضرع إليه ليهب له جرمه وجنايته»

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، قال: قرأ علي أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى الرازي، حدث يوسف بن الحسين، قال بعض الصوفية قال: سمعت ذا النون، يقول: رأيت سعدون في مقبرة البصرة في يوم حار وهو يناجي ربه ويقول بصوت عال: «أحد أحد»، فسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: بحق من ناجيته إلا وقفت، فوقف، ثم قال لي: «قل وأوجز»، قلت: توصيني بوصية أحفظها منك وتدعو لي بدعوة، فأنشأ يقول «

[البحر المنسرح]

ثم مضى وقال: «يا غياث المستغيثين أغثني»، فقلت له: ارفق بنفسك فلعله يلحظك لحظة فيغفر لك، فصرف يده من يدي وعدا وهو يقول: «

[البحر الوافر]

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، قال: قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن عيسى وأنا حاضر، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: قال الفتح بن شخرف: " كان سعدون صاحب محبة لله لهج بالقول، صام ستين سنة حتى خف دماغه فسماه الناس مجنونا لتردد قوله في المحبة، قال الفتح: فغاب عنا زمانا وكنت إلى لقائه مشتاقا لما كان وصف لي من حكمة قوله فبينا أنا بفسطاط مصر قائما على حلقة ذي النون فرأيته عليه جبة صوف على ظهره مكتوب: لا تباع ولا توهب. وذو النون يكلم في علم الباطن، فناداه سعدون: متى يكون القلب أميرا بعد ما كان أسيرا؟ فقال ذو النون: إذا اطلع الخبير على الضمير فلم ير في الضمير إلا حبه لأنه الجليل العزيز. قال: فصرخ صرخة خر مغشيا عليه ثم أفاق من غشيته وهو يقول:

[البحر الطويل]

ثم قال: أستغفر الله غلب علي حبيبي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: يا أبا الفيض: إن من القلوب قلوبا تستغفر قبل أن تذنب؟ قال: نعم تلك قلوب تثاب قبل أن تطيع. قال أبا الفيض اشرح لي ذلك. قال: يا سعدون أولئك أقوام أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين فهم قد قطعوا النفوس من روح الشهوات فهم رهبان من الرهابين وملوك في العباد، وأمراء في الزهاد للغيث الذي مطر في قلوبهم المولهة بالقدوم إلى الله شوقا فليس فيهم من أنس بمخلوق، ولا مسترزق من مرزوق، فهو بين الملأ حقير ذليل وعند الله خطير جليل، قال: يا ذا النون فمتى نصل إليه، فقال: يا سعدون صحح العزم بطرح الأذى وسل الذي بسياسته تولى. قال الفتح: فأدخل سعدون رأسه فيما بين الحلقة فما رأيته بعد "

حدثنا عثمان بن محمد، قال: قرئ على أبي الحسن الرازي، قال: قرئ على أبي الحسين، قال ذو النون: «

[البحر الطويل]

قال: وقال ذو النون رحمه الله تعالى: «

[البحر السريع]

سمعت محمد بن إبراهيم بن أحمد، يقول: سمعت أبا الفضل الصيرفي، ببغداد، يقول: سمعت أبا عثمان سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون، يقول: «ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنان إلا برؤيته»

سمعت محمد بن إبراهيم، يقول: سمعت أبا الفضل، يقول: سمعت أبا عثمان، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «إن الله تعالى لم يمنع الجنة أعداءه بخلا ولكن صان أولياءه الذين أطاعوه أن يجمع بينهم وبين أعدائه الذين عصوه»

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد البغدادي، ثنا أحمد بن عبد الله بن ميمون، قال: سئل ذو النون عن السفلة، من هو قال: «من لا يعرف الطريق إلى الله ولم يتعرفه»

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سئل ذو النون ما لنا لا نقوى على النوافل؟ قال: «لأنكم لا تصحون الفرائض»

وقيل: من أدوم الناس ذنبا؟ قال: «من أحب دنيا فانية»

حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن ميمون، قال: سمعت ذا النون، يقول: «قل لمن أظهر حب الله احذر أن تذل لغير الله، ومن علامة المحب لله أن لا يكون له حاجة إلى غير الله»

وبإسناده عن عبد الله بن ميمون، قال: سألت ذا النون عن كمال العقل، وكمال المعرفة، فقال: " إذا كنت قائما بما أمرت به تاركا لتكلف ما كفيت فأنت كامل العقل، وإذا كنت متعلقا بالله في أحوالك لا بأعمالك غير ناظر إلى سواه فأنت كامل المعرفة

حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله، قال: سمعت ذا النون، يقول: «طوبى لمن كان شعار قلبه الورع، ولم يعم بصر قلبه الطمع، وكان محاسبا لنفسه فيما صنع»

حدثنا محمد، ثنا أحمد، قال: سمعت ذا النون، يقول: «إنما يختبر ذو البأس عند اللقاء، وذو الأمانة عند الأخذ والعطاء، وذو الأهل والولد عند الفاقة والبلاء، والإخوان عند نوائب القضاء»

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا أحمد بن عبيد الله، قال: سمعت ذا النون يقول: «الذي اجتمع عليه أهل الحقائق في حقائقهم أن الله غير مفقود فيطلب، ولا ذو غاية فيدرك، فمن أدرك موجودا فهو بالموجود مغرور، وإنما الموجود عندنا معرفة، وكشف علم بالأعمال»

حدثنا أبو نصر ظفر بن الحسين الصوفي، ثنا علي بن أحمد الثعلبي، ثنا أحمد بن فارس الفرغاني، قال: سمعت علي بن عبد الحميد الحلبي، يقول: سمعت ابن الفرضي، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «البلاء ملح المؤمن إذا عدم البلاء فسد حاله»

حدثنا ظفر بن الحسين، ثنا أحمد بن محمد بن الفضل، ثنا أبو الحسن الرازي، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «لا يرى الله شيء فيموت كما لم يره شيء فيعيش، لأن حياته باقية يبقى بها من يراها»

قال: وسمعت ذا النون يقول: «تكلم الناس من عين الأعمال وتكلمت من عين المنة»

حدثنا ظفر، ثنا أبو الحسن، ثنا يوسف بن الحسين، قال: سمعت ذا النون، يقول: " سمعت عابدا يقول: إن لله عبادا أبصروا فنظروا، فلما نظروا عقلوا، فلما عقلوا علموا، فلما علموا عملوا، فلما عملوا انتفعوا، رفع الحجاب فيما بينهم وبينه فنظروا بأبصار قلوبهم إلى ما ذخر لهم من خفي محجوب الغيوب فقطعوا كل محجوب، وكان هو المنى والمطلوب "

حدثنا ظفر، ثنا محمد بن أحمد بن محمد، حدثني أحمد بن عبد الله بن ميمون، قال: سمعت ذا النون، يقول، وقد سئل عن أول درجة يلقاها العارف، قال: «التحير ثم الافتقار، ثم الاتصال، ثم انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة»، قال: وسئل ذو النون: ما أغلب الأحوال على العارف؟ قال: «حبه والحب فيه ونشر الآلاء وهي الأحوال التي لا تفارقه»

حدثنا ظفر، حدثني محمد بن أحمد، قال: سمعت محمد بن عبد الملك، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «ما أعز الله عبدا بعز هو أعز له من أن يذله على ذل نفسه، وما أذل الله عبدا بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه»

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، قال: قرئ على أحمد بن محمد بن عيسى الرازي، ثنا يوسف بن الحسين، عن الفتح بن شخرف، قال: سمعت ذا النون، يقول: " خرجت في طلب المباح فإذا أنا بصوت فعدلت إليه فإذا أنا برجل قد غاص في بحر الوله، وخرج على ساحل الكمد ويقول في دعائه: أنت تعلم أني أعلم أنك تعلم أن الإصرار مع الاستغفار لؤم، وتركي الاستغفار مع معرفتي بسعة عفوك عجز، يا إلهي أنت خصصت خصائصك بخالص الإخلاص، وأنت الذي تضن بضنائنك عن شوائب الانتقاص، وأنت الذي سلمت قلوب العارفين عن اعتراض الوسواس، وأنت الذي آنست الآنسين من أوليائك فأعطيتهم كفاية رعاية ولاية المتوكلين عليك، تكلؤهم في مضاجعهم وتطلع على سرائرهم، وسري عندك مكشوف، وأنا إليك ملهوف، وأنت بالإحسان معروف، ثم سكت فلم أسمع له صوتا "

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، حدثني محمد بن إبراهيم المذكر، ثنا العباس بن يوسف الشكلي، ثنا محمد بن يزيد، قال: سمعت ذا النون، يقول: " خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام فبينا أنا بالطواف إذا بشخص متعلق بأستار الكعبة، وإذا هو يبكي وهو يقول في بكائه: كتمت بلائي من غيرك وبحت بسري إليك، واشتغلت بك عمن سواك، عجبت لمن عرفك كيف يسلو عنك، ولمن ذاق حبك كيف يصبر عنك، ثم أنشأ يقول:

[البحر الكامل]

ثم أقبل على نفسه فقال: أمهلك فما ارعويت، وستر عليك فما استحييت، وسلبك حلاوة المناجاة فما باليت، ثم قال: عزيزي ما لي إذا قمت بين يديك ألقيت علي النعاس، ومنعتني حلاوة قرة عيني له، ثم أنشأ يقول:

قال: فلم أتمالك أن أتيت الكعبة مستخفيا، فلما أحس تحلل بخمار كان عليه، ثم قال: يا ذا النون غض بصرك من مواقع النظر فإني حرام، فعلمت أنها امرأة، فقلت: يا أمة الله مم يحوي الهموم قلب المحب؟ فقالت: إذا كانت للتذكار محاورة، وللشوق محاضرة، يا ذا النون، أما علمت أن الشوق يورث السقام، وتجديد التذكار يورث الأحزان، ثم أنشأت تقول:

[البحر المديد]

ثم أنشأت تقول:

فقالت: أوجعتني، أما علمت أنه لا يبلغ إليه إلا بترك من دونه "

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن الحسين الأنصاري، ثنا أبو عصمة، قال: " كنت عند ذي النون وبين يديه فتى حسن يملي عليه شيئا قال: فمرت امرأة ذات جمال وخلق قال فجعل الفتى يسارق النظر إليها، قال: ففطن ذو النون فلوى عنق الفتى وأنشأ يقول:

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أحمد بن عبد الرحمن المقرئ، قال: سمعت هلال بن العلاء، يقول: قال ذو النون «من تطأطأ لقط رطبا، ومن تعالى لقي عطبا»

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى الرازي، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول سمعت ذا النون، يقول: «حرمة الجليس أن تسره فإن لم تسره فلا تسؤه، لم يكسب محبة الناس في هذا الزمان إلا رجل خفيف المرونة عليهم، وأحسن القول فيهم وأطاب العشرة معهم»

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن سهل النيسابوري أبو الفضل، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الخياط، قال: سمعت ذا النون، يقول: «معاشرة العارف كمعاشرة الله يحتملك ويحلم عنك تخلقا بأخلاق الله الجميلة»

قال: وسمعت ذا النون يقول: «لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوما، ووال من صحبك ووافقك على ما تحب وخالفك فيما تكره فإنما يصحب هواه، ومن صحب هواه فإنما هو طالب راحة الدنيا»

قال وسمعت ذا النون يقول: «كل مطيع مستأنس، وكل عاص مستوحش وكل محب ذليل وكل خائف هارب وكل راج طالب»

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أبو بكر البغدادي، قال: قال لي أبو الحسن: كتب الوليد بن عتبة الدمشقي إلى ذي النون بكتاب يسأله فيه عن حاله فكتب إليه: " كتبت إلي تسألني عن حالي فما عسيت أن أخبرك به من حالي وأنا بين خلال موجعات أبكاني منهن أربع: حب عيني للنظر، ولساني للفضول، وقلبي للرياسة، وإجابتي إبليس لعنه الله فيما يكرهه الله، وأقلقني منها: عين لا تبكي من الذنوب المنتنة، وقلب لا يخشع عند نزول العظة، وعقل وهن فهمه في محبة الدنيا، ومعرفة كلما قلبتها وجدتني بالله أجهل، وأضناني منها أني عدمت خير خصال الإيمان: الحياء، وعدمت خير زاد الآخرة: التقوى، وفنيت أيامى بمحبتي للدنيا، وتضييعي قلبا لا أقتني مثله أبدا "

حدثنا عثمان بن محمد، حدثني الحسن بن أبي الحسن المصري، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا إسحاق بن إبراهيم الخواص، قال: سمعت ذا النون، يقول: «لم أر شيئا أبعث للإخلاص من الوحدة لأنه إذا خلا لم ير غير الله فإذا لم ير غير الله لم تحركه إلا خشية الله، ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الإخلاص واستمسك بركن كبير من أركان الصدق»

حدثنا محمد بن عثمان بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا يوسف بن الحسين، قال: سمعت ذا النون، يقول: " الحب لله عام، والود لله خاص لأن كل المؤمنين يذوقون حبه وينالونه، وليس كل مؤمن ينال وده. ثم أنشأ يقول:

[البحر الرجز]

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا عبد الله بن جعفر المصري، ثنا عبد الله بن محمد البرقعي، قال: سمعت ذا النون، يقول: «الأنس بالله نور ساطع، والأنس بالناس غم واقع»

قيل لذي النون: ما الأنس بالله؟ قال: «العلم والقرآن»

حدثنا عثمان، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا محمد بن أحمد بن سلمة، قال: سمعت ذا النون، وقيل له: ما علامة الأنس بالله، قال: " إذا رأيت أنه يوحشك من خلقه فإنه يؤنسك بنفسه، وإذا رأيت أنه يؤنسك بخلقه فاعلم أنه يوحشك من خلقه. ثم قال: الدنيا لله أمة والخلق لله عبيد خلقهم للطاعة وضمن لهم أرزاقهم، فحرصوا على أمته وقد نهاهم عنها، وطلبوا الأرزاق وقد ضمنها لهم، فلا هم على أمته قدروا ولا هم في أرزاقهم استزادوا، ثم قال:

[البحر الكامل]

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا أبو الحسن الرازي، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول قال ذو النون «صدور الأحرار قبور الأسرار»

وقال: وسئل ذو النون لم أحب الناس الدنيا؟ قال: «لأن الله تعالى جعلها خزانة أرزاقهم فمدوا أعينهم إليها»

وقيل له: ما إسناد الحكمة قال: «وجودها»

وسئل يوما: فيم يجد العبد الخلاص؟ فقال: «الخلاص في الإخلاص، فإذا أخلص تخلص»، فقيل: فما علامة الإخلاص؟ قال: «إذا لم يكن في عملك صحبة المخلوقين، ولا مخافة ذمهم، فأنت مخلص إن شاء الله تعالى»

حدثنا عثمان بن محمد، قال: سمعت أحمد بن عبد الله بن سليمان الدمشقي، يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن خلف بن ضوء الرقي، يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله الصوفي، يقول: سئل ذو النون المصري عن المحبة فقال: " هي التي لا تزيدها منفعة، ولا تنقصها مضرة، ثم أنشأ يقول:

[البحر الطويل]

أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب البغدادي، ثنا أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن هاشم، قال: قلت لذي النون: كم الأبواب إلى الفطنة؟ قال " أربعة أبواب: أولها الخوف، ثم الرجا ثم المحبة، ثم الشوق. ولها أربعة مفاتيح: فالفرض مفتاح باب الخوف، والنافلة مفتاح باب الرجاء، وحب العبادة والشوق مفتاح باب المحبة، وذكر الله الدائم بالقلب واللسان مفتاح باب الشوق، وهي درجة الولاية، فإذا هممت بالارتقاء في هذه الدرجة فتناول مفتاح باب الخوف، فإذا فتحته اتصلت إلى باب الفطنة مفتوحا لا غلق عليه، فإذا دخلته فما أظنك تطيق ما ترى فيه حينئذ يجوز شرفك بالإشراف ويعلو ملكك ملك الملوك، واعلم أي أخي أنه ليس بالخوف ينال الفرض، ولكن بالفرض ينال الخوف، ولا بالرجاء تنال النافلة ولكن بالنافلة ينال الرجاء، كما أنه ليس بالأبواب تنال المفاتيح ولكن بالمفاتيح تنال الأبواب، واعلم أنه من تكامل فيه الفرض فقد تكامل فيه الخوف، ومن جاء بالنافلة فقد جاء بالرجاء، ومن جاء بمحبة العبادة، فقد وصل إلى الله، ومن شغل قلبه ولسانه بالذكر قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه، وهذا سر الملكوت فاعلمه واحفظه حتى يكون الله عز وجل هو الذي يناوله من يشاء من عباده "

حدثنا أبو أحمد عاصم بن محمد الإيلي، قال: سمعت الفضل بن صدقة الواسطي، يقول: سمعت ذا النون المصري، يقول: «إذا اطلع الخبير على الضمير فلم يجد في الضمير غير الخبير جعل فيه سراجا منيرا»

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، حدثني سالم بن جميل الواسطي، قال: سمعت الشمشاطي، يقول: سمعت ذا النون، يقول: " أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى كن كالطير الوحداني يأكل من رءوس الأشجار ويشرب من ماء القراح، إذا جنه الليل آوى إلى كهف من الكهوف استئناسا بي واستيحاشا ممن عصاني، يا موسى إني آليت على نفسي أن لا أتم لمة أي بر من دوني عملا، يا موسى لأقطعن أمل كل مؤمل يؤمل غيري، ولأقصمن ظهر من استند إلى سواي، ولأطيلن وحشة من استأنس بغيري، ولأعرضن عن من أحب حبيبا سواي، يا موسى إن لي عبادا إن ناجوني أصغيت إليهم، وإن نادوني أقبلت عليهم، وإن أقبلوا علي أدنيتهم، وإن دنوا مني قربتهم، وإن تقربوا مني اكتنفتهم، وإن والوني واليتهم وإن صافوني صافيتهم وإن عملوا لي جازيتهم، هم في حماي وبي يفتخرون، وأنا مدبر أمورهم وأنا سائس قلوبهم، وأنا متولي أحوالهم، لم أجعل لقلوبهم راحة في شيء إلا في ذكري فذكري لأسقامهم شفاء، وعلى قلوبهم ضياء، لا يستأنسون إلا بي، ولا يحطون رحال قلوبهم إلا عندي، ولا يستقر قرارهم في الإيواء إلا إلي. ثم قال ذو النون: هم يا أخي قوم قد ذوب الحزن أكبادهم، وأنحل الخوف أجسامهم، وغير السهر ألوانهم، وأقلق خوف البعث قلوبهم، قد سكنت أسرارهم إليه، وتذللت قلوبهم عليه، فنفوسهم عن الطاعة لا تسلو، وقلوبهم عن ذكره لا تخلو، وأسرارهم في الملكوت تعلو، الخشوع يخشع لهم إذا سكتوا، والدموع تخبر عن خفي حرقتهم إذا كمدوا، قدسوا فرج الشهوات بحلاوة المناجاة، فليس للغفلة عليهم مدخل، ولا للهو فيهم مطمع وقد حجب التوفيق بينهم وبين الآفات وحالت العصمة بينهم وبين اللذات، فهم على بابه يبكون، وإليه يبكون، ومنه يبكون، فيا طوبى للعارفين، ما أغنى عيشهم، وما ألذ شربهم، وما أجل حبيبهم "

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: «من ذبح خنجر الطمع بسيف الإياس، وردم خندق الحرص ظفر بكيمياء الحزمة، ومن استقى بحبل الزهد على دلو الغروف استقى من حب الحكمة، ومن سلك أودية الكمد بحياء حياة الأبد، ومن حصد عشب الذنوب بمنجل الورع أضاء له روضة الاستقامة، ومن قطع لسانه بشفرة الصمت وجد طعم عذوبة الراحة، ومن تدرع بدرع الصدق قوي على مجاهدة عسكر الباطل واعتدل خوفه ورجاؤه، وحسن في الآخرة مثواه، ومن فرح بمدحة الجاهل الشيطان ثوبه الحماقة»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد، قال ذو النون وسأله رجل فقال: يا أبا الفيض ما التوكل؟ فقال له: «خلع الأرباب وقطع الأسباب». فقال له: زدني فيه حالة أخرى، فقال: «إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية»

قال: وسمعت ذا النون يقول: «طوبى لمن تطهر ولزم الباب، طوبى لمن تضمر للسباق، طوبى لمن أطاع الله أيام حياته»

قال: وسمعته يقول: «من وثق بالمقادير استراح، ومن صحح استراح، ومن تقرب قرب، ومن صفى صفي له، ومن توكل وفق، ومن تكلف ما لا يعنيه ضيع ما يعنيه»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد، ثنا سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: " بينا أنا سائر في بلاد العرب إذا أنا برجل على عريش من البلوط وعنده عين ماء تجري فأقمت عليه يوما وليلة أريد أن أسمع كلامه، فأشرف علي بوجهه فسمعته يقول: شهد قلبي لله بالنوازل، وكيف لا يشهد قلبي بذلك، وكل أمورهم إليك، فحسب من اغتر بك أن يألف قلبه غيرك هيهات هيهات، لقد خاب لديك المقصرون، سيدي ما أحلى ذكرك، أليس قصدك مؤملوك فنالوا ما أملوا، وجدت لهم منك بالزيادة على ما طلبوا. فقلت له: يا حبيبي إني مقيم عليك منذ يوم وليلة أريد أن أسمع من كلامك. فقال لي قد رأيتك بأبطال حين أقبلت، ولكن ما ذهب روعك من قلبي إلى الآن. فقلت له: ولم ذلك؟ وما الذي أفزعك مني؟ فقال: بطالتك في يوم عملك، وشغلك في يوم فراغك، وتركك الزاد ليوم معادك، ومقامك على المظنون. فقلت: إن الله تعالى كريم ما ظن به أحد شيئا إلا أعطاه. فقال: إنه لكذلك إذا وافقه العمل الصالح والتوفيق، فقلت له: رحمك الله يا حبيبي، ما هاهنا فتية تستأنس بهم؟ فقال: بلى هاهنا فتية متفرقون في رءوس الجبال. قلت: فما طعامهم في هذا المكان؟ قال: أكلهم الفلق من خبز البلوط، ولباسهم الخرق من الثياب، قد يئسوا من الدنيا ويئست الدنيا منهم قد لصقوا بمقام الأرض، وتلففوا بالخرق، فلو رأيتهم رجالا إذا جنهم الليل بسكاكين السهر. فقلت له: يا حبيبي فما مع القوم دواء يتعالجون به من الألم؟ قال: بلى، قلت: وما ذاك الدواء؟ قال: إذا أكلوا أضافوا من الكلال بالكلال، وجدوا بالارتحال، فتسكن العروق ويهدأ الألم. فقلت له: يا حبيبي فلا يسيرون بجد، فقال: هذا تقول يا بطال، إن القوم أعطوا الجهود من أنفسهم، فلما دبرت المفاصل من الركوع، وقرحت الجباه من السجود، وتغيرت الألوان من السهر ضجوا إلى الله بالاستعانة، فهم أحلاف اجتهاد يهيمون فلا تقربهم الأوطان، ولا يسكنون إلى غير الرحمن. فقلت له: حبيبي أوصني، فقال لي: عليك بمعاقبة نفسك إذا دعتك إلى بلية، ومنابذتها إذا دعتك إلى الفترة، فإن لها مكرا وخداعا فإذا فعلت هذا الفعل أغناك عن المخلوقين وسلاك عن مجالسة الفاسقين "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد، قال: سمعت ذا النون، يقول: «أسفرت منازل الدجى وثبتت حجج الله على خلقه فآخذ بحظه ومضيع لنفسه، فمناره حكمته وحجته كتابه. فقامت الدنيا ببهجتها فأقعدت المريد وألهت الغافل فلا المريد طلب دواءه ولا الغافل عرف داءه. ثم خص الله خصائص من خلقه فعرفهم حكمته فنظروا من أعين القلوب إلى محجوب فساحت أرواحهم في ملكوت السماء ثم عادت إليهم بأطيب جنى ثمار السرور فعند ذلك صيروا الدنيا معبرا والآخرة منزلا همتهم وقلوبهم عند ربهم، فأول ابتداء نعمة الله على من اختص الله من خلقه إهاجة النفوس على مناظر العقول، فعند ذلك قام لها شواهد من المعرفة تقف به عند العجز والتقصير وهما حالان يورثان الهم ويحثان على الطلب ولن تغنى النفس إلا بالعلم بالله»

حدثنا عثمان بن محمد، حدثني أبو بكر الصيدلاني، حدثني جدي أحمد بن إبراهيم، قال: كتب رجل إلى ذي النون يسأله عن حاله، فكتب إليه ذو النون: «ما لي حال أرضاها ولا لي حال لا أرضاها، كيف أرضى حالي لنفسي إذ لا يكون مني إلا ما أراد من الأحوال، ولست أدري أيا أحسن؟ حالي في حسن إحسانه إلي أم حسن حالي في سوء حالي إذ كان هو المختار لي غير أني في عافية ما دمت في العافية التي أظن أنها عافية إلا أني أجد طعم ما عنده للذي تقدم من مرارة القديم، وما حاجتي إلى أن أعلم ما هو إذا كان هو قد علم ما هو كائن، وهو المكون للأشياء وهو الذي اختاره لي»

حدثنا عثمان بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون، يقول: " من وجد فيه خمس خصال رجوت له السعادة ولو قبل موته بساعة قيل: ما هي؟ قال: سوء الخلق عنه وخفة الروح، وغزارة العقل وصفاء التوحيد وطيب المولد "

حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي بنيسابور، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: قلت لذي النون لما أردت توديعه: أوصني رضي الله عنك بوصية أحفظها عنك. فقال: «لا تكن خصما لنفسك على ربك مستزيده في رزقك وجاهك، ولكن خصما لربك على نفسك فإنه لا يجتمع معك وعليك، ولا تلقين أحدا بعين الازدراء والتصغير، وإن كان مشركا خوفا من عاقبتك وعاقبته فلعلك تسلب المعرفة ويرزقها»

سمعت أبا بكر يقول: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون، يقول «لا يتفكر القلب لغير الله إلا إذا كان عليه عقوبة»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد، ثنا سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون يقول: «اللهم اجعلنا من الذين استظلوا تحت رواق الحزن، وقرءوا صحف الخطايا، ونشروا دواوين الذنوب، فأورثهم الفكر الصالحة في القلب، اللهم واجعلنا من الذين أدبوا أنفسهم بلذة الجوع وتزينوا بالعلم، وسكنوا حظيرة الورع، وغلقوا أبواب الشهوات، وعرفوا مسير الدنيا بموقنات المعرفة حتى نالوا علو الزهد فاستعذبوا مذلة النفوس فظفروا بدار الجلال وتواسوا بينهم بالسلام، واجعلنا من الذين فتقت لهم رتق غواشي جفون القلوب، حتى نظروا إلى تدبير حكمتك وشواهد حجج تبيانك فعرفوك بموصول فطن القلوب، فرقيت أرواحهم عن أطراف أجنحة الملائكة، فسماهم أهل الملكوت زوارا وأهل الجبروت عمارا، وتردوا في مصاف المسبحين ولاذوا بأفنية المقدسين فتعلقوا بحجاب العزة وناجوا ربهم عند مطارفة كل شهوة حتى نظروا بأبصار القلوب إلى عز الجلال إلى عظيم الملكوت، فرجعت القلوب إلى الصدور على الثبات بمعرفة توحيدك فلا إله إلا أنت»

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: بينا أنا نائم، في صحن مسجد ذي النون في جوف الكعبة فسمعته وهو يقول: «

[البحر الرجز]

ثم قال: «سقى الله أرواح قوم مناها إن ذكروا الله فنسوا النفوس لم يذكروا مع الله غير الله». ثم قال: «هم والله مرادون قد خصوا وصفوا وطيبوا فعاشوا بروح الله في أعظم القدر»

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أبو الحسن، قال يوسف بن الحسين،: قال ذو النون: «

[البحر الخفيف]

حدثنا عثمان، ثنا أحمد بن محمد البغدادي، قال: سمعت يوسف، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «إلهي الشيطان لك عدو ولنا عدو، ولن تغيظه بشيء أنكأ له من عفوك عنا فاعف عنا»

حدثنا عثمان، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا يوسف بن الحسين، قال: قال ذو النون «ما هلك من هلك إلا بطلب أمر قد أخفاه أو إنكار أمر قد أبداه»

حدثنا عثمان، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا يوسف بن الحسين، قال: قال ذو النون: " دخلت على بعض متعبدي العرب، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في بحابح نعمه أجول، وبلسان فضله وإحسانه أقول، نعماؤه علي باطنة وظاهرة، وغصون رياض مواهبه علي مشرقة زاهرة "

قال: وقال ذو النون: " دخلت على متعبدة، فقلت لها: كيف أصبحت؟ فقالت: أصبحت من الدنيا على وقار مبادرة في أخذ الجهاز، متأهبة لهول يوم الجواز له علي نعم أعترف بتقصيري عن شكرها، وأتصل عن ضعفي عن إحصائها وذكرها، فقد غفلت القلوب عنه، وهو منشيها، وأدبرت النفوس عنه وهو يناديها فسبحانه ما أمهله فلا نام مع تواتر الأيادي والإنعام "

قال وسمعته يقول: «أنت ملك مقتدر، وأنا عبد مفتقر، أسألك العفو تذللا فأعطنيه تفضلا»

قال وسمعت ذا النون، يقول: " من المحال أن يحسن منك الظن ولا يحسن منه المن، قال: وسمعته يقول: كيف أفرح بعملي وذنوبي مزدحمة، أم كيف أفرح بأملي وعاقبتي مبهمة "

قال وسمعته يقول: «الكيس من بادر بعمله وسوف بأمله واستعد لأجله»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: «إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي، إلهي كيف أنقلب من عندك محروما وقد كان حسن ظني بك منوطا، إلهي فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآدميين، إلهي سمع العابدون بذكرك فخضعوا وسمع المذنبون بحسن عفوك فطمعوا، إلهي إن كانت أسقطتني الخطايا من مكارم لطفك فقد آنسني اليقين إلى مكارم عطفك، إلهي إن أمنتني الغفلة من الاستعداد للقائك فقد نبهتني المعرفة لكرم آلائك. إلهي إن دعاني إلى النار أليم عقابك فقد دعاني إلى الجنة جزيل ثوابك»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد بن عثمان ح، وحدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، قال: قرأت على أبي الفضل محمد بن أحمد بن سهل، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الخياط، قال: سمعت ذا النون وسأله الحسن بن محمد، عن صفة المهمومين، فقال له ذو النون: " لو رأيتهم لرأيت قوما لهم هموم مكنونة خلقت من لباب المعرفة، فإذا وصلت المعرفة إلى قلوبهم سقاهم بكأس سر السر من مؤانسة سر محبته فهاموا بالشوق على وجوههم فعندها لا يحطون رحال الهم إلا بفناء محبوبهم فلو رأيتهم لرأيت قوما أزعجهم الهم عن أوطانهم وثبتت الأحزان في أسرارهم فهممهم إليه سائرة، وقلوبهم إليه من الشوق طائرة، فقد أضجعهم الخوف على فرش الأسقام، وذبحهم الرجاء بسيف الانتقام، وقطع نياط قلوبهم كثرة بكائهم عليه، وزهقت أرواحهم من شدة الوله إليه، قد هد أجسامهم الوعيد، وغير ألوانهم السهر الشديد إلى الهرب من المواطن والمساكن والأعلاق إلى أن تفرقوا في الشواهق والمغائص والآكام، أكلهم الحشيش، وشربهم الماء القراح، يتلذذون بكلام الرحمن ينوحون به على أنفسهم نواح الحمام، فرحين في خلواتهم لا يفتر لهم جارحة في الخلوات، ولا تستريح لهم قدم تحت ستور الظلمات، فيا لها نفوس طاشت بهممها والمسارعة إلى محبتها لما أملت من اتصال النظر إلى ربها، فنظرت فآنست ووصلت فأوصلت، وعرفت ما أراد بها فركبت النجب وفتقت الحجب حتى كشفت عن همها الكرب، فنظرت بهمم محبتها إلى وجه الله الواحد القهار، ثم أنشأ ذو النون يقول:

[البحر الطويل]

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا سعيد، قال: سمعت ذا النون، وقيل له: متى يأنس العبد بربه؟ قال: «إذا خافه أنس به، إنما علمتم أنه من واصل الذنوب نحي عن باب المحبوب»

حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد، ثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: " بلغني أن ذا النون، يعلم اسم الله الأعظم، فخرجت من مكة قاصدا إليه حتى وافيته في جيزة مصر، فأول ما بصر بي ورآني وأنا طويل اللحية وفي يدي ركوة طويلة متزر بمئزر وعلى كتفي مئزر، وفي رجلي ناموسة فاستشنع منظري، فلما سلمت عليه كأنه ازدراني ولم أر منه تلك البشاشة، فقلت في نفسي: ما تدري مع من وقعت؟ قال: فجلست ولم أبرح من عنده، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة جاءه رجل من المتكلمين فناظره في شيء من الكلام فاستظهر على ذي النون وعليه، فاغتنمت ذلك وبركت بين يديهما واستلبت المتكلم إلي وناظرته حتى قطعته. ثم ناظرته بشيء لم يفهم كلامي، قال: فتعجب ذو النون - وكان شيخا وأنا شاب - قال: فقام من مكانه وجلس بين يدي وقال: اعذرني فإني لم أعرف محلك من العلم وأنت آثر الناس عندي. قال فما زال بعد ذلك يجلني ويكرمني ويرفعني عن جميع أصحابه حتى بقيت على ذلك سنة، فقلت له بعد ذلك: يا أستاذ أنا رجل غريب، وقد اشتقت إلى أهلي وقد خدمتك سنة، وقد وجب حقي عليك وقيل لي إنك تعرف اسم الله الأعظم وقد جربتني وعرفت أني أهل لذلك فإن كنت تعرفه فعلمني إياه. قال: فسكت ذو النون عني ولم يجبني بشيء وأوهمني أنه لعله يقول لي ويعلمني ثم سكت عني ستة أشهر، فلما كان بعد ستة أشهر من يوم مسألتي إياه قال لي: يا أبا يعقوب أليس تعرف فلانا صديقنا بالفسطاط الذي يجيئنا - وسمى رجلا -؟ فقلت: بلى قال: فأخرج إلي من بيته طبقا فوقه مكبة مشدود بمنديل، فقال لي: أوصل هذا إلى من سميت لك بالفسطاط. قال فأخذت الطبق لأوديه فإذا طبق خفيف يدل على أن ليس في جوفه شيء، فلما بلغت الجسر الذي بين الفسطاط والجيزة قلت في نفسي: ذو النون يوجه إلى رجل بهدية وهذا أرى طبقا خفيفا لأبصرن أي شيء فيه. قال: فحللت المنديل ورفعت المكبة فإذا فأرة قد قفزت من الطبق فمرت. قال: فاغتظت وقلت إنما سخر بي ذو النون ولم يذهب وهمي إلى ما أراد في الوقت، قال: فجئت إليه وأنا مغضب فلما رآني تبسم وعرف القصة، وقال: يا مجنون ائتمنتك في فأرة فخنتني أأئتمنك على اسم الله الأعظم، قم عني فارتحل ولا أراك بعد هذا "

حدثنا عثمان بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثني محمد بن أحمد الحذاء، قال: سمعت هارون بن عيسى البغدادي، يقول حدثني أبي، عن زرافة، صاحب المتوكل قال: لما انصرف ذو النون من عند أمير المؤمنين دخل علي ليودعني، فقلت له: اكتب لي دعوة. ففعل فقربت إليه جام لوزينج فقلت له: كل من هذا فإنه يرزن الدماغ وينفع العقل. فقال: «ينفعه غير هذا». قلت: وما ينفعه قال: " اتباع أمر الله والانتهاء عن نهيه، أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه» فقلت: أكرمني بأكله، فقال: «أريد غير هذا». قلت: وأي شيء تريد؟ فقال: «هذا لمن لا يعرف الحلو ولا يعرف أكله، وإن أهل معرفة الله يتحذرون خلاف هذا اللوزينج». قلت: لا أظن أحدا في الدنيا يحسن أن يتخذ أجود من هذا، وإن هذا من مطبخ أمير المؤمنين المتوكل على الله. فقال: «أنا أصف لك لوزينج المتوكل على الله». قلت: هات لله أبوك. قال: «خذ لباب مكنون محض طعام المعرفة واعجنه بماء الاجتهاد وانصب أثفية الانكماد، وطابق صفو الوداد، ثم اخبز خبز لوزينج العباد بحر نيران نفس الزهاد، وأوقده بحطب الأسى حتى ترمي نيران وفودها بشرر الضنا ثم احش ذلك بقيد الرضا ولوز الشجا من ضوضان بمهراس الوفا، مطيبا بطينة رقة عشق الهوى، ثم اطوه طي الأكياس للأيام بالعرا، وقطعه بسكاكين السهر في جوف الدجا، وارفض لذيذ الكرا ونضده على جامات القلق والسهر، وانتثر عليه سكرا بعسل من زفرات الحرق ثم كله بأنامل التفويض في ولائم المناجاة بوجدان خواطر القلوب، فعند ذلك تفريج كرب القلوب، ومحل سرور المحب بالملك المحبوب ثم ودعني»

أخبرنا أبو بكر بن أحمد البغدادي، - في كتابه وقد رأيته - وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني، قال: أنشدني محمد بن عبد الملك بن هاشم لذي النون بن إبراهيم المصري رحمه الله تعالى: «

[البحر البسيط]

 

 

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، قال: سمعت الحسن بن علي بن خلف، يقول: سمعت إسرافيل، يقول: سمعت ذا النون المصري يقول: «

[البحر الطويل]

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، قال: وسمعت الحسن بن علي بن خلف، يقول: قال لي إسرافيل: أنشدني ذو النون المصري: «

[البحر الطويل]

 

حدثنا عثمان بن محمد، ثنا أبو بكر البغدادي، قال: سمعت عبد الله بن سهل الرازي، يقول: سمعت يحيى بن معاذ، يقول: قال ذو النون: " حقيقة السخاء أن تلزم البخيل في منعه إياك لوما لأنك إنما لمته واشتغلت به لوقوع ما منعك في قلبك، ولو هان ذلك عليك لم تشتغل بلومه، ثم أنشأ يقول:

[البحر الطويل]

حدثنا عثمان بن محمد، قال: سمعت أبا الحسن المذكر، يذكر عن بعض أشياخه عن ذي النون، قال: " صحبت زنجيا في التيه وكان مفلفل الشعر فإذا ذكر الله ابيض فورد علي أمر عظيم فقلت: لم يا هذا إنك إذا ذكرت الله تحول لونك وانقلبت عيناك؟ قال: فجعل يخطر في التيه ويقول:

فأحيي به عني وأحيي به له إذ الحق عنه مخبر ومعبر قال ذو النون: فما طرق سمعي مثل حكمة ذلك الزنجي، فعلمت أن لله تعالى عبادا تعلو قلوبهم بالأذكار كما تعلو الأطيار في الأوكار، لو فتشت منهم القلوب لما وجدت فيها غير حب المحبوب. قال ثم بكى ذو النون وأنشأ يقول:

[البحر الطويل]

 

أخبرنا محمد بن أحمد البغدادي، - في كتابه - وحدثني عنه عثمان بن محمد، حدثني أبو محمد عبد الله بن سهل، قال: سمعت ذا النون المصري أبا الفيض، وسألته قلت: متى تخلص لله صلاتي؟ قال: «إذا سكنت معادن الأنوار من قلبك، ونفذته في ملكوت همك». قلت: متى يتم زهدي بعد ورعي؟ قال: «إذا جعلت الفرض لك معلما، وأقمت الطاعة لك مفهما». قلت: فمتى أو من؟ قال: «إذا اشتمل الفرض على أمرك وملكت الطاعة على نفسك» قلت: فمتى أتوكل؟ قال: «اليقين إذا تم سمي توكلا» قلت: متى يتم حبي لربي؟ قال: «إذا سمجت الدنيا في عينك، وقذفت أملك فيها بين يديك». قلت: فمتى أخاف ربي؟ قال: «إذا سرحت بصرك في عظمته، ومثلت لنفسك أمثال نقمته». قلت: فمتى يتم صومي؟ قال: «إذا جوعت نفسك من البغضاء، وأمت لسانك من الفحشاء». قلت: فمتى أعرف ربي؟ قال: «إذا كان لك جليسا، ولم تر لنفسك سواه أنيسا»، قلت: فمتى أحب ربي؟ قال: «إذا كان ما أسخطه عندك أمر من الصبر» قلت: فمتى أشتاق إلى ربي؟ قال: «إذا جعلت الآخرة لك قرارا ولم تسم الدنيا لك مسكنا ودارا»، قلت: فمتى يشتد في بغض الدنيا؟ قال: «إذا جعلت الدنيا طريق مخافة لا تتلفت إلى ما قطعت منها، وجعلت الآخرة ساحة مأمونة لا تأمن إلا بالنزول فيها». قلت: فمتى أحب لقاء ربي؟ قال: «إذا كنت تقدم على حبيب وتصير عن أمر قريب». قلت: فمتى أستلذ الموت؟ قال: «إذا جعلت الدنيا خلف ظهرك وجعلت الآخرة نصب عينيك». قلت: فمتى أتقي شهوات مطاعم الأرض؟ قال: «إذا خالط قلبك الملكوت ومزج في سرائر الجبروت»، قلت: فمتى تطيب معرفتي، قال: «إذا استوحشت من الدنيا واشتد فرحك بنزول البلاء». قلت: فمتى أستقبح الدنيا؟ قال: «إذا علمت أن زينتها فساد كل معنى، وأن محاسنها تفضي إلى كل حسرة». قلت: فمتى أكتفي بأهون الأغذية؟ قال: «إذا عرفت هلاك الشهوات وسرعة انقطاع عذوبة اللذات». قلت: فمتى قنوع التمام؟ قال: «إذا كان زخرف الدنيا عندك صغيرا، وكان خوف الآخرة لك ذكرا». قلت: فمتى أستحق ترك الجمع؟ قال: «إذا عرفت أنك منقول إلى معاد، وأنك مأخوذ بتبعات العباد». قلت: فمتى آمر بالمعروف؟ قال: «إذا كانت شفقتك على غيرك، وخالفت العباد لمحبة ربك». قلت: فمتى أوثر الله ولا أوثر عليه سواه؟ قال: «إذا أبغضت فيه الحبيب وجانبت فيه القريب». قلت: فمتى أفزع إلى ذكره وآنس بشكره؟ قال: «إذا سررت ببلائه، وفرحت بنزول قضائه»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون، يقول: «المستأنس بالله في وقت استئناسه يستأنس بجميع ما يرى ويسمع ويحس به في ملكوت ربه، والمهيب له يهاب جميع ما يرى ويسمع ويحس به في ملك ربه ويستأنس بالذر فما دونه ويهابه»

قال: وقال ذو النون: " ثلاثة من أعلام الإسلام: النظر لأهل الملة، وكف الأذى عنهم، والعفو عند القدرة لمسيئهم، وثلاثة من أعلام الإيمان: إسباغ الطهارات في المكاره، وارتعاش القلب عند الفرائض حتى يؤديها، والتوبة عند كل ذنب خوفا من الإصرار. وثلاثة من أعلام التوفيق: الوقوع في الأعمال بلا استعداد له، والسلامة من الذنب مع الميل وقلة الهرب منه، واستخراج الدعاء والابتهال. وثلاثة من أعلام الخمول: ترك الكلام لمن يكفيه الكلام، وترك الحرص في إظهار العلم عند القرناء، ووجدان الألم لكراهة الكلام عند المحاورة والموعظة. وثلاثة من أعلام الحلم: قلة الغضب عند مخالفة الرأي، والاحتمال عن الورى إخباتا للرب، ونسيان إساءة المسيء عفوا عنه واتساعا عليه. وثلاثة من أعلام التقوى: ترك الشهوة المذمومة مع الاستمكان منها، والوفاء بالصالحات مع نفور النفس منها، ورد الأمانات إلى أهلها مع الحاجة إليها. وثلاثة من أعلام الاتعاظ بالله: الهرب إليه من كل شيء، وسؤال كل شيء منه، والدلال في كل وقت عليه. وثلاثة من أعلام الرجاء: العبادة بحلاوة القلب، والإنفاق في سبيل الله برؤية الثواب، والمثابرة على فضائل الأعمال بخالص التنافس. وثلاثة من أعلام الحب في الله : بذل الشيء لصفاء الود، وتعطيل الإرادة لإرادة الله، والسخاء بالنفس والمشاركة في محبوبه ومكروهه بصفة العقد، وثلاثة من أعلام الحياء: وزن الكلام قبل التفوه به، ومجانبة ما يحتاج إلى الاعتذار منه، وترك إجابة السفيه حلما عنه. فأما الحياء من الله تعالى فهو ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «أن لا تنسى المقابر والبلا، وأن تحفظ الرأس وما حوى، وأن تترك زينة الحياة الدنيا» وثلاثة من أعلام الأفضال: صلة القاطع، وإعطاء المانع، والعفو عن الظالم، وثلاثة من أعلام الصدق: ملازمة الصادقين، والسكون عند نظر المنفوسين، ووجدان الكراهة لاطلاع الخلق على السرائر استقامة على الحق سرا وجهرا، لإيثار رب العالمين. وثلاثة من أعلام الانقطاع إلى الله تقديم العلم، وتلقين الحكم، وتأليل الفهم. وثلاثة من أعلام المروءة: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، ونشر الحسن. وثلاثة من أعلام التودد: التأني في الأحداث، والتوقر في الزلال، والترفق في المقال. وثلاثة من أعمال الرشد: حسن المجاورة، والنصح عند المشاورة، والبر في المجاورة. وثلاثة من أعلام السعادة: الفقه في الدين، والتيسير للعمل، والإخلاص في السعي "

أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري، أنبأنا الحسن بن رشيق، ثنا علي بن يعقوب، عن سويد الوراق، ثنا محمد بن إبراهيم البغدادي، ثنا محمد بن سعيد الخوارزمي، قال: سمعت ذا النون، وسئل، عن المحبة، فقال: «أن تحب ما أحب الله، وتبغض ما أبغض الله، وتفعل الخير كله، وترفض كل ما يشغل عن الله، وأن لا تخاف في الله لومة لائم مع العطف للمؤمنين، والغلظة للكافرين، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين»

أخبرنا محمد، قال: سمعت أبا بكر بن شاذان الرازي، يقول: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون، يقول: " قال الله تعالى: من كان لي مطيعا كنت له وليا، فليثق بي، وليحكم علي، فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له "

أخبرني محمد بن أحمد البغدادي، - في كتابه - وقد رأيته، وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن ميمون، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «الأنس بالله من صفاء القلب مع الله، والتفرد بالله الانقطاع إليه من كل شيء سوى الله»

أخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعت منصور بن عبد الله، يقول: سمعت العباس بن يوسف، يقول: سمعت سعيد بن عثمان، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «لئن مددت يدي إليك داعيا لطالما كفيتني ساهيا، فلا أقطع منك رجائي بما عملت يداي، حسبي من سؤالي علمك بي»

قال: وسمعت ذا النون، يقول: «من أنس بالخلق فقد استمكن من بساط الفراعنة، ومن غيب عن ملاحظة نفسه فقد استمكن من مجانبة الإخلاص، ومن كان حظه من الأشياء هواه لا يبالي ما فاته مما هو دونه»

حدثنا محمد، قال: سمعت علي بن محمد، قال: قال يوسف بن الحسين سمعت ذا النون، يقول: «من تزين بعمله كانت حسناته سيئات»

وسمعت ذا النون يقول: «الصدق سيف الله في أرضه ما وضعه على شيء إلا قطعه»

قال: وسمعت ذا النون، يقول: «أدنى منازل الأنس أن يلقى في النار فلا يغيب همه عن مأموله»

سمعت نصر بن أبي نصر، يقول: قال ذو النون: «الخوف رقيب العمل، والرجاء شفيع المحن»

أخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعت أحمد بن علي بن جعفر، يقول: سمعت الحسن بن سهل، يقول: سمعت علي بن عبد الله، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «مفتاح العبادة الفكرة، وعلامة الهوى متابعة الشهوات، وعلامة التوكل انقطاع المطامع»

أخبرنا محمد، قال: سمعت أبا جعفر الرازي، يقول: سمعت العباس بن حمزة، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «إن العارف لا يلزم حالة واحدة إنما يلزم ربه في الحالات كلها»

أخبرنا محمد، قال: سمعت محمد بن إبراهيم الفارسي، يقول: سمعت فارسا، يقول: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت ذا النون، يقول: «يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء بالجهل، والزهاد بالرغبة، وأهل المعرفة بالصمت»

سمعت أبي يقول: سمعت أحمد بن جعفر بن هانئ يقول: سمعت محمد بن يوسف يقول: كان ذو النون يقول في مناجاته: يا واهب المواهب ومجزل الرغائب أعوذ بك من النزول بعد الوصول ومن الكدر بعد الصفا، ومن الشوق بعد الأنس، ومن طائف الحسرة لعارض الفترة، ومن تغير الرضا ومن التخلف عن الحادي لحظة أو الإيمان دون العلم، ومن موقع حذر يوجب للعقل بطئا يا رب حتى تكمل النعم عندي ورق في ذرى الكرامة مهجتي ونضر اللهم بالكمال لديك بهجتي وعزف عني الدوران ووار علمي عن الخاطر يا من منح الأصفياء منازل الحق ومدى الغايات أصف هدايتي من دنس العارض وأحسم عدوي عن ملاحظتي وأخلصني بكمال رغبتي وبما لا يبلغه سؤالي إنك رحيم ودود، أسند ذو النون رحمه الله غير حديث عن الأئمة رحمهم الله تعالى عن مالك، والليث بن سعد وسفيان بن عيينة، والفضل بن عياض، وابن لهيعة

حدثنا أبو سعيد الحسين بن محمد بن علي، ثنا أبو سعيد الحسن بن أحمد بن المبارك، ثنا أبو جعفر أحمد بن صبيح بن رسلان الفيومي بمكة، ثنا أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري، ثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله عز وجل أحبة من خلقه، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته " غريب من حديث مالك تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن غزوان حدثنا مالك بن أنس مثله

حدثنا سهل بن عبد الله التستري، ثنا الحسن بن أحمد الطوسي، ثنا أحمد بن صليح، ثنا ذو النون، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي بكر، سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» ثابت صحيح، وهو عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، حدثناه محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله

حدثنا أبو الفضل بحر بن إبراهيم بن زياد، ثنا الحسن بن أحمد الوثائقي، ثنا أحمد بن صليح الفيومي، ثنا أبو الفيض ذو النون، ثنا فضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجافوا عن ذنب السخي فإن الله تعالى آخذ بيده، كلما عثر»، رواه محمد بن عقبة المكي، عن فضيل مثله، حدثناه إبراهيم بن أبي حصين، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عبيد الجدعاني، ثنا تميم بن عمران القرشي، عن محمد بن عقبة المكي، عن فضيل بن عياض مثله

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا الحسن بن أبي الحسن، ثنا أبو الحسن علي بن يعقوب، حدثني محمد بن إبراهيم بن عبيد الله، حدثني محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الخوارزمي، حدثني أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم، حدثني أبو جرية أحمد بن الحكم من أهل البلقاء، عن عبد الله بن إدريس قال: وفد على مولاي نجا ملك البجة رجل من أهل الشام يستميحه يقال له عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فقدم إليه طعاما على مائدة فتحركت القصعة على المائدة فأسندها الملك برغيف، فقال له عبد الرحمن بن هرمز حدثني أبو هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا خرجتم من حج أو عمرة فتمتعوا لكي لا تنكلوا وأكرموا الخير فإن الله تعالى سخر له بركات السماء والأرض، ولا تسندوا القصعة بالخبز فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع»

  • دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 9- ص: 331

  • السعادة -ط 1( 1974) , ج: 9- ص: 331

ذو النون المصري الزاهد العارف. قال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر.
قلت: اسمه ثوبان بن إبراهيم.
ويقال الفيض بن أحمد.
ويقال كنيته أبو الفيض.
ويقال أبو الفياض.
قال محمد بن يوسف الكندي في تاريخ الموالى المصريين: ومنهم ذو النون بن إبراهيم الاخميمى مولى لقريش.
كان أبوه نوبيا.
وقال ابن يونس: كان عالما فصيحا، حكيما، أصله من النوبة.
مات سنة خمس
وأربعين ومائتين.
قلت: كان ممن امتحن وأوذى لكونه أتاهم بعلم لم يعهدوه.
كان أول من تكلم بمصر في ترتيب الاحوال، وفي مقامات الأولياء، فقال الجهلة: هو زنديق.
قال السلمي: لما مات أظلت الطير جنازته.

  • دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 2- ص: 33