بديع الزمان أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني، أبو الفضل: احد ائمة الكتاب. له (مقامات - ط) اخذ الحريري اسلوب مقاماته عنها. وكان شاعرا وطبقته في الشعر دون طبقته في النثر. ولد في همذان وانتقل إلى هراة سنة 380 هـ ، فسكنها، ثم ورد نيسابور سنة 382 هـ ، ولم تكن قد ذاعت شهرته، فلقى ابا بكر الخوارزمي، فشجر بينهما ما دعاهما إلى المساجلة، فطار ذكر الهمذاني في الافاق، ولما مات الخوارزمي خلا له الجو فلم يدع بلدة من بلدان خراسان وسجستان وغزنة الا دخلها ولا ملكا ولا اميرا الا فاز بجوائزه. كان قوي الحافظة يضرب المثل بحفظه.
ويذكر ان اكثر مقاماته ارتجال، وانه كان ربما يكتب الكتاب مبتدئا بآخر سطوره ثم هلم جر إلى السطر الاول فيخرجه ولا عيب فيه ! وله ’’ديوان شعر - ط) صغير. و (رسائل - ط) عدتها 233 رسالة، ووفاته في هراة مسموما.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 115

أبو الفضل الهمداني بديع الزمان اسمه أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 401

أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد ابن بشر الهمذاني الملقب بديع الزمان

ولد في 13 جمادى الآخرة 358 وقيل 353 بهمذان وتوفي سنة 398 بهراة وقد أربى على أربعين سنة كما في اليتيمة ويقال إنه مات مسموما بهراة وقيل أصابته السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل وأنه نبش فوجدوه قد قبض على لحيته ومات "أه" وهذا مما يبعد تصديقه.

(والهمذاني) نسبة إلى همذان بفتح الهاء والميم والذال المعجمة المدينة المشهور ببلاد الجبل.

أقوال العلماء فيه

في أمل الآمل: فاضل جليل إمامي المذهب حافظ أديب منشئ له المقامات العجيبة وله ديوان شعر وكان عجيب البديهة والحفظ "أه".

وذكره السمعاني في الأنساب فقال: أبو الفضل أحمد ابن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمذاني الملقب بالبديع كان أحد الفضلاء الفصحاء وكان متعصبا لأهل الحديث والسنة وما أخرجت همذان بعده مثله هكذا قال أبو الفضل الفلكي وكان من مفاخر بلدنا وسكن هراة وبها مات ويقال إنه سم "أه" وأكثر من استوفى، وصفه الثعالبي في يتيمة الدهر فقال: بديع الزمان، ومعجزة همذان، ونادرة الفلك وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصر، لم ير نظيره في ذكاء القريحة وسرعة الخاطر وشرف الطبع وصفاء الذهن وقوة النفس ولم يدرك قرينه في طرف النثر وملحه وغرر النظم ونكته ولم ير ولم يرو أن أحدا بلغ مبلغه فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب منها أنه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتا إلا مرة واحدة فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرم حرفا وينظر في الأربع والخمس الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهذها عن ظهر قلبه هذا وهذه حاله في الكتب الواردة عليه وغيرها وكان يقترح عليه عمل قصيدة أو إنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة وربما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ من آخره إلى أوله ويخرجه كأحسن شيء وأملحه ويوشح القصيدة الفريدة من قوله بالرسالة الشريفة من إنشائه فيقرأ من النظم النثر ومن النثر النظم ويعطى القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة ويقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فيرتجله في أسرع من الطرف على ريق لا يبلغه ونفس لا يقطعه وكلامه كله عفو الساعة ومسارقة القلم ومسابقة اليد للفم ومجاراة الخاطر للناظر ومباراة الطبع للسمع وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغريبة بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الإبداع والإسراع إلى عجائب كثيرة لا تحصى وكان مقبول الصورة خفيف الروح حسن العشرة شريف النفس كريم العهد خالص الود حلو الصداقة مر العداوة فارق همذان في شبابه سنة 380 وقد درس على أبي الحسين ابن فارس واستنفد ما عنده وورد حضرة الصاحب بن عباد فتزود من ثمارها وحسن آثارها ثم قدم جرجان فأقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية والتعيش في أكنافهم واختص بأبي سعد محمد بن منصور أيده الله تعالى ونفقت بضائعه لديه وتوفر حظه من عادته المعروفة في إسداء الإفضال على الأفاضل وورد نيسابور سنة 382 فأملى أربعمائة مقامة نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها وضمنها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين من لفظ أنيق وسجع رقيق ثم شجر بينه وبين الأستاذ أبي بكر الخوارزمي ما كان سببا لهبوب ريح الهمذاني وعلو أمره إذ لم يكن أن أحدا من الأدباء والكتاب والشعراء ينبري لمساجلة الخوارزمي فلما تصدى الهمذاني لمساجلته وجرت بينهما مكاتبات ومناظرات، وغلب هذا قوم وذاك آخرون طار ذكر الهمذاني في الآفاق وأجاب الخوارزمي داعي ربه فخلا الجو للهمذاني ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلا دخلها ولا ملك ولا أمير ولا وزير إلا استمطر بنوئه فحصلت له ثروة حسنة وألقى عصاه بهراة وصاهر بها أبا علي الحسين بن محمد الخشنامي واقتنى بمعونته ضياعا فاخرة "أه".

وقال أبو شجاع شيرويه بن شهريار في تاريخ همذان على ما حكاه عنه ياقوت في معجم الأدباء: سكن هراة وكان أحد الفضلاء والفصحاء متعصبا لأهل الحديث والسنة ما أخرجت همذان بعده مثله وكان من مفاخر بلدنا "أه".

وذكره أبو إسحاق الحصري في كتاب زهر الآداب كما حكي فقال أبو الفضل الهمذاني بديع الزمان وهذا اسم وافق مسماه ولفظ طابق معناه كلامه غض المكاسر أنيق الجواهر يكاد الهواء يسرقه لطفا "أه".

وفي معجم الأدباء قال أبو الحسن البيهقي: وبديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الحافظ كان يحفظ خمسين بيتا بسماع واحد ويؤديها من أولها إلى آخرها وينظر في كتاب نظرا خفيفا ويحفظ أوراقا ويؤديها من أولها إلى آخرها فارق همذان سنة 380 وكان قد اختلف إلى أحمد بن فارس صاحب المجمل وورد حضرة الصاحب فتزود من ثمارها واختص بالدهخداه أبي سعد محمد بن منصور ونفقت بضاعته لديه ووافى نيسابور سنة 382 وبعد موت الخوارزمي خلا له الجو وجرت بينه وبين أبي علي الحسين ابن محمد الخشنامي مصاهرة وألقى عصى المقام بهراة.

وقال جامع رسائله: كان أبو الفضل فتى وضي الطلعة رضي العشرة فتان المشاهدة سحار المفاتحة غاية في الظرف، آية في اللطف، معشوق الشيمة، مرزوقا فضل القيمة طليق البديهة سمح القريحة شديد العارضة سديد السيرة زلال الكلام عذبه، فصيح اللسان عضبه، إن دعا الكتابة أجابته عفوا.

وأعطته قيادها صفوا أو القوافي، أتته ملء الصدور على التوافي: ثم كانت طرق في الفروع هو افترعها، وسنن في المعاني هو اخترعها، ومصداق ما ادعيناه له تشهده في أثناء شعره ونثره وكان في صفاء العقيدة بين الكفاءة قدوة، وفي حسن النظر لكافة نظرائه أسوة، وقد أوتي حفظا لا يسمع كلمة إلا اعتلقها فاعتلقها، ثم إذا شاء أعادها ونقلها "أه".

والبديع هو أول من اخترع عمل المقامات وبه اقتدى الحريري في مقاماته المشهورة واعترف في خطبتها بفضله ولكن يظهر مما حكي عن الحصري في زهر الآداب أن أول من فتح هذا الباب هو ابن دريد لكنه لم يجد إجادة البديع ثم تبعه البديع فغبر في وجهه ثم تبعهما الحريري قال الحصري لما رأى البديع أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثا وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره وانتخبها من معادن فكره وأبداها للأبصار والبصائر في معارض حوشية وألفاظ عنجهية فجاء أكثرها تنبو عن قبوله الطباع ولا ترفع له حجب الأسماع وتوسع فيها إذا صرف ألفاظها ومعانيها في وجوه مختلفة عارضه بأربعمائة مقامة في الكدية تذوب ظرفا وتقطر حسنا لا مناسبة بين المقامين لفظا ولا معنى عطف مساجلتها ووقف مناقلتها بين رجلين سمى أحدهما عيسى بن هشام والآخر أبا الفتح الإسكندري وجعلهما يتهاديان الدر ويتناقشان السحر في معان تضحك الجزين وتحرك الرصين وربما أفرد بعضهما بالرواية "أه".

ونثره خال من التكلف خفيف على الطبع رقيق مستملح لأنه كان ينشئه عفو الطبع وفيض القريحة وشعره رقيق جيد يعرب كنثره عن رقة طبعه. وكان حاضر البديهة في النظم والنثر ينظم على لسان الشعراء ما يشتبه بشعرهم على أكابر البلغاء. ذكر الثعالبي في ترجمة أبي فراس الحمداني قال حكى أبو الفضل الهمذاني قال: قال الصاحب أبو القاسم يوما لجلسائه وأنا فيهم وقد جرى ذكر أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان: لا يقدر أحد أن يزور على أبي فراس شعرا فقلت من يقدر على ذلك وهو الذي يقول:

فقال الصاحب صدقت فقلت أيد الله مولانا فقد فعلت "أه".

تشيعه

قد سمعت قول الصاحب أمل الآمل إنه إمامي المذهب ولم أجد من ذكره في رجال الشيعة قبل عصرنا غيره ومن ذكره في عصرنا أو ما قاربه فإنما أخذه من أمل الآمل وعليه اعتمد، ويدل على تشيعه ما ذكره عن نفسه في قصته مع أبي بكر الخوارزمي الآتية من قوله إن سار غيري في التشيع برجلين طرت بجناحين إلخ وقصيدته الآتية التي أنشدها في المجلس في رثاء الحسين عليه السلام.

ويؤيد ذلك في ترجمته وأخذه عنه وكتابه الآتي إليه بل ذلك الكتاب من أدلة تشيعه وقد يستدل على عدم تشيعه بعدم ذكر أصحابنا له قبل صاحب أمل الآمل مع ذكرهم شيخه ابن فارس وبما مر في قول أبي شجاع في تاريخ همذان أنه كان متعصبا لأهل الحديث والسنة وأنه لو كان شيعيا لما خفي على أهل ذلك المجلس بنيسابور الذين اعتقدوا فيه عدم التشيع حتى احتاج إلى إظهاره وإنشاد القصيدة كما سيأتي مع ظهور التشيع وقوة الشيعة في ذلك العصر بدولة بني بويه وبأن في رسائله ما يظهر منه عدم تشيعه كقوله في رسالته إلى أبي نصر الطوسي: ولك في أكثر المكارم لسان ويد ولا تخلو معهما من حزونة طوسية ورجل طاووسية ولو عريت منهما لكنت الإمام الذي تدعيه الشيعة وتنكره الشريعة، وقوله في رسالته إلى الشيخ الرئيس أبي عامر عدنان بن محمد وهو يذكر عضد الدولة.

ثم عجز والقدرة هذه أن يعمر التربتين الخبيثتين أو يصلح البلدتين المشؤومتين قم والكوفة فعلم أن ذلك لخبث نحلتهما فهم أن يسبي ويبيح ثم فرض الجزية عليهم أو يقيموا التراويح ورجع صاحبي آنفا من هراة فذكر أنه سمع في السوق صبيا ينشد أن محمدا وعليا أخرا تيما وعديا ويل أم هراة أنصب الشيطان بها هذه الحبالة والله ما دخلت هذه الكلمة بلدا إلا صبت عليها الذلة ونسخت عنها الملة ولا رضي بها أهل بلدة إلا جعل الله الذل لباسهم وألقى بينهم بأسهم هذه نيسابور منذ فشت فيها هذه المقالة في خراب واضطراب وأهلها في بلاء وجلاء يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون وهذه قهستان منذ فشت فيها هذه المقالة جعلت مأكلة الغصص ونجعة الأقدار فالشيطان لا يصيد هراة صيدا إنما يستدرجها رويدا وهذه الكوفة مما اختلط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وما ظهر الرفض بها دفعة ولا وقع الإلحاد بها وقعة إنما كان أوله النياحة على الحسين بن علي وذلك ما لم ينكره الأنام ثم تناولوا معاوية فأنكر قوم وتساهل آخرون فتدحرجوا إلى عثمان فنفرت الطباع ونبت الأسماع وخلف من بعدهم خلف لم يحفظوا حدود هذا الأمر فارتقى ذلك إلى يفاع وتناول الشيخين رضي الله عنهما.

لا جرم أن الله تعالى سلط عليهم السيف القاطع والذل الشامل ولما أعد الله لهم في الآخرة شر مقاما وأنا أعيذ بالله هراة أن يجد الشيطان إليها هذا المجاز وأعيذ الشيخ الرئيس أن لا يهتز لهذا الأمر اهتزازا يرد الشيطان على عقبه "أه" وفي رسائله غير ذلك من هذا القبيل لكنه ليس بهذه الصراحة بل أورد ياقوت في معجم الأدباء له قصيدة مزدوجة سنذكر شيئا منها إن صحت كان فيها دلالة على عدم تشيعه.

ويظهر من رسالة للخوارزمي أجاب بها البديع عن رقعة وردت منه وهي الرقعة الثالثة أنه أشعري حيث يقول أبو بكر فيها: وتكليف المرء لا يطيق يجوز على مذهب الأشعري وقد زاد سيدي أستاذه الأشعري فإن أستاذه كلف العاجز ما لا يطيق مع عجزه عنه وسيدي كلف الجاهل علم الغيب مع الاستحالة منه "أه" ويؤيده أن أخاه لأمه وأبيه وتلميذه محمد بن الحسين الصفار كان يتهم بمذهب الأشعرية حكاه ياقوت في أوائل ترجمة البديع عن تاريخ همذان لأبي شجاع فالظاهر أن ذلك راجع إلى أخيه لا إليه لقوله وجن في آخر عمره فإن البديع لم ينقل عنه أحد أنه جن ويبعد تخالف الأخوين الشقيقين والأستاذ والتلميذ في المذهب.

ومما يبعد تشيعه قوله للخوارزمي كما يأتي عندنا يهودي يماثلك في مذهبه ويزيد بذهبه. ويمكن الجواب عن عدم ذكر أصحابنا له بعدم ذكرهم لأبي بكر الخوارزمي المعلوم تشيعه بل لم يذكره صاحب أمل الآمل الذي ذكر البديع وعن قول أبي شجاع أنه كان متعصبا لأهل الحديث والسنة بأن الظاهر أنه أخذ ذلك من قوله في وصيته وأن يتولى الصلاة عليه أهل الحديث وأهل السنة ولم يعلم أنه أراد بأهل السنة هنا ما قابل الشيعة.

وعن خفاء تشيعه على أهل ذلك المجلس بأنه لم يكن مختلطا بهم ولم يكن متجاهرا بالتشيع فلذلك خفي أمره عن أهل نيسابور كما خفي تشيع ابن فارس فوصف في مؤلفات أهل السنة بأنه شافعي أو مالكي. وعما في رسائله بأن الرجل لم يكن متصلبا في الدين متجنبا لكل ما يوقع في المآثم بل كان جاريا على عادة أكثر الشعراء والكتاب من اتباع منافعهم الدنيوية والتجرؤ على أغراض الناس والافتراء عليهم فيقول ما يجر إلى مطامعه ومنافعه في دنياه وإن أضر بأخراه فهو يخاطب أبا نصر الطوسي بما يروح عنده ويقرب إليه وكذلك يخاطب الرئيس أبا عامر ومما يدل على أن ذلك ليس على حقيقته قوله عن عضد الدولة أنه عجز أن يعمر التربتين الخبيثتين ويصلح البلدتين المشؤومتين قم والكوفة فعلم أن ذلك لخبث نحلتهما فهم أن يسبي ويبيح ثم فرض الجزية عليهم أو يقيموا التراويح، فإن نحلة عضد الدولة كنحلة أهل قم والكوفة هي التشيع فكيف يهم بأن يسبي ويبيح ويفرض الجزية أو يقيموا التراويح إن هذا لطرف مليح وفي عدم إرادة الحقيقة منه ظاهر أو صريح.

أما القصيدة المزدوجة التي أوردها ياقوت فالظاهر أنها منحولة بدليل عدم وجودها في ديوانه وانفراد ياقوت بنقلها ولم يسندها ولو صحت نسبتها إليه لأمكن أن يكون غرضه فيها التشنيع على الخوارزمي عند أهل السنة وفي رسالته إلى أبي الطيب سهل بن محمد الخوارزمي نسبة الخوارزمي إلى أنه دهري، واتهام أخيه بمذهب الأشعرية لا يوجب أن يكون هو أشعريا بل التعبير بالتهام يدل على أن ظاهر حاله كان على خلاف ذلك ومن هذا الباب قوله للخوارزمي عندنا يهودي يماثلك في مذهبه على أنه يمكن أن يريد في مذهبه في الحرص والحاصل أن شهادة الخصم على خصمه لا تقبل وكل ذلك لإرادة التشنيع سواء كان بحق أو بباطل فلا ينبغي الريب في تشيعه والظاهر أنه كان يتكتم في مذهبه غالبا ولا يبالي ما يقول ويفعل في سبيل مآربه الدنيوية والله أعلم.

ما جرى بينه وبين أبي بكر الخوارزمي

قد سمعت قول الثعالبي أنه ورد نيسابور سنة 382، وكان بها أبو بكر الخوارزمي فتحكك به البديع وتكاتبا وتحاورا واجتمعا وتناظرا فغلبه البديع بقوة بديهته وكثرة نكاته وحسن تصرفه في أجوبته ومحاوراته وكان الخوارزمي في ذلك الوقت ذائع الصيت لا يطمع كاتب ولا أديب في مساجلته وكان اشتهار صيته عن جدارة واستحقاق فقد كان كاتب عصره الذي لا يختلف فيه على أن غلبة البديع له لم تتحقق لما مر من قول بعض المؤرخين إن الناس اختلفوا فبعض غلب البديع وبعض غلب أبا بكر والذي نقل غلبة البديع هو البديع نفسه وشهادة المرء لنفسه لا تقبل.

قال البديع على ما في رسائله حاكيا ما جرى بينه وبين الخوارزمي: وطئنا خراسان فما اخترنا إلا نيسابور دارا وقديما كنا نسمع بحديث هذا الفاضل فنتشوقه وقد كان اتفق علينا في الطريق من العرب اتفاق لم يوجبه استحقاق من بزة بزوها وفضة فضوها وذهب ذهبوا به ووردنا نيسابور براحة أنقى من الراحة وكيس أخلى من جوف حمار فما حللنا إلا قصبة جراره ولا وطئنا إلا عتبة داره.

فأول رقعة كتبها البديع إلى الخوارزمي عند وروده نيسابور:

فكيف ارتياح الأستاذ لصديق طوى إليه ما بين قصبتي العراق وخراسان، بل عتبتي نيسابور وجرجان، وكيف اهتزازه لضيف في بردة حمال وجلدة جمال:

وهو ولي إنعامه بإنفاذ غلامه إلى مستقري لأفضي إليه بسري إن شاء الله تعالى. قال البديع على ما في رسائله:

فلما أخذنا لحظ عينه سقانا الدردي من أول دنه وأجنانا سوء العشرة من باكورة فنه من طرف نظر بشطره وقيام دفع في صدره وصديق استهان بقدره وضيف استخف بأمره، لكننا أقطعناه جانب أخلافه وقاربناه إذ جانب وشربناه على كدورته ولبسناه على خشونته، ورددنا الأمر في ذلك إلى زي استغثه ولباس استرثه وكاتبناه نستمد وداده ونسلس قياده، بما هذا نسخته. وفي معجم الأدباء: ثم اجتمع إليه فلم يحمد لقيه، فانصرف عنه، وكتب إليه:

الأستاذ- والله يطيل بقاءه ويديم تأييده ونعماءه- أزرى بضيفه، أن وجده يضرب آباط القلة في أطمار الغربة، فأعمل في ترتيبه أنواع المصارفة وفي الاهتزاز له أصناف المصايقة من إيماء بنصف الطرف وإشارة بشطر الكف ودفع في صدر القيام عن التمام ومضغ الكلام وتكلف لرد السلام، وقد قبلت هذا الترتيب صعرا واحتملته وزرا واحتضنته نكرا وتأبطته شرا ولم آله عذرا، فإن المرء بالمال وثياب الجمال، وأنا مع هذه الحال وفي هذه الأسمال أتقزز صنف النعال، ولو حاملته العتاب وناقشته الحساب لقلت: إن بوادينا ثاغية صباح وراغية رواح، وقوما يجرون المطارف ولا يمنعون المعارف:

ولو طرحت بالأستاذ أيدي الغربة إليهم لوجد مثال البشر قريبا ومحط الرحل رحيبا ووجه المضيف خصيبا ورأيه أيده الله في أن يملأ من هذا الضيف أجفان عينه ويوسع أعطاف ظنه ويجيبه بموقع هذا العتاب الذي معناه ود والمر الذي يتلوه شهد موفق إن شاء الله تعالى.

(الجواب من الخوارزمي)

فهمت وما تناوله سيدي من خشن خطابه ومؤلم عتابه وصرفت ذلك منه إلى الضجر الذي لا يخلو منه من نبابه دهر ومسه من الأيام ضر والحمد لله الذي جعلني موضع أنسه ومظنة مشتكى ما في نفسه أما ما شكاه سيدي من مضايقتي إياه- زعم- في القيام. وتكلفي لرد السلام فقد وفيته حقه كلاما وسلاما وقياما على قدر ما قدرت عليه ووصلت إليه ولم أرفع عليه غير السيد أبي البركات العلوي وما كنت لأرفع أحدا على من جده الرسول وأمه البتول وشاهداه التوراة والإنجيل وناصراه التأويل والتنزيل والبشير به جبرائيل وميكائيل وأما عدم الجمال ورثة الحال فما يضعان عندي قدرا ولا يضران نجرا وإنما اللباس جلدة والزي حلية بل قشرة وإنما يشتغل بالجل من لا يعرف قيمة الخيل ونحن بحمد الله نعرف الخيل عارية من جلالها ونعرف الرجال بأقوالها وأفعالها لا بآلاتها وأحوالها وأما القوم الذين صدر سيدي عنهم وانتمى إليهم ففيهم لعمري فوق ما وصف حسن عشرة وسداد طريقة وجمال تفصيل وجملة ولقد جاورتهم فنلت المراد وأحمدت المراد

والله يعلم نيتي للإخوان عامة ولسيدي من بينهم خاصة فإن أعانني على مرادي له ونيتي فيه بحسن العشرة بلغت له بعض ما في الفكرة وجاوزت مسافة القدرة وإن قطع على طريق عزمي بالمعارضة سوء المؤاخذة صرفت عناني عن طريق الاختيار بيد الاضطرار

وعلى هذا فحبذا عتاب سيدي إذا صادف ذنبا واستوجب عتبا فأما أن يسلفنا العربدة ويستكثر المعتبة والموجدة فتلك حالة نصونه عنها ونصون أنفسنا عن احتمال مثلها فليرجع بنا إلى ما هو أشبه به وأجمل له ولست أسومه أن يقول (استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) ولكن أسأله أن يقول (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين).

(رقعة البديع الثالثة إلى الخوارزمي)

أنا أرد من الأستاذ سيدي شرعة وده وإن لم تصف وألبس خلعة بره وإن لم تضف وقصاري أن أكيله صاعا بصاع ومدا عن مد وإن كنت في الأدب دعي النسب ضعيف السبب ضيق المضطرب سيء المنقلب أمت إلى عشرة أهله بنيقة وأنزع إلى خدمة أصحابه بطريقة، ولكن بقي أن يكون الخليط منصفا في الإخاء عادلا في الوداد إذا زرت زار وإن عدت عاد، والأستاذ سيدي- أيده الله- ضايقني في القبول أولا وناقشني في الإقبال ثانيا، فأما حديث الاستقبال وأمر الإنزال والأنزال فنطاق الطمع ضيق عنه غير متسع لتوقعه منه، وبعد فكلفة الفضل هينة وقروض الود متعينة وطرق المكارم بينة وأرض العشرة لينة، فلم اختار قعود التعالي مركبا وصعود التغالي مذهبا وهلا ذاد الطير عن شجر العشرة إذا كان ذاق الحلو من ثمرها، وقد علم الله أن شوقي قد كد الفؤاد برحا على برح ونكأه قرحا على قرح، فهو شوق داعيته محاسن الفضل وجاذبته بواعث العلم ولكنها مرة مرة ونفس حرة لم تقد إلا بالإعظام ولم تلق إلا بالإكرام وإذا استعفاني سيدي الأستاذ من معاتبته واستعادته ومؤاخذته إذا جفا واستزادته وأعفى نفسه من كلف الفضل يتجشمها فليس إلا غصص الشوق أتجرعها وحلل الصبر أتدرعها فلم أعره من نفسي وأنا لو أعرت جناحي طائر لما طرت إلا إليه ولا حلقت إلا عليه.

(جواب الخوارزمي عنها)

شريعة ودي لسيدي أدام الله عزه إذا وردها صافية وثياب بري إذا قبلها هذا ما لم يكدر الشريعة بتعنته وتصعبه ولم يخترق الثياب بتجنيه وتسحبه فأما الإنصاف في الإخاء فهو ضالتي عند الأصدقاء ولا أقول:

فإن قائل هذا البيت قاله والزمان زمان والإخوان إخوان وحسن العشرة سلطان ولكني أقول: وإني لمشتاق إلى ظل.

وقد كان الناس يقترحون الفضل فأصبحنا نقترح العدل وإلى الله المشتكى لا منه ذكر الشيخ سيدي أيده الله حديث الاستقبال وكيف يستقبل من انقض علينا انقضاض العقاب الكاسر ووقع بيننا وقوع السهم العاثر وتكليف المرء ما لا يطيق يجوز على مذهب الأشعري وقد زاد سيدي على أستاذه الأشعري فإن أستاذه كلف العاجز ما لا يطق مع عجزه عنه وسيدي كلف الجاهل علم الغيب مع الاستحالة منه والمنزل بما فيه قد عرضته عليه ولو أطلقت حملته لحملته إليه والشوق الذي ذكره سيدي فعندي منه الكثير الكبير وعنده منه الصغير اليسير وأكثرنا شوقا أقلنا عتابا وأليننا خطابا ولو أراد سيدي أن أصدق دعواه في سوقه إلي ليغض من حجم عتبه علي فإنما اللفظ زائد واللحظ وارد فإذا رق اللفظ دق اللحظ وإذا صدق الحب ضاق العتاب والعتب.

عتاب سيدي قبيح لكنه حسن وكلامه لين لكنه خشن أما قبحه فلأنه عاتب بريئا ونسب إلى الإساءة من لم يكن مسيئا وأما حسنه فلألفاظه الغرر ومعانيه التي هي كالدرر فهي كالدنيا ظاهرها يغر وباطنها يضر وكالمرعى على دمن الثرى منظره بهي ومخبره وبي ولو شاء سيدي نظم الحسن والإحسان وجمع بين صواب الفعل واللسان.

(رقعة أخرى للبديع إلى الخوارزمي)

أنا وإن كنت مقتصرا في موجبات الفضل من حضور مجلس الأستاذ سيدي فما أفري إلا جلدي ولا أبخس إلا حظي ومع ذاك فما أعمر أوقاتي إلا بمدحه حرس الله فضله نعم وقد رددت كتاب الأوراق للصولي وتطاولت لكتاب البيان والتبيين للجاحظ وللأستاذ سيدي في الفضل والتفضل به رأيه.

وقال البديع في رسائله: واتفق أن السيد أبا علي نشط للجمع بيني وبينه فدعاني فأجبت وكتب يستدعيه فاعتذر فقلت لا ولا كرامة للدهر إن نقعد تحت حكمه وكاتبته أشحذ عزيمته على البدر وألوي رأيه عن الاعتذار وأعرفه ما في ذلك من ظنون تشتبه وتهم تتجه وقدنا إليه مركوبا لنكون قد ألزمناه الحجة فجاءنا في طبقة أف وعدد تف:

وقمنا له وإليه. وفي معجم الأدباء: حدث أبو الحسن ابن أبي القاسم البيهقي صاحب وشاح الدمية وقد ذكر أبا بكر الخوارزمي فقال:وقد رمي بحجر البديع الهمذاني في سنة 383 وأعان البديع الهمذاني قوم من وجوه نيسابور كانوا مستوحشين من أبي بكر فجمع السيد نقيب السيادة بنيسابور أبو علي بينهما وأراده على الزيادة وداره بأعلى ملقباذ فترفع فبعث إليه السيد مركوبه فحضر أبو بكر مع جماعة من تلامذته فقال له البديع إنما دعوناك لتملأ المجلس فوائد وتذكر الأبيات الشوارد ونناجيك فنسعد بما عندك وتسألنا فتسر بما عندنا ونبدأ بالفن الذي ملكت زمامه وطار به صيتك وهو الحفظ إن شئت والنظم إن أردت والنثر إن اخترت والبديهة إن نشطت فهذه دعواك التي تملأ منها فاك فأحجم الخوارزمي عن الحفظ لكبر سنه ولم يجل في النثر قداحا وقال أبادهك فقال البديع الأمر أمرك يا أستاذ فقال له الخوارزمي أقول لك ما قال موسى للسحرة قال بل ألقوا فقال البديع وذكر الأبيات الكافية الآتية إلا أنه أورد منها ثلاثة أبيات فقط.

وفي الرسائل فمال إلى السيد أبي الحسين يسأله بيتا ليجيز فقلت يا هذا أنا أكفيك وتناولت جزءا فيه أشعاره وقلت لمن حضر هذا شعر أبي بكر الذي كد به طبعه وأسهر له جفنه وهو ثلاثون بيتا وسأقرن كل بيت بوفقه بحيث أصيب أغراضه ولا أعيد ألفاظه وشريطتي أن لا أقطع النفس فإن تهيأ لواحد ممن حضر أن يميز قوله من قولي فله يد السبق فقال أبو بكر ما الذي يؤمننا أن تكون نظمت من قبل ما تريد إنشاده الآن فقلت اقترح لكل بيت قافية لا أسوقه إلا إليها مثل أن تقول حشر فأقول بيتا آخره حشر ثم عشر فأنظم بيتا قافيته عشر وهلم جرا فأبى أبو بكر أن يشاركنا في هذا العنان ومال إلى السيد أبي الحسين يسأله بيتا ليجيز فتبعنا رأيه وأعمل كل منا لسانه وفمه وأخذ دواته وقلمه وأجزنا البيت الذي قاله إذا قلنا- ولم يذكر البيت المجاز- فقال البديع:

وقال أبو بكر أبياتا جهدنا به أن يخرجها فلم يفعل دون أن طواها وجعل يعركها ويفركها وكره أن تكون الهرة أعقل منه لأنها تحدث فتغطي ثم بسط يمينه للبديهة دون أن يكتب فقال الشريف انسجا على منوال المتنبي حيث يقول:

فابتدر أبو بكر أيده الله إلى الإجازة ولم يزل إلى الغايات سباقا فقال:

ثم وقف يعتذر ويقول إن هذا كما يجيء لا كما يجب فقلت قبل الله عذرك لكني أراك بين قواف مكروهة وقافات خشنة كل قاف كجبل فخذ الآن جزاء عن قرضك وأداء لفرضك وقلت:

فقال يا أحمقا لا يجوز فإن أحمق لا ينصرف فقلت أما أحمق فلا يزال يصفعك لتصفعه حتى ينصرف وتنصرف معه وللشاعر أن يرد ما لا ينصرف إلى الصرف وإن شئت قلت يا كودنا فقال الشريف خذا على منوال المتنبي:

فقلت:

فقال: ما معنى تكندها فقلت كند النعمة كفرها فقال معاذ الله أن يكون كند بمعنى جحد وإنما الكنود القليل الخير فتلا عليه الجماعة إن الإنسان لربة الكنود فنبذ الأدب وراء ظهره وصار إلى السخف فقلت يا هذا إن الأدب غير سوء الأدب وسكت حتى عرف الناس أني أملك من نفسي ما لا يملكه ثم قلت يا أبا بكر إن الحاضرين قد عجبوا من حلمي أضعاف ما عجبوا من علمي وتعجبوا من عقلي أكثر مما تعجبوا من فضلي فقال أنا قد كسبت بهذا العقل دية أهل همذان مع قلته فما الذي أفدت أنت بعقلك مع غزارته فقلت: هذا الذي تتمدح به من أنك شحذت فأخذت- عندنا صفة ذم يا عافاك الله ولأن يقال للرجل يا فاعل يا صانع أحب إليه من أن يقال يا شحاذ ويا مكدي وقد صدقت أنت في هذه الحلبة أسبق وفي هذه الحرفة أعرق وأنا قريب العهد بهذه الصنعة فأما مالك فعندنا يهودي يماثلك في مذهبه ويزيدك بذهبه ومع ذلك لا يطرفني إلا بعين الرهبة ولا يمد إلي إلا يد الرغبة وملت إلى القوال فقلت أسمعنا خبرا فدفع القوال وغنى أبياتا منها:

فقال أبو بكر أحسن ما في الأمر أني أحفظ هذه القصيدة وهو لا يعرفها فقلت: يا عافاك الله وإن أنشدتكها ساءك مسموعها فقال أنشد فقلت أنشد ولكن روايتي تخالف هذه الرواية وأنشدت:

فأتته السكتة وأضجرته النكتة وأطرق مليا وقال والله لأضربنك وإن ضربت ولتعلمن نبأه بعد حين فقلت لكنا نصفعك الآن وتضربنا فيما بعد فقد قيل اليوم حضر وغدا أمر وأنشدت قول ابن الرومي:

ثم تمثلت بقول القائل:

ودفع القوال فبدأ بأبيات ولحن بأصوات وجعل النعاس يثني الرؤوس ويمنع الجلوس قال صاحب الوشاح فنام القوم على عادتهم في ضيافات نيسابور وفي الرسائل فأوى إلى أم مثواه وأويت إلى الحجرة وظني أن هذا الفاضل يأكل يده ندما ويبكي على ما جرى دمعا ودما فإنه إذا سمع بحديث همذان قال الهاء هم والميم موت والذال ذل والألف آفة والنون ندامة قال صاحب الوشاح وأصبحوا فتفرقوا وبعض القوم يحكم بغلبة البديع وبعضهم يحكم بغلبة الخوارزمي وفي الرسائل وسعوا بيننا بالصلح وعرفنا له فضل السن فقصدناه معتذرين إليه فأومأ إيماءة مهيضة بكف سحبها على الهواء سحبا وبسطها في الجو بسطا وعلمنا أن للمقمور أن يستخف ويستهين وللقامر أن يحتمل ويلين فقلنا إن بعد الكدر صفوا كما أن عقب المطر صحوا وعرض علينا الإقامة عنده سحابة ذلك اليوم فاعتللنا بالصوم فلم يقبل فطعمنا عنده، وهنا اختلفت رواية البديع ورواية صاحب وشاح الدمية المنقولة في معجم الأدباء فصاحب الوشاح يقول كان بعض الرؤساء مستوحشا من الخوارزمي وهيأ مجمعا في دار السيد أبي القاسم الوزير ويظهر منه أن هذا الرئيس بتهيئته ذلك المجتمع هو الذي قصد إثارة الشر بينهما ثانيا والبديع يقول في رسائله إن أبا بكر بعث إليه رسولين يذكران أن أبا بكر يقول تواتر الخبر بأنك قهرت وأني قهرت ولا شك أن ذلك التواتر مصدره منك ولا بد أن نجتمع في مجلس بعض الرؤساء فنتناظر وإن لم تفعل لم آمن عليك بعض تلامذتي أو تقر بعجزك عن أمدي فعجبت وأجبته فقلت أما قولك قد تواتر الخبر بأنك قهرت وأن ذلك من جهتي فبالله ما أتمدح بقهرك وإن لنفسك عندك لشأنا أن ظننتني أقف هذا الموقف أنا إن شاء الله أبعد مرتقى همة ومصعد نفس فأما التواتر من الناس فلو قدرت على الناس لخطت أفواهم رزقنا الله عقلا به نعيش. ونعوذ بالله من رأي بنا يطيش وإن رسالتك هذه وردت موردا لم نحتسبه فلذلك خرج الجواب عن البصل ثوما وعن البخل لوما.

ثم مضت أيام فاتفقت الآراء على أن يعقد هذا المجلس في دار الشيخ أبي القاسم الوزير (قال صاحب الوشاح وكان أبو القاسم فاضلا ملء إهابه) وحضر الإمام أبو الطيب (سهل الصعلوكي) وهو بنفسه أمة ثم حضر السيد أبو الحسين وهو ابن الرسالة والإمامة وجعل يضرب عن هذا الفاضل بسيفين لأمر كان قد موه عليه وفطنت لذلك فقلت أيها السيد أنا إذا سار غيري في التشيع برجلين طرت بجناحين وإذا مت سواي في موالاة أهل البيت بلمحة دالة توسلت بغرة لائحة فإن كنت أبلغت غير الواجب فلا يحملنك على ترك الواجب ثم إن لي في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصائد قد نظمت حاشيتي البر والبحر وركبت الأفواه ووردت المياه وسارت في البلاد ولم تسر بزاد وطارت في الآفاق ولم تسر على ساق ولكني أتسوق بها لديكم ولا أتنفق بها عليكم وللآخرة قلتها لا للحاضر وللدين ادخرتها لا للدنيا فقال أنشدني بعضها فقلت:

فلما أنشدتها وكشفت له الحال فيما اعتقدت انحلت له العقدة وصار سلما يوسعني حلما وحضر الشيخ أبو عمر البسطامي وناهيك من حاكم يفصل وناظر يعدل. ثم حضر القاضي أبو نصر والأدب أدنى فضائله وحضر الشيخ أبو سعيد محمد بن أرمك وهو الرجل الذي.

وحضر أبو القاسم بن حبيب وله في الأدب عينه وقراره وفي العلم شعلته وناره. وحضر الفقيه أبو الهيثم ورائد الفضل يقدمه. وحضر الشيخ أبو نصر ابن المرزبان والفضل منه بدا وإليه يعود وحضر أصحاب الإمام أبي الطيب الأستاذ (وما منهم إلا أغر نجيب) (وقال صاحب الوشاح: ومع الإمام أبي الطيب الفقهاء والمتصوفة) وحضر بعدهم أصحاب الأستاذ الفاضل، أبي الحسن الماسرجسي (وكل إذا عد الرجال مقدم) وحضر بعدهم أصحاب الأستاذ أبي عمر البسطامي وهم في الفضل كأسنان المشط وحضر بعدهم الشيخ أبو سعيد الهمذاني وله في الفضل قدحه المعلى.

وحضر بعد الجماعة أصحاب الأسبلة المسبلة والأسوكة المرسلة رجال يلعن بعضهم بعضا فصاروا إلى قلب المجلس وصدره حتى رد كيدهم في نحرهم وأقيموا بالنعال إلى صف النعال فقلت من هؤلاء قالوا أصحاب الخوارزمي وانتظر أبو بكر فتأخر فاقترحوا علي قوافي أثبتوها واقتراحات كانوا بيتوها فما ظنك بالحلفاء أدنيت لها النار من لفظ إلى المعنى نسقته وبيت إلى القافية سقته على ريق لم أبلغه ونفس لم أقطعه وصار الحاضرون بين إعجاب وتعجب وقال أحدهم بل أوحدهم وهو الإمام أبو الطيب لن نؤمن لك حتى نقترح القوافي ونعين المعاني وننص على بحر فأخرجت من عهدة هذا التكليف حتى ارتفعت الأصوات بالهيللة من جانب والحوقلة من آخر وتعجبوا إذ أرتهم الأيام ما لم ترهم الأحلام ثم التفت فوجدت الأعناق تلتفت وما شعرت إلا بهذا الفاضل وقد طلع وجعل يدس نفسه بين الصدور يريد الصدر فقلت أبا بكر تزحزح عن الصدر قليلا إلى مقابلة أخيك فقال لست برب الدار فتأمر على الزوار فقلت يا عافاك الله حضرت لتناظرني والمناظرة اشتقت إما من النظر أو من النظير فإن كان اشتقاقها من النظر فمن حسن النظر أن يكون مقعدنا واحدا فقضت الجماعة بما قضيت فقلت في أي علم تريد أن نتناظر فأومأ إلى النحو فقلت إن الظهر قد أزف فإن شئت أن أناظرك في النحو فسلم الآن لي البديهة والحفظ والترسل فقال لا أسلم ذلك ولا أناظر في غير هذا فقال أبو عمر أيها الأستاذ أنت أديب خراسان وشيخ هذه الديار وبهذه الأبواب التي قد عقدها هذا الشاب كنا نعتقد لك السبق وتثاقلك عن مجاراته فيها مما يتهم ويوهم فقال سلمت الحفظ فأنشدت قول القائل:

وقلت يا أبا بكر خفف اله عنك كما خففت عنا في الحفظ فلو تفضلت وسلمت البديهة مع الترسل حتى نفرغ للنحو واللغة فقال ما كنت لأسلم ولا سلمت الحفظ فقلت الراجع في شيئه كالراجع في قيئه فهات أنشدنا خمسين بيتا من قبلك مرتين حتى أنشدك عشرين بيتا من قبلي عشرين مرة فعلم أن دون ذلك خرط القتاد فسلمه ثانيا وصرنا إلى البديهة فقال أحد الحاضرين هاتوا على قول أبي الشيص.

فأخذ أبو بكر يخضد ويحصد ولم يعلم أنا نحفظ عليه الكلم فقال:

فقلت ما معنى ضيفة ملمومة وما أردت بالبارق الفضفاض فأنكر أن يكون قاله قافية فقال له أهل المجلس قد قلت فقلت وما معنى ذئب غاض قال الذي يأكل الغضا فقلت استنوق الجمل يا أبا بكر فما معنى إن الغضا في مثل ذاك تغاضي فإن الغضا لا أعرفه بمعنى الإغضاء فقال ما قلت فأنكر البيت جملة فقلت يا ويحك ما أغناك عن بيت تهرب منه وهو يتبعك فقل لي ما معنى قراض فلم أسمعه مصدرا من قرضت الشعر ثم دخل الرئيس أبو جعفر والقاضي أبو بكر الحربي والشيخ أبو زكريا الحيري (وزاد في الوشاح والشيخ أبو رشيد المتكلم) وطبقة من الأفاضل مع عدة من الأرذال فيهم أبو رشيدة فقلت ما أحوج هذه الجماعة إلى واحد يصرف عنهم عين الكمال وقال الرئيس قد ادعيت عليه أبياتا أنكرها فدعوني من البديهة على النفس واكتبوا ما تقولون فقلت:

فقال أبو بكر تسعة أبيات غابت عن حفظنا جمع فيها بين إقواء وإكفاء وأخطاء وإيطاء ثم قلت لمن حضر من وزير ورئيس وفقيه وأديب أرأيتم لو أن رجلا حلف بالطلاق الثلاث لا أنشد شعرا ثم أنشد هذه الأبيات هل تطلقون امرأته عليه فقالت الجماعة لا يقع بهذا طلاق فأخذ الأبيات وقال لا يقال نظرت لكذا وإنما يقال نظرت إليه فكفتني الجماعة إجابته ثم قال شبهت الطير بالمحصنات وأي شبه بينهما قلت يا رقيع إذا جاء الربيع كانت شوادي الأطيار تحت ورق الأشجار فيكن كأنهن المخدرات تحت الأستار فقال لم قلت مثل المحضنات مثل المغني والمحصنات كيف توصف بالغناء فقلت هن في الخدر كالمحصنات وكالمغني في ترجيع الأصوات قال لم قلت زمن الربيع جليت أزكى متجر وهلا قلت أربح متجر قلت ليس الربيع بتاجر يجلب البضائع المربحة ثم قال ما معنى قولك الغيث في أمطاره والغيث هو المطر نفسه فكيف يكون له مطر قلت لا سقى الله الغيث أديبا لا يعرف الغيث وقلت له إن الغيث هو المطر وهو السحاب كما أن السماء هو المطر وهو السحاب فقال الجماعة قد علمنا أي الرجلين أشعر وأي البديهتين أسرع ثم ملنا إلى الترسل فقلت اقترح علي ما في طوقك حتى أقترح عليك أربعمائة صنف من الترسل فإن سرت فيها برجلين ولم أطر بجناحين بل أحسنت القيام بواحد منها فلك يد السبق وقصبه مثال ذلك أن أقول لك أكتب كتابا يقرأ منه جوابه أو أكتب كتابا وأنظم شعرا فيما أقترحه وأفرغ منهما فراغا واحدا أو أكتب كتابا إذا قرئ من أوله إلى آخره كان كتابا فإن عكست سطوره كان جوابا أو اكتب كتابا في المعنى المقترح لا يوجد فيه حرف منفصل أو خاليا من الألف واللام أو من الحروف العواطل أو أوائل سطوره كلها ميم وآخرها جيم أو اكتب كتابا إذا قرئ معوجا كان شعرا أو كتابا إذا فسر على وجه كان مدحا وعلى وجه كان قدحا أو اكتب كتابا إذا كتبته تكون قد حفظته فقال أبو بكر هذه الأبواب شعبذة فقلت وهذا القول طرمذة فما الذي تحسن من الكتابة قال الكتابة التي يتعاطاها أهل الزمان المتعارفة بين الناس فقلت أليس لا تحسن من الكتابة إلا هذه الطريقة الساذجة ولا تحسن هذه الشعبذة قال نعم فقلت هات الآن حتى أطاولك بهذا الحبل وأناضلك بهذا النبل واقترح كتابا يكتب في النقود وفسادها والتجارات ووقوفها فكتب أبو بكر:

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرهم والدينار ثمن الدنيا والآخرة بهما يتوصل إلى جنات النعيم ويخلد في نار الجحيم قال الله تبارك وتعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) وقد بلغنا من فساد النقود ما أكبرناه أشد الإكبار وأنكرناه أعظم الإنكار لما نراه من الصلاح للعباد وتنويه من الخير للبلاد وتعرفنا في ذلك ما يربح للناس في الزرع والضرع ويعود إليه أمر الضر والنفع.

إلى كلمات لم تعلق بحفظنا فقلت إن الإكبار والإنكار والعباد والبلاد وجنات النعيم ونار الجحيم والزرع والضرع أسجاع قد تنبت في المعد وقد كتبت وكتبت فقالوا لي اقرأه فجعلت أقرؤه معكوسا فبهت وبهتت الجماعة وكانت نسخة ما أنشأناه:

الله شاء أن المحاضر صدور بلها وتملأ المنابر. ظهور لها وتقرع الدفاتر. وجوه بها وتمشق المحابر، بطون بها ترشق آثارا كانت فيه آمالنا مقتضى على أياديه في تأييده الله أدام الأمير جرى فإذا المسلمين. ظهور عن الثقل هذا ويرفع الدين أهل عن الكل هذا يحط أن في إليه نتضرع ونحن واقفة. والتجارات زائفة والنقود صيارفة.

أجمع الناس صار فقد كريما نظرا لينظر شيمه. مصاب وانتجعنا كرمه. بارقة وشمنا هممه. على آمالنا رقاب وعلقنا أحوالنا. وجوه له وكشفنا آمالنا. وفود إليه بعثنا فقد نظره بجميل يتداركنا أن ونعماءه تأييده وأدام بقاءه. الله أطال الجليل الأمير رأى أن وصلى الله على محمد وآله الأخيار.

فلما فرغت من قراءتها انقطع ظهر أحد الخصمين وقال الناس قد عرفنا الترسل أيضا فملنا إلى اللغة فقلت يا أبا بكر هذه اللغة التي هددتنا بها وهذي كتبها فخذ غريب المصنف أو إصلاح المنطق أو ألفاظ ابن السكيت أو مجمل اللغة فهو ألف ورقة أو أدب الكاتب واقترح علي أي باب شئت من هذه الكتب حتى أسرده عليك فقال اقرأ من غريب المصنف رجل ماس خفيف على مثال مال وما أمساه فاندفعت في الباب حتى قرأته وأتيت على الباب الذي يليه ثم قلت اقترح غيره قالوا كفى وقلت له اقرأ باب المصادر من أخبار فصيح الكلام ولا أطالبك بسواه فوقف حماره وخمدت ناره وقال الناس اللغة مسلمة لك أيضا فهاتوا غيره فقلت يا أبا بكر هات العروض فهو أحد أبواب الأدب وسردت منه خمسة أبحر بألقابها وأبياتها وعللها وزخارفها فقلت هات الآن فاسرده كما سردته فلما برد ضجر الناس وقاموا عن المجلس وقام أبو بكر فغشي عليه وقمت إليه فقلت:

وقبلت عينيه ومسحت وجهه وقلت اشهدوا أن الغلبة له وتفرق الناس وجلسنا للطعام ولما حلقنا على الخوان كرعت في الجفان وأسرعت إلى الرغفان وأمعنت في الألوان وجعل هذا الفاضل يتناول الطعام بأطراف الأظفار فلا يأكل إلا قضما ولا ينال إلا شما وهو مع ذلك ينطق عن كبد حرى ويفيض عن نفس ملأى فقلت يا أبا بكر بقيت لك بقية وفيك مسكة.

فأخبرني يا أبا بكر لم غشي عليك فقال لحمى الطبع وحمى الفرو فقلت أين أنت عن السجع هلا قلت حمى البطع وحمى الصفع وقال السيد أبو القاسم: أيها الأستاذ أنت مع الجد والهزل تغلبه فقلت لا تظلموه ولا تطعموه طعاما يصير في بطنه مغصا وفي عينه رمصا وفي جلده برصا وفي حلقه غصصا فقال هذه أسجاع كنت حفظتها فقل كما أقوله يصير في عينك قذى وفي حلقك أذى وفي صدرك شجى فقلت يا أبا بكر على الألف تريد بفيك البرى وعلى هامتك الثرى وأتى بأسجاع أخرى تشتمل على ألفاظ بذيئة نصون كتابنا عن ذكرها فقال أيها الأستاذ السكوت أولى بك ومالوا إلي فقالوا ملكت فاسجح فأبى أبو بكر أن يبقي لنفسه حمة لم ينفضها فقال والله لأتركنك بين الميمات فقلت ما معنى الميمات فقال بين مهزوم ومهدوم ومهشوم ومغموم ومحموم ومرجوم ومحروم فقلت وأتركك بين الميمات أيضا بين الهيام والصدام والجذام والحمام والزكام والسام والبرسام والجذام والسقام وبين السينات فقد علمتنا طريقة بين منحوس منخوس منكوس معكوس متعوس محسوس معروس. وبين الخاءات فقد فتحت علينا بابا بين مطبوخ مشدوخ منسوخ ممسوخ مفسوخ. وبين الباءات فقد (علمتني الطعن وكنت ناسيا) بين مغلوب ومسلوب ومرعوب ومصلوب ومركوب ومنكوب ومنهوب ومغضوب. ثم خرجت واحتجز ولم يظهر أبو بكر حتى حضر الليل، وقال صاحب الوشاح فخرج البديع وأصحاب الشافعي يعظمونه بالتقبيل والاستقبال والإكرام والإجلال وما خرج الخوارزمي حتى غابت الشمس وعاد إلى بيته وانخذل انخذالا شديدا وانكسف باله وانخفض طرفه ولم يحل عليه الحول حتى خانه عمره وذلك في شوال سنة 383.

انتهى ما أوردنا نقله من رسائل البديع ووشاح الدمية من خبر المناظرة.

ومنها يعلم انتشار اللغة العربية والأدب العربي في بلاد العجم في ذلك الزمان وقد تراجع ذلك في هذا العصر وقبله حتى أصبح أثرا بعد عين كما أنه يظهر مما مر عن اليتيمة من أنه أقام مدة بجرجان على مداخلة الإسماعيلية والتعيش في أكنافهم أنه كان يلبس لكل حالة لبوسها فهو مع الشيعة شيعي ومع أهل السنة سني ومع الإسماعيلية سني.

مشايخه

في معجم الأدباء عن أبي شجاع في تاريخ همذان وفي أنساب السمعاني روى عن أبي الحسين أحمد بن فارس ابن زكريا الأديب وعيسى بن هشام الأخباري "أه" (أقول) يظهر مما مر عن الحصيري في زهر الآداب أن عيسى بن هشام اسم لغير مسمى وأنه مثل أبي الفتح الإسكندري حيث قال عن مقاماته أنه وقفها بين رجلين سمى أحدهما عيسى بن هشام والآخر أبا الفتح الإسكندري إلخ وقد سمعت قول الثعالبي أنه ورد حضرة الصاحب بن عباد فتزود من ثمارها وحسن آثارها ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى أخذه من علمه وأدبه.

تلاميذه

في معجم الأدباء عن أبي شجاع روى عنه القاضي أبو محمد عبد الله بن الحسن النيسابوري وأخوه لأبيه وأمه محمد بن الحسين أبو سعد الصفار الفقيه مفتي البلد.

مؤلفاته

المقامات مطبوعة وبها اقتدى الحريري في مقاماته وقد سمعت قول الثعالبي أنه أنشأ أربعمائة مقامة ولكن مقاماته المطبوعة إحدى وخمسون ولها ملحق من الملح والمقامات يسير فلعل هذا منتخبها.

الأمالي ذكره في كشف الظنون ويمكن أن يكون هو المقامات.

كتاب رسائله طبع غير مرة.

مناظرته مع أبي بكر الخوارزمي مطبوعة مع رسائله ومر أكثرها.

شيء من رسائله ومقاماته

من رسالة له إلى ابن أخته

أنت ولدي ما دمت والعلم شأنك والمدرسة مكانك والمحبرة حليفك والدفتر أليفك فإن قصرت ولا إخالك فغيري خالك والسلام.

ومن كتاب له إلى شيخه

أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي المشهور

وقد بلغه أنه ذكر في مجلسه فقال إن البديع قد نسي حق تعليمنا إياه وعقنا وشمخ بأنفه عنا والحمد لله على فساد الزمان وتغير نوع الإنسان فكتب إليه:

نعم أطال الله بقاء الشيخ الإمام إنه الحمأ المسنون وإن ظنت الظنون والناس لآدم وإن كان العهد قد تقادم وارتكبت الأضداد واختلط الميلاد: والشيخ يقول فسد الزمان أفلا يقول متى كان صالحا في الدولة العباسية فقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها أم المدة المروانية وفي أخبارها لا تكسع الشول بأغبارها أم السنين الحربية.

أم البيعة الهاشمية وعلي يقول ليت العشرة منكم برأس من بني فراس أم الأيام الأموية والنفير إلى الحجاز والعيون البزول إلا النزول أم الخلافة التيمية وصاحبها يقول طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة أم في الجاهلية ولبيد يقول:

أم قبل ذلك وأخو عاد يقول:

أم قبل ذلك وروي عن آدم عليه السلام

أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وما فسد الناس وإنما اطرد القياس ولا ظلمت الأيام إنما امتد الإظلام وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ويمسي المرء إلا عن صباح ولعمري لئن كان كرم العهد كتابا يرد وجوابا يصدر إنه لقريب المنال وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه شفيق على بقائه منتسب إلى ولائه شاكر لآلائه ما نسيته ولا أنساه وإن له بكل كلمة علمنا منارا ولكل حرف أخذته منه نارا ولو عرفت لكلامي موقعا من لبه لاغتنمت خدمته به ولكن خشيت أن تقول هذه بضاعتنا ردت إلينا وإثنان قلما يجتمعان الخراسانية والإنسانية وإني وإن لم أكن خراساني الطينة فإني خراساني المدينة والمرء من حيث يوجد لا من حيث يولد والإنسان من حيث يثبت لا من حيث ينبت فإذا انضاف إلى تربة خراسان ولادة همذان ارتفع القلم وسقط التكليف والجرح جبار والجاني حمار فليحملني على هناتي أليس صاحبنا يقول:

وكتب إلى مستميح عاوده مرارا وقال لم لا تجود بالذهب كما تجود بالأدب.

مثل الإنسان في الإحسان مثل الأشجار في الإثمار سبيل من أتى بالحسنة أن يرفه إلى السنة وأنا لا أملك عضوين من جسدي وهما فؤادي ويدي أما الفؤاد فيعلق بالوفود وأما اليد فتولع بالجود ولكن هذا الخلق النفيس لا يساعده الكيس وهذا الطبع الكريم ليس يحتمله الغريم ولا قرابة بين الأدب والذهب قلما جمعت بينهما، والأدب لا يمكن ثرده في قصعة ولا صرفه في ثمن سلعة ولي مع الأدب نادرة، جهدت في هذه الأيام بالطباخ أن يطبخ من جيمية الشماخ لونا فلم يفعل وبالقصاب أن يذبح أدب الكتاب فلم يقبل وأنشدت في الحمام ديوان أبي تمام فلم ينجع ودفعت إلى الحجام مقاطعات اللجام فلم يأخذ واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت فأنشدت من شعر الكميت ألفا ومائتي بيت فلم يغن ولو وقعت أرجوزة العجاج في توابل السكباج ما عدمتها عندي ولكن ليست تقع فما أصنع فإن كنت تحسب اختلافك إلي إفضالا علي فراحتي أن لا تطرق ساحتي وفرجي أن لا تجي والسلام.

وله صديق يستدعي منه بقرة: وقد احتيج في الدار إلى بقرة فلتكن صفوفا تجمع بين قعبين في حلبة كما تنظم بين دلوين في شربة ولتكن عوان السن بين البكر والمسن ولتكن رخصة اللحم جمة الشحم كثيرة الطعم سريعة الهضم فاقعة اللون واسعة البطن واجهد أن تكون كبيرة الخلق لتكون في العين أهيب ضيقة الحلق ليكون صوتها في الأذن أطيب وأحذر أن تكون نطوحا ولتكن مطاوعة عند الحلب ألوفة للراعي الذي يرعاها مجيبة لصوته إذا دعاها مهتدية إلى المنزل ولا أظنك تجدها اللهم إلا أن يمشخ القاضي بقرة وهو على رأي التناسخ جائز فاجهد جهدك وابذل ما عندك والسلام.

وكتب إليه إبراهيم بن أحمد بن حمزة يهنئه بمرض أبي بكر الخوارزمي فأجابه يقول: الحر- أطال بقائك- لا سيما إذا عرف الدهر معرفتي، ووصف أحواله صفتي، إذا نظر علم أن نعم الدهر ما دامت معدومة فهي أماني، فإذا وجدت فهي عواري، وأن محن الأيام إن مطلت فتستنفذ وإن لم تصب فكأن قد، فكيف يشمت بالمحنة من لا يأمنها في نفسه، ولا يعدمها في جنسه، والشامت إن أفلت فليس يفوت، وإن لم يمت فسوف يموت، وما أقبح الشماتة بمن أمن الإماتة فكيف بمن يتوقعها بعد كل لحظة، وعقيب كل لفظة، والدهر غرثان طعمه الخيار، وظمآن شربه الأحرار.

فهل شمت المرء بأنياب آكله أم يسر العاقل بسلاح قاتله. وهذا الفاضل شفاه الله، وإن ظاهرنا بالعداوة قليلا، فقد باطناه ودا جميلا، والحر عند الحمية لا يصاد، ولكنه عند الكلام ينقاد، وعند الشدائد تذهب الأحقاد، فلا تتصور حالي إلا بصورتها من التوجع لعلته، والتحزن لمرضته، وقاه الله المكروه، ووقاني سماع السوء فيه بحوله ولطفه.

ومن رقعة له

يعز علي أن ينوب أيد الله الشيخ في خدمته قلمي عن قدمي ويسعد برؤيته رسولي دون وصولي ويرد مشرع الأنس به كتابي قبل ركابي ولكن ما الحيلة والعوائق جمة.

وقد حضرت داره وقبلت جداره وما بي حب الحيطان ولكن شغف بالقطان ولا عشق الجدران ولكن شوق إلى السكان.

وله من رسالة إلى فقيه نيسابور

وجدتك أيدك الله تعجب أن يجحد لئيم فضل صديقك فخفض عليك رحمك الله إن الذي تعجب منه يسير في جنب ما يجحده الإنسان إن الله تعالى خلق أقواما وشق لهم أسماعا وأبصارا فغاصوا بها على عرق الذهب حتى قصدوه ولم يزالوا بالنجم حتى رصدوه واحتالوا للطائر فأنزلوه من جو السماء والحوت فأخرجوه من جوف الماء ثم جحدوا من هذه الأفكار الغائصة والأذهان الناقدة صانعهم فقالوا أين وكيف حتى رأوا السيف.

ومن مقاماته المقامة البغدادية

وهي: حدثنا عيسى بن هشام قال اشتهيت الازاذ وأنا ببغداد وليس معي عقد على نقد فخرجت فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره ويطرف بالعقد أزاره فقلت ظفرنا والله بصيد وحياك الله أبا زيد من أين أقبلت وأين نزلت ومتى وافيت وهلم إلى البيت فقال السوادي لست بأبي زيد ولكن أبو عبيد فقلت لعن الله الشيطان أنسانيك طول العهد فكيف حال أبيك فقال قد نبت المرعى على دمنته فقلت إنا لله وإنا إليه لراجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فمددت يد البدار إلى الصدار أريد تمزيقه فقبض السوادي على خصري وقال نشدتك الله لا مزقته فقلت هلم إلى البيت نصب غداء أو إلى السوق نشتري شواء فاستفزته حمية القرم وطمع ولم يعلم أنه وقع ثم أتينا شواء فقلت لأبي زيد من هذا الشواء ثم زن له من تلك الحلواء واختر له من تلك الأطباق وانضد عليها أوراق الرقاق وشيئا من ماء السماق ليأكله أبو زيد هنيئا فانحنى الشواء بساطوره على زبدة تنوره فجعلها كالكحل سحقا ثم جلس وجلست حتى استوفينا وقلت لصاحب الحلوى زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق وليكن رقيق القشر كثيف الحشو يذوب كالصمغ قبل المضغ ليأكله أبو زيد هنيئا فوزنه ثم قعد وقعدت حتى استوفيناه وقلت يا أبا زيد ما أحوجنا إلى ماء يشعشع بالثلج يفثأ هذه اللقم اجلس يا أبا زيد حتى آتيك بسقاء ثم خرجت وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع فلما أبطأت عليه قام إلى حماره فاعتلق الشواء بإزاره وقال أبن ثمن ما أكلت فقال أكلته ضيفا فلكمه لكمة وثنى عليه بلطمة وقال متى دعوناك فجعل السوادي يبكي ويحل عقده بأسنانه ويقول كم قلت لذلك القريد أنا أبو عبيد وهو يقول أنت أبو زيد فأنشدت:

أشعاره

من شعره ما نقله أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني في ذيل زهر الآداب، قال: كان الخوارزمي يرميه ببغض علي ويشنع عليه بذلك ويغري به الطالبيين، فقال: (والبيتان الأولان نقلهما في كشف الغمة):

#يقولون لي: ما تحب الوصي م فقلت: الثرى بفم الكاذب! #أحب النبي وآل النبي م وأختص آل أبي طالب
#وإن كان رفضا ولاء الوصي م فلا برح الرفض من جانبي
#وإن كنتم من ولاء الوصي م على العجب كنت على القارب

ومن شعره المزدوجة التي يهجو بها الخوارزمي، نسبها إليه ياقوت في معجم الأدباء وليست في ديوانه منها:

وقد تركنا أكثرها وفي جملة ما تركناه ما اشتمل على الهجاء المقذع وألفاظ الفحش التي نصون كتابنا عنها. وقوله في ابن فريغون:

وله من قصيدة في أبي عامر عدنان بن محمد الضبي رئيس هراة:

وله من قصيدة في الأمير أبي علي الحسين ابن أبي الحسن محمد سيمجور الخشنامي:

وله من قصيدة في أبي القاسم بن ناصر الدولة:

وله من أخرى:

وله من قصيدة في الرئيس أبي جعفر الميكالي:

ومن أخرى في غيره:

ومن أخرى:

وله من قصيدة:

ومن أخرى:

وقوله:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 570

بديع الزمان الهمداني اسمه أحمد بن الحسين بن يحيى.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 550

بديع الزمان الأشعري أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني. سكن هرارة وروى عن ابن فارس صاحب المجمل وعيسى بن هشام الأخباري، كان متعصبا لأهل الحديث والسنة، روى عنه أخوه أبو سعد ابن الصفار والقاضي أبو محمد عبد الله بن الحسين النيسابوري. قال شيرويه: أدركته ولم يقض لي عنه السماع وكان في الحديث ثقة ويتهم بمذهب الأشعرية ويقال جن في آخر عمره وسمعت بعض أصحابنا يقول: كان يعرف الرجال والمتون انتهى. قال ياقوت: لم يستقص أحد خبره أحسن مما اقتصه الثعالبي وكان قد لقيه وكتب عنه قال: بديع الزمان، ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصر، ولم نر نظيره في الذكاء وسرعة الخاطر، وشرف الطبع، وصفاء الذهن، وقوة النفس، ولم يدرك نظيره في ظرف النثر وملحه، وغرر النظم ونكته، وكان صاحب عجائب وبدائع، فمنها أنه كان ينشد الشعر لم يسمعه قط وهو أكثر من خمسين بيتا مرة واحدة فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرم حرفا، وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق من كتاب لم يعرفه ولا رآه نظرة واحدة خفيفة ثم يهذها عن ظهر قلبه هذا ويسردها سردا، وهذه حاله في الكتب الواردة وغيرها، وكان يقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة، وكان ربما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخره وهلم جرا إلى أوله ويخرجه كأحسن شيء وأملحه، ويوشح القصيدة الفريدة من قيله بالرسالة الشريفة من إنشائه، فيقرأ من النظم النثر ويروي من النثر النظم، ويعطي القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة، ويقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فيرتجله أسرع من الطرف على ريق لا يبلعه ونفس لا يقطعه، وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم ومسابقة اليد للفم، وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغريبة بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الإبداع والإسراع إلى عجائب كثيرة لا تحصى ولطائف تطول أن تستقصى، وكان مع ذلك مقبول الصورة حسن العشرة، فارق همذان سنة ثمانين وثلاث مائة وورد حضرة الصاحب ابن عباد فتزود من ثمارها وحسن آثارها، ثم قدم جرجان وأقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية والتعيش في أكنافهم واختص بالدهخداه أبي سعيد محمد بن منصور، ونفقت بضاعته لديه، وورد إلى نيسابور ونشر بها بزه وأظهر طرزه وأملى أربع مائة مقامة نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها، وشجر بينه وبين أبي بكر الخوارزمي ما كان سببا لهبوب ريح الهمذاني وعلو أمره. وقد أورد مما جرى بينهما جملة في كتاب معجم الأدباء لياقوت منها قال: جمع السيد نقيب السيادة بنيسابور أبو علي بنيهما فترفع الخوارزمي فبعث إليه السيد مركوبه فحضر مع جماعة من تلاميذه فقال له البديع: إنما دعوناك لتملأ المجلس فوائد وتذكر الأبيات الشوارد والأمثال الفوارد ونناجيك فنسعد بما عندك وتسألنا فتسر بما عندنا ونبدأ بالفن الذي ملكت زمامه وطار به صيتك وهو الحفظ إن شئت والنظم إن أردت والنثر إن اخترت والبديهة إن نشطت فهذه دعواك التي تملأ منها فاك، قال: فأحجم الخوارزمي عن الحفظ لكبر سنه ولم يجل في النثر قداحا وقال: أبادهك، فقال البديع: الأمر أمرك يا أستاذ، فقال له الخوارزمي: أقول لك ما قال موسى للسحرة {قال بل ألقوا} فقال البديع:

وهي أبيات كثيرة فيها مدح الشريف والمفاخرة وتهجين الخوارزمي، فقال الخوارزمي أبياتا ولكن ما أبرزها من الغلاف، فقال البديع: أما تستحي أن يكون السنور أعقل منك لأنه يجعر فيغطيه بالتراب، فقال لهما الشريف: انسجا على منوال المتنبي:
#أرق على أرق ومثلي يأرق فابتدأ أبو بكر الخوارزمي وقال:
ونظم أبياتا ثم اعتذر فقال: هذا كما يجيء لا كما يجب، فقال البديع: قبل الله عذرك لكنك وقعت بين قافات خشنة كل قاف كجبل قاف فخذ الآن جزاء عن قرضك وأداء لفرضك:
فقال الخوارزمي: أحمقا لا يجوز فإنه لا ينصرف، فقال له البديع: لا نزال نصفعك حتى ينصرف وتنصرف معه وللشاعر أن يرد ما لا ينصرف وإن شئت قلت يا كودنا، وسرد المجلس بكماله ياقوت وهذا القدر كاف. وساق له مزدوجة يمدح فيها الصحابة ويهجو الخوارزمي ويجيبه عن قصيدة رويت له في الطعن عليهم رضي الله عنهم أولها:
ورسائله مدونة مشهورة وهي في غاية الفصاحة والبلاغة منها: الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه، وإذا سكن متنه تحرك نتنه، وكذا الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه، ويثقل ظله إذا انتهى محله. ومنها: حضرته التي هي كعبة المحتاج، لا كعبة الحجاج، ومشعر الكرم، لا مشعر الحرم، ومنى الضيف، لا منى الخيف، وقبلة الصلات، لا قبلة الصلاة. وله تعزية: الموت خطب قد عظم حتى هان، و مس قد خشن حتى لان، والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت أخف خطوبها، وخبثت حتى صار أصغر ذنوبها، فلينظر يمنة، هل يرى إلا محنة، ثم ينظر يسرة، هل يرى إلا حسرة. ومن شعره:
وله كل معنى فائق في كل لفظ رائق من النظم والنثر وأخباره كثيرة. قال الحاكم: سمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره و سمع صوته بالليل وأنه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر. وكانت وفاته بهراة سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0

بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات اسمه أحمد بن الحسين.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0

أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بديع الزمان الهمذاني أبو الفضل: قال أبو شجاع شيرويه بن شهردار في «تاريخ همذان» إن أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر أبا الفضل الملقب ببديع الزمان سكن هراة، روى عن أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا وعيسى بن هشام الأخباري، وكان أحد الفضلاء والفصحاء، متعصبا لأهل الحديث والسنة، ما أخرجت همذان بعده مثله، وكان من مفاخر بلدنا، روى عنه أخوه أبو سعد ابن الصفار والقاضي أبو محمد عبد الله بن الحسين النيسابوري.
قال: وتوفي في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. قال شيرويه: ومحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الصفار الفقيه أبو سعد أخو بديع الزمان أبي الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى لأبيه وأمه مفتي البلد. روى عن ابن لال وابن تركان وعبد الرحمن الامام وأبي بكر محمد بن الحسين الفراء وابن جائحان، وذكر جماعة وافرة.
قال: وأدركته ولم يقض لي عنه السماع، وكان في الحديث ثقة، ويتهم بمذهب الأشعرية، ويقال جن في آخر عمره إلى أن مات. وسمعت بعض أصحابنا يقول: كان يعرف الرجال والمتون، ولد في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ومات- ولم يذكره وذكره الثعالبي- في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وكذا قال أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي في «تاريخ هراة» .
قال المؤلف: وقد رأيت ذكر البديع في عدة تصانيف من كتب العلماء، فلم يستقص أحد خبره أحسن مما اقتصه الثعالبي، وكان قد لقيه وكتب عنه، فنقلت خبره من كتابه ولخصته من بعض سجعه قال: بديع الزمان، ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر وغرة العصر، ولم نر نظيره في الذكاء وسرعة الخاطر وشرف الطبع وصفاء الذهن وقوة النفس، ولم ندرك نظيره في طرف النثر وملحه، وغرر النظم ونكته، وكان صاحب عجائب وبدائع، فمنها أنه كان ينشد الشعر لم يسمعه قط، وهو أكثر من خمسين بيتا، إلا مرة واحدة فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرم حرفا، وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره، نظرة واحدة خفيفة، ثم يهذها عن ظهر قلبه هذا ويسردها سردا، وهذا حاله في الكتب الواردة وغيرها، وكان يقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة، وكان ربما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخره ثم هلم جرا إلى أوله، ويخرجه كأحسن شيء وأملحه، ويوشح القصيدة الفريدة من قيله بالرسالة الشريفة من إنشائه، فيقرأ من النظم النثر ويروي من النثر النظم، ويعطى القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة، ويقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فيرتجله أسرع من الطرف، على ريق لا يبلعه ونفس لا يقطعه، وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم ومسابقة اليد للفم. وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغريبة بالأبيات العربية، فيجمع فيها بين الإبداع والإسراع، إلى عجائب كثيرة لا تحصى، ولطائف تطول أن تستقصى. وكان مع ذلك مقبول الصورة حسن العشرة، وفارق همذان سنة ثمانين وثلاثمائة وهو مقتبل الشبيبة، غض الحداثة، وقد درس على أبي الحسين ابن فارس وأخذ عنه جميع ما عنده واستنفد علمه. وورد حضرة الصاحب ابن عباد فتزود من ثمارها وحسن آثارها، ثم قدم جرجان وأقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية والتعيش في أكنافهم، واختص بالدهخداه أبي سعد محمد بن منصور، ونفقت بضاعته لديه، وتوفر حظه من عادته المعروفة في إسداء الإفضال على الأفاضل. ولما أراد ورود نيسابور أعانه بما سيره إليها فوردها في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ونشر بها بزه وأظهر طرزه، وأملى أربعمائة مقامة نحلها أبا الفتح الاسكندري في الكدية وغيرها، وضمنها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. ثم شجر بينه وبين الأستاذ أبي بكر الخوارزمي ما كان سببا لهبوب ريح الهمذاني وعلو أمره، إذ لم يكن في الحساب أن أحدا من العلماء ينبري لمساجلته، فلما تصدى الهمذاني لمباراته وجرت بينهما مقامات ومبادهات ومناظرات، وغلب قوم هذا وغلب آخرون ذاك، طار ذكر الهمذاني في الآفاق، وشاع ذكره في الأفاق، ودرت له أخلاف الرزق، فلما مات الخوارزمي خلا له الجو وتصرفت به أحوال جميلة وأسفار كثيرة، ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلا دخلها وجنى ثمارها، ولا ملك له ولا وزير إلا واستمطر بنوئه وسرى في ضوئه، فحصلت له نعمة حسنة وثروة جميلة، وألقى عصاه بهراة فاتخذها دار قراره، وصاهر بها أبا علي الحسين بن محمد الخشنامي، وهو الفاضل الكريم الأصيل، وانتظمت أحواله بمصاهرته، واقتنى بمعونته ضياعا فاخرة، وحين بلغ أشده وأربى على أربعين سنة ناداه الله فلباه، وفارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
وهذا أنموذج من رسائله: فصل من رقعة كتبها إلى الخوارزمي، وهو أول ما كاتبه به: أنا لقرب الأستاذ: كما طرب النشوان مالت به الخمر .
ومن الارتياح للقائه: كما انتفض العصفور بلله القطر.
ومن الامتزاج بولائه: كما التقت الصهباء والبارد العذب.
ومن الابتهاج بمزاره: كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب.
ومن رقعة إلى غيره: يعز علي أن ينوب- أيد الله الشيخ- في خدمته قلمي عن قدمي، ويسعد برؤيته رسولي دون وصولي، ويرد مشرع الأنس به كتابي قبل ركابي، ولكن ما الحيلة والعوائق جمة:

وقد حضرت داره، وقبلت جداره، وما بي حب الحيطان، ولكن شغف بالقطان، ولا عشق الجدران، ولكن شوق إلى السكان.
وقال البديع وأراد التحميض- كما يقول أهل بغداد- ومعناه عندهم غير ذلك كقوله:
فالسامع يرى أنه أراد فسا مدينة بفارس التي منها أبو علي الفسوي النحوي وإنما أراد فسا من الفسو، والضمير في «فيها» يريد به اللحية.
وذكر أبو إسحاق الحصري في كتاب «زهر الآداب» وقد ذكر أبا الفضل الهمذاني بديع الزمان فقال: وهذا اسم وافق مسماه ولفظ طابق معناه، كلامه غض المكاسر أنيق الجواهر، يكاد الهواء يسرقه لطفا والهوى يعشقه ظرفا. ولما رأى أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثا وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وانتخبها من معادن فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها إلى الأفكار والضمائر، في معارض حوشية، وألفاظ عنجهية، فجاء أكثرها تنبو عن قبوله الطباع ولا ترفع له حجب الأسماع، وتوسع فيها، إذ صرف ألفاظها ومعانيها، في وجوه مختلفة، وضروب منصرفة، عارضه بأربعمائة مقامة في الكدية تذوب ظرفا وتقطر حسنا، لا مناسبة بين المقامتين لفظا ولا معنى، عطف مساجلتها، ووقف مناقلتها، بين رجلين سمى أحدهما عيسى بن هشام والآخر أبا الفتح الاسكندري، وجعلهما يتهاديان الدر ويتنافثان السحر، في معان تضحك الحزين، وتحرك الرصين، وتطالع منها كل طريفة، ويوقف منها على كل لطيفة، وربما أفرد بعضهما بالحكاية، وخص أحدهما بالرواية.
وقد ذكره أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي في «تاريخ هراة» من تأليفه، وأنشد للبديع:
وكتب بديع الزمان إلى مستميح عاوده مرارا وقال له: لم لا تديم الجود بالذهب، كما تديمه بالادب؟ فكتب البديع: عافاك الله، مثل الإنسان في الإحسان، مثل الأشجار في الإثمار، وسبيل من ابتدأ بالحسنة، أن يرفه إلى السنة، وأنا كما ذكرت لا أملك عضوين من جسدي، وهما فؤادي ويدي، أما اليد فتولع بالجود، وأما الفؤاد فيتعلق بالوفود، ولكن هذا الخلق النفيس، لا يساعده الكيس، وهذا الخلق الكريم، لا يحتمله الغريم، ولا قرابة بين الأدب والذهب، فلم جمعت بينهما؟ والأدب لا يمكن ثرده في قصعة، ولا صرفه في ثمن سلعة، قد جهدت جهدي بالطباخ أن يطبخ لي من جيمية الشماخ لونا فلم يفعل، وبالقصاب أن يذبح «أدب الكتاب» فلم يقبل، وأنشدت في الحمام ديوان أبي تمام فلم ينجع، ودفعت إلى الحجام مقطعات اللحام فلم يأخذ، واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت فأنشدت ألفا ومائتي بيت من شعر الكميت فلم تغن، ودفعت أرجوزة العجاج في توابل السكباج فلم تنفع، وانت لم تقنع فما أصنع؟ فإن كنت تحسب اختلافك إلي إفضالا منك علي، فراحتي ألا تطرق ساحتي، وفرجي ألا تجي، والسلام.
وحدث أبو الحسن ابن أبي القاسم البيهقي صاحب كتاب «وشاح الدمية» وقد ذكر أبا بكر الخوارزمي: وقد رمي بحجر البديع الهمذاني في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وأعان البديع الهمذاني قوم من وجوه نيسابور كانوا مستوحشين من أبي بكر، فجمع السيد نقيب السادة بنيسابور أبو علي بينهما، وأراده على الزيارة، وداره بأعلى ملقباذ، فترفع، فبعث اليه السيد مركوبه، فحضر أبو بكر مع جماعة من تلامذته، فقال له البديع: إنما دعوناك لتملأ المجلس فوائد، وتذكر الأبيات الشوارد، والأمثال الفوارد، ونباحثك فنسعد بما عندك، وتسألنا فتسر بما عندنا ... ونبدأ بالفن الذي ملكت زمامه وطار به صيتك، وهو الحفظ إن شئت، والنظم ان أردت، والنثر إن اخترت، والبديهة إن نشطت، فهذه دعواك التي تملأ منها فاك، فأحجم الخوارزمي عن الحفظ لكبر سنه ولم يجل في النثر قداحا وقال: أبادهك، فقال البديع: الأمر أمرك يا أستاذ، فقال له الخوارزمي: أقول لك ما قال موسى للسحرة {قال بل ألقوا} فقال البديع:
قال: وهذه أبيات كثيرة فيها مدح الشريف أبي علي والمفاخرة وتهجين الخوارزمي، فقال الخوارزمي أيضا أبياتا ولكن ما أبرزها من الغلاف، فقال له البديع: أما تستحي أن يكون السنور أعقل منك لانه يجعر فيغطيه بالتراب، فقال لهما الشريف: انسجا على منوال المتنبي:
أرق على أرق ومثلي يأرق
فابتدا أبو بكر وكان إلى الغايات سباقا وقال:
ونظم أبياتا ثم اعتذر فقال: هذا كما يجيء لا كما يجب، فقال البديع: قبل الله عذرك، لكن وقفت بين قافات خشنة كل قاف كجبل قاف، فخذ الآن جزاء عن قرضك وأداء لفرضك:
فقال له أبو بكر: يا أحمقا لا يجوز فإنه لا ينصرف، فقال البديع: لا نزال نصفعك حتى ينصرف وتنصرف معه، وللشاعر أن يرد ما لا ينصرف إلى الصرف وإن شئت قلت: يا كودنا. ثم قولك في البيت «يا سيدي» ثم قلت «تتقلق» مدحت أم قدحت؟ فإن اللفظين لا يركضان في حلبة، فقال لهما الشريف: قولا على منوال المتنبي:
#أهلا بدار سباك أغيدها قال البديع:
فقال أبو بكر: الكنود قلة الخير لا الكفران، فكذبه الجمع وقالوا: ما قرأت قوله تعالى {إن الإنسان لربه لكنود} أي لكفور، فقال له أبو بكر: أنا اكتسبت بفضلي دية أهل همذان فما الذي اكتسبت أنت بفضلك فقال له البديع: أنت في حرفة الكدية أحذق، وبالاستماحة أحرى وأخلق، فقطعه الكلام. ثم أنشد القوال:
فقال الخوارزمي: أنا أحفظ هذه القصيدة، فقال البديع: أخطأت فإن البيت على غير هذه الصيغة وهي:
فقال له أبو بكر: والله لأصفعنك ولو بعد حين، فقال البديع: أنا أصفعك اليوم وتضربني غدا، اليوم خمر وغدا أمر، وأنشد قول ابن الرومي:
ثم أنشد البديع:
فأمال النعاس الرؤوس، وسكنت الألحان والنفوس، وسلب الرقاد الجلوس، فنام القوم كعادتهم في ضيافات نيسابور، وأصبحوا فتفرقوا، وبعض القوم يحكم بغلبة البديع، وبعضهم يحكم بغلبة الخوارزمي، وسعى الفضلاء بينهما بالصلح ودخل عليه البديع واعتذر وتاب واستغفر مما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقال له البديع: بعد الكدر صفو، وبعد الغيم صحو، فعرض عليه الخوارزمي الاقامة عنده سحابة يومه، فأجابه البديع وأضافه الخوارزمي. وكان بعض الرؤساء مستوحشا من الخوارزمي، وهيأ مجمعا في دار الشيخ السيد أبي القاسم الوزير، وكان أبو القاسم فاضلا ملء إهابه، وحضر أبو الطيب سهل الصعلوكي والسيد أبو الحسين العالم، فاستمال البديع قلب السيد أبي الحسين بقصيدة قالها في مدائح أهل البيت أولها:
ثم حضر المجلس القاضي أبو عمر البسطامي وأبو القاسم ابن حبيب والقاضي أبو الهيثم والشيخ أبو نصر ابن المرزبان، ومع الامام أبي الطيب الفقهاء والمتصوفة، وحضر أبو نصر الماسرجسي مع أصحابه والشيخ أبو سعد الهمذاني، ودخل مع الخوارزمي جمع غفير من أصحابه، فقيل لهما أنشدا على منوال قول أبي الشيص:
فابتدر الخوارزمي فقال:
منها:
فقال البديع: ما معنى قولك ذئب غاض؟ فقال أبو بكر: ما قلته، فشهد عليه الحاضرون أنه قاله، فقال أبو بكر: الذئب الغاضي الذي يأكل الغضا، فقال البديع:
استنوق الذئب، صار الذئب جملا يأكل الغضا. ثم دخل الرئيس أبو جعفر والقاضي أبو بكر الحيري والشيخ أبو زكريا والشيخ أبو الرشيد المتكلم، فقال الرئيس قولا على هذا النمط:
ثم أنشد الخوارزمي على هذا النمط، فلما فرغ من انشاده قال البديع للوزير والرئيس: لو أن رجلا حلف بالطلاق أني لا أقول شعرا ثم نظم تلك الأبيات التي قالها الخوارزمي هل كنتم تطلقون امرأته عليه؟ فقالت الجماعة: لا يقع بهذا طلاق، ثم قلت: انقد علي في ما نظمت، واحكم عليه كما حكمت، فأخذ الابيات وقال: لا يقال نظرت لكذا ويقال نظرت إلى كذا، وأنت قلت فانظر لمنظر، وشبهت الطير بالمحصنات، وهذا تشبيه فاسد، ثم شبهتها بالمغنيات حين قلت:
المحصنات كيف توصف بالغناء؟ (ثم) قلت: «كالبحر في تزخاره والغيث في أمطاره» والغيث هو المطر، فقال البديع: الغيث المطر والسحاب، وصدقه الحاضرون وأنكروا على الخوارزمي. فقال الامام أبو الطيب: علمنا أي الرجلين أفضل وأشعر، فقام البديع وقبل رأس الخوارزمي ويده وقال: اشهدوا أن الغلبة له، قال ذلك على سبيل الاستهزاء، وتفرق الناس واشتغلوا بتناول الطعام، وأبو بكر ينطق عن كبد حرى، والوزير يقول للبديع: ملكت فأسجح. فلما قام أبو بكر أشار إلى البديع وقال: لأتركنك بين الميمات، فقال: ما معنى الميمات: فقال: بين مهدوم مهزوم مغموم محموم مرجوم محروم، فقال البديع: لأتركنك بين الهيام والسقام والسام والبرسام والجذام والسرسام، وبين السينات بين منحوس ومنخوس ومنكوس ومعكوس، وبين الخاءات من مطبوخ ومسلوخ ومشدوخ ومفسوخ وممسوخ، وبين الباءات بين مغلوب ومسلوب ومصلوب ومنكوب. فخرج البديع وأصحاب الشافعي يعظمونه بالتقبيل والاستقبال، والاكرام والاجلال، وما خرج الخوارزمي حتى غابت الشمس، وعاد إلى بيته وانخزل انخزالا شديدا، وانكسف باله وانخفض طرفه، ولم يحل عليه الحول حتى خانه عمره وذلك في شوال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
قال أبو الحسن البيهقي: وبديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الحافظ كان يحفظ خمسين بيتا بسماع واحد، ويؤديها من أولها إلى آخرها، وينظر في كتاب نظرا خفيفا ويحفظ أوراقا ويؤديها من أولها إلى آخرها، فارق همذان في سنة ثمانين وثلاثمائة، وكان قد اختلف إلى أحمد بن فارس صاحب «المجمل» وورد حضرة الصاحب وتزود من ثمارهما، واختص بالدهخداه أبي سعد محمد بن منصور، ونفقت بضاعته لديه، ووافى نيسابور في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وبعد موت الخوارزمي خلا له الجو، وجرت بينه وبين أبي علي الحسين بن محمد الخشنامي مصاهرة، وألقى عصا المقام بهراة، ثم فارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
وحدث الثعالبي في أخبار أبي فراس قال: حكى أبو الفضل الهمذاني قال، قال الصاحب أبو القاسم يوما لجلسائه وأنا فيهم، وقد جرى ذكر أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان: لا يقدر أحد أن يزور على أبي فراس شعرا فقلت: من يقدر على ذلك، وهو الذي يقول:
فقال الصاحب: صدقت، فقلت: أيد الله مولانا فقد فعلت .
ويقال إن السبب في مفارقة البديع الهمذاني حضرة الصاحب أنه كان في مجلسه فخرجت منه ريح، فقال البديع: هذا صرير التخت، فقال الصاحب: أخشى أن يكون صرير التحت، فأورثه ذلك خجلا كان سبب مفارقته إياه ووروده إلى خراسان.
وكانت أول رقعة كتبها البديع إلى الخوارزمي عند وروده نيسابور: «أنا لقرب الأستاذ أطال الله بقاءه: كما طرب النشوان مالت به الخمر.
ومن الارتياح للقائه: كما انتفض العصفور بلله القطر.
ومن الامتزاج بولائه: كما التقت الصهباء والبارد العذب.
ومن الابتهاج بمزاره: كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب.
فكيف ارتياح الأستاذ لصديق طوى إليه ما بين قصبتي العراق وخراسان بل ما بين عتبتي الجبل ونيسابور، وكيف اهتزازه لضيف في بردة حمال وجلدة جمال:
وهو ولي إنعامه بانفاذ غلامه الى مستقري، لأفضي إليه بما عندي إن شاء الله تعالى وحده.
ثم اجتمع إليه فلم يحمد لقيه فانصرف عنه وكتب إليه: الأستاذ- والله يطيل بقاءه، ويديم تأييده ونعماءه- أزرى بضيفه أن وجده يضرب آباط القلة في أطمار الغربة، فأعمل في ترتيبه أنواع المصارفة، وفي الاهتزاز له أصناف المضايقة، من إيماء بنصف الطرف، وإشارة بشطر الكف، ودفع في صدر القيام عن التمام، ومضغ الكلام وتكلفه لرد السلام، وقد قبلت هذا الترتيب صعرا، واحتملته وزرا، واحتضنته نكرا، وتأبطته شرا، ولم آله عذرا، فإن المرء بالمال وثياب الجمال، وأنا مع هذه الحال وفي هذه الأسمال أتقزز صف النعال، ولو حاملته العتاب وناقشته الحساب وصدقته المصاع لقلت: إن بوادينا ثاغية صباح وراغية رواح، وقوما يجرون المطارف ولا يمنعون المعارف:
ولو طوحت بالأستاذ أيدي الغربة إليهم لوجد منال البشر قريبا، ومحط الرحل رحيبا، ووجه المضيف خصيبا، ورأيه- أيده الله، في أن يملأ من هذا الضيف أجفان عينه ويوسع أعطاف ظنه، ويجيبه بموقع هذا العتاب الذي معناه ود، والمر الذي يتلوه شهد، موفق إن شاء الله تعالى.
الجواب من الخوارزمي:
فهمت ما تناوله سيدي من خشن خطابه ومؤلم عتبه وعتابه، وصرفت ذلك منه إلى الضجر الذي لا يخلو منه من نبا به دهر ومسه من الأيام ضر، والحمد لله الذي جعلني موضع أنسه، ومظنة مشتكى ما في نفسه. أما ما شكاه سيدي من مضايقتي إياه- زعم- في القيام وتكلفي لرد السلام، فقد وفيته حقه كلاما وسلاما وقياما على قدر ما قدرت عليه ووصلت إليه، ولم أرفع عليه غير السيد أبي القاسم، وما كنت لأرفع أحدا على من أبوه الرسول وأمه البتول، وشاهداه التوراة والانجيل، وناصراه التأويل والتنزيل، والبشير به جبرائيل وميكائيل. وأما عدم الجمال ورثاثة الحال فما يضعان عندي قدرا ولا يضران نجرا، وإنما اللباس جلدة والزي حلية بل قشرة، وإنما يشتغل بالجل من لا يعرف قيمة الخيل، ونحن بحمد الله نعرف الخيل عارية من جلالها، ونعرف الرجال بأقوالها وأفعالها، لا بآلاتها وأحوالها. وأما القوم الذين صدر سيدي عنهم وانتمى اليهم ففيهم لعمري فوق ما وصف: حسن عشرة وسداد طريقة وجمال تفصيل وجملة، ولقد جاورتهم فنلت المراد وأحمدت المراد:
والله يعلم نيتي للأحرار عامة ولسيدي من بينهم خاصة، فإن أعانني على مرادي له ونيتي فيه بحسن العشرة بلغت له بعض ما في المنية وجاوزت مسافة القدرة، وإن قطع علي طريق عزمي بالمعارضة وسوء المؤاخذة صرفت عناني عن طريق الاختيار بيد الاضطرار:
وعلى هذا فحبذا عتاب سيدي إذا صادف ذنبا واستوجب عتبا، فأما أن يسلفنا العربدة ويستكثر المعتبة والموجدة فتلك حالة نصونه عنها ونصون أنفسنا عن احتمال مثلها، فليرجع بنا إلى ما هو أشبه به وأجمل له، ولست أسومه أن يقول: {استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} ولكن أسأله أن يقول: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.
رقعة البديع الثالثة إلى الخوارزمي:
أنا أرد من الأستاذ سيدي شرعة وده، وإن لم تصف، وألبس خلعة بره وإن لم تضف، وقصاراي أن أكيله صاعا بصاع ومدا عن مد، وإن كنت في الأدب دعي النسب ضعيف السبب ضيق المضطرب سيء المنقلب، أمت إلى أهله بعشرة رشيقة، وأنزع إلى خدمة أصحابه بطريقة. ولكن بقي أن يكون الخليط منصفا في الإخاء عادلا في الوداد، إذا زرت زار وإن عدت عاد، والأستاذ سيدي- أيده الله- ضايقني في القبول أولا وناقشني في الإقبال ثانيا، فأما حديث الاستقبال وأمر الإنزال والإنزال فنطاق الطمع ضيق عنه غير متسع لتوقعه منه، وبعد فكلفة الفضل هينة وفروض الود متعينة، وطرق المكارم بينة، وأرض العشرة لينة، فلم اختار قعود التعالي مركبا، وصعود التغالي مذهبا؟ وهلا ذاد الطير عن شجر العشرة إذا كان ذاق الحلو من ثمرها؛ وقد علم الله أن شوقي إليه قد كد الفؤاد برحا على برح، ونكأه قرحا على قرح، فهو شوق داعيته محاسن الفضل وجاذبته بواعث العلم، ولكنها مرة مرة ونفس حرة، ولم تقد إلا بالإعظام ولم تلق إلا بالاكرام. وإذا استعفاني سيدي الأستاذ من معاتبته واستعادته، ومؤاخذته إذا جفا واستزادته، وأعفى نفسه من كلف الفضل يتجشمها، فليس إلا غصص الشوق أتجرعها، وحلل الصبر أتدرعها، فلم أعره من نفسي، وأنا لو أعرت جناحي طائر لما رنقت إلا إليه، ولا حلقت إلا عليه:
جواب الخوارزمي عنها:
شريعة ودي لسيدي- أدام الله عزه- إذا وردها صافية، وثياب بري إذا قبلها ضافية، هذا ما لم يكدر الشريعة بتعنته وتعصبه، ولم تخرق الثياب بتجنيه وتسحبه، فأما الإنصاف في الإخاء فهو ضالتي عند الأصدق، ولا أقول:
فإن قائل هذا البيت قاله والزمان زمان، والاخوان إخوان، وحسن العشرة سلطان، ولكني أقول: وإني لمشتاق إلى ظل:
وقد كان الناس يقترحون الفضل فأصبحنا نقترح العدل، وإلى الله المشتكى لا منه. ذكر الشيخ سيدي- أيده الله- حديث الاستقبال، وكيف يستقبل من انقض علينا انقضاض العقاب الكاسر، ووقع بيننا وقوع السهم العائر:
وقد زاد سيدي على أستاذه الأشعري، فإن أستاذه كلف العاجز ما لا يطيق مع عجزه عنه، وسيدي كلف الجاهل علم الغيب مع الاستحالة منه. والمنزل بما فيه قد عرضته عليه، ولو أطقت حمله لحملته إليه، والشوق الذي ذكره سيدي فعندي منه الكثير الكبير، وعنده منه الصغير اليسير، وأكثرنا شوقا أقلنا عتابا وأليننا خطابا. ولو
أراد سيدي أن أصدق دعواه في شوقه إلي لغض من حجم عتبه علي، فإنما اللفظ زائد واللحظ وارد، فإذا رق اللفظ دق اللحظ، وإذا صدق الحب ضاق العتاب والعتب:
عتاب سيدي قبيح ولكنه حسن، وكلامه لين ولكنه خشن، أما قبحه فلأنه عاتب بريئا، ونسب إلى الإساءة من لم يكن مسيئا. وأما حسنه فلألفاظه الغرر، ومعانيه التي هي كالدرر، فهي كالدنيا ظاهرها يغر وباطنها يضر، وكالمرعى على دمن الثرى منظره بهي ومخبره وبي، ولو شاء سيدي نظم الحسن والإحسان، وجمع بين صواب الفعل واللسان:
رقعة أخرى للبديع إلى الخوارزمي:
أنا وإن كنت مقصرا في موجبات الفضل من حضور مجلس الاستاذ سيدي فما أفري إلا جلدي، ولا أبري إلا قدحي، ولا أبخس إلا حظي، وإن يكن ذاك جرما فكفى هذا عقابا، ومع ذاك فما أعمر أوقاتي إلا بمدحه ولا أطرز ساعاتي إلا بذكره، ولا أركض إلا في حلبة وصفه حرس الله فضله. نعم وقد رددت «كتاب الأوراق» للصولي وتطاولت لكتاب «البيان والتبيين» للجاحظ، وللأستاذ سيدي في الفضل والتفضل به رأيه.
وقال البديع يمدح الصحابة ويهجو الخوارزمي ويجيبه عن قصيدة رويت له في الطعن عليهم:
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
وكتب البديع إلى معلمه جوابا: الشيخ الإمام يقول: فسد الزمان، أفلا يقول متى كان صالحا؟ أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها، أم في المدة المروانية وفي أخبارها:
ام السنين الحربية:
أم الأيام العدوية، وصاحبها يقول: هل بعد البزول الا النزول، أم الأيام التيمية وصاحبها يقول طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام، أم على عهد الرسالة وقيل اسكني يا فلانة فقد ذهبت الأمانة، أم في الجاهلية ولبيد يقول:
أم قبل ذلك وأخو عاد يقول:
أم قبل ذلك وقد قال آدم عليه السلام:
أم قبل ذلك والملائكة تقول {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} واني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، شفيق على بقائه، ما نسيته ولا أنساه، وإن له بكل كلمة علمنا منارا، ولكل حرف أخذته منه نارا، ولو عرفت لكلامي موقعا من قلبه لاغتنمت خدمته به، ولكني خشيت أن يقول {هذه بضاعتنا ردت إلينا} واثنتان قلما تجتمعان الخراسانية والانسانية، وإني وإن لم أكن خراساني الطينة فإني خراساني المدينة، والمرء من حيث يوجد لا من حيث يولد، والانسان من حيث يثبت لا من حيث ينبت، فإذا انضاف إلى تربة خراسان ولادة همذان ارتفع القلم وسقط التكليف، والجرح جبار والجاني حمار، فليحملني على هناتي، أليس صاحبنا يقول:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 234

البديع العلامة البليغ، أبو الفضل، أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني، بديع الزمان.
صاحب كتاب ’’المقامات’’ التي على منوالها نسج الحريري.
وله ترسل فائق، ونظم رائق، وهو القائل:

مات بهراة في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة مسموما أو مسبوتا.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 519

أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد، المعروف ببديع الزّمان الهمذانيّ أبو الفضل.
قال أبو شجاع شيرويه في تاريخ همذان: إنه سكن هراة.
وقد روى عن أحمد بن فارس، صاحب المجمل، وعيسى بن هشام الأخباري. وكان أحد الأدباء الفصحاء، ما أخرجت همذان بعده مثله، وسمّ في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة. وكان قيّما بعلم الحديث.
استقصى الثعالبيّ أخباره، وقال عنه: كان بديع الزمان معجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدّهر، وغرّة العصر، من لم ير له نظير في الذّكاء، وكان صاحب عجائب ونوادر وبدائع، منها: أنه كان ينشد الشّعر لم يسمعه قطّ، وهو أكثر من خمسين بيتا، فيحفظه في مرّة واحدة لا يخرم منه حرفا، وينظر في الأربع والخمس أوراق من كتاب لم يعرفه نظرة واحدة ثم يهذّها عن ظهر قلبه هذّا، وكان يقترح عليه عمل قصيدة أو إنشاء رسالة في معنى، فيكتبها في الحال من غير مسوّدة، إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
وأكبر كتبه في الرسائل، وله ديوان شعر، وله كتاب المقامات المعروفة بمقامات البديع، وهي التي حذا ابن عليّ الحريريّ حذوها.

  • دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 256

أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر، أبو الفضل، الهمذاني، بديع الزمان.
حدث عن: أبي الحسين أحمد بن فارس، وعيسى بن هشام الأخباري.
وعنه: أبو عبد الله الحاكم، وأخوه أبو سعد محمد بن الحسين، وأبو محمد عبد الله بن الحسين النيسابوري، وأبو منصور عبد الملك الثعالبي، وغيرهم.
وصفه الحاكم بالحافظ الأديب الشاعر. وقال الثعالبي في ’’يتيمته’’ بديع الزمان، ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصر، ولم نر نظيره في الذكاء، وسرعة الخاطر، وشرف الطبع، وصفاء الذهن، وقوة النفس، ولم ندرك نظيره في طرف النثر وملحه، وغرر النظم ونكته. وقال أبو شجاع شيرويه في ’’تاريخ همذان’’: كان أحد الفضلاء والفصحاء، متعصباً لأهل الحديث والسنة، ما أخرجت همذان بعده مثله، وكان من مفاخر بلدنا. وقال ياقوت: وقد رأيت ذكر البديع في عدة تصانيف من كتب العلماء، فلم يستقص أحد خبره أحسن مما اقتصه الثعالبي، وقد كان لقيه وكتب عنه. وقال ابن خلكان: الحافظ صاحب الرسائل الرائقة، والمقامات الفائقة، وعلى منواله نسج الحريري مقاماته، واحتذى حذوه، واقتفى أثره، واعترف في خطبه بفضله، وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج. قال مقيده - عفا الله عنه -: وساق له الذهبي في ’’تاريخه’’ قصيدة ثم قال: وهي من غرر القصائد، لولا ما شانها بإساءة أدبه على خليل الله - عليه السلام -، وما ذاك ببعيد من الكفر. وقال ابن كثير: كان قد أخذ اللغة عن ابن فارس، ثم برز، وكان أحد الفضلاء الفصحاء، ويذكر أنه سم وأخذته سكتة، فدفن سريعاً - رحمه الله تعالى -، وعفا عنه، وسامحه وإيانا بمنه.
مات بهراة، يوم الجمعة الحادي عشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
قال أبو سعيد الحاكم: سمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة، وعجل دفنه، فأفاق في قبره، وسمع صوته بالليل، وأنه نبش عنه، فوجدوه قد قبض لحيته، ومات من هول القبر.
قلت: [ثقة حافظ نادرة الزمان في الأدب والنظم والنثر يحذر منه في بعض قصائده على صلابته في السنة].
’’مختصر تاريخ نيسابور’’ (37/ أ)، ’’يتيمة الدهر’’ (4/ 293)، ’’الأنساب’’ (5/ 563)، ’’مختصره’’ (3/ 392)، ’’معجم الأدباء’’ (2/ 161)، ’’الكامل في التاريخ’’ (7/ 241)، ’’وفيات الأعيان’’ (1/ 127)، ’’المختصر في أخبار البشر’’ (1/ 138)، ’’النبلاء’’ (17/ 67)، ’’تاريخ الإسلام’’ (27/ 349)، ’’العبر’’ (2/ 193)، ’’تاريخ ابن الوردي’’ (1/ 444)، ’’الوافي بالوفيات’’ (6/ 355)، ’’مرآة الجنان’’ (2/ 449)، ’’البداية’’ (15/ 523)، ’’النجوم الزاهرة’’ (4/ 218)، ’’نزهة الألباب’’ (1/ 114)، ’’الشذرات’’ (4/ 512).

  • دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية-ط 1( 2011) , ج: 1- ص: 1