جعفر الطيار جعفر بن أبي طالب (عبد مناف) بن عبد المطلب بن هاشم: صحابي هاشمي. من شجعانهم. يقال له (جعفر الطيار) وهو أخو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وكان أسن من علي بعشر سنسن. وهو من السابقين إلى الإسلام، أسلم قبل أن يدخل رسول الله (ص) دار الأرقم ويدعو فيها، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، فلم يزل هنالك إلى أن هاجر النبي (ص) إلى المدينة، فقدم عليه جعفر، وهو بخيبر (سنة 7هـ) وحضر وقعة مؤتة بالبلقان (من أرض الشام) فنزل عن فرسه وقاتل، ثم حمل الراية وتقدم صفوف المسلمين، فقطعت يمناه، فحمل الراية باليسرى، فقطعت أيضا، فاحتضن الراية إلى صدره، وصبر، حتى وقع شهيدا وفي جسمه نحو تسعين طعنة ورمية، فقيل: إن الله عوضه عن يديه جناحين في الجنة، وقال حسان:
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا | بمؤتة، منهم ذو الجناحين جعفر |
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 125
جعفر ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم يأتي بعنوان جعفر بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 80
أبو عبد الله جعفر بن أبي طالب عبد مناف
ابن عبد المطلب شبية الحمد ابن هاشم عمرو بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
استشهد بمؤتة من أرض البلقاء بالشام في جمادى الأول سنة 8 من الهجرة وفي عمدة الطالب وقيل سنة 7 "أه"والأكثر على أنه استشهد سنة 8 وكأن القائل بأنه استشهد سنة 7 أخذه مما جاء في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى مؤتة في السنة التي جاء فيها من الحبشة بعد فتح خيبر ومعلوم أن مجيئه من الحبشة كان سنة 7 وأن غزوة خيبر كانت سنة 7 في جمادى الأولى وقيل في المحرم ولكن أقوال المؤرخين تكاد أن تكون متفقة على أن شهادته سنة 8 والله أعلم وفي أسد الغابة عن ابن إسحاق عن محمد جعفر بن الزبير قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء المدينة في ذي الحجة فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادي سنة ثمان "أه" وكانت عمرة القضاء سنة 6 من الهجرة فإن كان بعث إلى مؤتة في جمادى من تلك السنة فهي سنة 7 وإن كان من قابل فهي سنة 8 وقبره بمؤتة مزور مشهور وفي عمدة الطالب دفن هو وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في قبر واحد وعمي القبر "أه" وكان عمره يوم استشهد 41 سنة حكاه في الاستيعاب عن الزبير بن بكار، وفي مقاتل الطالبيين بسنده بعض أحفاد جعفر أن جعفرا قتل وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة قال أبو الفرج: وهذا عندي شبيه بالوهم لأنه قتل سنة 8 من الهجرة وبين ذلك الوقت وبين المبعث 21 سنة وهو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب "ع" بعشر سنين وكان لعلي حين أسلم سنون مختلف فيها فالمكثر يقول كانت 15 والمقلل يقول 7 سنين وكان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف في ذلك وعلى أي الروايات قيس أمره علم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين "أه" فعلى فرض أن يكون علي "ع" وعمره سبع سنين يكون عمر جعفر 38 سنة.
كنيته:
يكنى أبا عبد الله كما في الاستيعاب وفي مقاتل الطالبيين يكنى أبا عبد الله فيما يزعم أهله وروي عن أبي هريرة قال جعفر بن أبي طالب يكنى أبا المساكين "أه" وفي أسد الغابة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين "أه" وفي عمدة الطالب كان جعفر يكنى أبا عبد الله وأبا المساكين لرأفته عليهم وإحسانه غليهم "أه. "
أمه:
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وهي أم إخوته طالب وعقيل وجعفر وعلي وأم هانيء واسمها فاخته أكبرهم طالب وأصغرهم علي وكل واحد أسن من الآخر بعشر سنين كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الم سيقت إلى الإسلام وهاجرت إلى المدينة ولما حضرتها الوفاة أوصت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل وصيتها ولما توفيت كفنها في قميصه ولما بلغوا لحدها حفره بيده واضطجع فيه وهي أول هاشمية تزوجها هاشمي وولدت له.
أولاده:
في الطبقات لابن سعد: كان لجعفر من الولد عبد الله وبه كان يكنى وله العقب ومن ولد جعفر محمد وعون لا عقب لهما ولدوا جميعا لجعفر بأرض الحبشة في المهاجرة إليها وأمهم أسماء بنت عميس ثم روى بسنده عن محمد بن عمر بن علي قال: ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله وعون ومحمد بنو جعفر وأخواهم لأمهم يحيى بن علي ومحمد بن أبي بكر وأمهم الخثعمية أسماء بنت عميس "أه" وفي عمدة الطالب: أولد جعفر بن أبي طالب ثمانية بنين عبد الله وعون ومحمد الأكبر ومحمد الأصغر وحميد وحسين وعبد الله الأصغر وعبد الله الأكبر وأمهم أجمع اسماء بنت عميس الخثعمية قتل محمد الأكبر مع عمه علي "ع" بصفين وقتل عون ومحمد الأصغر مع ابن عمهما الحسين "ع" يوم الطف "أه".
إسلامه:
في أسد الغابة: أسلم بعد إسلام أخيه علي بقليل روي أن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليا يصليان وعلي عن يمينه فقال لجعفر صل جناح ابن عمك وصل عن يساره قول كيف يجتمع هذا مع كون أبي طالب كافرا وفي الطبقات لابن سعد عن الواقدي بسنده أسلم جعفر بن أبي طالب قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ويدعو فيها "أه"، وأخرج الفقيه أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام أول جماعة كانت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معه إذ مر أبو طالب به جعفر معه فقال يا بني صل جناح ابن عمك فلما أحسه رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدمها وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول:
إن عليا وجعفرا ثقتي | عند ملم الزمان والكرب |
والله لا أخذل النبي ولا | يخذله من بني ذو حسب |
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما | أخي لأمي من بينهم وأبي |
قال فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم "أه". وقال ابن إسحاق: أسلم بعد خمسة وعشرين رجلا وقيل بعد واحد وثلاثين "أه". (أقول) بل لم يسبقه أحد سوى أخيه علي أمير المؤمنين "ع" بيوم أو نحوه كما مر عن أسد الغابة إنه أسلم بعد إسلام اخيه بقليل مستدلا برواية صل جناح ابن عمك وصل عن يساره وكما مر عن أمالي الصدوق وما كان ليسبقه أحد وثلاثون ولا خمسة وعشرون وهو ابن أبي طالب ناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحتمل الأذى في نصره والذي كان يوصي ولديه عليا وجعفرا بنصره ويقول لجعفر: صل جناح ابن عمك وابن فاطمة بنت أسد مريبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي كانت له أما بعد أمه والسابقة إلى الإسلام والهجرة وأخو علي ابن أبي طالب الذي لم يسبقه رجل إلى الإسلام. وفي كتاب تحية القاري لصحيح البخاري للشيخ محمد علي آل عز الدين العاملي أن جعفرا على التحقيق ثاني المسلمين أو المصلين من رجال، مر ابو طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعلي إلى جنبه وخديجة خلفه فقال له ياجعفر صل جناح ابن عمك فوقف على يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى "أه" وذلك لأن المستحب في صلاة الجماعة إذا كان المأموم رجلا واحدا أن يقف عن يمين الإمام متأخرا عنه فإن كان معه امرأة وقفت خلف الرجل فإن كانوا اثنين وقفا خلفه والمرأة خلفها فلما كان علي يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم كان عن يمينه وخديجة خلف علي فلما جاء جعفر وامره ابوه ان يصل جناح ابن عمه وقف عن يسار علي وإلى يسار النبي صلى الله عليه وسلم.
تختمه:
روى ابن سعد في طبقات الكبير بسنده عن جعفر بن أبي طالب أنه تختم في يمينه.
مؤاخاته:
في الطبقات عن الواقدي قال محمد ابن إسحاق آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل قال الواقدي هذا وهل وكيف يكون هذا وإنما المؤاخاة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل بدر فلما كان يوم بدر نزلت آية الميراث وانقطعت المؤاخاة وجعفر غائب يومئذ بأرض الحبشة "أه" والمؤاخاة قبل الهجرة إنما كانت بين المهاجرين ومعاذ أنصاري، وفي السيرة الحلبية جمع بينهما بأنه آخي بينه وبين معاذ وهو غائب بأرض الحبشة.
خصامه في ابنة حمزة:
ذكر ابن سعد في الطبقات بسنده ما حصله إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة فقال علي ابنة عمي وأنا أخرجتها وأنا أحق بها وقال جعفر ابنة عمي وخالتها عندي وقال زيد ابنة أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليهم وسلم لجعفر وقال الخالة والدة فقام جعفر فخجل حول النبي صلى الله عليه وسلم (دار عليه) فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قال شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم. خالتها أسماء بنت عميس وأمها سلمى بنت عميس "أه".
أقوال العلماء فيه
في الاستيعاب: جعفر بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم كان جعفر اشبه الناس خلقا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من المهاجرين الولين هاجر إلى أرض الحبشة وقدم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر فتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم واعتنقه وزاد في أسد الغابة وقبل بين عينيه وقال ما أدري بأيهما أنا أشد بقدوم جعفر أم بفتح خيبر وكان قدوم جعفر وأصحابه من أرض الحبشة في سنة 7 من الهجرة واختط له رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب المسجد "أه". وفي أسد الغابة: ابن عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو علي بن أبي طالب لأبويه وهو جعفر الطيار وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا وله هجرتان إلى الحبشة وهجرة إلى المدينة روى عنه ابنه عبد الله وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وفي الإصابة: ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم واحد السابقين إلى الإسلام وأخو علي شقيقه "أه" وفي مقاتل الطالبيين: أول قتيل من ولد أبي طالب في الإسلام جعفر بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب وهو شبيه بن هاشم وهو عمرو بن عبد مناف، "أه" وفي تاريخ ابن كثير: أسلم جعفر قديما وهاجر إلى الحبشة وكانت له هناك مواقف مشهودة ومقامات محمودة وأجوبة سديدة وأحوال رشيدة وقد قدمنا في هجرة الحبشة، إلى أن قال: وكان جوادا ممدحا وكان لكرمه يقال له أبو المساكين لإحسانه إليهم "أه" وفي الدرجات الرفيعة: كان رضي الله عنه يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمسه أبا المساكين، قال وروي أنه كان يقول لأبيه أبي طالب يا أبة إني لأستحي أن أطعم وجيراني لا يقدرون على مثله فكان يقول له إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب قال وله رضي الله عنه فضل كثير وقد ورد في شأنه أحاديث كثيرة "أه". وفي كتاب تحية القاري لصحيح البخاري في التعليق على الحديث "الرابع والسبعين" في باب مناقب جعفر بن أبي طالب بإسناده عن أبي هريرة: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبع بطني لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير ولا يخدمني فلان ولا فلان وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع وإن كنت لاستقريء الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته إذا كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فيشقها فنلعق ما فيها. قال قلت أما ما ذكره أبو هريرة في حق جعفر رضي الله عنه فهو قليل في حق جعفر فإنه كان من الإيمان والكرم والشهامة وحسن الأخلاق بمكان عظيم (إلى أن قال): ولما كثر المسلمون في مكة وأخذ المشركون يؤذونهم بأنواع الأذيات إلا من له عشيرة تحميه أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على جماعة لم يسعهم البقاء في مكة وأمره بالمهاجرة إلى الحبشة فتلقاهم النجاشي بالرحب والسعة وبقي في بلاد الحبشة إلى أن تمكن الإسلام في المدينة فهاجر إليها (إلى أن قال) وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه في حضره وسفره إلى يوم مؤتة فأمره على الجيش غازيا فقتل في ذلك الوجه هو وزيد بن حارثة عبد الله بن رواحة جملة من المسلمين وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم وأن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة. قال: وخطب علي "ع" يوما متأسفا على حمزة وجعفر ما معناه: كان لي عضدان أتقوى بهما فذهبا يعني حمزة وجعفرا وبقيت في ضعيفين يعني عباسا وعقيلآ. قال: وبالجملة فمناقب جعفر ومآثره تكبر عن الإحصاء. قال: وأما ما ذكره أبو هريرة في حق نفسه فقد كرره البخاري مرارا بأسانيد متعددة مرجعها في الكل إليه وألفاظ مختلفة لم يتيقن منها إلا أنه كان فقيرا معدما يلحس العكك ويلهو عن كل شيء ليشبع بطنه ومن كانت هذه صفته يوشك أن لا يلتفت إلى حكم ولا يحفظ رواية ومن ثم كان في زمان متهما بالكذب كما يفيده مضمون هذا الحديث وغيره "أه".
أخباره:
روى أصحاب السير والتواريخ ما معناه إنه أصابت قريشا في بعض السنين أزمة فقال بنو هاشم امضوا بنا نخفف عن أبي طالب فأخذ العباس جعفرا وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وبقي عقيل عند أبي طالب وفي الدرجات الرفيعة: روي عن الباقر "ع" أنه قال كان أمير المؤمنين "ع" دائما يقول والله لو كان حمزة وجعفر حيين ما طمع فيها فلان وفلان ولكني ابتليت ب. . . . . . عقيل والعباس، وروى الكليني في الكافي عن ابن مساكن عن سدير قال: كنا عند أبي جعفر "ع" فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم واستذلالهم أمير المؤمنين "ع" فقال رجل من القوم أصلحك الله فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد فقال أبو جعفر "ع" من كان بقي من بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بإسلام عباس وعقيل وكانا من الطلقاء أما والله لو أن حمزة وجعفرا كانا يحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه ولو كانا شاهديه لأتلفا أنفسهما، قال صاحب الدرجات: دل هذان الحديثان على أن حمزة وجعفرا عليهما السلام كانا يعتقدان استحقاق علي صلوات الله عليه الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه صاحبها دون غيره وأنهما لو كانا حيين يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطمع فيها غيره ولم يصل إليها أحد سواه ولذلك ذكرناهما في طبقات الشيعة "أه".
هجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة:
هاجر جعفر رضوان الله عليه هجرتين أولاهما إلى الحبشة والثانية من الحبشة إلى المدينة ولذلك سمي ذا الهجرتين، وهاجر المسلمون إلى الحبشة دفعتين هاجر منهم أولا عشرة ثم سمعوا بأن قريشا أسلمت فعادوا فوجدوا الأمر على خلاف ما بلغهم ثم هاجروا ثانيا وأميرهم جعفر وكانوا 75 رجلا و12 امرأة وذلك في السنة الرابعة وقيل الخامسة من النبوة قال ابن كثير في تاريخه وكان جعفر هو المقدم عليهم والمترجم عنهم -أي المتكلم- عند النجاش وغيره "أه" وروى ابن هشام في سيرته بسنده عن محمد بن إسحاق المطلبي قال لما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية لمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج عند ذلك المسلمون إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام. ثم عد الذين هاجروا فيها فكانوا عرة قال فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة وكان عليهم عثمان بن مظعون. ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة منهم من خرج بأهله ومنهم من خرج بنفسه لا أهل معه "أه" وقال محمد بن سعد في الطبقات الكبير: قال محمد بن عمر (الواقدي) هاجر جعفر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثتنية ومعه امرأته أسماء بنت عميس وولدت له هناك عبد الله وعونا ومحمدا فلم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة ثم قدم عليه جعفر من أرض الحبشة وهو بخيبر سنة سبع قال محمد بن عمر وقد روي لنا أن أميرهم في الهجرة إلى أرض الحبشة جعفر بن أبي طالب "أه" وفي تاريخ ابن كثير: ثم أن ابن غسحاق ذكر الخارجين صحبة جعفر فكانوا 87 رجلا وامرأة والرجال منهم خاصة 75 والنساء 12 قال ابن إسحاق وكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغارا أو ولدا بها ثلاثة وثمانين رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم وهو يشك فيه قال وخرج من بني مخزوم بن يقظة بن مرة أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن إسحاق أن أبا طالب قال أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوار المسلمين والدفع عنهم:
ليعلم خيار الناس أن محمدا | نظير لموسى والمسيح بن مريم |
أتانا بهدي مثل ما أتيا به | فكل بأمر الله يهدي ويعصم |
وإنكم تتلونه في كتابكم | بصدق حديث لا حديث المرجم |
وإنك ما تأتيك منا عصابة | بفضلك إلا أرجعوا بالتكرم |
(أقول) وهو صريح في إسلام أبي طالب وفيه إقواء (وروى) ابن إسحاق بسنده عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية أم المؤمنين زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمننا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى كما كنا نؤذى بمكة ولا نسمع شيئا نكرهه "أه" فلما بلغ ذلك قريشا أرسلوا عمرو بن العاص ليكيد جعفرا وأصحابه عند النجاشي، وأعلم أن عمرو بن العاص سافر إلى الحبشة مرتين بعد البعثة مرة مع عمارة بن الوليد بن المغيرة أخي خالد بن الوليد وهو الذي جاءت به قريش إلى أبي طالب وقالوا جئناك بفتى قربيش جمالا ونسبا يكون لك نصره وميراثه وتدفع إلينا ابن أخيك نقتله فقال والله ما أنصفتموني تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه، ومرة مع عبد الله ابن أبي ربيعة وفي المرة الثانية كان المرسل لهما قريش ليكيدا جعفر وأصحابه أما المرة الأولى فليس في كلام ابن غسحاق ما يدل على أن المرسل لهما قريش أو أنهما ذهبا من قبل أنفسهما ولا أن ذهابهما في أي شيء كان. وبعض المؤرخين -غاب عني اسمه- صرح بأن سفرهما أولا كان للتجارة، والحاكم في المستدرك وابن عساكر في تاريخه والإمام أحمد وأبو نعيم في الدلائل صرحوا بأنه كان ليكيد جعفرا وأصحابه عند النجاشي، وأنا أظن أنه قد وقع اشتباه من بعض المحدثين والمؤرخين فذكروا بدل عبد الله ابن أبي ربيعة عمارة بن الوليد، ويمكن أن يكونا ذهبا في المرة الأولى للتجارة ثم بدا لهما بعدما وصلا إلى الحبشة أن يكيدا المسلمين لكن الظاهر خلافه لما سمعت من تصريح بعض المؤرخين ولما ظهر من ابن إسحاق فلم يشر في قصة عمرو وعمارة إلى أن إرسالهما كان من قبل قريش أو أنهما تعرضا لكيد المسلمين ولو كان ذلك وقاعا لما أهمله، ونحن نذكر أولا خبر ذهاب عمرو مع عمارة إلى الحبشة ما ذكر فيه أنه لكيد المسلمين وما لم يذكر ثم نذكر خبر ذهابه مع عبد الله ابن أبي ربيعة لكيد المسلمين. "أما خبر ذهاب عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى الحبشة" فروى ابن إسحاق في المغازي قال: كان عمارة بن الوليد بن المغيرة وعمرو بن العاص بن وائل بعد مبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرجا إلى أرض الحبشة على شركهما وكان عمارة رجلا جميلا تهواه النساء فركبا البحر ومع عمرو بن العاص امرأته فأصابا من خمر لهما فلما انتشى عمارة قال لإمرأة عمرو قبليني فقال لها عمرو قبلي ابن عمك فقبلته وجعل عمارة يراودها عن نفسها فامتنعت منه. وجلس عمرو على منجاف السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر فسبح حتى أخذ بمنجاف السفينة فقال له عمارة والله لو علمت أنك سابح ما طرحتك ولكني ظننت أنك لا تحسن السباحة فضغن عمرو عليه وعلم أنه كان أراد قتله فلما وصلا أرض الحبشة كتب عمرو إلى أبيه العاص أن اخلعني وتبرأ من جريرتي وخشي على أبيه أن يتبع بجريرته فمشى العاص إلى رجال بني المغيرة وبني مخزوم فقال إن هذين الرجلين قد خرجا وكلاهما فاتك صاحب شر وإني أبرأ إليكم من عمرو وجريرته فقد خلعته فقالوا وأنت تخاف عمرا على عمارة ونحن فقد خلعنا عمارة وتبرأنا إليك من جريرته ولم يلبث عمارة أن دب إلى امرأة للنجاشي وجعل إذا رجع من عندها يخبر عمرا بما كان من أمره فيقول عمرو لا أصدقك إن شأن هذه المرأة أرفع من ذلك وهو يعلم صدقه ولكنه كان يريد أن يأتيه بشيء لا يستطاع دفعه إن هو رفع شأنه إلى النجاشي فقال له إن كنت صادقا فقل لها فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره فإني أعرفه وائتني بشيء منه فسألها ذلك فدهنته منه وأعطته شيئا في قارورة فلما شمه عمرو عرفه فسكت عنه حتى اطمأن ودخل على النجاشي فقال أيها الملك إن معي سفيها من سفهاء قريش وأردت أن أعلمك بشأنه وأن لا أرفع ذلك إليك حتى أثبته أنه قد دخل على بعض نسائك وهذا دهنك قد أعطته إياه وأدهن به فلما شمه النجاشي قال صدقت هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي فدعا بعمارة ودعا نسوة أخر فجردوه من ثيابه (إلى آخر ما ورد في الخبر) هذه رواية ابن إسحاق وليس فيها كما ترى أن سفرهما كان لكيد المسلمين. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي موسى قال أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننطلق إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشا فبعثوا إلى عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدايا فقدمنا وقدموا على النجاشي فأتوه بهدية فقبلها وسجدوا له ثم قال عمرو بن العاص إن قوما منا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك فقال لهم النجاشي في أرضي قال نعمفبعث إلينا، فقال لنا جعفر لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في ملسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون من الرهبان جلوس سماطين فقال له عمرو وعمارة إنهم لا يسجدون لك فلما انتهينا إليه زبرنا (بدرنا) من عنده من القسيسين والرهبان أسجدوا للملك فقال جعفر لا نسجد إلا لله، فقال النجاشي وما ذاك قال إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى بشر بسول يأتي من بعده اسمه أحمد -فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر. فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو قال له: أصلح الله الملك إنهم يخالفونك في عيسى بن مريم، فقال النجاشي لجعفر ما يقول صاحبك في ابن مريم؟ قال يقول فيه قول الله هو روح الله وكلمته أخرجه منالبتول العذراء لم يقربها بشر (ولم يفرضها ولد) فتناول النجاشي عودا من الأرض فرفعه فقال يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون (ما نقول) في ابن مريم ما يزن هذه (ولا وزن هذه) مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده "إلى آخر الخبر" "أه" وفي تاريخ ابن كثير عن الحافظ أبي نعيم في الدلائل بسنده عن أبي موسى مثله، وزاد وكان عمرو بن العاص رجلا قصيرا وكان عمارة رجلا جميلا وكانا أقبلا في البحر فشربا ومع عمرو امرأته فقال عمارة لعمرو مر امرأتك فلتقبلني فقال له عمر ألا تستحي فأخذ عمارة عمرا فرمى به في البحر فجعل عمرو يناشد عمارة حتى أدخله السفينة فحقد عليه عمرو في ذلك فقال عمرو للنجاشي إنك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك فدعا النجاشي بعمارة إلخ. . وهذكا رواه الحافظ البيهقي في الدلائل من طريق أبي علي الحسن بن سلام السواق عن عبيد الله بن موسى فذكر بإسناده مثله قال وهذا إسناد صحيح "أه" وفي تاريخ ابن كثير عن الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحوا من ثمانين رجلا وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشي سجدوا له ثم ابتداره عن يمينه وعن شماله ثم قالا له إن نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا فبعث إليهم فقال جعفر أنا خيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم يسجد فقالوا له مالك لا تسجد للملك قال أنا لا اسجد إلا لله عز وجل قال وما ذاك قال إن الله بعث إلينا رسولا ثم أمرنا أن لا نسجد لأحد إلا الله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة قال عمرو فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم قال فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه قال نقول كما قال الله هو كلمته وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسسها بشر ولم يفرضها ولد، قال فرفع عودا من الأرض ثم قال يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما ساوى هذا مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده أشهد أنه رسول الله وأنه الذي نجد في الإنجيل وأنه الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم أنزلوا حيث شئتم والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما "أه" وفي تاريخ ابن كثير أيضا: وأما قصة جعفر مع النجاشي فإن الحافظ ابن عساكر رواها في ترجمة جعفر بن أبي طالب من تاريخه من رواية جعفر نفسه ومن رواية عمرو بن العاص وعلى يدهما جرى الحديث ومن رواية ابن مسعود كما تقدم وأم سلمة كما سيأتي فأما رواية جعفر فإنها عزيزة جدا رواها ابن عساكر بسنده عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال بعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي فقالوا له -ونحن عنده- قد صار إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه، فادفعهم إلينا قال لا حتى أسمع كلامهم. فقال جعفر: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الصنام ونأتي الفواحش ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولا فآمنا به وصدقناه فقال لهم النجاشي أعبيد هم لم قالوا لا فقال فلكم عليهم دين فقالوا لا قال فخلوا سبيلهم فخرجنا من عنده فقال عمرو بن العاص إن هؤلاء يقولون في عيسى غير ما تقول قال إن لم يقولوا في عيسى مثل قولي لم أدعهم في أرضي ساعة من نهار فأرسل إلينا فكانت الدعوة الثانية أشد علينا من الأولى قال ما يقول صاحبكم في عيسى بن مريم قلنا يقول هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول فقال أدعوا لي فلان القس وفلان الراهب فأتاه ناس منهم فقال ما تقولون في عيسى بن مريم قالوا أنت أعلمنا فما تقول قال النجاشي -وأخذ شيئا من الأرض-: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء مثل هذا ثم قال أيؤذيكم أحد قالوا نع فنادى مناد من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أيكفيكم قلنا لا فاضعفها "الحديث". وليس لجعفر ذكر في تاريخ ابن عساكر المطبوع وهو يدل على أنه نقص منه كما ذكرناه في ترجمة جارية بن قدامة السعدي. ثم إن مضامين هذه الروايات التي ذكر فيها عمرو وعمارة موافق للتيي ذكر فيها عمرو وعبد الله بن أبي ربيعة وهذا يدل على أن ذكر عمارة سهوا أبدل به عبد الله ابن أبي ربيعة. وأما إرسال قريش عمرو بن العاص إلى النجاشي ومعه عبد الله ابن أبي ربيعة ليكيدا جعفرا وأصحابه فقد رواه بن إسحاق وغيره قال ابن أبي الحديد: وأما خبر عمرو بن العاص في شخوصهه إلى الحبشة لكيد جعفر ابن أبي طالب والمهاجرين فقد رواه كل من صنف في السيرة "أه" ونحن ننقله من رواية ابن إسحاق وربما نقلنا من رواية غيره قال ابن إسحاق فيما حكاه ابن هشام في سيرته فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا أئتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي فيردهم عليهم ليفتنوهم عن دينهم ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها فبعثوا عبد الله ابن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ثم بعثوهما إليه فيهم فقال ابو طالب حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوا به فيهم أبياتا للتجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم:
ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر | وعمرو وأعداء العدو الأقارب |
فهل نال أفعال النجاشي جعفرا | وأصحابه أو عاق ذلك شاغب |
تعلم أبيت اللعن إنك ماجد | كريم فلا يشفى لديك المجانب |
تعلم بأن الله زادك بسطة | وأسباب خير كلها بك لازب |
وإنك فيض ذو سجال غزيرة | ينال الأعادي نفعها والأقارب |
وروى ابن إسحاق بسنده عن أم سلمة أن قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منه جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله ابن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص فأمروهما بأمرهم وقالوا لهما إدفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم ثم قدما إلى النجاشي هداياه، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم قالت فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي وقالا لكل بطريق منهم إنه قد ضوى أي أوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشرف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما نعم ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقلبها منهما ثم كلماه فقالا أيهما الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقووا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشرف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه قالت ولم يكن سيء أبغض إلى عبد الله ابن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي فقالت بطارقته حوله صدقا أيها الملك وقومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليردانهم إلى بلادهم وقومهم فغضب النجاشي ثم قال لاها الله إذا لاسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم فإن كان كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه، قال جعفر نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن: قال ابن كثير عن موسى بن عقبة: فلما دخلوا عليه سلموا ولم يسجدوا له فقال أيها الرهط ألا تحدثونني ما لكم تحيونني كما يحييني من أتانا من قومكم فأخبروني ماذا تقولون في عيسى وما دينكم أنصارى أنتم؟ قالوا لا قال أفيهود أنتم قالوا لا فغلى دين قومكم قالوا لا قال فما دينكم قالوا الإسلام قال فما الإسلام فوصفوه له قال جعفر وأما التحية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن تحية أهل الجنة السلام وأمرنا بذلك فحييناك بالذي يحيي به بعضنابعضا وأما عيسى ابن مريم فعبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول فأخذ عودا وقال والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود فقال عظماء الحبشة والله لئن سمعت الحبشة لتخلعنك فقال والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا وما أطاع الله الناس في حين رد علي ملكي فأطيع الناس في دين الله معاذ والله من ذلك. وقال ابن إسحاق في روايته: فلما جاؤوا وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الملل فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له ايها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وامرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وكل ما يعرف من السيئات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام والصدقة وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة فعدد عليه أمور السلام وتلا شيئا لا يشبهه شيء فصدقناه وآمنا به واتبعناه وعرفنا ما جاء به هو الحق من عبد الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك فقال له النجاشي هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر نعم، فقال له النجاشي فأقرأه علي فقرأ عليه صدرا من "كهيعص" قالت أم سلمة فبكى والله النجاشي حتى أخضلت لحيته وبكى أساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، قم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج منمشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون. قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم فقال له عبد الله ابن أبي ربيعة -وكان اتقى الرجلين فينا- لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا، قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد ثم غدا عليه الغد فقال أيها الملك أنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه فأرسل إليهم ليسألهم عنه قالت أم سلمة ولم ينزل بنا مثلها قط فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه فقال جعفر نقول والله ما قال الله عز وجل وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ماهو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا بين اصبعيه قال والله ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العويد فتناخرت بطارقته حوله حين قال جعفر ما قال، فقال وإن نخرتم والله وقال للمسلمين إذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنوم- من سبكم غرم. ومن سبكم غرم. من سبكم غرم. ما أحب أن لي ديرا أو ديرا من ذهب قال ابن هشام ويقال زبرا -وإني آذيت جلا منكم- والزبر بلسانهم الذهب والدبر بلسان الحبشة الجبل- وردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعكم فيه وليخرجا من بلادي قالت فخرجا من عنده مققبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. فوالله أنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة يتنازعه في ملكه، فوالله ما علمتنا حزنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده وأرسل المسلمون الزبير ليأتيهم بخبره فظفر النجاشي بعدوه فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها.
مقتله:
قتل جعفر عليه السلام شهيدا في غزوة مؤتة وكانت في جمادى الأولى سنة 8 من الهجرة و(مؤتة) بضم الميم وهمزة ساكنة ومثناة فوقية ويقال مؤتة بسكون الواو وحذف الهمزة موضع معروف عند الكرك بأدنى البلقاء. وكان سببها فيما رواه الواقدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث الحارث بن عمير الأزدي سنة 8 إلى ملك بصرة بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال أين تريد قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم رسول غيره فبلغ ذلك رسول الله فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتلل الحارث فأرسعوا وخرجوا وعسكروا بالجرف فأمر عليهم جعفر بن أبي طالب فإن قتل فزيد بن حارثة فإن قتل فعبد الله بن رواحة، وهذا في رواية أبان بن عثمان عن الصادق عليه السلام ويدل عليه شعر حسان بن ثابت وشعر كعب بنمالك الآتيين من رثاء جعفر وأصحابه حيث يقول حسان:
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم | إلى الموت ميمون النقيبة أزهر |
أغر كضوء البدر من آل هاشم | أبي إذا سيم الظلامة أصعر |
ويقول كعب:
إذ يهتدون بجعفر ولوائه | قدام أولهم ونعم الأول |
والاعتبار يقتضي ذلك فلم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليؤمر عليهم غير جعفر مع كفاءته وكونه أخلا للإمارة وتفوقه على الآخرين في الشجاعة والإخلاص كما يدل عليه ما في الاستيعاب قال ذكر عبد الرزاق عن ابن عيينه عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب أن رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال مثل لي جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من در كل منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدودا ورأيت جعفرا مستقيما ليس في صدود قال فسألت أو قيل لي أنهما حين غشيهما الموت أو كأنهما صدا بوجوههما وأما جعفر فإنه لم يفعل "أه" ومع ذلك فيقول ابن أبي الحديد: اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله، قال: وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير فإن قتل فزيد فإن قتل فعبد الله ورووا في ذلك روايات وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم ثم ذكر قصيدة حسان وأبيات كعب الآتية. وأقول: يوشك أن يكون رواية أن الأمير الأول كان زيد بن حارثة سببها كان العدواة لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام فلم يشأ اعداؤه أن يتركوا له شيئا مما يمكنهم دفعه إلا دفعوه وأنكروه وبذلوا ألموال لمن يروي لهم ذلك كما أنكروا إسلام أبي طالب ورووا فيه الأحاديث وجاء من بعدهم فرأى هذه الأحاديث فأودعها في الصحاح وقبلها الناس لظنهم صدقها مع أنها مصادمة للضرورة، قال الواقدي ودفع اللواء إلى أميرهم وهو لواء أبيض ومشى الناس إلى جعفر وأصحابه يودعونهم وكانوا ثلاث آلاف وروى الواقدي بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مشيعا لهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع وأنه خطبهم واوصاهم فقال: أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث فأيتهم أجابوك إليها فاقبل منهم واكفف عنهم ادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن فعلوا قاقبل واكفف ثم أدعهم إلى التحول عن دارهم إلى دار المهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وأوصاه إذا طلبوا أن تستنزلوا لهم على حكم الله فلا تفعل بل تستنزلهم على حكمك فلعلك لا تصيب حكم الله وإن أرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تفعل لكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وأصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وقال إنكم ستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا ولا كبيرا فانيا ولا تقطعن نخلا ولا شجرا ولا تهدمن بناء. قال الواقدي ومضى المسلمون فنزلوا بمؤتة وبلغهم أن هرقل ملك والروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر وبهراء ولخم وجذام وغيرهم مائة ألف مقاتل وعليهم رجل من بلى. قال ابن إسحاق في مائة ألف من الروم وانضم إليهم مائة ألف من العرب عليهم رجل من بلى يقال له مالك فاقام المسلمون ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فإما ان يردنا أو يزيدنا فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدة ولا كثرة سلاح خيل إلا بهذا الدين الذي اكرمنا الله به انطلقوا فقاتلوا فقد والله رايتنا يوم بدر وما معنا إلا فرسان إنما هي إحدى الحسنيين إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله ورسوله وليس لوعده خلف وإما الشهادة فشجع الناس على قوله ابن إسحاق: ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها قال إبن إسحاق وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين: وتعبأ المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عبادة أو عباية بن مالك قال إسحاق ثم التقى الناس فاقتتلوا وأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب وقاتل قتالا شديدا حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها أو عرقبها فكان أول رجل عقر فرسه في الإسلام ثم قاتل وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقتربها | طيب وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها | كافرة بعيدة أنسابها |
وفي عمدة الطالب: لما رأى جعفر الحرب قد اشتدت والروم قد غلبت اقتحم عن فرس له أشقر ثم عقره وهو أول من عقر في الإسلام وقاتل حتى قطعت يده اليمنى فأخذ الراية بيده اليسرى وقاتل إلى أن قطعت اليسرى أيضا فاعتنق الراية وضمها إلى صدره حتى قتل ووجد به نيف وسيعون قيل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه فوقع أحد نصفيه في كلارم هناك فوجد فيه ثلاثون أو بضعة وثلاثون جرحا قال وروى نافع عن ابن عمر أنه وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان وسبعون ضربة وطعنة بالسيوف والرماح وفي الطبقات الكبير في رواية الفضل بن دكين عن نافع عن ابن عمر: وجد فيما أقبل من بدن جعفر بن أبي طالب ما بين منكبيه تسعون ضربة بين طعنة رمح وضربة بسيف وقال الواقدي اثنتان وسبعون ضربة وفي الطبقات بسنده عن نافع عن ابن عمر وجدنا جعفر بن أبي طالب وبه طعنة ورمية بضع وتسعون فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده وقال عبد الله بن أبي بكر في بدن جعفر أكثر من ستين جرحا ووجد به طعنة قد أنفذته "أه". وفي الاستيعاب روينا عب ابن عمر أنه قال وجدنا مابين صدر جعفر بن أبي طالب ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة في السيف وطعنة بالرمح وقد روي أربع وخمسون جراحة والأول أثبت "أه" قال البلاذري قطعت يداه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة ولذلك سمي الطيار "أه" وفي الاستيعاب عن الزبير بن بكار قاتل جعفر رحمه الله حتى قطعت يداه جميعا ثم قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء فمن هناك قيل له جعفر ذو الجناحين، ثم روى بسنده أنه أري النبي صلى الله عليه وسلم في النوم جعفر بن أبي طالب ذا جناحين مضرجا بالدم "أه". قال ابن إسحاق: وقتل زيد حتى قتل طعنا بالرماح وقتل عبد الله بن رواحة حتى قتل وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة تراجعوا فأخذ اللواء ثابت بن أرقام ثم أعطاه خالد بن الوليد فحمل به ساعة المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير فانحاز بالمسلمين وانكشفوا راجعين، قال الواقدي: وقد روي أن خالدا ثبت والصحيح أنه انهزم بالناس حتى عيروا بالفرار وتشاءم الناس به فلما سمع أهل المدينة بهم تلقوهم بالجرف فجعلوا يحثون في وجوههم التراب ويقولون يا فرار أفررتم في سبيل الله حتى إن الرجل ينصرف إلى بيته وأهله فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له وجلس الكبراء في بيوتهم استحياء من الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم كرار إن شاء الله "أه" وروي الواقدي بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: أصبحت في اليوم أصيب فيه جعفرا وأصحابه فأتاني رسول الله عليه وسام وقد منأت (أي دبغت) أربعين منا من أدم وعجنت عجيني وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أسماء أين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه فبكى، فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء، قال نعم إنه قتل اليوم فقمت أصيح. واجتمع النساء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي صدرا ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة وهي تقول: واعماه، فقال على مثل جعفر فلتبك الباكية. ثم قال اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا بأنفسهم اليوم. وروى الواقدي بسنده عن عبد الله بن جعفر أنه قال: أنا أحفظ حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أمي فنعى إليها أبي فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال اللهم إن جعفرا قدم إلى أحسن الثواب فأخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته، ثم قال يا أسماء ألا أبشرك، قالت بلى بأبي وأمي قال فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة قالت بأبي وأمي فأعلم الناس ذلك: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ يمسح بيده رأسي حتى رقى على المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى وإن الحزن ليعرف عليه فتكلم فقال إن المرء كبير بأخيه وابن عمه ألا إن جعفرا قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة ثم نزل فدخل بيته وأدخلني وأمر بطعام فصنع لنا وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيبا، عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته ثم نشفته ثم أنضجته وىدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا فتغديت أنا انا وأخي معه وأقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه ثم أرجعنا إلى بيتنا. وأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأنا أساوم في شاة فقال اللهم بارك له في صفقته فوالله ما بعت شيئا ولا اشتريت إلا بورك فيه "أه" وعمدة الطالب: حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل جعفر حزنا شديدا "أه" وفي الطبقات الكبير لابن سعد بسنده عن عبد الله بن جعفر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استشهد جعفر أمهل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم فقال لا تيكوا على أخي بعد اليوم ثم قال: ائتوني ببني أخي فجيء بنا كأناافراخ فقال ادعوا لأي الحلاق فدعى فحلق رؤوسنا وقال أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله وفي كتاب ابن معروف موضع عبد الله عون فشبيه خلقي وخلقي ثم أخذ بيده فأشالها وقال اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ثلاث مرات، ثم جاءت أمنا فذكرت يتمنا، فقال العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ "أه" وفيه بسنده عن عامر قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قتل جعفر، اللهم اخلف جعفرا في أهله خير ما خلفت أو كأفضل ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين وفي رواية: اللهم إن جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بخير ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين. وقد ذكرنا في ترجمة أسماء إنها تزوجت بعد جعفر بأبي بكر وبعد أبي بكر بعلي بن أبي طالب وفاتنا أن ننبه هناك على دقيقة وهي أنه لم يتزوجها علي بعد شهادة أخيه جعفر وأولاد أخيه وذلك أن فاطمة الزهراء كانت يومئذ حية فلم يكن ليتزوج في حياتها فلما توفي أبو بكر كانت فاطمة قد توفيت قتزوج أسماء.
ما روي في فضل جعفر
في شرح النهج لابن أبي الحديد وقد روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: سادة أهل المحشر سادة أهل الدنيا أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر. وفي مقاتل الطالبين بسنده عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس حمزة وجعفر وعلي صلوات الله عليهم أجمعين، "أه" وفي مقاتل الطالبين بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الناس من أشجار شتى وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة. وبسنده عن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول الناس من شجر شتى وأنا وجعفر من شجرة واحدة (وبسنده) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر أشبهت خلقي وخلقي "أه" (وبسنده) عن علي "ع" إن رسول الله صلى الله عليخ وسلم قال لجعفر بن أبي طالب أشبهت خلقي وخلقي (وفي رواية) إنك شبيه خلقي وخلقي (وعن الزمخشري) في ربيع الأبرار: كان جعفرا أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا وكان الرجل يرى جعفر فيقول السلام عليك يا رسول الله يظنه إياه فيقول لست برسول الله أنا جعفرا "أه".
وفي الرجات الرفيعة روي عن علي بن يونس المدني قال: كنت عند مالك فإذا سفيان بن عيينة بالباب يستأذن فقال مالك رجل صاحب ستة أدخلوه فدخل فقال السلام عليكم ورحمة الله فردوا عليه السلام ثم قال سلامنا خاص وعام ثم قال السلام عليك يا ابا عبد الله ورحمة الله وبركاته قال مالك وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته فصافحه مالك ثم قال يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعانقناك فقال سفيان بن عيينة عانق خير منك ومنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك جعفرا قال نعم ذاك حديث وما يخصه يخصنا فتأذن لي ان احدث في مجلسك قال نعم يا ابا محمد قال حدثني عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال لما قدم جعفر بن أبي لاطالب من أرض الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بين عينيه وقال جعفر أشبه الناس بي خلقا وخلقا يا جعفر ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة؟ قال يا رسول الله بينا أنا أمشي بين ازقتها إذا سوداء على راسها مكتل فيه بر فصدمها رجل على دابته فوقع مكتلها وتنثر برها وأقبلت تجمعه من التراب وهي تقول ويل للظالم من ديان يوم لدين ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة ويل للظالم إذا وضع الكرسي للفصل يوم القيامة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها من قويها حقه غير متعتع "أه" ومما ورد في فضل جعفر الحديث المروي عن أبي هريرة وألفاظه مختلفة. وقد رواه كل من ذكر أحوال جعفر ففي مقاتل الطالبيين بسنده عن عكرمة عن أبي هريرة قال ما ركب المطايا ولا الكور ولا انتعل ولا احتذى النعال أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب "ع" وروى ابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك بغسنادهما عن عكرمة عن أبي هريرة ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب قال الحاكم في المستدرك صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه "أه" في الطبقات ولا لبس الكور وفي المستدرك ولا ركب الكور وروى أحمد بن حنبل بسنده عن عكرمة عن أبي هريرة ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب قال ابن كثير بعد نقله: وهذا إسناد جيد إلى أبي هريرة "أه" وفي الاستيعاب بسنده عن أبي هريرة: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطىء التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل من جعفر بن أبي طالب "اه" وهذا المتن الذي حكاه صاحب الاستيعاب أصحها لفظا والباقي لا يخلو من تكرير. قال ابن كثير في تاريخه بعد نقل رواية أحمد بن حنبل: وكأنه إنما يفضله في الكرم فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن فلانا وفلانا بل وعثمان أفضل منه وأما أخوه علي فالظاهر أنهما متكافئان أو علي افضل منه وإنما أراد أبو هريرة تفضيله في الكرم بدليل ما رواه البخاري ثم ذكر الحديث المتقدم عن البخاري الذي في آخره وكان خير الناس للمساكين جعفر إلخ.
(أقول): فضل جعفر أظهر من الشمس لا يحتاج فيه إلى شهادة أبي هريرة وأمثاله وكفاه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقي وخلقي وقد هاجر الهجرتين وكانت له في هجرة الحبشة المقامات المشهودة وثباته يوم مؤتة مقابل مائتي ألف من الروم والعرب حتى قطعت يداه ولم يترك الراية وحتى جرح ما يزيد على تسعين جراحة في مقدم بدنه فأي شهادة تعدل شهادته وأي جهاد يماثل جهاده وأفضل الأعمال بعد الإيمان الجهاد في سبيل الله وكيف يفضل عليه من لم يسمع له أثر في جهاد أو من يوم احد ورجع بعد ثلاث أيام. أما عدم مساواته لعلي "ع" في الفضل فلا يحتاج إلى بيان حتى يستظهر لبن كثير المساواة ثم يتردد وما حمله على لك إلا جهله او تجاهله بمقام علي "أه" ومنزلته، وأما فلسفة الباردة ومنطقه المعكوس بأن أبا هريرة إنما فضله في الكرم فلا يساعده لفظ ولو أراد ذلك أبو هريرة لقال أكرم بدا أفضل، أما جعله حديث لعق العكة فلا شاهدا فيه لأن كونه خير الناس للمساكين لا ينافي كونه أفضل الناس فيما سوى الكرم، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وروى الحاكم في المستدرك في حديث قصة بنت حمزة بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها قال قد رضيت يا رسول الله بذلك فكان أبو هريرة يقول ما أظلت الخضراء على وجه أحب إلي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جعفر بن أبي طالب لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشبهت خلقي وخلقي، هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وفي شرح النهج لابن أبي الحديد: قد روى كثير من المحدثين إن أمير المؤمنين عليه السلام عقيب يوم السقيفة تألم وتظلم واستنجد واستصرخ حيث ساموه الحضور والبيعة وانه قال وهو يشير إلى القبر يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني وانه قال وا جعفراه ولا جعفر لي اليوم وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم.
وفي شرح النهج أيضا حكاية عن النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد العلوي نقيب البصرة في أثناء كلام له قال وقد كانت لجعفر خصائص ومناقب كثيرة، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشبهت خلقي وخلقي فحجل فرحا، ثم قال لزيد أنت مولانا وصاحبنا فحجل أيضا، ثم قال لعلي أنت أخي وخالصتي قالوا فلم يحجل، قالوا: كأن ترادف التعظيم له وتكرره عليه لم يجعل عنده للقول ذلك الموضع وكان غيره إذا عظم عظم نادرا فيحسن موقعه عنده، واختلف الناس في أي المدحتين أعظم.
وفي الاستيعاب روى عن الشعبي قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: كنت إذا سألت عمي عليا عليه السلام شيئا ويمنعني أقول له بحق جعفر فيعطيني
مراثيه
في مقاتل الطالبيين بسنده عن محمد بن إسحاق إن كعب بن مالك الأنصاري قال يرثي جعفر بن أبي طالب ومن استشهد معه، وزيد فيها في شرح النهج ثلاثة أبيات نقلا عن محمد بن إسحاق في كتاب المغازي:
هدت العيون ودمع عينك يهمل | متحاكما وكف الرباب المخضل |
وكأنما بين الجوانح والحشا | مما تأوبني شهاب مدخل |
وجدا على النفر الذين تتابعوا | قتلا بمؤتة اسندوا لم ينقلوا |
صلى الإله عليهم من فتية | وسقى عظامهم الغمام المسبل |
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم | عند الحمام حفيظة إن ينكلوا |
ساروا إمام المسلمين كأنهم | طود يقودهم الهزبر المشبل |
إذ يهتدون بجعفر ولوائه | قدام أولهم ونعم الأول |
حتى تقوضت الصفوف وجعفر | حيث التقى جمع الغواة مجدل |
فتغير القمر المنير لفقده | والشمس قد كسفت وكادت تأفل |
قوم علا بنيانهم من هاشم | فرع أشم وسؤدد متأثل |
قوم بهم نظر الإله لخلقه | وبجدهم نصر النبي المرسل |
قوم بهم عصم الإله عباده | وعليهم نزل الكتاب المنزل |
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم | تندى إذا اعتذر الزمان الممحل |
فضلوا المعاشر عفة وتكرما | وتغمدت أخلاقهم من يجهل |
وقال حسان بن ثابت فيما حكاه في شرح النهج عن محمد بن إسحاق في المغازي جعفرا وصاحبيه:
تأوبني ليل بيثرب أعسر | وهم إذا ما نوم الناس مسهر |
لذكرى حبيب هيجت لي عبرة | سفوحا وأسباب البكاء التذكر |
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا | بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر |
وزيد وعبد الله حين تتابعوا | جميعا وأسياف المنية تقطر |
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم | إلى الموت ميمون النقيبة أزهر |
أغر كضوء البدر من آل هاشم | أبي إذا سيم الظلامة أصعر |
فطاعن حتى مال غير موسد | بمعترك فيه القنا متكسر |
فصار مع المستشهدين ثوابه | جنان وملتف الحدايق اخضر |
وكنا نرى في جعفر من محمد | وقارا وأمرا حازماص حين يأمر |
وما زال في الإسلام من آل هاشم | دعائم صدق لا ترام ومفخر |
هم جبل الإسلام والناس حولهم | رضام إلى طود يطول ويقهر |
بها ليل منهم جعفر وابن أمه | علي ومنهم أحمد المتخير |
وحمزة والعباس منهم ومنهم | عقيل وماء العود من حيث يعصر |
بهم تفرج الغماء من كل مأزق | غماس إذا ما ضاق بالناس مصدر |
هم أولياء الله انزل حكمه | عليهم وفيهم والكتاب المطهر |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 118
جعفر بن أبي طالب (ب د ع) جعفر بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو علي بن أبي طالب لأبويه، وهو جعفر الطيار، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا، أسلم بعد إسلام أخيه علي بقليل.
روي أن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليا رضي الله عنه يصليان، وعلي عن يمينه، فقال لجعفر رضي الله عنه: صل جناح ابن عمك، وصل عن يساره، قيل: أسلم بعد واحد وثلاثين إنسانا، وكان هو الثاني والثلاثين، قاله ابن إسحاق، وله هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة.
روى عنه ابنه عبد الله، وأبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه، أبا المساكين. وكان أسن من علي بعشر سنين، وأخوه عقيل أسن منه بعشر سنين، وأخوهم طالب أسن من عقيل بعشر سنين، ولما هاجر إلى الحبشة أقام بها عند النجاشي إلى أن قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتنقه، وقيل بين عينيه، وقال: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟ وأنزله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب المسجد.
أخبرنا إسماعيل بن عبيد الله، وغير واحد، قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى، قال: حدثنا محمد بن بشار.
أخبرنا عبد الوهاب الثقفي، أخبرنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال: ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر».
قال: وأخبرنا أبو عيسى، أخبرنا علي بن حجر. أخبرنا عبد الله بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة». أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد إجازة بإسناده إلى أبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك، قال: حدثنا محرز بن سلمة، أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، ومحمد بن نافع بن عجير، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأنت من عترتي التي أنا منها». وفي الحديث قصة.
أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، أخبرنا أبو نعيم، هو الفضل بن دكين، أخبرنا فطر، عن كثير بن نافع النواء قال: سمعت عبد الله بن مليل، قال: سمعت عليا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وعلي، وحسن، وحسين، وأبو بكر، وعمر، والمقداد، وحذيفة، وسلمان، وعمار وبلال». أخبرنا غير واحد بإسنادهم، عن محمد بن إسماعيل، أخبرنا أحمد بن أبي بكر، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: «إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية، وهي معي، كي ينقلب بي، فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها».
أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي بإسناده إلى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء المدينة، في ذي الحجة فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة، في جمادى سنة ثمان، قال: وأخبرنا محمد بن جعفر، عن عروة، قال: فاقتتل الناس قتالا شديدا حتى قتل زيد بن حارثة، ثم أخذ الراية جعفر، فقاتل بها حتى قتل.
قال: وأخبرنا ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مرة بن عوف، قال: «والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة، حين اقتحم عن فرس له شقراء، فعقرها ثم تقدم، فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: فهو أول من عقر في الإسلام.
ولما قاتل جعفر قطعت يداه والراية معه، لم يلقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبدله الله جناحين يطير بهما في الجنة» ولما قتل وجد به بضع وسبعون جراحة ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، كلها فيما أقبل من بدنه وقيل: بضع وخمسون، والأول أصح.
قال ابن إسحاق: فلما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون، ثم قال: أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم قال لقد رفعوا في الجنة على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله ازورارا عن سريري صاحبيه، فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أم عيسى، عن أم جعفر بنت جعفر بن أبي طالب، عن جدتها أسماء بنت عميس أنها قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عجنت عجيني، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتيني بيني جعفر، فأتيته بهم، فشمهم ودمعت عيناه، فقلت: يا رسول الله، بأبي وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم، أصيبوا هذا اليوم، فقمت أصيح وأجمع النساء، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جعفر فإنهم قد شغلوا». قال ابن إسحاق: حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن.
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاه نعي جعفر، دخل على امرأته أسماء بنت عميس، فعزاها فيه ودخلت فاطمة وهي تبكى وتقول: وا عماه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على مثل جعفر فلتبك البواكي. ودخله من ذلك هم شديد حتى أتاه جبريل، فأخبره أن الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة.
وقال عبد الله بن جعفر: كنت إذا سألت عليا شيئا فمنعني، وقلت له: بحق جعفر، إلا أعطاني، وقال: كان عمر بن الخطاب إذا رأى عبد الله بن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
وكان عمر جعفر لما قتل إحدى وأربعين سنة، وقيل غير ذلك.
أخرجه الثلاثة.
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 186
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 1- ص: 541
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 341
جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أبو عبد الله ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأخو علي شقيقه.
قال ابن إسحاق: أسلم بعد خمسة وعشرين رجلا، وقيل بعد واحد وثلاثين قالوا: وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن جبل.
كان أبو هريرة يقول: إنه أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي البخاري عنه قال: كان جعفر خير الناس للمساكين. وقال خالد الحذاء عن عكرمة: سمعت أبا هريرة يقول: ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا. ولا وطئ التراب بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أفضل من جعفر بن أبي طالب.
رواه الترمذي والنسائي، وإسناده صحيح.
وروى البغوي من طريق المقبري عن أبي هريرة، قال: كان جعفر يحب المساكين، ويجلس إليهم، ويخدمهم ويخدمونه.
فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكنيه أبا المساكين.
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أشبهت خلقي وخلقي». رواه البخاري ومسلم من طريق حديث البراء.
وفي المسند من حديث علي رفعه: «أعطيت رفقاء نجباء».
فذكره منهم.
وهاجر إلى الحبشة فأسلم النجاشي ومن تبعه على يديه، وأقام جعفر عنده، ثم هاجر منها إلى المدينة فقدم والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وكل ذلك مشهور في المغازي بروايات متعددة صحيحة.
وروى البغوي وابن السكن من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: لما قدم جعفر وأصحابه استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل ما بين عينيه.
وروى ابن السكن من طريق مجالد عن الشعبي عن عبد الله بن جعفر قال: ما سألت عليا فامتنع، فقلت له: بحق جعفر إلا أعطاني.
استشهد بمؤتة من أرض الشام مقبلا غير مدبر، مجاهدا للروم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سنة ثمان في جمادى الأولى. وكان أسن من علي بعشر سنين فاستوفى أربعين سنة وزاد عليها على الصحيح.
قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، حدثني أبي الذي أرضعني. وكان أحد بني مرة بن عوف قال: والله لكأني انظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
أخرجه أبو داود من هذا الوجه، وقال ابن إسحاق: هو أول من عقر في الإسلام.
وروى الطبراني من حديث نافع عن ابن عمر، قال: كنت معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدنا فيما أقبل من جسمه بضعا وتسعين بين طعنة ورمية، قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة.
روى ذلك الطبراني من حديث ابن عباس. وفي الطبراني أيضا من طريق سالم بن أبي الجعد قال: أري النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا ملكا ذا جناحين مضرجين بالدماء، وذلك لأنه قاتل حتى قطعت يداه.
وفي الصحيح عن ابن عمر أنه كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا بن ذي الجناحين.
وروى الدار الدارقطني في «الغرائب» لمالك، بإسناد ضعيف، عن مالك عن نافع عن ابن عمر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء فقال: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته». فقال الناس: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا، قال: «مر بي جعفر بن أبي طالب في ملإ من الملائكة فسلم علي».
وفي الجزء الرابع من فوائد أبي سهل بن زياد القطان من طريق سعدان بن الوليد عن عطاء، عن ابن عباس: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ قال: «يا أسماء، هذا جعفر بن أبي طالب قد مر مع جبرائيل وميكائيل فردي عليه السلام» الحديث.
وفيه «فعوضه الله من يديه جناحين يطير بهما حيث شاء».
وقال ابن إسحاق في المغازي: حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن.
وقال حسان بن ثابت لما بلغه قتل عبد الله بن رواحة يرثي أهل مؤتة من قصيدة:
رأيت خيار المؤمنين تواردوا | شعوب وقد خلفت ممن يؤخر |
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا | بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر |
وزيد وعبد الله حين تتابعوا | جميعا وأسباب المنية تخطر |
وكنا نرى في جعفر من محمد | وفاء وأمرا صارما حيث يؤمر |
فلا زال في الإسلام من آل هاشم | دعائم عز لا تزول ومفخر |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 1- ص: 592
جعفر بن أبي طالب أخو علي بن أبي طالب
جعفر بن أبي طالب، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عبد الله الهاشمي الطيار، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الجناحين، أسلم وهاجر الهجرتين واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزوة مؤتة بعد زيد بن حارثة فاستشهد بها. ومؤتة بأرض البلقاء.
وذلك سنة ثمان وقيل سنة سبع وكان هاجر إلى الحبشة فأسلم النجاشي على يده وجهزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه وقد فتح خيبر فتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم واعتنقه وقبل بين عينيه وقال: ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر وكانت امرأته أسماء بنت عميس التي تزوجها بعده أبو بكر الصديق معه في هجرة الحبشة فولدت له هناك عبد الله وعوفا ومحمدا وكان أمير المهاجرين إلى الحبشة.
وكان أولاد أبي طالب الذكور أربعة: طالب وعقيل وجعفر وعلي، بين كل واحد والذي بعده في السن عشر سنين، وكلهم أسلم إلا طالبا.
وأمهم فاطمة بنت أسد بنت هاشم أسلمت قال ابن إسحاق: أسلم بعد جعفر بعد أحد وثلاثين إنسانا.
أسلم هو وامرأته أسماء وقيل كان الثالث في الإسلام بعد علي وزيد بن حارثة وقال له النبي صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقي وخلقي وأنت من الشجرة التي أنا منها.
وهو أحد النجباء الرفقاء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين.
ولما كان يوم مؤتة وقتل زيد بن حارثة أخذ جعفر اللواء ونزل عن فرس له شقراء فعقرها، وهو أول من عقر في الإسلام، ثم تقدم فقاتل حتى قتل وكان يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها | طيبة وبارد شرابها |
الروم روم قد دنا عذابها | علي إن لاقيتها ضرابها |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
جعفر بن أبي طالب السيد الشهيد الكبير الشأن علم المجاهدين أبو عبد الله ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي أخو علي بن أبي طالب وهو أسن من علي بعشر سنين.
هاجر الهجرتين وهاجر من الحبشة إلى المدينة فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها فأقام بالمدينة أشهرا ثم أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك فاستشهد. وقد سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرا بقدومه وحزن والله لوفاته.
روى شيئا يسيرا وروى عنه ابن مسعود وعمرو بن العاص وأم سلمة وابنه عبد الله.
حديج بن معاوية:، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشي ثمانين رجلا: أنا وجعفر وأبو موسى وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية. فقدما على النجاشي فلما دخلا سجدا له وابتدراه فقعد واحدا، عن يمينه والآخر، عن شماله فقالا: إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك فرغبوا، عن ملتنا. قال: وأين هم؟ قالوا: بأرضك فأرسل في طلبهم فقال جعفر: أنا خطيبكم فاتبعوه. فدخل فسلم فقالوا: مالك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا لله. قالوا: ولم ذاك؟ قال: إن الله أرسل فينا رسولا وأمرنا أن لا نسجد إلا لله وأمرنا بالصلاة والزكاة. فقال عمرو: إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه. قال: ما تقولون في ابن مريم وأمه؟ قال جعفر: نقول كما قال الله: روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر. قال: فرفع النجاشي عودا من الأرض وقال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ما تريدون ما يسوؤني هذا! أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه.
وقال: انزلوا حيث شئتم وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما. قال: وتعجل ابن مسعود فشهد بدرا.
وروى نحوا منه: مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه وروى نحوه بن عون، عن عمير بن إسحاق، عن عمرو بن العاص.
محمد بن إسحاق:، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة قالت: لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم وكان هو في منعة من قومه وعمه لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه. فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحدا عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا ’’ فخرجنا إليه أرسالا حتى اجتمعنا فنزلنا بخير دار إلى خير جار أمنا على ديننا.
قال الشعبي: تزوج علي أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر. فقال كل منهما: أبي خير من أبيك. فقال علي: يا أسماء! اقضي بينهما. فقالت: ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر ولا كهلا خيرا من أبي بكر. فقال علي: ما تركت لنا شيئا ولو قلت غير هذا لمقتك. فقالت: والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار.
مجالد:، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر قال: ما سألت عليا شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه.
ابن مهدي، حدثنا الأسود بن شيبان، عن خالد بن شمير قال: قدم علينا عبد الله بن رباح فاجتمع إليه ناس فقال: حدثنا أبو قتادة قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيش الأمراء وقال: ’’عليكم زيد فإن أصيب فجعفر فإن أصيب جعفر فابن رواحة’’ فوثب جعفر وقال: بأبي أنت وأمي! ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا علي. قال: ’’امضوا فإنك لا تدري أي ذلك خير’’ فانطلق الجيش فلبثوا ما شاء الله. ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صعد المنبر وأمر أن ينادى: الصلاة جامعة. قال -صلى الله عليه وسلم: ’’ألا أخبركم عن جيشكم إنهم لقوا العدو فأصيب زيد شهيدا فاستغفروا له ثم أخذ اللواء جعفر فشد على الناس حتى قتل ثم أخذه بن رواحة فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا ثم أخذ اللواء خالد’’ ولم يكن من الأمراء هو أمر نفسه فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبعيه وقال: ’’اللهم هو سيف من سيوفك فانصره’’ - فيومئذ سمي سيف الله. ثم قال: ’’انفروا فامددوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد’’ فنفر الناس في حر شديد.
بن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد، عن أبيه قال: حدثني أبي الذي أرضعني وكان من بني مرة بن عوف قال: لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم، عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل.
قال ابن إسحاق: وهو أول من عقر في الإسلام وقال:
يا حبذا الجنة واقترابها | طيبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها | علي إن لاقيتها ضرابها |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 3- ص: 130
جعفر بن أبي طالب قال أبو نعيم: ومنهم الخطيب المقدام، السخي المطعام، خطيب العارفين، ومضيف المساكين، ومهاجر الهجرتين، ومصلي القبلتين، البطل الشجاع، الجواد الشعشاع جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فارق الخلق، ورامق الحق وقد قيل: «إن التصوف الانفراد بالحق، عن ملابسة الخلق»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: ’’أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، فجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدما على النجاشي فأتياه بالهدية فقبلها وسجدا له، ثم قال له عمرو بن العاص: إن أناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا، وهم في أرضك، قال لهم النجاشي: في أرضي؟ قالوا: نعم، فبعث إلينا فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين سماطين، وقد قال لهم عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك، فقال جعفر: لا نسجد إلا لله عز وجل، قال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله تعالى بعث فينا رسولا، وهو الرسول الذي بشر به عيسى عليه السلام قال: من بعدي اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر ’’ فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو بن العاص قال: أصلح الله الملك، إنهم يخالفونك في ابن مريم، فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟ قال: ’’يقول فيه قول الله عز وجل: هو روح الله وكلمته، أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر ولم يفترضها ولد ’’ فتناول النجاشي عودا من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه، مرحبا بكم، وبمن جئتم من عنده، وأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى عليه السلام، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله، امكثوا في أرضي ما شئتم، وأمر لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهما ’’ رواه إسماعيل بن جعفر ويحيى بن أبي زائدة في آخرين، عن إسرائيل
حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا محمد بن يحيى، ثنا أحمد بن محمد بن أيوب، ثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أم سلمة، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، آمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بعثت قريش عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهداياهم إلى النجاشي وإلى بطارقته، أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه، وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، ثم سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قال: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قال: فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله عز وجل، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك فاخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم، فقال له: اقرأ علي، فقرأ عليه صدرا من كهيعص، فبكى النجاشي والله حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا هو والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما، ولا أكاد، ثم قال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم: الآمنون - من مسكم غرم، من مسكم غرم، من مسكم غرم، ما أحب أن لي دبر ذهب وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة الجبل - ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه، فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار’’
حدثنا محمد بن علي، ثنا الحسين بن مودود الحراني، ثنا محمد بن يسار، ثنا معاذ بن معاذ، ثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، حدثني عمرو بن العاص، قال: ’’انطلقنا فلما أتينا الباب، يعني باب النجاشي، ناديت: ائذن لعمرو بن العاص، فنادى جعفر من خلفي: ائذن لحزب الله، فسمع صوته، فأذن له قبلي، ودخلت فإذا النجاشي قاعد على سرير، وجعفر قاعد بين يديه، وحوله أصحابه على الوسائد، فلما رأيت مقعده حسدته، فقعدت بينه وبين السرير فجعلته خلف ظهري، وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي’’
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عمي أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، ثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، ثنا الزهري، ثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: ’’دعا النجاشي جعفر بن أبي طالب وجمع له النصارى، ثم قال لجعفر: اقرأ عليهم ما معك من القرآن، فقرأ عليهم كهيعص، ففاضت أعينهم فنزلت: {ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} [المائدة: 83]’’
حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إبراهيم بن حمزة الزهري، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: «كنت لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، وألصق بطني من الجوع، وأستقري الرجل الآية من كتاب الله هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، إن كان ليخرج إلينا العكة فنشقها فنلعق ما فيها»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا عبد الله بن سعيد الكندي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي، ثنا إبراهيم أبو إسحاق المخزومي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: «كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين»
حدثنا محمد بن المظفر، ثنا عبد الله بن صالح البخاري، ثنا يعقوب بن حميد، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «كنت مع جعفر في غزوة مؤتة، فالتمسنا جعفرا فوجدنا في جسده بضعا وسبعين ما بين طعنة ورمية»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا علي بن إسحاق، ثنا أبو شيبة الكوفي، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا أبو أويس، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «فقدنا جعفرا يوم مؤتة فطلبناه في القتلى، فوجدنا به بين طعنة ورمية بضعا وتسعين، ووجدنا ذلك فيما أقبل من جسده»
حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا محمد بن يحيى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا إبراهيم بن سعد، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، حدثني أبي الذي، أرضعني، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة، قال: «والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء، ثم عقرها، ثم قاتل حتى قتل» وقال غير إبراهيم بن سعد: عن ابن إسحاق قال: فأنشأ جعفر يقول:
[البحر الرجز]
يا حبذا الجنة واقترابها | طيبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها | علي إن لاقيتها ضرابها |
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 114
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 114
جعفر بن أبي طالب يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
كان جعفر أشبه الناس خلقا وخلقا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جعفر أكبر من علي رضي الله عنهما بعشر سنين، وكان عقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين. وكان جعفر من المهاجرين الأولين، هاجر إلى أرض الحبشة، وقدم منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتنقه وقال: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟ وكان قدوم جعفر وأصحابه من أرض الحبشة في السنة السابعة من الهجرة، واختط له رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب المسجد، ثم غزا غزوة مؤتة، وذلك سنة ثمان من الهجرة، فقتل فيها رضي الله عنه.
قال الزبير: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤنة في جمادى الأولى من سنة ثمان من الهجرة، فأصيب بها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتل فيها جعفر حتى قطعت يداه جميعا ثم قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء، فمن هنا قيل له جعفر ذو الجناحين.
وذكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن آدم، عن قطبة بن عبد العزيز، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن سالم بن أبي الجعد قال: أري النبي صلى الله عليه وسلم في النوم جعفر بن أبي طالب ذا جناحين مضرجا بالدم.
وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: وجدنا ما بين صدر جعفر بن أبي طالب ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح.
وقد روى أربع وخمسون جراحة، والأول أثبت، ولما أتى النبي صلى الله عليه وسلم نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزاها في زوجها جعفر، ودخلت فاطمة رضي الله عنها وهي تبكى وتقول: وا عماه، فقال رسول الله صلى الله عليه: على مثل جعفر فلتبك البواكي. حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد، قال، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن نافع بن عجير عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي يا جعفر ... في حديث ذكره.
وأخبرنا عبد الوارث قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا خلف بن الوليد، قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا محمد بن عمرو البزار، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبيد الله الحنفي، حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت البارحة الجنة فإذا فيها جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة مع أصحابه. وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن جدعان عن ابن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل لي جعفر، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة في خيمة من در، كل واحد منهم على سرير، فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدود، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود، قال: فسألت أو قيل لي: إنهما حين غشيهما الموت أعرضا، أو كأنهما صدا بوجههما، وأما جعفر فإنه لم يفعل. حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا ابن الورد، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن خشرم، قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن مجالد عن الشعبي قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: كنت إذا سألت عليا شيئا فمنعني فقلت له: بحق جعفر أعطاني.
حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا ابن شعبان حدثنا أحمد بن شعيب، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا وطئ التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وجعفر أول من عرقب فرسا في سيل الله، نزل يوم مؤتة إذ رأى الغلبة، فعرقب فرسه، وقاتل حتى قتل. قال الزبير بن بكار: كانت سن جعفر بن أبي طالب يوم قتل إحدى وأربعين سنة.
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 242
جعفر بن أبي طالب. واسم أبي طالب عبد مناف بن
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. وكان لجعفر من الولد عبد الله وبه كان يكنى وله العقب من ولد جعفر. ومحمد وعون لا عقب لهما. ولدوا جميعا لجعفر بأرض الحبشة في المهاجر إليها. وأمهم أسماء بنت عميس بن معبد بن تيم بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل. وهو جماع خثعم. ابن أنمار.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثني أبي عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله وعون ومحمد بنو جعفر وأخواهم لأمهم يحيى بن علي بن أبي طالب ومحمد بن أبي بكر وأمهم الخثعمية أسماء بنت عميس.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا محمد بن صالح عن يزيد بن رومان قال: أسلم جعفر بن أبي طالب قبل أن يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم ويدعو فيها.
وقال محمد بن عمر: وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عميس. وولدت له هناك عبد الله وعونا ومحمدا. فلم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة. ثم قدم عليه جعفر من أرض الحبشة وهو بخيبر سنة سبع. وكذلك قال محمد بن إسحاق.
قال محمد بن عمر: وقد روي لنا أن أميرهم في الهجرة إلى أرض الحبشة جعفر بن أبي طالب.
[قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن الأجلح عن الشعبي قال: لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر تلقاه جعفر بن أبي طالب فالتزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل ما بين عينيه وقال: ما أدري بأيهما أنا أفرح. بقدوم جعفر أو بفتح خيبر].
قال: أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن ربيعة الكلابي قالا: حدثنا سفيان عن الأجلح عن الشعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استقبل جعفر بن أبي طالب حين جاء من أرض الحبشة فقبل ما بين عينيه. وقال الفضل بن دكين: وضمه إليه. وقال محمد بن ربيعة:
واعتنقه.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون والفضل بن دكين قالا: حدثنا المسعودي عن الحكم بن عتيبة أن جعفرا وأصحابه قدموا من أرض الحبشة بعد فتح خيبر فقسم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيبر. قال وقال محمد بن إسحاق: وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل. قال وقال محمد بن عمر: هذا وهل. وكيف يكون هذا وإنما كانت المؤاخاة بعد قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وقبل بدر؟ فلما كان يوم بدر نزلت آية الميراث وانقطعت المؤاخاة وجعفر غائب يومئذ بأرض الحبشة.
[قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها. قال فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة حتى ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من نومه. قال: هلموا أقض بينكم فيها وفي غيرها. فقال علي:
ابنة عمي وأنا أخرجتها وأنا أحق بها. وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي. وقال زيد: ابنة أخي. فقال في كل واحد قولا رضيه. فقضى بها لجعفر وقال: الخالة والدة: فقام جعفر فحجل حول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار عليه. فقال النبي. ع: ما هذا؟ قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم. خالتها أسماء بنت عميس وأمها سلمى بنت عميس].
[قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكري الرقي قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه أسامة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لجعفر بن أبي طالب: أشبه خلقك خلقي وأشبه خلقك خلقي فأنت مني ومن شجرتي].
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: [أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم وهانئ عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر بن أبي طالب في حديث بنت حمزة: أشبهت خلقي وخلقي].
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك.
قال: أخبرنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف عن محمد بن سيرين أن [النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر حين تنازع هو وعلي وزيد في ابنة حمزة: أشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي].
[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثني حماد بن سلمة عن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر: إنك شبيه خلقي وخلقي].
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا هشام بن سعد عن جعفر بن عبد الله بن جعفر عن جعفر بن أبي طالب أنه تختم في يمينه.
[قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن أبي يعقوب يحدث عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشا واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: إن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر بن أبي طالب. فإن قتل جعفر أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة.] فلقوا العدو فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل. ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل. ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل. ثم أخذ الراية بعدهم خالد بن الوليد ففتح الله عليه. فأتى خبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن إخوانكم لقوا العدو فأخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل أو استشهد. ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد. ثم أخذها عبد الله بن رواحة وقاتل حتى قتل أو استشهد. ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه. ثم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم. ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم. ثم قال: ائتوني ببني أخي. فجيء بنا كأنا أفراخ فقال: ادعوا إلي الحلاق. فدعي فحلق رءوسنا فقال: أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب. وأما عبد الله. في كتاب ابن معروف موضع عبد الله عون الله. فشبيه خلقي وخلقي. قال ثم أخذ بيده فأشالها وقال: اللهم اخلف
جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه. ثلاث مرات. ثم جاءت أمنا فذكرت يتمنا وجعلت تفرح له فقال: أالعيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟
قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: أخبرني أبي الذي أرضعني من بني قرة قال: كأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة. نزل عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل.
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: وحدثني عبد الجبار بن عمارة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. زاد أحدهما على صاحبه. قال: لما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية جاءه الشيطان فمناه الحياة الدنيا وكره له الموت فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا؟ ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا له ثم [قال رسول الله. ص: استغفروا لأخيكم جعفر فإنه شهيد وقد دخل الجنة وهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة].
[قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: قال رسول الله. ص: رأيت جعفرا ملكا يطير في الجنة تدمى قادمتاه.
ورأيت زيدا دون ذلك فقلت ما كنت أظن أن زيدا دون جعفر. فأتاه جبرائيل فقال: إن زيدا ليس بدون جعفر ولكنا فضلنا جعفرا لقرابته منك].
قال: أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن عمر قالا: حدثنا أبو جعفر عن نافع عن ابن عمر قال: وجد أو وجدنا فيما أقبل من بدن جعفر بن أبي طالب ما بين منكبيه. قال الفضل بن دكين: تسعين ضربة بين طعنة برمح وضربة بسيف. وقال محمد بن عمر: اثنتين وسبعين ضربة.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثني أبي عن عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر قال: كنت بمؤتة فلما فقدنا جعفر بن أبي طالب طلبناه في القتلى فوجدناه وبه طعنة ورمية بضع وتسعون فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن عبد الله بن أبي بكر قال: وجد في بدن جعفر أكثر من ستين جرحا ووجد به طعنة قد أنفذته.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: ضربه رجل من الروم فقطعه بنصفين فوقع أحد نصفيه في كرم فوجد في نصفه ثلاثون أو بضعة وثلاثون جرحا.
[قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن رجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لقد رأيته في الجنة يعني جعفرا له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ القوادم].
[قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثني حسين عن عبد الله بن حمزة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب. ع. أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: إن لجعفر بن أبي طالب جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة].
[قال: أخبرنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن المختار قال: قال رسول الله. ص: مر بي جعفر بن أبي طالب في الليلة في ملإ من الملائكة. له جناحان مضرجان بالدماء. أبيض القوادم].
[أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثني حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب. ع. أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: إن لجعفر بن أبي طالب جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة].
[قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو شهاب عن هشام عن الحسن أنه قال: إن لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء].
قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى جعفرا وزيدا. نعاهما من قبل أن يجيء خبرهما. نعاهما وعيناه تذرفان.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد والفضل بن دكين قالا: حدثنا زكرياء بن أبي زائدة عن عامر قال: قتل جعفر بن أبي طالب بالبلقاء يوم مؤتة [فقال رسول الله. ص: اللهم اخلف جعفرا في أهله. قال محمد بن عبيد: بخير ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين. وقال الفضل بن دكين: كأفضل ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين].
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير ومحمد بن عبيد قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال: لما أصيب جعفر أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأته أن ابعثي إلي بني
جعفر. فأتي بهم [فقال النبي. ص: اللهم إن جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بخير ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين].
[قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعد عن عمرة عن عائشة قالت: لما جاء نعي جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف في وجهه الحزن. قالت عائشة: وأنا أطلع من شق الباب فجاء رجل فقال: يا رسول الله إن نساء جعفر قد لزمن بكاءهن. فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاهن. قالت فذهب الرجل ثم جاء فقال: إني قد نهيتهن وإنهن لم يطعنه. فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينهاهن الثانية.
فذهب الرجل ثم جاء فقال: والله لقد غلبنني. فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينهاهن.
قالت عائشة: فذهب ثم. أتاه فقال: والله يا رسول الله لقد غلبنني فزعمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال احث في أفواههن التراب. قالت: أرغم الله أنفك ما أنت بفاعل ولا تركت رسول الله. ص].
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: لما أتت وفاة جعفر عرفنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الحزن. قالت فدخل عليه رجل فقال: يا رسول الله إن النساء يبكين. [قال: فارجع إليهن فأسكتهن. قال ثم جاء الثانية فقال مثل ذلك. قال ارجع إليهن فأسكتهن. ثم جاء الثالثة فقال مثل ذلك. قال: فإن أبين فاحث في أفواههن التراب. قالت عائشة: قلت في نفسي والله ما تركت نفسك إلا وأنت مطيع رسول الله. ص].
قال: أخبرنا الفضل بن دكين وأحمد بن عبد الله بن يونس قالا: حدثنا محمد بن طلحة عن الحكم عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر قال [لي رسول الله. ص: تسلي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت].
قال محمد بن عمر: وأطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب بخيبر خمسين وسقا من تمر في كل سنة.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير ومحمد بن عبيد قالا: حدثنا زكرياء بن أبي زائدة عن عامر قال: تزوج علي أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر. قال كل واحد منهما: أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك. [فقال لها علي:
اقضي بينهما. فقالت: ما رأيت شابا من العرب كان خيرا من جعفر ولا رأيت كهلا
خيرا من أبي بكر. فقال علي: ما تركت لنا شيئا. فقالت: والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار. فقال لها: لو قلت غير هذا لمقتك].
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا وهيب بن خالد قال: حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن أبي هريرة قال: ما احتذى ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من جعفر.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا بن أبي ذئب عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب. كان يتقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة ليس فيها شيء فيبشقها فنلعق ما فيها.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 4- ص: 24
جعفر بن أبي طالب، أبو عبد الله، الهاشمي.
قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، فقتل يوم مؤتة.
دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 2- ص: 1
جعفر بن أبي طالب الطيار
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 20
(سي) جعفر بن أبي طالب أبو عبد الله رضي الله عنه.
قال أبو أحمد العسكري: أسلم بمكة بعد علي بقليل، ويقال: إن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليا يصليان فقال لجعفر: صل جناح ابن عمك، وله
فيه شعر انتهى.
الشعر الذي أشار إليه أنشده أبو هفان في ديوان أبي طالب في شأن جعفر لما أمره بالصلاة:
إن عليا وجعفرا بفتى | عند احتدام الأمور والكرب |
أراهما عرضتا اللقاء | إذا ساميت أو انتمى إلى حسب |
والله لا أخذل النبي | ولا يخذله من بني ذو حسب |
إن عليا وجعفرا ثقة | وعصمة في النوائب |
لا تبعدا وانصرا ابن عمكما | أخي لأمي من بينهم وأبي |
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 3- ص: 1
جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو عبد الله الهاشمي
أخو علي بن أبي طالب هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة جميعاً وقتل يوم مؤتة سنة ثمان من الهجرة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن فرس له شقراء فعقرها ثم تقدم فقاتل حتى قتل فلما جاء نعيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب فقال اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم
دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 3- ص: 1
جعفر بن أبي طالب الطيار
في الجنة قتل يوم مؤتة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1
جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب
حدثنا محمد بن هارون بن حميد، وغيرهم قالوا: نا عبد الله بن عمر قال نا أسد بن عمرو، عن مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه قال: لما قدمت المدينة تلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقني وقال: «ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أو بقدوم جعفر»
مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1
جعفر بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبو عبد الله الطيار، ذو الجناحين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أسلم قديما، حتى قيل إنه أسلم بعد على وزيد، قبل الصديق. ذكره يعقوب بن سفيان عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن الحسن بن زيد، وقال ابن الأثير، بعد أن ذكر ما يدل لهذا: وقيل أسلم بعد واحد وثلاثين إنسانا، وكان هو الثاني والثلاثين، قاله ابن إسحاق. انتهى.
وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بإثر فتحه لخيبر، وسر النبي صلى الله عليه وسلم بقدومه، وتلقاه وأعتنقه، وقال: ما أدري بأيهما أشد فرحا، بقدوم جعفر أو بفتح خيبر. وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم، قبل بين عينى جعفر، وفي هذه الرواية، أن قدومه وفتح خيبر كانا في يوم واحد، ثم بعثه في غزوة مؤتة، وهو موضع بأدنى البلقاء، من أرض الشام في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وقيل سنة سبع، قاله خليفة. وقال أيضا: إن مؤتة سنة ثمان، فوافق الجماعة، واستشهد جعفر رضي الله عنه بها وبيده لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن قطعت يداه، ووجد في جسده بضع وسبعون من ضربة وطعنة ورمية. وهذا يروى عن ابن عمر رضي الله عنهما، في صحيح البخاري. وفيه عنه: فعددت به خمسين، بين طعنة وضربة ليس شيء منها في دبره، وأسف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كثيرا وبكى.
وكان رضي الله عنه، أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا.
وكان يكنى أبا المساكين، لجوده. على ما قال أبو هريرة رضي الله عنه.
وقال: ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل من جعفر. رويناه في الترمذي وغيره، وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة»، انتهى.
وقيل: إن الله تعالى أبدله عن يديه جناحين يطير بهما في الجنة، فلذلك قيل له الطيار، وذو الجناحين.
وهو أول من عرقب فرسا في سبيل الله تعالى فعل ذلك بفرسه، إذ رأي الغلبة يوم مؤتة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أمره بها، إن أصيب زيد بن حارثة.
وكان جعفر فيما قيل أميرا على من هاجر معه إلى الحبشة.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب لجعفر بسهمه وأجره يوم بدر.
كذا رأيت في التهذيب للمزي، ولعله يوم خيبر. والله أعلم.
روى له النسائي في اليوم والليلة، حديثا واحدا.
وكان له حين قتل ثلاث وثلاثون سنة، وقيل أربع وثلاثون، وقيل إحدى وأربعون، وقيل ثلاثون، وقيل خمس وعشرون.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 1
جعفر بن أبي طالب
واسم أبي طالب عبد مناف قتل رحمة الله عليه قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى موته سمعت أبي يقول ذلك.
طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 2- ص: 1