القاضي التنوخي أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان، أبو جعفر التنوخي: عالم بالأدب والسير، له اشتغال بالتفسير والحديث، وله شعر. وهو من كبار القضاة. ولد بالأنبار، وولى قضاء مدينة المنصور عشرين سنة (296 - 316 هـ) ومات ببغداد. له كتاب في ’’النحو’’ على مذهب الكوفيين، و (التناسخ والمنسوخ) و (أدب القاضي’’ لم يتمه.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 95
أحمد بن إسحاق، القاضي التنوخي أحمد بن إسحاق بن بهلول، أبو جعفر التنوخي.
قال الخطيب: كان ثبتا في الحديث، ثقة، مأمونا، جيد الضبط لما حدث به. وكان متفننا في علوم شتى، منها الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وربما خالفهم في مسائل يسيرة.
له’’ الناسخ والمنسوخ’’وكتاب’’الدعاء’’ وكتاب’’ادب القاضي’’ولم يتمه، وله كتاب في النحو على مذهب الكوفيين.
وله حكاية مطولة مع ابن جرير.
توفي سنة عشر وثلاثمائة، في ربيع الأول.
دار القلم - دمشق-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 110
القاضي ابن البهلول الحنفي أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو جعفر التنوخي الأنباري الأصل، ولي القضاء بمدينة المنصور عشرين سنة ومات سنة ثماني عشرة وثلاث مائة. قال أبو بكر الخطيب: حدث حديثا كثيرا وروى عنه الدارقطني وأبو حفص بن شاهين والمخلص وجماعة وكان ثقة، انتهى. وكان مفننا في علوم شتى منها الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه وربما خالفهم في مسيئلات وكان تام العلم باللغة حسن القيام بالنحو على مذهب الكوفيين حفظة للشعر القديم والحديث والأخبار الطوال والسير والتفسير شاعرا خطيبا حسن الخطابة لسنا صالح الخط في الترسل والبلاغة ورعا متثبتا في الحكم. تقلد القضاء بالأنبار وهيت وطريق الفرات من قبل الموفق ثم تقلد للمعتضد بعض كور الجبل ولم يخرج إليها ثم قلده المقتدر بعد فتنة المعتز القضاء بمدينة المنصور، وولي أبو الحسين الأشناني قضاء المدينة بحيلة منه عوضا عن أبي جعفر المذكور وصرف في اليوم الثالث وأعيد العمل إلى أبي جعفر فامتنع من قبوله ورفع يده عن النظر في جميع ما كان إليه وقال: أحب أن يكون بين الصرف والقبر فرجة ولا أنزل من القلنسوة إلى الحفرة، وقال:
تركت القضاء لأهل القضا | وأقبلت أسمو إلى الآخره |
فإن يك فخرا جليل الثنا | فقد نلت منه يدا فاخره |
وإن كان وزرا فأبعد به | فلا خير في إمرة وازره |
قل لهذا الوزير قول محق | بثه النصح أيما إبثاث |
قد تقلدتها ثلاثا ثلاثا | وطلاق البتات عند الثلاث |
وحرقة أورثتها فرقة دنفا | حيران لا يهتدي إلا إلى الحزن |
في جسمه شغل عن قلبه وله | في قلبه شغل عن سائر البدن |
فإن تنسني الأيام كنية صاحب | كريم فلم أنس الإخاء ولا الودا |
ولكن رأيت الدهر ينسيك ما مضى | إذا أنت لم تحدث إخاء ولا عهدا |
إلى كم تخدم الدنيا | وقد جزت الثمانينا |
لئن لم تك مجنونا | فقد فقت المجانينا |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0
ابن البهلول أحمد بن إسحق
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0
أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو جعفر التنوخي: أنباري الأصل، ولي القضاء بمدينة المنصور عشرين سنة، ومات لأحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ومولده بالأنبار سنة إحدى وثلاثين ومائتين عن ثمان وثمانين سنة.
قال أبو بكر الخطيب: وحدث حديثا كثيرا، وكان عنده عن أبي كريب محمد بن العلاء حديث واحد، وروى عنه الدارقطني وأبو حفص ابن شاهين والمخلص وجماعة، وكان ثقة. قال: وذكر طلحة بن محمد بن جعفر في تسمية قضاة بغداد أحمد بن إسحاق بن البهلول وقال: عظيم القدر، واسع الأدب، تام المروءة، حسن الفصاحة، حسن المعرفة بمذهب أهل العراق، ولكن غلب عليه الأدب. وكان لأبيه إسحاق مسند كبير حسن، وكان ثقة، وحمل الناس عن جماعة من أهل هذا البيت منهم البهلول بن حسان ثم ابنه إسحاق ثم أولاد إسحاق. ولم يزل أحمد بن إسحاق على قضاء المدينة من سنة ست وتسعين ومائتين إلى شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وثلاثمائة، ثم صرف؛ وكان ثبتا في الحديث ثقة مأمونا جيد الضبط لما حدث به، وكان متفننا في علوم شتى منها الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وربما خالفهم في مسيلات يسيرة. وكان تام العلم باللغة حسن القيام بالنحو على مذهب الكوفيين، وله فيه كتاب ألفه، وكان تام الحفظ للشعر القديم والمحدث والأخبار الطوال والسير والتفسير، وكان شاعرا كثير الشعر جدا، خطيبا حسن الخطابة والتفوه بالكلام لسنا، صالح الحظ في الترسل والمكاتبة، والبلاغة في المخاطبة، وكان ورعا متخشنا في الحكم، تقلد القضاء بالأنبار وهيت وطريق الفرات من قبل الموفق بالله الناصر لدين الله في سنة ست وسبعين ومائتين، ثم تقلده للناصر دفعة أخرى، ثم تقلده للمعتضد، ثم تقلد بعض كور الجبل للمكتفي في سنة اثنتين وتسعين ولم يخرج إليها، ثم قلده المقتدر بالله في سنة ست وتسعين بعد فتنة ابن المعتز القضاء بمدينة المنصور من مدينة السلام وطسوجي قطر بل ومسكن والأنبار وهيت وطريق الفرات، ثم أضاف له إلى ذلك بعد سنين القضاء بكور الأهواز مجموعة لما مات قاضيها إذ ذاك محمد بن خلف المعروف بوكيع، فما زال على هذه الأعمال إلى أن صرف عنها في سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
وحدث أبو نصر يوسف بن عمر ابن القاضي أبي عمر محمد بن يوسف قال: كنت أحضر دار المقتدر بالله وأنا غلام حدث، بالسواد، مع أبي الحسين، وهو يومئذ قاضي القضاة، فكنت أرى في بعض المواكب القاضي أبا جعفر يحضر بالسواد، فإذا رآه أبي عدل إلى موضعه فجلس عنده، فيتذاكران الشعر والأدب والعلم حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كثير كما يجتمع على القصاص استحسانا لما يجري بينهما، فسمعته يوما وقد أنشد بيتا لا أذكره الآن، فقال له أبي: أيها القاضي إني أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية، فصاح عليه صيحة عظيمة وقال: اسكت، ألي تقول هذا؟ أنا أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك وأضعافه وأضعفاه، يكررها مرارا؛ وفي رواية ابن عبد الرحيم عن التنوخي قال، قال له: هات ألي تقول هذا وأنا أحفظ من شعري نيفا وعشرين ألف بيت سوى ما أحفظه للناس؟ قال: فاستحيى أبي منه لسنه ومحله وسكت.
قال: وحدثني القاضي أبو طالب محمد ابن القاضي أبي جعفر بن البهلول قال: كنت مع أبي في جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، وإلى جانبه في الحق جالس أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسليه وينشده أشعارا ويروي له أخبارا، فداخله الطبري في ذلك ودأب معه، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب والعلم استحسنها الحاضرون وعجبوا منها، وتعالى النهار وافترقنا، فلما جعلت أسير خلفه قال: يا بني هذا الشيخ الذي داخلنا اليوم في المذاكرة من هو أتعرفه؟ فقلت: يا سيدي كأنك لم تعرفه؟ فقال: لا، فقلت: هذا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فقال: إنا لله ما أحسنت عشرتي يا بني، فقلت: كيف يا سيدي؟ فقال: ألا قلت لي في الحال فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع في صنوف من العلم وما ذاكرته بحسبها. قال: ومضت على هذا مدة فحضرنا في حق آخر، وجلسنا وإذا بالطبري يدخل إلى الحق، فقلت له قليلا قليلا: أيها القاضي هذا أبو جعفر الطبري قد جاء مقبلا، قال: فأومأ إليه بالجلوس عنده، فعدل إليه، فأوسعت له حتى جلس إلى جنبه، وأخذ أبي يجاريه، فكلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبري منها أبياتا، قال أبي: هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها، فيتلعثم الطبري فينشدها أبي إلى آخرها، وكلما ذكر شيئا من السير قال أبي: كان هذا في قصة فلان ويوم بني فلان مر يا أبا جعفر، فربما مر وربما تلعثم، فيمر أبي في جميعه حتى يسبقه، قال: فما سكت أبي يومه ذاك إلى الظهر، وبان للحاضرين تقصير الطبري، ثم قمنا فقال لي أبي: الآن شفيت صدري.
ولأبي جعفر هذا كتاب في النحو على مذهب الكوفيين.
حدث أبو علي التنوخي حدثني أبو الحسين علي بن هشام بن عبد الله المعروف بابن أبي قيراط كاتب ابن الفرات وأبو محمد عبد الله بن علي دلويه كاتب نصر القشوري وأبو الطيب محمد بن أحمد الكلوذاني كاتب ابن الفرات قالوا: كنا مع أبي الحسن ابن الفرات في دار المقتدر في وزارته الثالثة في يوم الخميس لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة من سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وقد استحضر ابن قليجة رسول علي بن عيسى إلى القرامطة في وزارته الأولى، فواجه علي بن عيسى في المجلس بحضرتنا بأنه وجهه إلى القرامطة مبتدئا، فكاتبوه يلتمسون منه المساحي والطلق وعدة حوائج، فأنفذ جميع ذلك إليهم، وأحضر ابن الفرات معه خطه (أي ابن عيسى) في نسخة أنشأها ابن ثوابة إلى القرامطة جوابا عن كتابهم إليه، وقد أصلح علي بن عيسى فيها بخطه، ولم يقل إنكم خارجون عن ملة الإسلام بعصيانكم أمير المؤمنين، ومخالفتكم إجماع المسلمين، وشقكم العصا، ولكنكم خارجون عن جملة أهل الرشاد والسداد، وداخلون في جملة أهل العناد والفساد، فهجن ابن الفرات عليا بذلك وقال: ويحك تقول القرامطة مسلمون والإجماع قد وقع على أنهم أهل ردة لا يصلون ولا يصومون، وتوجه إليهم بالطلق وهو الذي إذا طلي به البدن أو غيره لم تعمل فيه النار، قال: أردت بهذا المصلحة واستعادتهم إلى الطاعة بالرفق وبغير حرب، فقال ابن الفرات لأبي عمر القاضي: ما عندك في هذا يا أبا عمر؟ اكتب به، فأفحم وجعل مكان ذلك أن أقبل على علي بن عيسى فقال: يا هذا لقد أقررت بما لو أقر به إمام لما وسع الناس طاعته، قال: فرأيت علي بن عيسى وقد حدق إليه تحديقا شديدا لعلمه بأن المقتدر في موضع يقرب منه بحيث يسمع الكلام ولا يراه الحاضرون، فاجتهد ابن الفرات بأبي عمر أن يكتب بخطه شيئا فلم يفعل، وقال: قد غلط غلطا وما عندي غير ذلك، فأخذ خطه بالشهادة عليه بأن هذا كتابه. ثم أقبل على أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي فقال: ما عندك يا أبا جعفر في هذا؟ فقال: إن أذن الوزير أن أقول ما عندي فيه على شرح قلته، قال: افعل، قال: صح عندي أن هذا الرجل- وأومأ إلى علي بن عيسى- افتدى بكتابين كتبهما إلى القرامطة في وزارته الأولى ابتداء وجوابا ثلاثة آلاف رجل من المسلمين كانوا مستعبدين وهم أهل نعم وأموال، فرجعوا إلى أوطانهم ونعمهم، فإذا فعل الإنسان مثل هذا الكتاب على جهة طلب الصلح والمغالطة للعدو لم يجب عليه شيء، قال: فما عندك فيما أقر به أن القرامطة مسلمون؟ قال: إذا لم يصح عنده كفرهم وكاتبوه بالتسمية لله ثم الصلاة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وانتسبوا إلى أنهم مسلمون وإنما ينازعون في الإمامة فقط لم يطلق عليهم الكفر، قال: فما عندك في الطلق ينفذ إلى أعداء الإمام فإذا طلي به البدن أو غيره لم تعمل فيه النار، وصاح بها كالمنكر على أبي جعفر، فأخبرني؛ فأقبل ابن البهلول على علي بن عيسى فقال له: أنفذت الطلق الذي هذه صفته إلى القرامطة؟ فقال علي بن عيسى: لا، فقال ابن الفرات: هذا رسولك وثقتك ابن قليجة قد أقر عليك بذلك، فلحق علي بن عيسى دهشة فلم يتكلم، فقال ابن الفرات لأبي جعفر ابن البهلول: احفظ إقراره بأن ابن قليجة ثقته ورسوله وقد أقر عليه بذلك، فقال: أيها الوزير لا يسمى هذا مقرا، هذا مدع وعليه البينة، فقال ابن الفرات: فهو ثقته بإنفاذه إياه، قال: إنما وثقه في حمل كتاب فلا يقبل قوله عليه في غيره، فقال ابن الفرات: يا أبا جعفر أنت وكيله ومحتج عنه لست إلا حاكما، فقال: لا ولكني أقول الحق في هذا الرجل كما قلته في حق الوزير- أيده الله- لما أراد حامد بن العباس في وزارته ومن ضامه الحيلة على الوزير- أعزه الله- بما هو أعظم من هذا الباب، فإن كنت لم أصب حينئذ فلست مصيبا في هذا الوقت. فسكت ابن الفرات والتفت إلى علي بن عيسى وقال: أقرمطي؟ فقال له علي بن عيسى: أيها الوزير، أنا قرمطي، أنا قرمطي!! يعرض به، (وذكر قصة طويلة ليست من خبر ابن البهلول في شيء) .
وحدث أبو الحسن علي بن هشام بن أبي قيراط قال: دخلت مع أبي إلى أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول عقيب عيد لنهنئه به، وتطاول الحديث، فقال له أبي: قد كنت أكاتب الوزير- أيده الله- إلى محبسه، يعني ابن الفرات لأنه هو كان الوزير إذ ذاك الوزارة الثالثة، وأعرفه ما عليه القاضي من موالاته في كذا وكذا، والآن هو على شكر القاضي والاعتداد به، قال: فلما سمع ذلك فرق الغلمان ومن كان في مجلسه من أصحابه حتى خلا وقال: ليس يخفى علي التغير في عين الوزير، وإن كان لم ينقصني من رتبة ولا عمل، وبالله أحلف لقد لقيت حامد بن العباس بالمدائن لما جيء به للوزارة فقام لي في حراقته قائما، وقال لي: هذا الأمر لك ولولدك، وسيبين لك ما أفعله في زيادتك من الأعمال والأرزاق، ثم لقيته يوم الخلع عليه بعد لبسه إياها فتطاول لي، فلما فعلت به في أمر الوزير أيده الله ما فعلته بحضرة أمير المؤمنين عاداني وصار لا يعير لي طرفه، وتعرضت منه لكل بلية، فكنت خائفا له حتى أراح الله منه بتفرد علي بن عيسى بالأمور، واشتغاله هو بالضمان، وسقوط حاجتنا إلى لقائه؛ وما لي إلى هذا الوزير أيده الله ذنب يوجب انقباضه إلا أني أديت الوديعة التي كانت له عندي، وبالله لقد وريت عن ذكرها جهدي، ودافعت بما يدافع به مثلي ممن لا يمكنه الكذب، فلما جاء ابن حماد كاتب موسى بن خلف أقر بها وأحضر الدليل باحضار المرأة التي حملتها لم أجد بدا عن أدائها، وقد فعل مثلي أبو عمر في الوديعة التي كانت له عنده، إلا أن أبا عمر فعل ما قد علمته من حيلة بشراء فص بنصف درهم نقش عليه علي بن محمد، ووضع مالا من عنده في أكياس ختمها به، وقال للوزير: وديعتك عندي بحالها، وإنما غرمت ما أديت عنك من مالي، وأراد التقرب إليه ففعل هذا، وأنت تعلم فرق ما بيني وبين أبي عمر في كثرة المال فأريد أن تسل سخيمته، وتستصلح لي نيته، وتذكره بحقي القديم عليه، ومقامي له بين يدي الخليفة إذ ذاك، وأن مثل ذلك لا ينسى بتجن لا يلزم. فقال له أبي: أنا أفعل ولا أقصر، وقد اختلفت الأخبار علينا فيما جرى ذلك اليوم، فإن رأى القاضي- أعزه الله- أن يشرحه لي فعل، فقال أبو جعفر: كنت أنا وأبو عمر وعلي بن عيسى وحامد بن العباس بحضرة الخليفة مع جماعة من خواصه، وكلهم منحرف عن الوزير- أيده الله- ومحب لمكروهه، إذ أحضر حامد الرجل الجندي الذي ادعى أنه وجده راجعا من أردبيل إلى قزوين ثم إلى أصبهان ثم إلى البصرة، وأنه أقر له عفوا أنه رسول ابن الفرات إلى ابن أبي الساج في عقد الامامة لرجل من الطالبيين المقيمين بطبرستان ليقويه ابن أبي الساج ويسيره إلى بغداد ويعاونه ابن الفرات بها، وأنه مخبر أنه تردد في ذلك دفعات، ويخاطبه بحضرة الخليفة في أن يصدق عما عنده في ذلك، فذكر الرجل مثل ما أخبر به عنه حامد، ووصف أن موسى بن خلف كان يتخبر لابن الفرات لأنه من الدعاة الذين يدعون إلى الطالبيين، وأنه كان يمضي في وقت من الأوقات الى ابن أبي الساج في شيء من هذا، فلما استتم الخليفة سماع هذا الكلام اغتاظ غيظا شديدا، وأقبل على أبي عمر وقال: ما عندك فيمن فعله هذا؟ فقال: لئن كان فعل ذلك لقد أتى أمرا فظيعا، وأقدم على أمر يضر بالمسلمين جميعا واستحق كذا- كلمة عظيمة لا أحفظها- قال أبو جعفر: وتبينت في علي بن عيسى كراهية لما جرى، والانكار للدعوى، والطنز بما قيل فيها، فقويت بذلك نفسي، وأقبل الخليفة علي فقال: ما عندك يا أحمد في من فعل هذا؟ فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني، فقال: ولم؟ فقلت: لأن الجواب ربما أغضبت به من أنا محتاج إلى رضاه أو خالف ما يوافقه من ذلك ويهواه ويضربي، فقال: لا بد أن تجيب، فقلت: الجواب ما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} ومثل هذا يا أمير المؤمنين لا يقبل فيه خبر واحد والتمييز يمنع من قبول مثل هذا على ابن الفرات، أتراه يظن به أنه رضي أن يكون تابعا لابن أبي الساج، ولعله ما كان يرضى وهو وزير أن يستحجبه، ثم أقبلت على الرجل فقلت له: صف لي أردبيل، عليها سور أم لا؟ فإنك على ما تدعيه من دخولها لا بد أن تكون عارفا بها، واذكر لنا صفة باب دار الإمارة: هل هو حديد أم خشب؟ فتلجلج فقلت له: كاتب ابن أبي الساج- ابن محمود- ما اسمه ما كنيته؟ فلم يعرف ذلك، فقلت له: فأين الكتب التي معك؟ فقال: لما أحسست بأني قد وقعت في أيديهم رميت بها خوفا من أن توجد معي فأعاقب، قال: فأقبلت على الخليفة وقلت: يا أمير المؤمنين هذا جاهل متكسب مدسوس من قبل عدو غير محصل، فقال علي بن عيسى مؤيدا لي: قد قلت هذا للوزير فلم يقبل قولي، وليس يهدد هذا فضلا عن أن ينزل به مكروه إلا أقر بالصورة، فأقبل الخليفة على نذير الحرمي وعدل عن أن يأمر نصرا الحاجب بذلك لما يعرفه بينه وبين ابن الفرات: بحقنا عليك لما ضربته مائة مقرعة أشد الضرب إلى أن يصدق عن الصورة، فعدي بالرجل عن حضرة الخليفة ليبعد ويضرب، فقال: لا إلا هاهنا، فضرب بالقرب منه دون العشرة، فصاح: غررت وضمنت لي الضمانات وكذبت، والله ما دخلت أردبيل قط. فطلب نزار بن محمد الضبي أبو معد، وكان صاحب الشرطة وقد انصرف، فقال الخليفة لعلي بن عيسى: وقع إليه بأن يضرب هذا مائة سوط، ويثقله بالحديد، ويحبس في المطبق، فوالله لقد رأيت حامدا وقد كاد يسقط انخزالا وانكسارا ووجدا واشفاقا، وخرجنا وجلسنا في دار نصر الحاجب، وانصرف حامد، وأخذ علي بن عيسى ينظر في الحوائج، وأخر أمر الرجل، فقال له حاجبه ابن عبدوس: قد وجه نذير بالمضروب المتكذب، فقلت له: إنه وإن كان قد جهل فقد غمني ما لحقه خوفا من أن أكون سببه، فإن أمكنك أن تسقط عنه المكروه أو بعضه أجرت، فقال: ما في هذا لعنه الله أجر، ولكن أقتصر على خمسين مقرعة وأعفيه من السياط، ثم وقع بذلك الى نزار وانصرفنا. فصار حامد من أعدى الناس لي.
وقال ابن عبد الرحيم حدثني القاضي أبو القاسم التنوخي، وله بأمره الخبرة التامة لما يجمعهما من النسب في الصناعة قال: كان أبو جعفر من جلة الناس وعظمائهم وعلمائهم، وتقلد قضاء الأنبار وهيت والرحبة وسقي الفرات في أيام المعتمد بعد كتبة الموفق أبي أحمد سنة سبعين ومائتين وأقام يليها إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة، وأضيف له إليها الأهواز وكورها السبع وخلفه عليها جدي أبو القاسم علي بن محمد التنوخي في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وقلده ماه الكوفة وماه البصرة مضافات إلى ما تقدم ذكره، ثم رد عليه مدينة المنصور وطسوج مسكن وقطر بل بعد فتنة ابن المعتز في سنة ست وتسعين ومائتين، ولم يزل على هذه الولايات إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة، وأسن وضعف، فتوصل أبو الحسين الأشناني إلى أن ولي قضاء المدينة، فكانت له أحاديث قبيحة، وقيل إن الناس سلموا عليه بالقبا إيماء الى البغاء، وكان اليه الحسبة ببغداد، فصرف في اليوم الثالث وأعيد العمل إلى أبي جعفر فامتنع من قبوله، ورفع يده عن النظر في جميع ما كان إليه وقال: أحب أن يكون بين الصرف والقبر فرجة، ولا أنزل من القلنسوة إلى الحفرة، وقال في ذلك:
تركت القضاء لأهل القضاء | وأقبلت أسمو إلى الآخره |
فإن يك فخرا جليل الثناء | فقد نلت منه يدا فاخره |
وان كان وزرا فأبعد به | فلا خير في إمرة وازره |
يقولون همت بنت لقمان مرة | بسوء وقالت يا أبي ما الذي يخفى |
فقال لها ما لا يكون فأمسكت | عليه ولم تمدد لمنكرة كفا |
وما كل مستور تغلق دونه | مصاريع أبواب ولو بلغت الفا |
بمستتر والصائن العرض سالم | وربتما لم يعدم الذم والقرفا |
على أن أثواب البريء نقية | ولا يلبث الزور المفكك أن يطفا |
رأيت العيب يلصق بالمعالي | لصوق الحبر في يقق الثياب |
ويخفى في الدنيء فلا تراه | كما يخفى السواد على الإهاب |
قل لهذا الوزير قول محق | بثه النصح أيما إبثاث |
قد تقلدتها ثلاثا ثلاثا | وطلاق البتات عند الثلاث |
أقبلت الدنيا وقد ولى العمر | فما أذوق العيش إلا كالصبر |
لله أيام الصبا لو تفتكر | لاقت لدينا لو تؤوب ما يسر |
ويجزع من تسليمنا فيردنا | مخافة أن نبغي نداه فيبخلا |
وما ضره ان يجتبينا ببشره | فنقنع بالبشر الجميل ونرحلا |
وحرقة أورثتها فرقة دنفا | حيران لا يهتدي إلا إلى الحزن |
في جسمه شغل عن قلبه وله | في قلبه شغل عن سائر البدن |
أبعد الثمانين أفنيتها | وخمسا وسادسها قد نما |
ترجي الحياة وتسعى لها | لقد كاد دينك أن يكلما |
إلى كم تخدم الدنيا | وقد جزت الثمانينا |
لئن لم تك مجنونا | لقد فقت المجانينا |
فإن تنسني الأيام كنية صاحب | كريم فلم أنس الإخاء ولا الودا |
ولكن رأيت الدهر ينسيك ما مضى | إذا أنت لم تحدث إخاء ولا عهدا |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 188
ابن البهلول الإمام العلامة المتفنن القاضي الكبير، أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي، الأنباري، الفقيه، الحنفي.
ولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
وسمع: أبا كريب، ومحمد بن زنبور المكي، ويعقوب الدورقي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن المثنى، وأبا سعيد الأشج، وأباه إسحاق بن بهلول الحافظ، وعدة.
حدث عنه: محمد بن إسماعيل الوراق، وأبو حفص بن شاهين، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو طاهر المخلص، وآخرون.
وكان من رجال الكمال، إماما، ثقة، عظيم الخطر، واسع الأدب، تام المروءة، بارعا في العربية. ولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة، وعزل قبل موته بعام. وكان له مصنف في نحو الكوفيين، وكان أديبا، بليغا، مفوها شاعرا.
قال ابن الأنباري: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى منه.
مات في سنة ثمان عشرة وثلاث مائة.
وكان أبوه من كبار الحفاظ، لقي ابن عيينة وطبقته، وهم من بيت العلم والجلالة.
وكان أخوه؛ بهلول بن إسحاق ثقة، مسندا، يروي عن سعيد بن منصور، وطبقته.
قال أبو بكر الخطيب: كان عند أبي جعفر حديث واحد عن أبي كريب، وكان ثقة.
وقال طلحة بن محمد: كان عظيم القدر، واسع الأدب، تام المروءة، حسن الفصاحة والمعرفة بمذهب أهل العراق، ولكنه غلب عليه الأدب، وكان لأبيه ’’مسند’’ كبير. إلى أن قال: وكان داود بن الهيثم بن إسحاق أسن من عمه أحمد، دام أحمد على قضاء المدينة من سنة ست وتسعين ومائتين، وكان ثقة، ثبتا، جيد الضبط، متفننا في علوم شتى، منها الفقه لأبي حنيفة، وربما خالفه، وكان تام اللغة، حسن القيام بنحو الكوفيين، صنف فيه، وكان واسع الحفظ للأخبار والسير والتفسير والشعر، وكان خطيبا مفوها، شاعرا لسنا، ذا حظ من الترسل والبلاغة، ورعا متخشنا في الحكم، وقد ولي قضاء هيت والأنبار في سنة ست وسبعين، ثم قضاء بعض الجبل.
قال القاضي أبو نصر يوسف بن عمر: كنت أحضر دار المقتدر مع أبي وهو ينوب عن والده أبي عمر القاضي، فكنت أرى أبا جعفر القاضي يأتيه أبي فيجلس عنده، فيتذاكران حتى يجتمع عليهما عدد من الخدم، فسمعت أبا جعفر يقول: أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك.
وقال القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبي جعفر: كنت مع أبي في جنازة، وإلى جانبه أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسليه، فداخله الطبري في ذلك، وذنب معه، ثم اتسع الأمر بينهما، وخرجا إلى فنون أعجبت من حضر، وتعالى النهار، فلما قمنا، قال لي: يا بني! من هذا الشيخ؟ قلت: هذا محمد بن جرير الطبري. فقال: إنا لله! ما أحسنت عشرتي، إلا قلت لي. فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة؟ هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع. فمضت مدة ثم حضرنا في حق رجل آخر، وجلسنا، وجاء الطبري، فجلس إلى جانب أبي، وتجاريا فكلما جاء إلى قصيدة، ذكر الطبري بعضها، وينشدها أبي، وكلما ذكر شيئا من السير، فكذلك، فربما تلعثم وأبي يمر في جميعه، فما سكت إلى الظهر.
أرخ موته: ابن قانع، ويوسف القواس، كما مر.
وقيل: مات سنة سبع عشرة، وهو وهم.
الطرميسي وابن صاعد:
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 11- ص: 304
أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان، أبو جعفر، التنوخي، الأنباري الأصل ولي قضاء مدينة المنصور نحو عشرين سنة، وحدث حديثا كثيرا.
وسمع أباه إسحاق بن البهلول، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وأبا سعيد الأشج، وسعيد بن يحيى الأموي، وغيرهم.
وروى عنه أبو الحسن الجراحي، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وأبو الحسن الدارقطني، وجماعة سواهم.
وكان ثقة.
قال طلحة بن محمد، في تسمية قضاة بغداد: وأحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان ابن سنان التنوخي، من أهل الأنبار، عظيم القدر، واسع الأدب، تام المروءة، حسن الفصاحة، حسن المعرفة بمذهب أهل العراق، ولكنه غلب عليه الأدب.
وكان لأبيه إسحاق ’’ مسند ’’ كثير حسن، وكان ثقة، وحمل الناس عن جماعة من أهل هذا البيت، منهم البهلول بن حسان، ثم ابنه إسحاق، ثم أولاد إسحاق.
حدث منهم بهلول بن إسحاق، وحدث القاضي أحمد بن إسحاق، وابنه محمد، وحدث ابن أخي القاضي داود بن الهيثم بن إسحاق، وكان أسن من عمه القاضي، وأبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق الأزرق، وكان من جملة الكتاب.
ولم يزل أحمد بن إسحاق بن البهلول على قضاء المدينة، من سنة ست وتسعين ومائتين، إلى شهر ربيع الآخر، سنة ست عشرة، ثم صرف. انتهى.
قال الخطيب: وكان ثبتا في الحديث، ثقة، مأمونا، جيد الضبط لما حدث به.
وكان متفننا في علوم شتى؛ منها: الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وربما خالفهم في مسئلات يسيرة.
وكان تام العلم باللغة، حسن القيام بالنحو على مذهب الكوفيين، وله في كتاب ألفه.
وكان واسع الحفظ للشعر القديم والمحدث، والأخبار الطوال والسير، والتفسير.
وكان شاعرا، كثير الشعر جدا، خطيبا، حسن الخطابة والتفوه بالكلام، لسنا، صالح الحظ من الترسل في الكتابة، والبلاغة في المخاطبة.
وكان ورعا، متخشعا في الحكم.
وتقلد القضاء بالأنبار، وهيت وطريق الفرات، من قبل الموفق بالله الناصر لدين الله، في سنة ست وسبعين ومائتين، ثم تقلده للناصر دفعة أخرى، ثم تقلده للمعتضد، ثم تقلد بعض كور الجبل للمكتفي، في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولم يخرج إليها.
ثم قلده المقتدر بالله، في سنة ست وتسعين، بعد فتنة ابن المعتز، القضاء بمدينة المنصور، مدينة السلام، وطسوجى قطربل، ومسكن، وأنبار، وهيت، وطريق الفرات.
ثم أضاف له إلى ذلك بعد سنتين القضاء بكور الأهواز مجموعة، لما مات قاضيها إذ ذاك محمد بن خلف، المعروف بوكيع، فما زال على هذه الأعمال، إلى أن صرف عنها، في سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
وروى ’’ سبط ’’ ابن الجوزي في ’’ مرآة الزمان ’’ بسنده عن أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي جعفر بن البهلول، قال: طلبت السيدة أم المقتدر من جدي كتاب وقف بضيعة كانت ابتاعتها، وكان الكتاب في ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتحرقه، وتتملك الوقف، ولم يعلم أحد بذلك، فحمله على الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب، فأين ترسم؟ فقالوا: نريد أن يكون عندنا.
فأحس بالأمر، فقال لأم موسى القهرمانة: تقولين لأم المقتدر السيدة، اتقي الله، هذا والله ما لا سبيل إليه أبدا، أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم؛ فإن مكنتموني من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفوني، وتسلموا الديوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأما أن يفعل شيء من هذا على يدي فوالله لا كان ذلك أبدا، ولو عرضت علي السيف.
ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيارة، وهو لا يشك في الصرف، فصعد إلى ابن الفرات، وحدثه بالحديث، فقال: ألا دافعت عن الجواب، وعرفتني حتى أكتب، وأملي في ذلك، والآن، أنت مصروف، فلا حيلة لي مع السيدة في أمرك.
قال: وأدت القهرمانة الرسالة إلى السيدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاها في ذلك، فكشف له الصورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء.
فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قلد القضاء، أقم على ما أنت عليه، بارك الله فيك، ولا تخف أن ينثلم محلك عندنا.
قال: فلما عاودت السيدة، قال لها المقتدر: الأحكام ما لا طريق إلى اللعب بها، وابن البهلول مأمون علينا، محب لدولتنا، ولو كان هذا شيئا يجوز لما منعك إياه.
فقال السيدة: كأن هذا لا يجوز!.
فقيل لها: لا، هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه. وأعلمها كاتبها ابن عبد الحميد شرح الأمر، وأن الشراء لا يصح بتمزيق الكتاب، وأن هذا لا يحل، فارتجعت المال وفسخت الشراء وعادت تشكر جدي، وانقلب ذلك أمرا جميلا عندهم، فقال جدي بعد ذلك: من قدم أمر الله على أمر المخلوق كفاه الله شرهم.
وحدث القاضي أبو نصر يوسف بن عمر القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، قال: كنت أحضر دار المقتدر، وأنا غلام حدث بالسواد، مع أبي أبى الحسين، وهو يومئذ يخلف أباه أبا عمر، وكنت أرى في بعض المواكب أبا جعفر القاضي يحضر بالسواد، فإذا رآه أبي عدل إلى موضعه، فجلس عنده، فيتذاكران بالشعر والأدب والعلم، حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كبير، كما يجتمع على القصاص، استحسانا لما يجري بينهما؛ فسمعته يوما قد أنشد بيتا، لا أذكره الآن، فقال له أبي: أيها القاضي، إني أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية.
فصاح عليه أبو جعفر صيحة عظيمة، وقال، اسكت ألي تقول هذا، وأنا أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك وأضعافها. يكررها مرارا.
وحدث القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبى جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبي في جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، وإلى جانبه جالس أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة، ويسليه، وينشده أشعارا، ويروي له أخبارا، فداخله الطبري في ذلك، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب، والعلم، استحسنها الحاضرون، وعجبوا منها، وتعالى النهار، وافترقنا.
فلما جعلت أسير خلفه، قال لي أبي: يا بني، هذا السيخ الذي داخلنا اليوم في المذاكرة من هو، أتعرفه؟ فقلت: يا سيدي، كأنك لم تعرفه! فقال: لا.
فقلت: هذا ابو جعفر محمد بن جرير الطبري.
فقال: إنا لله، ما أحسنت عشرتي يا بني.
فقلت: كيف يا سيدي؟.
قال: ألا قلت لي في الحال، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ، والاتساع في صنوف العلوم، وما ذاكرته بحسبها.
قال: ومضت على هذا مدة، فحصرنا في جنازة أخرى، وجلسنا، فإذا بالطبري قد أقبل، فقلت له قليلا قليلا: هذا أبو جعفر الطبري قد جاء مقبلا.
قال: فأوما إليه بالجلوس عنده، فأوسعت له حتى جلس إلى جنبه، وأخذ أبي يحادثه، فلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبري منها أبياتا، قال أبي: هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها.
فيتلعثم الطبري، فينشدها أبي إلى آخرها.
وكلما ذكر أشياء من السير، قال أبي: كان هذا في قصة فلان، ويوم بني فلان، مريا أبا جعفر فيه.
فربما مر، وربما تلعثم، فيمر أبي جميعه.
قال: فما سكت أبي يومه ذلك إلى الظهر، وبان للحاضرين تقصير الطبري عنه، ثم قمنا، فقال لي أبي: الآن شفيت صدري.
وعن أبي بكر ابن الأنباري، أنه كان يقول: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى من القاضي أبي جعفر ابن البهلول.
وكانت وفاته في شهر ربيع الآخر، من سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، بعد أن أريد إلى العود إلى منصب القضاء فامتنع، وقال: أحب أن يكون بين الصرف والقبر فرجة.
قيل له: فابذل شيئا، حتى يرد العمل إلى أبنك.
فقال: ما كنت لأتحملها حيا وميتا.
وقال في ذلك:
تركت القضاء لأهل القضاء | وأقبلت أسمو إلى الآخره |
فإن يك فخرا جليل الثناء | فقد نلت منه يدا فاخره |
وإن يك وزرا فأبعد به | فلا خير في إمرة وازره |
أبعد الثمانين أفنيتها | وخمسا وسادسها قد نما |
ترجي الحياة وتسعى لها | لقد كاد دنك أن يكلما |
إلى كم تخدم الدنيا | وقد جزت الثمانينا |
لئن لم تك مجنونا | لقد فقت المجانينا |
دار الرفاعي - الرياض-ط 0( 1983) , ج: 1- ص: 79
أحمد بن إسحاق بن بهلول.
قال مسلمة: روى عنه بعض أصحابنا، ووثقه.
وقال الخطيب: يكنى أبا جعفر، أنباري الأصل، ولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة، وحدث حديثاً كثيراً، وكان عنده عن أبي كريب محمد بن العلاء
حديث واحد، سمع أباه إسحاق بن بهلول، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وأبا سعيد الأشج وخلق.
روى عنه: الدارقطني، وابن شاهين، وأبو الحسن الجراحي، وجماعة سواهم، وكان ثقة.
وذكره يوسف القواس في جملة شيوخه الثقات. أخبرنا علي بن المحسن عن طلحة بن محمد بن جعفر في «تسمية قضاة بغداد» قال: وأحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان بن سنان التنوخي: من أهل الأنبار، عظيم القدر، واسع الأدب، تام المروءة، حسن الفصاحة، حسن المعرفة بمذهب أهل العراق، ولكنه غلب عليه الأدب، وكان لأبيه إسحاق «مسند» كبير حسن، وكان ثقة. وحمل الناس عن جماعة من أهل هذا البيت.
أخبرنا علي بن أبي علي المعدل، قال: قال أبي: أحمد بن إسحاق بن البهلول ولد بالأنبار في المحرم سنة (231هـ) ومات ببغداد سنة (317هـ) وكان ثبتاً في الحديث، ثقة مأموناً، جيد الضبط لما حدث به، وكان متفنناً في علوم شتى منها الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وذكر فضله في كل فن.
قال الخطيب: والصواب أنه مات سنة ثمان عشرة، وذكر ترجمته في ورقة وشيء.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 1- ص: 1
والقاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول التنوخي وكان علامة
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 109
أحمد بن إسحاق البهلول التنوخي الأنباري
إمام في اللغة والنحو. مات سنة 318
جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 5
دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 69