حاتم الأصم حاتم بن عنوان، أبو عبد الرحمن، المعروف بالأصم: زاهد، اشتهر بالورع والتقشف. له كلام مدون في الزهد والحكم. من أهل بلخ. زار بغداد واجتمع بأحمد بن حنبل. وشهد بعض معارك الفتوح. ومما حدث به عن نفسه قال: لقينا الترك، ورماني أحدهم بوهق فأقلبني عن فرسي، ونزل عن دابته فقعد على صدري، وأخذ بلحيتي هذه الوافرة، وأخرج من خفه سكينا ليذبحني بها، فرماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ خلقه، فسقط عنى، فقمت إليه، فأخذت السكين من يده فذبحته. مات بواشجرد. وكان يقال: حاتم الأصم لقمان هذه الأمة
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 152
حاتم الأصم الزاهد حاتم الأصم الزاهد، توفي سنة سبع وثلاثين ومائتين. له كلام عجيب في الزهد والوعظ والحكم. وكان يقال له لقمان هذه الأمة. حكى عنه سعيد بن العباس الصيرفي والحسن بن سعيد السقاء وغيرهما. وكان قد صحب شقيقا البلخي وتأدب بآدابه.
قال السلفي: هو حاتم بن عنوان، ويقال ابن يوسف، روى عن شقيق البلخي وسعيد بن عبد الله الماهياني. قال: وروى عنه عبد الله بن سهل الرازي وأحمد بن خضرويه البلخي الزاهد ومحمد بن فارس البلخي. وقال حاتم: مررت براهب في صومعة فسألته عن مسألة فقال: مكانك، ثم أدحل رأسه في صومعته فلما كان بعد أسبوع أخرج رأسه وقال أنت ها هنا؟ فقلت: نعم للموعد، فما الذي حبسك عني؟ فقال: كنت على غير طهر فعرض لقلبي شيء فلم أزل أكفر فيه إلى اليوم. ثم قال لي: من أين كنت؟ قلت من بلخ. قال إلى من كنت تجلس؟ قلت إلى شقيق البلخي. قال فايش سمعته يقول: قلت: سمعته يقول لو كانت السماء من نحاس والأرض من حديد فلا السماء تمطر ولا الأرض تنبت. وكان عيالي ما بين الخافقين لم أبال. فقال الراهب: لا تجلس إليه، قلت ولم؟ قال: لأنه يفكر فيما لم يكن كيف لم يكن وإنما ينبغي أن يفكر فيما كان كيف كان، لا تجالسه فإنه فاسد الفكر.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
حاتم الأصم بن عنوان بن يوسف البلخي الزاهد، القدوة، الرباني، أبو عبد الرحمن حاتم بن عنوان بن يوسف
البلخي، الواعظ، الناطق بالحكمة، الأصم.
له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم، كان يقال له: لقمان هذه الأمة.
روى عن: شقيق البلخي - وصحبه - وسعيد بن عبد الله الماهياني، وشداد بن حكيم، ورجاء بن محمد، وغيرهم، ولم يرو شيئا مسندا - فيما أرى -.
روى عنه: عبد الله بن سهل الرازي، وأحمد بن خضرويه البلخي، ومحمد بن فارس البلخي، وأبو عبد الله الخواص، وأبو تراب النخشبي، وحمدان بن ذي النون، ومحمد بن مكرم الصفار، وآخرون.
واجتمع بالإمام أحمد ببغداد.
قيل له: على ما بنيت أمرك في التوكل؟
قال: على خصال أربعة: علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة، فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله، فأنا مستح منه.
وعنه: من أصبح مستقيما في أربع، فهو بخير: التفقه، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة.
وعنه: تعاهد نفسك في ثلاث: إذا علمت، فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت، فاذكر سمع الله منك، وإذا سكت، فاذكر علم الله فيك.
قال أبو تراب: سمعت حاتما يقول:
لي أربعة نسوة، وتسعة أولاد، ما طمع شيطان أن يوسوس إلي في أرزاقهم.
سمعت شقيقا يقول: الكسل عون على الزهد.
وقال أبو تراب: قال شقيق لحاتم: مذ صحبتني، أي شيء تعلمت
مني؟
قال: ست كلمات: رأيت الناس في شك من أمر الرزق، فتوكلت على الله، قال الله -تعالى-: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6].
ورأيت لكل رجل صديقا يفشي إليه سره، ويشكو إليه، فصادقت الخير ليكون معي في الحساب، ويجوز معي الصراط.
ورأيت كل أحد له عدو، فمن اغتابني ليس بعدوي، ومن أخذ مني شيئا، ليس بعدوي، بل عدوي من إذا كنت في طاعة، أمرني بمعصية الله، وذلك إبليس وجنوده، فاتخذتهم عدوا، وحاربتهم.
ورأيت الناس كلهم لهم طالب، وهو ملك الموت، ففرغت له نفسي.
ونظرت في الخلق، فأحببت ذا، وأبغضت ذا، فالذي أحببته لم يعطني، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئا، فقلت: من أين أتيت؟ فإذا هو من الحسد، فطرحته، وأحببت الكل، فكل شيء لم أرضه لنفسي، لم أرضه لهم.
ورأيت الناس كلهم لهم بيت ومأوى، ورأيت مأواي القبر، فكل شيء قدرت عليه من الخير، قدمته لنفسي لأعمر قبري.
فقال شقيق: عليك بهذه الخصال.
قال أبو عبد الله الخواص: دخلت مع حاتم الأصم الري، ومعنا ثلاث مائة وعشرون رجلا نريد الحج، عليهم الصوف والزربنانقات، ليس معهم جراب ولا طعام.
قال الخطيب: أسند حاتم بن عنوان الأصم، عن شقيق | ، وسمى جماعة. |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 9- ص: 385
حاتم الأصم ومنهم الموثر للأدوم والأعم والآخذ بالألزم والأقوم أبو عبد الرحمن حاتم الأصم، توكل فسكن وأيقن فركن، وقيل: إن التصوف التنقي من الشكوك والتوقي في السلوك
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عمر بن الحسن الحلبي، ثنا محمد بن أبي عمران، قال: سمعت حاتما الأصم، وكان من جملة أصحاب شقيق البلخي وسأله رجل فقال: علام بنيت أمر هذا في التوكل قال: ’’على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه’’
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن أحمد الشاشي، ثنا أبو عقيل الرصافي، ثنا أحمد بن عبد الله، قال: قيل لحاتم غلام شقيق: علام بنيت علمك قال: «على أربع على فرض لا يؤديه غيري فأنا به مشغول، وعلمت أن رزقي لا يجاوزني إلى غيري فقد وثقت به وعلمت أني لا أخلو من عين الله طرفة عين فأنا منه مستحي وعلمت أن لي أجلا يبادرني فأبادره»
حدثنا أحمد بن محمد بن موسى، ثنا أبو خليفة، ثنا الرياشي، قال: قيل للرشيد إن حاتما الأصم قد اعتزل الناس في قبة له منذ ثلاثين سنة لا يحتاج إلى الناس في شيء من أمور الدنيا ولا يكلمهم إلا عند مسألة لابد له من الجواب لعله لبس به، قد ورثته إياه الوحدة وقيل إنه عاقل فقال: سأمتحنه فندب له أربعة، محمد بن الحسن والكسائي وعمرو بن بحر ورجلا آخر أحسبه الأصمعي فجاؤوا حتى وقفوا تحت قبته، نادى أحدهم يا حاتم يا حاتم فلم يجبهم حتى قيل بحق معبودك إلا أجبتنا فأخرج رأسه، وقال: ’’يا أهل الحيرة هذه يمين مؤمن لكافر وكافر لمؤمن لم خصصتموني بالمعبود دونكم، ولكن الحق جرى على ألسنتكم لأنكم اشتغلتم بعبادة الرشيد عن طاعة الله فقال أحدهم: ما علمك بأنا خدام الرشيد قال: من لم يرض من الدنيا إلا بمثل حالكم لا يزل عن مطلبه إلى قصد من لا يخبره ولا يد علي من الرشيد وأشباهه، فقال له عمرو بن بحر: لم اعتزلت الناس وفيهم من تعلم، وفيهم من يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: صدقت ولكن بينهم سلاطين الجور، يفتنونا عن ديننا فالتخلي منهم أولى، قال: فعلام وطنت نفسك في العزلة وثبت عليه أمرك قال: علمت أن القليل من الرزق يكفيني، فأقللت الحركة في طلبه وأن فرضي لا يقبل إلا مني فأنا مشغول بأدائه وأن أجلي لابد يأتيني فأنا منتظر له وأنا لا أغيب عن عين من خلقني فأستحي منه أن يراني وأنا مشغول بغير ما وجب له، ثم رد باب القبة وحلف أن لا يكلمهم فرجعوا إلى الرشيد وقد حكموا أنه أعقل أهل زمانه’’
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثني علوان بن الحسين الربعي، ثنا رباح بن الهروي، قال: مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال: يا حاتم تحسن تصلى، قال: نعم قال: كيف تصلى؟ قال حاتم: أقوم بالأمر وأمشي بالخشية وأدخل بالنية وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل والتفكر وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع وأجلس للتشهد بالتمام وأسلم بالسبل والسنة، وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني وأحفظه بالجهد إلى الموت قال: تكلم فأنت تحسن تصلى’’
حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا محمد بن أحمد البغدادي، ثنا عبد الله بن سهل الرازي، قال: سمعت حاتما الأصم يقول: ’’من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله: أولها الثقة بالله ثم التوكل ثم الإخلاص ثم المعرفة والأشياء كلها تتم بالمعرفة’’
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى، قال: سمعت سعيد بن أحمد البلخي، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت محمد بن عبد يقول سمعت محمد بن الليث يقول: سمعت حامدا اللفاف، يقول: سمعت حاتما الأصم، يقول: تعاهد نفسك في ثلاث مواضع، إذا عملت فاذكر نظر الله تعالى عليك، وإذا تكلمت فانظر سمع الله منك، وإذا سكت فانظر علم الله فيك’’
حدثنا محمد بن الحسين، قال: سمعت سعيد بن أحمد، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت محمد بن عبد يقول: سمعت محمد بن الليث، يقول: سمعت حامدا، يقول: سمعت حاتما، يقول: ’’من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب: من ادعى حب الله بغير ورع عن محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب، ومن ادعى حب النبي صلى الله عليه وسلم من غير حب الفقراء فهو كذاب’’
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو تراب الزاهد، قال: جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال: يا أبا عبد الرحمن أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد فقال: «رأس الزهد الثقة بالله ووسطه الصبر وآخره الإخلاص»
قال حاتم: ’’وأنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء: إلى المعرفة وإلى الثقة وإلى التوكل فأما معرفة القضاء فأن تعلم أن القضاء عدل منه فإذا علمت أن ذلك عدل منه فإنه لا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس أو تهتم أو تسخط ولكنه ينبغي لك أن ترضى وتصبر، وأما الثقة فالإياس من المخلوقين، وعلامة الإياس أن ترفع القضاء من المخلوقين فإذا رفعت القضاء منهم استرحت منهم واستراحوا منك وإذا لم ترفع القضاء منهم فإنه لابد لك أن تتزين لهم وتتصنع لهم فإذا فعلت ذلك فقد وقعت في أمر عظيم وقد وقعوا في أمر عظيم وتصنع، فإذا وضعت عليهم الموت فقد رحمتهم وأيست منهم وأما التوكل فطمأنينة القلب بموعود الله تعالى فإذا كنت مطمئنا بالموعود استغنيت غنى لا تفتقر أبدا’’
قال حاتم: «والزهد اسم والزاهد الرجل، وللزهد ثلاث شرائع، أولها الصبر بالمعرفة والاستقامة على التوكل والرضا بالعطاء، فأما تفسير الصبر بالمعرفة فإذا أنزلت الشدة أن تعلم بقلبك أن الله عز وجل يراك على حالك، وتصبر وتحتسب وتعرف ثواب ذلك الصبر، ومعرفة ثواب الصبر أن تكون مستوطن النفس في ذلك الصبر، وتعلم أن لكل شيء وقتا، والوقت على وجهين إما أن يجيء الفرج وإما أن يجيء الموت، فإذا كان هذان الشيئان عندك فأنت حينئذ عارف صابر وأما الاستقامة على التوكل فالتوكل إقرار باللسان وتصديق بالقلب، فإذا كان مقرا مصدقا أنه رازق لا شك فيه فإنه يستقيم، والاستقامة على معنيين أن تعلم أن شيئا لك وشيئا لغيرك وأن كل شيء لك لا يفوتك والذي لغيرك لا تناله ولو احتلت بكل حيلة، فإذا كان مالك لا يفوتك فينبغي لك أن تكون واثقا ساكنا، فإذا علمت أنك لا تنال ما لغيرك فينبغي لك أن لا تطمع فيه، وعلامة صدق هذين الشيئين أن تكون مشتغلا بالعروض، وأما الرضا بالعطاء فالعطاء ينزل على وجهين، عطاء تهوى أنت فيجب عليك الشكر والحمد وأما العطاء الذي لا تهوى فيجب عليك أن ترضى وتصبر»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، ثنا أبو تراب، قال: قال حاتم الأصم: «الرياء على ثلاثة أوجه، وجه الباطن ووجهان الظاهر، فأما الظاهر فالإسراف والفساد فإنه جوز لك أن تحكم أن هذا رياء لا شك فيه فإنه لا يجوز في دين الله الإسراف والفساد، وأما الباطن فإذا رأيت الرجل يصوم ويتصدق فإنه لا يجوز لك أن تحكم عليه بالرياء فإنه لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى»
وقال حاتم: «لا أدري أيهما أشد على الناس اتقاء العجب أو الرياء، العجب داخل فيك والرياء يدخل عليك، العجب أشد عليك من الرياء ومثلهما أن يكون معك في البيت كلب عقور وكلب آخر خارج البيت فأيهما أشد عليك الذي معك أو الخارج، فالداخل العجب والخارج الرياء»
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: سمعت أبا بكر بن أبي عاصم، قال: سمعت أبا تراب الزاهد، يقول: سمعت حاتما الأصم، يقول: قال لي شقيق البلخي: «اصحب الناس كما تصحب النار خذ منفعتها واحذر أن تحرقك»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، ثنا أبو تراب، قال: قال حاتم الأصم: «الحزن على وجهين، حزن لك وحزن عليك، فأما الذي عليك فكل شيء فاتك من الدنيا فتحزن عليه، فهذا عليك وكل شيء فاتك من الآخرة وتحزن عليه فهو لك، تفسيره إذا كان معك درهمان فسقطا منك وحزنت عليهما فهذا حزن للدنيا وإذا خرجت منك زلة أو غيبة أو حسد أو شيء مما تحزن عليه وتندم فهو لك»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو تراب، قال: قال حاتم: «إذا رأيتم من الرجل ثلاث خصال فاشهدوا له بالصدق، إذا كان لا يحب الدراهم ويسكن قلبه بهذين الرغيفين، ويعزل قلبه من الناس»
وقال حاتم: ’’إذا تصدقت بالدراهم فإنه ينبغي لك خمسة أشياء أما واحد فلا ينبغي لك أن تعطي وتطلب الزيادة ولا ينبغي لك أن تعطي من ملامة الناس، ولا ينبغي لك أن تمن على صاحبه، ولا ينبغي لك إذا كان عندك درهمان فتعطى واحدا تأمن هذا الذي بقي عندك، ولا ينبغي لك أن تعطي تبتغي الثناء، وقال: مثلهما مثل رجل يكون له دار فيها غنم له وللدار خمسة أبواب، وخارج الدار ذئب يدور حولها، فإن أخذت أربعة أبواب وبقي واحد دخل الذئب وقتل الغنم كلها وهكذا إذا تصدقت وأردت من هذه الخمسة الأشياء شيئا واحدا فقد أبطلت الصدقة’’
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو تراب، قال: قال حاتم الأصم: ’’التوبة أن تتنبه من الغفلة وتذكر الذنب وتذكر لطف الله وحكم الله وستر الله إذا أذنبت لم تأمن الأرض والسماء أن يأخذاك، فإذا رأيت حكمه رأيت أن ترجع من الذنوب مثل اللبن إذا خرج من الضرع لا يعود إليه فلا تعد إلى الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع، وفعل التائب في أربعة أشياء أن تحفظ اللسان من الغيبة والكذب والحسد واللغو، والثاني أن تفارق أصحاب السوء، والثالث إذا ذكر الذنب تستحي من الله، والرابع تستعد للموت، وعلامة الاستعداد أن لا تكون في حال من الأحوال غير راض من الله فإذا كان التائب هكذا يعطيه الله أربعة أشياء أولها يحبه كما قال تعالى {يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] ثم يخرج من الذنب كأنه لم يذنب قط كما قال صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» والثالث يحفظه من الشيطان لا يكون له عليه سبيل والرابع يؤمنه من النار قبل الموت كما قال تعالى {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30] ويجب على الخلق أربعة أشياء: ينبغي لهم أن يحبوا هذا التائب كما يحبه الله تعالى، ويدعوا له بالحفظ ويستغفروا له كما تستغفر له الملائكة قال الله تعالى {فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} [غافر: 7] إلخ ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم، والرابع أن ينصحوا للتائب كما ينصحون لأنفسهم’’
وحدثنا محمد بن الحسين بن موسى، قال: سمعت نصر بن أبي نصر يقول: سمعت أحمد بن سليمان الكفرسلاني، يقول: وجدت في كتابي عن حاتم الأصم، أنه قال: «من دخل في مذهبنا هذا فليجعل في نفسه أربع خصال من الموت موتا أبيض، وموتا أسود، وموتا أحمر، وموتا أخضر فالموت الأبيض الجوع، والموت الأسود احتمال أذى الناس والموت الأحمر مخالفة النفس، والموت الأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض»
وقال حاتم: «كان يقال العجلة من الشيطان إلا في خمس، إطعام الطعام إذا حضر الضيف وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب»
حدثنا محمد بن الحسين، قال: سمعت أبا علي سعيد بن أحمد البلخي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت محمد بن عبد الله، يقول: سمعت محمد بن الليث، يقول: سمعت حامدا، يقول: سمعت حاتما، يقول: «لكل قول صدق، ولكل صدق فعل، ولكل فعل صبر، ولكل حسنة إرادة، ولكل إرادة أثرة»
وقال حاتم: «أصل الطاعة ثلاثة أشياء الخوف والرجاء والحسب، وأصل المعصية ثلاثة أشياء الكبر والحرص والحسد»
وقال حاتم: «المنافق ما أخذ من الدنيا أخذ بحرص ويمنع بالشك وينفق بالرياء، والمؤمن يأخذ بالخوف ويمسك بالشدة، وينفق لله خالصا في الطاعة»
حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، قال: سمعت أبا تراب، يقول: سمعت حاتما الأصم، يقول: سمعت شقيقا، يقول: «الكسل عون على الزهد»
حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، قال: سمعت أبا تراب، يقول: سمعت حاتما، يقول: «لي أربعة نسوة وتسعة من الأولاد ما طمع الشيطان أن يوسوس إلي في شيء من أرزاقهم»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، ثنا أبو تراب، ثنا حاتم الأصم، قال: «لا يغلب المؤمن عن خمسة أشياء، عن الله عز وجل، وعن القضاء وعن الرزق وعن الموت وعن الشيطان»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، ثنا أبو تراب، قال: قال شقيق لحاتم الأصم: مذ أنت صحبتني أي شيء تعلمت؟ قال: «ست كلمات» قال: أولهن قال: ’’رأيت كل الناس في شك من أمر الرزق وإني توكلت على الله تعالى {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6] فعلمت أني من هذه الدواب واحد فلم أشغل نفسي بشيء قد تكفل لي به ربي، قال: أحسنت فما الثانية قال: رأيت لكل إنسان صديقا يفشي إليه سره ويشكو إليه أمره فقلت: أنظر من صديقي فكل صديق وأخ رأيته قبل الموت فأردت أن أتخذ صديقا يكون لي بعد الموت فصادقت الخير ليكون معي إلى الحساب ويجوز معي إلى الصراط ويثبتني بين يدي الله عز وجل، وقال: أصبت فما الثالثة قال: رأيت كل الناس لهم عدو، فقلت أنظر من عدوي فأما من اغتابني فليس عدوي، وأما من أخذ مني شيئا فليس هو عدوي ولكن عدوي الذي إذا كنت في طاعة الله أمرني بمعصية الله، فرأيت ذلك إبليس وجنوده فاتخذتهم عدوا فوضعت الحرب بيني وبينهم ووترت قوسي ووصلت سهمي فلا أدعه يقربني، قال: أحسنت، فما الرابعة، قال: رأيت الناس لهم طالب كل واحد منهم يوما واحدا فرأيت ذلك ملك الموت ففرغت له نفسي حتى إذا جاء لا ينبغي أن أمسكه فأمضى معه قال: أحسنت، فما الخامسة قال: نظرت في هذا الخلق فأحببت واحدا وأبغضت واحدا فالذي أحببته لم يعطني والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئا فقلت: من أين أتيت هذا؟ فرأيت أني أتيت هذا من قبل الحسد فطرحت الحسد من قلبي فأحببت الناس كلهم فكل شيء لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم، قال: أحسنت فما السادسة، قال: رأيت الناس كلهم لهم بيت ومأوى ورأيت مأواي القبر فكل شيء قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي حتى أعمر قبري فإن القبر إذا لم يكن عامرا لم يستطع القيام فيه، فقال شقيق: عليك بهذه الخصال الستة فإنك لا تحتاج إلى علم غيره’’
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد، ثنا العباس بن أحمد الشاشي، ثنا أبو عقيل الرصافي، ثنا أبو عبد الله الخواص، وكان من أصحاب حاتم، قال: دخلت مع أبي عبد الرحمن حاتم الأصم الري ومعنا ثلاثمائة وعشرون رجلا نريد الحج وعليهم الصوف والذرنيانقات ليس معهم شراب ولا طعام، فدخلنا الري فدخلنا على رجل من التجار متنسك يحب المتقشفين فأضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد، قال لحاتم: يا أبا عبد الرحمن لك حاجة فإني أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل، فقال حاتم: ’’إن كان لكم فقيه عليل فعيادة الفقيه لها فضل والنظر إلى الفقيه عبادة وأنا أيضا أجيء معك، وكان العليل محمد بن مقاتل قاضي الري فقال: سر بنا يا أبا عبد الرحمن فجاءوا إلى الباب فإذا باب مشرف حسن فبقي حاتم متفكرا، باب عالم على هذه الحال ثم أذن لهم فدخلوا فإذا دار نور وإذا فوة وأمتعة وستور وجمع فبقي حاتم متفكرا، ثم دخل إلى المجلس الذي هو فيه فإذا بفرش وطيئة وإذا هو راقد عليها وعند رأسه غلام ومدية، فقعد الرازي وسأله به وحاتم قائم فأومأ إليه ابن مقاتل اقعد، فقال: لا أقعد، فقال له ابن مقاتل: لعل لك حاجة قال: نعم قال : وما هي قال: مسألة أسألك عنها قال: سلني، قال: نعم، فاستو حتى أسألكها فأمر غلمانه فأسندوه، فقال له حاتم: علمك هذا من أين جئت به قال: الثقات حدثوني به، قال: عن من، قال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين جاء به قال: عن جبريل عليه السلام، قال حاتم: ففيم أداه جبريل عن الله وأداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأداه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وأداه أصحابه إلى الثقات، وأداه الثقات إليك هل سمعت في العلم من كان في داره أمير أو منعة أكثر كانت له المنزلة عند الله أكثر قال: لا قال: فكيف سمعت من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحب المساكين وقدم لآخرته كان له عند الله المنزلة أكثر قال حاتم: فأنت بمن اقتنعت؟ بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحين أم بفرعون ونمروذ أول من بنى بالجص والآجر، يا علماء السوء، مثلكم يراه الجاهل الطالب للدنيا الراغب فيها فيقول: العالم على هذه الحالة لا أكون أنا شرا منه وخرج من عنده فازداد ابن مقاتل مرضا فبلغ ذلك أهل الري ما جرى بينه وبين ابن مقاتل، فقالوا له: يا أبا عبد الرحمن إن الطنافسي بقزوين أكثر شيء من هذا قال: فسار إليه متعمدا فدخل عليه فقال: رحمك الله أنا رجل أعجمي أحب أن تعلمني أول مبتدأ ديني ومفتاح صلاتي وكيف أتوضأ للصلاة قال: نعم وكرامة، يا غلام، إناء فيه ماء، فأتى بإناء فيه ماء، فقعد الطنافسي فتوضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال: يا هذا هكذا فتوضأ قال حاتم: مكانك يرحمك الله حتى أتوضأ بين يديك فيكون أوكد لما أريد فقام الطنافسي، فقعد حاتم فتوضأ ثلاثا ثلاثا حتى إذا بلغ غسل الذراعين غسل أربعا فقال له الطنافسي: يا هذا أسرفت، قال له حاتم: فلماذا قال: غسلت ذراعيك أربعا قال حاتم: يا سبحان الله أنا في، كف من ماء أسرفت وأنت في هذا الجمع كله لم تسرف فعلم الطنافسي أنه أراده بذلك لم يرد أن يتعلم منه شيئا فدخل إلى البيت فلم يخرج إلى الناس أربعين يوما وكتب إلى تجار الري وقزوين بما جرى بينه وبين ابن مقاتل والطنافسي فلما دخل بغداد اجتمع إليه أهل بغداد، فقالوا له: يا أبا عبد الرحمن أنت رجل ألكن أعجمي ليس يكلمك أحد إلا قطعته قال: معي ثلاث خصال بهن أظهر على خصمي، قالوا: أي شيء هي قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ وأحفظ نفسي أن لا أتجهل عليه فبلغ ذلك أحمد بن حنبل، فقال: سبحان الله ما أعقله قوموا بنا حتى نسير إليه فلما دخلوا، قالوا له: يا أبا عبد الرحمن ما السلامة من الدنيا؟ قال حاتم: يا أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربع خصال قال: أي شيء هي يا أبا عبد الرحمن، قال: تغفر للقوم جهلهم وتمنع جهلك عنهم وتبذل لهم شيئك، وتكون من شيئهم آيسا، فإذا كان هذا سلمت، ثم سار إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة، فقال: يا قوم أي مدينة هذه قالوا: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلي فيه ركعتين، قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطئ، قال: فأين قصور أصحابه بعده، قالوا: ما كان لهم قصور، إنما كان لهم بيوت لاطئة قال حاتم: يا قوم فهذه مدينة فرعون وجنوده، فذهبوا به إلى السلطان فقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون وجنوده، قال الوالي: ولم ذاك؟ قال حاتم: لا تعجل علي أنا رجل عجمي غريب دخلت المدينة، فقلت: مدينة من هذه، قالوا: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلي فيه ركعتين قالوا: ما كان له قصر إنما كان له بيت لاطئ، قلت: فلأصحابه بعده، قالوا: ما كان لهم قصور إنما كان لهم بيوت لاطئة وقال الله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21] فأنتم بمن تأسيتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أم بفرعون أول من بنى بالجص والآجر، فخلوا عنه وعرفوه فكان حاتم كلما دخل المدينة يجلس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يحدث ويدعو، فاجتمع علماء المدينة، فقالوا: تعالوا حتى نخجله في مجلسه فجاؤوه، ومجلسه غاص بأهله، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، مسألة نسألك قال: سلوا، قالوا: ما تقول في رجل يقول: اللهم ارزقني، قال حاتم: متى طلب هذا الرزق في الوقت أم قبل الرزق، قالوا : ليس يفهم هذا يا أبا عبد الرحمن، قال: إن كان هذا العبد طلب الرزق من ربه في وقت الحاجة فنعم وإلا فأنتم عندكم حرث ودراهم في أكياسكم، وطعام في منازلكم، وأنتم تقولون: اللهم ارزقنا قد رزقكم الله فكلوا وأطعموا إخوانكم حتى قالها ثلاثا فسلوا الله حتى يعطيكم، أنت عسى تموت غدا وتخلف هذا على الأعداء، وأنت تسأله أن يرزقك زيادة، فقال علماء أهل المدينة: نستغفر الله يا أبا عبد الرحمن إنما أردنا بالمسألة تعنتا’’
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى، قال: سمعت سعيد بن أحمد البلخي، يقول: سمعت أبي، يقول: سمعت محمدا، يقول: سمعت خالي محمد بن الليث يقول: سمعت حاتما، يقول: ’’اطلب نفسك في أربعة أشياء: العمل الصالح بغير رياء، والأخذ بغير طمع، والعطاء بغير منة، والإمساك بغير بخل’’
وقال رجل لحاتم: عظني قال: «إن كنت تريد أن تعصي مولاك فاعصه في موضع لا يراك»
وقال رجل لحاتم: ما تشتهي؟ قال: ’’أشتهي عافية يومي إلى الليل فقيل له: أليست الأيام كلها عافية قال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه’’
وقال حاتم: «الشهوة في ثلاث في الأكل والنظر واللسان فاحفظ اللسان بالصدق، والأكل بالثقة، والنظر بالعبرة» قال الشيخ رحمه الله: اختلف في اسم أبيه، فقيل حاتم بن عنوان، وقيل حاتم بن يوسف وقيل: حاتم بن عنوان بن يوسف وهو مولى للمثنى بن يحيى المحاربي، قليل الحديث
حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن أحمد المؤذن بنيسابور، ثنا محمد بن الحسين بن علي، ثنا محمد بن الحسين بن علوية، ثنا يحيى بن الحارث، ثنا حاتم بن عنوان الأصم، ثنا سعيد بن عبد الله الماهياني، ثنا إبراهيم بن طهمان، بنيسابور، ثنا مالك، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار، وسلم إذا دخلت بيتك يكثر خير بيتك»
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 8- ص: 73
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 8- ص: 73
حاتم بن علوان بن يوسف أبو عبد الرحمن، وقيل أبو محمد، الزاهد الأصم أحد أتباع الإمام الأعظم، وأحد أعلام الأئمة، وصلحاء هذه الأمة، كان مشهورا بالزهد والتقلل، معروفا بالورع والتقشف، وله كلام مدون في الزهد والحكم، وأسند الحديق عن شقيق بن إبراهيم البلخي، وغيره.
وصحب عصام بن يوسف البلخي الإمام، وكان بينهما مباحث ومناظرات، وأهدى إليه عصام مرة شيئا فقبله، فقيل له: لم قبلته؟ فقال: وجدت في أخذه ذلي وعزه، وفي ردي عزي وذله، فاخترت عزه على عزي، وذلي على ذله.
وقدم حاتم مدينة بغداد في أيام أبي عبد الله أحمد ابن حنبل، واجتمع معه.
حكى عنه أبو عبد الله الخواص، وكان من علية أصحابه، قال: لما دخل حاتم بغداد، اجتمع إليه أهلها، فقالوا له: يا أبا عبد الرحمن، أنت رجل عجمي، ليس يكلمك أحد إلا قطعته، لأي معنى؟؟!! فقال حاتم: معي ثلاث خصال بها أظهر على خصمي.
فقالوا: أي شيء هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن له إذا ما أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل عليه.
فبلغ ذلك أحمد بن حنبل، فقال: سبحان الله، ما أعقله من رجل.
وحدث أبو جعفر الهروي، قال: كنت مع حاتم أراد الحج، فلما وصل إلى بغداد، قال لي: يا أبا جعفر، أحب أن ألقي أحمد ابن حنبل.
فسألنا عن منزله، ومضينا إليه، فطرقت عليه الباب، فلما خرج قلت: يا أبا عبد الله، أخوك حاتم.
قال: فسلم عليه، ورحب به، وقال بعد بشاشة به: أخبرني يا حاتم، فيم التخلص من الناس؟ قال: يا أحمد، في ثلاث خصال.
قال: وما هي؟ قال: أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم شيئا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحدا منهم حقا لك، وتحتمل مكروهم ولا تكره أحدا منهم على شيء.
قال: فأطرق أحمد ينكت بأصبعه على الأرض، ثم رفع رأسه. وقال: يا حاتم: إنها لشديدة.
فقال له حاتم: وليتك تسلم، وليتك تسلم، وليتك تسلم.
وروى الخطيب بسنده إلى الحسن بن علي العابد، أنه قال: سمعت حاتما الأصم، وقد سأله سائل: على أي شيء بنيت أمرك؟ فقال: على أربع خصال، على أن لا أخرج من الدنيا حتى أستكمل رزقي، وعلى أن رزقي لا يأكله غيري، وعلى أن أجلي لا أدري متى هو، وعلى أني لا أغيب عن الله تعالى طرفة عين.
قال: وسمعت حاتما يقول: لة أن صاحب خبر يجلس إليك ليكتب كلامك لا حترزت منه، وكلامك يعرض على الله فلا تحترز.
وقال له رجل: بلغني أنك تجوز المفاوز من غير زاد.
فقال حاتم: بل أجوزها بالزاد، وإنما زادي فيها أربعة أشياء.
قال: وما هي؟ قال: أرى الدنيا كلها ملكا لله، وأرى الخلق كلهم عباد الله وعياله، وأرى الأسباب والأرزاق كلها بيد الله، وأرى قضاء الله نافذا في كل أرض.
فقال له الرجل: نعم الزاد زادك يا حاتم، أنت تجوز به مفاوز الآخرة، فكيف مفاوز الدنيا!! وقال، رضي الله عنه: خرجت في سفر ومعي زاد، فنفد زادي في وسط البرية، فكان قلبي في البرية والحضر واحدا.
وذكر عن حاتم أنه قال: لقينا الترك مرة، وكان بيننا جولة، فرماني تركي بوهق فأقلبني عن فرسي، ونزل عن دابته، وقعد على صدري، وأخذ بلحيتي هذه الوافرة، وأخرج من خفه سكينا ليذبحني بها، فوحق سيدي ما كان قلبي عنده ولا عند سكينه، إنما كان قلبي عند سيدي، أنظر ماذا ينزل به القضاء منه، فقلت: سيدي قضيت على أن يذبحني هذا فعلى الرأس والعين، إنما أنا لك وملكك، فبينا أنا أخاطب سيدي وهو قاعد على صدري، آخذ بلحيتي ليذبحني، إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه، فسقط عني، فقمت أنا إليه، فأخذت السكين من يده فذبحته، فما هو إلا أن تكون قلوبكم عند السيد حتى تروا من عجائب لطفه ما لا ترون من الآباء والأمهات.
وروى أن رجلا جاء إليه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أي شيء رأس الزهد، ووسط الزهد، وآخر الزهد؟ فقال: رأس الزهد الثقة بالله، ووسطه الصبر، وآخره الإخلاص.
وكان أبو بكر الوراق، يقول: حاتم الأصم لقمان هذه الأمة.
والسبب في تسميته بالأصم أن امرأة جاءت إليه تسأله عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها في تلك الحالة صوت، فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك. وأراها من نفسه أنه أصم، فسرت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت. فغلب عليه أسم الأصم.
ومحاسن حاتم وفضائله تجل عن الإحصاء، وتتجاوز حد الضبط، وفيما ذكرناه أدل دليل على علو شأنه، وحسن اعتقاده، وخلوص إيمانه.
وكانت وفاته بواشجرد، عند رباط يقال له: سروند، على جبل فوق واشجرد، سنة سبع وثلاثين ومائتين.
وله ولد يقال له: حسن، وقيل: يقال له خشكدا، والله تعالى أعلم.
وقد ذكر لحاتم الأصم هذا صاحب ’’ مناقب الأبرار، ومحاسن الأخيار ’’ ترجمة واسعة، ضمنها شيئا كثيرا من زهدياته وحكمياته، لا بأس بإيرادها، أو إيراد خلاصتها، فإن غالبه ينبغي أن يكتب بماء الذهب على صفحات الخدود.
قال حاتم: من دخل في مذهبنا هذا فليجعل في نفسه أربع خصال من الموت، موت أبيض، وموت أسود، وموت أحمر، وموت أخضر؛ فالموت الأبيض الجوع، والأسود الاحتمال لأذى الناس، والأحمر مخالفة النفس، والأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض.
وقال: العجلة من الشيطان إلا في خمس: إطعام الطعام إذا حضر ضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا بلغت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب.
وقال: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله تعالى؛ أولها الثقة بالله تعالى، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة، فالواثق برزقه لا يفرح بالغنى، ولا يهتم بالفقر، ولا يبالي أصبح في عسر أو يسر.
وقال: أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الخوف، والرجاء، والحب. وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر، والحرض، والحسد. فما يأخذه المنافق من الدنيا يأخذه بالحرص، ويمنعه بالشك، وينفقه بالرياء، والمؤمن يأخذ الخوف، ويمسك بالشدة، وينفق في الطاعة، خالصا لله تعالى.
وقال: اطلب نفسك في أربعة أشياء: العمل الصالح بغير رياء، والأخذ بغير طمع، والعطاء بغير منة، والإمساك بغير بخل.
وقال: ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل، وما تلبس، وأين تسكن؟ فأقول: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.
وقال له رجل: ما تشتهي؟ فقال: اشتهي عافية يوم إلى الليل. فقيل له: أليست الأيام كلها عافية؟ فقال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله تعالى فيه.
وقال: أربعة يندمون على أربع: المقصر إذا فاته العمل، والمنقطع عن أصدقائه إذا نابته نائبة، والممكن منه عدوه بسوء رأيه، والجريء على الذنوب.
وقال: الزم خدمة مولاك تأتك الدنيا راغمة، والجنة عاشقة، وتعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت فأذكر نظر الله تعالى إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله تعالى إياك، وإذا سكت فاذكر علم الله تعالى فيك.
وقال له رجل: عظني. فقال: إن كنت تريد أن تعصي مولاك فاعصه في موضع لا يراك.
يعني أن الله تعالى يعلم السر والجهر، ولا يخفى عليه شيء، ومن علم أن أفعاله وأقواله لا تخفى على الله تعالى، وأن الله مطلع عليه، وناظر إليه، يقبح منه العصيان، واتباع الشيطان، ويكون ذا جرأة على الله تعالى، وقليل الحياء منه، نعوذ بالله من ذلك.
وقال: من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب: من ادعى حب الله تعالى من غير ورع، عم محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله في طاعة الله تعالى فهو كذاب، ومن ادعى حب النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقراء فهو كذاب.
وروى أن عصام بن يوسف مر بحاتم الأصم، وهو يتكلم في مجلسه، فقال له: يا حاتم، تحسن تصلي؟ قال: نعم. قال: كيف تصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأقف بالخشية، وأدخل بالنية، وأكير بالترتيل، وأركع وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالوقار والسنة، وأسلمها إلى الله تعالى بالإخلاص، وأرجع إلى نفسي بالخوف أن لا يقبلها مني، وأحفظ بالجهد إلى الموت. فقال له: تكلم، فأنت تحسن تصلي.
وروي أن شقيقا البلخي قال لحاتم الأصم: ما الذي تعلمت مني منذ صحبتني؟ قال: ستة أشياء: الأول، رأيت الناس كلهم في شك من أمر الرزق، فتوكلت على الله تعالى، لقوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقهل) فعلمت أني من جملة الدواب فلم أشغل نفسي بشيء قد تكفل لي به ربي. قال: أحسنت.
والثاني، رأيت أن لكل إنسان صديقا يفئ إليه بسره، ويشكو إليه امره، فاتخذت لي صديقا يكون لي بعد الموت، وهو فعل الخير، فصادقته ليكون عونا لي عند الحساب، ويجوز معي على الصراط، ويثبتني بين يدي الله تعالى. قال: أحسنت.
والثالث، رأيت لكل أحد من الناس عدوا، فقلت: أنظر من عدوي، فرأيت من اغتابني أو أخذ من مالي أو ظلمني فليس عدوي، ولكن عدوي إذا كنت في طاعة الله تعالى أمرني بمعصيته، فرأيت أن ذلك إبليس اللعين وجنوده، فاتخذتهم أعداء، ووضعت الحرب بيني وبينهم، ووترت قوسي، وفوقت سهمي، ولا أدع أحدا منهم يقربني. قال: أحسنت.
والرابع، رأيت كل واحد من الناس له طالب، فرأيت أن ذلك الطالب ملك الموت، ففرغت نفسي له، حتى إذا جاء بادرت معه بلا علاقة. قال: أحسنت.
والخامس، نظرت في الخلق، فأحببت واحدا وأبغضت واحدا، فالذي أحببته لم يعطيني شيئا، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئا، فقلت: من أين أتيت؟ فنظرت، فإذا هو الحسد، فنفيته عني، وأحببت الناس كلهم، فكل شيء لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم. قال: أحسنت.
والسادس، رأيت كل واحد من الناس له بيت يسكنه ويأوي إليه، فرأيت مسكني القبر، فكل شيء قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي، حتى أعمر قبري، فإن القبر إذا كان خرابا لا يمكن المقام فيه.
فقال له شقيق: يكفيك، ولست بمحتاج إلى غيره.
وقال: الزاهد يذيب كيسه قبل نفسه، والمتزهد يذيب نفسه قبل كيسه، ولكل شيء زينة، وزينة العبادة الخوف، وعلامة الخوف قصر الأمل.
وقال، رحمه الله تعالى، ما ينبغي أن يكتب بماء الذهب، وهو: لا تغتر بموضع صالح، فلا مكان أصلح من الجنة، لقي فيها آدم عليه الصلاة والسلام ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة، فإن إبليس بعد طول تعبده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم؛ فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم، فانظر ما لقي، ولا تغتر بروية الصالحين، فلا شخص أكبر ولا أصلح من المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم تنتفع بلقائه أقاربه وصاروا أعداءه.
وعن أبي عبد الله الخواص، قال: دخلت مع أبي عبد الرحمن حاتم الأصم إلى الري، ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلا يريدون الحج، وعليهم الصوف والرزمانقات، وليس فيهم من معه طعام ولا جراب، فنزلنا على رجل من التجار متنسك يحب الصالحين، فأضافنا تلك الليلة، فلما كان من الغد، قال لحاتم: يا أبا عبد الرحمن، ألك حاجة، فإني أريد أن أعود فقيها لنا وهو مريض؟ فقال حاتم: إن كان لكم فقيه عليل، فعيادة الفقيه فيها فضل كثير، والنظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضا أجئ معك.
وكان المريض محمد بن مقاتل، قاضي الري، فقال: مر بنا يا أبا عبد الرحمن. فجاءوا إلى باب داره، فإذا البواب كأنه أمير مسلط، فبقي حاتم متفكرا يقول: باب دار عالم على هذه الحال!! ثم أذن لهم فدخلوا، وإذا بدار قوراء، وآله حسنة، وبزة وفرش وستور، فبقي حاتم متفكرا ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل، وإذا بفراش حسن وطئ ممهد، وهو راقد عليه، وعند رأسه خدمه، والناس وقوف.
فقعد الرازي وسأل عن حاله، وبقي حاتم قائما، وأومأ إليه محمد بن مقاتل بيده: اجلس.
فقال حات: لا أجلس.
فقال له محمد بن مقاتل: فلك حاجة؟ فقال: نعم.
فقال: وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها.
قال: سلني.
قال حاتم: قم فاستو جالسا حتى أسألك عنها.
فأمرر غلمانه فأسندوه.
فقال له حاتم: علمك هذا من أين جئت به؟ فقال: حدثني به الثقات.
قال: عن من؟ قال: عن الثقات من الأئمة.
قال: عن من أخذوه؟ فقال: عن التابعين.
قال: والتابعون عن من أخذوه؟ فقال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من أخذوه؟ قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم عن من أخذه؟ قال: عن جبريل عليه الصلاة والسلام، عن الله عز وجل.
فقال له حاتم: ففيما أداه جبريل عن الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه رضي الله عنهم، وأداه أصحابه إلى تابعيهم، وأداه التابعون إلى الأئمة، وأداه الأئمة إلى الثقات، وأداه الثقات إليك، هل سمعت أن من كانت داره في الدنيا أحسن، وفراشه أجمل، وزينته أكثر، كانت له المنزلة عند الله تعالى أعظم؟ فقال: لا.
قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت من زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وأحب المساكين، وقدم لآخرته، كان عند الله تعالى له المنزلة أكثر، وإليه أقرب.
قال حاتم: فأنت بمن اقتديت، بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بالتابعين من بعدهم، والصالحين على أثرهم، أو بفرعون ونمرود، أول من بنى بالجص والآجر؟ يا علماء السوء مثلكم إذا رآه الجاهل المتكالب على الدنيا، الراغب فيها يقول: إذا كان هذا العالم على هذه الحالة لا أكون أنا شرا منه.
قال: ثم خرج من عنده، وازداد محمد بن مقاتل مرضا على مرضه من كلامه.
وبلغ أهل الري ما جري بين حاتم وبين أبي مقاتل، فقالوا لحاتم: يا أبا عبد الرحمن، إن محمد بن عبيد الطنافسي بقزوين، أكبر سنا من هذا، وهو غريق في الدنيا.
قال: فصار حاتم إليه متعمدا، ودخل عليه، وعنده الخلق مجتمعون يحدثهم، فقال له حاتم: رحمك الله، أنا رجل عجمي، جئتك لتعلمني مبتدأ ديني، ومفتاح صلاتي، كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: نعم وكرامة، يا غلام، إناء فيه ماء.
فجاءه بالإناء، وقعد محمد بن عبيد يتوضأ ثلاثا، ثم قال له: هكذا فاصنع.
قال حاتم: مكانك، رحمك الله، حتى أتوضأ بين يديك، ليكون آكد لما أريد.
فقام الطنافسي، وقعد حاتم مكانه فتوضأ، وغسل وجهه ثلاثا، حتى إذا بلغ الذراع غسله أربعا.
فقال له الطنافسي: يا هذا، أسرفت.
فقال له حاتم: فيما أسرفت؟ قال: غسلت ذراعك أربعا.
فقال له حاتم: سبحان الله تعالى، أنا أسرفت في كف من الماء، وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف!! فعلم الطنافسي أنه قصد منه ذلك، ولم يرد أن يتعلم منه شيئا، فدخل إلى البيت، ولم يخرج إلى الناس أربعين يوما.
وكتب تجار الري إلى بغداد بما جرى بين حاتم وبين محمد بن مقاتل، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ثم رحل حاتم إلى العراق، ودخل بغداد، واجتمع بعلمائها كما تقدم في أوائل الترجمة.
ثم خرج إلى الحجاز، فلما صار إلى المدينة الشريفة، أحب أن ينظر علماءها، فقال لهم: يا قوم، أي مدينة هذه؟ قالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطي.
قال: قصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطية.
فقال حاتم: يا قوم، هذه مدينة فرعون.
قال: فلببوه وذهبوا به إلى الوالي، فقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون.
فقال له الوالي: لم قلت ذلك؟ فقال له حاتم: لا تعجل علي أيها الأمير، أنا رجل غريب، دخلت هذه المدينة، فسألت: أي مدينة هذه؟ فقالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقلت: وأين قصر الرسول صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطي. قلت: فقصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطية. وسمعت الله تعالى يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر)، فأنتم بمن تأسيتم؛ برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بفرعون أول من بنى بالجص والآجر؟ فخلوا عنه، وعرفوا أنه حاتم الأصم، وعلموا قصده.
وكان كلما دخل المدينة يكون له مجلس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث ويدعو، فاجتمع إليه مرة علماء المدينة، وقالوا: تعالوا نخجله في مجلسه، كما فعل بنا عند الوالي.
فحضروا عنده وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال له واحد: يا أبا عبد الرحمن مسألة.
قال: سل.
قال: ما تقول في رجل يقول: اللهم ارزقني.
قال حاتم: متى طلب هذا العبد الرزق من ربه عز وجل، في الوقت، أو قبل الوقت، أو بعد الوقت؟ فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ليس نفهم عنك هذا.
فقال حاتم: أنا أضرب لكم مثلا حتى تفهموه، مثل العبد طلب الرزق من ربه تعالى قبل الوقت كمثل رجل كان له رجل دين، فطالبه به، وقعد يلازمه، فاجتمع جيرانه وقالوا له: هذا رجل معدم، لا شيء له، فأجله في هذا الحق حتى يحتال ويعطيك. فقال لهم: كم تريدون أؤجله؟ قالوا: شهرا. فتركه وانصرف، فلما كان بعد عشرة أيام جاء واقتضاه، فقام جيرانه فقالوا: سبحان الله، أجلته بين أيدينا شهرا، ثم جئت تقتضيه بعد عشرة أيام. فتركه وانصرف، فلما كان محل الشهر جاء فاقتضاه، فقال الجيران: إنما حل لك اليوم، دعه إلى بعد المحل ثلاثا. فهذا مثل العبد الذي يطلب الرزق من ربه عز وجل.
ثم قال: عندكم أثاث، ودراهم في أكياسكم، وطعامكم في بيوتكم، وأنتم تقولون: اللهم ارزقنا. فقد رزقكم. كلوا وأطعموا إخوانكم المؤمنين، حتى إذا فنى أقيموا بعده ثلاثا، ثم سلوا ربكم عز وجل، عسى أن يموت أحدكم غدا وعنده ما يخلف على الأعداء، وهو يسأل الله أن يزيده في رزقه، ما هذه الغفلة؟ فقالوا: نستغفر الله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا بالمسألة إلا إعناتك. ثم انصرفوا عنه.
هذا ما نقلناه بعد أن اخترناه من كتاب ’’ مناقب الأبرار ’’ لابن خميس، رحمه الله تعالى، وفيه كفاية لمن أراد الوقوف على أخبار حاتم، وأوصافه، وطريقته التي كان عليها، ولو أردنا أن نجمع من ذلك جميع ما رأيناه منقولا عنه في كتب القوم لطالت الترجمة، وخرجنا عن المقصود، وخشينا من السامة على من يطالع الكتاب، ممن لم يذق حلاوة المحبة، ولا دخل إليها من باب.
ونسأل الله الكريم، ونتوسل إليه بنبيه العظيم، وبجميع أنبيائه وسائر أوليائه، وبصاحب هذه الترجمة حاتم بن عنوان، صلى الله عليهم وسلم، وشرف وكرم، أن ترزقنا محبتهم، وتسلكنا طريقتهم، وتجمعنا بهم في مستقر رحمتك، من غير عذاب يسبق، يا أرحم الراحمين، يا مجيب السائلين، آمين.
دار الرفاعي - الرياض-ط 0( 1983) , ج: 1- ص: 210
حاتم الخرساني الأصم
روى عن شقيق البلخي روى عنه سعيد بن العباس أبو عثمان الصوفي والحسن بن سعيد أبو علي المعروف بالسقاء سمعت أبي يقول ذلك.
طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 3- ص: 1