الضبي أحمد بن إبراهيم الضبي، أبو العباس: وزير فخر الدين البويهي. كان من العقلاء الفضلاء يلقب ’’الكافي الأوحد’’ له شعر رقيق، ولمهيار الديلمي وغيره مدائح فيه ومراث. مات في بروجرد معتزلا الوزارة وحمل منها فدفن في مشهد الحسين، بوصية منه.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 86

أحمد بن إبراهيم الضبي أبو العباس الملقب بالكافي الأوحد الوزير بعد الصاحب أبي القاسم ابن عباد لفخر الدولة أبي الحسن علي بن ركن الدولة بن بويه:
مات في صفر سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ببروجرد من أعمال بدر بن حسنويه على ما نذكره.
ذكره الثعالبي فقال: هو جذوة من نار الصاحب أبي القاسم، ونهر من بحره، وخليفته النائب منابه في حياته، القائم مقامه بعد وفاته، وكان الصاحب استنجبه منذ الصبا، واجتمع فيه الرأي والهوى، فاصطنعه لنفسه وأدبه بآدابه، وقدمه بفضل الاختصاص على سائر صنائعه وندمائه، وخرج منه صدرا يملأ الصدور كمالا، ويجري في طريقه ترسما وترسلا، وفي ذرى المعالي توقلا، ويحقق قول أبي محمد الخازن فيه من قصيدة:

وقد كانت بلاغة العصر بعد الصاحب والصابئ بقيت متماسكة بأبي العباس، فأشرفت على التهافت بموته، وكادت تشيب بعده لمم الأقلام، وتجف غدر محاسن الكلام، لولا أن الله سد ببقاء الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد ثلم الآداب والكتابة. ثم وصفه بكلام كثير.
ومن شعر أبي العباس الضبي:
وكتب إلى الصاحب كافي الكفاة:
وهذه رسالة من نثره كتبها إلى أبي سعيد الشيبي: أتاني كتاب شيخ الدولتين فكان في الحسن روضة حزن بل جنة عدن، وفي شرح النفس وبسط الأنس برد الأكباد والقلوب، وقميص يوسف في أجفان يعقوب.
ومنها: وبعد فإن المنازعين للأمير حسام الدولة نسور قد أفنتها العصور، ودولته حرسها الله في إبان شبابها واعتدالها، وريعان إقبالها واقتبالها، قد أسست على صلاح وسداد، وعمارة دنيا ومعاد، وهي مؤذنة بالدوام في ظل السلامة والسلام.
وأما سبب هربه إلى بروجرد فإن أم مجد الدولة اتهمته أنه سم أخاه، وطلبت منه مائتي ألف دينار نفقة في مأتمه، فلم يفعل والتجأ إلى بروجرد، وهي من أعمال بدر بن حسنويه الكردي، ثم بدا له في الرجوع إلى الوزارة، فبذل مائتي ألف دينار ليعاد إلى وزارته لمجد الدولة، فلم يجب إلى ذلك، فلما مات احتوى ابنه أبو القاسم سعد على تركته، وكانت عظيمة، ومات بعده بشهور، فاحتوى أبو بكر محمد بن عبد العزيز بن رافع على المال، وورد تابوت أبي العباس إلى بغداد مع أحد حجابه، وكتب ابنه إلى أبي بكر الخوارزمي شيخ أصحاب أبي حنيفة يعرفه أنه وصى بدفنه في مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما، ويسأله القيام بأمره وابتياع تربة له، فخاطب الشريف الطاهر أبا أحمد في ذلك وسأله أن يبيعهم تربة بخمسمائة دينار، فقال: هذا رجل التجأ الى جوار جدي ولا آخذ لتربته ثمنا، وكتب على نفسه الموضع الذي طلب منه، وأخرج التابوت إلى براثا، وخرج الطاهر أبو أحمد ومعه الأشراف والفقهاء وصلى عليه، وأصحب خمسين رجلا من رجاله حتى أوصلوه ودفنوه هنالك. وقد مدحه مهيار بقصائد منها:
ولما مات رثاه مهيار أيضا بقصيدة منها:
أبكيك لي ولمن بلين بفرقة الأيتام بعدك والنساء أرامل
قال هلال: في عصر الجمعة لست بقين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة توفي الصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن عباد بالري، ودفن من غد في داره، ونظر في الأمور بعده أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي المتلقب بالكافي الأوحد، ومنزلة الصاحب وعلو قدره وما شاع من ذكره يغني عن الإطالة في وصف أمره. فحدثني القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الباوردي قال: اعتل الصاحب أبو القاسم فكان أمراء الديلم ووجوه الحواشي وأكابر الناس يغادون بابه ويراوحونه، ويخدمونه بالدعاء وتقبيل الأرض وينصرفون، وجاءه فخر الدولة عدة دفعات، فيقال إن الصاحب قال له وهو على يأس من نفسه: قد خدمتك أيها الأمير الخدمة التي استفرغت فيها الوسع، وسرت في دولتك وأيامك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك، ونسب الجميل فيه إليك، واستمرت الأحدوثة الطيبة لك، ونسيت أنا في أثناء ما يثنى به عليك، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه، وسمعت أقوال من يحملك على خلافه ويسلك به في طريقه، كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه، وقدح في دولتك وذكرك ما يشيع آنفا عنك، فقال له في جواب ذلك ما أراه به قبول رأيه. فلما كان وقت غروب الشمس من ليلة الجمعة المذكورة قضى نحبه، وكان أبو محمد خازن الكتب ملازما داره على سبيل الخدمة له وهو عين لفخر الدولة في مراعاة الدار وما فيها، فأنفذ في الحال وعرفه الخبر، فأنفذ فخر الدولة خواصه وثقاته حتى احتاطوا على الدار والخزائن ووجدوا له كيسا فيه رقاع أقوام بمائة ألف وخمسين ألف دينار مودعة عندهم، فاستدعاهم وطالبهم بذلك فأحضروه، وكان فيه ما هو بختم مؤيد الدولة، ورجمت الظنون فيه فقيل إنه أخذه من خيانة، وقيل: إنه أودعه لولد مؤيد الدولة عن وصية منه إليه، ونقل ما كان في الدار والخزائن إلى دار فخر الدولة، وجهز الصاحب وأخرج تابوته وسط الناس، وقد جلس أبو العباس الضبي للعزاء به، فلما بدا على أيدي الحاملين له قامت الجماعة إعظاما له وقبلوا الأرض، ثم وقعت الصلاة عليه وعلق بالسلاسل في بيت كبير إلى أن نقل إلى تربته بأصبهان. وكان القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد قد قال: لا أرى الرحمة عليه لأنه مات من غير توبة ظهرت منه، فطعن عليه بذلك، ونسب إلى قلة الرعاية فيه. وقبض فخر الدولة على القاضي عبد الجبار وأسبابه وقرر أمرهم على ثلاثة آلاف ألف درهم، فأدوا ذلك ورقا وعينا وقيمة عقار سلموه، وباع في جملة ما باع ألف طيلسان محشى وألف ثوب مصري، وقلد القضاء بعده علي بن عبد العزيز، وطالب أبا العباس الضبي أن يحصل من الأعمال والمتصرفين فيها ثلاثين ألف ألف درهم، وقال له: إن الصاحب أضاع الأموال وأهمل الحقوق، وينبغي أن يستدرك ما فات ويتتبع ما مضى، فامتنع من ذاك مع تردد القول فيه. وكتب أبو علي الحسن بن أحمد بن حمولة، وكان من أعلام الكتاب المتقدمين الذين استخصهم الصاحب وأقر لهم بالفضل، وقد قاد الجيوش الكثيرة فهزمهم، فقامت له الهيبة التامة في قلوب العساكر والملوك المجاورين، وكان عند موت الصاحب بجرجان مقيما مع الجيوش لمدافعة قابوس بن وشمكير وجيوش خراسان، فكتب يخطب الوزارة ويضمن ثمانية آلاف ألف درهم عنها، فأجيب بالحضور، فلما قرب قال فخر الدولة لأبي العباس الضبي: قد ورد أبو علي وعزمت على الخروج من غد لتلقيه، وأمرت الجماعة من قوادي وأصحابي بالنزول له، ولا بد من خروجك وفعلك مثل ذلك، فثقل هذا القول على أبي العباس، وقال له خواصه وأصحابه: هذا ثمرة امتناعك عليه وتقاعدك عما دعاك له، وسيكون لهذه الحال ما بعدها، فراسل فخر الدولة وبذل له ستة آلاف ألف درهم على إقراره على الوزارة وإعفائه من تلقي أبي علي، وخرج فخر الدولة وتلقاه ولم يخرج أبو العباس، ورأى فخر الدولة أن من الصلاح لأمره الإشراك بينهما في وزارته، فسامح أبا علي بألفي ألف درهم من جملة الثمانية التي بذلها وسامح أبا العباس بألفي ألف درهم من جملة الستة التي ذكرناها، وقرر عليهما عشرة آلاف ألف درهم، وجمع بينهما في النظر، وخلع عليهما خلعتين متساويتين، ورتب أمرهما على أن يجلسا في دست واحد، ويكون التوقيع لهذا في يوم والعلامة للآخر وتجعل الكتب باسمهما يقدم هذا على عنواناتها يوما وهذا يوما، ووقع التراضي بذلك، وجرت الحال عليه، ونظرا في الأعمال وتحصيل الأموال، وقبضا على أصحاب الصاحب أبي القاسم ومن لحقته المسامحة في أيامه، وقررا عليهم المصادرات. وذكر القاضي أبو العباس عن أبي العلاء ابن المقرن أنه حدثه أنهما استخرجا من أصبهان وحدها جملة وافرة، وجرت حال غيرها من النواحي إلى مصادرة أهلها إلى مثل هذه الصورة، وأنفذا أبا بكر ابن رافع إلى استراباذ ونواحيها لاستيفاء ما يستوفيه من المعاملين والتناء فيها، فقيل إنه جمع الوجوه وأرباب الأحوال وأخر الإذن لهم حتى تعالى النهار واشتد الحر، ثم أطعمهم طعاما أكثر ملحه ومنعهم الماء عليه وبعده، وقدم إليهم الدواة والكاغد وطالبهم بكتب خطوطهم بما يصححونه، ولم يزل يستام عليهم فيه وهم يتلهفون عطشا إلى أن التزموا له عشرة آلاف ألف درهم، وتوقف العمال والمتصرفون عن الخروج إلى قزوين لأن أهلها أهل امتناع وقوة، فبذل الفاراضي بن شير مردي الخروج إليها، وذكر أنه يعرف وجوه أموال فيها، وخرج وحاول مطالبة أهلها ومعاملتهم بمثل ما عومل به غيرهم، فاجتمعوا وهجموا عليه في داره وقتلوه. واجتمع لفخر الدولة من الأموال في الخزائن والقلاع ما كثره المقللون، ثم تمزق بعد وفاته فلم يبق منه بقية في أسرع وقت. ثم مات فخر الدولة وولي الأمر بعده ابنه مجد الدولة أبو طالب رستم، واستولت السيدة والدته على الأمر. وأجري أمر الوزيرين على حاله في أيام فخر الدولة من التشارك في تدبير المملكة، ومزقا أموال فخر الدولة وبذراها غاية التبذير، ثم نجم قابوس واستولى على جرجان وضام جيوش خراسان. فدعت الضرورة إلى تجهيز جيش إليه وأن يخرج معه أحد الوزيرين، فتقارعا على من يخرج منهما، فوقعت القرعة على الجليل أبي علي الحسن بن أحمد بن حمولة، فخرج ومعه العساكر الحميلة، ووقعت بينه وبين قابوس وقائع استنفدت الأموال التي صحبته واحتاج إلى الإمداد من الري، فتقاعد به أبو العباس الضبي فرجع إلى الري مفلولا، وأقاما على أمرهما من الاشتراك مدة، ثم سعت بينهما السعاة وقالوا: فساد الأمر إنما هو من اشتراكهما واختلاف آرائهما، والرأي أن يعزل أحدهما ويبقى الآخر. وكان ابن حمولة شديد الثقة بنفسه معتقدا أن العساكر لا تختار غيره ولا تريد سواه، فكان متغافلا، حتى دبر أبو العباس الضبى عليه، وقبض عليه بأمر السيدة، وحمله إلى قلعة استوناوند، ثم أنفذ إليه من قتله. واستبد أبو العباس بالأمر وجرت له خطوب عجز في أمرها، ومات قرابة للسيدة فاتهم أنه سقاه السم، فهرب حتى لحق بروجرد في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ملتجئا إلى بدر بن حسنويه، فلم يزل عنده إلى أن مات في بروجرد في سنة سبع وتسعين أو ثمان وتسعين، وتبعه ابنه أبو القاسم سعد لاحقا به، وكانت المدة قريبة بينهما. وقيل: إن أبا بكر ابن رافع واطأ أحد غلمانه فسقاه سما كان فيه حتفه، ونهض أبو بكر من همذان إلى بروجرد لاحتمال تركته، فذكر أنه حصل له ما زاد على ستمائة ألف دينار.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 175