جحظة البرمكي أحمد بن جعفر بن موسى بن الوزير يحيى بن خالد بن برمك، أبو الحسن: نديم اديب مغن، من بقايا البرامكة، من أهل بغداد. كان في عينيه نتوء فلقبه ابن المعتز بجحظة فلزمه اللقب. وكان كثير الرواية للاخبار متصرفا في فنون من العلم كاللغة والنجوم، مليح الشعر، حاضر النادرة عارفا بالموسيقى، لم يكن احد يتقدمه في صناعة الغناء. نادم ابن المعتز والمعتمد العباسيين وصنف كتبا قليلة منها ’’المشاهدات’’ في الاخبار واللطائف و (ما صح مما جربه علماء النجوم) و (اخبار الطنبوريين’’ وله ديوان شعر واخباره كثيرة. ولادته في بغداد ووفاته في جبل (قرية من اعمال بغداد) ولابي الفرج الاصبهاني كتاب ’’اخبار جحظة البرمكي’’.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 107

جحظة البرمكي أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك هو أبو الحسن جحظة البرمكي النديم، لقيه ابن المعتز فقال له: ما حيوان إذا قلب صار آلة للبحرية؟ فقال: علق إذا عكس صار قلعا، فقال: أحسنت يا جحظة، فلزمه هذا اللقب، وكان في عينيه نتو جدا وكان قبيح المنظر، وكان المعتمد يلقبه خنياكر، وكان حسن الأدب كثير الرواية للأخبار متصرفا في فنون من النحو واللغة والنجوم مليح الشعر مقبول الألفاظ حاضر النادرة وكان طنبوريا فائقا، له من التصانيف: كتاب الطبيخ. كتاب ما جمعه مما جربه المنجمون فصح من الأحكام. كتاب الطنبوريين. فضائل السكباج. كتاب ما شهده من المعتمد. ديوان شعره. كتاب الترنم. كتاب المشاهدات. وكان جحظة وسخا قذرا دني النفس قليل الدين، قيل عنه كان لا يصوم شهر رمضان، قال أبو القاسم الحسين ابن علي البغداذي: كان جحظة عند أبي يوما في شهر رمضان فاحتبسه فلما كان نصف النهار سرق من الدار رغيفا ودخل المستراح وجلس على المقعدة يأكل واتفق أن دخل أبي فرآه فاستعظم ذلك وقال: ما هذا؟ قال أفت لبنات وردان ما يأكلون فقد رحمتهم من الجوع. وقال أبو الحسن أحمد بن يوسف التنوخي: حدثني أبو علي ابن الأعرابي الشاعر قال: كنت في دعوة جحظة فأكلت وجلسنا نشرب وهو يغني إذ دخل رجل فقدم إليه جحظة زلة كان زلها من طعامه ونحن نأكل وكان بخيلا على الطعام وكأن الرجل كان طاويا فأتى على الزلة ورفع الطيفورية فارغة وجحظة يزرقه ونحن نلمح جحظة ونضحك، فلما فرغ قال له جحظة: تلعب معي بالنرد، قال: نعم، فوضعاه بينهما ولعبا فتوالى الغلب على جحظة فأخرج جحظة رأسه من قبة الخيش ورفعه إلى السماء وقال كأنه يخاطب الله تعالى: وإني أستحق هذا لأني أشبعت من أجعته. وحدث جحظة في أماليه قال: كنت أشرب عند بعض إخواني في ناعورة ثابت الرصاصي في يوم مطر ومعنا شيخ خضيب حسن البزة متصدر فتجارينا ذكر المطر وما جاء فيه من الخبر فقال ذلك الشيخ: حدثونا يا سيدي عن النبي صلى الله عليه وعلى أصحابه با بكر وبا حفص وعلى النبيين السريين منكر ونكير وعلى عمر بن العاص قاتل الكفار يوم غدير خم وصاحب راية النبي يوم القطائف - يريد يوم الطائف- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومحا ملك يتبحا حتى يضحا في موضحا ثم يصعد ويدحا، فقلت: يا شيخ فالقطر يقع من الكنيف فالملك ينزل معه، قال: نعم يا سيدي فيهم ما في الناس من الدناءة والخسة، قلت: يريد ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يتبعها حتى يضعها في موضعها ثم يصعد ويدعها فأبدل العين حاء مهملة. ومن شعره:

وقال جحظة:
وقال:
وقال:
وقال:
وقال:
وقال:
وكتب إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله المسمعي وكان قائدا جليلا يتقلد البصرة وفارس:
وقال: سلمت على بعض الرؤساء وكان مبخلا فلما أردت الانصراف قال: يا أبا الحسن إيش تقول في قطائف بائتة؟ ولم يكن له بذلك عادة، فقلت: ما آبي ذلك، فأحضر لي جاما فيه قطائف قد خمت فأوجفت فيها وصادفت مني سغبة وهو ينظر إلي شزرا فقال لي: إن القطائف إذا كانت بجوز أتخمتك وإذا كانت بلوز أبشمتك، قلت: هذا إذا كانت قطائف وأما إذا كانت مصوصا فلا، وقلت لوقتي:
وقال: سألت الحسن بن مخلد حاجة فقال: إذا كان بعد ثلاث عرفتك، فقلت: يا سيدي تعدني أن تعدني. ولصاحب الأغاني أبي الفرج مجلد في أخبار جحظة، ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاث مائة فعاش مائة سنة، وجمع ابن المرزبان أخباره وأشعاره أيضا.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0

جحظة البرمكي اسمه: أحمد بن جعفر بن موسى.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0

أحمد بن جعفر جحظة هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي النديم. قال أبو عبد الله الحسن بن علي بن مقلة: سألت جحظة عمن لقبه بهذا اللقب فقال: ابن المعتز لقبني به، فإنه لقبني يوما فقال لي: ما حيوان إذا قلب صار آلة للبحرية؟ فقلت: علق إذا عكس صار قلعا، فقال: أحسنت يا جحظة، فلزمني هذا اللقب، وهو من في عينيه نتوء جدا؛ وكان قبيح المنظر وكان له لقب آخر يلقبه به المعتمد، وهو خنياكر، وما أدري أي شيء معناه.
كان حسن الأدب كثير الرواية للأخبار متصرفا في فنون من العلم كالنحو واللغة والنجوم، مليح الشعر مقبول الألفاظ حاضر النادرة، وكان طنبوريا حاذقا فيه فائقا، مات في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بجبل ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين.
ذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: ولجحظة من التصانيف: كتاب الطبيخ، لطيف. كتاب الطنبوريين. كتاب فضائل السكباج. كتاب الترنم. كتاب المشاهدات. كتاب ما شاهده من أمر المعتمد على الله. كتاب ما جمعه مما جربه المنجمون فصح من الأحكام. كتاب ديوان شعره.
قال: كان جحظة وسخا قذرا دنيء النفس في دينه قلة، وهو القائل:

ومن سائر شعره قوله:
حدث الخطيب قال، قال جحظة: أنشدت عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قولي:
فقال لي: ذنبك إلى الزمان الكمال.
ومن شعر جحظة:
قال جحظة: صك لي بعض الملوك بصلة، فدافعني الجهبذ به حتى ضجرت، فكتبت إليه:
وأنشد جحظة لنفسه في أماليه:
وأنشد أيضا لنفسه:
وأنشد أيضا لنفسه:
وأنشد أيضا لنفسه:
وأنشد أيضا لنفسه:
وأنشد أيضا لنفسه:
وقيل لجحظة: كيف حالك؟ فقال: كما قال الشاعر:
وأنشد جحظة لنفسه:
وأنشد لنفسه:
قال جحظة: ومررت بوقاد يوقد في التنور ويغني:
وله أيضا:
وقال يستزير بعض إخوانه:
وأنشد لنفسه أيضا:
وأنشد أيضا لنفسه:
وأنشد أيضا لنفسه في أماليه:
وله أيضا:
وله أيضا:
وأنشد جحظة لنفسه في أماليه:
وله أيضا:
حدث غرس النعمة في كتاب الهفوات قال: كان جحظة لما أسن يفسو في مجالسه فيلقى من يعاشره منه جهدا، قال أبو الحسين ابن عياش: وكنت أحب غناءه والكتابة عنه لما عنده من الآداب، وكان يستطيب عشرتي، وكنت إذا جلست عنده أخذت عليه الريح، وجلست فوقها، فجئته يوما في مجلس الأدب والناس عنده وهو يملي، فلما خفوا قال لي ولآخر كان معي، اجلسا عندي حتى أقعدكما على
لبود، وأطعمكما طباهجة بكبود، وأسقيكما من معتقة اليهود، وأبخركما بعنبر وعود، أطيب من الندود، وأغنيكما غناء المسدود. فقلت: هذا موضع السجود. وجلسنا وصديقي لا يعرف خلته في الفساء، وأنا قد أخذت الريح، فوفى لنا بجميع ما ذكره، وقال لنا وقد غنى وشربنا: نحن بالغداة علماء وبالعشي في صورة المخنكرين. فلما أخذ النبيذ منه أخذ يفسو وصديقي يغمزني ويتعجب، فأقول له: إن ذلك عادته وخلته، وأن سبيله أن يحتمل إلى أن غنى صوتا من الشعر والصنعة له فيه وكان يجيده:
قال: فطرب عليه صديقي طربا شديدا واستحسنه كثيرا وأراد أن يقول له:
أحسنت والله يا أبا الحسن، فقال له ما في نفسه يتردد من أمر الفساء: افس علي يا أبا الحسن كيف شئت، فخجل جحظة وخجل الفتى وانصرفنا.
وحدث الخطيب عن أبي الفرج الاصبهاني قال: حدثني جحظة قال: اتصلت علي إضافة أنفقت فيها كل ما أملكه حتى بقيت ليس في داري سوى البواري فأصبحت يوما وأنا أفلس من طنبور بلا وتر- كما يقال في المثل- ففكرت كيف أعمل فوقع لي أن أكتب إلى محبرة بن أبي عباد الكاتب، وكنت أجاوره، وكان قد ترك التصرف قبل ذلك بسنتين وحالفه النقرس فأزمنه حتى صار لا يتمكن من التصرف إلا محمولا على الأيدي أو في محفة، وكان مع ذلك على غاية الظرف وكبر النفس وعظم النعمة ومواصلة الشرب والقصف، فأردت أن أتطايب عليه ليدعوني فآخذ منه ما أنفقه مدة، فكتبت إليه:
فما شعرت إلا بمحفة محبرة يحملها غلمانه إلى داري، وأنا جالس على بابي، فقلت له: لم جئت؟ ومن دعاك؟ فقال: أنت، فقلت: إنما قلت لك ماذا ترى في هذا، وعنيت في بيتك، وما قلت لك إنه في بيتي، وبيتي والله أفرغ من فؤاد أم موسى، فقال: الآن قد جئت ولا أرجع، ولكن أدخل إليك وأستدعي من داري ما أريد، قلت: ذاك إليك، فدخل فلم ير في بيتي إلا بارية، فقال يا ابا الحسن هذا والله فقر نصيح، هذا ضر مدقع، ما هذا؟ قلت: هو والله ما ترى، فأنفذ إلى داره فاستدعى فرشا وآلة وقماشا وغلمانا، وجاء فراشوه ففرشوا ذلك، وجاءوا من الصفر والشمع وغير ذلك بما يحتاج إليه، وجاء طباخه بما كان في مطبخه، وهو شيء كثير بآلات ذلك، وجاء شرابيه بالأواني والمخروط والفاكهة وآلة التبخير والبخور وألوان الأنبذة، وجلس يومه ذلك وليلته عندي يشرب على غنائي وغناء مغنية أحضرتها كنت ألفتها، فلما كان من الغد سلم إلى غلامه كيسا فيه ألف درهم ورزمة ثياب صحاح ومقطوعة من فاخر الثياب، واستدعى محفته فجلس فيها وشيعته، فلما بلغ آخر الصحن قال: مكانك يا أبا الحسن، احفظ بابك فكل ما في دارك لك، فلا تدع أحدا يحمل منه شيئا، وقال للغلمان: اخرجوا، فخرجوا بين يديه، وأغلقت الباب على قماش بألوف كثيرة.
وأنشد السلامي لجحظة في سعد الحاجب:
وحدث جحظة قال: دخلت وأنا في بقايا علة على كاتب (قال ابن بشران: على هارون بن غريب الخال) فقدم إلينا مضيرة عصبان فأمعنت فيها، فقال: جعلت فداك أنت عليل، وبدنك نحيل، والعصب ثقيل، واللبن يستحيل، فقلت له:
والعظيم الجليل، المفضل المنيل، لا تركت منها كثير ولا قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل. فغضب علي فضربني عشرين مقرعة فقلت:
قال: ودخلت إليه يوما آخر فقدم إلي لوزينجا لها أيام وقد حمضت، فأخذت أمعن في أكلها، فقال لي: إن اللوزينج إذا كان بالجوز أسخن، وإذا كان باللوز ألحم، فقلت: نعم يا سيدي إذا كان لوزينجا وأما إذا كانت مصوصا فلا.
وحدث عبد الله بن المعتز قال: عربد ابن أبي العلاء على جحظة بحضرتي فأمرت بتنحية جحظة إلى أن رضي أحمد، فكتب إلي جحظة:
في «تاريخ دمشق» قال جحظة سلمت على بعض الرؤساء وكان مبخلا، فلما أردت الانصراف قال لي: يا أبا الحسن أيش تقول في قطائف بائتة؟ ولم يكن له بذلك عادة، فقلت: ما آبى ذلك، فأحضر لي جاما فيه قطائف قد خمت، فأوجعت فيها وصادفت مني مسغبة، وهو ينظر إلي شزرا، فقال لي: يا أبا الحسن إن القطائف إذا كانت بجوز أتخمتك، وإذا كانت بلوز أبشمتك، قال فقلت: هذا إذا كانت قطائف، فأما إذا كانت مصوصا فلا، وعملت لوقتي هذه الأبيات:
قال عبد الله بن المعتز: كتب إلي جحظة في يوم مطير: انصرفت من عندك جعلني الله فداك وقد كنا عقدنا موعدا للقاء، ثم منعني من المصير إليك ما نحن فيه من انقطاع شريان الغمام، فتفضل ببسط العذر لعبدك إن شاء الله.
ومن شعر جحظة:
وله أيضا:
وحدث أبو الفرج الأصبهاني قال: دعاني أبو محمد ابن الشار يوما ودعا جحظة، وأطال حبس الطعام جدا، وجاع جحظة فأخذ دواة وبياضا وكتب:
ورمى بها إلي فقرأتها ودفعتها إلى ابن الشار، فقرأها ووثب مسرعا فقدم المائدة، فقاطعه جحظة فكان يجهد جهده أن يجيئه فلا يفعل، فإذا عاتبناه قال: لا والله حتى يحفظ تلك السورة.
وله أيضا:
قال أبو علي حدثني أبو القاسم الحسين بن علي البغدادي، وكان أبوه ينادم ابن الحواري ثم نادم البريديين بالبصرة وأقام بها سنين، قال: كان جحظة سخيف الدين، وكان لا يصوم شهر رمضان، وكان يأكل سرا، فكان عند أبي يوما في شهر رمضان مسلما فاحتبسه، فلما كان نصف النهار سرق من الدار رغيفا ودخل المستراح وجلس على المقعدة، واتفق أن دخل أبي فرآه فاستعظم ذلك وقال: ما هذا يا أبا الحسن؟ فقال: أفت لبنات وردان ما يأكلون فقد رحمتهم من عذاب الجوع.
ومن شعر جحظة .
ومن مطبوع شعر جحظة:
وحدث جحظة في أماليه: دخلت إلي عريب المأمونية مع شروين المغني وأبي العنبس المغني وأنا يومئذ غلام علي قباء ومنطقة وأنكرتني وسألت عني فأخبرها شروين وقال لها: هذا فتى من أهلك. هذا ابن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي، وهو يغني بالطنبور، فأدنتني وقربت مجلسي ودعت بطنبور وأمرتني أن أغني، فغنيت أصواتا فقالت: أحسنت يا بني ولتكونن مغنيا، ولكن إذا حضرت بين هذين الأسدين ضعت أنت وطنبورك- تعني بين عوديهما- وأمرت لي بمائة دينار.
وأنشد لنفسه في أماليه:
وأنشد فيه لنفسه:
وأنشد فيه لنفسه:
وقال جحظة:
حدث أبو علي المحسن بن علي بن محمد قال: كان الحسن بن مخلد أكرم الناس في بذل المال وأبخلهم بطعامه، فكان يحضر ندماؤه على مائدته فلا يستجرئ أحد منهم أن يشعث شيئا البتة، وينزهون أنفسهم عند رفع المائدة بمسح أيديهم بلحاهم، وله في ذلك قصص عجيبة؛ قال جحظة: ربحت بأكلة أقريتها مع الحسن بن مخلد خمسمائة دينار وخمسمائة درهم وخمسة أثواب فاخرة وعتيدة طيب سرية، فقيل له: كيف كان ذلك؟ فقال: كان الحسن بن مخلد بخيلا على الطعام سمحا بالمال، وكان يأخذ ندماءه بغتة فيسقيهم النبيذ ويواكلهم، فمن أكل قتله قتلا، ومن شرب معه على الخسف حظي عنده، قال: فكنت عنده يوما فقال لي: يا أبا الحسن قد عملت غدا على الصبوح الجاشري فبت عندي، فقلت: لا يمكنني ولكني أباكرك قبل الوقت، فعلى أي شيء عملت أن تصطبح؟ فقال: قد أعد لنا كذا وكذا، ووصف ما تقدم به إلى الطباخ بعمله، فعقدنا الرأي على أن أباكره، وقمت وجئت إلى منزلي ودعوت طباخي فتقدمت إليه بأن يصلح لي مثل ذلك بعينه ويفرغ منه وقت العتمة، ففعل، ونمت وقمت وقد مضى نصف الليل، فأكلت ما أصلح، وغسلت يدي، وأسرج لي وأنا عامل على المضي إليه إذا طرقتني رسله، فجئته فقال: بحياتي أكلت؟ قلت: أعيذك بالله، انصرفت من عندك قبل الغروب، وهذا نصف الليل، فأي وقت أصلح لي شيء؟ أو أي وقت أكلت شيئا؟ اسأل غلمانك على أي حال وجدوني، فقالوا: وجدناه يا سيدنا وقد لبس ثيابه، هو ينتظر أن يفرغ له من إسراج بغلته ليركبها، فسر بذلك سرورا شديدا وقدم الطعام فما كان في فضل أشمه، فأمسكت عن تشعيثه ضرورة وهو يستدعي أكلي، ولو أكلت أحل دمي، قال: وكذا كانت عادته، فأقول هو ذا آكل يا سيدي، وفي الدنيا أحد يأكل أكثر من هذا؟! وانقضى الأكل وجلسنا على الشرب، فجعلت أشرب بأرطال وهو يفرح، وعنده أني أشرب على الريق أو على ذلك الأكل الذي خلست معه، ثم أمرني بالغناء فغنيت، فاستطاب ذلك وطرب وشرب أرطالا، فلما رأيت النبيذ قد عمل فيه قلت: يا سيدي تطرب أنت على غنائي فأنا على أي شيء أطرب؟ فقال: يا غلام هات دواة، فأحضرت فكتب لي رقعة ورمى بها إلي وإذا هي على صيرفي يعامله بخمسمائة دينار، فأخذتها وشكرته، ثم غنيته وطرب وزاد سكره، فطلبت منه ثيابا فخلع علي خمسة أثواب، ثم أمر أن يبخر كل من بين يديه، فأحضرت عتيدة حسنة سرية فيها طيب كثير، فأخذ الغلمان يبخرون منها الناس، فلما انتهوا إلي قلت: يا سيدي وأنا أرضى أن أتبخر حسب؟ فقال لي: ما تريد؟ قلت: أريد نصيبي من العتيدة، قال: قد وهبتها لك، فأخذتها، وشرب بعد ذلك رطلا واتكأ على مسورته، وكذا كانت عادته إذا سكر، فقام الناس من مجلسه وقمت وقد طلع الفجر وأضاء، وهو وقت يبكر الناس في حوائجهم، فخرجت كأني لص قد خرج من بيت قوم على قفا غلامي الثياب والعتيدة كارة، فصرت إلى منزلي ونمت نومة ثم ركبت إلى درب عون أريد الصيرفي، فأوصلت إليه الرقعة، فقال: يا سيدي أنت الرجل المسمى في التوقيع؟ قلت: نعم، قال: أنت تعلم أن أمثالنا يعاملون للفائدة، قلت: أجل، قال: ورسمنا أن نعطى في مثل هذا ما يكسر في كل دينار، درهما، فقلت له: لست أضايقك في هذا القدر، فقال: ما قلت هذا لأربح عليك الكثير، أيما أحب إليك أن تأخذ كما يأخذ الناس وهو ما قد عرفتك، أو تجلس مكانك إلى الظهر حتى أفرغ من شغلي ثم تركب معي إلى داري فتقيم عندي اليوم والليلة تشرب، فقد والله سمعت بك وكنت أتمنى أن أسمعك، ووقعت الآن لي رخيصا، فإذا فعلت هذا دفعت إليك الدنانير من غير خسران، فقلت: أقيم عندك، فجعل الرقعة في كمه وأقبل على شغله، فلما دنت الظهر جاء غلامه ببغلة فارهة فركب وركبت معه، وصرنا إلى دار سرية حسنة بفاخر الفرش والآلات ليس فيها إلا جوار روم للخدمة من غير فحل، فتركني في مجلسه ودخل ثم خرج بثياب أولاد الخلفاء من حمام داره وتبخر وبخرني بيده بند عتيق جيد، وأكلنا أسرى الطعام وأنظفه، وقمنا إلى مجلس سري للشرب فيه فواكه وآلات بمال، وشربنا ليلتنا، فكانت ليلتي عنده أطيب من أختها عند الحسن بن مخلد، فلما أصبحنا أخرج كيسين في أحدهما دنانير وفي الآخر دراهم، فوزن خمسمائة دينار وخمسمائة درهم وقال: يا سيدي تلك ما أمرت به وهذه الدراهم هدية مني إليك، فأخذتها وانصرفت، وصار الصيرفي صديقي وداره لي.
وقال وحدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف التنوخي قال حدثني أبو علي ابن الأعرابي الشاعر قال: كنت في دعوة جحظة، فأكلت وجلسنا نشرب وهو يغني، إذ دخل رجل فقدم إليه جحظة زلة كان زلها من طعامه ونحن نأكل، وكان بخيلا على الطعام، قال: وكأن الرجل كان طاويا، طاوي سبع، فأتى على الزلة، ورفع الطيفورية فارغة وجحظة يرمقه بغيظ، ونحن نلمح جحظة ونضحك، فلما فرغ قال له جحظة: تلعب معي بالنرد؟ قال: نعم فوضعاه بينهما ولعبا، فتوالى اللعب على جحظة من الرجل بأن تجيء الفصوص على ما يريد من الأعداد، ويكره جحظة، فأخرج جحظة رأسه من قبة الخيش رافعا له إلى السماء، وقال كأنه يخاطب الله جل وعز: لعمري إني أستحق هذا لأني أشبع من أجعته.
قلت: ما. شد تباعد ما بين هذين الخبرين وخبر رواه التنوخي أيضا عن أبي العباس ابن المنجم قال: سمعت أبا عبد الله الموسوي العلوي يقول: قصدني أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد في أيام تدبيره الأمر قصدا قبيحا، وعمل لي كتابه مؤامرة في خراجاتي بمائة ألف درهم، أكثرها واجب علي وباقيها كالواجب، وأحضرني للمناظرة عليها واعتقلني في داره، فضقت ذرعا بما نزل بي، وعلمت أن المال سيلزمني إذا نوظرت، وأنه يؤثر في حالي ويهتك جاهي، فلم أدر ما أصنع، فشاورت بعض من يختص به فقال: طمعه فيك والله قوي وما ينفعك معه شيء غير المال، فقلت له: ففكر في حيلة أو مخادعة، ففكر ثم قال: لا أعرف لك دواء إلا شيئا واحدا إن سمحت به نفسك وتركت العلوية عنك وفعلته نجوت، قلت: ما هو؟ قال: هو رجل سمح على الطعام محب لآكله على مائدته موجب لحرمته، وأرى لك إذا وضع طعامه أن تخرج إليه فإنك معه في الدار، ولا يمنعك الموكلون من ذلك، فتجيء بغير إذن فتجلس على المائدة وتأكل وتنبسط، وتخاطبه في أمرك عقيب الأكل، وتسأله وترفق به وتخضع له، فإنه يسامحك بأكثرها ويقرب ما بينك وبينه، فشق ذلك علي، ثم نظرت فإذا وزن المال أشق منه، وكان أبو جعفر لا يأكل إلا بعد المغرب في كل يوم أكلة، فلم آكل ذلك اليوم شيئا، وراعيت مائدته، فلما وضعت قمت فقال الموكلون: إلى أين؟ قلت: الى مائدة الوزير، فما قدروا أن يمنعوني، فلما رأى أبو جعفر أكبر ذلك وتهلل وجهه وقال: إلى عندي يا سيدي، وأجلسني إلى جنبه، فأقبلت آكل وأنبسط في الأكل والحديث إلى أن رفعت المائدة واستدعاني إلى موضعه، فغسلت يدي بحضرته، فلما فرغت أردت أن أبتدئه بالخطاب، فقال لي: قد آذيتك يا سيدي يا أبا عبد الله بتأخرك عن منزلك، فامض إلى بيتك وما أخاطبك بشيء مما في نفسي ولا مما أردت مخاطبتك به، ولا مطالبة عليك من جهتي بعدما تفضلت به، فشكرته وقلت: إن رأى سيدنا أيده الله أن يتمم معروفه بتسليم المؤامرة إلي فعل، فقال: هاتموها، فما برحت إلا وهي في خفي، وانصرفت إلى منزلي وقد سقط المال عني، ولزمته للسلام، وصرت أتعمد مواكلته والتخصص به، فسلمت طول أيامه وسلم جاهي ومالي علي إلى أن مضى لسبيله.
قلت: هذا حسن من فعله مع عسف كان فيه بالرعية في جباية المال لم يسبق إليها، ولا تبعه بعده أحد في مثلها، فكانت له أفعال منكرة منها أنه استدعى العيارين وضمنهم ما يسرقونه من أموال الناس.
وكتب جحظة إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله المسمعي، وكان قائدا جليلا تقلد البصرة وفارس:
وكان أبو إسحاق هذا أديبا شاعرا، ومن شعره:
وأنشد جحظة لنفسه في أماليه:
وأنشد جحظة في أماليه:
وحدث جحظة في أماليه قال: كنت أشرب عند بعض إخواني بباب حرب في ناعورة ثابت الرصاصي في يوم قطر، ومعنا شيخ خضيب حسن البزة متصدر، فتجارينا ذكر المطر وما جاء فيه من الخبر، فقال الشيخ: حدثوا يا سيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه بابكر وبا حفص وعلى النبيين السريين منكر ونكير وعلى عمرو بن العاص قاتل الكفار يوم غدير خم وصاحب راية النبي يوم القطائف (يريد يوم الطائف) ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومحا ملك يتبحا حتى يضحا في موضحا ثم يصعد ويدحا»، فقلت له: يا شيخ فالقطر يقع في الكنيف والملك ينزل معه؟ قال: نعم يا سيدي فيهم ما في الناس من الدناءة والخسة.
وأنشد جحظة لنفسه في أماليه:
قال جحظة في أماليه: استهديت من بعض إخواني دواة فأخرها عني، ثم
اجتمعنا في مجلس أبي العباس ثعلب فقلت لأبي العباس: ما أراد الشاعر بقوله:
فسكت ساعة ثم قال: الدواة، فلما انصرفت إلى منزلي إذا الدواة قد سبقتني إليه.
قال جحظة: دعوت فضيلا الأعرج، وكان عندنا جماعة، فكتب إلينا:
ومثله لغيره:
قال جحظة: وسألت الحسن بن مخلد حاجة فقال: إذا كان بعد ثلاث عرفتك، فقلت: يا سيدي تعدني أن تعدني.
قال جحظة في أماليه: كنت جالسا عند صديق لي، فجاءه رقعة من منزله فلما نظر فيها ضرط، فحادثته ساعة واغتفلته وأخذتها وإذا فيها: قد فني الدقيق وغدا الخبزة.
وأنشد لنفسه في أماليه يقول:
وأنشد أيضا لنفسه في أماليه:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 207

جحظة الأخباري النديم البارع، أبو الحسن، أحمد بن جعفر بن موسى بن الوزير يحيى بن خالد بن برمك البرمكي البغدادي الشاعر.
كان ذا فنون ونوادر وآداب. وهو القائل:

ومن شعره:
وقيل: كان مشوها، فقال ابن الرومي:
قال ابن خلكان: جحظة بسكون الحاء: مات سنة ست وعشرين وثلاث مائة. وقيل: سنة أربع وعشرين.
وقد بلغ الثمانين، ولم يدخل في رواية الحديث، وكان رأسا في التنجيم مقدما في لعب النرد. وله مؤلف في الطبائخي، ولم يكن أحد يتقدمه في صناعة الغناء. غنى المعتمد، فأعطاه خمس مائة دينار.
أكثر عنه صاحب ’’الأغاني’’، والمعافى النهرواني، وأبو عمر بن حيويه.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 11- ص: 458