الشيخ محمد رضا الزين ابن الحاج سليمان ولد في صيدا وتوفي في كفر رمان سنة 1366.
كان عالما أديبا شاعرا على جانب كبير من سماحة الخلق وكرم الطبع ولين الجانب. تلقى علومه الأولية في مدرسة النبطية ثم رحل إلى النجف الأشرف سنة 1316 فتلمذ على الشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد بحر العلوم الطباطبائي وشيخ الشريعة الاصفهاني والشيخ علي الجواهري.
ولما هم بالعودة إلى وطنه أعلنتفاضطر للاقامة في العراق وتعاطى الزراعة في منطقة (دجيل) حتى نهاية الحرب فعاد إلى جبل عامل وأقام في قرية كفر رمان، ثم عين قاضيا شرعيا في النبطية.
وقد كتب في أوراق له عن إقامته في (دجيل) التي منها بلد سميكة ما يلي:
... ثم ثارت الحرب فانقطعت السبل وتبدل أمن الطرق خوفا فبقيت في العراق ساكنا في البادية مع الاعراب تارة وفي سميكة أخرى وهي امنع من الأبلق بل من عقاب الجو لبسالة أهلها ونجدتهم وشجاعتهم وهم عشيرتان زبيد وخزرج وكثيرا ما تنشب الحرب بين العشيرتين وهي في الغالب سجال. أما خزرج فهم على بداوتهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون غير النعجة والبعير والسيف والرمح وأما زبيد فهم إلى الحضارة أقرب يسعون وراء التجارة والديانة وقد اتصلت برؤساء العشيرتين لكني مع زبيد أشد اتصالا وذلك لكمال شيوخهم وهم آل الشيخ محمود الحسن وعميدهم الآن الحاج محمد جواد المحمود وهو رجل رقيق الطبع شفاف المزاج خفيف الروح اريحي النفس مكرم للسادة والعلماء محب لأهل الديانة، له معرفة بكثير من المسائل الشرعية واطلاعبالتأريخيحفظ الشعر الرائق.
دخلت سميكة يوم الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة ثلاث وثلاثين بعد الألف والثلاثمائة ومعي بعض عيالي وخدمي وبعد انقضاء شهر الصوم دعاني رئيس زبيد إلى زيارة الإمامين العسكريين ع في سامراء فأجبت دعوته ورأيت من مكارم هذا الرجل وكرمه سفرا وحضرا ما يبهر العقول وعند رجوعي عملت له أبياتا هن أبيات إلا عليه وهي:
يمم الركب الدجيل | قاصدا مأوى الدخيل |
ومن علا ذرى العلى | بالعز والمجد الأثيل |
وساد بالجود ومن | جاد فهو المستطيل |
لا ينيل النزر من | جدوى يديه والقليل |
لا غرو في مدحي له | فهو المهذب والنبيل |
لقد دعاني للتي | فيها الشفاء للغليل |
من زورة لمن بهم | برى الاله جبرئيل |
ما ذا أقول بفضلهم | وبفضلهم باهى الجليل |
إن الفضائل عدها | مثل الزواهر مستحيل |
أخو العليا زبيدي والمعالي | حميد الذات محمود الخصال |
كمي لا يضاهيه شجاع | سخي لا يجاري بالنوال |
أنامله السحاب بيوم جود | ويوم وغى أنامله عوالي |
له طبع أرق من الحميا | مصفاة وحلم كالجبال |
إذا ازدحمت بمعركة كماة | ونادى الشوس حي على النزال |
وشب الدارعون لظلأ المنايا | بمطرور من البيض الصقال |
وماجت بالكماة الصيد جرد | مشذبة عراب كالسعالي |
بيوم فيه للأبطال ظل | بمشتبك القنا وشبا النصال |
يشد عليهم طلق المحيا | كما شد الهزبر على السخال |
بعزم فيه للأدراع فتق | وثلم للظبا وشبا النبال |
إليك زبيدي من سلامي أطايبه | وزند اشتياقي في الحشاشة ثاقبه |
لقد حلت الأنضاء مني ببلدة | بها الماء مر ما النفوس تقاربه |
أقول لركب جانبوا عن سميكة | أميلوا ففيها من تعز جوانبه |
ولو كنت ممن يبتغي أخذ أجرة | على المدح لانهلت علينا سحائبه |
ولكنني والشعر ليس بحرفتي | أنزه شعري أن يذلل جانبه |
بمن يستغيث المرء إن ثل جانبه | إذا ما دهاه دهره ونوائبه |
وسل عليه من دواهيه مرهفا | تسيء مباديه وتخشى عواقبه |
وسدد سهما من عجائب صرفه | فاضحى وصرف الدهر شتى عجائبه |
غرائبه في كل شرق ومغرب | وقد جمعت في القلب مني غرائبه |
وحمل قلبي ما يسيخ بحمله | شمام ومن رضوى تدك جوانبه |
بمن تدفع اللأواء والخطب نازل | تفاقم منه مبتداه وعاقبه |
بمن تدفع الجلي بمن تدرك المنى | بمن يسترد الدهر فيمن نحاربه |
نعم تدفع اللأواء بابن محمد | ثمال الورى في الجدب تهمي مواهبه |
به يستغيث المرء من كل فادح | فتنقذنا من شر دهر مناقبه |
أبا قاسم يا ابن الامام إصاخة | لرق لكم في الرق تعلو مراتبه |
أ يملكني دهر يود بأنه | هو العبد لكن ذللتني نوائبه |
أ ترضى بان يستعبد الدهر رقكم | ويؤسره بالفقر والفقر عاطبه |
أتيتك يا ابن المصطفى ووصيه | وخيرك موفور ومولاك طالبه |
لتنجح آمالي فجودك هاطل | على الناس طرا تستهل سحائبه |
وتنظر في حال امرئ رق حاله | وضاقت عليه سبله ومذاهبه |
وشطت به عن مورد العز غربة | إلى مورد بالذل سيطت مشاربه |
لقد ساقني المقدار عن خير موطن | إلى موطن بالبؤس عمت معائبه |
وفرق ما بيني وبين أحبتي | ومعشر الا في زمان أحاربه |
فشتت شملي بالعراق أقامني | وللشام من أهوى تخف ركائبه |
وفي النجف الأعلى وليد أحبه | يجاذبني برد الأسى وأجاذبه |
أبا عبد الحميد إليك تنمي | مكارم لا تضاهيها المكارم |
شمخت جلالة بسعيد حظ | وغيرك راسب في الخزي عائم |
أقمت بظلك السامي زمانا | عزيزا لا تروعني العظائم |
أضام ببلدة وتحل فيها | لعار أن أضام وأنت حاكم |
وتنبحني الكلاب وأنت ليث | وترهبني العداة وأنت صارم |
أضام ببلدة فيها زبيدي | منيع الجار في حد الصوارم |
يثير عجاجها بصقيل عزم | ويجعل نظمها نثر الجماجم |
وفيها آل محمود المعلى | جحاجحة غطاريف أعاظم |
يحامون النزيل فلا شبيه | يضاهيهم إذا اشتبك الملاحم |
ولست بمن يذل بأرض قوم | وفي الشامات أقوامي ضراغم |
وفي الشامات اسيافي صقال | وفي الشامات أرماحي لهاذم |
لئن جهلت سميكة لي اقتدارا | فقد علم الورى أني لحازم |
ساترك في سميكة كل فظ | غليظ الطبع لا يحوي المكارم |
كزيد لا جزاه الله خيرا | سيقرع في جهنم سن نادم |
لقد تبع الهوى وحوى المخازي | وشاب على المفاسد والمظالم |
أبا عبد الحميد إليك مني | مقالا شجوه ملأ الغلاصم |
لئن أغضيت عن هضمي فاني | سارحل والفضا نهج المعالم |
إلى قوم يعز بهم نزيل | ويحفظ فيهم شرف العمائم |
أصادق دهري والزمان مكاذب | وكل خليل في الزمان موارب |
طفت البسيط فلم أجد من وده | صاف ولكن الأنام عقارب |
فخير حياة للفتى عزل نفسه | عن الناس والكتب الأنيقة صاحب |
تقص أحاديثا بأفصح منطق | بغير لسان فهي عجم عوارب |
ولا عز إلا في لعاب يراعة | هو الشهد في يوم أو الموت عاطب |
يهز فلا الرمح الرديني لهذم | لديه ولا السيف المهند قاضب |
خطيب له العشر العقول موارد | وملك له الخمس اللطاف مواكب |
يجرجر سحبانا من العي مطرفا | وقس لابراد الفهاهة ساحب |
ومن عجب أني إلى غير راغب | طوال الليالي في ودادي لراغب |
أصافيه ودي وهو للود ماذق | وأسقيه وصلي وهو للهجر شارب |
ساصدر انضائي الهجان عن الأذى | إلى مورد تصفو لديه المشارب |
أديم السري في مهمه ومفازة | بها الذئب يعوي والسباع سواغب |
أميل على أكوارهن من الكرى | كما مال من بنت العناقيد شارب |
لقد حلقت عن خطه الضيم همة | تحك بها الجوزاء مني المناكب |
أخوض المنايا في بسالة ضيغم | له السرج غيل والسيوف مخالب |
بعزمة مقدام لدى الروع أروع | يفل بها حد الظبا والمضارب |
وسطوة ليث قد تقاعس دونها | أسود بخفان وهن غوالب |
من القوم أمثال الجبال حلومهم | وأيديهم في الجود مزن سحائب |
لنا العز والعلياء في كل مشهد | ولا عيب إلا الساميات المناقب |
لئن ضربت أطناب قوم بوهدة | ففي الشم تعلو من قبيلي المضارب |
هم القوم مأوى للدخيل ونارهم | دليل إذا سد الفضاء الغياهب |
هم القوم لا مستنجد النصر آئب | بذل ولا مسترفد الرفد خائب |
هم القوم يحمون الذمار وإنما | بفضل النهي تحمى العلى والمناصب |
لهم جاذب عن كل عيب يشينهم | وليس لهم عن بسطة العرف جاذب |
خليلي ريعان الصبا يستفزني | وفي القلب مشبوب من الوجد لاهب |
لقد أنجد الأظعان يوم تحملوا | فانجد صبري والدموع سواكب |
قسما بحبك انني | أهوى اللقاء ولن امله |
تغلي مراجل لوعتي | وتزيدني الزفرات غله |
بله البعاد وويحه | قد زاد هذا الوجد بله |
عل الوصال وقربكم | يبري من الأحشاء عله |
جمل الثناء إليك جملة | من عارف لنهاك فضله |
هي حلة تزهو ومن | مثل العلي لها محله |
يا ناسكا سحر الورى | بالشعر سحرك من أحله |
أدعوك للأنس في أرجاء ماذنة | مع عصبة في علاها الدهر يفتخر |
فان أتيت فشمل الأنس مجتمع | وإن أبيت فذاك الشمل منتشر |
وإن أبيت ولم تخفف لدعوتنا | فأنت من عصبة با.. قد كفروا! |
قل لعلي الزين ما صده | عن دعوة للأنس في (الميذنه) |
فهل تراه كان في غفلة | عن هذه الدعوة أم في سنه |
أم جانب الفضل وأربابه | فلم يصب من رأيه أحسنه |
أم سلبت (بنت جبيل) له | نهى فقد صيرها مسكنه |
رماه بالكفر صديق له | فيها وما أخفاه بل أعلنه |
رموه بالكفر وبهواهم | أ ليس هذي حالة (مسخنه) |
إن كان أداه لذا رأيه | تبا لهذا الرأي ما أوهنه |
أو كان يبغي الأنس غض الجنى | فقد أضاع الفرصة الممكنة |
أو كان يرجو الخير من غيرها | فلا يعود الدور حتى سنه |
ابن كحيل (بالعتابا) شدا | يحتاج من فضلك (للميجنه) |
طل عليه من بعيد ولو | من شق شباك ومن (روزنه) |
ما للهوى والأنس (و الميجنه) | عند بقايا كبد مثخنه |
جار عليها الحب واستأصلت | باقي رجاها غير الأزمنة |
ولم تزل ما بين داعي الهوى | في حيرة جامحة مذعنة |
والفضل يستأثر في حلمها | واللهو يستعصم (بالودنه) |
والحرص يستدرج أميالها | ولا يريها حالة ممكنة |
وربما أعقب وسواسه | تمثيل بعض الصور (المسخنة) |
يا عصبة للفضل قد آثرت | من كل فن رائع أحسنه |
ما هذه اللهجة أو ما عسى | يسطيع من باعدتم مسكنه |
ولم يغادر شؤمه حيلة | تدنيه منكم أو من (المأذنة) |
اسرفتم في العتب ضمن الثنا | حتى تحامى القلب ما أيقنه؟! |
فما عليكم لو أعدتم له | على نداكم حجة بينه |
كي يصرف الساخر عن زعمه | في انها (بيضة رأس السنة) |
ويرسل الأحلام مجلوة | بين القوافي صعبة هينه |
يسترحم الأقدار في قصده | ويستميح الفرصة الممكنه |
وما عليكم لو حلمتم لدى | تفنيد ما أخفاه أو اعلنه |
لتسمو الآداب عن لهجة | مفعمة بالعجب مستبطنه |
الهزء والاسعاف من لحنها | حلا محل العلة المزمنة |
كادت تذود الجد عن ورده | وتصرف الأقلام (للميجنه) |
ان تأخذوا الأحباب في هفوة | ليست على القائل مستهجنه |
أو تاخذوني بغلوي بهم | على الذي لاقيته من هنه |
فكم لهم في العنق من منة | على حياتي ويد محسنه |
تقهقر السل لها عنوة | وضل عزرائيل ) ما دونه |
وانبعثت نفسي من ياسها | للفن تستنجد من أتقنه |
تستنطق الاسفار مفتونة | ودرس الأزمان والأمكنة |
ولم تزل تنقض حتى إذا | القت عصاها بينكم مؤمنه |
واستمتعت بالعلم غض الجنى | وقد أصابت فيكم معدنه |
وآنست بابن كحيل فتى | في معرض النكتة ما (ألعنه) |
يبعث ميت الإنس من لحده | إذا تحرى قصص (البوكنة) |
وان يدر للرقص أو للغنا | لم يعد وضعا حجر المطحنه |
أو وشح المنكب منه العصي | اطلع قردا حاملا محجنه |
يستل هم المرء من صدره | ويسحر الأعين والألسنة |
أرخت عنان القلب في بلدة | ابدع منها الله ما كونه.. |
وأفرطت في الحب حتى غدت | تحذر داعي الحب أو موطنه |
ولا ترى في كل ما سرها | من خالص الترحاب ما تأمنه |
قد ردها التفكير في أمسها | حيري تناجي الأمس مستغبنه |
لو لا سروري لحظة ما اقتفت | قلبي هذي الأشهر المحزنه |
والقلب لو لا لطف أحبابه | لما تعدى ساعة مدفنه |
فكيف بالعصمة منهم إذن | وفي سواهم لم يصب مأمنه |
أم كيف لي بالعتق من لومهم | وقولهم: (الله ما أخشنه) |
أ ليس هذا من جنون الفتى | أ ليس هذا منتهى (التيسنه) |
نايت وقلبي للعراق تدانيه | وزند اشتياقي في الحشاشة واريه |
احن إليه لا إلى الغيد والمهى | وأهوى مغاني قطره لا غوانيه |
وأصبو إلى مغناه اطلب مهجتي | ومذ بنت عن بغداد ابقيتها فيه |
عروس من البلدان اما جماهلا | فخير جمال فوق منية رائية |
ترى شطها سلكا ينظم دورها | عقود جمان ما الدراري تحاكيه |
لقد شاهدت عينان مرأى جماله | بديعا يحار الفكر عند معانيه |
تانق بانيها بجنبيه فازدهت | كما أبدعت في الماء صنعة مجريه |
قناديلها مثل النجوم وسطحه | سماء ومطبوع السماء بجارية |
فلله من سطح يزايل مركز | أو انجمة تبقى فيبهت رائيه |
قصور بها وسط الحدائق زينت | بابدع طرز ما الجنان تضاهيه |
أ أطريك يا بغداد بالمدح والثنا | وحسنك يا بغداد للمدح يطريه |
هي الوطن الأسمى وان كان مولدي | بعاملة أعلى الشام رواسيه |
احن إليه لا إلى الشام انني | قطفت به زهر الكمال وزاهيه |
وصافيت إخوانا ببغداد لا ارى | مثالا لهم في أذرعات أصافيه |
خليلي مرا بي على الكرخ ساعة | فما ينفع العاني انسكاب ماقيه |
أميلا عن الشامات أعناق عيسكم | وميلا بها نحو العراق أحييه |
سأبكيه بالدمع المذاب من الحشا | وان قل هذا قلت بالنفس أفديه |
سأبكيه حتى يحكم الله بيننا | بقرب التلاقي أو بموت ألاقيه |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 331