جعفر البرمكي جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، أبو الفضل: وزير الرشيد العباسي، وأحد مشهوري البرامكة ومقدميهم. ولد ونشأ في بغداد، واستوزره هارون الرشيد، ملقيا إليه أزمة الملك، وكان يدعوه: اخي. فانقادت له الدولة، يحكم بما يشاء فلا ترد أحكامه، إلى أن نقم الرشيد على البرامكة، نقمته المشهورة، فقتله في مقدمتهم، ثم أحرق جثته بعد سنة. وكانت لجعفر توقيعات جميلة. وهو أحد الموصوفين بفصاحة المنطق وبلاغة القول وكرم اليد والنفس، قالوا في وصف حديثه: (جمع الهدوء والتمهل والجزالة والحلاوة، وإفهاما يغنيه عن الإعادة) وكان كاتبا بليغا، يحتفظ الكتاب بتوقيعاته يتدارسونها. والبرامكة يرجعون في أنسابهم إلى الفرس
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 130
البرمكي الوزير الملك أبو الفضل جعفر، ابن الوزير الكبير أبي علي يحيى ابن الوزير خالد بن برمك الفارسي.
كان خالد من رجال العالم، توصل إلى أعلى المراتب في دولة أبي جعفر، ثم كان ابنه يحيى كامل السؤدد، جليل المقدار، بحيث إن المهدي ضم إليه ولده الرشيد، فأحسن تربيته، وأدبه، فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد، رد إلى يحيى مقاليد الأمور، ورفع محله، وكان يخاطبه: يا أبي، فكان من أعظم الوزراء، ونشأ له أولاد صاروا ملوكا، ولا سيما جعفر، وما أدراك ما جعفر؟ له نبأ عجيب، وشأن غريب، بقي في الارتقاء في رتبة، شرك الخليفة في أمواله، ولذاته، وتصرفه في الممالك، ثم انقلب الدست في يوم، فقتل، وسجن أبوه وإخوته إلى الممات، فما أجهل من يغتر بالدنيا!
وقال الأصمعي: سمعت يحيى بن خالد يقول: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.
قال إسحاق الموصلي: كانت صلة يحيى إذا ركب لمن سأله مائتي درهم، أتيته وقد شكوت إليه ضيقا، فقال: ما أصنع بك؟ ما عندي شيء، ولكني قد جاءني خليفة صاحب مصر، يسأل أن أستهدي صاحبه شيئا، فأبيت، فألح وبلغني أن لك جارية بثلاثة آلاف دينار، فهو ذا أستهديه إياها، فلا تنقصها من ثلاثين ألف دينار شيئا. قال: فما شعرت إلا والرجل قد أتى، فساومني بالجارية، فبذل عشرين ألفا، فلنت، فبعتها، فلما أتيت يحيى، عنفني، ثم قال: وهذا خليفة صاحب فارس، قد جاءني في نحو هذا، فخذ جاريتك مني، فإذا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دينار. قال: فأتاني، فبعتها بثلاثين ألفا فلما، صرت إلى يحيى، قال: ألم نؤدبك؟ خذ جاريتك. قلت: قد أفدت بها خمسين ألف دينار، ثم تعود إلي، هي حرة، وإني قد تزوجتها.
قيل: إن ولدا ليحيى، قال له وهم في القيود: يا أبة، بعد الأمر والنهي والأموال صرنا إلى هذا؟! قال: يا بني! دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.
مات يحيى مسجونا، بالرقة، سنة تسعين ومائة، عن سبعين سنة.
فأما جعفر، فكان من ملاح زمانه، كان وسيما، أبيض، جميلا، فصيحا، مفوها، أديبا، عذب العبارة، حاتمي السخاء، وكان لعابا، غارقا في لذات دنياه، ولي نيابة دمشق، فقدمها في سنة ثمانين ومائة، فكان يستخلف عليها، ويلازم هارون، وكان يقول: إذا أقبلت الدنيا عليك، فأعط، فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت، فأعط، فإنها لا تبقى.
قال ابن جرير: هاجت العصبية بالشام، وتفاقم الأمر، فاغتم الرشيد، فعقد لجعفر، وقال: إما أن تخرج أو أخرج. فسار، فقتل فيهم، وهذبهم، ولم يدع لهم رمحا، ولا قوسا، فهجم الأمر، واستخلف على دمشق عيسى بن المعلى، ورد.
قال الخطيب: كان جعفر عند الرشيد بحالة لم يشاركه فيها أحد، وجوده أشهر من أن يذكر، وكان من ذوي اللسن والبلاغة. يقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئا منها عن موجب الفقه، كان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف حتى فقه.
وعن ثمامة بن أشرس، قال: ما رأيت أبلغ من جعفر البرمكي، والمأمون.
قيل: اعتذر إلى جعفر رجل، فقال: قد أغناك الله بالعذر منا عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك.
قال جحظة: حدثنا ميمون بن مهران، حدثني الرشيدي، حدثني مهذب حاجب العباس بن محمد -يعني: أخا المنصور: أن العباس نالته إضاقة، فأخرج سفطا فيه جوهر بألف ألف، فحمله إلى جعفر، وقال أريد عليه خمسمائة ألف. قال: نعم، وأخذ السفط. فلما رجع العباس إلى داره، وجد السفط قد سبقه، ومعه ألف ألف، ودخل جعفر على الرشيد، فخاطبه في العباس، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار.
وعن إبراهيم الموصلي، قال: حج الرشيد وجعفر وأنا معهم، فقال لي جعفر: انظر لي جارية لا مثل لها في الغناء والظرف. قال: فأرشدت إلى جارية لم أر مثلها، وغنت، فأجادت، فقال مولاها: لا أبيعها بأقل من أربعين ألف دينار. قلت: قد أخذتها. فأعجب بها جعفر فقالت الجارية: يا مولاي، في أي شيء أنت؟ قال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، فأردت أن تصيري إلى هذا الملك، فتسعدي. قالت: لو ملكت منك ما ملكت مني، ما بعتك بالدنيا، فاذكر العهد -وقد كان حلف أن لا يأكل لها ثمنا- فتغرغرت عيناه، وقال لجعفر: اشهدوا أنها حرة، وأني قد تزوجتها، وأمهرتها داري، فقال جعفر: انهض بنا. فدعوت الحمالين لنقل الذهب، فقال جعفر: والله لا صحبنا منه درهم، وقال لمولاها: أنفقه عليكما.
قيل: كان في خزائن جعفر دنانير، زنة الواحد مائة مثقال، كان يرمي بها إلى أصطحة الناس سكته.
وأصفر من ضرب دار الملوك | يلوح على وجهه جعفر |
يزيد على مائة واحدا | متى يعطه معسر يوسر |
إني مررت على العقيق وأهله | يشكون من مطر الربيع نزورا |
ما ضرهم إذ مر فيهم جعفر | أن لا يكون ربيعهم ممطورا |
ألا قل لأمين اللـ | ـله وابن القادة الساسه |
إذا ما ناكث سر | رك أن تعدمه رأسه |
فلا تقتله بالسيف | وزوجه بعباسه |
قل لأمين الله في أرضه | ومن إليه الحل والعقد |
هذا ابن يحيى قد غدا مالكا | مثلك ما بينكما حد |
أمرك مردود إلى أمره | وأمره ما إن له رد |
وقد بنى الدار التي ما بنى الـ | ـفرس لها مثلا ولا الهند |
الدر والياقوت حصباؤها | وتربها العنبر والند |
ونحن نخشى أنه وارث | ملكك إن غيبك اللحد |
قولا لمن يرتجي الحياة أما | في جعفر عبرة ويحياه |
كانا وزيري خليفة الله ها | رون هما ما هما وزيراه |
فذالكم جعفر برمته | في حالق رأسه ونصفاه |
والشيخ يحيى الوزير أصبح قد | نحاه عن نفسه وأقصاه |
شتت بعد الجميع شملهم | فأصبحوا في البلاد قد تاهوا |
كذاك من يسخط الإله بما | يرضي به العبد يجزه الله |
سبحان من دانت الملوك له | نشهد أن لا إله إلا هو |
طوبى لمن تاب قبل عثرته | فتاب قبل الممات طوباه |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 508
جعفر بن يحيى بن خالد، أبو الفضل البرمكي قال الخطيب: كان من علو القدر، ونفاذ الأمر، وعظم المحل، وجلالة المنزلة، عند هارون الرشيد، بحالة انفرد بها، ولم يشارك فيها، وكان سمح الأخلاق، طلق الوجه، ظاهر البشر، فأما جوده وعطاؤه فأشهر من أن يذكر، وأبين من أن يظهر، وكان أيضا من ذوي الفصاحة، المذكورة باللسن والبلاغة، ويقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، نظر في جميعها، فلم يخرج شيء منها عن موجب الفقه.
قال: وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمه إلى أبي يوسف القاضي، حتى علمه وفقهه.
وقال ثمامة بن أشرس: ما رأيت رجلا أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون.
وحكى العباس بن الفضل، قال: اعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك الله بالعذر [منا] عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك.
وحيث كان يروى عنه في الكرم، وإسداء النعم، وإكرامه جلسائه، والإحسان إلى أوليائه، وتحقيق ظن آمليه، وتفريج كربة سائليه، ما تضيق عنه الدفاتر، وتعجز عن ضبطه الأقلام والمحابر، وتغنى به الركبان، وتتجمل بذكره مجالس الأعيان، فلا بأس أن نذكر منها طرفا يسيرا يكون لأهل الكرم به قدوة، ولضعيف الهمة باعثا على الجميل وموجدا له نحوه، وليعلم أن المرء لا يبقى له بعد موته إلا الذكر الجميل، والثناء الحسن الجزيل.
فمن ذلك ما روى ابن عساكر، عن المهذب صاحب العباس بن محمد، صاحب قطيعة العباس والعباسية، أنه أصابته ضائقة، وألح عليه المطالبون، وعنده سفط فيه جوهر، مشتراة عليه ألف درهم، فحمله إلى جعفر ليبيعه منه، فاشتراه بثمنه، ووزن له ألف ألف، وقبض منه السفط، وأجلسه عنده في تلك الليلة، فلما رجع إلى أهله إذا السفط قد بلغه إلى منزله، فلما أصبح غدا إليه ليتشكر له، فوجده مع أخيه الفضل على باب الرشيد، يستأذن عليه، فقال له جعفر: إني قد ذكرت أمرك للفضل، وقد أمر لك بألف ألف، وما أظنها إلا سبقتك إلى أهلك، وسأفاوض فيك أمير المؤمنين. فلما دخل ذكر أمره له، وما لحقه من الديون، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار.
وروى الخطيب أن جعفرا كان ليلة في سمره وعنده أبو علقمة الثقفي صاحب الغريب، فأقبلت خنفساة إلى علقمة، فقال: أليس يقال: إن الخنفساة إذا أقبلت إلى رجل أصاب خيرا؟ قالوا: بلى. فقال جعفر: يا غلام أعطه ألف دينار. ثم نحوها فعادت إليه، فقال: يا غلام، أعطه ألف دينار. فأعطاه.
وروى أيضا أن جعفرا حج مرة مع الرشيد، فلما كانوا بالمدينة، قال لإبراهيم الموصلي: أنظر لي جارية أشتريها، ولا تبق غاية في حذاقتها بالغناء والضرب والكمال، والطرف، والأدب، وجنبني قولهم: صفراء.
قال إبراهيم: فوصفتها على يد من يعرف، فأرشدت إلى جارية لرجل، فدخلت عليه، فرأيت رسوم النعمة عنده، فأخرجها إلي، فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب، قال: ثم تغنت لي أصواتا فأجادتها، قال: فقلت لصاحبها: قل ما شئت، قال: أقول لك قولا لا أنقص منه درهما، قلت: قل. قال: أربعين ألف دينار. قال: قلت قد أخذتها، واشترطت عليك نظرة. قال: ذاك لك.
قال: فأتيت جعفر بن يحيى، فقلت: قد أصبت حاجتك على غاية الكمال والظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجودة الضرب والغناء، وقد اشترطت نظرة فاحمل المال، ومر بنا.
قال: فحملنا المال على حمالين، وجاء جعفر مستخفيا، فدخلنا على الرجل فأخرجها، فلما رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنته فازداد بها عجبا، فقال لي: اقطع أمرها. فقلت لمولاها: هذا المال قد نقدناه ووزناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من شئت لينتقده. فقال: لا، بل أقنع بما قلتم.
قال: فقالت الجارية: يا مولاي، في أي شيء أنت؟
فقال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، وما كنت فيه من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان علينا، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك، فتنبسطي في شهواتك وإرادتك.
فقالت الجارية: والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكته مني ما بعتك بالدنيا وما فيها، وبعد فاذكر العهد.
وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنا، فتغرغرت عين المولى، وقال: اشهدوا أنها حرة لوجه الله تعالى، وأني قد تزوجتها، وأمهرتها داري.
فقال لي جعفر: انهض بنا.
فقال: فدعوت الحمالين ليحملوا المال، قال: فقال جعفر: لا والله، لايصحبنا منه درهم.
قال: ثم أقبل على مولاها، فقال: هو لك مباركا لك فيه، أنفقه عليك وعليها. قال: وقمنا وخرجنا.
وروى أنه لما حج اجتاز في طريقه بالعقيق، وكانت سنة مجدبة، فاعتضته امرأة من بني كلاب، وأنشدته:
إني مررت على العقيق وأهله | يشكون من مطر الربيع نزورا |
ما ضرهم إذا كان جعفر جارهم | أن لا يكون ربيعهم ممطورا |
تلمظ السيف من شوق إلى أنس | فالسيف يلحظ والأقدار تنتظر |
قل لأمين الله في أرضه | ومن إليه الحل والعقد |
إن ابن يحيى جعفرا قد غدا | مثلك ما بينكما حد |
أمرك مردود إلى أمره | وأمره ليس له رد |
وقد بنى الدار التي ما بنى ال | فرس لها مثلا ولا الهند |
الدر والياقوت حصباؤها | وتربها العنبر والند |
وجدك المنصور لو حلها | لما أطباه قصره الخلد |
ساواك في الملك فأبوابه | مأهولة يعمرها الوفد |
وما يساوي العبد أربابه | إلا إذا ما بطر العبد |
ونحن نخشى أنه وارث | ملكك إن غيبك اللحد |
فلا تبعد فكل فتى سيأتي | عليه الموت يطرق أو يغادي |
وكل ذخيرة لا بد يوما | وإن بقيت تصير إلى نفاذ |
فو فوديت من حدث المنايا | فديتك بالطريف وبالتلاد |
ما يريد الناس منا | ما ينام الناس عنا |
إنما همهم أن | يظهروا ما قد دفنا |
الآن استرحنا واستراحت ركابنا | وأمسك من يحدي ومن كان يحتدي |
فقل للمطايا قد أمنت من السرى | وطي الفيافي فدفدا بعد فدفد |
وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر | ولن تظفري من بعده بمسود |
وقل للعطايا بعد فضل تعطلي | وقل للرزايا كل يوم تجددي |
ودونك سيفا برمكيا مهندا | أصيب بسيف هاشمي مهند |
أما والله لولا خوف واش | وعين للخليفة لا تنام |
لطفنا حول جذعك واستلمنا | كما للناس بالحجر استلام |
فما ابصرت قبلك يا ابن يحيى | حساما فله السيف الحسام |
على اللذات والدنيا جميعا | لدولة آل برمك السلام |
ولما رأيت السيف خالط جعفرا | ونادى مناد للخليفة في يحيى |
بكيت على الدنيا وأيقنت أنما | قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا |
وما هي إلا دولة بعد دولة | تخول ذا نعمى وتعقب ذا بلوى |
إذا أنزلت هذا منازل رفعة | من الملك حطت ذا إلى الغاية القصوى |
العيش بعدك مر غير محبوب | ومد صلبت ومقتا كل مصلوب |
أرجو لك الله ذا الإحسان إن له | فضلا علينا وعفوا غير محسوب |
عليك من الأحبة كل يوم | سلام الله ما ذكر السلام |
لئن أمسى صداك براي عين | على خشب حباك بها الإمام |
فمن ملك إلى ملك برغم | من الأملاك أسلمك الهمام |
أبا الفضل لو أبصرتنا يوم عيدنا | رأيت مباهاة لنا في الكنائس |
فلو كان ذاك المطرف الخزجبة | لباهيت أصحابي به في المجالس |
فلا بد لي من جبة من جبابكم | ومن طيلسان من جياد الطيالس |
ومن ثوب قوهي وثوب علائم | ولا باس إن أتبعت ذاك بخامس |
إذا تمت الأثواب في العيد خمسة | كفتك فلم تحتج إلى لبس سادس |
لعمرك ما أفرطت فيما سألته | وما كنت لو لأفرطت فيه بآيس |
وذاك لأن الشعر يزداد جدة | إذا ما ألبلى أبلى جديد الملابس |
أمين الله هب فضل بن يحيى | لنفسك أيها الملك الهمام |
وما طلبي إليك العفو عنه | وقد قعد الوشاة به وقاموا |
أرى سبب الرضا فيه قويا | على الله الزيادة والتمام |
نذرت على فيه صيام حول | فإن وجب الرضا وجب الصيام |
وهذا جعفر بالجسر تمحو | محاسن وجهه ريح قتام |
أقول له وقمت لديه نصا | إلى أن كاد يفضحني القيام |
أما والله لولا خوف واش | وعين للخليفة لا تنام |
لطفنا حول جذعك واستلمنا | كما للناس بالحجر استلام |
وأصفر من ضرب دار الملوك | يلوح على وجهه جعفر |
يزيد على مائة واحدا | متى يعطه معسر يوسر |
وأصفر من ضرب دار الملوك | يلوح على وجهه جعفر |
ثلاث مئين يرى وزنه | متى يلقه معسر يوسر |
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا | أنيس ولم يستمر بمكة سامر |
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا | صروف الليالي والجدود العواثر |
تقاضاك دهرك ما أسلفا | وكدر عيشك بعد الصفا |
فلا تعجبن فإن الزمان | رهين بتفريق ما ألفا |
ما يعجب العالم من جعفر | ما عاينوه فبنا كانا |
من جعفر أو من أبوه ومن | كانت بنو برمك لولانا |
دار الرفاعي - الرياض-ط 0( 1983) , ج: 1- ص: 204