الكسائي علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن الكسائي: إمام في اللغة والنحو والقراءة. من أهل الكوفة. ولد في إحدى قراها. وتعلم بها. وقرأ النحو بعد الكبر، وتنقل في البادية، وسكن بغداد، وتوفي بالري، عن سبعين عاما. وهو مؤدب الرشيد العباسي وابنه الأمين. قال الجاحظ: كان أثيرا عند الخليفة، حتى أخرجه من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين. أصله من أولاد الفرس. وأخباره مع علماء الأدب في عصره كثيرة. له تصانيف، منها (معاني القرآن) و (المصادر) و (الحروف) و (القراآت) و (النوادر) ومختصر في (النحو).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 283

أبو الحسن ويكنى أبا عبد الله علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فزار الكسائي توفي سنة 189 بالري.
أحد القراء السبعة قرأ في القرآن على حمزة وقرأ حمزة على أبي عبد الله وقرأ على أبيه وقرأ على أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما عن رياض العلماء في باب الألقاب وقرأ الكسائي على أبان بن تغلب وهو من الشيعة والتشيع مذهب أكثر أهل الكوفة في ذلك العصر. وأكثر الشيخ حسن بن علي الطبرسي في كتاب أسرار الإمامة من النقل عن كتاب قصص الأنبياء للكسائي هكذا استدل بعض المعاصرين على تشيعه والله أعلم.
وهو كوفي نزل بغداد وأدب محمد بن الرشيد. وهو إمام أهل الكوفة في النحو والقراءة وأستاذ الفراء وخلف الأحمر. والكسائي قليل الشعر وله أبيات يصف فيها النحو ويحث على تعلمه مشهورة أولها:

مات هو ومحمد بن الحسن الفقيه مع الرشيد بناحية الري في خرجته الأولى إلى خراسان. وكتب الكسائي إلى الرشيد وهو يؤدب محمد بأبيات أولها:
واستماحه فيها فأمر له بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء وخادم وبرذون بسرجه ولجامه.
ويحتل الكسائي منزلة سامية بين علماء عصره، فهو شيخ أئمة الكوفة في النحو، واحد القراء السبعة المشهورين في الأمصار، ومن أوائل من أسهموا في وضع قواعد اللغة العربية وإرساء دعائمها.
ومن المعروف أنه نشأ بالكوفة، ونال مركز الصدارة بين علمائها، ثم رحل إلى بغداد حيث استفاضت شهرته فيها، وعرف له الخليفة المهدي هذه المكانة فأسند إليه مهمة تثقيف ولده الرشيد، ولما تولى الرشيد الخلافة عهد إليه بمهمة تأديب ولديه: الأمين والمأمون، فقام الكسائي بأداء المهمة على خير وجه، إذ رفعه الرشيد بعدها من طبقة المعلمين والمؤدبين إلى طبقة الجلساء والمؤنسين.
ومن العجيب إن الرجل الذي وصل إلى هذه المنزلة، قضى شبابه كله وصدرا من كهولته، وهو ابعد الناس عن العلم، ولو إن عرافا أسر إليه بأنه سيصبح من أئمته في المستقبل لظنه يسخر منه أو يهزأ به، ولكن الذي حدث إن الكسائي، وكان يذهب كثيرا لمجالسة صديق له من العلماء، ذهب ذات مرة إلى صديقه هذا، وهو في حال شديدة من التعب والإرهاق، فلما سأله الرجل عن حاله، قال الكسائي: لقد عييت، فاظهر الرجل اشمئزازه وسخطه من هذه الكلمة وقال له: أتجالسني وأنت تلحن؟ فقال الكسائي كيف لحنت؟ فقال له: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر، فقل: عييت مخففا، وإن كنت أردت من التعب، فقل: أعييت. فانف الكسائي من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك، فسال: من يعلم النحو؟ فأرشدوه إلى معاذ بن مسلم الهراء، فلزمه حتى أنفذ ما عنده.
ثم لم يكتف الكسائي بما أخذه عن أستاذه من علم كان كفيلا على التحقيق إلا يجعله يقع فيما استنكفه من نفسه من لحن. يبدو إن نفسه قد تفتحت للعلم، وطمح بأمله إلى بلوع مرتبة أعلى من مرتبة الذين أخذ بعضهم عليه زلة الوقوع في اللحن، فرحل إلى البصرة حيث جلس في حلقة الخليل بن أحمد، وقد أدهشه ما يتمتع به الخليل من وفرة العلم واتساع المعرفة، فسأله في لحظة من لحظات إعجابه به مأخوذا: من أين أخذت علمك هذا؟ فأجاب الخليل: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، وسرعان ما كان الكسائي يشد رحاله إلى تلك البوادي، يسمع عن أعرابها من غريب اللغة ونوادرها ما أنفذ في كتابته خمس عشرة قنينة حبر، سوى ما حفظ، ورجع بعد ذلك إلى الكوفة، وقد وعى من العلم الشيء الكثير.
ثم رحل الكسائي إلى بغداد تسبقه شهرته كعالم فذ من علماء اللغة، وكان عليه لكي يقرر هذه الحقيقة ويزيدها تأكيدا أن يخوض كثيرا من المناظرات اللغوية التي كان يخرج منها كلها غالبا منتصرا.
ولعل أشهر مناظرة خاضها الكسائي في بغداد، هي تلك المناظرة المعروفة، التي جرت بينه وبين سيبويه إمام النحاة البصريين، على مشهد من العلماء في محفل البرامكة، وهي تتلخص في ذلك السؤال الذي وجهه الكسائي إلى سيبويه قائلا: كيف تقول: كنت أظن إن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: أقول: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب، فقال له أخطأت، العرب ترفع ذلك وتنصبه. وحينئذ أصر سيبويه على رأيه، وصمم الكسائي على ورود الوجهين. وكان إن استدعى يحيى بن خالد البرمكي الإعراب الواقفين على بابه لتحكميهم في الأمر، فشهدوا إن القول ما قاله الكسائي.
هذه هي خلاصة المناظرة الشهيرة التي كان من نتيجتها إن ترك سيبويه بغداد، ورحل إلى قريته البيضاء في فارس، ثم لم يلبث بعد ذلك إن مات وهو في ريعان رجولته حزينا آسفا.
لا شك إن ما مني به الرجل من فشل، ثم انزواءه وموته، كان لهما أكبر الأثر في إعطاء هذه المناظرة أكثر مما تستحق من نقاش وجدل، فقد انبرى أنصار سيبويه لمهاجمة الكسائي والحط من شانه، فاتهموه بالجهل، وقالوا إن هذه المناظرة لم تكن إلا تمثيلية مرتبة احكم وضعها مع الأعراب الذين شهدوا معه وقبضوا ثمن شهادتهم قبل الأدلاء بها، وإن الكسائي خشي على مكانته من خصمه ففعل ذلك وهو يعلم إن الحق ليس معه. إلى غير ذلك من التهم التي يطول بنا الأمر لو أوردناها، وأوردنا الردود عليها.
والواقع إن الرجل كما يتضح من تاريخ حياته العلمية يبدو أكبر من إن يسلك هذا المسلك في سبيل النيل من خصمه، وقد أدلى في مناظرته معه بما كان يعتقده صوابا، وبما صح لديه من كلام العرب حتى قبل إن يعرف إن ثمة مناظرة ستجري بينهما في يوم من الأيام. ونظرة إلى مذهب مدرسة الكوفة في النحو توضح لنا الرأي الذي أدلى به الكسائي، فمن المعروف إن مذهبهم في اللغة يقوم على الفسحة والتوسع فيها، ولهذا فهم مثلا يعتبرون الشاذ والضرورة من كلام العرب ليسا خطا وإن كانا قليلين ويجيزون القياس عليهما بناء على ذلك، على حين إن مدرسة البصرة التي يمثلها سيبويه تتشدد في ذلك وتأبى الاعتراف بغير المتواتر الكثير الورود من الكلام، وما عداه خطا لا يجوز القياس عليه، وقد أدلى كلا الرجلين بما يؤمن به وما صح عنده من غير حاجة إلى تواطؤ من الكسائي مع الأعراب لتقرير شيء لم يرد في كلام العرب اختلافا وكذبا، وكيف هو الذي شهد له معاصروه بالصدق والعلم. يقول ابن الأعرابي: ما جربت على الكسائي في كذبه قط.
بعد المناظرة التي جرت بين الكسائي وسيبويه، يمكننا إن نقول: إن سيبويه كان ولا شك آخر الشخصيات العظيمة التي ناظرها الكسائي، فقد كان أنبغ من أنجبتهم البصرة من رجالها بعد الخليل، وحسبه مكانة أنه صاحب الكتاب الذي لم يؤلف في العربية أتم ولا أكمل منه حتى الآن.
وقد عاش الكسائي بعد ذلك علما شامخا معترفا بنبوغه ووفرة علمه من علماء عصره جميعا. ويتضح ذلك بجلاء من قصة مناظرة، لعلها آخر مناظرة جرت بينه وبين أحد من العلماء وهو الفراء.
يقول الفراء: مدحني رجل من النحويين فقال في: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟ فأعجبتني نفسي فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأني كنت طائرا يغرف من البحر بمنقاره.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 233

الكسائي النحوي اسمه علي بن حمزة بن عبد الله.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 29

الكسائي علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز الأسدي مولاهم الكوفي، إنما قيل له الكسائي لأنه دخل الكوفة، وأتى حمزة بن حبيب الزيات وهو ملتف بكساء، فقال حمزة: من يقرأ؟ فقيل له: صاحب الكساء. فبقي علما عليه، وقيل: بل أحرم في كساء. شيخ القراء وأحد السبعة وإمام النحاة. نزل بغداد وأدب الرشيد، ثم أولاده. قرأ القرآن على حمزة الزيات أربع مرات، وقرأ على محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عرضا، وروى عن جعفر الصادق والأعمش وسليمان بن أرقم وأبي بكر ابن عياش، واختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السبع. وتعلم النحو على كبر سنه، وجالس الخليل في البصرة. وكانوا يكثرون عليه حتى لا يضبطهم. وكان يجمعهم ويجلس على كرسي، ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ. مات مع الرشيد في قرية زنبويه، ومات معه محمد بن الحسن، فقال الرشيد لما عاد إلى العراق: دفنت النحو والفقه بزنبويه، وذلك سنة تسع وثمانين ومائة. وزنبويه بالري، ولم يكن له في الشعر يد، حتى قيل: إنه ليس في علماء العربية أجهل منه بالشعر.
اجتمع يوما بمحمد بن الحسن في مجلس الرشيد، فقال الكسائي: من تبحر في علم يهدى إلى جميع العلوم، فقال له محمد بن الحسن: ما تقول في من سها في سجود السهو، هل يسجد مرة أخرى؟ فقال الكسائي: لا، قال: لماذا؟ قال: لأن النحاة يقولون: التصغير لا يصغر. وقيل إن هذه جرت لمحمد بن الحسن والفراء النحوي، فقال محمد بن الحسن: فما تقول في تعليق الطلاق بالملك؟ قال: لا يصح، قال: لم؟ قال: لأن السيل لا يسبق المطر. وسيأتي ذكر ما جرى له مع سيبويه في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وكتب إلى الرشيد يشكو العزبة: من الكامل

فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء وخادم وبرذون، وجميع ما تحتاج الجارية إليه.
وحكي أنه كان يشرب الشراب ويأتي الغلمان. قيل إنه أقام غلاما ممن عنده في الكتاب يفسق به، وجاء بعض الكتاب ليسلم عليه، فرآه الكسائي ولم يره الغلام، فجلس الكسائي في مكانه وبقي الغلام قائما مبهوتا. فلما دخل الكاتب قال: ما شأن هذا الغلام قائما؟ قال: وقع الفعل عليه فانتصب. ذكر ذلك ياقوت في معجم الأدباء.
وأشرف الرشيد عليه يوما وهو لا يراه، فقام الكسائي ليلبس نعليه، فابتدر الأمين والمأمون فوضعاها بين يديه. فقبل رؤوسهما وأيديهما وأقسم عليهما أن لا يعاودا ذلك أبدا. فلما جلس الرشيد مجلسه قال: أي الناس أكرم خدما؟ قالوا: أمير المؤمنين أعزه الله تعالى، فقال: بل الكسائي، يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم الحديث.
وقال الفراء: مدحني رجل من النحويين فقال لي: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟!! فأعجبتني نفسي، فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، وكأني كنت طائرا يغرف من البحر بمنقاره. وقال الفراء: مات الكسائي وهو لا يدري حد نعم وبئس، ولا حد أن المفتوحة ولا حد الحكاية. ولم يكن الخليل يحسن حد النداء ولا كان سيبويه يدري حد التعجب.
وكان سبب تعلم الكسائي النحو أنه جاء إلى قوم من الهباريين، وقد أعيى فقال: قد عييت، فقالوا له: أتجالسنا وتلحن؟!! فقال: كيف لحنت؟ فقالوا: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل: عييت -مخففا-، وإن كنت أردت من التعب فقل: أعييت. فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من فوره وأتى إلى معاذ الهراء، ولازمه حتى أخذ ما عنده. وخرج إلى البصرة، فأتى الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الإعراب: تركت أسد الكوفة وتميما، وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة!! فقال الخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة. فخرج ورجع وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ. فلم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس النحوي. فمرت بينهما مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه.
ولما أتى حمزة الزيات وتقدم ليقرأ عليه، رمقه القوم بأبصارهم وقالوا: إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف، وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه. فسمعهم فقرأ بسورة يوسف. فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ: {فأكله الذيب} -بغير همز- فقال له حمزة: الذئب بالهمز، فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت؟ {فالتقمه الحوت} قال: لا، قال: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت، وهذا {فأكله الذئب} وهذا {فالتقمه الحوت}؟ فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول -وكان أجمل غلمانه- فتقدم إليه في جماعة من المجلس، فناظروا فلم يصنعوا شيئا. فقال: أفدنا رحمك الله. فقال الكسائي: تفهموا عن الحائك، تقول: إذا نسبت الرجل إلى الذئب: قد استذأب الرجل، ولو قلت: قد استذاب -بغير همز- لكنت إنما نسبته إلى الهزال، أي: استذاب شحمه -بغير همز-. وإذا نسبته إلى الحوت تقول: قد استحات الرجل، أي كثر أكله، لأن الحوت يأكل كثيرا، لا يجوز فيه الهمز. فلتلك العلة همز الذئب، ولم يهمز الحوت. وفيه معنى آخر: لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جمعه، وأنشدهم:
قال سلمة: كان عند المهدي ولد يؤدب ولده الرشيد، فدعاه المهدي يوما وهو يستاك، فقال له: كيف تأمر من السواك؟ فقال: إستك يا أمير المؤمنين، فقال المهدي: {إنا لله وإنا إليه راجعون}. ثم قال: التمسوا لنا من هو أفهم من هذا. فقالوا: رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريبا، فأمر بإحضاره من الكوفة. فساعة دخل عليه قال له: يا علي بن حمزة، قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: كيف تأمر من السواك؟ قال: سك يا أمير المؤمنين، قال: أحسنت وأصبت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وقال الكسائي: حججت مع الرشيد، فقدمت لبعض الصلوات، فصليت فقرأت: {ذرية ضعافا خافوا عليهم} فأملت ضعافا. فلما سلمت، ضربوني بالأيدي والنعال وغير ذلك حتى غشي علي، واتصل الخبر بالرشيد، فوجه بمن استنقذني. فلما جئته قال لي: ما شأنك؟ فقلت: قرأت لهم ببعض قراءات حمزة الرديئة، ففعلوا بي ما بلغ أمير المؤمنين، فقال: بئس ما صنعت. ثم إن الكسائي ترك كثيرا من قراءات حمزة.
وقال: أحضرني الرشيد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وأخرج إلي محمد الأمين وعبد الله المأمون كأنهما بدران فقال: امتحنهما بشيء. فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب عنه، فقال لي: كيف تراهما؟ فقلت:
ثم قلت: فرع زكا أصله، وطاب مغرسه، وتمكنت فروعه، وعذبت مشاربه، وأوراق غصنه، وأينع ثمره، وزكا فرعه، إذا هما ملك أغر نافذ الأمر، واسع العلم، عظيم الحلم. أعلاهما فعلوا، وسما بهما فسموا، فهما يتطاولان بطوله، ويستضيئان بنوره، وينطقان بلسانه، فأمتع الله أمير المؤمنين بهما وبلغه الأمل فيهما، فقال الرشيد: تعهدهما. فكنت أختلف إليهما في الأسبوع طرفي نهارهما. ومن شعر الكسائي:
وحضر مجلس الكسائي أعرابي وهم يتحاورون في النحو، فأعجبه ذلك. ثم تناظروا في التصريف، فلم يهتد إلى ما يقولون، ففارقهم وقال:
وله من التصانيف: كتاب معاني القرآن، كتاب مختصر في النحو، كتاب القراءات، كتاب العدد، كتاب النوادر الكبير، كتاب النوادر الأوسط، كتاب النوادر الصغير، كتاب اختلاف العدد، كتاب الهجاء، كتاب مقطوع القرآن وموصوله، كتاب المصادر، كتاب الحروف، كتاب أشعار المعاياه وطرائقها، كتاب الهاءات المكني بها في القرآن.
وقال المنذري: أسمعني أبو بكر عن بعض مشايخه، أن الكسائي كان يقوم في المحراب يؤم، فتشذ عليه القراءة حتى لا يقوم بقراءة ’’الحمد لله رب العالمين’’، ثم ينحرف فيقبل عليهم، فيملي القرآن حفظا وتفسيره بمعانيه. وقال أبو محمد اليزيدي يرثيه ويرثي محمد بن الحسن:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0

الكسائي اسمه علي بن حمزة.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 24- ص: 0

علي بن حمزة الكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن
عثمان، من ولد بهمن بن فيروز، مولى بني أسد، النحوي أحد الأئمة في القراءة والنحو واللغة، وأحد السبعة القراء المشهورين، وهو من أهل الكوفة استوطن بغداد وروى الحديث وصنف الكتب، ومات بالري صحبة الرشيد- على ما نذكره فيما بعد- سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ومائة وقيل بعد ذلك في سنة تسع وثمانين، وقال مهدي بن سابق: في سنة اثنتين وتسعين ومائة هو ومحمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي حنيفة، فقال الرشيد: اليوم دفنت الفقه والعربية، قال الخطيب إن عمر الكسائي بلغ سبعين سنة.
وكان الكسائي مؤدبا لولد الرشيد، وكان أثيرا عند الخليفة حتى أخرجه من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين. وكان الكسائي قد قرأ على حمزة الزيات ثم اختار لنفسه قراءة، وسمع من سليمان بن أرقم وأبي بكر ابن عياش. (وفي القراء آخر يقال له الكسائي الصغير واسمه محمد بن يحيى روى عنه ابن مجاهد عن خلف بن هشام البزار) .
حدث الخطيب قال قال الفراء: إنما تعلم الكسائي النحوي على كبر، وسببه أنه جاء إلى قوم من الهباريين، وقد أعيا، فقال لهم: قد عييت، فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟ فقال: كيف لحنت؟ قالوا: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل عييت مخففا، وإن كنت أردت من التعب فقل أعييت، فأنف من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك فسأل من يعلم النحو، فأرشده إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة وجئت إلى البصرة؟! فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ قال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، فلم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس النحوي، فمرت بينهما مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه.
وحدث الخطيب أيضا بإسناد رفعه إلى عبد الرحيم بن موسى قال: قلت للكسائي لم سميت الكسائي، قال: لأني أحرمت في كساء، قال وقيل فيه قول آخر، وذكر إسنادا رفعه إلى محمد بن يحيى المروزي قال: سألت خلف بن هشام لم سمي الكسائي كسائيا؟ فقال: دخل الكسائي الكوفة، فجاء إلى مسجد السبيع، وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرئ فيه، فتقدم الكسائي مع أذان الفجر فجلس وهو ملتف بكساء من البركان الأسود، فلما صلى حمزة قال: من تقدم في الوقت يقرأ، قيل له الكسائي أول من تقدم- يعنون صاحب الكساء- فرمقه القوم بأبصارهم، فقال:
إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه، فسمعهم فابتدأ بسورة يوسف، فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ فأكله الذيب بغير همز، فقال له الزيات:
بالهمز، فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت في قوله تعالى فالتقمه الحؤت؟
قال: لا قال: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب وهذا فالتقمه الحوت، فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول، وكان أجمل غلمانه، فتقدم إليه في جماعة من أهل المجلس فناظروه فلم يصيبوا شيئا، فقال: أفدنا رحمك الله، فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك: تقول إذا نسبت الرجل إلى الذئب قد استذأب الرجل، ولو قلت قد استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول:
استذاب الرجل إذا استذاب شحمه بغير همز، وإذا نسبته إلى الحوت تقول قد استحات الرجل أي كثر أكله لأن الحوت يأكل كثيرا لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت، وفيه معنى آخر: لا تسقط الهمزة من مفرده ولا من جمعه وأنشدهم:

قال: سمي الكسائي من ذلك اليوم.
وحدث المرزباني فيما رفعه إلى ابن الأعرابي قال: كان الكسائي أعلم الناس على رهق فيه، كان يديم شرب النبيذ، ويجاهر باتخاذ الغلمان الروقة، إلا أنه كان
ضابطا قارئا عالما بالعربية صدوقا.
وحدث المرزباني فيما رفعه إلى الكسائي قال: أحضرني الرشيد سنة اثنتين وثمانين ومائة في السنة الثالثة من خلافته فأخرج إلي محمدا الأمين وعبد الله المأمون كأنهما بدران فقال: امتحنهما بشيء، فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب فيه، فقال لي: كيف تراهما فقلت:
ثم قلت: فرع زكا أصله، وطاب مغرسه، وتمكنت فروعه، وعذبت مشاربه، آواهما ملك أغر نافذ الأمر واسع العلم عظيم الحلم، أعلاهما فعلوا، وسما بهما فسموا، فهما يتطاولان بطوله، ويستضيئان بنوره، وينطقان بلسانه، فأمتع الله أمير المؤمنين بهما، وبلغه الأمل فيهما، فقال: تفقدهما، فكنت أختلف إليهما في الأسبوع طرفي نهارهما.
وحدث الخطيب باسناد رفعه إلى سلمة قال: كان عند المهدي مؤدب يؤدب الرشيد، فدعاه المهدي يوما وهو يستاك فقال له: كيف تأمر من السواك قال استك يا أمير المؤمنين، فقال المهدي: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال: التمسوا لنا من هو أفهم من ذا، فقالوا: رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريبا، فكتب بازعاجه من الكوفة، فساعة دخل عليه قال: يا علي بن حمزة، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: كيف تأمر من السواك، قال: سك يا أمير المؤمنين، قال: أحسنت وأصبت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وحدث المرزباني عن عبد الله بن جعفر عن ابن قادم عن الكسائي قال:
حججت مع الرشيد، فقدمت لبعض الصلوات فصليت فقرأت {ذرية ضعافا خافوا عليهم} فأملت ضعافا، فلما سلمت ضربوني بالنعال والأيدي وغير ذلك حتى غشي علي، واتصل الخبر بالرشيد فوجه بمن استنقذني، فلما جئته قال لي: ما شأنك، فقلت له: قرأت لهم ببعض قراءة حمزة الرديئة ففعلوا بي ما بلغ أمير المؤمنين، فقال بئس ما صنعت، ثم ترك الكسائي كثيرا من قراءة حمزة.
وحدث فيما رفعه إلى الأحمر النحوي قال: دخل أبو يوسف القاضي (وقال عبد الله بن جعفر: محمد بن الحسن) على الرشيد وعنده الكسائي يحدثه، فقال: يا أمير المؤمنين قد سعد بك هذا الكوفي وشغلك، فقال الرشيد: النحو يستفرغني لأنني أستدل به على القرآن والشعر، فقال محمد بن الحسن أو أبو يوسف: إن علم النحو إذا بلغ فيه الرجل الغاية صار معلما، والفقه إذا عرف الرجل منه جملة صار قاضيا، فقال الكسائي: أنا أفضل منك لأني أحسن ما تحسن وأحسن ما لا تحسن، ثم التفت إلى الرشيد وقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن له في جوابي عن مسألة من الفقه، فضحك الرشيد وقال: أبلغت يا كسائي إلى هذا، ثم قال لأبي يوسف: أجبه، فقال الكسائي: ما تقول لرجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار، فقال أبو يوسف: إن دخلت الدار طلقت، فقال الكسائي: خطأ، إذا فتحت أن فقد وجب الأمر، وإذا كسرت فإنه لم يقع الطلاق بعد، فنظر أبو يوسف بعد ذلك في النحو.
وحدث أيضا عمن سمع الكسائي يقول: اجتمعت أنا وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد، فجعل أبو يوسف يذم النحو ويقول: وما النحو؟ فقلت: - وأردت أن أعلمه فضل النحو- ما تقول في رجل قال لرجل أنا قاتل غلامك، وقال له آخر أنا قاتل غلامك، أيهما كنت تأخذ به، قال: آخذهما جميعا، فقال له هارون: أخطأت، وكان له علم بالعربية، فاستحيا وقال: كيف ذلك؟ قال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال أنا قاتل غلامك بالاضافة لأنه فعل ماض، وأما الذي قال أنا قاتل غلامك بالنصب فلا يؤخذ لأنه مستقبل لم يكن بعد، كما قال الله عز وجل: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} فلولا أن التنوين مستقبل ما جاز فيه غدا، فكان أبو يوسف بعد ذلك يمدح العربية والنحو.
وحدث فيما رفعه إلى إبراهيم بن إسماعيل الكاتب قال: سأل اليزيدي الكسائي بحضرة الرشيد قال: انظر في هذا الشعر عيب، وأنشده:
فقال الكسائي: قد أقوى الشاعر، فقال له اليزيدي: انظر فيه، فقال: أقوى لا بد أن ينصب المهر الثاني على أنه خبر كان، قال: فضرب اليزيدي بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، الشعر صواب، إنما ابتدأ فقال المهر مهر، فقال له يحيى بن خالد: أتتكنى بحضرة أمير المؤمنين وتكشف رأسك؟! والله لخطأ الكسائي مع أدبه أحب إلينا من صوابك مع سوء فعلتك، فقال: لذة الغلب أنستني من هذا ما أحسن.
حدث المرزباني، حدث محمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق، حدثنا النعمان بن هارون الشيباني قال: كان أبو نواس يختلف إلى محمد بن زبيدة، وكان الكسائي يعلمه النحو، فقال أبو نواس: إني أريد أن أقبل محمدا قبلة، فقال له الكسائي: إن علي في هذا وصمة وأكره أن يبلغ هذا أمير المؤمنين، فقال أبو نواس: إنك إن تركتني أقبله وإلا قلت فيك أبياتا أرفعها إلى أمير المؤمنين، فأبى عليه الكسائي وظن أنه لا يفعل، فكتب أبو نواس رقعة:
ودفعها إلى بعض الخدم ليوصلها إلى الرشيد، فجاء بها الخادم إلى الكسائي، فلما قرأها علم أنه شعر أبي نواس، فقال له ويحك: هذا أمر عظيم، سأتلطف لك، فغب أياما ثم احضر وسلم علي وعلى محمد فستبلغ حاجتك، فغاب وتحدث الكسائي أن أبا نواس غائب، ثم جاء فقام إليه الكسائي فسلم عليه وعانقه، وسلم أبو
نواس على محمد وقبله، وقال أبو نواس:
قال وقال ابن أبي طاهر: وهذا الحديث عندي باطل مصنوع من قبل من حدث به ابن أبي سعد عنه لا منه، لأن أبناء الخلفاء كانوا في مثل حال المخلوع أجل مكانا من أن يعانقوا أحدا من الرعية، ومن قبل أن هذا الشعر الأخير أنشدنيه غير واحد لعبد الصمد بن المعذل، حتى خبرني أبو علي الفضل بن جعفر بن الفضل بن يوسف المعروف بالبصير أنه له، وأنه قاله بالكوفة في حداثة من سنه، وكان بعيدا من الكذب في ادعاء مثل هذا من الشعر، والله أعلم.
حدث عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد عن المازني عن الأصمعي قال:
كان الكسائي يأخذ اللغة من أعراب الحطمة ينزلون بقطربل وغيرها من قرى سواد بغداد، فلما ناظر الكسائي سيبويه استشهد بكلامهم واحتج بهم وبلغتهم على سيبويه، فقال أبو محمد اليزيدي:
كنا نقيس النحو في ما مضى
الأبيات في أخبار اليزيدي .
ولليزيدي أشعار في الكسائي ذكرت في أخباره، ومن قول اليزيدي فيه:
وحدث المرزباني عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد عن المازني والرياشي عن أبي زيد قال: لما ورد نعي الكسائي من الري قال أبو زيد: لقد دفن بها علم كثير بالكسائي. ثم قال: قدم علينا الكسائي البصرة فلقي عيسى والخليل وغيرهما وأخذ منهم نحوا كثيرا ثم صار إلى بغداد فلقي أعراب الحطمة فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن فأفسد بذلك ما كان أخذه بالبصرة كله. قال عبد الله: وذلك أن الكسائي كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز من الخطأ واللحن وشعر غير أهل الفصاحة والضرورات فيجعل ذلك أصلا ويقيس عليه حتى أفسد النحو.
قال أبو عبد الله ابن مقلة حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى قال اجتمع الكسائي والأصمعي عند الرشيد وكانا معه يقيمان بمقامه ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي:
فقال الأصمعي ريمان بالرفع، فقال له الكسائي: اسكت ما أنت وهذا، يجوز رئمان ورئمان ورئمان، ولم يكن الأصمعي بصاحب عربية، فسألت أبا العباس:
كيف جاز ذلك؛ فقال: إذا رفع رفع بينفع أي أم كيف ينفع رئمان أنف، وإذا نصب نصب بيعطي، وإذا خفض رده على الهاء في به. قال: والمعنى وما ينفعني إذا وعدتني بلسانك ثم لم تصدقه بفعلك؟ يقال ذلك للذي يبر ولا يكون منه نفع، كهذه الناقة التي تشم بأنفها مع تمنع درتها، والعلوق التي قد علق قلبها بولدها، وذلك أنه نحر عنها ثم حشي جلده تبنا أو حشيشا وجعل بين يديها حتى تشمه وتدر عليه، فهي تسكن إليه مرة ثم تنفر عنه ثانية، تشمه بأنفها ثم تأباه مقلتها، فيقول: فما نفع هذا البو إذا تشممته ثم منعت درتها.
قال أبو العباس: حدثني سلمة قال، قال الفراء: مات الكسائي وهو لا يحسن حد نعم وبئس ولا حد أن المفتوحة ولا حد الحكاية، قال فقلت لسلمة: فكيف لم يناظر في ذلك؟ فقال: قد سألته ذلك فقال: أشفقت أن أحادثه فيقول في كلمة
تسقطني فأمسكت. قال الفراء ولم يكن الخليل يحسن النداء ولا كان سيبويه يدري حد التعجب.
وحدث المرزباني في ما رفعه إلى الفراء قال: قدم سيبويه على البرامكة فعزم يحيى بن خالد أن يجمع بينه وبين الكسائي، وجعل لذلك يوما، فلما حضر تقدمت والأحمر، فدخل فإذا بمثال في صدر المجلس فقعد عليه يحيى وقعد إلى جانب المثال جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم، وحضر سيبويه فأقبل عليه الأحمر فسأله عن مسألة، فأجابه فيها سيبويه، فقال له: أخطأت، ثم سأله عن ثانية فأجاب فقال له: أخطأت، ثم سأله عن ثالثة فأجابه فيها فقال له: أخطأت، فقال له سيبويه: هذا سوء أدب، قال الفراء: فأقبلت عليه فقلت: إن في هذا الرجل حدة وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال هؤلاء أبون ومررت بأبين، كيف تقول على مثال ذلك وأيت أو أويت؟ قال فقدر فأخطأ، فقلت له: أعد النظر، ثلاث مرات تجيب ولا تصيب، فلما كثر عليه ذلك قال: لست أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره، قال فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال: أتسألني أو أسألك؟ فقال: بل سلني أنت، فقال له الكسائي: كيف تقول قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب، فقال له الكسائي:
لحنت، ثم سأله عن مسائل من هذا النوع «خرجت فإذا عبد الله القائم» أو «القائم» فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع دون النصب، فقال الكسائي: ليس هذا من كلام العرب، العرب ترفع في ذلك كله وتنصب، فدفع سيبويه قوله: فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؛ فقال له الكسائي:
هذه العرب في بابك قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، فأمر باحضارهم فدخلوا فهم أبو فقعس وأبو دثار وأبو الجراح وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين
الكسائي وسيبويه، فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله: قال: فأقبل يحيى على سيبويه فقال له: قد تسمع أيها الرجل، فاستكان سيبويه، وأقبل الكسائي على يحيى فقال:
أصلح الله الوزير، إنه قد وفد عليك من بلده مؤملا فإن رأيت ألا ترده خائبا، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصير وجهه نحو فارس، فأقام هناك حتى مات ولم يعد إلى البصرة. قال ثعلب: وإنما أدخل العماد في قوله «فإذا هو إياها» لأن فإذا مفاجأة أي «فوجدته ورأيته»، ووجدت ورأيت ينصب شيئين ويكون معه خبر فلذلك نصبت العرب.
قال المؤلف: وقد ذكرنا هذا الخبر في باب سيبويه برواية أخرى، وذكرنا الاحتجاج للبصريين على تصويب قول سيبويه هناك إن شاء الله.
الزبير عن إسحاق الموصلي قال: ما رأيت رجلا منسوبا إلى العلم أجهل بالشعر من الكسائي.
وبالاسناد قال: كان الكسائي من أشد خلق الله تسكعا في تفسير شعر، وما رأيت أعلم بالنحو قط منه ولا أحسن تفسيرا ولا أحذق بالمسائل، والمسألة تشتق من المسألة والمسألة تدخل على المسألة.
وقرأت في «نوادر ابن الأعرابي» التي كتبها عنه ثعلب، سمعت الكسائي يقول: قلت لأبي زيد وآذاني باللزوم: يا هذا قد أمللتني كم تلزمني؟ فقال له أبو زيد: إنما ألزمك لأعلمك، قال فقلت له: فاجلس في بيتك حتى آتيك. قال: وما جربت على الكسائي كذبة قط؛ قال أبو عبد الله ابن الأعرابي: ولئن كان أبو زيد قال هذا ما في الأرض أحد قط أخل عقلا منه. قال: وكان الكسائي أعلم من أبي زيد بكثير بالعربية واللغات والنوادر، ولو كان نظر في الأشعار ما سبقه أحد ولا أدركه أحد بعده.
وقال أبو الطيب اللغوي في «كتاب مراتب النحويين» عن أبي حاتم قال: لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب، ولولا أن الكسائي دنا من الخلفاء
فرفعوا ذكره لم يكن شيئا، وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل إلا حكايات الأعراب مطروحة لأنه كان يلقنهم ما يريد، وهو على ذلك أعلم الكوفيين بالعربية والقرآن، وهو قدوتهم وإليه يرجعون.
وحدث المرزباني في كتابه قال: كتب الكسائي إلى الرشيد وهو يؤدب محمدا الأمين:
قال: فضحك الرشيد وأمر له ببرذون بسرجه ولجامه، وبجارية حسناء بآلتها، وخادم وعشرة آلاف درهم.
قيل للكسائي: قد أبحت علمك الناس، فقال: يعين الله عليهم بالنسيان.
من «مجالسات ثعلب»: وصف ابن الأعرابي الكسائي فقال: كان أعلم الناس على رهق فيه، يريد إتيان ما يكره لأنه كان يشرب الشراب ويأتي الغلمان.
قال: ومن شعر الكسائي:
وحدث هارون بن علي المنجم في «أماليه» عن أبي توبة قال: سمعت الفراء يقول: مدحني رجل من النحويين فقال لي: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟ فأعجبتني نفسي فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأني كنت طائرا يغرف من البحر بمنقاره.
وحدث محمد بن إسحاق النديم قال: قرأت بخط أبي الطيب ابن أخي الشافعي قال: أشرف الرشيد على الكسائي وهو لا يراه، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجة يريدها، فابتدرها الأمين والمأمون، وكان مؤدبهما، فوضعاها بين يديه، فقبل رؤوسهما وأيديهما ثم أقسم عليهما ألا يعاودا، فلما جلس الرشيد مجلسه قال: أي الناس أكرم خدما؟ قال: أمير المؤمنين أعزه الله، قال: بل الكسائي يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم الحديث.
حدث السلامي قال: حضر مجلس الكسائي أعرابي وهم يتحاورون في النحو، فأعجبه ذلك، ثم تناظروا في التصريف فلم يهتد إلى ما يقولون، ففارقهم وأنشأ يقول:
وقرأت بخط أبي سعيد عبد الرحمن بن علي اليزدادي اللغوي الكاتب في «كتاب جلاء المعرفة» من تصنيفه: قيل اجتمع إبراهيم النظام وضرار بين يدي الرشيد فتناظرا في القدر حتى دقت مناظرتهما فلم يفهمهما، فقال لبعض خدمه ومن يثق به
ويرضى برأيه: اذهب بهذين إلى الكسائي حتى يتناظرا بين يديه، ثم ليخبرك لمن الفلج منهما، فلما صار في بعض الطريق قال إبراهيم النظام لضرار: أنت تعلم أن الكسائي لا يحسن شيئا من النظر، وإنما معوله على النحو والحساب، ولكن تهيء له مسألة نحو وأهيء له مسألة حساب فنشغله بهما، لأنا لا نأمن أن يسمع منا ما لم يسمعه ولم يبلغه فهمه أن ينسبنا إلى الزندقة، فلما صارا إليه سلما عليه، ثم بدأ ضرار فقال:
أسألك أصلحك الله عن مسألة من النحو، قال: هاتها قال: ما حد الفاعل والمفعول به؟ قال الكسائي: حد الفاعل الرفع أبدا وحد المفعول به النصب أبدا، قال فكيف تقول: ضرب زيد؟ قال: ضرب زيد قال: فلم رفعت زيدا وقد شرطت أن المفعول به منصوب أبدا، قال: لأنه لم يسم فاعله، قال له: فقد أخطأت في العبارة إذ لم تقل إن من المفعولين من إذا لم يسم فاعله كان مرفوعا، ومن جعل لك الحكم بأن تجعل الرفع لمن لم يسم فاعله؟ قال: لأنا إذا لم نذكر الفاعل أقمنا المفعول به مقامه، لأن الفعل الواقع عليه غير مستحكم النقص، وعدم النقص مطابق للرفع، فإذا ذكرنا من فعل به وأفصحنا بذلك نصبناه، قال له: فإن كان النصب مطابقا للنقص فمن لم يسم فاعله أولى به لأنا إذا قلنا ضرب زيد فقد يمكن أن يكون ضربه مائة رجل، وإذا قلنا ضرب عبد الله زيدا فلم يضربه إلا رجل واحد، فالذي أمكن أن يضربه مائة رجل أولى بالنصب والنقص ممن لم يضربه إلا رجل واحد، فوقف الكسائي فلم يدر ما يقول. ثم قال له إبراهيم: أسألك- أصلحك الله- عن مسألة من الحساب، قال:
قل، قال: كم جذر عشرة، قال: اجتمع الحساب على أنه لا جذر لعشرة، قال:
فهل علم الله جذرها؟ قال الله عالم كل شيء، قال: فما أنكرت أن يكون الله إذ علم كل شيء ألقاه إلى نبي من أنبيائه، ثم ألقاه ذلك النبي إلى صفي من أصفيائه، فلم يزل ذلك العلم ينمي حتى صار علم جذر عشرة عندي وأكون أعلم جذرها ولا تعلمه أنت وتكون مخطئا فيما قلت؟ فالتفت الكسائي إلى الغلام وقال: اذهب بهذين إلى أمير المؤمنين فقل: إنهما زنديقان كافران بالله العظيم، قال: وكان الخادم لبيبا حصيفا فأحسن العبارة عنهما وحسن أمورهما فأمر لهما بجائزة سنية وصرفهما.
قال المؤلف: وهذه الحكاية عندي مصنوعة باردة وإنما كتبتها لكوني وجدتها بخط رجل عالم.
وحدث سلمة بن عاصم قال، قال الكسائي: حلفت ألا أكلم عاميا إلا بما يوافقه ويشبه كلامه، وذلك أنني وقفت على نجار فقلت له: بكم ذانك البابان؟ فقال بسلحتان، فحلفت ألا أكلم عاميا إلا بما يصلحه.
وحدث الحزنبل قال: أنشدنا يعقوب بن السكيت لأبي الجراح العقيلي يمدح الكسائي:
قال يعقوب: يريد تمتلئ حتى تفيض، ونصب قوله يحيا بأهلا على الحكاية.
وحدث عبد الله بن جعفر عن علي بن مهدي عن أحمد بن الحارث الخراز قال: كان الكسائي ممن وسم بالتعليم، وكان كسب به مالا إلا أنه حكي عنه أنه أقام غلاما ممن عنده في الكتاب وقام يفسق به، وجاء بعض الكتاب ليسلم عليه فرآه الكسائي ولم يره الغلام، فجلس الكسائي في مكانه وبقي الغلام قائما مبهوتا، فلما دخل الكاتب قال للكسائي: ما شأن هذا الغلام قائما؟ قال: وقع الفعل عليه فانتصب.
وحدث المرزباني فيما أسنده إلى سعدون القارئ قال: رأيت الكسائي وهو يسأل أبا الحسن المروزي وقد أقام أربعين سنة يختلف إلى الكسائي والمروزي يقول:
كيف تقول مررت بدجاجة تنقرك أو تنقرك، أو تنقرك، فقال له الكسائي: استحييت لك بعد أربعين سنة لا تعرف حروف النعت أنها تتبع الأسماء قل تنقرك من نعت الدجاجة. قال: والكسائي يهزأ به ويعبث وينقر أنفه.
وحدث أيضا باسناد رفعه إلى نصير الرازي النحوي- رجل كان بالري- قال:
قدم الكسائي مع هارون فاعتل علة منكرة، فأتاه هارون ماشيا متفرعا، فخرج من عنده وهو مغموم جدا فقال لأصحابه: ما أظن الكسائي إلا ميتا، وجعل يسترجع، فجعل
القوم يعزونه ويطيبون نفسه وهو يظهر حزنا فقالوا: يا أمير المؤمنين وما له قضيت عليه بهذا؟ قال: إنه حدثني أنه لقي رجلا من الأعراب عالما غزير العلم بموضع يقال له ذو النخيلة، قال الكسائي: فكنت أغدو عليه وأروح أمتاح ما عنده، فغدوت عليه غدوة من تلك الغدوات فإذا هو ثقيل ورأيت به علة منكرة، قال: فألقى نفسه وجعل يتنفس ويقول:
قال الكسائي: فغدوت عليه صباحا فإذا هو لما به، قال: فدخلت الساعة على الكسائي فإذا هو ينشد هذين البيتين فغمني ذلك غما شديدا، فكان كما قال، مات من يومه ودفن بمنزله في سكة حنظلة بن نصر بالري سنة اثنتين وثمانين ومائة. وفي غير هذه الرواية زيادة في الشعر:
وكانت وفاته برنبويه، كورة من كور الري، هو ومحمد بن الحسن الفقيه في وقت واحد، وكانا خرجا مع الرشيد إليها، فقال الرشيد: دفنت الفقه والنحو برنبويه، فقال أبو محمد اليزيدي يرثيهما:
وقد روي أن وفاة الكسائي كانت بطوس لا الري.
ولما بلغت هذه الأبيات إلى الرشيد قال: يا يزيدي لئن كنت تسيء بالكسائي في حياته لقد أحسنت بعد موته. وقيل بل قال له: أحسنت يا بصري، لئن كنت تظلمه في حياته لقد أنصفته بعد موته.
ومات الكسائي وله من التصانيف: كتاب معاني القرآن. كتاب مختصر في النحو. كتاب القراءات. كتاب العدد. كتاب النوادر الكبير. كتاب النوادر الأوسط.
كتاب النوادر الأصغر. كتاب اختلاف العدد. كتاب الهجاء. كتاب مقطوع القرآن وموصوله. كتاب المصادر. وكتاب الحروف. كتاب أشعار المعاياة وطرائقها. كتاب الهاءات المكني بها في القرآن .
قرأت بخط الأزهري في «كتاب نظم الجمان» للمنذري: أسمعني أبو بكر عن بعض مشايخه أن الكسائي كان يقوم في المحراب يؤم فيشتد عليه القراءة حتى لا يقوم بقراءة الحمد لله رب العالمين، ثم يتحرف فيقبل عليهم فيملي القرآن حفظا ويفسره بمعانيه وتفسيره.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 4- ص: 1737

الكسائي الإمام، شيخ القراءة والعربية، أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم الكوفي، الملقب: بالكسائي؛ لكساء أحرم فيه.
تلا على: ابن أبي ليلى عرضا، وعلى حمزة.
وحدث عن: جعفر الصادق، والأعمش، وسليمان بن أرقم، وجماعة.
وتلا أيضا على: عيسى بن عمر المقرئ.
واختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع.
وجالس في النحو الخليل، وسافر في بادية الحجاز مدة للعربية، فقيل: قدم وقد كتب بخمس عشرة قنينة حبر. وأخذ عن: يونس.
قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عيال على الكسائي.
قال ابن الأنباري: اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن، كانوا يكثرون عليه، حتى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم، ويجلس على كرسي، ويتلو، وهم يضبطون عنه، حتى الوقوف.
قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الكسائي يقرأ القرآن على الناس مرتين.
وعن خلف، قال: كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يتلو، وينقطون على قراءته مصاحفهم.
تلا عليه: أبو عمر الدوري، وأبو الحارث الليث، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، وأحمد بن أبي سريج، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وأبو حمدون الطيب، وعيسى بن سليمان الشيزري، وعدة.
ومن النقلة عنه: يحيى الفراء، وأبو عبيد، وخلف البزار.
وله عدة تصانيف، منها: ’’معاني القرآن’’، وكتاب في القراءات، وكتاب ’’النوادر الكبير’’، ومختصر في النحو، وغير ذلك.
وقيل: كان أيام تلاوته على حمزة يلتف في كساء، فقالوا: الكسائي.
ابن مسروق: حدثنا سلمة، عن عاصم، قال الكسائي: صليت بالرشيد، فأخطأت في آية، ما أخطأ فيها صبي، قلت: لعلهم يرجعين، فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، لكن قال: أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين! قد يعثر الجواد. قال: أما هذا فنعم.
وعن سلمة، عن الفراء: سمعت الكسائي يقول: ربما سبقني لساني باللحن.
وعن خلف بن هشام: أن الكسائي قرأ على المنبر: {أنا أكثر منك مالا}، بالنصب، فسألوه عن العلة، فثرت في وجوههم، فمحوه، فقال لي: يا خلف! من يسلم من اللحن؟
وعن الفراء، قال: إنما تعلم الكسائي النحو علي كبر، ولزم معاذا الهراء مدة، ثم خرج إلى الخليل.
قلت: كان الكسائي ذا منزلة رفيعة عند الرشيد، وأدب ولده الأمين، ونال جاها وأموالا، وقد ترجمته في أماكن.
سار مع الرشيد، فمات بالري، بقرية أرنبوية، سنة تسع وثمانين ومائة، عن سبعين سنة. وفي تاريخ موته أقوال. فهذا أصحها.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 553

علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الإمام. أبو الحسن الكسائي.
من ولد بهمن بن فيروز. مولي بن أسد، من أهل باحمشا، إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة المشهورين، وسمي الكسائي لأنه أحرم في كساء، وقيل لغير ذلك.
وهو من أهل الكوفة، واستوطن بغداد، وقرأ القرآن وجوده على حمزة الزيات، ثم اختار لنفسه قراءة.
وسمع من جعفر الصادق، والأعمش، وزائدة، وسليمان بن أرقم، وأبي بكر بن عياش.
قال الخطيب: وتعلم النحو على كبر، وسببه أنه جاء إلى قوم وقد أعيا، فقال: قد عييت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن! قال: كيف لحنت؟ قالوا: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة فقل: عييت مخففا وإن أردت من التعب، فقل: أعييت؛ فأنف من هذه الكلمة، وقام من فوره، وسأل عمن يعلم النحو، فأرشد إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميما وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة! فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج ورجع؛ وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب، سوى ما حفظ، فقدم البصرة فوجد الخليل قد مات وفي موضعه يونس، فجرت بينهما مسائل أقر له فيها يونس، وصدره في موضعه.
وقال ابن الأعرابي: كان الكسائي أعلم الناس، ضابطا عالما بالعربية، قارئا صدوقا، إلا أنه كان يديم شرب النبيذ، ويأتي الغلمان.
وأدب ولد الرشيد، وجرى بينه وبين أبي يوسف القاضي مجالس.
وعن الفراء، قال: قال لي رجل: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو! فأعجبتني نفسي، فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأني كنت طائرا يغرف بمنقاره من البحر.
وعند أيضا، قال: مات الكسائي وهو لا يحسن حد «نعم» و «بئس» و «أن» المفتوحة الهمزة، والحكاية، قال: ولم يكن الخليل يحسن النداء ولا سيبويه يدري حد التعجب.
وعن الأصمعي: أخذ الكسائي اللغة عن أعراب من الحطمة ينزلون بقطربل، فلما ناظر سيبويه استشهد بلغتهم عليه، فقال أبو محمد اليزيدي:

وقال فيه:
وقال ابن درستويه: كان الكسائي يسمع الشاذ الذي لا يجوز إلا في الضرورة، فيجعله أصلا ويقيس عليه، فأفسد بذلك النحو.
قرأ عليه أبو عمر الدوري وأبو الحارث الليث، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، وأحمد بن أبي سريج النهشلي، وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل، وعيسى بن إسماعيل الشيرازي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن سفيان، وخلق سواهم.
وحدث عنه يحيى الفراء، وأحمد بن حنبل، وخلف البزار، ومحمد بن المغيرة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن يزيد الرفاعي، ويعقوب الدورقي، وعدد كثير.
وإليه انتهت الإمامة في القراءة والعربية.
وصنف «معاني القرآن» «مختصرا في النحو» «القراءات» «مقطوع القرآن وموصوله» «الهاءات المكنى بها في القرآن» «النوادر الكبير» «الأوسط» «الأصغر» «العدد» «الهجاء» «المصادر» «الحروف» «أشعار المعاياة» وغير ذلك.
ومات بالري هو ومحمد بن الحسن في يوم واحد، وكانا خرجا مع الرشيد، فقال: دفنت الفقه والنحو في يوم واحد، وذلك سنة اثنتين أو ثلاث، وقيل تسع وثمانين ومائة، وصحح وقيل: سنة اثنتين أو ثلاث، وقيل تسع وثمانين ومائة، وصحح وقيل: سنة اثنتين وتسعين.
ومن شعره:
في أبيات أخرى.
وقال ابن الدورقي، اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد، فحضرت الصلاة فقدموا الكسائي يصلي، فأرتج عليه في قراءة: قل يا أيها الكافرون، فقال اليزيدي: قراءة قل يا أيها الكافرون ترتج على قارئ الكوفة! قال: فحضرت صلاة فقدموا اليزيدي، فأرتج عليه في سورة
الحمد فلما سلم قال:
أخبرنا بهذه الحكاية شيخنا القاضي جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن بدر الدين محمد عرف بابن الأمانة مشافهة، عن إمام المقرئين والمحدثين شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري، أنبأنا أبو حفص عمر بن الحسن المزي إذنا، عن يوسف بن المجاور، أنبأنا أبو اليمن الكندي، أنبأنا أبو منصور الشيباني، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو الحسن الحمامي، قال: سمعت عمر بن محمد الإسكاف يقول: سمعت عمي يقول: سمعت ابن الدروقي يقول، فذكرها.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 1- ص: 404

علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الإمام أبو الحسن الكسائي من أولاد يهمن بن فيروز كان إمام الكوفيين في اللغة والنحو وسابع القراء السبعة توطن في بغداد
ومن مصنفاته معاني القرآن العظيم وبعض الكتب في القراءات وكانت وفاته في بلدة ري سنة ثنتين وتسعين ومائة

  • مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 21

علي بن حمزة، أبو الحسن، الكسائي.
عن محمد بن سهل، سمع منه القاسم بن ملائم.
يقال: مات بالري سنة تسع وثمانين ومئة.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 6- ص: 1

علي بن حمزة الكسائي المقرئ، كنيته أبو الحسن.
يروي عن: الأعمش وعاصم بن أبي النجود. روى عنه أبو عبيد، وأهل العراق. مستقيم الحديث. مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة برنبويه قرية من قراها مع محمد بن الحسن الشيباني في يوم واحد.
وروى عن: حمزة الزيات، وأبي بكر بن عياش، ومحمد بن سهل، ومحمد بن مهران.
وروى عنه: أحمد بن أبي سريج، ومبشر بن عبيد، ويحيى بن آدم، وأبو عمر الدوري.

  • مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 7- ص: 1

أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي
أحد القراء السبعة.
أخذ علم النحو عن الرؤاسي.
قال المبرد: حدثني المازني والتوزي، أن الكسائي كتب إلى أبي زيد:

قال أبو زيد: قدم الكسائي البصرة، يأخذ عن أبي عمرو وعيسى ويونس علما كثيرا صحيح، فلما خرج إلى بغداد، وقدم أعراب
الحطمة، وأخذ عنهم شيئا فاسدا، وخلط هذا بذلك، فأفسد.
ويقال: إنه كان مولى لبني أسدٍ.
توفي هو ومحمد بن حسن الشيباني في الري، سنة تسع وثمانين ومائة،
فقال الرشيد: دفنا العلم في الري.
وله ’’ تصنيف في القرآن ’’، وغيره.
وكان يرى الإمالة.

  • هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة - مصر-ط 2( 1992) , ج: 1- ص: 190

علي بن حمزة الكسائي المقرئ كنيته أبو الحسن
يروي عن الأعمش وعاصم بن أبي النجود روى عنه أبو عبيد وأهل العراق، مستقيم الحديث مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة برنبويه قرية من قراها مع محمد بن الحسن الشيباني في يوم واحد

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 8- ص: 1

علي بن حمزة الكسائي أبو الحسن المقرئ
روى عن حمزة الزيات وأبي بكر بن عياش ومحمد بن سهل روى عنه أبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن أبي سريج مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة سمعت أبي يقول ذلك قال أبو محمد روى عن حرب بن مهران روى عنه مشر بن عبيد ويحيى بن آدم وروى عنه أبو عمر الدوري نا عبد الرحمن نا حجاج بن حمزة ثنا يحيى بن آدم قال سمعت الكسائي يقول لولا الثريد أن هلكنا بالضمر ثريد ليل وثريد بالنهر.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 6- ص: 1