الصابئ إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الحراني، أبو اسحاق الصابئ: نابغة كتاب جيله. من اسلافه يعرفون بصناعة الطب، ومال هو إلى الادب، فتقلد دواوين الرسائل والمظالم والمعاون تقليدا سلطانيا في ايام المطيع لله العباسي ثم قلده معز الدولة الديلمي ديوان رسائله سنة 349هـ ، فخدمه وخدم بعده ابنه عز الدولة (بختيار) فكانت تصدر عنه مكاتبات إلى عضد الدولة (ابن عم بختيار) بما يؤلمه فحقد عليه، ولما قتل عز الدولة وملك عضد الدولة بغداد قبض على الصابئ سنة 367 هـ ، وسجنه وامر بأخذ امواله. ولما ولى صمام الدولة (ابن عضد الدولة) اطلقه (سنة 371 هـ) وكان صلبا في دين الصابئة، عرض عليه عز الدولة الوزارة ان اسلم، فأمتنع وكان يحفظ القرآن ويشارك المسلمين في صوم رمضان. واحبه الصاحب ابن عباد فكان يتعصب له ويتعهده بالمنح على بعد الدار. واختلف في التفضيل بين الصاحب والصابئ ايهما احسن انشاءا وقد نشر الامير شكيب ارسلان (رسائل الصابئ - ط) وعلق حواشي نافعة وولصابئ كتاب (التاجي) في أخبار بني بويه، الفه في السجن وكتاب (أخبار أهله) و (ديوان شعر).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 78
الصابئ إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حبون أبو إسحاق الصابئ المشرك الحراني صاحب الرسائل المشهورة، كتب الإنشاء لعز الدولة بختيار ابن بويه وكان متشددا في دينه حرص عليه عز الدولة أن يسلم فلم يفعل، وقيل بذل له ألفا دينار على أن يأكل الفول فلم يفعل، قلت: الصابئون يحرمون الفول والحمام أما الفول فأظنه لما قيل عنه أنه يبلد والحمام يقال إن في دماغه رطوبات فضلية، وكان الصابئ يصوم رمضان ويحفظ القرآن ويستعمله في رسائله وله النظم الرائق، وكان يصدر عنه مكاتبات لعضد الدولة مما يؤلمه فلما تملك سجنه وعزم على قتله فشفع فيه فأطلقه وأمره أن يصنع له كتابا في أخبار الدولة البويهية فعمل كتاب التاجي لعضد الدولة، فيقال إن صديقا دخل عليه فوجده في شغل شاغل من التعاليق والتسويد فسأله عن ذلك فقال: أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها، فبلغت عضد الدولة فهاجت ساكن غضبه ولم يزل مبعدا حتى توفي سنة أربع وثمانين وثلاث مائة وقيل الثمانين ببغداذ ودفن بالشونيزية، ورثاه الشريف الرضي بقصيدته المشهورة التي أولها:
أرأيت من حملوا على الأعواد | أرأيت كيف خبا ضياء النادي |
جبل هوى لو خر في البحر اغتدى | من وقعه متتابع الإزباد |
ما كنت أعلم قبل حطك في الثرى | أن الثرى يعلو على الأطواد |
كيف انمحى ذاك الجناب وعطلت | تلك الفجاج وضل ذاك الهادي |
لو كنت تفدى لافتدتك فوارس | مطروا بعارض كل يوم طراد |
أعزز علي بأن أراك وقد خلت | من جانبيك مقاعد العواد |
أعزز علي بأن نزلت بمنزل | متشابه الأوغاد والأمجاد |
عمري! لقد أغمدت منك مهندا | في الترب كان ممزق الأغماد |
قد كنت أهوى أن أشاطرك الردى | لكن أراد الله غير مرادي |
من للبلاغة والفصاحة إن همى | ذاك الغمام وعب ذاك الوادي |
فقر بها تمسي الملوك فقيرة | أبدا إلى مدى لها ومعاد |
وتكون سوطا للحرون إذا ونى | وعنان عنق الجامح المتمادي |
ترقي وتلدغ في القلوب وإن تشا | حط النجوم بها من الأبعاد |
أما الدموع عليك غير بخيلة | والقلب بالسلوان غير جواد |
سودت ما بين الفضاء وناظري | وغسلت من عيني كل سواد |
قل للنوائب: عددي أيامه | يغني عن التعديد بالتعداد |
يا ليت أني ما اقتنيتك صاحبا | كم قنية جلبت أسى لفؤاد |
ويقول من لم يدر كنهك: إنهم | نقصوا به من جملة الأعداد |
هيهات! أدرج بين برديك الردى | رجل الرجال وأوحد الآحاد |
ما مطعم الدنيا بحلو بعده | أبدا ولا ماء الحيا ببراد |
الفضل ناسب بيننا إذ لم يكن | شرفي مناسبه ولا ميلادي |
ليس التنافث بيننا بمعاود | أبدا وليس زمانه بمعاد |
ضاقت علي الأرض بعدك كلها | وترك أضيقها علي بلادي |
لك في الحشا قبر وإن لم تأوه | ومن الدموع روائح وغوادي |
ما مات من جعل الزمان لسانه | يتلو مناقب عودا وبوادي |
صفح الثرى عن حر وجهك أنه | مغرى بطي محاسن الأمجاد |
وتماسكت تلك البنان فطالما | عبث البلى بأنامل الأجواد |
وسقاك فضلك إنه أروى حيا | من رائح متعرض أو غادي |
جدث على أن لا نبات بأرضه | وقفت عليه مطالب الوراد |
وقد ظمئت عيني التي أنت نورها | إلى نظرة من وجهك المتألق |
فيا فرحتا إن ألقه قبل ميتتي | ويا حسرتا إن مت من قبل نلتقي |
جرت الجفون دما وكأسي في يدي | شوقا إلى من لج في هجراني |
فتخالف الفعلان شارب قهوة | يبكي وقد يتشاكل اللونان |
فكأن ما في الجفن من كأسي جرى | وكأن ما في الكأس من أجفاني |
أقول وقد جردتها من ثيابها | وعانقتها كالبدر في ليلة التم |
وقد آلمت صدري لشدة ضمها | لقد جبرت قلبي وإن وهنت عظمي |
فديت من لاحظني طرفها | من خيفة الناس بتسليمته |
لما رأت بدر الدجى تائها | وغاظها ذلك من شيمته |
سرت له البرقع من وجهها | فردت البدر إلى قيمته |
أرضى عن ابني إذا ما عقني حدبا | عليه أن يغضب الرحمن من غضبي |
ولست أدري لم استحققت من ولدي | إقذاء عيني وقد أقررت عين أبي |
وما أنا إلا دوحة قد غرستها | وسقيتها حتى تراخى بها المدى |
فلما اقشعر العود منها وصوحت | أتتك بأغصان لها تطلب الندى |
صل يا ذا العلا لربك وانحر | كل ضد وشانئ لك أبتر |
أنت أعلى من أن تكون أضاحيـ | ـك قروما من الجمالة تعقر |
بل قروما من الملوك ذوي السو | دد تيجانها أمامك تنثر |
كلما خر ساجدا لك رأس | منهم قال سيفك الله أكبر |
أيها النابح الذي يتصدى | لقبيح يقوله في جوابي |
لا تؤمل أني أقول لك اخسأ | لست أسخو بها لكل الكلاب |
ما زلت في سكري ألمع كفها | وذراعها بالقرص والآثار |
حتى تركت أديمها وكأنما | غرس البنفسج منه في الجمار |
أحبب إلي بفتية نادمتهم | بين المحلة والقباب البيض |
من كل محض الجاهلية معرق | في الخرمية بالعدى عريض |
وسموا الأكف بخضرة فكأنما | غرسوا بها الريحان في الإغريض |
قد قال يمن وهو أسود للذي | ببياضه يعلو علو الخاتن |
ما فخر وجهك بالبياض وهل ترى | أن قد أفدت به مزيد محاسن |
ولو أن مني فيه خالا زانه | ولو أن منه في خالا شانني |
لك وجه كأن يمناي خطتـ | ـه بلفظ تمله آمالي |
فيه معنى من البدور ولكن | نفضت صبغها عليها الليالي |
لم يشنك السواد بل زدت حسنا | إنما يلبس السواد الموالي |
فبمالي أفديك إن لم تكن لي | وبروحي أفديك إن كنت مالي |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0
الصابئ الأديب البليغ، صاحب الترسل البديع، أبو إسحاق، إبراهيم بن هلال الصابئ الحراني المشرك.
حرصوا عليه أن يسلم فأبى، وكان يصوم رمضان ويحفظ القرآن، ويحتاج إليه في الإنشاء.
كتب لعز الدولة بختيار.
وله نظم رائق.
ولما تملك عضد الدولة هم بقتله وسجنه، ثم أطلقه في سنة 317، فألف له كتاب ’’التاجي في أخبار بني بويه’’.
مات في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة، وله إحدى وسبعون سنة، ويقال: قتله؛ لأنه أمره بعمل ’’التاريخ التاجي’’ فدخل عليه رجل فسأله ما تؤلف؟ فقال: أباطيل ألفقها، وأكاذيب أنمقها، فتحرك عليه عضد الدولة وطرده، ومات، فرثاه الشريف الرضي، فليم في ذلك، فقال: إنما رثيت فضله، وهذا عذر بارد.
وكان مكثرا من الآداب.
وكذلك مات على كفره ابنه المحسن، وكان محتشما أديبا.
ثم خلفه ابنه الصدر الأوحد هلال بن المحسن الصابئ، الذي أسلم وعاش كثيرا، وبقي إلى سنة 448.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 460