الزين أحمد عارف ابن الحاج علي بن سليمان الزين: صاحب مجلة (العرفان) من أهل صيدا (في لبنان) ولد في قرية شحور ونشأ بها وبصيدا. وتعلم في النبطية وابتدأ يكتب في بعض جرائد بيروت سنة 1905 وأصدر مجلته ببيروت عام 1909 ونقلها إلى صيدا سنة 1912 فاستمرت، ما عدا فترات، إلى عام وفاته. ثم تتابع اصدارها فبلغت 36 مجلدا سنة 1368هـ. واصدر (سنة 1912) جريدة ’’جبل عامل’’ فعطلت، هي والعرفان وسجن 45 يوما: ثم احرقت مطبعة العرفان 1915 وسجن ايضا وفي عهد الاحتلال الفرنسي 1928 نفي من بلده، وعاد وسجن سنة 1936 مع بعض الزعماء وأطلق. وأدركته الوفاة وهو يصلي في محراب الامام الرضا، في مدينة ’’مشهد’’ بايران. وكانت له مشاركة في حركة اليقظة العربية. ولم يعقه ما لقي في سبيلها، من سجن ونفي، عن متابعة العناية بمجلته التي كانت اعظم ميدان لأقلام كتاب عصره من العامليين على الخصوص، والشيعة الإمامية بصفة عامة وكان لمطبعتها الفضل في نشر جملة من كتب الأدب والتاريخ. وصنف (تاريخ صيدا – ط) و (تاريخ الشيعة - ط) و (الحب الشريف - ط).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 141
الشيخ عارف الزين ويقال أحمد عارف
ولد في قرية شحور في رمضان سنة 1301 وتوفي سنة 1380 في مشهد الرضا حيث قصده زائرا ففاجاته المنية هناك فدفن في الصحن الرضوي.
وكانت نشاته الأولى في شحور ثم في صيدا وتعلم القرآن الكريم والخط على أحد شيوخ القرية وفي أثناء ذهابه إلى صيدا كان يتردد على مدرستيها الرشدية واليسوعية ولما بلغ الحادية عشرة من سنة أرسله والده إلى النبطية ليتعلم في مدرستها الابتدائية فمكث فيها مدة قليلة ثم انتقل إلى 405 مدرستها الدينية التي أنشاها السيد حسن يوسف فدرس فيهاالنحو والصرفوالمنطقوالبيانعلى اساتذتها ومنهم الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر والشيخ حسين نعمة وفي أثناء ذلك درس شيئا من اللغتين الفارسية والتركية. ولما انتقل إلى صيداء درس شيئا من اللغة الافرنسية.
حياته الصحفية
أنشا مجلة العرفان وأصدر العدد الأول منها في المحرم سنة 1327 ثم أنشا جريدة اسبوعية باسم جبل عامل وتوقفت الجريدة بعد صدورها سنة واحدة واستمر يصدر مجلته. فاصدر منها المجلدين الرابع والخامس وفي أوائل صدر جزءان من السادس ثم احتجبت مدة كلها وبعض مدة الاحتلال ثم عاود إصدارها.
فيأصابه من مظالم ما أصاب الأحرار فقد فتشت مطبعته وداره ولم يعثر على ما يؤاخذ عليه وسيق مع من سيق إلى محكمة عالية العرفية فبقي تحت المراقبة 22 يوما وعاد إلى صيدا ولم يلبث قليلا حتى آثر العزلة في مزرعة له مشتغلا في إدارة زراعته إلى أوائل الاحتلال ثم عاد إلى عمله الصحفي الأول وإدارة مطبعته.
في الجمعيات
اشترك هو وتوفيق البساط بتأسيس جمعية في صيدا باسم جمعية نشر العلم، وكان اجتماعها الأول في داره واتخذت بعد ذلك ناديا خاصا وانتخب رئيسا لها وقد أرسلت بعض الشبان إلى المدارس العالية لإكمال دروسهم على نفقتها.
في عهد
لم يكد الفرنسيون يحتلون البلاد ويعلنون انتدابهم عليها حتى جاهرهم العداء فحاكموه وحكموا عليه بالسجن أكثر من مرة. ولعل من أحسن ما قيل في وطنيته ما قاله أحد مؤبنيه:
كان وطنيا في الوقت الذي كانت فيه الوطنية عطاء محضا وعذابا صرفا واضطهادا مستمرا ولما أعلن الاستقلال وراح أدعياء الوطنية يجرون المغانم، انزوى بعيدا عن الاستغلال والمستغلين.
العرفان
من أفضل ما قيل في مجلة العرفان ما قاله أحد مؤبنيه:
إن مجلة العرفان تختلف عن جميع المجلات العربية، بأنها أكثر من أية مجلة أخرى قد أصبحت بالنسبة لفريق كبير من الناس رمزا للشغف بالقراءة، ورمزا على الإقبال من القراء.
لقد تفردت العرفان في ذهن طبقة واسعة من المواطنين بمنزلة لم تبلغها مجلة سواها وتجاوز التعلق بها المثقف وبات اسمها مرادفا عند سواد الناس لأي مجلة وأي نشرة.
وكثيرا ما نسمع في أنحاء هذا الجزء العزيز من الوطن (جبل عامل) سيدة طيبة من عجائزنا أو شيخا صافيا من شيوخنا يسميان كل مطبوعة انها العرفان.
والواقع ان هذه المجلة كانت مدرسة سيارة للعامليين والعراقيين بصورة خاصة ففضلا عما كانت تحمله من معارف وآداب إلى أبعد القرى التي لم يكن يقدر لها لولاها أن تعرف شيئا مما عرفت-فضلا عن ذلك فقد كانت العرفان الباب الوحيد الذي ولج منه أفضل الأدباء والشعراء والنقاد العامليون والعراقيون إلى الحياة الواسعة.
فكم من كاتب وشاعر لو لا أن العرفان شجعته وأخذت بيده لظل خافت الصوت خامد القريحة وقد قدر المخلصون هذه الحقيقة فاحتفلوا بمرور خمسين عاما على صدور العرفان احتفالا رائعا في صيدا.
وإذا كنا قد خصصنا القول عن أثر العرفان في جبل عامل والعراق فليس ذلك لأن لا اثر لها في غيرهما وإنما لأنها اثرت في هذين المجالين بما لا يمكن لغيرها أن يؤثر فيهما وإلا فقد كانت العرفان منذ صدورها صدى لأصوات العرب والمسلمين المتدافعة في كل مكان، وحسبك انها عطلت مرة تعطيلا طويلا أصابها بافدح الخسائر لأنها نشرت مقالا لكاتب من مدينة حماه أشاد به ببعض شهداء حماه الأبرار مما أغضب عليها الفرنسيين فنكبوها وطالما عانت من الفرنسيين تعطيلا ومطاردة فهي أبدا إما في تعطيل منهم أو في مصادرة ومنع في مستعمراتهم الافريقية. ويمكن القول انها المجلة الوحيدة في بلاد الشام التي استمرت في الصدور بانتظام منذ مولدها حتى اليوم فيما عدا ما اعترضها من قوى قاهرة في الحرب والتعطيل فكم من مجلات ولدت لا في بلاد الشام وحدها بل في بلاد العرب كلها، ثم لم تلبث ان ماتت بينما ظلت العرفان تتقدم في مدارج الحياة مجتازة العقاب والصعاب ولم يكن ذلك إلا لعزيمة صاحبها وإخلاصه وتضحياته وترفعه عن الأغراض.
لما أنشا العرفان أصبحت مطبعته سوق عكاظ الأدباء والعلماء والكتاب من الأقطار العربية المختلفة، وكانت داره مقرا لأهل العلم والفضل من علماء جبل عامل، وغيرهم من الشخصيات العربية البارزة.
ولا أنسى موائد الشاي، والمجالس الادبية التي كنت ألتقي فيها بخيرة رجال العلم والأدب في ندوة صاحب العرفان، والتي كانت عاملا فعالا في ميلي الأدبي. وتحدث كاتب آخر عن العرفان قائلا:
والحقيقة هذه، هي أن العرفان كانت أول خيوط النور من فجر النهضة العربية الحديثة يمتد إلى مجاهل المنطقة المنعزلة الغارقة في ظلام عجيب..
من هنا ينبغي أن يبدأ الباحث، حين يريد أن يتعرف سيرة أحمد عارف الزين بحقيقتها، بانبل صفحاتها، وأبهج مآثرها..
لقد كان صاحب العرفان يجمع لنا خيوط النور من كل مكان ويبثها شعاعا في بلادنا وفي جيلنا، فنلمح بها فجر الحياة العربية الطالع، حين لا ملمح للنور عندنا إلا من حيث يطلع العرفان ومن حيث يكتب ويكافح صاحب العرفان.
فإذا كان ناس من جيلنا، في هذه البقعة من لبنان، قد طمح في 406 العشرينات، بالأخص، إلى العلم الحديث يتعلمونه، وإلى الأدب الجديد يتذوقونه أو يكتبونه، وإلى أسباب المعرفة يتشبثون بها من وراء المجاهل كلها، وإلى التراث العربي الصالح يتخيرون أطايبه وفضائله، وإلى الحياة الحرة الكريمة ينشدونها ويكافحون لها، فذلك كله انما كان-في ذلك الزمان-لأن عرفانات أحمد عارف الزين كانت الحافز الأول لهذا الطموح كله، يوم لا حافز غيرها في معتزلنا هنا آنذاك..
وإذا كان قد انحسر ظلام العهد الاستعماري هنا، في العشرينات والثلاثينات، عن حفنة من الشبان المستنيرين يجهرون، في المواسم الاجتماعية والدينية وفي المحافل المختلفة، بنداء الحرية والتحرر والاستقلال، ويقفون بجرأة أشبه بالمغامرة حيال الاقطاعية والرجعية المناصرتين لدولة الانتداب-فذلك كله انما كان، لأن وطنية أحمد عارف الزين، وجرأته وصلابته، كانت تلهم وتحفز وتثير وتنير.. في فاتحة أول جزء صدر من العرفان (5 شباط 1909) يقول الشيخ أحمد عارف الزين:
.. وبعد، فلما كان هذا العصر المنير، عصر العلم والنور، والحرية والدستور، عصرا تلألأت فيه أنوار الحكمة، وتقشعت سحب الجهل وغياهب الظلمة، ومنشئ هذه المجلة منذ نعومة أظفاره وهو يتشوق لانشاء صحيفة يتمكن بها من خدمة أمته ووطنه إذ كل امرئ ميسر لما خلق له. والآن قد تيسر لنا ذلك. إذ الأمور مرهونة بأوقاتها، فأنشأنا هذه المجلة على اعتراف منا بالعجز والتقصير، ودعوناها العرفان، ولكل اسم من مسماة نصيب.
وفي فاتحة الجزء الأول من المجلد الثاني الصادر في 12 كانون الثاني عام، 1910، يبتهل صاحب العرفان إلى الله هذا الابتهال الحار:
اللهم ان هذا موقف تزل به الاقدام، وتزيغ عنه الأفكار..
فثبتني بالقول الثابت، ووفقني للعمل النافع، والفكر الصائب، واهدني صراطك المستقيم..
اللهم إنا نبرأ إليك، يا ذا الحول والطول، من الحول والطول، ونسألك توفيق هذه الأمة للم الشعث، وجمع، شتات الشمل، والتمسك باهداب النشاط والعمل، ونبذ بوادر القول الفارغ والكسل، وطرح التقليد والتقيد بالعادات، واتباع الاجتهاد والاعتماد على النفس، واطلاق الأفكار والإرادات من أغلال البدع والخرافات، انك سميع مجيب..
ثم نقرأ هذا الابتهال الآخر في فاتحة الجزء الأول من المجلد الثالث (1 كانون الثاني 1911):
اللهم ثبتني بالقول الثابت، والعمل النافع، ولا تجعل للأهواء علي سبيلا، واعذني من كل شيطان رجيم، وأفاك أثيم.
وأشهدك باني غير معصوم عن الزلل والخطل. فهب لي من ينتقد اقوالي، ويمحض اعمالي، ورحم الله امرأ اهدى إلي عيوبي.
من هذه النصوص يفتتح بها المجلدات الثلاثة الأول للعرفان نستطيع ان نستخلص الخطوط الكبرى للمنهج الذي رسمه الشيخ أحمد
عارف الزين لنفسه ولعرفانه.. وفي ضوء هذه النصوص نفسها نستطيع ان نتتبع سيرة الرجل وسيرة عرفانه لنزى لنرى كيف أخلص لمنهجه هذا طوال نصف قرن، لا يحيد عنه، ولا ينحرف عن خطته مقدار شعره، ولو كلفه الثبات على هذا المنهج وهذه الخطة أشق المتاعب وأفدح المكاره..
نعود إلى النصوص المتقدمة الذكر، نستخلص منها الملامح المنهجية الرئيسية:
أولا-نتعرف، في افتتاحية أول جزء يصدر من العرفان، أن الرجل كان ينزع منذ نعومة أظفاره إلى عمل ما يتمكن به من خدمة أمته ووطنه، وكان يرى انه ميسر-بحكم طبعه وثقافته وبحكم عصر العلم والنور والحرية والدستور -لأن تكون الصحافة سبيله إلى خدمة الأمة والوطن، ولأن يكون العرفان -بمعنى المعرفة-شعار الصحيفة التي أنشاها لأداء الغرض، فكان الشعار نفسه اسما لها وعنوانا..
فخدمة الأمة والوطن، هدفه.. ونشر العلم والعرفان، وسيلته..
ثانيا-نتعرف من ذكره الأمة والوطن معا، ان الرجل كان-منذ أول عهده بالخدمة العامة، حين لم تكن معالم الأشياء والألفاظ والمفاهيم القومية والوطنية قد اتضحت بعد-يدرك حدود ما يقول وما يكتب، وانه قد اتخذ، منذ البدء. موقفا واضحا محددا بين موقفين متناقضين عرفناهما-بعد ذلك-في فريق من اللبنانيين العاملين في حقل السياسة اللبنانية والعربية..
وهما: موقف الذين نظروا، في مجال الكفاح التحريري، إلى الأمة العربية نظرة تجريدية منفصلة عن الأرض والبشر، حتى انمحى لبنان الوطن، أو يكاد في أذهانهم من الوجود الواقعي للأمة العربية.. يقابله موقف النقيض الآخر، الذي نظر إلى لبنان نظرة تجريدية أيضا تفصل لبنان عن تاريخه وتراثه وحقيقة كينونته الواقعية، فإذا هو منفصل عن الأمة العربية، في المفهوم السياسي والوطني عند أصحاب هذه النظرة، وفي سلوكهم العملي..
وحين نرى الشيخ أحمد عارف الزين يردف كلمة الوطن بكلمة الأمة، في فاتحة أول جزء يصدر من عرفانه، لا نستطيع أن نستخلص من ذلك إلا أن الرجل كان يعني ما يقول، وانه نظر للقضية نظرة قومية وطنية واقعية نعتقد انها تحدد نتيجة كفاحه السياسي التحرري، وإن كنا لا ندري: أ كان ذلك إدراكا منه أن الأمر ينتهي إلى هذا الاختلاف في الموقف والنظرة، أم كان فهما تلقائيا سليما صادرا عن حس واقعي سليم؟.
ثالثا-نتلمس في ثنايا النصوص المتقدمة الذكر منهجية اخلاقية واضحة السمات والملامح، قائمة على فضيلة التواضع، البالغة حد الاعتراف بالعجز والتقصير، وهي الفضيلة التي نعرف انها الخاصة المميزة للذين ينشدون الخدمة العامة مخلصين، ويبحثون عن الحق والحقيقة صادقين، وانها-بالاخص-صفة العالم المحاذر ابدا من هاجس الغرور، والمشفق على نفسه أبدا من مواقف الزلل والانحراف عن طريق الصواب.. وقد رأينا الشيخ أحمد عارف، في ابتهالاته الحارة المؤمنة، 407 يشهد الله انه غير معصوم عن الزلل والخطل، ويدعو الله أن يهبه من ينتقد أقواله، ومن يمحص، اعماله، ومن يهدي إليه عيوبه.. وهل شيء أوضح دلالة على أخلاقية الرجل من أن يرى نقد عيوبه إهداء وهدية؟.
مؤلفاته
منها تاريخ صيدا وهو مطبوع ومختصر تاريخ صيدا وهو كتاب مدرسي لم يطبع. ومختصر تاريخ الشيعة مطبوع ومما طبعه وعلق عليه بعض الشروح (الوساطة بين المتنبي وخصومه) ومنها ما طبعه وشرحه بشركة آخرين (العراقيات).
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 405