مأبور بموحدة خفيفة مضمومة، وواو ساكنة ثم راء مهملة، القبطي الخصي، قريب مارية.
يأتي في ترجمة مارية وصفه بأنه شيخ كبير، لأنه أخوها.
قلت: ولا ينافي ذلك نعته في الروايات بأنه قريبها أو نسيبها أو ابن عمها، لاحتمال أنه أخوها لأمها. والله أعلم.
وهو قريب مارية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قدم معها من مصر.
قال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: إن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: «اذهب فاضرب عنقه»، فأتاه علي رضي الله عنه فإذا هو في ركي يتبرد فيها، فقال له علي رضي الله عنه أخرج، فناوله يده، فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر. فكف عنه علي رضي الله عنه، ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله
إنه لمجبوب ما له ذكر.
أخرجه مسلم، ولم يسمه، وسماه أبو بكر بن أبي خيثمة، عن مصعب الزبيري: مأبورا، ولفظه: ثم ولدت مارية التي أهداها المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولده إبراهيم، وكان أهدى معها أختها سيرين وخصيا يقال له مأبور.
وقد جاء ذكره في عدة أخبار غير مسمى، منها ما أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر بسنده عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على القبطية أم ولده إبراهيم فوجد عندها نسيبا لها قدم معها من مصر، وكان كثيرا ما يدخل عليها، فوقع في نفسه شيء، فرجع فلقيه عمر رضي الله عنه فعرف ذلك في وجهه، فسأله فأخبره، فأخذ عمر رضي الله عنه السيف ثم دخل على مارية وقريبها عندها فأهوى إليه بالسيف، فلما رأى ذلك كشف عن نفسه، وكان مجبوبا ليس بين رجليه شيء، فلما رآه عمر رضي الله عنه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن جبرائيل أتاني فأخبرني أن الله تعالى قد برأها وقريبها، وأن في بطنها غلاما مني، وأنه أشبه الناس بي، وأنه أمرني أن أسميه إبراهيم، وكناني أبا إبراهيم.
وفي سنده ابن لهيعة وشك بعض روايته في شيخه.
وأخرج ابن عبد الحكم أيضا من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن الزهري، عن أنس لبعضه شاهدا بدون قصة الخصي، لكن قال في آخره: ويقال إن المقوقس كان بعث معها بخصي، فكان يأوي إليها، ثم وجدت الحديث في المعجم الكبير للطبراني من الوجه الذي أخرجه منه ابن أبي خيثمة، وفيه من الزيادة بعد قوله أم إبراهيم، وهي حامل بإبراهيم، فوجد عندها نسيبا لها كان قدم معها من مصر، فأسلم وحسن إسلامه، وكان يدخل على أم إبراهيم فرضي لمكانه منها أن يحب نفسه، فقطع ما بين رجليه حتى لم يبق له قليل ولا كثير... الحديث.
هذا لا ينافي ما تقدم أنه خصي أهداه المقوقس، لاحتمال أنه كان فاقد الخصيتين فقط مع بقاء الآلة، ثم لما جب ذكره صار ممسوحا.
ويجمع بين قصتي عمر وعلي رضي الله عنهما باحتمال أن يكون مضى عمر رضي الله عنه إليها سابقا عقب خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رآه مجبوبا اطمأن قلبه، وتشاغل بأمر ما. وأن يكون إرسال علي رضي الله عنه تراخى قليلا بعد رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكانه ولم يسمع بعد بقصة عمر رضي الله عنه، فلما جاء علي رضي الله عنه وجد الخصي قد خرج من عندها إلى النخل يتبرد في الماء، فوجده، ويكون إخبار عمر وعلي رضي الله عنهما معا أو أحدهما بعد الآخر، ثم نزل جبرائيل بما هو آكد من ذلك.
وأخرج ابن شاهين، من طريق سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أهديت مارية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عم لها... فذكر الحديث إلى أن قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا ليقتله فإذا هو ممسوح. وسليمان ضعيف، وسيأتي في ترجمة مارية شيء من أخبار هذا الخصي.
وقال الواقدي: حدثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: بعث المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمارية وأختها سيرين وبألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا لينا وبغلته الدلدل وحماره عفير ويقال يعفور، ومعهم خصي يقال له مأبور، ويقال هابور، بهاء بدل الميم وبغير راء في آخره... الحديث، وفيه: فأقام الخصي على دينه إلى أن أسلم بعد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 5- ص: 517