الأمير أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني العدوي التغلبي

نسبه

هو أبو فراس الحارث بن أبي المعالي سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن اسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني العدوي التغلبي.

وأبو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء من أسماء الأسد. وفي شعره ما يدل على إن أمه أو إحدى جداته رومية حيث يقول:

ويقول أيضا:

ويقول أيضا:

مولده ووفاته

ولد بمنبج سنة 320 وقيل سنة 321 ومقتضى ما حكاه ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال له انه في سنة 339 كان سني 19 سنة أو ولادته كانت سنة 320 وقتل يوم الأربعاء لثمان خلون من ربيع الآخر أو يوم السبت لليلتين خلتا من جمادي الأولى في حرب كانت بينه وبين قرعويه أو فرغوية غلام سيف الدولة سنة 357 هكذا في جميع كتب التاريخ والأدب. فما في تاريخ دمشق لابن عساكر المطبوع من أنه قتل سنة 350 غلط من الطابع. ومقتضى تاريخ ولادته ووفاته إن يكون عمره 37 سنة وهو المناسب لقوله قرب وفاته:

ولكنه يقول في بعض قصائده:

وهو يدل على أنه بلغ الأربعين والله أعلم ماذا عمر بعد ذلك وفي ديوان الشريف الرضي المطبوع إن أبا الهيجاء حرب بن سعيد بن حمدان توفي سنة 382 قال وكان أخوه أبو فراس الحارث بن سعيد قد مات قبله بقليل. وهذا لا يناسب تاريخ وفاته المتقدم فان بينه وبين تاريخ وفاة أخيه على هذا 25 سنة وهذا لا يقال عنه انه توفي بقليل فان القليل نحو سنة أو أشهر أو نحو ذلك فلا بد إن يكون أحد التاريخين غلطا والله أعلم. على إن سيف الدولة مات سنة 356 واستيلاء أبي فراس على حمص الذي كان قتله بسببه كان بعد وفاة سيف الدولة بيسير فلا بد أما من كون تاريخ وفاة أبي الهيجاء غلطا أو قول جامع الديوان إن أخاه أبا فراس مات قبله بقليل غلط والله أعلم.

عشيرته

نشأ أبو فراس في عشيرة عربية صميمة تقلب أفرادها في الملك والإمارة قرونا عديدة وكانت لهم أحسن سيرة مملوءة بمحاسن الأفعال وجميل الصفات من كرم وسخاء وعز وإباء وصولة وشجاعة وفصاحة وبراعة وحلم وصفح وتدبير وغيرة وحماية للجار وحفظ للذمار ورأي رصين وعقل رزين إلى غير ذلك. وكلهم أو جلهم شعراء مجيدون أهل شجاعة وإقدام تعودوا ممارسة الحروب وقيادة الجيوش ويندر أوليس بموجود إن يكون فيهم من ليس بشاعر ولا شجاع فارس وسيف الدولة المتقدم في الرياسة والإمارة والشجاعة والكرم وأبو فراس الفائق بشعره فيهم والمتميز بشجاعته وفروسيته. عن كتاب أعلام الكلام للقشيري: كان كشاجم من المعجبين بآل حمدان ونظم قصيدة بليغة في جعفر بن عبد الله الحمداني.

وقال الثعالبي في اليتيمة: كان بنو حمدان ملوكا وأمراء أوجههم للصباحة وألسنهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة. وأنا أزيد فأقول: ونفوسهم للطماحة وقلوبهم للشجاعة وأقوالهم للبراعة وأوامرهم للإطاعة وحماهم للمناعة وصيتهم للاذاهة. تجلت الأخلاق والشيم العربية الفاضلة والغيرة على العروبة والإسلام في أفعالهم وأقوالهم وقد اختاروا أحسن الكنى والألقاب المشعرة بشغفهم بالعز والعلياء والشجاعة وتمسكهم بالعروبة فمن كناهم: أبو المعالي وأبو العلاء وأبو الأغر وأبو العشائر وأبو الهيجاء وأبو السرايا وأبو المرجى وأبو فراس -وهي كنية الأسد- وأبو العطاف وأبو عدنان وأبو الغطريف ومن أسمائهم الغضنفر. وفيهم يقول أبو فراس:

وفيهم يقول أبو فراس أيضا:

وفيهم يقول أبو فراس أيضا:

وفيهم يقوم أبو فراس أيضا:

وفيهم يقول أبو فراس أيضا:

وفيهم يقول أبو فراس أيضا:

وفيهم يقول أبو فراس أيضا:

وفيهم يقول أبو فراس أيضا:

وأنا ابن من شاد المكارم وابتنى=خطط المعالي حيث حل الفرقد

ويقود فيهم أبو فراس أيضا:

ويقول فيهم أبو فراس أيضا:

وفيهم يقول أبو فراس أيضا:

ويقول أبو فراس أيضا وقد أتى عسكر ناصر الدولة وفيه أخوته وبنو أخيه وقد طال عهده بلقائهم لأنه كان خلفهم صبية فعرفهم بالشبه:

وفيهم يقول السري الرفا من قصيدة يمدح بها أبا البركات لطف الله بن ناصر الدولة الحمداني:

وفيهم يقول السري أيضا من قصيدة يمدح بها سيف الدولة:

وفيهم يقول هارون الكناني من قصيدة:

وفيهم يقول جعفر بن محمد الموصلي:

وفيهم يقول المتنبي في مدح سيف الدولة:

وفيهم يقول المتنبي أيضا من قصيدة يمدح بها أبا العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان:

وفيهم يقول الشريف الرضي من قصيدة يرثي بها أبا الهيجاء حرب بن سعيد بن حمدان أخا أبي فراس وأولها:

يقول فيها:

وقد نبغ منهم جماعة كثيرة بل جلهم نوابغ فكان فيهم الأمراء والشعراء والشجعان والأسخياء ذكر أكثرهم أبو فراس في قصيدته الرائية العصماء التي يفتخر فيها بقومه في الإسلام ويذكر وقائعهم ومفاخرهم وأولها:

وسنورد طرفا مقنعا منها.

فمن نوابغهم جدهم الأعلى (الحارث) بن لقمان بن راشد الذي يشير إليه أبو فراس بقوله في القصيدة المذكورة:

وجدهم الأدنى الذي يتفرعون منه وينسبون إليه أبو العباس حمدان بن حمدون ويقال أحمد بن حمدون. والظاهر إن أصل اسمه أحمد وحمدان تغيير منه. وأولاد حمدان بن حمدون وهم تسعة:

1- علي بن حمدان بن حمدون وكان أسن ولد حمدان مات حدثا. وولده أبو الغطريف يحيى بن علي بن حمدان.

2- أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون والد سيف الدولة وله ثلاثة أولاد (أولهم) أبو محمد ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان بن حمدون وهو أسن من سيف الدولة ولناصر الدولة عدة أولاد منهم. أبو تغلب الغضنفر. وأبو المظفر حمدان. وإبراهيم. وأبو البركات لطف الله. وأبو المرجى جابر. وأبو القاسم هبة الله. والحسين، وأبو المطاع ذو القرنين (الثاني) من أولاده عبد الله بن حمدان سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون وله من الأولاد أبو المكارم مات في حياته وأبو المعالي شريف ملك بعده (الثالث) من أولاد عبد الله بن حمدان أبو العطاف جبر بن عبد الله بن حمدان.

3- أبو الوليد سليمان بن حمدان بن حمدون الملقب بالحرون

4- أبو العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون والد أبي فراس وله خمسة أولاد وهم. أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان. وأبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان. وأبو الهيجاء حرب بن سعيد ابن حمدان. وأبو الأغر أحمد بن سعيد بن حمدان وأبو الفضل ابن سعيد بن حمدان.

5- أبو سليمان داود بن حمدان بن حمدون الملقب بالمزرفن وله ولدان وهما. أبو وائل تغلب. وأبو اليقظان عمار ويظهر إن لعمار ولدا اسمه داود أيضا.

6- أبو علي الحسين بن حمدان. بن حمدون. وحفيده أبو العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان.

7- أبو السرايا نصر بن حمدان بن حمدون وله خمسة أولاد وهم. أبو العباس أحمد. وأبو اليقظان عمار. وأبو الحسن علي. وأبو زهير مهلهل وأبو عدنان محمد 8- أبو إسحاق إبراهيم بن حمدان ابن حمدون.

9- أبو جعفر محمد الغمر بن حمدان بن حمدون ومن بني حمدان جعفر بن عبد الله الحمداني لكشاجم فيه قصيدة بليغة.

أقوال العلماء فيه

عده ابن شهراشوب في معالم العلماء من شعراء أهل البيت المجاهرين وقال أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن خالويه النحوي اللغوي جامع ديوان أبي فراس وشارحه في مقدمة الديوان ما لفظه: من حل من الشرف السامي والحسب النامي والفضل الرائع والكرم الذائع والأدب البارع والشجاعة المشهورة والسماحة المأثورة محل أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث العدوي رحمه الله وكان سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان رضي الله تعالى عنه وهو ابن عمه ومنبته ومثقفه ومخرجه و موقفه يجري على سنته العادلة وآثاره الفاضلة شهدت له شواهد الفضل ودعت إليه دواعي النبل. وفي اليتيمة: أبو فراس الحارث بن سعيد حمدان. كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام عن سائر قومه ويصطنعه لنفسه ويستصحبه في غزواته ويستخلصه في أعماله وأبو فراس ينثر الدرر الثمينة في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته.

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: الحارث بن سعيد بن حمدان أبو فراس بن أبي العلاء التغلبي الحمداني الأمير الشاعر الفارس كان يسكن منبج ويتنقل في بلاد الشام في دولة أبي الحسن علي بن حمدان المعروف بسيف الدولة. وفي النجوم الزاهرة أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان التغلبي العدوي الأمير الشاعر الفصيح وكان يتنقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه سيف الدولة بن حمدان وكان من الشجعان والشعراء المفلقين وديوان شعره موجود.

وفي نسمة السحر: أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون التغلبي الشامي الأمير الكبير الشاعر المشهور (إلى أن قال) فهو المنزل الموت الأحمر ببني الأصفر والمورد السنان الأشهب في نحر العدو الأزرق تحت النقع الأسود في اليوم الأغبر.

وفي أبي فراس يقول الأمير أبو أحمد عبد الله بن ورقاء الشيباني من قصيدة تأتي:

شخصيته

هو أمير جليل وقائد عظيم أكبر قواد سيف الدولة وشجاع مدرة وشاعر مفلق وعربي صميم تجلت فيه الأخلاق والشيم العربية السامية بأجلى مظاهرها في شجاعته وولوعه بالحرب وكراهته الإخلاد إلى الدعة والراحة وفي إباء نفسه وفخره وحماسته واعتزازه بعشيرته وعلو همته وارتفاعه عن الدنايا وسخائه وفصاحته وحبه للعفو والصفح وحفظ الحرم وارتياحه إلى الكرم والبذل وحبه فعل الخير والمساواة بنفسه وعدم إيثارها على المسلمين ورقة طبعه وسجاحة خلقه وحبه للوطن ورعايته لحقوق الإخوان ومحافظته على لم شعث العشيرة إلى دين متين واعتقاد ثابت رصين وخوف من الله تعالى وغيرة على الإسلام والعروبة وأشعاره الكثيرة الحماسية وأخباره الآتية شاهدة شهادة صادقة بما اتصفت به نفسه من الشمم والإباء وعلو الهمة والطموح إلى العلياء والغرام بالمجد وما يكسب الثناء والحمد. والأمير أبو فراس هو أمير السيف والقلم. كان شاعرا مجيدا وبطلا مقداما إذا قال فعل فهو إذا قال:

فهو حقيقة نزال بكل مخوفة جرار لكل كتيبة وإذا غاب يترك فراغا لا يسده غيره فيذكره قومه لا كمن يقول ولا يفعل.

قضى الحمدانيون أيامهم في حروب متواصلة مع جيرانهم وأعدائهم الروم وكانت لأبي فراس اليد الطولى في قيادة الجيوش الحمدانية وتسييرها وكان له الفضل الأكبر في إحراز الفلج لها وكان إذا مشى الجيش مشى أبو فراس في الطليعة فيجندل بسيفه الأبطال ويردي غلب الرجال. وكان ذا نفس طماحة وروح تواقة لا ترضى بالدنيات من الأمور والصغائر من الأفعال بل تنهض به إلى أسمى المنازل وأعلى الرتب باشر أبو فراس قيادة الحروب وقيادة الجيوش وما اخضر عارضاه كما يدل عليه بعض أشعار أهله. وحكى عنه ابن خالويه أنه قال غزونا مع سيف الدولة وفتحنا حصن العيون وأوغلنا في بلاد الروم وفتحنا حصن الصفصاف وسني إذ ذاك 19 سنة وهو القائل:

وهو عارف بتواريخ العرب في الجاهلية والإسلام وغيرهم وهو عالم بصناعة الكلام والاحتجاج وإيراد الأدلة والنقص والإبرام كما تدل عليه قصيدته الميمية التي يرد بها على ابن سكرة العباسي مشارك في العلوم عارف باللغة والعربية تخرج على ابن خالويه العالم اللغوي النحوي الشهير وغيره.

جمع أبو فراس إلى مكانة بيته وشرف محتده شخصية قوية فذة فأهله ذلك لأن يكون الأمير الجليل وأن يكون أكبر قواد سيف الدولة وأن يكون من أحب الشخصيات العربية إلى النفوس على مر الأزمان. ولا شك إن نشأته في حجر سيف الدولة ووراثته مزايا عرف بها آل حمدان وتفردوا بمحاسنها قد كونا شخصيته تلك. يضاف إلى ذلك ظروف حياته التي قضاها في ممارسة الحرب والغزو ومكابدة الأسر. فقد اجتمعت تلك العوامل والمؤثرات فأخرجت شخصية صافية واضحة لا ارتباك فيها ولا تعقيد شأن أكثر الشعراء بعيدة كل البعد عن إن تربكها الخطوب وترهقها الحوادث أو إن تخرج بها دفائن الأهواء عن الخلق المتفائل السمح مع عزم وصلابة ووضوح.

لا شك في إن الوراثة وحياة المرء الاجتماعية منذ نشأته لهما الأثر العظيم في تكوين شخصيته. وتنمية صفاته الغريزية وتقويتها وإبرازها. وقد ورث شاعرنا الأمير عن أجداده وآبائه الشيء الكثير مما عرف به هذا البيت العربي الكريم فكان مطبوع الفطرة على مثل الأخلاق العربية العليا. ثم تداولت ظروف حياته هذه الفطرة السليمة الصافية فاتسقت معها تنميها وتغذيها فكانت رغباته قيد إرادة قوية ومجال واسع في الإمارة والرياسة، لتحقيق ما تصبو إليه نفسه العظيمة لقد تيسر له -وهو الطامح إلى معالي الأمور- إن يباشر الحروب وقيادة الجيوش ويتقلب في ذرى الإمارة وهو ابن تسع عشرة سنة فنمت فيه غريزة الشجاعة وقويت وعظمت وهو إلى ذلك يجر وراءه ماضيا ضخما وصيتا عريضا من تراث الآباء والأجداد ويحمل في قرارة نفسه عقيدة دينية صلبة تعرف معها نفسه ما لها وما عليها فأهله ذلك لأن يكون الأمير الجليل ولأن يكون أكبر قواد سيف الدولة ولأن يتبوأ أسمى مقام بين العظماء ولأن يكون خالد الذكر ما بقي الدهر ووجد مجالا واسعا في الحماسة والفخر الصادق وساعدته الحالات التي كان يمارسها من نصر وظفر واسر طال واستمر على إن تخرج قريحته الفياضة شعرا مطبوعا بطابع كل حسن ورقة وعذوبة وفخامة وانسجام وهو إذا افتخر وتحمس وذكر الحروب يقول قولا صادقا يطابق الفعل ولا يكون كمن يقول ما لا يفعل ويفخر بما ليس فيه. فنمت شخصيته واطمأنت خطوطها العامة في وضوح وصفاء، لذلك كان بعيدا كل البعد عن أن يحمل الحقد والنقمة على الحياة وبنى البشر فلم يقل كما قال المتنبي المنكوب في صميم نفسه بما لم ينكب به أبو فراس:

نعم لقد قال: (إذ مت ظمآنا فلا نزل القطر). ولكنه لم يمت ظمآن

بل شرب حتى ارتوى رحمه الله. وتبرم بالزمان والإخوان شأن أمثاله لكنه لم يخرج في ذلك إلى ما خرج إليه المتنبي. ويظهر تبرمه بالزمان والإخوان في كثير من شعره كقوله:

تلك شخصية أبي فراس. قل وجودها في غير بني حمدان في ذلك العصر الذي عاش فيه أبو فراس والذي توالت فيه الفتن والخطوب على الإسلام والعرب متسلسلة منذ اليوم الذي بدا فيه فساد الدين والدنيا في بلاد العرب والإسلام فقل اليقين والأمان وعصفت بالنفوس عواصف المحن والخطوب الخارجية والداخلية. فلم يكن غريبا إن يتفوق أبو فراس ويتبوأ مركز الإمارة والقيادة عن جدارة واستحقاق لأن شخصية تستطيع إن تخرج من خلال هذه الغمرات النفسية خالصة الجوهر صافية السجايا والخلايا ممثلة روح التضحية واليقين والفروسية كما كانت في صدر الإسلام لهي شخصية عبقرية.

وقد جمع أبو فراس ألوانا صادقة من رسوم شخصيته تلك فكانت صورة واضحة رائعة له في إحدى قصائده التي أرسلها إلى ابن عمه سيف الدولة من أسر القسطنطينية: وقد بلغه عن سيف الدولة ما أنكره كما في الديوان وقال ابن خالويه امتنع الأمير سيف الدولة من إخراج ابن أخت الملك إلا بفداء عام وحمل الأمير أبو فراس إلى القسطنطينية فقال يعاتب سيف الدولة. وهذه القصيدة من غرر شعر أبي فراس ولذلك أوردناها بتمامها وهي:

في هذه القصيدة ترى شخصية أبي فراس واضحة حتى في غزلها الذي كان فيه صادقا لا جاريا في استهلال القصيدة به على سنة الشعراء الأقدمين فحسب. فهو يمثل غزل الرجل الكبير والأمير الأبي الذي (لا تملك الحسناء كل قلبه) والذي (يهفو ولكن لا يخفى عليه صواب) ولا شك بان ما ينتابه فيها من حس الألم والتبرم بالإخوان وعتاب سيف الدولة لا ينتاب إلا نفسا كالتي وصفناها.

وقد أولع أبو فراس في شعره بذكر الحرب والطعن والضرب في سبيل العز والمجد فمن بديع شعره في ذلك قوله:

لا تكاد تقرأ خبرا من أخبار أبي فراس ولا قصيدة من شعره فلا تجد أثرا يروعك من فروسيته وفتوته. وفي كل حادثة من حوادث أيامه اثر من ذلك. قال ابن خالويه غدا أبو فراس يتصيد في خيل يسيرة فأحدقت به الخيل (يعني خيل الروم) من كل جانب في عدد كثير فلم يزل يقاتل حتى كشفهم واعتنق فارسهم واسر عدة منهم فكتب إلى سيف الدولة:

وما أجمل ما يتمدح به الفارس الفتى وهو في عنفوان الشباب يحارب ويخاطر بنفسه حتى لا يدع فتيات قومه إذا حدثن عنه أخذهن الخجل من فراره فجمجمن الكلام بل يدعهن يتباهين بمقامه. ثبت أبو فراس في هذه المرة فلم يقدر عليه وثبت في المرة الثانية الآتية فاسر ولكنه في المرتين لم يكن نادما على الفرار. وكان الروم كانوا يترصدونه ويغتنمون فرصة خروجه للصيد ليغتالوه.

وهو إذا ظفر بأعدائه من قبائل العرب هزه مرأى إحدى مخدراتهم وهي تتوسل إليه إن يصفح ويعفو فلقيها بالجميل ووهب لها ما حازه الجيش وترك نساء الحي مصونات محجبات كما قال:

وهو في إيقاعه ببني جعفر حين رماه النساء بأنفسهن هزته أريحية الفتوة فكان عند ظن (بنيات عمه) به في الصفح والعفو وحفظ الحرم فأطلق لهن الأموال والأسرى ولم يكتف بذلك بل كلف نفسه غرم ما فقد من المال، وأرسل هذه الأبيات الجميلة التي تمثل روح الفتوة عند أبي فراس أصدق تمثيل وأروعه. قال من قصيدة:

ففي هذا الشعور تجاه النساء اللائذات به وفي هذا الاعتزاز يجبر كسرهن وحمايتهن أريحية الرجولة والفتوة.

وفي قصيدته هذه يقول أيضا في إيقاعه ببني جعفر ذاكرا في قتلهما من بني جعفر:

وتراه قد اعترف بشجاعتهما وفضلهما اعتراف الخصم الشريف وبتأسف لحيلولة سورة الحرب دون كريم العفو عنهما فاصطليا بنار الوقيعة.

وصفح عن بني كلاب فقال معربا عن أخلاقه الفاضلة وحبه العفو ومتمدحا بذلك وكرره في شعره مرارا:

وقال في إيقاعه ببني كلاب وصفحه عنه من قصيدة:

وقال في مثل ذلك:

وقال في إيقاعه ببني كلاب أيضا وصفحه عن الحرم:

وقال في مثل ذلك:

وهو القائل:

وقال يتمدح بالحلم والعفو:

ولما أسرت بنو كلاب سيد بني قطن خرج أبو فراس حتى انتزعه منهم وقال:

وقال وقد أوقع ببني كلاب وأسر مصعبا الطائي وسألته أم بسام فصفح عن الأموال من أبيات:

وأي مثال للأخلاق السامية يحتذيه المرء ويقتدي به أسمى من قوله في البائية السالفة:

ولما حصل محمد بن رائق بالموصل دبر على ناصر الدولة ليقتله فسبقه ناصر الدولة بالفتكة وقد كان ابن رائق قتل عمارة العقيلي وجماعة من بني نمير فقال أبو فراس وهو صبي:

وما أحسن ما وصف به نفسه وصفا صدق فيه وأبان عن أخلاقه الفاضلة التي هي أحسن قدوة بقوله:

شخصية أبي فراس شخصية غنية بالحيوية. فالأمل والطموح والفتوة والزعامة واستسهال الصعاب حتى الموت في سبيل مثل أعلى للرجولة والقومية والدين كانت كنوزا ثمينة في شخصية أبي فراس وقد تدفقت تلك الحيوية الفياضة في وجوه الحياة العامة فبهرت الأبصار وراعت النفوس.

وانك لتجد دلائل هذه الحيوية جليلة رائعة في جميع أخباره وأشعاره. وإذا لم يكن عجيبا إن تظهر دلائل تلك الحيوية في أخباره وأشعاره وهو الأمير المبجل في سلمه والقائد المنتصر في غزواته وحروبه فان من الرائع العجيب إن يكون في أسر الروم ثم لا تشعره نفسه الأبية شيئا من اللين والمداراة تجاه أعدائه الذين يحكمونه كما يريدون فيناظره الدمستق مناظرة لا يلين فيها (والدمستق) بضم الدال والميم والتاء لقب عظيم من عظماء الروم قيل معناه الرئيس الأكبر للجيش والبطارقة قواده. في اليتيمة وغيرها: أحفظ أبو فراس الدمستق في مناظرة جرت بينهما فقال له الدمستق: إنما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب فقال له أبو فراس نحن نطأ أرضك منذ ستين سنة بالسيوف أم بالأقلام. يغضب أبو فراس الدمستق ويحفظه فيجيبه هذا جوابا فيه كثير من المكر والبراعة إذ يقول لأبي فراس القائل:

"إنما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب" فقد عرف الدمستق كيف يغيظ أبا فراس ويطعن عزته وقوميته ظنا منه بأن أبا فراس الأسير الذي لا حول له ولا قوة سوف يسكت على هذا التحدي ولكن الفارس الأبي يجيبه جواب الغالب للمغلوب لا جواب الأسير لمن هو في أسره فيقوله له: نحن نطأ أرضك منذ ستين سنة بالسيوف أم بالأقلام ثم يقول متحمسا مفتخرا:

ويناظره الدمستق في أمور الدين فيقول:

وقال في بعض ما قاله وهو في الأسر:

أما سائر أخباره فكلها تدل على ما في شخصيته من ذلك الغنى النفسي.

عرض سيف الدولة يوما خيوله وبنو أخيه حضور فاختار كل واحد منهم فرسا منها وأمسك أبو فراس، وسيف الدولة يريد منه إن يفعل مثل فعلهم فلا يفعل وتأبى نفسه من ذلك ويجده حطا من قدره ويرى نفسه أجل من إن يطمع في أخذ جواد من خيل سيف الدولة هذا وسيف الدولة ابن عمه ومربيه وصهره واتصاله به أشد من اتصال بني أخيه فيحدث ذلك وجدا في نفس سيف الدولة عليه ويعاتبه فلا يعتذر ويجيبه بالترفع عن ذلك ويقول:

وبذل ملك الروم المفاداة لأبي فراس مفردا فكره الأمير النبيل إن يختار نفسه على المسلمين وشرع في مفاداة جميع الأسرى وضمن المال وخرج بهم كما يأتي عند ذكر أسره. ولقي الروم وهم ألف بسبعين من أصحابه لا يرتضيهم لأنهم كانوا من الخدم والأتباع خرج بهم إلى الصيد فأسر كما يدل عليه قوله من قصيدة أرسلها إلى سيف الدولة أول ما أسر ولا يعلم إن هذا هو الأسر الأول أو الثاني:

ويدل شعره في تلك القصيدة وغيرها على أنه كان يمكنه الهرب أو الانحياز عن الروم فلم يفعل حيث يقول:

فهو يأنف من الفرار حتى في ساعة الخطر التي لا يتردد كثير من الشجعان والأشراف في الفرار عندها كما فعل الحارث بن هشام فإنه فر يوم بدر وكان مع المشركين واعتذر عن فراره فقال:

وكأنما كان لهذا الموقف الذي وقفه أبو فراس وعرض نفسه فيه للأسر مع امكان الفرار في شعره أكثر من مرة وأشار إلى كثرة تحدث الناس به ولومهم إياه وتفنن بالاعتذار عنه. قال من قصيدة:

وقال من قصيدة وكأنما أزدهاه وأبهجه تكاثر اللوام عليه لوما يشعر بحرص الناس عليه وضنهم به:

وقوله:

أي رضيت إن يقال عني كان غير موفق في رأيهم ولم ترض نفسي إن يقال عني كان غير نجيب. وقال من قصيدة:

وحكى ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال: طلب ملك الروم قسطنطين بن لاون الهدنة من سيف الدولة لما كثرت وقائعه بالروم واتصلت غزواته فأبى إلا بشروط قد بعد عهد الروم بمثلها فعند ذلك أراد ملك الروم إن يظهر لسيف الدولة قوته فهادن ملك الغرب وصرف من كان في جهته من العساكر لأن نصارى الغرب وملوكهم لم يكونوا مع ملك القسطنطينية على وفاق وهادن أيضا ملك البلغار والروس والترك والإفرنجة وسائر الأجناس واستنجدهم على حرب سيف الدولة وبعث عسكرا عظيما بينهم رجل يسمى البركمونس وهو أخو الملكة زوجته وابن رومانوس الملك قبله وانفق من الأموال ما يعظم قدره حتى قيل إنه اخرج اثني عشر ألف عامل لحفر الخندق حول عسكره يريد بذلك إن يقهر سيف الدولة أو يحمله على قبول الهدنة بالشروط التي يريدها ملك الروم وسار القائد متوجها إلى ديار بكر وبلغ سيف الدولة خبره فجهز العساكر إلى ديار بكر وأقام هو في غلمانه واتفق إن الفرات زاد فمنع البركمونس من العبور فعدل إلى الشام ونزل على سميساط فافتتحها في بعض يوم ونزل على رعبان ونفر إليه سيف الدولة فيمن بقي معه وأمر أبا فراس بالتقدم فكان أبو فراس أول من لحق العسكر وأحسن البلاء وثبت يقاتل حتى استحر القتل وكثر الأسر في أصحابه ثم انصرف بباقيهم حتى خلصهم واسر في هذه الوقعة أخواه ودق رمحين في تريبق الجزري رئيس الحرزيم وأسر تريبق بعض أصحاب أبي فراس فأرى تريبق ذلك الأسير الجراح التي فيه من أبي فراس وقال له أكتب إلى صاحبك أبي فراس وقل له مثلك لا يتسمى في مثل ذلك اليوم ويعرفه الناس وذلك لأن أبا فراس كان حينما يطعن أو يضرب تريبق يتكنى ويتسمى ويقول خذها وأنا فلان على عادة العرب في الحروب فأراد تريبق نصحه وان كان عدوه بان من كان مثله رئيسا شجاعا واترا لا يتسمى في مثل ذلك اليوم الذي هو فيه في عدد قليل وعدوه في عدد كثير فيعرفه الناس ويجتهدوا في قتله أو أسره متى عرفوه فقال أبو فراس في ذلك بيتين جميلين وكان اعتذاره فيهما عن تسمية اعتذار شعريا طريفا:

أي لو لم أتكن لعرفوني بطعني وضربي.

وسار سيف الدولة لغزو الروم واستخلفه على الشام فيما ذكره ابن خالويه فلم ترض نفس أبي فراس بالأخلاد إلى الراحة والدعة وأراد إن يكون شريك سيف الدولة في كل غزواته ومواسيا له بنفسه في السراء والضراء وغلظ عليه القعود عن المسير معه فكتب إليه من قصيدة يتألم من تأخره عنه يسأله الاذن له في صحبته في ذلك الغزو فقال:

يقول فيها طالبا من سيف الدولة إن يأذن له في المسير معه ومبينا له إن الشام محروس بهيبته من العدو غاب عنه أو حضر:

وكتب إليه وقد آلمه التأخر عن الغزو من قصيدة:

وكان أبو فراس يعتز بعشيرته وتهز أمجاد بني حمدان صميم تقدمه فيكثر من المباهاة بهم وبوقائعهم وكلهم أمير فارس أديب وقد ذكرنا شيئا من ذلك عند ذكر أسرته. فهو لذلك يحرص على لم شعث العشيرة ودوام صلة الرحم. وقد كانت بين أبي تغلب بن ناصر الدولة وأخيه حمدان شحناء وحرب فحاصر الأول الثاني بالجزيرة. فاجتمع لذلك الأمراء في الجزيرة فقال أبو فراس من قصيدة تعبر عن شعور صادق ورحم بر. هذا مع إن ناصر الدولة كان قد قتل أباه والأحقاد تورث كما تورث المحبة قال:

ومن قوله في لم شعث العشيرة والحنو عليها:

وسائر أشعاره لا تكاد تخلو قصيدة منها من ذكر الحرب والتغني بذكر المواقع تغني القائد المقدام ومن أحب شيئا أكثر ذكره. فقد كان الطعن والضرب وإعزاز قومه ونفسه حاجة نفسية في شخصيته تقتضيها حيويته في رجولته وفروسيته وكان يزدهيه ويبهجه ما في غزواته المظفرة من أجر الدنيا والدين لأن أبا فراس كان يحمل مع فروسيته ورجولته عقيدة دينية ثابتة واضحة لا شائبة فيها. وحتى في أغراضه الشعرية الخاصة كان خاطر الحرب يأخذ عليه حسه فلا يتمالك إن يستطرد إلى ذلك من خلال الغزل والنسيب ونحوهما. فهو عند ذكره بعض أهله وقد شيعها إلى الحج يذكر الحرب والطعن والضرب مع عدم المناسبة بينها وبين ما قصد له. فبينما هو يبتدئ بالغزل حسب العادة المتبعة فيقول:

إذا به يذكر الحرب ويفتخر بالشجاعة وعلو الهمة فيقول:

ثم يصف المشيعة إلى الحج فيقول ويبدع:

وهو في خطابه للمحبوب وغزله به لا يجد إلا الحرب وغزو الروم أعداء بلاده وقومه موضوعا يتمثل به فيقول:

كما أنه يجد صوت قراع السيوف بين الصفوف أشهى إليه من شرب السلاف من كف ظبي ذي شنوف حيث يقول:

وبينا هو يراسل أبا أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني يعتذر إليه مما ظنه من التعريض به في أخر قصيدته الرائية الطويلة إذا به تجيش نفسه بما تعوده من الفخر والحماسة فيقول بعد النسيب:

ولم تفعل مرارة الأسر ووحشة الغربة عن أهله وصحبه ووطنه في نفسه ما فعله قعوده في هذا الأسر عن الحرب وتدبير أمور القيادة والرياسة فقال من قصيدته العصماء البائية المتقدم ذكرها:

وجميع قصائده الروميات تعرب عما كان ينتابه في الأسر من ألم الشوق إلى الحرب ومنازلة الفرسان.

لم تكن أشعار أبي فراس خيال تمنيات وأحلام فإن أخباره تدل على إن أشعاره صور صادقة من حياته الواقعية ومثله العليا التي كان يعيش بها.

وما أحسن ما أبان به عن نفسيته وما أدق ما أشار به إشارة غير مباشرة إلى ناحية من نفسه هي تحكمه في رغباته وإباؤه إن ترغمه تلك الرغبات على إجابتها لا إن يسعى إليها مختارا، في هذه الأبيات:

وفي قوله:

لقد حقق ما كان يطمح إليه فأبقى الثناء الطيب والآثار الحميدة وأقام سيفه الحجة لدى فرسان قومه بان من يقوم مقامه نادر قليل لذلك هو بعد إن أدى رسالته يرد موارد الموت الزؤام غير متردد لأنه قد شفى طموح نفسه وبعد همته وحقق الغاية من حياته كما قال:

ويجد نفسه سعيدا مغتبطا بما يعانيه في حروبه من وعورة المنازل والنزول في القفار بين الأفاعي والعقارب لان ورود العذب الزلال لا يجلبه إلا ورود الرنق الأجاج حيث يقول من قصيدة:

وكان للدين والأخلاق في شخصية أبي فراس أثر بالغ صادق زاد في نقاء تلك الشخصية وصفائها وأعانه في الصعاب التي لاقاها -وهو لما يزل في عنفوان الشباب- على إن يقف من الحياة موقف الحكيم الزاهد المستهين بالمكاره وما أجمل وأصدق عاطفته الدينية وأشجى عتابه لسيف الدولة في خطابه له من بعض الروميات بقوله:

وما بالك بذلك الفارس المغوار بينما هو يفتخر بآبائه وبحروبه إلى أقصى ما يتصور إذا بعاطفة الدين تميل به إلى مناجاة الله تعالى فكأنه عابد في محراب لا أسد في مجال الضراب فيقول:

ويقول وليسا في الديوان المطبوع:

ويسلي نفسه وهو في الأسر ويعظها بأبلغ مواعظ أهل العرفان فيقول:

ويقول مظهرا حسن ظنه وثقته بالله تعالى:

ومن لم يوق الله فهو ممزق=ومن لم يعز الله فهو ذليل

إذا لم يعنك الله فيما تريده=فليس لمخلوق إليه سبيل

ويتمدح بالكرم والسخاء وبذل الزاد وأقراء الضيف في كثير من شعره كقوله:

وقوله من قصيدة:

وقوله من أبيات:

وقوله من أبيات:

وقوله:

ويرتاح إلى الكرم والمعروف مع من يشكر ومن يكفر فإنه إن فاته الشكر لم يفته الأجر فيقول:

ويقول:

وما أغناه حين تنظر إلى ملكه بقايا ما وهب إذ يقول في أبدع معنى وأبلغ لفظ تعرض فيه هذه الصورة الشعرية للشجاعة والكرم:

وبلغ التحمس والفخر بالعشيرة في نفس أبي فراس مدى بعيدا فهو يقول في قصيدته الرائية التي يفتخر فيها بقومه وعشيرته والتي بلغ فيها الغاية في الحماسة والفخر والتي زادت أبياتها العامرة على (240) بيتا:

فكأنه لم يكفه هذا القول الكثير وهذا الفخر العريض الطويل ورأى نفسه قد اختصر ولم يطنب وأقل ولم يطل اجتنابا للعتب من غير منصف ولولا ذلك لما عزه قول ولا خانه خاطر وأي قول يعزه وخاطر يخونه بعد (240) بيتا تصرف فيها بأنواع الفخر والحماسة واستقصى ذكر عشيرته وأيامهم ووقائعهم ومفاخرهم وهو يرى نفسه مقصرا قد منعه خوف العتب من غير منصف من الإطالة والاستيفاء.

أخباره

له أخبار كثيرة شائقة منها مع سيف الدولة ومنها في الأسر ومنها مع المتنبي وبني ورقاء ومنها غير ذلك.

أخباره مع سيف الدولة

عدى ما تقدم وعدى الروميات

كان سيف الدولة الأمير المقدم في آل حمدان وكان هو مربي أبي فراس فان أبا العلاء سعيد بن حمدان والد أبي فراس وعم سيف الدولة كان قد قتل. قتله ابن أخيه ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان حين جاء إليه إلى الموصل وخاف إن يتغلب عليها فقتله غيلة سنة (323) وأبو فراس يومئذ طفل صغير عمره سنتان أو ثلاث سنين فرباه ابن عمه سيف الدولة ونشأ في حجره وكان أبو فراس يعرف له ذلك وينزله منزلة والده ويعترف بجميله وينوه بذلك في أشعاره ويعامله في أكثر حالاته معاملة التابع للمتبوع والمأمور للآمر بل الخادم للمخدوم ويتواضع له في مخاطباته بشعره فهو يقول في بعض قصائده مخاطبا له:

ويقول مخاطبا له أيضا من أبيات:

ويقول من قصيدة:

ويقول من قصيدة:

ويقول أيضا:

ولما هرب ناصر الدولة من معز الدولة البويهي حين طرده إلى الشام من ديار ربيعة سنة (347) والتجأ إلى أخيه سيف الدولة وكان ناصر الدولة أسن منه قال أبو فراس قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويعرض فيها بذم ناصر الدولة الذي قتل أباه ولا توجد في الديوان المطبوع وهي:

ثم تعود إليه عاطفة الرحم ويتجلى فيه كرم النفس فيقول:

وغيظه من ناصر الدولة لم يمنعه إن يقول عنه (ومنا لدين الله سيف وناصر).

ومن مطالعة أخباره مع سيف الدولة يظهر عظيم تقدير سيف الدولة له واعتماده عليه وشدة تعلقه به ومحبته له ومعرفته مزاياه وسجاياه العالية. وفي اليتيمة: كان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام عن سائر قومه ويصطفيه لنفسه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه على أعماله وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته.

وكان أبو فراس يعلم منزلته هذه عند سيف الدولة وحاجة سيف الدولة إلى مواهبه وكفاءته فلا جرم إن خاطبه متحمسا معتزا بشجاعته وبابن عمه فقال:

وكان سيف الدولة يعده لكل مهم فهو قائد جيوشه ونائبه فيها في حضوره وغيبته وشريكه في أكثر غزواته الروم وغيرها والفاعل كفعله وله في كل تلك الغزوات الأثر المحمود فقد سار معه إلى بلاد الروم حتى افتتحوها وأمره بالتقدم فتقدم وافتتح حصن عرقة وكمن لهم سيف الدولة في موضع وأبو فراس في موضع أخر فقتلا منهم مقتلة عظيمة وسار معه إلى حرب الدمستق لما خرج إلى الشام فهرب الدمستق واسر ابنه قسطنطين ولما نزل ملك الروم على رعبان ونفر إليه سيف الدولة أمر أبا فراس بالتقدم فتقدم وأحسن البلاء. وأرسله سيف الدولة لبناء قلعة رعبان وقد خربتها الزلزلة وهي من الغور وبقيت خرابا خمس سنين وأراد سيف الدولة عمارتها وهي مجاورة للروم يخافون من تعميرها ويمنعون منه بكل جهدهم فلم ير أهلا لذلك غير أبي فراس فأرسله في قطعة من الجيش فعمرها في 37 يوما ورد قسطنطين بن الدمستق الذي جاء بجيشه ليمنعه عنها خائبا.

ولما طلب ملك الروم الهدنة من سيف الدولة فأبى إلا بشروط توافقه وجهز ملك الروم الجيوش لغزو الشام نفر إليه سيف الدولة وأمر أبا فراس بالتقدم فتقدم وأبلى بلاء حسنا كما مر.

أخلص أبو فراس لابن عمه سيف الدولة أمير الحمدانيين ووقف بطولته على خدمة العرش الحمداني فبادله سيف الدولة الإخلاص وأكبر فيه الخدمة.

وبعد ما أسره الروم كان مع ما هو عليه من مضاضة الأسر لا يني عن تعرف أخبار الروم والبعث بها إلى سيف الدولة والإشارة عليه والنصح

له مع ما عرض بينهما من الوحشة وهو في الأسر فقد كتب إليه يعرفه خروج الدمستق في جموع الروم ويحثه على الاستعداد. وهو شريكه في قيادة الجيوش

لتأديب قبائل العرب إذا أرادت العيث والخروج عن الطاعة. فقد اجتمعت مرة واتفقت على حربه فسار إليهم ومعه أبو فراس حتى أوقع بهم وهزمهم وقتل فيهم وقدمه مرة في قطعة من الجيش ليتبعهم فاتبعهم يقتل وياسر وأنفذه إلى بني عقيل وبني نمير وبني كلاب حيث عاثوا في عمله فظفر ونصر. وسار معه مرة إلى قبائل كعب بديار مضر لما شمخت واستفحل أمرها فهربت فأمره باللحاق بهم وردهم إلى الطاعة ففعل وأخذ رهائنهم وانتدبه مرة لقتال بني كلاب فقاتلهم وأوقع بهم وأفسدوا مرة أخرى فأسرى إليهم سيف الدولة من حلب وأمر أبا فراس إن يعارضه من منبج ففعل واجتمعا بالجسر فأوقعا بهم ولما أكثرت بنو كعب وبنو كلاب الغارات على بني نمير وضيقوا عليهم انهض سيف الدولة أبا فراس لمعاونتهم فلما نزل بهم انكشفت بنو كعب وتنحت بنو كلاب.

وهو خليفته على بلاد الشام عند غيبة سيف الدولة عنها لما يعلم من كفاءته ونصحه وقيامه بحفظ الثغر ولم يكن ليثق في ذلك بأحد غيره من عشيرته ولا غيرهم وقع ذلك عدة مرات تقدمت الإشارة إليها (ومنها) لما سار سيف الدولة لبناء عين زربة وحصونها. قال ابن خالويه سار الأمير سيف الدولة سنة 351 إلى الثغور الشامية لبناء عين زربة وحصونها واستخلف على الشام الأمير أبا فراس فسار نقفور بن بردس ملك الروم في جمع النصرانية إلى الشام فلقيه الأمير أبو فراس في ألف فارس من العرب فوقع بينهم ست وقائع في كلهن يظهره الله حتى دخل دلوك ولم يتجاوزها وفي ذلك يقول أبو فراس من قصيدة يخاطب بها الدمستق:

ولكن ذلك لم يمنعه من إن يرى غاية النعمة إن يكون غلاما لسيف الدولة فكيف به وهو نسيبه وابن عمه فقال:

ويقول له أيضا:

ويقول لسيف الدولة أيضا:

وكتب إلى سيف الدولة في علة وجدها:

وكتب إليه كما في اليتيمة:

وكذلك لم يمنع سيف الدولة كون أبي فراس تابعا له وناشئا في حجره بمنزلة الابن من إن يعبر عنه بكلمة (سيدي) في إحدى المناسبات الأدبية. وفي هذا دلالة لا تخفى على سمو أخلاق الأميرين ومنزلة كل منهما عند الآخر لذلك ليس غريبا إن يخاطب أبو فراس ابن عمه في موضع أخر مخاطبة الند للند ويجعل مفاخر بني حمدان وطولهم به كما بسيف الدولة فيقول:

ويقول:

#وإن يطلب في إحدى قصائده من سيف الدولة الفداء ويتضرع إليه

ثم يقول:

فجعل لنفسه من السيادة وغيرها مثل ما لسيف الدولة وكذلك ليس غريبا إن يعود بعد هذا مخاطبا له خطاب التابع للمتبوع فيقول:

وأن ينحو هذا النحو في موضع أخر فيقول:

ومن أخباره مع سيف الدولة ما ذكره الثعالبي في اليتيمة في ترجمة سيف الدولة قال: كان أبو فراس يوما بين يديه في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة أيكم يجيز قولي وليس له إلا سيدي يعني أبا فراس:

فارتجل أبو فراس وقال:

فاستحسنه وأعطاه ضيعة بمنبج تغل ألف دينار.

وفي اليتيمة: حكى ابن خالويه قال كتب أبو فراس إلى سيف الدولة وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج "كتابي أطال الله بقاء مولانا الأمير سيف الدولة من المنزل وقد وردته ورود السالم الغانم مثقل الظهر والظهر وفرا وشكرا" فاستحسن سيف الدولة بلاغته في ذلك ووصف براعته وبلغ أبا فراس ذلك فكتب إليه:

وفي اليتيمة: كان سيف الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة الحروب فوافت حضرته إحدى المحسنات من قيان بغداد فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها ولم ير إن يبدأ باستدعائها قبل سيف الدولة فكتب إليه يحثه على استحضارها فقال:

وكان سيف الدولة وعد أبا فراس بإحضار أبي عبد الله بن المنجم وبالاجتماع به ليلة فكتب إليه أبو فراس:

"قد تقدم وعد سيدنا سيف الدولة بإحضار أبي عبد الله ابن المنجم والغناء بحضوره وأنا سائل في ذلك. فان رأى سيف الدولة إن يتطول بانجاز ما وعد فعل إنشاء الله" وكتب إليه معها بهذين البيتين:

فأجابه سيف الدولة:

"أنا مشغول بقرع الحوافر عن المزاهر. قال العلوي:

وإذا كنا لا نفعل ما قاله أسود بني عبس:

فعلى كل حال يقع الانتظار إن شاء الله تعالى".

فكتب إليه أبو فراس:

(قلت): كنت إربا بأبي فراس عن سماع الغناء وهو الذي يقول:

وفي اليتيمة كتب أبو فراس إلى سيف الدولة - ولا توجد في الديوان المطبوع:

وما كان أجدر أبا فراس بالتنزه عن ذكر الشرب والشراب في شعره ولعله كان يجري في ذلك على سنن الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون ويصفون ما لا يتعاطون. قال وتأخر عن مجلس سيف الدولة لعلة وجدها فكتب إليه:

وفي الديوان أهدى الناس إلى سيف الدولة في بعض الأعياد فأكثروا فاستشار أبو فراس فيما يهديه فكل أشار بشيء فخالفهم وكتب إليه. واقتصر في اليتيمة على قوله أهدى الناس إلى سيف الدولة فأكثروا فكتب إليه أبو فراس:

ووقع بين أبي فراس وبعض بني عمه وهو صبي قتال فخرج معه سيف الدولة بالتعتب فقال أبو فراس وفي اليتيمة انه كتب إلى سيف الدولة يعاتبه:

وكان لسيف الدولة غلام اسمه نجا قد اصطنعه ونوه باسمه وقلده طرسوس وأخذ يقرع باب العصيان والكفران وزاد تبسطه وسوء عشرته لرفقائه فبطش به ثلاثة نفر منهم وقتلوه فشق ذلك على سيف الدولة وأمر بقتل قاتليه فكتب إليه أبو فراس:

ووجد سيف الدولة على بعض بني عمه فكتب إليه أبو فراس يستعطفه:

وقال لسيف الدولة ولا يوجدان في الديوان المطبوع:

قال ابن خالويه: في شرح ديوان أبي فراس لما قتل الصباح مولى عمارة الحرفي وكان سيف الدولة قلده قنسرين فقصد قاتليه مطالبا لهم بدمه ثم كف عنهم عن قدرة وقررهم بالجزيرة بتوسط أبي فراس فقال أبو فراس: (وما نعمة مكفورة قد صنعتها) البيتين المتقدمين.

قال وقد تأخر عن سيف الدولة في بعض غزواته ولا توجد في المطبوع:

وقال يهنئ سيف الدولة بولديه أبي المعالي شريف وأبي المكارم وليست في الديوان المطبوع:

وكتب إلى سيف الدولة وقد بلغه نزول العدو على الحدث فسار سيف الدولة مسرعا حتى سبقه إليها وقد كان سيف الدولة بعيدا عنها موغلا في بلاد الروم فقال أبو فراس هذه القصيدة:

قال ابن خالويه كان بنو عقيل ونمير وكلاب قد عاثوا في عمل سيف الدولة واشتدوا فأنفذ أبا فراس في بعض السرايا فظفر ونصر فكتب إلى سيف الدولة:

وقال ابن خالويه أيضا في شرح ديوان أبي فراس: ندب سيف الدولة أبا فراس في سنة 345 لبناء رعبان وقد أخربتها الزلازل. وياقوت يقول خربتها الزلزلة سنة 340 فانفذ سيف الدولة أبا فراس في قطعة من الجيش فأعاد عمارتها فيكون قد عمرها بعد خرابها بخمس سنين فبناها في 37 يوما ووافى قسطنطين ابن الدمستق ليزيله عنها فرده الله بغيظه وفي ذلك يقول الشاعر (أحد شعراء سيف الدولة):

وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته الطويلة مشيرا إلى سيف الدولة:

وأين أبو فراس في شجاعته وإقدامه من أحمد بن عبد الله التنوخي في جبنه وتأخره عن المسير مع أبي فراس إلى رعبان جبنا وخوفا.

قال ابن خالويه كان أبو فراس أنكر على أحمد بن عبد الله التنوخي الشاعر تأخره عن المسير معه إلى رعبان وكان جبانا فكتب التنوخي إلى أبي فراس قصيدة منها:

الوحشة بين أبي فراس وسيف الدولة

لا يعرف بين أبي فراس وسيف الدولة شيء من الوحشة قبل أسر أبي فراس في المرة الثانية بل سيف الدولة يعبر عنه بسيدي كما مر وهو الأمير المربي لأبي فراس وأبو فراس يخاطبه خطاب التابع للمتبوع ويتواضع له غاية التواضع كما مر ولا يوجد شيء يمكن إن يفهم منه حصول وحشة بينهما قبل أسر أبي فراس للمرة الثانية إلا ما مر عن اليتيمة من أنه كتب إلى سيف الدولة يعاتبه بقوله من أبيات:

لكن جامع ديوان أبي فراس يقول كما مر إن ذلك القتال وقع بينه وبين بني عمه وهو صبي ويظهر للمتأمل في مجاري الأحوال إنه كان قد حصل بينهما شيء من الوحشة بعد وقوع أبي فراس في الأسر ولم يشر أحد من المؤرخين إلى ذلك صريحا ولكن يمكن فهمه ضمنا من بعض ما نقلوه قال ابن خالويه تأخرت كتب سيف الدولة عن أبي فراس وهو في الأسر وذلك أنه بلغه إن بعض الأسراء قال إن ثقل على الأمير هذا المال كاتبنا فيه صاحب خراسان وغيره من الملوك وذلك إنهم قرروا مع ملك الروم إطلاق أسراء المسلمين بما يحملونه من المال فأتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول لضمانه المال للروم وقال من أين يعرفه صاحب خراسان من القصيدة التي أولها (أسيف الهدى وقريع العرب) وتأتي في الروميات. فالظاهر إن هذا هو السبب في استيحاش سيف الدولة منه وتأخيره فداءه وهذا السبب كاف في حصول الوحشة والنفرة ويدل عليه قول أبي فراس من قصيدة:

ولكن صاحب اليتيمة يقول إن أبا فراس كتب إلى سيف الدولة: مفاداتي إن تعذرت عليك فائذن لي في مكاتبة أهل خراسان ومراسلتهم ليفادوني وينوبوا عنك في أمري فأجابه سيف الدولة بكلام خشن وقال ومن يعرفك بخراسان فكتب إليه أبو فراس (أسيف الهدى وقريع العرب) إلا إن ابن خالويه اعرف بأخبار الأميرين من الثعالبي لوجوده في بلاط سيف الدولة ومزيد خلطته به وبأبي فراس ويمكن إن يكون أحد الوشاة أبلغ سيف الدولة شيئا عن أبي فراس حقا أو باطلا والله أعلم. والذي يدل على حصول شيء من الوحشة بينهما إن أبا فراس أسرته الروم كما مر سنة 351 من منبج وحملته إلى القسطنطينية فبقي مأسورا فيها أربع سنين وهو يخاطب سيف الدولة في أشعاره ويتوسل إليه في الفداء ويرسل إليه القصيدة تلو القصيدة ويخاطبه في قصائده بما يلين الجلمود فلا يرق له ولا يفديه. وتحضر أمه من منبج إلى حلب تتوسل إليه وتتضرع في فداء ولدها فلا يبذله لها ولا يجيبها إليه ويردها خائبة فتموت وهو في الأسر فيرثيها بمرثية تقطع القلوب ويرسل إلى ولدي سيف الدولة وهو خالهما يتضرع إليهما بكلام يرقق قلوب الأجانب فضلا عن الأقارب ويسألهما إن يسألا أباهما في فدائه فلم يجد ذلك ويستأذنه أبو فراس على رواية اليتيمة لما طال عليه الأمر في إن يراسل ملوك خراسان في فدائه فيقول سيف الدولة ومن يعرفه في خراسان ويجيبه بجواب خشن ومن يعرفك بخراسان فهل كان سيف الدولة عاجزا عن فدائه في كل هذه المدة وهو يقطعه منبج التي تغل ألف دينار لبيت يقوله أو إن أبا فراس ليس أهلا لان يفدى. أو إن سيف الدولة لا تعطفه عليه عاطفة رحم ولا غيره وهو ابن عمه وخال أولاده وبمنزلة ولده وقائد جيوشه ومن أسر في سبيل تشييد ملكه والذب عن الوطن والإسلام وهو يعبر عنه بالأمس بقوله سيدي. كل هذا يدلنا على إن في الأمر شيئا. وكتب إلى سيف الدولة من الأسر:

فهل كان يا ترى ذلك العتب في بعض هذه الأمور وقصيدته البائية المتقدمة التي أرسلها إلى سيف الدولة من الأسار وقد بلغ أبا فراس عن سيف الدولة ما أنكره مملوءة بالعتاب الدال على تهاون سيف الدولة بأمره كقوله فيها:

وقال في بعض ما أرسله إلى سيف الدولة من الأسر:

وهو يقول في داليته التي قال جامع ديوانه إنه يعرض فيها ببعض أهله:

لكن لم يتعين إن ذلك البعض هو سيف الدولة بل الظاهر أنه غيره.

وفيما كتبه إليه من الأسر قوله:

ويقول في أبياته التي أرسلها لغلاميه منصور وصاف من الأسر مخاطبا سيف الدولة:

فقد اعترف بذنب له إليه جازاه به وكتب إليه من الأسر أبياتا أولها:

وآخرها:

فما هو الذنب وما هي هذه الجناية؟ ليس في يدنا من التواريخ ما يفصلها ولا ما يدل على ذنب وجناية له غير قوله: مفاداتي إن تعذرت عليك فائذن لي في مكاتبة أهل خراسان ليفادوني إن صح إن يسمى ذلك ذنبا وجناية.

ومما يلفت النظر إن سيف الدولة كتب إليه يعتذر من تأخير أمره وبتشوقه وكأنه أراد إن يحفظ خط الرجعة فيؤخر فداءه ويعتذر إليه ولكن هذا العذر بظاهر الحال غير مقبول فما كان سيف الدولة عاجزا عن تقديم فدائه وأي عذر له في تأخير أمره ولذلك لم يقبل أبو فراس هذا العذر وكتب إليه:

والذي يغلب على الظن إن تأخير سيف الدولة مفاداة أبي فراس كان لأمر سياسي خطير هان معه أمر تأخير فدائه مع كونه من أهم المهمات ولكن أبا فراس لضيق صدره من الأسر وطول مدته فيه كان يلح على سيف الدولة في مفاداته وينسبه إلى التهاون في ذلك فان الحالة التي كان فيها أبو فراس في أسره لا يمتنع معها إن يصدر منه العتب واللوم لسيف الدولة ويظن إن ذلك لذنب نسبه سيف الدولة إليه مع كون سيف الدولة معذورا في أمره وربما دل على ذلك ما مر عن ابن خالويه إن سيف الدولة امتنع من إخراج ابن أخت الملك إلا بفداء عام وحمل أبو فراس إلى القسطنطينية فقال قصيدة يعاتب بها سيف الدولة. فهذا يدل على إن تأخير الفداء كان لطلب فداء عام نجهل تفصيله. كما نجهل تفصيل هذه الأمور من جميع نواحيها. ويدل على ما قلناه ما في معجم البلدان من إن سيف الدولة جمع في سنة 355 الأموال وفدى أسرى المسلمين من الروم وكان فيهم أبو فراس بن حمدان وغيره من أهله وأبى إن يفديهم ويترك غيرهم من المسلمين. لكن الأمر الذي لا يخلو من استغراب إن سيف الدولة مات بعد خلاص أبي فراس من الأسر بسنة فلم يرثه أبو فراس ولو رثاه لوجد ذلك في ديوانه فهل يا ترى بقي أثر هذه الوحشة في نفس الأميرين أو أحدهما.

أخباره في الأسر

قال ابن خلكان قال ابن الحسن علي بن الزراد الديلمي: كانت الروم قد أسرت أبا فراس في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة بلدة بالروم على الساحل ثم منها إلى قسطنطينية وذلك في سنة 348 وفداه سيف الدولة في سنة 355 قال ابن خلكان قلت هكذا قال وقد نسبوه في ذلك إلى الغلط وقالوا أسر أبو فراس مرتين فالمرة الأولى بمغارة الكحل سنة 348 وما تعدوا به خرشنة وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها وفيها يقال إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات والله أعلم والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة 351 وحملوه إلى قسطنطينية وأقام في الأسر أربع سنين وله في الأسر أشعار كثيرة. وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 351 فيها في شوال أسرت الروم أبا فراس بن سعيد بن حمدان من منبج وكان متقلدا لها وقال في حوادث سنة 355 فيها تم الفداء بين سيف الدولة والروم وتسلم سيف الدولة ابن عمه أبا فراس بن حمدان وأبا الهيثم ابن القاضي أبي الحصين. فيكون أبو فراس أقام في الأسر في المرة الثانية أربع سنين أما في المرة الأولى فلم تطل مدته وتخلص من خرشنة. ويدل شعره الذي أرسله إلى سيف الدولة أول ما أسر انه لقي الروم وهم ألف بسبعين من أصحابه لا يرتضيهم فاسر ويدل شعره في تلك القصيدة وغيرها على أنه كان يمكنه الهرب أو الإنحياز عن الروم فلم يفعل كما مر تفصيله عند ذكر شخصيته، وبذلك صرح ابن خالويه فقال خرج بردس البطريق وهو ابن أخت الملك في ألف فارس من الروم إلى نواحي منبج وكانت إقطاعا لأبي فراس فصادف الأمير أبا فراس يتصيد في سبعين فارسا فأراده أصحابه على الهزيمة فأبى وثبت حتى أثخن بالجراح فأسر.

اشتد على أبي فراس ألمه من الأسر وضاقت به نفسه وحزن لذلك فكانت دموعه تلك القوافي الخالدة التي تبكي المنشد وتشجي السامع والتي هي غرة في جبين الشعر وقلادة في جيد الدهر. ومن الطبيعي إن يعرض مثل ذلك لمثله فبينما هو أمير إذا هو أسير وبينما هو حاكم إذا به محكوم عليه وزاد صدره حراجة إن البطارقة قيدوا بميافراقين فقيد هو بخرشنة وهو يسار به إلى القسطنطينية أسيرا وكيف يطيق الليث إن يصفد ويحتمل إن يحبس ويذل ويمتهن فلا بد له من إن يزأر إن لم يستطع الفتك بخصمه ولعمري ليست نفس الأسد بأكبر من نفس أبي فراس ولا شمم الليث وآباؤه بأعظم من شمم الحارث وآبائه وأبو فراس الحارث هو الليث أفعالا ونفسا واسما وكنية وطال بأبي فراس أساره واعتل في أثناء ذلك حتى يئس من نفسه وإذا كان في مثل هذه الحال فبمن يستنجد وممن يطلب الفداء وتفريج الكرب ليس إلا من أمير أسرته ومن يمت إليه بالقرابة القريبة وبالنصرة في الحروب والمواساة في السراء والضراء وهو ابن عمه سيف الدولة أمير بني حمدان فيكتب إليه أول ما أسر بقوله:

ثم لا يلبث إن يستدرك بعد هذا البيت بلا فاصل فيبين إن ذلك ليس لحب الحياة وخوف الموت بل ذلك لأمر يعود إلى عزة النفس فيقول:

ويطلب من سيف الدولة إن يفديه لكن لا يطلب ذلك بذلة وضراعة بل يطلبه بكل أنفة وحمية فإنه أهل لأن يفدى وحق على سيف الدولة إن يفديه وفداؤه يعود بالعز والفخر والنصر عليه وعلى بني حمدان فيقول:

وتثور بأبي فراس ثائرة الأسف من تحكم آسريه به فيقول فيما كتب به إلى سيف الدولة.

ويتأسف لما فاته بسبب الأسر من أفعال الخير وبذل الجود ومقارعة الفرسان فيقول:

وتشتد به العلة فيكتب إلى سيف الدولة من درب الروم وهو يسار به أسيرا إلى القسطنطينية فيقول متحزنا متفجعا:

ثم تعود به عاطفة الكرم والشجاعة إلى إن يقول:

ومر أبو فراس وهو أسير بالبلاد التي كان يحل فيها غازيا وهو أمير ومن الطبيعي إن يتألم لذلك وهذه عادة الزمان في أهله فقال مشيرا إلى ذلك:

قال ابن خالويه قال أبو فراس أخذته من كلام عمي الحسين بن حمدان وقد بنى أخوه إبراهيم بن حمدان منزلا بخمسين ألف دينار فقال له في بناء منزل تصرف خمسين ألف دينار لأنزلته أبدا ولا نزلت إلا دار الإمارة. وكرر أبو فراس ذكر هذا المعنى فقال:

قال ابن خالويه: بلغ أبا فراس إن الروم قالوا ما أسرنا أحدا ولم نسلبه سلاحه غير أبي فراس وقولهم هذا مع إن فيه إظهار الميزة والاحترام لأبي فراس لم ترض به نفسه وعده منة عليه ونفسه لا تقبل منة أحد فقال من قصيدة:

ثم وصل أبو فراس إلى القسطنطينية وبعد وصوله ولقائه ملك الروم قرر معه الفداء وكتب بذلك إلى سيف الدولة فتأخرت أجوبة كتبه فكتب إليه أبو فراس يعتب عليه ويستبطئ أمره فوجد سيف الدولة من ذلك وقرعه في كتابه إليه والى غيره، وعند ذلك ضاقت بأبي فراس نفسه فهو أسير بعيد عن وطنه وأهله وقد قرر أمرا مع ملك يجله ويحترمه ويرى إن بيده إنفاذ ما قرره معه ثم يجد انه لم يقدر على إنفاذه فما يكون موقفه مع ملك الروم وبما ذا يعتذر إليه عن تأخير إنفاذ ما قرره ثم يكتب إلى سيف الدولة يعاتبه ويستبطؤه كما يعاتب ابن العم ابن عمه وكما يستبطؤ القائد رئيسه ويطلب منه التعجيل ويتوقع الجواب بالإيجاب ساعة فساعة وإذا بالجواب يرد عليه بالتقريع فكم يكون ألمه عندئذ وزاد في ألمه الكتاب إلى غيره بتقريعه وسواء أكان تأخير إنفاذ ذلك من سيف الدولة لأمر سياسي ومصلحة مهمة اقتضت التأخير أم لأمر أخر أوجب غضب سيف الدولة مما فعله أبو فراس فذلك لا يدفع تألم أبي فراس الشديد مما حصل فكتب إلى سيف الدولة قصيدة ملؤها التألم والحزن وغير خفي حراجة مثل هذا الموقف على الشاعر فما في نفسه من الألم يبعثه على الشكوى الشديدة من سيف الدولة وخوف ازدياد غضبه يحمله على لين القول وحسن الاعتذار فهو بين داعيين يتجاذبانه ويقف حائرا إلى أيهما يميل يقول فيها مشيرا إلى سيف الدولة والى ما مضى من أيام شبابه في خدمته:

ثم يبث ما يجده في نفسه من الحزن والألم فيقول:

ثم يعرض بالشكاية من سيف الدولة بما يقرب من التصريح فيقول:

ثم يصرح فيقول:

ثم يعتذر ويتوسل فيحسن التوسل فيقول:

ويظهر إن من الناس من أوعز إلى سيف الدولة بالاستغناء عن أبي فراس وإنه يوجد من يقوم مقامه وإنه استعاض عنه بغيره أو شيء مما هو من هذا القبيل فقال يرد ذلك ويفنده:

ثم يذكر استبداله به ذكر الآسف المغبون الذي يبرز أسفه بعبارة الدعاء وإظهار الرضا التي ظاهرها ذلك وملؤها الأسف والوجد فيقول:

ثم يبدي عذر سيف الدولة بكلام من لا يسعه إلا إبداء العذر ونفسه منطوية على خلاف ذلك فيقول:

ولما كان في أسر الروم أمر الملك إن الأسرى يتزاورون يوم السبت فقال أبو فراس:

أراد بقوله وما نرقب إلا أخا الخ أخاه أبا الفضل فإنه كان من جملة الأسرى وفي نسخة مخطوطة من الديوان إنه لم يتركه مع الأسرى إكراما له أي أفرده بمكان وحده وكان أبا الفضل كان قد أبطأ عن زيارة أبي فراس فكتب إليه أبو فراس يعاتبه ويذكر إن له مانعا من زيارته وإلا لما تركها فقال:

ولما حصل بالقسطنطينية أكرمه ملك الروم وبجله وعرف له حق الفضل والإمارة فأفرده بدار وأخدمه ولم يعامله معاملة باقي الأسرى وكذلك أكابر دولته كانوا إذا رأوه أو مر عليهم قابلوه بالتعظيم فكفروا له أي تكتفوا كما يفعلون مع عظمائهم وعرض عليه لذلك الفداء منفردا فلم يقبل حتى فادى جميع أسرى المسلمين وضمن الفداء عنهم وجاء بهم معه. قال ابن خالويه قال أبو فراس لما حصلت بالقسطنطينية أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه أسيرا من قبلي وذلك إن من رسومهم إن لا يركب أسير في المدينة دابة قبل لقاه للملك وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه ثلاث ساعات أو نحوها ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالنوري فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي برطنان يخدمانني وأمر بإكرامي ونقل إلي من أردته من أسارى المسلمين وبذل لي المفاداة مفردا فكرهت بعد ما وهبه الله لي من العافية ورزقنيه من الكرامة والجاه إن أختار نفسي على المسلمين وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم فكان في أيديهم فضلة ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ من الأعمال والعساكر أي إنه في ذلك الوقت كان في أسر الروم ثلاثة آلاف من المسلمين ولم يكن عند سيف الدولة أحد من أسارى الروم لأنه لم يكن يستبقي أسارى الروم عنده بل إذا كان عند الروم أسارى بعددهم فاداهم بهم وإلا أخذ الفداء وأطلقهم فلما أسر الروم هؤلاء الثلاثة الآلاف لم يكن عند المسلمين مقابلهم قال أبو فراس فابتعتهم بمائتي ألف دينار رومية وفي رواية عن ابن خالويه بمائتين وأربعين ألفا ومائتي دينار رومية على إن يوقع الفداء واشتري هذه الفضلة فضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينية وتقدمت بوجوههم إلى خرشنة ولم يعقد قبلها قط فداء مع أسير ولا هدنة فقال:

ويظهر من هذا الخبر إنه عقد الهدنة والمفاداة بنفسه مع ملك الروم وضمن له المال وجاء بالأسرى معه فهل كان ذلك يا ترى بأمر سيف الدولة وبعلمه بعد ما استأذنه فإذن له في المفاداة وهل دفع المال سيف الدولة وأرسله إليه أو رضي ملك الروم بضمانه وبقي في عهدته حتى رجع وأخذه من سيف الدولة وأرسله أو دفعه أبو فراس من ماله لم يصرح المؤرخون بشيء من ذلك لكن ظاهر الحال يدل على إن الفداء بأمر سيف الدولة وبأذنه وإنه هو الذي دفع المال معجلا أو مؤجلا ولو كان لأبي فراس مال لفدى نفسه من أول الأمر وينبغي إن يكون ذلك بعد ما أبطأ عليه سيف الدولة بالجواب ووقعت بينهما الوحشة كما مر ثم عاد فبذل الفداء ولم تطل مدة سيف الدولة بعد هذا الفداء فتوفي بعده بسنة.

أخباره مع المتنبي

في اليتيمة كان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا لا إغفالا وإخلالا. (أقول) أما انه كان يشهد له بالتقدم فربما يساعد عليه ما في الصبح المنبي من إن أحسن قصائد أبي الطيب هو في سيف الدولة وتراجع شعره بعد مفارقته وسئل عن السبب في ذلك فقال قد تجوزت في قولي وأعفيت طبعي واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان وفيهم من يقول:

إلى نهاية عشرة أبيات من هذه القصيدة وفيهم من يقول:

إلى نهاية أربعة أبيات من هذه القصيدة يعني أبا فراس ولعل هذا كان منه بعد مفارقة سيف الدولة حيث خفت دواعي الحسد والمزاحمة منه لأبي فراس. وأما انه كان لا يمدحه تهيبا وإجلالا فغير صواب والعجب صدور مثله من الثعالبي مع معرفته وفضله فانا لم نر ولم نسمع إن شاعرا ترك مدح أحد تهيبا وإجلالا والصواب انه تركه إغفالا وإخلالا فإنه مما لا ريب فيه انه كان بين المتنبي وأبي فراس منافسة ومباعدة ولا نستطيع إن نقول إن سببها المتنبي وحده أو أبو فراس وحده أو هما لا نستطيع الجزم بشيء منها لكننا نعلم إن المتنبي كان بجبلته متعاظما معجبا بنفسه يدلنا على ذلك تعاظمه عن مدح الوزير المهلبي والصاحب بن عباد الذي بذل له مشاطرة ما يملك وقصته مع الحاتمي مشهورة وكان معجبا بشعره لا يرى لشاعر عليه فضلا بل لا يرى إن أحدا يستطيع إن يجري معه في حلبة الشعر فهو يقول بمسمع من أبي فراس:

ويقول:

ومن كانت هذه صفته وهذه حاله لا يمكن إن يرى لأبي فراس حقا ولا يرعى له مكانة ولا يوفيه ما يستحقه من إجلال وتكريم. مع ما ينضاف إلى ذلك من كون أبي فراس شاعرا مفلقا يزاحم المتنبي في المكانة عند سيف الدولة وفي مدح سيف الدولة ووصف حروبه ووقائعه -وعدو المرء من يعمل عمله- ومن كونه مقربا عند سيف الدولة بشعره الفائق وشجاعته وبطولته وقيادته لجيوش سيف الدولة مع كونه ابن عمه وخال أولاده وكل ذلك مما يبعث الحسد والكراهة لأبي فراس في نفس المتنبي ويؤدي إلى شيء من التقصير في حقه وما كان في الجنان لا بد إن يظهر منه شيء على صفحات الوجه واللسان وأبو فراس مع ما فيه من الإمارة والبطولة والشجاعة وقيادة الجيوش والقرب من سيف الدولة وهو في ريعان الشباب ولشعره المكانة السامية في نفس سيف الدولة وشعراء عصره لم يكن مع اجتماع هذه الخلال فيه ليحتمل من المتنبي تقصيرا في حقه وإخلالا بمكانته رغما عما طبع عليه من مكارم الأخلاق فلا جرم إن يقع في نفسه من النفرة من المتنبي والعداوة أكثر مما وقع في نفس المتنبي منه ويؤدي ذلك إلى إن يذمه أبو فراس ويقع فيه عند سيف الدولة ولا بد إن يبلغ ذلك المتنبي فيزيد ما في نفسه على أبي فراس فمع كل هذه الأحوال كيف يمكن إن يمدحه المتنبي بل لو أمكنه لجاهر بذمه. هذا هو السبب لعدم مدح المتنبي له مع مدحه من دونه من بني حمدان الذين لم تكن فيهم هذه المزاحمة والمنافسة للمتنبي لا بالشاعرية ولا بغيرها لا ما ذكره الثعالبي. ولو لم يرد في هذا السبب شيء من المؤرخين لكفي فيه ما مر سواء أصح ما ذكره المؤرخون أم لم يصح فلسنا بحاجة إليه والذي ذكرناه كاف في بيان السبب في عدم مدح المتنبي له. أما الذي يدل على وقوع النفرة بينهما من كلام المؤرخين فهو ما ذكره صاحب الصبح المنبي عن حيثية المتنبي قال: قال ابن الدهان في المأخذ الكندية قال أبو فراس لسيف الدولة إن هذا المتشدق كثير الادلال عليك وأنت تعطيه كل سنة ثلاثة آلاف دينار على ثلاث قصائد ويمكن إن تفرق مائتي دينار على عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره فتأثر سيف الدولة من هذا الكلام وعمل فيه وكان المتنبي غائبا وبلغته القصة فدخل على سيف الدولة وأنشد:

إلى تمام ستة أبيات فاطرق سيف الدولة ولم ينظر إليه كعادته فخرج المتنبي من عنده متغيرا وحضر أبو فراس وجماعة من الشعراء فبالغوا في الوقيعة بحق المتنبي وانقطع أبو الطيب بعد ذلك ونظم القصيدة التي أولها:

وأنشدها وجعل يتظلم فيها من التقصير في حقه بقوله:

فهم جماعة بقتله في حضرة سيف الدولة لشدة إدلاله وإعراض سيف الدولة عنه فلما وصل في إنشاده إلى قوله:

قال أبو فراس مسخت قول دعبل وأدعيته وهو:

فقال المتنبي:

فعلم أبو فراس انه يعنيه فقال ومن أنت يا دعي كندة حتى تأخذ أعراض الأمير في مجلسه واستمر المتنبي في إنشاده ولم يرد عليه إلى إن قال:

فزاد ذلك أبا فراس غيظا وقال له سرقت هذا من قول عمرو بن مرة بن العبد:

ولما وصل إلى قوله:

قال أبو فراس وماذا أبقيت للأمير إذا وصفت نفسك بالشجاعة والفصاحة والرياسة والسماحة تمدح نفسك بما سرقته من كلام غيرك وتأخذ جوائز الأمير أما سرقت هذا من قول الهيثم بن الأسود النخعي الكوفي المعروف بابن عريان العثماني:

فقال المتنبي:

فقال أبو فراس وهذا سرقته من قول معقل العجلي:

وغضب سيف الدولة من كثرة مناقشته في هذه القصيدة وكثرة دعاويه فيها فضربه بالدواة التي بين يديه فقال المتنبي في الحال:

فقال أبو فراس هذا أخذته من قول بشار:

إذا رضيتم بان نجفي وسركم=قول الوشاة فلا شكوى ولا ضجر

فلم يلتفت سيف الدولة إلى ما قال أبو فراس وأعجبه بيت المتنبي ورضي عنه في الحال وقبل رأسه وأجازه بألف دينار ثم بألف أخرى. فهذه القصة تدلنا على ما كان يتداخل المتنبي من الكبرياء والتعاظم وما كان يعتمده من الاستخفاف بحق أبي فراس وان هذا وأمثاله كان يصده عن مدح أبي فراس لا ما قاله الثعالبي. كما أنه يدلنا على ما لأبي فراس من الرواية الواسعة في الشعر.

أخباره مع بني ورقاء

في اليتيمة أبو محمد جعفر وأبو أحمد عبد الله أبناء ورقاء الشيباني من رؤوساء عرب الشام وقوادها والمختصين بسيف الدولة وما منهما إلا أديب شاعر جواد ممدح وبينهما وبين أبي فراس مجاوبات.

قال ابن خالويه: لما سمع أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني ظفر سيف الدولة بقاتلي الصباح مولى عمارة الحرفي عامل سيف الدولة على قنسرين وعفوه عنهم بتوسط أبي فراس قال قصيدة يهنئ بها سيف الدولة بغزوته هذه ويفاخر مضر بأيام بكر وتغلب في الجاهلية والإسلام أولها.

ومنها في ذكر بني كعب وإيحاشهم سيف الدولة حتى أضربهم:

وهي طويلة جدا فلما سمع أبو فراس ما عمل فيها عمل قصيدة على هذا الشرح يذكر فيها أسلافهم ومناقبهم في الإسلام دون الجاهلية ويرد على أبي أحمد في افتخاره بأيامهم في الجاهلية وبأيام من بعد منهم في الإسلام وتركه الفخر بمن قرب منهم في الإسلام وهي قصيدة تزيد على 240 بيتا أولها:

إلى إن يقول:

وختمها بهذين البيتين:

قال ابن خالويه قال لي أبو فراس لما وصلت هذه القصيدة إلى أبي أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني ظن إني عرضت به في البيتين اللذين ختمت بهما القصيدة فكتب إلي قصيدة تصرف فيها بالتشبيب يقول فيها:

فكتب أبو فراس إلى أبي محمد جعفر بن محمد بن ورقاء وجعله حكما بينه وبين عمه أبي أحمد عبد الله بن ورقاء وابتدأ فيها بالحماسة وهي في الديوان المطبوع ناقصة فقال:

فكتب أبو محمد جعفر بن محمد بن ورقاء مجيبا له:

وأرسل أبو فراس إلى أبي محمد جعفر وأبي أحمد عبد الله ابني ورقاء بقوله

من قصيدة:

فأجابه أبو أحمد بقوله من قصيدة:

وقال أبو فراس في بني ورقاء من قصيدة يذكر فيها وده لهم وقوة اتصاله بهم ويفضلهم على سواه:

حياته السياسية

كان عصر الحمدانيين عصرا قد انقسمت فيه المملكة الإسلامية المترامية الأطراف إلى ممالك وأمارات جلها غير عربية فكانت خراسان وما والاها بيد السامانيين وما وراء النهر بيد الغزنويين وكلتا الدولتين غير عربية وبغداد وفارس بيد البويهيين وهم من الفرس والخلافة العباسية في بغداد لا حول لها ولا طول وإنما لها الخطبة والمشاركة في السكة في البلاد الإسلامية. والشام ومصر بيد الاخشيديين وهم أتراك وشمال إفريقيا بيد الفاطميين والأندلس بيد الأمويين فأنشأ الحمدانيون مملكة إسلامية عربية في الموصل وديار بكر وديار ربيعة والجزيرة وحلب والعواصم إلى منتهى البحر المتوسط شمالا والى مملكة الروم وقاعدتها القسطنطينية شرقا والى فلسطين ودمشق غربا فردوا غارات الروم وأغاروا على بلادهم وفتحوا كثيرا منها والروم يومئذ في قوتهم وقهروا القرامطة والخوارج الشراة كهارون الشاري وغيرهم وتسلطوا على الأكراد وأخضعوهم واخضعوا قبائل العرب المنتشرة في الجزيرة وبادية الشام صاحبة العدد الكثير والقوة وأدخلوها في طاعتهم وحاربوا الأخشيديين في الشام وأخذوا منهم دمشق ثم عادوا إليها بمخامرة أهلها وكانت هذه المملكة منقسمة بين ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان وأخيه سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان وكان لناصر الدولة الموصل والجزيرة ولسيف الدولة حلب والعواصم وما إليها وكان ناصر الدولة لا يخلو من منازعة البويهيين له وسيف الدولة يحارب الروم غالبا وسيد بني حمدان ورئيسهم سيف الدولة ووزيره وقائده الأول ومحل اعتماده في الحروب وقيادة الجيوش وحماية المملكة أبو فراس لم يكن سيف الدولة وأبو فراس طالبي ملك صرف وأمارة محضة بل كان لهما باعث ديني وغيرة وطنية يبعثهما على حماية المملكة وحفظها فسيف الدولة يجمع من غبار غزواته للروم التي كان يقصد منها رد عاديتهم عن بلاده لبنة ويوصي إن توضع تحت رأسه في قبره وأبو فراس يقول لسيف الدولة:

وإن رجلا كسيف الدولة وابن عمه أبي فراس يستطيعان إنشاء دولة قوية عربية إسلامية نمت في ظلها العلوم العربية والإسلامية والأدب العربي نموا فائقا في عصر تفككت فيه عرى الإسلام والعروبة وفي بقعة محاطة بالروم من جهة وبالإخشيديين والبويهيين الأقوياء من جهات أخرى ومشحونة في داخلها بدعايات القرامطة والخوارج وفتنهم وبغزوات الأكراد والقبائل العربية وفسادهم لرجلان فريدان عظيمان خلد التاريخ ذكرهما في صفحاته بالعز والفخر. ومما يلفت النظر إن جميع ملوك الإسلام كانوا في ذلك الوقت مشغولين بلذاتهم أو بالحروب بينهم. وبنو حمدان وحدهم هم الحامون للثغور والواقفون في وجه الروم يصدونهم عن غزو بلاد الإسلام ولم يجسر الأجنبي على اقتحام تلك الثغور إلا بعد انقضاء دولتهم والى ذلك يشير بعض شعراء ذلك العصر بقوله يمدح سيف الدولة وأبا فراس:

عصره العلمي والأدبي

كان أبو فراس في عصر ملئ بأعاظم العلماء ومشاهير الكتاب وأكابر الشعراء وكانت حضرة سيف الدولة التي نشا فيها أبو فراس وتربى وترعرع تعج بالمشاهير الفحول من هؤلاء فمن الشعراء المتنبي والسري بن أحمد الرفا الموصلي وأبو العباس أحمد بن محمد النامي والزاهي علي بن إسحاق البغدادي والناشي الأصغر علي بن عبد الله بن وصيف والخالديان أبو بكر وأبو عثمان. وأبو الفرج الببغا عبد الواحد بن نصر الشامي. وأبو نصر بن نباتة التميمي من شعراء العراق والوأواء الدمشقي وأبو بكر الخوارزمي وأبو الحسن علي بن محمد الشمشماطي والقاضي الجرجاني أبو الحسن علي بن عبد العزيز. وأبو القاسم الشيظمي وأبو الحسن محمد بن سامي الشعباني المعروف بالمغنم المصري وأبو محمد الفياضي الكاتب وأبو إسحاق الصابي وسلامة بن الحسين الموصلي. والقاضي أبي الحصين علي بن عبد العزيز الرقي وغيرهم ذكر أكثرهم ابن النديم في الفهرست والثعالبي في اليتيمة وقال الثعالبي يقال إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من شيوخ الشعر ونجوم الدهر. ومن العلماء الفارابي وابن خالويه النحوي الأديب اللغوي وأبو الفرج الأصبهاني وغيرهم فنشأ أبو فراس في هذا المجتمع الأدبي العلمي فاقتبس من نوره. واستضاء بهديه وصحب ابن خالويه وتلمذ عليه واستفاد منه ولا شك في إن للصحبة والعشرة أثرها في مثل ذلك لا سيما إذا انضاف إليها فكر وقاد وفهم حاذق ونفس شديدة الانطباع كفكر أبي فراس وفهمه ونفسه فلا جرم إن نشا أبو فراس بهذه المنزلة المتميزة في الشعر والأدب والعلم والمعرفة.

أدبه وشعره وأسلوبه

أبو فراس شاعر مفلق من فحول الشعراء المتميزين وكاتب بليغ أحرز قصب السبق في ميدان الأدب بشعره ونثره وان كان المأثور عنه من النثر شيئا يسيرا وهو شاعر وجداني قوي العاطفة رقيق الإحساس فياض الشعور غزير المواهب مصقول الألفاظ بديع المعاني سابق في الإجادة تهتز بشعره النفوس وتفيض من جوانبه الرقة والانسجام وتعلوه الفخامة والمتانة. وهو طويل النفس وقصيدته الرائية التي يفتخر فيها بقومه تزيد على 240 بيتا كلها في غاية المتانة والقوة والانسجام لم يزدها طولها إلا حسنا وقوة ومتانة مع أنه استوفى فيها ذكر عشيرته ومفاخرهم وأيامهم فاشتمل بسبب ذلك أكثرها على القصص التي تحتاج الإجادة في نظمها إلى قوة شعرية قوية ومادة غزيرة.

وفي اليتيمة: شعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام وكان الصاحب يقول بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس.

وأنت إذا تأملت شعره في جميع الفنون في جزالته ومتانته وعذوبته وسلاسته وانسجامه وأخذ ه بمجامع القلوب وجمعه لأنواع المحاسن التي تطلب من الشعراء علمت أنه ليس في شيء من المبالغة اقترانه إلى ملك الشعراء امرئ القيس بل من يفضله على المتنبي ليس مبالغا فان المتنبي وإن ساواه أو فضله في ابعاض من شعر المتنبي إلا انه لا يكاد يساويه في مجموع شعريهما فإنك لا تكاد تجد في شعر أبي فراس ما يعاب أو ينتقد بل جله أو كله مهذب مصفى في غاية الانسجام والبلاغة والرقة والمتانة سلم من السقطات مع ما في شعر المتنبي من السقطات الكثيرة وحسب أبي فراس قول سيف الدولة الشاعر الملك لما طلب إجازة بيت قاله ليس لها إلا سيدي كما مر.

وشعر أبي فراس صور صادقة لشخصيته. وقد كان في شخصيته القوة والصفاء والوضوح وهي كذلك ظاهرة في شعره، وكما كانت شخصية أبي فراس تتدفق بالحيوية كذلك شعره يفيض بالرجولة والحياة، وقد مر بنا إن حياة أبي فراس كانت مجالا ممتازا لتحقيق أغراضه ومطامح نفسه لذلك بعد شعره كل البعد عن إن يحمل صورا من التشاؤم والنقمة كالذي نراه في شعر المتنبي، وإنما كانت صوره الشعرية مشرقة نابضة بالحياة والفتوة. وأما أسلوبه فعنصر متمم لشعره الذي يمثل شخصيته، هو أسلوبه في الحياة: سهولة ومتانة ورقة، ينسجم مع معانيه وأغراضه الشعرية لفظا وتركيبا انسجاما جميلا رائعا.

وقد أبان أبو فراس رأيه في الشعر وأشار إلى ميزة في شعره هي انه مقصور على الفخر ومدح عشيرته ومقطعات تحلى بها كتبه ورسائله خال من المديح والهجاء والمجون في أبياته التي افتتح بها ابن خالويه ديوانه الذي جمعه حيث يقول:

ومن البديهي إن لا يعدو أبو فراس وهو الشاعر المطبوع في شعره مفاخره ومديح آبائه وتلك المقطعات التي حلى بها كتبه ورسائله لأن المديح الذي كان شائعا في ذلك العصر لم يكن يمت إلى شعور صادق وإنما كان من أجل حاجات خاصة تحمل الشعراء على اصطناع شعور مزيف ولولا تلك الحاجات لما وجدوا دافعا نفسيا لمدح من مدحوا أما أبو فراس فقد كان غنيا عن إن يقضي حاجة من مال أو جاه بالشعر. لذلك يقول الشعر للشعر مدحا وغيره وكذلك ترفعه عن الهجاء كان طبيعيا لأن الطبقة التي كانت تتهاجى من الشعراء والتي كانت تهجو من منعها سيبه من الملوك والأمراء كان أبو فراس بعيدا عنها ولم يكن له بينها قرين تدعو المنافسة بينهما إلى التهاجي وإنما كان أقرانه من النبلاء الأمراء الذين عرفت ولم يكن يرجو سيب أحد ليهجوه إذا منعه بل كان يرى نفسه أعلى وارفع من إن يهجو أحدا. وهو نفسه لم يكن يرضى إن يحشر في زمرة الشعراء، لما أخذت الأذهان في ذلك العصر عنهم من أخلاق لا ترضاها النفوس الكبيرة فهم مداحون اليوم لمن هجوه بالأمس وهجاؤون غدا لمن مدحوه اليوم في سبيل الدرهم والدينار إلى غير ذلك من الأخلاق التي نعرفها اليوم من أخبار أكثرهم وأشعارهم قال:

وقال:

والحقيقة انه كان هو وحده الشاعر الذي يحق له إن يفخر بشعره ويتباهى بشاعريته إذا غض غيره من الشعراء من إبصارهم إلا نادرا منهم وكذلك خلو شعره من المجون واللعب كان أمرا بديهيا وقد عرفت من أخلاقه ورجولته ما عرفت. وحسب الشعر العربي بل القومية العربية من أبي فراس تلك الأغراض التي ذكرها في أبياته المتقدمة والتي قصر عليها شعره ففيها المجال كل المجال لإظهار شاعريته الفياضة. وفيها دروس العزة والرجولة والقومية لمن يريدون حياة عزيزة وكرامة موفورة.

وقد نظم أبو فراس في جل أبواب الشعر وأنواعه المتعارفة ومقاصد الشعراء وتصرف في مناحي الشعر ما شاء فجاء في جميعها بالمعاني البديعة في التراكيب البليغة وجاء في جميع ذلك سابقا مجليا.

نظم في الغزل والنسيب فكان غزله ونسيبه يكاد يسيل رقة مع احتشام ومحافظة على الأدب. ونظم في المديح فلم يتعد مدح قومه وعشيرته وخاصة ابن عمه الأمير سيف الدولة ومدح أهل البيت النبوي وما تضمنته مراسلة أخوانه وأصدقائه فجاء مدحه مع تفوقه في صياغته ومعانيه الجليلة بعيدا عن الدعاوى الباطلة والمبالغات الشائنة مخلدا بخلود الدهر.

لقد أحسنت حياة أبي فراس إلى الأدب العربي أيما إحسان لأنه وهو الأمير المبجل والفارس المقدم والأبي المترفع قد بعد عن إن يلتجئ إلى المدائح الكاذبة المصطنعة الشعور فكان مديحه صادقا لا يقوله إلا بدافع الشعور الصادق الصميم لأنه لم تلجئه حاجة إلى اصطناع شعور مزيف كالتي ألجأت المتنبي إلى مدح كافور. ومدائح أبي فراس تكاد تكون وحدها في الأدب العربي شعرا صحيحا لأنها قيلت لوجه الشعور الصادق والوداد الحق. فكل مدائحه في ذلك لأهل البيت النبوي وفي آل حمدان ومراسلة أخوانه. أما مدائحه في أهل البيت عليهم السلام فإنها تشعر بولاء صادق وعصبية شديدة و إيمان راسخ تجلت فيها عقيدته الدينية واضحة راسخة وأما مدائحه في آل حمدان فمصدرها الفخر والاعتزاز وأكثرها في سيف الدولة وقد علمت أي صلة من نسب و أدب ومكانة كانت تجمع بينهما. فما كان ليمجد أعمال سيف الدولة ويفخر بها إلا لأن مجده هو مجده وفخره هو فخره كما قال:

وما كان ليتواضع في مدحه له ويضع نفسه في منزلة التابع الأقل إلا لان سيف الدولة صاحب الفضل عليه في كفالته وتربيته له وتقديمه إياه تقديرا لمزاياه فهو في هذا التواضع الشديد يساير خلقه العالي في الوفاء وعرفان الجميل فلا تذلل ولا استكانة. ولهذا رأيناه في مواضع كثيرة عندما كان الموقف يستلزم فخرا استشهادا بحقائق. يخاطب سيف الدولة خطاب الند للند. ولم يكن في ذلك مجترئا على مقام سيف الدولة ولا متعديا حدوده وأما مراسلته لإخوانه وأصدقائه فلا تنم إلا عن حسن الوفاء وكرم الأخلاق.

ونظم في الرثاء قليلا لم يعد به رثاء بعض أئمة أهل البيت ورثاء أمه وبعض عشيرته فكان دافعه إلى ذلك عاطفة دينية أو رحم ماسة لا غرض أخر من أغراض الدنيا التي يتوخاها الشعراء.

ونظم في الفخر والحماسة وذكر الحرب والتمدح بالشجاعة وأكثر فكان الشاعر الوحيد الذي جمع إلى متانة الشعر وحصافته صدق الدعوى في حماسته فلم يفخر إلا بما فيه ولم يقل قولا لم يصدقه الفعل فهو إذا افتخر بقومه وعشيرته وبحروبه وشجاعته وبحلمه وصفحه وكرمه وبذله وتحمسه لا يفخر إلا بما فيه ويقول قولا صادقا يطابق الفعل ولا يكون كأكثر الشعراء في حماستهم وكثير من أقوالهم في إنهم يقولون ما لا يفعلون وإن كان ربما تجاوز في بعض ذلك كقوله:

وقوله:

ونظم في الاحتجاج والمناظرة فكان المتكلم الفريد الذي لا يفوقه الكميت في شعره الكلامي ولا علماء الكلام والجدل فيما دونوه في كتبهم الكلامية أبانت عن ذلك ميميته المشهورة المسماة بالشافية التي رد فيها على محمد بن سكرة العباسي بأقوى رد وبرهان وأوضح حجة وبيان وشحنها بالاحتجاجات والردود والإشارة إلى الوقائع وأطال فيها فكانت آية في البلاغة والمتانة والرصانة مع إن ذلك كما مر تحتاج الإجادة فيه إلى قوة فائقة وإلا غلبت على الشعر الركة. ونظم في الصفات فأبدع ومنظومته في وصف الطرد والقنص مع طولها أجاد فيها وأبدع. ونظم في الزهد والمواعظ والحكم فكان كأزهد زاهد وأكبر واعظ وأعظم حكيم وهو الفارس البطل الشجاع الفاتك الذي تغلب على مثله قساوة القلب والبعد عن الزهد والمواعظ والحكم. ونظم في المراسلات لإخوانه فكان عنوان الوفاء وطراز حفظ المودة والإخاء. ونظم الروميات فكانت فريدة في بابها في رقتها وكشفها عن طبع رقيق وعاطفة شديدة ونفس كبيرة وهمة عالية. ونظم في شكوى الزمان وعتاب الإخوان والشوق إلى الأهل والأوطان فأبدع ولم يعد الحقيقة ونظم في الإشارة إلى القصص والأخبار والتواريخ فكشف نظمه فيها عن خبرة واسعة. وفي شعره الأمثال السائرة الكثيرة التي يتمثل بها الأدباء في محافلهم والخطباء على منابرهم. ونظم في الألغاز وغير ذلك من فنون الشعر التي تجدها فيما سنتلوه عليك من شعره وأجاد وبلغ الغاية في كل ما عاناه من ضروب الشعر ولم تقتصر أجادته على ما مارسه أو اتصف به من وصف الحروب والشجاعة والفخر. وقلما يوجد كتاب أدب أو تاريخ أو نحوها ليس فيه استشهادات من شعره.

نكتة طريفة

في اليتيمة: حكى بديع الزمان أبو الفضل الهمذاني إن الصاحب أبا القاسم قال يوما لجلسائه وأنا فيهم وقد جرى ذكر أبي فراس: لا يقدر أحد إن يزور على أبي فراس شعرا فقلت ومن يقدر على ذلك وهو الذي يقول:

فقال الصاحب: صدقت، قلت أيد الله مولانا قد فعلت!. قال صاحب اليتيمة: ولعمري أنه قد أحسن ولم يشق غبار أبي فراس.

ديوان شعره

وديوان شعره قد جمعه أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خالويه النحوي اللغوي وشرح الوقائع التي أشار إليها أبو فراس في شعره وذكر جملة من أخباره، والموجود بأيدي الناس هو برواية ابن خالويه جمعه غير مرتب على الحروف وقال في مقدمته بعد كلامه المتقدم في مدح أبي فراس: وما زال رحمه الله تعالى إيجابا لحق الأدب في رعاية الصحابة والعلم بأهل المخالصة يلقي إلي دون الناس شعره ويحظر علي نشره حتى سبقتني به الركبان فجمعت منه ما ألقاه إلي وشرحت من زبدة أخباره رضي الله عنه والأيام المذكورة فيه ما أرجو إن يقرنه الله عز وجل بالصواب والرشاد بمنه ولطفه وطوله وقوته وحوله.

وهذا الديوان طبع في بيروت لأول مرة سنة 1873 م وحذف منه شروح ابن خالويه إلا أقلها ونقص منه جملة من القصائد بتمامها ونقص من القصائد المذكورة فيه عدة أبيات وكان مشحونا بالأغلاط لعدم معرفة الواقفين على طبعه فجاء كثير من كلماته محرفا أو ناقصا أو غير ذلك من الأغلاط. وهو بهذه الطبعة أول ديوان شعر قرأته وسني بين السبع والعشر و علق بذهني منه شيء كثير لا أزال أحفظه حتى اليوم وقد بلغت الثمانين من أعوام عمري. ثم طبع للمرة الثانية في بيروت سنة 1910 م وغير ترتيبه عما في الطبعة الأولى بالتقديم والتأخير وشاركت الطبعة الثانية الأولى في نقصان القصائد والأبيات وفي الأغلاط وزادت عليها في الغلط كثيرا وأفسده طابعه زيادة على الغلط بما علقه عليه من الشروح التي لا يكاد يمت شيء منها إلى صواب. فمن طريق ما جاء فيها نذكره تفكهة للمطالع ونموذجا لتلك الشروح: ما ذكره في شرح قوله: (وخلى أمير المؤمنين عقيل)، فقال: أي خلى أمير المؤمنين سيف الدولة قبيلة عقيل الذين قادهم ندى بن جعفر. وفي شرح: (منكم علية أم منهم) إن علية اسم إمام من كبار المحدثين. وأدرج الأبيات الثلاثة التي قيلت في عبد الله بن طاهر وأولها (له يوم بؤس فيه للناس أبؤس) في ضمن قصيدة لأبي فراس. إلى غير ذلك مما يجده المطالع.

وكم كنت متألما إن لا يكون ديوان هذا الشاعر العربي العظيم الفذ مطبوعا طبعا متقنا صحيحا كاملا فبحثت عن نسخه المخطوطة حتى وقع بيدي بتوفيقه تعالى منها أربع نسخ منها نسختان رتبهما كاتبهما على حروف المعجم والباقي غير مرتب وإحداها ناقصة واشتركت ثلاث منها في ذكر الوقائع التي ذكرها ابن خالويه في الشرح كما اشتركت في الغلط والتحريف الذي يصعب معه معرفة الصواب إلا إنني استطعت بعد مزيد التأمل والتعب الشديد ومقابلة النسخ بعضها ببعض ومراجعة الكتب إن استخرج منها نسخة صحيحة كاملة مرتبة على حروف المعجم سالمة من الغلط والتحريف إلا في مواضع يسيرة بقيت مستغلقة وشرحت ما استغلق من ألفاظه اللغوية وما أشير إليه من الحوادث والوقائع إلا قليلا منها لم يتيسر لي الاطلاع عليه كما إنني عثرت أثناء بحثي وتنقيبي في كتب الأدب والتاريخ وغيرها على شعر له غير يسير خلت عنه هذه النسخ الأربع والنسخة المطبوعة فكانت هذه النسخة التي جمعتها نسخة فريدة في بابها خدمت بها الأدب العربي وحاميت عن شعر هذا الشاعر العظيم إن تعبث به أيدي التحريف والتصحيف والنقصان ومثلتها للطبع فكان مجموع أبيات النسخة التي جمعتها (3430) بيتا أو أزيد بزيادة (1156) بيتا عن النسخة المطبوعة البالغ عدد أبياتها 2274 بيتا وأرجو أن لا يكون فأتني شيء من شعره بعد هذا التفتيش الطويل والتنقيب الكثير.

ومما يلاحظ في ديوان أبي فراس كثرة اختلاف نسخه كثرة مفرطة جدا حسبما رأيناه في النسخ التي عثرنا عليها وفي كتب الأدب (أولا) في اللفظة الواحدة أو الجملة الواحدة أو البيت الواحد فتجدها مغيرة بما يرادفها أو يقارب معناها (ثانيا) في ترتيب الأبيات بالتقديم والتأخير (ثالثا) في القصائد بالزيادة والنقصان (رابعا) في بعض القصائد المتحدة الوزن والقافية ففي نسخة جعلت القصيدتان أو أكثر قصيدة واحدة وفي أخرى قصيدتين إلى غير ذلك مما يتعسر حصره. ويمكن كون سبب ذلك أنه ألقى شعره إلى ابن خالويه فجمعه ورتبه وغير بعض ألفاظه إلى ما رآه أحسن واسقط بعض الأبيات التي لم يرتضها وغير ترتيب بعضها بعد إن رخص له أبو فراس في جميع ذلك ويمكن إن يكون أبو فراس نفسه قد وقع منه هذا أو بعضه وكانت هذه القصائد قد انتشرت ورواها الرواة على حالها الأول فوقع الاختلاف من جراء ذلك ويمكن إن يكون وقع تغيير في الديوان من ابن خالويه أو من أبي فراس بعد انتشار نسخة فقد كان أبو فراس في عصر قد راج فيه سوق الشعر والأدب رواجا عظيما وكان لأبي فراس وعشيرته من الصيت ما يحمل الكثيرين على نسخ ديوانه ورواية شعره. وربما يرشد إلى هذا قول ابن خالويه السابق: ويحظر علي نشره حتى سبقتني به الركبان. ويمكن إن يكون ما ألقاه أبو فراس إلى ابن خالويه من شعره قد نقص منه بعض القصائد أو المقطعات التي ذهل عنها أبو فراس ورواها الرواة فألحقها الناس ببعض نسخ الديوان وبقي البعض الآخر خاليا عنها أما جعل القصيدتين واحدة فمن جهل الرواة.

وبعد فراغي من جمع ديوان أبي فراس وترجمته زارني الشاب النابة الأديب الدكتور سامي الدهان الحلبي، واستعاره مني فبقي عنده أياما واخبرني انه بذل جهودا عظيمة في جمع ديوان أبي فراس وشرح ابن خالويه له فوقف على نحو خمسين نسخة منه في فرنسا وألمانيا وانكلترة والمدينة المنورة ومصر واستانبول ودمشق وحلب وغيرها من العواصم والبلدان الأوروبية والإسلامية وصرف في سبيل ذلك أموالا طائلة وأوقاتا نفيسة وعانى أسفارا إلى هذه البلدان ومشقات في سبيل تحصيل نسخ الديوان حتى اخرج من مجموعها نسخة كاملة صحيحة وجمع بين الألفاظ المتعددة نسخها وراجع في أسماء الأماكن والأشخاص الرومية التي وجدت في شعره ولم تضبط في الكتب العربية الأصول اليونانية وشرع في طبعه واراني مما طبعه 171 صفحة وهو جاد في إكمال طبعه فأعجبت بهمته وجهوده وشكرت له صنيعه. وعلمت إن الله تعالى بعد مرور أكثر من ألف سنة من وفاة أبي فراس شاء إن لا يبقى ديوان أبي فراس على ما كان عليه فسخرني و سخر هذا الشاب النبيل لأحياء ديوان أبي فراس ونشره من رمسه. وقد كتب إلي عن أعماله في جمع هذا الديوان ما صورته:

طفت عواصم أوروبا وحواضرها باحثا منقبا في مكتباتها عن مخطوطات العصر الحمداني بصورة عامة ونسخ ديوان أبي فراس بصورة خاصة فوفقت بعد سياحة ثلاث سنوات إلى اكتشاف نسخ من ديوانه لا تعرف عنها فهارس المكتبات العامة إلا إنها مخطوطات عربية لشاعر مجهول. وقد نوهت عن ذلك في إحدى مجلات أوروبا وفي مؤتمر المستشرقين ببلجيكا ولفت النظر إلى العناية بها والحفظ عليها وقد وقعت على نسخة (الأم) في برلين فأخذت عنها الديوان رواية ابن خالويه، وقابلت عليها نسخ انكلترا وإيطاليا وفرنسا وهولندا وهي مع نسخ ألمانيا تبلغ العشرين، وقد كاتبت الأستاذ المستشرق الروسي كراتشكوفسكي في الحصول على نسخ ليننغراد فتفضل علي بما طلبت واستجلبت نسختي فاس والرباط وزرت مصر فوجدت في الأزهر وفي التيمورية ودار الكتب المصرية خمس عشرة نسخة واكتشفت في الكنيسة المارونية بحلب نسخة ديوانه وأما نسخ استانبول فقد حصلت على ما أريد منها.

ولقد ترجمت كتاب (دفورجاك) التشيكي عن أبي فراس في مقدمته بطبعة يتيمة الدهر إلى الفرنسية وحصلت على أكثر من ستين مرجعا من روسي وألماني وانكليزي وإيطالي وفرنسي وترجمتها إلى العربية جميعا.

وتفضلت علي الجمعيات العلمية في أوروبا بمخطوطات المستشرقين الذين حاولوا طبع ديوان أبي فراس فحالت دون إتمامه المنية. كل ذلك إلى مخطوطات تاريخية عن العصر الحمداني صورتها ونقلتها حتى تم لدي من ذلك كله شبه تمام المعلومات التي تهم عصر الشاعر الخالد.

ولقد بلغ عدد نسخ الديوان الخمسين والمخطوطات التاريخية الثلاثين و الدراسات والمصادر ما يقرب من المائة. هذا والله يعلم إني اعتقد بنقص المصادر وفساد أكثر النسخ وقصور عملي هذا وفقري في العلم لا أدعي الكمال وتمام المعرفة ولم اقصد إلا نشر النسخ كما هي.

وقد قدمت بين يدي الطبعة بوصف النسخ بالفرنسية وتعداد الدراسات عن الشاعر وقيمتها وتحليل ما في الديوان وقدمت الدراسة الفرنسية هذه إلى (السوربون) فكلفت الأستاذ بلانشير مؤلف "المتنبئ" أن ينقدها وكان من حظي إن أثنى عليها ووقعت من نفسه وفرح بصدورها لأنها تفتح أمامه أفاقا جديدة للعصر الذي كرس له شبابه حين درس المتنبئ.

مقتله

لم تطل مدة أبي فراس بعد خلاصه من الأسر بل بقي نحو سنتين وقتل وقد ذكر أبو فراس في بعض قصائده إن موته سيكون قتلا فهو يقول:

وقوله هذا أما من باب أقوال الشجعان إنهم لا يموتون حتف الأنف أو إن أمه رأت رؤيا علمت منها ذلك كالرؤيا التي رأتها أم شبيب. وكان سيف الدولة قد مات بعد خلاص أبي فراس بنحو سنة واتفقت الروايات على إن سبب قتله خلاف حصل بينه وبين أبي المعالي شريف بن سيف الدولة خليفة أبيه واختلفت الروايات في أنه هل قتل في المعركة أو بعد اختلاطه بالمستأمنة أو في الطريق بعد ما ضرب ضربات وأسر.

في اليتيمة: دلت قصيدة قرأتها لأبي إسحاق الصابي في رثائه على أنه قتل في وقعة كانت بينه وبين بعض موالي أسرته. ورثاء الصابي له محض وفاء وقضاء لحرمة المشاركة في الأدب.

وقال ابن الأثير في حوادث سنة 357: في هذه السنة في ربيع الآخر قتل أبو فراس ابن أبي العلاء سعيد بن حمدان وسبب ذلك أنه كان مقيما بحمص فجرى بينه وبين أبي المعالي بن سيف الدولة بن حمدان وحشة فطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فراس إلى صدد وهي قرية في طرف البرية عند حمص فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وسيرهم في طلبه مع قرعويه فأدركه بصدد فكبسوه فاستأمن جمع من أصحابه واختلط هو بمن استأمن منهم فقال قرعويه لغلام له اقتله فقتله وأخذ رأسه وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب، وأبو فراس هو خال أبي المعالي بن سيف الدولة ولقد صدق من قال إن الملك عقيم.

وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه فأنفذ إليه من قاتله فأخذ وقد ضرب ضربات فمات في الطريق فقال قبل موته:

قال: وبلغني إن أبا فراس رضي الله عنه أصبح يوم مقتله حزينا كئيبا وكان قلقا في تلك الليلة ورأته ابنته امرأة أبي العشائر وهو على تلك الحال فأحزنها حزنا شديدا، ثم ركب وهي على تلك الحال فأنشأ يقول ورجله في الركاب والخادم يضبط السير عليها وإنما قال ذلك كالذي ينعي نفسه وإن لم يكن من قصده ذلك فقال رحمه الله:

ثم سار فلقي قرعويه فكان من أمره ما كان وهذا أخر ما قاله من الشعر فيما بلغني فسبحان من لا يحول ولا يزول.

وفي نسمة السحر قيل إنه قتل في المعركة على باب حمص.

وقال ابن خلكان: رأيت في ديوانه انه لما حضرته الوفاة كان ينشد مخاطبا ابنته وذكر الأبيات الخمسة المتقدمة، ثم قال: وهذا يدل على أنه لم يقتل أو يكون قد جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة. ولكن قد سمعت فيما مر عن ابن خالويه انه أنشدها ورجله في الركاب يوم قتله قبل إن يلقى قرعويه ثم قتل فما في الديوان إن صح يمكن إن يراد بقوله لما حضرته الوفاة أي يوم قتل فلا منافاة. ثم قال ابن خلكان: ذكر ثابت بن قرة الصابي في تاريخه قال: جرت حرب بين أبي فراس وكان مقيما بحمص وبين أبي المعالي شريف بن سيف الدولة واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية إلى إن جاء بعض الأعراب فكفنه ودفنه. قال غيره: وكان أبو فراس خال أبي المعالي وقلعت أمه سخينة عينها لما بلغها وفاته وقيل إنها لطمت وجهها فقلعت عينها وقيل لما قتله قرعويه لم يعلم به أبو المعالي فلما بلغه الخبر شق عليه. وسخينة هي أم أبي المعالي أخت أبي فراس لا أم أبي فراس لأن أمه ماتت وهو في أسر الروم. فقوله: وقلعت أمه عينها أي أم أبي المعالي.

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر المطبوع ما لفظه: في سنة 350 قتل أبو فراس قتله أبو قرعونة غلام سيف الدولة ولما بلغ قتله أمه قلعت عينها وكان قتله عند ضيعة تعرف بصدد في حرب كانت بين شريف بن سيف الدولة وبين أبي فراس. وفيه ثلاث مخالفات للمعروف في كتب التاريخ (إحداها) تاريخ قتله سنة 350 وقد أجمعت كتب التاريخ أنه سنة 357 (ثانيتها) تسمية غلام سيف الدولة أبو قرعونة والمذكور في اسمه قرعويه أو فرغوية (ثالثتها) قوله ولما بلغ أمه الخ الدال على إنها أم أبي فراس مع إن أم أبي فراس ماتت وهو في الأسر كما مر فالصواب إنها أم أبي المعالي ولما كانت النسخة المطبوعة فاشية الغلط لم يعلم إن ذلك من كلام ابن عساكر. والصواب إن الذي قتله قرعويه وان أبا المعالي لم يعلم بقتله إلا بعد وقوعه.

وهؤلاء المماليك أمثال قرعويه لم تكن لهم نفوس شريفة تدعوهم إلى العفو عند المقدرة وكانوا كثيرا ما يكفرون النعمة بعدما أجادوا الخدمة في أول أمرهم فيرغب فيهم مواليهم فإذا ترقت حالهم بطروا وربما فتكوا بمواليهم. وقرعويه هذا عصى على أبي المعالي بعد سيف الدولة في خبر معروف ثم سلط الله عليه مولى له فقبض عليه مع بكجور وحبسه في قلعة حلب ست سنين ثم قتله أبو المعالي شريف بن سيف الدولة فجازاه الله تعالى بمثل فعله.

ومن المؤسف إن يكون أبو فراس الأمير الشجاع الكبير النفس العالي الهمة العربي الصميم يقتل بيد غلام مملوك لغلام مملوك وما أحسن وأصدق قول المتنبي كما في اليتيمة:

ولله أمر هو بالغه. وأولى بان يستشهد لذلك بقول أبي فراس نفسه:

وفي تاريخ أبي الفدا: وفي مقتله في صدد يقول بعضهم.

مختارات من شعره الغزل والنسيب

قال ولا توجد في الديوان المطبوع:

وقال:

وقال ولا توجد في الديوان المطبوع:

وله:

وله وليست في الديوان المطبوع:

وله:

وله:

وقال من قصيدة:

وقال في غلام نبت عذاره:

وقال من قصيدة:

وله:

وله وليسا في الديوان المطبوع:

وقال وليسا في الديوان المطبوع:

وقال وليسا في الديوان المطبوع:

وقال وليسا في الديوان المطبوع:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وهذا الذي قاله من إن عيني العاشق عينان عليه قد أولع به وكرره في شعره فقال:

وقال من قصيدة ليست في الديوان المطبوع وتأتي:

وقال:

وقال من أبيات مرت:

وقال:

وقال:

وقال وفيه إشارة إلى علم النجوم:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

الفخر والحماسة

وقد أكثر في شعره من الفخر والحماسة وذكر الحرب حتى أنه لشدة ولوعه بذلك يمزجه بالغزل والنسيب وبكثير من فنون الشعر والشريف الرضي في شعره هذه المزية فأبو فراس يقول وهو يتغزل:

قال ابن خالويه: كثرت وقائع سيف الدولة بالعرب في كل ارض فتجمعت نزاريها ويمانيها وتشاكت ما لحقها وتراسلت واتفقت على الاجتماع بسلمية لمقاتلته وقتلت عامله بقنسرين الصباح عبد عمارة الحارفي فنهض سيف الدولة ومعه ابن عمه أبو فراس حتى أوقع بهم وعليهم يومئذ الندى بن جعفر ومحمد بن يزيع العقيليان، من آل المهنأ فهزمهم وقتل وجوههم واتبع فلولهم وقدم أبا فراس في قطعة من الجيش يتبعهم ويقتل ويأسر فلم ينج منهم إلا من سبق به فرسه واتبعهم سيف الدولة وأبو فراس حتى ألحقوهم بالسماوة. وانكفأ سيف الدولة إلى بني نمير وهي بالجزيرة فوجدها خاضعة ذليلة تعطي الرضا وتنزل على الحكم فصفح عنهم وأحلهم بالجزيرة فقال أبو فراس من قصيدة يذكر الحال والمنازل ويصف مواقفه فيها وكان قد حسن بلاؤه في تلك الوقعة. وهي من غرر شعره:

وقال يفتخر من قصيدة:

وقال يفتخر من قصيدة ولا توجد في الديوان المطبوع:

وقال يفتخر:

وقال:

وقال:

وقال:

وكان أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني قال قصيدة يهنئ بها سيف الدولة بظفره في بعض وقائعه ويفاخر فيها مضر ببكر وتغلب وذكر أيامها في الجاهلية والإسلام فعمل أبو فراس قصيدة يذكر فيها آباءه وأسلافه وأهله الأقربين في الإسلام ويرد على أبي أحمد في افتخاره بآبائه وأسلافه وأهله الأقربين في الإسلام وهي تزيد على 240 بيتا فانتخبنا شيئا منها في الغزل ووصف الناقة والآداب والحكم والحماسة وغيرها قال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال من قصيدة:

وقال:

وقال:

وقال وقد أوقع ببني كلاب:

وقال من أبيات:

وقال:

وقال وقد أوقع ببني كلاب وأسر مصعبا الطائي وسألته أم بسام فصفح عن الأموال من أبيات:

قال ابن خالويه: غزا الأمير سيف الدولة في سنة 339 وأوغل في بلد الروم وفتح صارخة واحرقها وهي مدينة بالروم بينها وبين القسطنطينية سبعة أيام وأوقع بالدمستق فهزمه واسر عدة من البطارقة وغيرهم وعاد ظافرا غانما فتبعه العدو فأخذ عليه الدرب فتخلى عن بعض السواد وقتل البطارقة وعاد فقال أبو فراس يصف الغزوة ويفتخر ويذكر غزواته بالروم من قصيدة وليست في الديوان المطبوع:

ويقول فيها في مدح سيف الدولة:

ويقول فيها في أسر داود بن عمار بن داود بن حمدان:

وقال مفتخرا من قصيدة:

وقال من قصيدة:

وقال من قصيدة وليست في الديوان المطبوع:

وقال يفتخر وقد ظفر ببني نمير من أبيات:

وقال يفتخر من قصيدة وليست في الديوان المطبوع:

وقال يفتخر:

وقال يفتخر وقد قتل زيد بن منيع سيد بني جعفر ورماه النساء بأنفسهن فأطلق لهن الأموال والأسرى:

ومضى باقيها عند ذكر شخصيته وقال:

المديح

قال في أهل البيت عليه السلام وليست في الديوان المطبوع:

وكان محمد بن سكرة الهاشمي العباسي -من شعراء اليتيمة- عمل قصيدة يفاخر بها الطالبيين وينتقص بها ولد علي عليه السلام ويتحامل فيها أولها.

فلما وقف عليها أبو فراس لم يجبه تنزها عن مناقضته ولسفاهة شعره فقال هذه القصيدة في أهل البيت عليهم السلام وسماها الشافية.

وقال يمدح ابني سيف الدولة وهو خالهما ويذكر أخاهما الآخر وليست في الديوان المطبوع:

وقال مادحا:

وقال من قصيدة يظهر إنها في مدح ابن عم له ولعله سيف الدولة وليست في الديوان المطبوع:

وكتب إلى سيف الدولة:

وقال يفتخر ويمدح سيف الدولة عقيب بعض الوقائع وقد أسر فيها أخواه:

الرثاء

قال يرثي الحسين ويمدح أمير المؤمنين عليا عليهما السلام من قصيدة كما في نسختين مخطوطتين من رواية ابن خالويه وأورد ابن شهراشوب في المناقب أبياتا منها وخلا عنها الديوان المطبوع:

ويقول في الرثاء:

وقال يرثي أمه وقد توفيت وهو في الأسر ولا توجد في الديوان المطبوع ووجدت في نسختين في برلين وأخرى في أكسفورد وأخذ ت عن المستشرق دفوراك ولكننا وجدناها في نسختين عندنا مخطوطتين وفيهما زيادة عن نسخ برلين وأكسفورد الأبيات الثلاثة الأولى:

وقال يرثي أبا المرجى جابر بن ناصر الدولة:

وقال يرثي أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان وقد توفي سنة 338 وليست في الديوان المطبوع:

وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعزيه بأخته من أبيات:

وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعزيه بابنه أبي المكارم من أبيات:

الروميات

قد عرفت إن أبا فراس أسر مرتين ولبث في الأسر الثاني أربع سنين وقد نظم في الأسر عدة قصائد هي من غرر شعره. ولا ريب إن الأسر اثر في نفس أبي فراس رقة زيادة على ما فيها. واسر وهو جريح بسهم بقي نصله في فخذه فاجتمع عليه مع الأسر والجراح طول المدة وتأخير سيف الدولة مفاداته وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه فلا جرم إن تصدر قصائده وهو أسير عن قلب شجي ونفس رقيقة متألمة فتزداد رقة ولطافة وسلاسة وتؤثر في النفوس تأثيرا محزنا يكاد يبكي سامعها وتعلق بالحفظ لسلاستها وربما هاجت به عاطفة الحماسة في هذه الحال فيخرج بشعره إلى التحمس الفائق فأن ما هو فيه لم يكن لينسيه سوابقه في الإمارة والحروب ولم يكن ليفقده كبر النفس وعلو الهمة والصفات الغريزية التي فيه من هذا القبيل لذلك كانت رومياته مطبوعة بطابع يميزها عن باقي شعره. في اليتيمة قد أطلت عنان الاختيار من محاسن شعر أبي فراس (وما محاسن شيء كله حسن) وذلك لتناسبها وعذوبة مشاعرها ولا سيما الروميات التي رمى بها هدف الإحسان وأصاب شاكلة الصواب ولعمري إنها كما قرأته لبعض البلغاء لو سمعتها الوحش لأنست أو خوطبت بها الخرس لنطقت أو استدعي بها الطير لنزلت. ونحن نورد هنا رومياته كلها عدا ما مر منها في تضاعيف ما تقدم.

مراسلته سيف الدولة من الأسر

وقال أول ما أسر يسأل سيف الدولة المفاداة:

ومن رومياته هذه القصيدة التي جمعت الغزل والحماسة والحكم وصفة أسره وتعليم الإباء وعزة النفس وغير ذلك مع كونها من غرر الشعر وهي ناقصة في الديوان المطبوع فلذلك أوردناها بتمامها، وقد قالها حينما بلغه إن الروم قالوا ما أسرنا أحدا ولم نسلب سلاحه غير أبي فراس وهي:

وكتب إلى سيف الدولة من الدرب وقد اشتدت عليه علته:

وكتب إلى سيف الدولة من الأسر:

وكتب إليه سيف الدولة كتابا فيه كلام خشن وهو في الأسر لما بلغه إن بعض الأسرى قال إن ثقل هذا المال على الأمير كاتبنا فيه صاحب خراسان وغيره من الملوك وذلك حين قرروا مع ملك الروم إطلاق أسرى المسلمين بمال يحملونه فاتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول لضمانه المال فكتب إليه: ومن يعرفك بخراسان فكتب إليه أبو فراس:

وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعاتبه:

وكتب إلى سيف الدولة من الأسر وقد مضى عليه سنتان وهو مأسور من قصيدة:

وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعرفه خروج الدمستق إلى الشام في جموع الروم ويحثه على الاستعداد ويذكره أمره ويسأله تقديم فدائه:

ثم أشار إلى كثير من الوقائع ثم قال:

وقال وقد بلغه علة والدته بعدما قصدت حضرة سيف الدولة من منبج إلى حلب تكلمه في المفاداة وتتضرع إليه فلم يكن عنده ما رجت ولعله كان لسيف الدولة عذر سياسي في تأخير فدائه فان ما يغيب عن الإنسان لا يجوز الحكم عليه من جميع نواحيه ووافق ذلك إن البطارقة قيدوا بميافارقين فقيد هو بخرشنة ورأت الأمر قد عظم فاعتلت من الحسرة فبلغ ذلك أبا فراس فكتب إلى سيف الدولة:

وكتب معها بهذين البيتين:

مراسلة والدته من الأسر

كتب إلى والدته بمنبج من أسر الروم:

وكتب إلى والدته من الأسر يعزيها ويصبرها وقد ثقل من الجراح التي نالته ويئس من نفسه:

مراسلته أخاه أبا الهيجاء من الأسر

لما أسر أبو فراس لحق أخاه أبا الهيجاء حرب بن سعيد بن حمدان جزع لأسره كما يلحق الأخ الوفي عند أسر أخيه السري فكتب إليه أبو فراس من الأسر هذه القصيدة العصماء يعذله على هذا الجزع ويفتخر ويذكر قوما عجزوا رأيه في الثبات فقد عرفت انه كان يمكنه الفرار فثبت تجنبا عن سوء الأحدوثة وهذه القصيدة فيها في الديوان المطبوع نقص كثير ونحن نذكر هنا أكثرها مع ما مر ويأتي منها وان لزم بعض التكرار لنفاسة مضامينها وفيها مقاصد متنوعة:

النسيب

الفخر

الاتكال على الله

جوابه لمن لامه على الثبات

الحساد والأعداء

القضاء والقدر

العذر عن الأسر

مدح سيف الدولة

التنزه عن الدنايا

الإعتراف بإنعام سيف الدولة

الحنين إلى أخيه

شكوى الزمان

شرط الأخوة وحسن الرجاء

تسليته لأخيه

حسن الرجاء

وكتب أيضا إلى أخيه حرب بن سعيد من القسطنطينية:

مراسلته ابني سيف الدولة

كتب إلى أبي المكارم وأبي المعالي ابني سيف الدولة من الأسر يسألهما إن يكلما أباهما في فدائه:

مراسلته محمد بن الأسمر من الأسر

كتب إليه أبو الحسن محمد بن الأسمر وهو في الأسر يوصيه بالصبر فأجابه بهذه الأبيات:

مراسلته غلاميه منصورا وصافيا من الأسر

كتب إلى غلامه منصور وهو في أسر الروم:

وكتب إليه أيضا:

وكتب إلى غلاميه صاف ومنصور من الأسر وفيها دلالة على شدة بره بوالدته وشوقه لأصحابه وانه كان له أولاد صغار وإن سيف الدولة أسند إليه ذنبا:

وكتب إليهما في الأسر أيضا يستجفيهما:

بقية أشعاره في الأسر

وقال يذكر أسره ويصف مناظرة جرت بينه وبين الدمستق في الدين:

وقال وهو في الأسر بعد علة عوفي منها وكان في فخذه نصل سهم له شعبتان أقام فيها ثلاثين شهرا فشقت فخذه حتى أخرج منها:

وقال وهو في الأسر:

وقال وهو في الأسر:

وقال وهو في الأسر:

وقال وهو في الأسر:

وقال وهو في الأسر وقد سمع حمامة تنوح على شجرة عالية:

وقال لما طال أسره يحمل على الشامتين ويصف منازله بمنبج ويتشوقها وكانت ولايته وإقطاعه وداره:

وقال يذكر أسره وبعض حساده من قصيدة:

الإخوانيات

منها المراسلة بينه وبين بني ورقاء ومرت في أخباره معهم المراسلة بينه وبين أبي زهير مهلهل بن نصر بن حمدان قال أبو فراس وهو أول بيت قاله في صباه:

فاتصل هذا البيت بأبي زهير مهلهل بن نصر بن حمدان فكتب إليه بأبيات أولها (أيا ابن الكرام الصيد والسادة الغر) فأجابه أبو فراس بقوله من أبيات:

وكتب إليه أبو زهير أيضا قصيدة أولها (بان صبري ببين ظبي ربيب) فأجابه أبو فراس بقوله:

فأجابه أبو زهير بقصيدة أولها (هاج شوق المتيم المهجور) فأجابه أبو فراس بقوله:

وكتب إليه أبو زهير قصيدة أولها: (كتابي عن شوق إليك ووحشة) فأجابه أبو فراس بقوله:

وكتب إلى أبي زهير بقوله من أبيات:

#أودك ودا لا الزمان يبيده ولا الناي يفنيه ولا الهجر صارمه (ثالمه)

وكتب إليه على هذا الوزن وهذه القافية من أبيات:

المراسلة بينه وبين أخيه أبي الهيجاء

وكتب إلى أخيه أبي الهيجاء حرب بن سعيد:

المراسلة بينه وبين أبي العشائر

وكتب إلى أبي العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان وهو أبو زوجة أبي فراس عند أسره إلى بلد الروم من قصيدة:

وكتب إلى أبي العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان أيضا وهو أسير بأرض الروم يذكر طلبه له ووصوله إلى مرعش في أثره ولم يلحقه:

ومر جملة منها عند الكلام على شعره وأدبه وأسلوبه يقول فيها:

المراسلة بينه وبين جابر

ابن ناصر الدولة

كتب إلى أبي المرجى جابر بن ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان من أبيات:

المراسلة بينه وبين القاضي

أبي الحصين الرقي

كتب إلى القاضي أبي الحصين علي بن عبد الملك الرقي القاضي قاضي سيف الدولة بحلب وقد عزم على المسير إلى الرقة من أبيات أولها:

فأجابه القاضي أبو حصين بقصيدة أولها:

وانشد القاضي أبو حصين أبا فراس شعرا فاستحسنه وأنشده أبو فراس شعرا فاستجاده فقال أبو فراس:

فأخر القاضي الجواب فكتب إليه أبو فراس:

وكتب القاضي أبو الحصين إلى أبي فراس:

قال أبو فراس فما أمكنني إن آتي على هذه القافية بشعر أرضاه فأجبته على غيرها وقد عارضته إلى بالس ليكون الاجتماع بها فقلت:

#وكتب إلى القاضي أبي حصين من الأسر جوابا:

فأجابه القاضي أبو حصين بقوله من قصيدة:

منها في سيف الدولة:

ومنها:

وكان للقاضي أبي حصين ابنان أبو الحسن وأبو الهيثم فقتل أبو الحسن ثم أسر أبو الهيثم من حمص فكتب إليه أبو فراس من الأسر:

وكتب إلى القاضي أبي الحصين عند أسر ابنه أبي الهيثم:

المراسلة بينه وبين محمد بن أفلح الكاتب

كتب محمد بن أفلح الكاتب إلى أبي فراس كتابا فيه نظم ونثر فاستحسن أبو فراس نظمه ونثره وأجابه بقوله:

ومر في أخباره المراسلة بينه وبين بني ورقاء.

الصفات والتشبيهات

قال يصف نارا في الشتاء:

وقال يصف السحاب:

#شيخ كبير عاده شبابه

وقال من قصيدة:

وقال:

وقال:

وقال وقد عقد الجسر بمنبج

وقال يصف البرك والروض:

وقال من قصيدة تقدمت:

وجلس يوما في البستان البديع والماء يتدرج في البرك فقال في وصفه وساقه ما اعتاده من رؤية آلة الحرب دائما إلى ذكر السيوف والدروع:

وقال يصف الجلنار:

وقال:

#ورقص الغصن على الإيقاع

وقال:

وقال يصف البازي:

وقال في الناقة:

ما قاله في الشيب

قال من قصيدة:

وقال:

وقال من أبيات:

وقال:

وقال:

وقال من قصيدة:

وقال من أخرى:

وقال:

وقال:

ما قاله في الطيف والخيال

وقال:

وقال:

وقال:

التشوق إلى الأهل والأوطان

قال بعد نزوله منبج من ارض الجزيرة يتشوق بلاد الروم وأصحابه بها:

وقال يذكر أهله بالموصل:

شكوى الإخوان والزمان

يظهر من كثير من شعره تبرمه بالزمان وسخطه عليه وتبرمه بالإخوان ولا غرو فشكوى الزمان عادة أكثر أهل الهمم العالية والنفوس الكبيرة ونذكر هنا ما هو من هذا النوع مع ذكر أكثره في أثناء ما مر من شعره ولزوم بعض التكرير قال:

وقال من قصيدة:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال من قصيدة:

أنبأني بغله حمالقه

وقال من قصيدة تقدمت:

وقال من قصيدة:

وقال:

وقال:

وقال من قصيدة:

وقال من قصيدة تقدمت:

وقال من قصيدة تقدمت:

الحكم والآداب والزهد والمواعظ

قال من أبيات تقدمت:

وقال من قصيدة مر جملة منها:

وقال من قصيدة مرت:

وقال:

وقال من قصيدة مرت:

وقال ولا يوجدان في الديوان المطبوع:

وقال:

وقال من أبيات:

وقال:

وقال من قصيدة مرت:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال في المزاح وكتبهما على ظهر الجزء الذي فيه الطردية:

وقال وليست في الديوان المطبوع:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال من قصيدة:

وقال:

وقال:

وقال:

ما كان من الحكم بيتا واحدا

في الحسد

وقال وليسا في الديوان المطبوع:

وقال:

ما يجري مجرى الأمثال

من شعره

قال من قصيدة مرت:

وقال من قصيدة مرت:

وقال من قصيدة مرت:

وقال من قصيدة مرت:

وقال من قصيدة مرت:

وقال:

وقال من قصيدة:

الأمثال من شعره في بيت واحد

شعره في القصص والأخبار

كان أبو فراس ضليعا بالتواريخ والأخبار عالما بالقصص والآثار في الجاهلية والإسلام عارفا بأخبار العرب والفرس والروم وغيرهم ولا غرو فهو جليس مكتبة سيف الدولة الحافلة بألوف المجلدات في جميع الفنون التي كانت بإدارة الخالديين وفيها كتاب الأغاني وأمثاله وتلميذ ابن خالويه وغيره من علماء حضرة سيف الدولة المكتظة بفحول العلماء لذلك كثرت الإشارة في شعره إلى القصص والأخبار قال:

وقال يخاطب سيف الدولة:

وقال يخاطب والدته:

وقال:

وقال:

وقال من قصيدة مرت في الإخوانيات:

#وقال:

معانيه المبتكرة

أو شبه المبتكرة

منها قوله:

وقوله:

وقوله في وصف الخدود:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله يخاطب سيف الدولة لما أوقع ببني نمير فخرجت إليه ابنة ماغت ووقعت على ركابه فصفح ورد السلب:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقال وليست في الديوان المطبوع:

وقال:

وقال:

من أنواع البديع

الجناس.

الجناس ولزوم ما لا يلزم

الجناس أيضا:

المقابلة:

الجمع.

حسن النسق.

التقسيم.

الجمع والمقابلة.

التتميم.

منتخبات من طرديته

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 307