شمس المعالي قابوس بن وشمكير أبي طاهر بن زيار بن وردان الديلمي الجبلي هو رابع ملوك أسرة (آل زيار) التي حكمت طبرستان وجرجان من سنة 316 إلى سنة 470 ومؤسس هذه الأسرة (مرداويج) ابن زيار الذي بلغ بسلطانه إلى (حلوان) بعد استيلائه على الري وأصفهان وقم وقزوين وبروجرد وهمدان والأهواز، متخذا أصفهان عاصمة لملكه، وكان يحكم (مرداويج) جميع هذه البلدان باسم الخليفة العباسي في ظاهر ولكنه كان يبطن الوصول إلى بغداد وإزاحة الخليفة الراضي بالله من الخلافة وإعلان نفسه خليفة تحت شعار أخذ الثأر للعلويين. وقد كان في (مرداويج) ظلم وعسف وجبروت فدخل عليه غلمانه الأتراك في الحمام وقتلوه.
ولقد انتقلت الولاية بعده إلى أخيه وشمكير (بضم الواو وجزم الشين والميم) سنة 323. الذي دامت الحرب بينه وبين ركن الدولة البويهي نيفا وعشرين سنة. ومن بعده تولى الملك ابنه (بهستون) سنة 257 ثم انتقل الملك منه إلى أخيه (شمس المعالي) قابوس بن وشمكير سنة 366 وكان ذلك في خلافة الطائع لله العباسي الذي أنفذ إليه الخلع السنية ولقبه (شمس المعالي) وعهد إليه بولايتي طبرستان وجرجان.
وفي السنة نفسها توفي ركن الدولة البويهي وقسمت المملكة البويهية بين أبنائه الثلاثة (مؤيد الدولة وفخر الدولة وعضد الدولة) بموجب وصية أبيهم، وقد أصبحت همذان وبلاد الجبل في حصة فخر الدولة، ولما كانت السلطة العامة بمقتضي تقسيم ركن الدولة بيد عضد الدولة فقد حاول فخر الدولة الاستقلال بحصته فقصده عضد الدولة من بغداد إلى همذان فهرب فخر الدولة منه ولحق بجبال طبرستان ملتجئا إلى قابوس فتلقاه هذا وأكرم مثواه وأنزله عنده وآواه، فأنفذ عضد الدولة إلى أخيه الآخر مؤيد الدولة وكان صاحب أصفهان نحوهما فانحازا عنه وذلك سنة 371 وبعثا إلى أبي الحسن محمد بن لإبراهيم ابن سيمجور وكان يتولى إمارة نيسابور وما دون جيحون بإقليم خراسان من قبل منصور بن نوح الساماني يستعينانه فوعدهما ولكنه أبطأ عليهما لانحلال الأحوال بخراسان فسار قابوس ومعه فخر الدولة هاربين حتى وردا نيسابور ومنها إلى بخارا فأرسل صاحب بخارا معهما جيشا صحبه تاش الحاجب وولاه نيسابور فلم يصنع معهما شيئا. وبقي قابوس بعيدا عن ملكه 18 سنة أي حتى سنة 388 قابعا في هذا الإقليم متصلا خلالها بالعلماء والأدباء والفضلاء ومكاتبا إياهم كي يزيح عن نفسه كآبة الانهزام والخيانة والاغتراب. أما فخر الدولة فقد تسنى له أن يعود إلى ملكه سنة 373 بعد وفاة أخيه عضد الدولة في شوال 372 وبعد أن توفي أخوه الآخر مؤيد الدولة في جرجان سنة 373 تاركا قابوس في نيسابور، وقد شاور فخر الدولة وزيره الصاحب بن عباد في رد ملك قابوس إليه وإعادته إلى جرجان وطبرستان فلم يوافقه الصاحب كما يظهر من بعض الرسائل المتبادلة بين قابوس والصاحب، وقد كان للصاحب بن عباد الفضل في إعادة فخر الدولة من نيسابور إلى ملكه بعد موت مؤيد الدولة. وفي سنة 387 توفي فخر الدولة الواضع يده على ملك قابوس، مما دعى قابوس الذي لم ير عند الأسرة السامانية ناصرا في السنة التالية 388 إلى توجيه حملتين عسكريتين إحداهما بقيادة خاله الأصبهند التي تغلبت على جبل شهريار والثانية بقيادة ابن سعيد التي استولت على آمل. كما أن أهل جرجان كتبوا لقابوس يستدعونه إليهم من نيسابور فسار إليها وخفت حملتا الأصبهند وابن سعيد لتعضيده فدخلها في شعبان سنة 388. ثم أضيفت الجبل وبعض بلاد الري إلى ملك قابوس (طبرستان وجرجان) وفي هذه الأثناء استولى ابن سبكتكين على إقليم خراسان فراسله قابوس وهاداه وصالحه. ومن خلال المدة التي قضاها قابوس بعيدا عن ملكه في إقليم خراسان من سنة 370 إلى سنة 388 تغيرت نظرته نحو الناس واستولى على قلبه قسوة شديدة لذلك أخذ يعامل رعيته عند عودته إلى ملكه بالشدة والعسف وأسرف في الاستبداد والظلم إسرافا أكسبه بغض شعبه له ووحشة نفوس جنده منه. وبينما هو غائب عن عاصمة ملكه في حصنه الخاص المسمى(شمرآباد) أجمعوا في جرجان على خلعه وساروا إليه فامتنع عليهم في القلعة فاكتفوا بانتهاب موجوده وعادوا إلى جرجان وجاهروا بالثورة واستدعوا ابنه (منوجهر) من طبرستان فأسرع إليهم مخافة أن يولوا غيره وقالوا له إن لم تقبض أنت عليه وإلا قتلناه وإذا قتلناه فل نأمنك على نفوسنا فنحتاج أن نلحقك به. وسار قابوس من حصنه إلى بسطام يقيم بها حتى تهدى الفتنة فساروا إليه وأكرهوا ابنه منوجهر على السير معهم، فلما اجتمع الوالد وولده علم قابوس بحقيقة الحال فآثر الانفراد بالعبادة وأذن لابنه بولاية الملك لئلا يخرج عن بيتهم ولكن الثوار من الجند ظلوا مرتابين من قابوس فساروا إليه وأمروا ابنه منوجهر بقتله فوثب عليه وسجنه ومنعه مما يتدثر به في شدة البرد فجعل يصيح (أعطوني ولو جل دابة أتدثر به) فلم يعطوه، فهلك سنة 403 لسبع وثلاثين سنة لولايته وخمس عشرة سنة لولايته وخمس عشرة سنة لاسترداد ملكه، ونقل جثمانه إلى جرجان فدفن بها. وقبره لا زال قائما في قرية تبعد عن شرقي مدينة جرجان بمسافة ثلاث كيلومترات على نهر جرجان وعليه قبة شامخة. وتعرف القرية باسم (كبند قابوس) أي (منارة قابوس). وكان قابوس له معرفة بالنجوم وكان قد حكم على نفسه في النجوم أن منيته على يد ولده فأبعد ابنه (دارا) لما كان يراه فيه من عقوق وقرب ابنه (منوجهر) لما رأى من طاعته وكانت منيته على يده. وانتقل ملك جرجان من بعده إلى ابنه منوجهر (فلك المعالي) الذي كان قد تزوج بابنه الشاهنشاه محمود الغزنوي.
أدب قابوس وعلمه
كان قابوس بن وشمكير ملكا جليل القدر ومن محاسن الدنيا ذا أدب غض وعلم جم وخط في نهاية الحسن وكان الوزير الصاحب بن عباد يقول إذا رأى خطه وكان يعرفه جيدا (هذا خط قابوس أم جناح طاووس) وينشد قول المتنبي:
في خطه من كل قلب شهوة | حتى كأن مداده الأهواء |
ولكل عين قرة في قربه | حتى كأن مغيبه الأقذاء |
خطرات ذكرك تستثير صبابتي | فأحس منها في الفؤاد دبيبا |
لا عضو إلا وفيه صبابتي | فكأن أعضائي خلقن قلوبا |
قل للذي بصروف الدهر عيرنا | هل عائد الدهر إلا من له خطر |
أما ترى البحر يطفو فوقه جيف | ويستقر بأقصى قعره الدرر |
فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنا | ونالنا من تأذي بؤره ضرر |
ففي السماء نجوم غير ذي عدد | وليس يكسف إلا الشمس والقمر |
قد بعثنا إليك سبعة أقلا | م لها في الهاء حظ عظم |
مرهفات كأنها السن الحيا | ت قد جاز حدها التقويم |
وتفاءلت إن ستحوي الأقا | ليم بها كل واحد إقليم |
لئن زال ملكي وفات ذخائري | وأصبح جمعي في ضمان التفرق |
فقد بقيت لي همة ما وراءها | منال لراج أو بلوغ لمرتقي |
ولي نفس حر تأنف الضيم مركبا | وتكره ورد المنهل المدقق |
فإن تلفت نفسي فلله درها | وإن بلغت ما ترتجيه فاخلق |
ومن لم يردني والمسالك جمة | فأي طريق شاء فليتطرق |
بالله لا تنهضي يا دولة السفل | وقصري فضل ما أرخيت من طول |
أسرفت فاقتصدي جاوزت فانصرفي | عن التهور ثم أمشي على مهل |
مخدمون ولم تخدم أوائلهم | مخولون وكانوا أرذل الخول |
من رام أن يهجو أبا قاسم | فقد هجا كل بني آدم |
لأنه صور من مضغة | تجمعت من نطف العالم |
قد قبس القابسات قابوس | ونجمه في المساء منحوس |
وكيف يرجى الفلاح من رجل | يكون في آخر اسمه بوس |
إني أنا الأسد الهزبر لدى الوغي | أجمي القنا ومخالبي أسيافي |
والدهر عبدي والسماحة خادمي | والأرض داري والورى أضيافي |
لا تعصين شمس المعالي قابوسا | فمن عصى قابوس يلقى بوسا |
إن المقادير إذا ساعدت | ألحقت العاجز بالحازم |
الدهر يومان ذا أمن وذا حذر | والعيش شطران ذا صفو وذا كدر |
قل للذي بصروف الدهر عيرنا | هل عاند الدهر إلا من له خطر |
أما ترى الريح إن هبت عواصفها | فليس يضعف إلا ما هو الشجر |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 432