جياش هو صاحب اليمن وأبو أصحابه الملك أبو فاتك جياش بن نجاح الحبشي، مولى حسين بن سلامة النوبي مولى آل زياد ملوك اليمن.
كان أبوه قد استولى على اليمن، وأباد أضداده، وتمكن إلى أن ظهر الصليحي وتملك ومكر بنجاح، فسمه، فهرب أولاده، ولحقوا بالحبشة، ورأسهم سعيد بن نجاح الأحول، وتكلم الكهان بأن هذا الأحول يقتل الصليحي، وصورت للصليحي صورة الأحول على جميع أحواله، واستشعر منه، فترقت همته، وجاء من الحبشة في خمسة آلاف حربة، فكبس الصليحي بالمهجم مخيمه، فقتله، وقتل أخاه، وعدة، وأخذ خزانته، وكانت عظيمة، وجمع بعض آل الصليحي، فقتلهم رميا بالحراب، وتملك زبيد، وعلق الرأس، فقال العثماني شاعر:
نكرت مظلته عليه فلم ترح | إلا على الملك الأجل سعيدها |
ما كان أقبح وجهه في خالها | ما كان أحسن رأسه في عودها |
سود الأراقم قاتلت أسد الشرى | يا رحمتا لأسودها من سودها |
ثم بعد سنة، حشد مكرم بن الصليحي، وأقبل من صنعاء، فالتقوا، فانكسر السودان، وانهزم الأحول، ونزلوا السفن، واسترد مكرم زبيد، وخلص أمه، ثم فلج، ففوض الأمور إلى زوجته الحرة سيده، وأقبل على اللهو مع فالجه إلى أن هلك سنة ’’484’’، وعهد بالملك إلى ابن عمه السلطان سبأ بن أحمد، وكان الحرب بينه وبين آل نجاح سجالا، وكتب خليفة
مصر إلى الحرة: قد زوجتك بأمير الأمراء سبأ على مائة ألف دينار، ثم لما مات سبأ، قامت بملكها، ودبر دولتها المفضل، وامتدت أيام الحرة خمسين سنة.
نعم، ثم توثب سعيد الأحول على صنعاء، ثم هلك سنة ست وثمانين، وتملك بعده أخوه جياش، وقد تنكر وسار مع وزيره قسيم الملك إلى الهند.
قال جياش: دخلنا الهند سنة ’’481’’، فأقمنا ستة أشهر ورجعنا، فقدم إنسان من سرنديب يتكلم على المستقبلات، فسألنا عن حالنا، وبشرنا بأمور لم تخرم، واشتريت جارية هندية، وجئنا عدن، فقلت لوزيري: امض إلى زبيد، فأشع موتي، واكشف الأمور، وصعدت جبلة، وكشفت أحوال المكرم، ثم أتيت زبيد، فخبرني الوزير بما يسر عن أوليائنا، وأنهم كثير، فأخذت من لحيتي، وسترت عيني بخرقة، وطولت أظافري، وقصدت دار ابن القم الوزير فأسمعه يقول: لو وجدت كلبا من آل نجاح لملكته، وذلك لشر وقع بينه وبين ابن شهاب رفيقه، فخرج ولد ابن القم، فقال: يا هندي، تحسن الشطرنج؟، قلت: نعم، قال: فغلبته، فثار، وكان طبقة أهل زبيد، فقال له أبوه: ما لنا من يغلبك إلا جياش، وقد مات، ثم لعبت مع الأب، فمنعت الدست، فأحبني وخلطني بنفسه، وهو يقول كل الوقت: عجل الله علينا بكم يا آل نجاح، فأخذت أكاتب الحبوش حتى حصل حول زبيد خمسة آلاف حربة، وأمرت وزيري، فأخذ لي عشرة آلاف دينار مودعة، فأنفقتها فيهم، وضرب ولد ابن القم عبدا له، فنالني طرف سوطه، فقلت: أنا أبو الطامي، فقال أبوه: ما اسمك؟ قلت: بحر، قال: كنية مناسبة.
وقال مرة لابنه: إن غلبت الهندي، أوفدتك بارتفاع السنة على المكرم. قال: فتراخيت له، فغلبني، فطاش فرحا، ومد يده إلى وجهي، فأحفظني، وقمت، فعثرت، فاعتزيت، وقلت: أنا جياش بن نجاح، ففهمها الأب، فوثب خلفي حافيا، وضمني، وأخرج المصحف، وحلف لي، وحلفت له، وأمر بإخلاء دار أعز بن الصليحي، وحمل إليها الأمتعة، ونقلت إليها سريتي، فولدت لوقتها ولدي الفاتك، وضربت الطبل، وظهرنا، فأسرنا ابن شهاب، فقال: مثلي لا يطلب العفو، والحرب سجال، قلت: ومثلك لا يقتل. ثم أحسن إليه جياش، وتسلم دار الملك، ولم يمض شهر حتى ركب في عشرين ألف حربة، ولم يقو به المكرم، ولم يزل مالكا إلى أن مات سنة خمس مائة.
وقيل: مات سنة ثمان وتسعين عن ستة بنين، فتملك ابنه الفاتك، ثم حاربه إبراهيم أخوه، ومات فاتك سنة ’’53’’، فملكت عبيده ولده المنصور صغيرا، فتوثب عبد الواحد بن جياش، فتملك زبيد، وهربت الخدم بالصبي، وجرت حروب طويلة، ثم تمكن الصبي مدة، وولي بعده ابنه فاتك بن منصور، ثم تملك ابن عمه، فدامت دولته إلى أن قتله عبيده في سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، واسمه فاتك بن محمد بن المنصور، وكان هو وعبيده لا بأس بدولتهم، وحكموا على شطر اليمن مع بقايا آل الصليحي، ومع الشرفاء الزيدية.
صاحب ماردين، الباقلاني: