علي بن أبي طالب علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأول الناس إسلاما بعد خديجة. ولد بمكة، وربى في حجر النبي (ص) ولم يفارقه. وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد. ولما آخى النبي (ص) بين أصحابه قال له: أنت أخي. وولي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان (سنة 35هـ) فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم، وتوقى علي الفتنة، فتريث، فغضبت عائشة وقام معها جمع كبير، في مقدمتهم طلحة والزبير، وقاتلوا عليا، فكانت وقعة الجمل (سنة 36هـ) وظفر علي بعد أن بلغت قتلى الفريقين عشرة آلاف. ثم كانت وقعة صفين (سنة 37هـ) وخلاصة خبرها أن عليا عزل معاوية من ولاية الشام، يوم ولى الخلافة، فعصاه معاوية، فاقتتلا مئة وعشرة أيام، قتل فيها من الفريقين سبعون ألفا، وانتهت بتحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، فاتفقا سرا على خلغ علي ومعاوية، وأعلن أبو موسى ذلك، وخالفه عمرو فأقر معاوية، فافترق المسلمون ثلاثة أقسام: الأول بايع لمعاوية وهم أهل الشام، والثاني حافظ على بيعته لعلي وهم أهل الكوفة، والثالث اعتزلهما ونقم على علي رضاه بالتحكيم. وكانت وقعة النهروان (سنة 38هـ) بين علي وأباة التحكيم، وكانوا قد كفروا عليا ودعوه إلى التوبة واجتمعوا جمهرة، فقاتلهم، فقتلوا كلهم وكانوا ألفا وثمانمائة، فيهم جماعة من خيار الصحابة. وأقام علي بالكوفة (دار خلافته) إلى ان قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة 17 رمضان المشهورة. واختلف في مكان قبره. روى عن النبي (ص) 586 حديثا. وكان نقش خاتمه (الله الملك) وجمعت خطبه وأقواله ورسائله في كتاب سمى (نهج البلاغة - ط) ولأكثر الباحثين شك في نسبته كله إليه. أما ما يرويه أصحاب الأقاصيص من شعره وما جمعوه وسموه (ديوان علي بن أبي طالب - ط) فمعظمه أو كله مدسوس عليه. وغالى به الجهلة وهو حي: جئ بجماعة يقولون بتأليهه، فنهاهم وزجرهم وأنذرهم، فازدادوا إصرارا، فجعل لهم حفرة بين باب المسجد والقصر، وأوقد فيها النار وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا، فقذف بهم فيها. وكان أسمر اللون، عظيم البطن والعينين، أقرب إلى القصر، أفطس الأنف، دقيق الذراعين، وكانت لحيته ملء مابين منكبيه. ولد له 28 ولدا منهم 11 ذكرا و 17 أنثى. وأقيم له (تمثال) في مدينة همذان سنة 1343هـ. ومما كتب المتأخرون في سيرته: (الإمام علي - ط) عدة أجزاء لعبد الفتاح عبد المقصود، و (ترجمة علي بن أبي طالب - ط) لأحمد زكي صفوت، و (عبقرية الإمام - ط) لعباس محمود العقاد، و (علي بن أبي طالب - ط) لحنا نمر، ومثله لفؤاد افرام البستاني.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 295

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب (ع)

سيد الوصيين وأول أئمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين بعد سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

نسبه الشريف

هو علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

مولده

ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب على قول الأكثر وفي الفصول المهمة ليلة الأحد الثالث والعشرين منه وفي رواية يوم الأحد سابع شعبان بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقيل بتسع وعشرين بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثين سنة وقيل بثمان وعشرين قبل النبوة باثنتي عشرة سنة وقيل بعشر سنين وهو الذي صححه في الإصابة قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة وقيل بخمس وعشرين وكانت ولادته بمكة المكرمة في الكعبة المشرفة كما في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ومروج الذهب للمسعودي وإرشاد المفيد والسيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي قال: الأخير وفي سنة ثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم ولد علي بن أبي طالب في الكعبة. قال: المفيد في الإرشاد: ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه إكراما من الله جل اسمه له بذلك وإجلالا لمحله في التعظيم. وقال الآلوسي في شرح عينية عبد الباقي: وكون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة وفي ذلك يقول السيد الحميري:

ويقول عبد الباقي العمري في عينيته المشهورة:

#ويقول المؤلف من قصيدة:

ويقال أنه لما ولد سمته أمه حيدرة باسم أبيها أسد بن هاشم لأن حيدرة من أسماء الأسد فلما جاء أبوه سماه عليا وقال:

وقال علي (ع) يوم خيبر:

وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

أبوه

اسمه عبد مناف كما مر وأبو طالب كنيته كني بأكبر أولاده وتأتي له ترجمة مفصلة في بابه من هذا الكتاب في عبد مناف ويدل على أن اسم أبي طالب عبد مناف أن أباه عبد المطلب لما أوصاه بالنبي صلى الله عليه وسلم قال:

وقال:

وهو أخو عبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم لأمه وأبيه وإلى ذلك يشير أبو طالب بقوله في الأبيات الآتية: أخي لأمي من بينهم وأبي وأبو طالب هو الذي كفل رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرا وقام بنصره وحامى عنه وذب عنه وحاطه كبيرا وتحمل الأذى في سبيله من مشركي قريش ومنعه منهم ولقي لأجله عناء عظيما وقاسى بلاء شديدا أو صبر على نصره والقيام بأمره حتى أن قريشا لم تطمع في رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت كاعة عنه حتى توفي أبو طالب ولم يؤمر بالهجرة إلا بعد وفاته. وكان أبو طالب مسلما لا يجاهر بإسلامه ولو جاهر لم يمكنه ما أمكنه من نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه قد جاهر بالإقرار بصحة نبوته في شعره مرارا مثل قوله:

وقوله الذي مدحه فيه بما لا ينطق به غير مسلم فقال:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله لما ذهب عمرو بن العاص إلى النجاشي ليكيد جعفرا وأصحابه:

وروى الصدوق في الأمالي (وبسنده) عن الصادق جعفر بن محمد (ع) أنه قال: أول جماعة كانت أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب معه إذ مر به أبو طالب وجعفر معه قال: يا بني صل جناح ابن عمك فلما أحسه رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول:

فكانت أول جماعة جمعت وذكره أبو هلال العسكري أيضا في كتاب الأوائل. وروي عن علي (ع) أنه قال: قال لي أبي يا بني الزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل ثم قال: لي:

وقال أبو طالب يخاطب أخاه حمزة حين أسلم من أبيات:

ومن شعر أبي طالب المشهور قوله من أبيات:

إلى غير ذلك مما يطول الكلام باستقصائه.

مع ذلك فلا يزال بعض من لا يروق لهم أن يضاف إلى علي (ع) شيء من المحاسن حتى بإسلام أبيه يصرون على أنه مات كافرا لروايات رويت في عصر الملك العضوض وفي أبي طالب يقول المؤلف من قصيدة:

أمه

فاطمة بنت أسد بن هاشم. في الأغاني هي أول هاشمية تزوجها هاشمي وهي أم سائر ولد أبي طالب. وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأم ربي في حجرها وكان شاكرا لبرها وكان يسميها أمي وكانت تفضله على أولادها في البر، كان أولادها يصبحون شعثا رمصا ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم كحيلا دهينا. روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) أنها كانت بمحل عظيم من الإيمان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت إلى الإسلام وهاجرت إلى المدينة ولما توفيت كفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه وأمر من يحفر قبرها فلما بلغوا لحدها حفره بيده واضطجع فيه وقال اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها فقيل يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها فقال ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة أو قال: هو أمان لها يوم القيامة أو قال: ليدرأ عنها هوام الأرض واضطجعت في قبرها ليوسعه الله عليها وتأمن ضغطة القبر أنها كانت من أحسن خلق الله صنعا إلي بعد أبي طالب. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد كفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه وصلى عليها وكبر عليها سبعين تكبيرة ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ويسوي عليها وخرج من قبرها وعيناه تذرفان وجثا في قبرها فقال له عمر بن الخطاب يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله على أحد فقال له: "إن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني أن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبنا فأعود فيه". ولدت طالبا خرج يوم بدر مع المشركين كارها ولم يعرف له خبر ولا عقب له وعقيلا وجعفرا وعليا وكل واحد أسن من الآخر بعشر سنين وأم هانئ واسمها فاختة، وهو وإخوته أول هاشمي ولد من هاشميين. وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

كنيته

يكنى أبا الحسن وأبا الحسين وكان الحسن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه أبا الحسين والحسين يدعوه أبا الحسن ويدعوان رسول الله صلى الله عليه وسلم أباهما فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم دعوا عليا أباهما. وكان يكنى أيضا بأبي تراب كناه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الاستيعاب (وبسنده) قيل لسهل بن سعد أن أمير المدينة يريد أن يبعث إليك لتسب عليا عند المنبر قال: كيف أقول قال: تقول أبا تراب فقال والله ما سماه بذلك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكيف ذلك يا أبا العباس قال: دخل على فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع في صحن المسجد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة فقال أين ابن عمك قالت هو ذاك مضطجع في المسجد فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول أجلس أبا تراب فو الله ما سماه به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما كان اسم أحب إليه منه وروى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن عمار بن ياسر كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع إلى أن قال: ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور من النخل وفي دقعاء من التراب فنمنا فو الله ما بنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله وقد تربنا من تلك الدقعاء التي نمنا عليها فيومئذ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ما لك يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب أقول تعدد الواقعة ممكن وقيل لما رآه ساجدا معفرا وجهه في التراب أو كان يعفر خديه وهو ساجد فكان إذ رآه والتراب بوجهه يقول يا أبا تراب افعل كذا وقيل كني به لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا علي أول من ينفض التراب عن رأسه أنت. وكانت هذه الكنية أحب كناه إليه لكون النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها وكان أعداؤه من بني أمية وأتباعهم لا يطلقون عليه غيرها. كأنهم يعيرونه بها مع أنها موضع الفخر ودعوا خطباءهم أن يسبوه بها على المنابر وجعلوها نقيصة له فكأنما كسوه بها الحلي والحلل كما قال: الحسن البصري كما أنهم كانوا لا يطلقون على شيعته وأتباعه إلا الترابي والترابية حتى صار علما لهم قال: الكميت:

ولما قال: كثير عزة: ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم اللطف وضحى بنو مروان بالكرم يوم العقر قال: له يزيد بن عبد الملك عليك بهلة الله أترابية وعصبية وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

لقبه

في الفصول المهمة لابن الصباغ: لقبه المرتضى وحيدر وأمير المؤمنين والأنزع البطين والأصلع والوصي وكان يعرف بذلك عند أوليائه وأعدائه خرج شاب من بني ضبة معلم يوم الجمل من عسكر عائشة وهو يقول:

وقال رجل من الأزد يوم الجمل:

وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل:

#كما الغوي تابع أمر الغوي

وقال زحر بن قيس أيضا:

وزحر هذا شهد مع علي (ع) الجمل وصفين كما شهد صفين معه شبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن الضبابي ثم حاربوا الحسين (ع) يوم كربلاء فكانت لهم خاتمة سوء نعوذ بالله من سوء الخاتمة.

وقال الكميت:

وقال كثير:

وكان يلقب يعسوب المؤمنين ويعسوب الدين يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: له أنت يعسوب الدين والمال يعسوب الظلمة وفي رواية هذا يعسوب المؤمنين وقائد الغر المحجلين روى هاتين الروايتين ابن حنبل في مسنده وأبو نعيم في حلية الأولياء وفي تاج العروس اليعسوب ذكر النحل وأميرها وفي حديث علي أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار أي يلوذ بي المؤمنون ويلوذ الكفار بالمال كما يلوذ النحل بيعسوبها وهو مقدمها وسيدها.

بوابه

في الفصول المهمة بوابه سلمان الفارسي (رض).

شاعره

في الفصول المهمة: شاعره حسان بن ثابت أقول وشاعره بصفين النجاشي والأعور الشني وغيرهما.

نقش خاتمه

قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص كان نقش خاتمه الله الملك علي عبده قال: وكان يتختم في اليمين وكذا الحسن والحسين (ع) وقال أبو الحسن علي بن زيد البيهقي المشهور بفريد خرأسان في كتابه صوان الحكمة المعروف بتاريخ حكماء الإسلام في ترجمة يحيى النحوي الديلمي الملقب بالبطريق كان يحيى نصرانيا فيلسوفا فأراد عامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إزعاجه عن فارس فكتب يحيى قصته إلى أمير المؤمنين وطلب منه الأمان فكتب محمد بن الحنفية له الأمان بأمر أمير المؤمنين وقد رأيت نسخة هذا الكتاب في يدي الحكيم أبي الفتوح المستوفي النصراني الطوسي وكان توقيع أمير المؤمنين عليه بخطه الله الملك وعلي عبده فالسبط جعله نقش خاتمه والبيهقي قال: أنه توقيعه بيده ولعل كلام البيهقي أثبت ويمكن أنه كان يوقع به ونقشه على الخاتم والله أعلم وقال علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ في كتاب الفصول المهمة في معرفة الأئمة: نقش خاتمه أسندت ظهري إلى الله وقيل حسبي الله وقال الكفعمي في كتابه المعروف بالمصباح نقش خاتمه الملك لله الواحد القهار ولعله كان له عدة خواتيم بعدة نقوش.

زوجاته

أول زوجاته فاطمة الزهراء سيدة النساء (ع) بنت رسول الله سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لم يتزوج عليها حتى توفيت عنده ثم تزوج بعدها إمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوج أم البنين بنت حرام بن دارم الكلابية وتزوج ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية التميمة الدرامية وتزوج أسماء بنت عميس الخثعمية كانت تحت جعفر بن أبي طالب فقتل عنها ثم تزوجها أبو بكر فتوفي عنها ثم تزوجها أمير المؤمنين. وتزوج أم حبيب بنت ربيعة التغلبية واسمها الصهباء من السبي الذين أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر وتزوج خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة الحنفية وقيل خولة بنت إياس. وتزوج أم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية. وتزوج مخبأة بنت امرئ القيس بن عدي الكلبية.

وأولاده

عدهم المسعودي في مروج الذهب خمسة وعشرين (وقال المفيد) في الإرشاد أنهم سبعة وعشرون ما بين ذكر وأنثى ثم قال: وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلى الله عليه وسلم أسقطت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ذكرا كان سما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حمل محسنا فعلى قول هذه الطائفة هم ثمانية وعشرون وقال ابن الأثير المحسن توفي صغيرا أهو غير والمسعودي والمفيد عدهم مع المحسن فزاد محمدا الأوسط وأم كلثوم الصغرى والبنت الصغيرة ورملة الصغرى والذي وصل إلينا من كلام المؤرخين والنسابين وغيرهم يقتضي أنهم ثلاثة وثلاثون ويمكن كون هذه الزيادة من عد الاسم واللقب اثنين مع أنهما واحد وهم:

1- الحسن

2- الحسين

3- زينب الكبرى

4- زينب الصغرى المكناة أم كلثوم

قال: المفيد أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين

5- أم كلثوم الكبرى ذكرها ابن الأثير مع زينب الكبرى وقال المسعودي الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى أمهم فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن الجمع بين قول المفيد زينب الصغرى المكناة أم كلثوم وقول ابن الأثير والمسعودي أنها أم كلثوم الكبرى بأنها زينب الصغرى بالنسبة إلى زينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى بالنسبة إلى أم كلثوم الصغرى الآتية التي هي من غير فاطمة.

6- محمد الأوسط أمه إمامة بنت أبي العاص لم يذكره المفيد ولا المسعودي

7 و8 و9 و10- العباس وجعفر وعبد الله وعثمان الشهداء بكربلاء أمهم أم البنين الكلابية وقال المسعودي أمهم أم البنين بنت حزام الوحيدية ولم يذكر معهم عثمان.

11- محمد الأكبر المكنى بأبي القاسم المعروف بابن الحنفية أمه خولة الحنفية

12- محمد الأصغر المكنى بأبي بكر وبعضهم عد أبا بكر ومحمدا الأصغر اثنين والظاهر أنهما واحد

13- عبد الله أو عبيد الله الشهيدين بكربلاء أمهما ليلى بنت مسعود النهشيلة

14- يحيى أمه أسماء بنت عميس

15و16- عمر ورقية توأمان أمهما أم حبيب الصهباء بنت ربيعة التغلبية وعمر عمر خمسا وثمانين سنة

17 و18 و19- أم الحسن ورملة الكبرى وأم كلثوم الصغرى أمهم أم سعد بنت عروة بن مسعود الثقفية واقتصر المفيد والمسعودي على أم الحسن ورملة ولم يصفاها بالكبرى

20- بنت ماتت صغيرة أمها مخبأة الكلبية ولم يذكرها المفيد والمسعودي

21- أم هاني

22- ميمونة

23- زينب الصغرى في عمدة الطالب أمها أم ولد وكانت تحت محمد بن عقيل بن أبي طالب

24- رملة الصغرى ولم يذكرها المفيد ولا المسعودي

25- رقية الصغرى ولم يذكرها المسعودي

26- فاطمة

27- إمامة

28- خديجة

29- أم الكرام وقال المسعودي أن أم الكرام هي فاطمة

30- أم سلمة

31- أم أبيها ذكرها المسعودي

32- جمانة المكناة أم جعفر

33- نفيسة لأمهات شتى.

الكلام على زينب وأم كلثوم

مقتضى قول غير المفيد أن زينب وأم كلثوم أربعة صغريان وكبريان وبه صرح المسعودي فجعل أم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى من فاطمة الزهراء وجعل أم كلثوم الصغرى من غيرها. أما المفيد فلم يذكر أم كلثوم الصغرى كما عرفت وذكر زينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بأم كلثوم بنتي الزهراء وزينب الصغرى من غير الزهراء ولم يكنها أم كلثوم وقد سمعت أن أمها أم ولد. ولا شك أنه كان لأمير المؤمنين (ع) بنتان كلتاهما تكنى أم كلثوم أحداهما زوجة عمر توفيت بالمدينة والأخرى التي كانت بألطف ذكرهما المؤرخين والأولى توفيت قبل وقعة ألطف وحينئذ فلا يبعد أن تكون أم كلثوم التي كانت بألطف والتي خطبت بالكوفة هي زينب الصغرى التي ذكرها المفيد وهو الموافق للاعتبار فإنها وزينب الكبرى شقيقتا الحسين (ع) فلم تكونا لتفارقاه ولا ليفارقهما وإذا كانت الكبرى وهي زوجة عبد الله بن جعفر لم تفارقه وزوجها حي فأحرى أن لا تفارقه الصغرى وهي في النبل بمرتبة تلي مرتبة زينب الكبرى. أما القبر الذي بقرية راوية قرب دمشق فهو منسوب لزينب الصغرى المكناة أم كلثوم كما وجد في صخرة على قبرها رأيتها وكما ذكره ابن جبير في رحلته فان صح ذلك فهي شقيقة الحسين (ع) أما كيف جاءت إلى الشام وتوفيت ودفنت هناك فالله أعلم بصحة ذلك وليس في شيء من التواريخ والآثار ما يشير إليه. وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق أن القبر الذي بقرية راوية هو لام كلثوم وليست بنت النبي صلى الله عليه وسلم لأنها توفيت بالمدينة ولا أم كلثوم بنت علي من فاطمة زوجة عمر لأنها ماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع وإنما هي امرأة من أهل البيت سميت بهذا الاسم ولا يحفظ نسبها وظاهره انحصار أم كلثوم بنت علي (ع) في واحدة وهو مخالف لما عليه المؤرخون والنسابون ومخالف لما تحقق من أم كلثوم التي كانت بألطف ليست زوجة عمر لأنها توفيت قبل ذلك كما عرفت. وياقوت في معجم البلدان اقتصر على أن براوية قبر أم كلثوم لم يزد على ذلك وكون القبر الذي براوية لزينب الكبرى مقطوع بعدمه كما بيناه في ترجمتها من هذا الكتاب والنسل منهم للحسن والحسين (ع) ومحمد بن الحنفية والعباس والعمر. وقد كثر الله تعالى نسل علي وفاطمة (ع) بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهما ليلة زفافهما بقوله: اللهم اخرج منهما الكثير الطيب وقال الجاحظ قال: علي بن أبي طالب رض بقية السيف أنمى عددا وأكثر ولدا. ووجد الناس ذلك بالعيان الذي صار إليه ولده من نهك السيف وكثرة الذرء وكرم النجل.

صفته (ع) في خلقه وحليته

في كشف الغمة طلب بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من بعض العلماء أن يخرج أحاديث صحاحا وشيئا مما ورد في فضائل أمير المؤمنين (ع) وصفاته وكتبت على الأنوار الشمع الاثني عشر التي حملت إلى مشهده قال: وأنا رأيتها. ومما جاء في صفته أيضا ما نقل عن كتاب صفين وعن جابر وابن الحنفية وغيرهم وما نقل في الاستيعاب وقال أنه أحسن ما رآه في صفته ونحن نذكر صفته المنيفة مقتبسة من مجموع تلك الروايات فنقول:

كان (ع) ربعة من الرجال إلى القصر أقرب وإلى السمن ما هو أدعج العينين أنجل في عينيه لين أزج الحاجبين حسن الوجه من أحسن الناس وجها يميل إلى السمرة كثير التبسم أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه ناتئ الجبهة له حفاف من خلفه كأنه إكليل وكان عنقه إبريق فضة كث اللحية له لحية قد زانت صدره لا يغير شيبه أرقب عريض ما بين المنكبين لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري وفي رواية عظيم المشاشين كمشاش السبع الضاري لا يبين عضده من ساعده أدمجت إدماجا عبل الذراعين شثن الكفين وفي رواية دقيق الأصابع شديد الساعد واليد لا يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس ضخم البطن أقرى الظهر عريض الصدر كثير شعره ضخم الكسور عظيم الكراديس غليط العضلات حمش الساقين ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها إذا مشى تكفا وإذا مشى إلى الحرب هرول قوي شجاع منصور على من لاقاه قد أيده الله بالعز والنصر. قال: المغيرة: كان علي (ع) على هيئة الأسد غليظا منه ما استغلظ دقيقا منه ما استدق. وكثر وصفه بالأصلع والأجلح والأنزع البطين ومر ذلك في ألقابه وفي الفائق: علي (ع) قال: ابن عباس ما رأيت أحسن من شرصة علي (الشرصتان) بكسر الشين وسكون الراء النزعتان وهي من الشرص بمعنى الجذب كان الشعر شرص شرصا فجلح الموضع إلا ترى إلى تسميتها نزعة والجذب والنزع من واد واحد.

صفته (ع) في أخلاقه وأطواره وسيرته

روى جماعة منهم أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وابن عبد البر المالكي في الاستيعاب وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول وغيرهم بأسانيدهم أنه دخل ضرار بن ضمرة الكناني وفي الاستيعاب الصدائي بدل الكناني على معاوية فقال له صف لي عليا قال: اعفني قال: لتصفنه قال: أما كان إذا لا بد من وصفه فإنه: كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته وكان غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن ما قصر خل ومن الطعام ما جشب وكان فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه وينبئنا إذا استنبأناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه ثم يقول: يا دنيا غري غيري إلي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات هيهات قد بتتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك حقير من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء. وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها ثم خرج. وفي الاستيعاب سئل الحسن البصري عن علي بن أبي طالب فقال: كان والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه رباني هذه الأمة وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بالنؤومة عن أمر الله ولا بالملومة في دين الله ولا بالسروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، ثم قال: للسائل ذاك علي بن أبي طالب يا لكع. وفي البيان والتبيين: عن عبد الملك بن عمير قال: سئل الحارث بن أبي ربيعة الملقب بالقباع عن علي بن أبي طالب فقال كم كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم بكتاب الله والفقه بالسنة والهجرة إلى الله ورسوله والبسطة في العشيرة والنجدة في الحرب والبذل للماعون وفي البيان والتبيين: قال: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لصعصعة بن صوحان والله ما علمتك إلا كثير المعونة قليل المئونة فجزاك الله خيرا فقال صعصعة وأنت فجزاك الله أحسن من ذلك فإنك ما علمتك إلا بالله عليم والله في عينك عظيم. وفي حلية الأولياء (وبسنده) عن عنبسة النحوي: شهدت الحسن بن أبي الحسن وأتاه رجل من بني ناجية فقال يا أبا سعيد بلغنا أنك تقول: لو كان علي يأكل من خشف المدينة لكان خيرا له مما صنع فقال الحسن يا ابن أخي كلمة باطل حقنت بها دما، والله لقد فقدوه سهما من مرامي الله والله ليس بسروقة لمال الله ولا بنؤمة عن أمر الله أعطى القرآن عزائمه فيما عليه وله أحل حلاله وحرم حرامه حتى أورده ذلك على حياض غدقة ورياض مونقة ذاك علي بن أبي طالب يا لكع. ومما جاء في صفته (ع) كما في الاستيعاب: أنه كان شديد الساعد واليد وإذا مشى للحرب هرول ثبت الجنان قوي شجاع منصور على من لاقاه: وفي الاستيعاب (وبسنده) عن أبجر بن جرموز عن أبيه: رأيت علي بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان متزر بالواحدة مرتد بالأخرى وإزاره إلى نصف الساق وهو يطوف في الأسواق ومعهم دره يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء بالكيل والميزان. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: كان علي إذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئا إلا قسمه ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك ويقول يا دنيا غري غيري ولم يكن يستأثر من الفيء بشيء ولا يخص به حميما ولا قريبا ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه: قد جاءتكم موعظة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم أن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فأحفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول اللهم انك تعلم إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك. قال: وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذ كان يخرجهم إلى أعماله كثيرة مشهورة. وقال ابن أبي الحديد قال: صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: وكان فيها كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه. وقال ابن عبد البر في موضع آخر: اجمعوا على أنه صلى القبلتين وهاجر وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد وإنه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق وبخيبر بلاء عظيما وأنه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة وكان يوم بدر بيده على اختلاف ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة إلا تبوك فإنه خلفه على المدينة وعلى عياله بعده وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وفي الإصابة ربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وزوجه بنته فاطمة وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال: له أنت أخي ومناقبه كثيرة. وقد تجمعت في صفاته الأضداد. قال: الشريف الرضي في مقدمة نهج البلاغة: ومن عجائبه (ع) التي انفرد بها وأمن المشاركة فيها أن كلامه في الزهد والمواعظ إذا تأمله المتأمل وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه لم يعترضه الشك في أنه كلام من لاحظ له في غير الزهادة ولا شغل له بغير العبادة قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه ولا يكاد يوقن بأنه كلام من انغمس في الحرب مصلتا سيفه فيقطع الركاب ويجندل الأبطال ويعود به ينطف دما ويقطر مهجا وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع فيها بين الأضداد وكثيرا ما أذاكر الإخوان بها واستخرج عجبهم منها وهي موضع للعبرة بها والفكرة فيها. وقال ابن أبي الحديد في الشرح ما حاصله: كان أمير المؤمنين (ع) ذا أخلاق متضادة منها ما ذكره الرضي وهو موضع التعجب لان الغالب على أهل الشجاعة والجرأة أن يكونوا ذوي قلوب قاسية وفتك وتمرد والغالب على أهل الزهد والاشتغال بالمواعظ أن يكونوا ذوي رقة ولين وهاتان حالتان متضادتان وقد اجتمعتا له (ع) ومنها أن الغالب على ذوي الشجاعة وإراقة الدماء أن يكونوا ذوي أخلاق سبعية وطباع وحشية وكذلك الغالب على أهل الزهادة أن يكونوا ذوي انقباض في الأخلاق وعبوس في الوجوه ونفار من الناس وأمير المؤمنين (ع) كان أشجع الناس وأكثرهم إراقة للدماء وأزهدهم وأبعدهم عن ملاذ الدنيا وأكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله وأشدهم اجتهادا في العبادة وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا وأكثرهم بشرا حتى عيب بالدعابة وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة ومنها أن الغالب على شرفاء الناس ومن هو من أهل بيت السيادة والرياسة الكبر والتيه وكان أمير المؤمنين (ع) لا يشك عدو ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسبا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حصل له من غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة ومع ذلك كان أشد الناس تواضعا لصغير وكبير وألينهم عريكة وأبعدهم عن كبر في زمان خلافته وقبلها لم تغيره الإمرة ولا أحالت خلقه الرياسة وكيف ولم يزل رئيسا أميرا قال: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم. تذاكروا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل خلافة أبي بكر وعلي فأكثروا فرفع رأسه إليهم وقال قد أكثرتم أن عليا لم تزنه الخلافة ولكنه زانها ومنها أن الغالب على ذوي الشجاعة وقتل الأنفس أن يكونوا قليلي الصفح لأن القوة الغضبية عندهم شديدة وكان أمير المؤمنين (ع) مع شجاعته وكثرة إراقته الدماء كثير الصفح والعفو وقد رأيت فعله يوم الجمل ولقد أحسن مهيار في قوله:

ملخص ما ذكره ابن أبي الحديد وفي اجتماع الأضداد في صفات أمير المؤمنين (ع) يقول الصفي الحلي:

وقال ابن أبي الحديد في بعض علوياته مشيرا إلى ذلك:

وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتابه حلية الأولياء في ترجمته: علي بن أبي طالب وسيد القوم محب المشهود ومحبوب المعبود باب مدينة العلم والعلوم ورأس المخاطبات ومستنبط الإشارات راية المهتدين ونور المطيعين وولي المتقين وإمام العادلين أقدمهم إجابة وإيمانا وأقومهم قضية وإيقانا وأعظمهم حلما وأوفرهم علما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قدوة المتقين وزينة العارفين المنبئ عن حقائق التوحيد صاحب القلب العقول واللسان السؤول والإذن الواعي فقاء عيون الفتن فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودفع المارقين الأخيشن في ذات الله. وفي الإصابة: كان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام ولم يزل بعد النبي صلى الله عليه وسلم متصديا لنصر العلم والفتيا ثم قال: ما حاصله: فلما قتل عثمان بايعه الناس ثم كان قيام طلحة والزبير وعائشة في طلب دم عثمان فكانت وقعة الجمل ثم قام معاوية في الشام فدعا إلى الطلب بدم عثمان فكانت وقعة صفين وكل من الفريقين مجتهد وكان من الصحابة فريق لم يدخلوا في شيء من القتال وظهر بقتل عمار أن الصواب كان مع علي واتفق على ذلك أهلل السنة بعد اختلاف كان في القديم ولله الحمد.

(أقول): إلا ترى إلى هذا الحافظ الكبير كيف يتبلبل عن إدراك الحقيقة وهي أجلى من الشمس الضاحية يقول اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام وكان الأولى به أن يقول اشتهر بكل فضيلة فأي فضيلة لم يشتهر بها اشتهاره بالشجاعة اشتهر بالعلم والحلم والفصاحة وحل المشكلات عند القضاء والزهد والورع والعبادة والعدل وغيرها من محاسن الصفات ولم يكن شيء من الفضائل لم يشتهر به وقوله وكل من الفريقين مجتهد قول يصعب التصديق به ممن قتل الأمور بحثا وتأملا ولم يشأ أن يقلد من يجوز عليه الخطأ وممن سمع وعرف أن الاجتهاد لا يجوز في مقابل النص ولا في القطعيات والأمور الظاهرة قوله وظهر بقتل عمار أن الحق كان مع علي فيه من التجاهل بالحقائق مالا ينقضي منه العجب أفكان قول النبي صلى الله عليه وسلم عمار تقتله الفئة الباغية أشهر وأعرف عند الناس من قوله صلى الله عليه وسلم: "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار يا علي حربك حربي وسلمك سلمي يا علي من أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني" وأمثالها مما شاع وذاع ورواه الجمهور من الصحابة ألم يكن واحد من هذه الآثار كافيا في ظهور أن الحق مع علي فضلا عن جميعها أفلم يكن في مبايعة المهاجرين والأنصار وإجلاء الصحابة له بالمدينة الذين لم يبايع من تقدمه أكثر منهم دليلا على أن الحق معه وما أحسن ما قاله بعض العلماء العجب من قوم يأخذهم الريب لمكان عمار ولا يأخذهم لمكان علي بن أبي طالب.

مناقبه وفضائله نظرة إجمالية فيها وفي أحواله

نبغ في الأزمان على تعاقبها نوابغ يمتازون عن سائر أهل زمانهم وهؤلاء النوابغ يتفاوتون في نبوغهم وصفاتهم التي ميزتهم عمن سواهم سنة الله في خلقه ومهما تكثر النابغون في الأزمنة المتطاولة فنابغة الإسلام بل نابغة الكون المتفرد في صفاته الفاضلة ومزاياه الكاملة واجتماع محاسن الأضداد فيه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الخلائق وخريجه.

ذات علي ذات فذة يعسر أو يمتنع على الإنسان مهما أطال ومهما دقق أن يحيط بجميع ما فيها من سمو وتميز على سائر الخلق ومهما حاول الإنسان أن يحيط بجميع صفاته قعد به العجز واستولى عليه البهر كما قال: المؤلف من قصيدة علوية تزيد على ثلثمائة بيت وزعناها في هذا الجزء مطلعها:

ولكن لا يترك الميسور بالمعسور وعن المناقب قال: النظام: علي بن أبي طالب محنة على المتكلم أن وفاه حقه غلا وإن بخسه حقه أساء والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن صعبة المرتقى إلا على الحاذق الدين.

علمه

فإن نظرنا إلى علمه وجدناه العالم الرباني الذي يقول على ملأ من الناس سلوني قبل أن تفقدوني ومن ذا الذي يجرؤ من الناس أن يقول هذا الكلام فوق المنبر على حشد من ألوف الخلق وما يؤمنه أن يسأله سائل عن مسالة لا يكون عنده جوابها فيخجله فيها. لا يجرأ على هذا القول إلا من يكون واثقا من نفسه بان عنده جواب كل ما يسال عنه. وهل تنحصر المسألة في علم من العلوم أو ناحية من النواحي حتى يجرؤ أحد على هذا القول لا يكون مؤيدا بتأييد إلهي وواثقا من نفسه كل الوثوق بأنه لا يغيب عنه جواب مسالة مهما دقت وأشكلت أن هذا لمقام يقصر العقل عن الإحاطة به ويسال وهو على المنبر عن مسافة ما بين المشرق والمغرب فيجب بأنه مسيرة يوم للشمس. وهو جواب إقناعي أحسن ما يجاب به في مثل المقام. ويسال عما بين الحق والباطل فيقول مسافة أربع أصابع. الحق أن تقول رأيت بعيني والباطل أن تقول سمعت بإذني. ويسال عن رجلين مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلس معهما ثالث وأكلوا الأرغفة الثمانية وطرح إليهما الثالث ثمانية دراهم فيحكم بان لصاحب الثلاثة درهم واحد ولصاحب الخمسة سبعة دراهم لأن الأرغفة الثمانية أربعة وعشرون ثلثا لصاحب الثلاثة منها تسعة أثلاث أكل منها ثمانية وأكل الضيف وأحدا ولصاحب الخمسة منها خمسة عشر ثلثا أكل منها ثمانية وأكل الضيف سبعة. فهذه المسألة لو أجاب عنها أمهر رجل في الحساب بعد طول الفكرة والروية وأصاب فيها لكان له الفخر. ويؤتى عمر بامرأة ولدت لستة أشهر فيهم برجمها فيقول له علي أن خاصمتك بكتاب الله خصمتك أن الله تعالى يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} ويقول {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فإذا كانت مدة الرضاع حولين كاملين والحمل والفصال ثلاثون شهرا كانت مدة الحمل فيها ستة أشهر فثبت الحكم بذلك وعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا. ويؤتى عمر بمجنونة زنت فيأمر بجلدها فيقول له أن النبي قد رفع القلم عن المجنون حتى يفيق فيقول فرج الله عنك لقد كدت أهلك في جلدها. ويؤتى عمر بحامل قد زنت فيأمر برجمها فيقول له هب أن لك سبيلا عليها أي سبيل لك على ما في بطنها. احتط عليها تلد فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم عليها الحد فيقول عمر لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن. ويجي أبو الأسود الدؤلي فيخبره بأنه سمع من يلحن في القرآن فيضع له أصول علم النحو في كلمات معروفة ويقول له انح هذا النحو فيزيد عليها أبو الأسود وتضبط لغة العرب بعلم النحو إلى اليوم.

شجاعته

وإذا نظرنا إلى شجاعته وقد ضربت بها الأمثال وجدناه قد باشر الحرب وعمره عشرون سنة أو فوقها بقليل وقد أنسى ذكر من كان قبله ومحا اسم من يأتي بعده ووجدنا تفوقه فيها على جميع الخلق ملحقا بالضروريات يقبح بالإنسان إطالة الكلام فيه وإكثار الشواهد عليه ومقاماته في الحرب تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة. وكفى في ذلك أنه ما فر في موطن قط ولا ارتاع من كتيبه ولا بارز أحدا إلا قتله ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية وكانت ضرباته وترا إذا علا قد وإذا اعترض قط ولا دعي إلى مبارزة فنكل وهذا كله من الأمور العجيبة التي لم تنفق لغير علي بن أبي طالب ويمكن أن توصف الشجاعة بأكثر من ذلك. وكان يقول ما بارزت أحدا إلا كنت أنا ونفسه عليه وكانت العرب تفتخر بوقوفها في مقابلته في الحرب. ويفتخر المفتخرون ورهطهم بأنه قاتلهم افتخر بذلك حيي بن أخطب سيد بني النضير فقال قتله شريف بيد شريف. وافتخرت به أخت عمرو بن عبد ود في شعرها الذي رثت به أخاها. ولما افتخر حسان بقتل عمرو بن عبد ود في شعر له رد عليه فتى من بني عامر فقال من أبيات:

وكان يمدحه المشركون على قتله عظيما منهم ويجعلون ذلك فخرا لعلي ومع ذلك فمال هذا إلى الافتخار بأنه قاتله قال: مسافع الجمحي في رثاء عمرو وقتل علي إياه من أبيات:

وقال هبيرة بن أبي وهب يرثي عمرا ويذكر قتل علي إياه من أبيات:

وافتخر به سعيد بن العاص فقال: أما أنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب إلى غير ذلك. وكان ينيمه أبوه وهو صبي أيام حصار الشعب في مرقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينام فيه مواجها للخطر طيبة بذلك نفسه. وظهرت شجاعته الفائقة في مبيته على الفراش ليلة الغار موطنا نفسه على الأخطار غير هياب ولا حزين والنفر من قريش محيطون بالدار ليفتكوا بمن في الفراش وظهرت شجاعته البالغة لما سار بالفواطم بعد الهجرة جهارا من مكة وليس معه إلا ابن أم أيمن وأبو واقد الليثي وهما لا يغنيان شيئا فلحقه ثمانية فرسان من قريش أمامهم جناح مولى حرب بن أمية فأهوى إليه جناح بالسيف وهو فارس وعلي راجل فحاد علي عن ضربته وضربه لما انحنى على كتفه فقطعه نصفين حتى وصلت الضربة إلى قربوس فرسه وانهزم الباقون.

وفي يوم بدر قتل الوليد بن عتبة وشرك في قتل عتبة وقتل جماعة من صناديد المشركين حتى روي أنه قتل نصف المقتولين أو أزيد من النصف بواحد وقتل باقي المسلمين مع الملائكة المسومين النصف الثاني.

وفي يوم أحد قتل أصحاب اللواء جميعهم على أصح الروايات وهم سبعة أو تسعة وانهزم بقتلهم المشركون ولولا مخالفة الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لتم النصر للمسلمين وجميع من قتل يوم أحد من المشركين ثمانية وعشرون قتل علي منهم ثمانية عشر. ثم لما انهزم المسلمون إلا قليلا منهم ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم فحامى عنه وكلما أقبل إليه قوم ندبه النبي إليهم فيفرقهم ويقتل فيهم حتى عجب منه جبرائيل وقال يا رسول الله أن هذه للمواساة ونادى لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

وفي وقعة الخندق لما أقحم عمرو بن عبد ود وجماعة معه خيلهم وعبروا الخندق جاء علي ومعه نفر حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا خيلهم منها ولم يجسر على ذلك أحد غيره ولما طلب عمرو المبارزة جبن المسلمون كلهم وسكتوا كأنما على رؤوسهم الطير فجعل عمرو يؤنبهم ويوبخهم والنبي يقول من لعمرو وقد ضمنت له على الله الجنة فلم يقم إليه أحد إلا علي فقال أنا له يا رسول الله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له اقعد فإنه عمرو حتى فعل ذلك ثلاثا فقال له في الثالثة وإن كان عمرا فقتله وانهزم من معه فلحقهم علي وقتل بعضهم وانكسرت بذلك شوكة المشركين ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال بعلي.

وفي يوم خيبر كان علي أرمد لا يبصر سهلا ولا جبلا فلذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم اثنين غيره من المهاجرين فرجعا منهزمين أحدهما يجبن أصحابه ويجبنونه والآخر يؤنب أصحابه ويؤنبونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه" فدعا بعلي فتفل في عينيه فبرئا وأعطاه الراية فلقيه مرحب وعلى رأسه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة فضربه علي فقد الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه وسمع أهل العسكر صوت تلك الضربة واقتلع باب الحصن وجعله جسرا على الخندق وكان يغلقه عشرون رجلا فلما انصرفوا من الحصن دحا به أذرعا واجتمع عليه سبعون رجلا حتى أعادوه وتترس بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر فأي شجاع في الكون يصل إلى هذه الشجاعة.

وفي غزوة حنين ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد هرب عنه الناس غير عشرة تسعة منهم من بني هاشم هو أحدهم وفيهم العباس وابنه وقتل علي أبا جرول وأربعين من المشركين غيره وانهزم المشركون بقتله وقتلهم ورجع المسلمون من هزيمتهم بثباته وثبات من معه الذين إنما ثبتوا بثباته لأنه لم يؤثر عنهم شجاعة كما أثر عنه. وفي جميع الوقائع والغزوات كان له المقام الأسمى في الشجاعة والثبات. وفي يوم الجمل وصفين والنهروان باشر الحرب بنفسه وقتل صناديد الأبطال وجدل أبطال الرجال.

وفي يوم الجمل ثبت الفريقان وأشرعوا الرماح بعضهم في صدور بعض كأنها أجام القصب ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت وكان يسمع لوقع السيوف أصوات كأصوات القصارين، ولما اشتد القتال زحف نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه ثم حمل فغاص في عسكر الجمل حتى طعن العسكر ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه نحن نكفيك فلم يجبهم ولا رد إليهم بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد ثم حمل ثانية وحده فدخل وسطهم والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته ثم قال: لابنه محمد بن الحنفية هكذا تصنع يا ابن الحنفية. فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين.

ومن مواقفه بصفين ما كان يوم الهرير قال: بعض الرواة فو الله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي، أنه قتل في ما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله وإليكم من هذا فكنا نأخذه ونقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف. فلا والله ما ليث أشد نكاية منه بعدوه.

حلمه

وإذا نظرنا إلى حلمه وصفحه وجدناه أحلم الناس وكفانا لإثبات بلوغه أعلى درجات الحلم حلمه عن أهل الجمل عموما وعن مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير خصوصا فقد ظفر بمروان يوم الجمل وكان أعدى الناس له فصفح عنه وكان عبد الله بن الزبير من أعدى الناس له وكان يشتمه على رؤوس الأشهاد فأخذه يوم الجمل أسيرا فصفح عنه وقال اذهب فلا أرينك لم يزده على ذلك وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة وكان له عدوا فأعرض عنه ولم يقل له شيئا ولم يعاقب أحدا من أهل الجمل وأهل البصرة ونادى مناديه إلا لا يتبع مول ولا يجهز على جريح ولا يقتل مستأسر ومن ألقى سلاحه فهو آمن وتقيل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ولما ملك عليه أهل الشام الشريعة ومنعوه وأصحابه من الماء ثم ملكها عليهم قال: له أصحابه أمنعهم كما منعونا فقال لا والله لا أكافيهم بمثل فعلهم. وكان يوصي جيوشه أن لا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح.

عدله

وإذا نظرنا إلى عدله لم يجد له في العدل مشابها قال: ابن الأثير في أسد الغابة أن زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما ومر كلام الاستيعاب في ذلك عند ذكر صفته في أخلاقه وأطواره وما ذا يقول القائل في عدل خليفة يجد في مال جاءه من أصبهان رغيفا فيقسمه سبعة أجزاء كما قسم المال ويجعل على كل جزء جزءا. ويساوي بين الناس في العطاء ويأخذ كأحدهم.

فصاحته

وإذا نظرنا إلى فصاحته وبلاغته وجدناه إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وحسبك أن يقال في كلامه أنه بعد كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق. وقول عدوه معاوية: والله ما سن الفصاحة لقريش غيره. وأنه لم يدون لأحد من الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له: ويقبح بنا أن نقيم شيئا من الأدلة والشواهد على ذلك فإنه كإقامة الدليل على الشمس الضاحية:

ولا أدل على ذلك مما أثر عنه وجمع من كلامه كنهج البلاغة وغيره وسنتكلم على نهج البلاغة مستقلا.

زهده

وإذا نظرنا إلى زهده في الدنيا أخذنا العجب والبهر من رجل في يده الدنيا كلها عدى الشام العراق وفارس والحجاز واليمن ومصر وهو يلبس الخشن ويأكل الجشب مواساة للفقراء ويقول يا دنيا غري غيري الخ ولم يخلف إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله ويفرق جميع ما في بيت المال ثم يأمر به فيكنس ثم يصلي فيه رجاء أن يشهد له. وما شبع من طعام قط. وقد بلغ من زهده في الدنيا أن تكون الدنيا عنده من ورقة في فم جرادة تقضمها. كما في بعض كلامه وأن تكون الإمرة عنده لا تساوي نعلا قيمتها ثلاثة دراهم إلا أن يقيم حقا أو يدفع باطلا كما قاله لابن عباس وهو سائر إلى البصرة.

الجود والسخاء

وإذا نظرنا إلى جوده وسخائه وجدناه أسخى من السحاب الهاطل ووجدناه لا يبارى في ذلك ولا يماثل قال: الشعبي كان أسخى الناس وقال عدوه معاوية لو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه وكان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها ويقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ولم يخلف ميراثا وكانت الدنيا كلها بيده عدى الشام ولم يعمل بآية النجوى غيره. واعتق ألف عبد من كسب يده ولم يقل لسائل لا قط.

حسن الخلق

وإن نظرنا إلى حسن أخلاقه وجدناه يضرب به المثل في ذلك حتى عابه به أعداؤه لما لم يجدوا فيه عيبا. وقال أصحابه كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه.

الرأي والتدبير

وإن نظرنا إلى رأيه وتدبيره وجدناه أصوب الناس رأيا وأحسنهم تدبيرا فهو الذي أشار على عمر بوضع التاريخ للهجرة. وبترك حلي الكعبة لما أراد أخذه وأشار لما اجتمعت الفرس على غزو بلاد الإسلام أن لا يذهب بنفسه لأن الأعاجم إذا رأوه قالوا هذا رجل العرب فان قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم وأن لا يشخص أهل الشام ولا أهل اليمن خوفا على ذراريهم من الروم والحبشة ولا أهل الحرمين لئلا تنتفض عليه وقال أن القتال ليس بالكثرة بل بالبصيرة وأن يبعث إلى أهل البصرة فلتقم فرقة منهم على ذراريهم وأخرى على أهل عهدهم لئلا ينقضوا ولتسر فرقة منهم إلى إخوانهم مددا لهم فقبل ذلك عمر وكان هو الرأي. وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها لو قبلها.

العبادة

وإذا نظرنا إلى عبادته وجدناه أعبد الناس وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده وفي الأدعية المأثورة عنه كفاية. وكان زين العابدين على ما هو عليه من العبادة يستصغر عبادته في جنب عبادة جده أمير المؤمنين.

ومن عجيب أحواله أنه اجتمعت في صفاته الأضداد فبينما هو يمارس الحروب ويبارز الأقران ويقتل الشجعان ومن تكون هذه صفته لا بد أن يكون قاسي القلب شرس الخلق بينما نراه كذلك إذا هو أعبد العباد. يقضي ليله بالصلاة والعبادة والتضرع والابتهال والخضوع لله تعالى وإذا به أحسن الناس خلقا وأرقهم طبعا وألينهم عريكة.

تعداد مناقبه وفضائله على التفصيل

وهي كثيرة ينبو عنها الحصر وعظيمة يضيق بها الوصف ويقصر دونها الفكر. كما قال: السيد الحميري:

وقد ألفت في فضائله ومناقبه التي اختص بها وامتاز بها عن سائر الصحابة مؤلفات كثيرة عدى ما أودع في مضامين الكتب التي لا تحصى منها كتاب خصائصه للنسائي طبع مرارا. وكتاب خصائصه للحافظ أبي نعيم الأصفهاني. وكتاب خصائصه لأبي عبد الرحمن السكري. وكتاب ما نزل فيه من القرآن للحافظ أبي نعيم الأصفهاني ولسنا نحتاج في إثبات عظمته وعلو مقامه وامتيازه عن الخلق عدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاركته له في كثير من صفاته وأحواله إلى روايات الراوين ومؤلفات المؤلفين. بل يكفينا لذلك إلقاء نظرة واحدة على أحواله المسلمة المتواترة من أنه كيف وتر العرب في حروبه مع النبي صلى الله عليه وسلم وقتل صناديدها ورؤساءها فأورث ذلك الأضغان والأحقاد عليه في قلوبها وكان آباء من قتلهم وأبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم لا يزالون موجودين وأحقادهم لا تزال كامنة ونيرانها في صدورهم مشتعلة وإن دخلوا في الإسلام فجملة منهم دخلوا فيه كرها وخوفا من السيف ومن دخل عن عقيدة لم تكن عقيدته لتغير ما في نفسه وطبعه من الغيظ على قاتل أبيه وأخيه وابنه وقريبه إلا ترى إلى سيد ولد آدم كيف لم يستطع أن ينظر إلى قاتل عمه حمزة فقال له غيب وجهك عني وهو أكمل الخلق ولما رأى أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو مسلم أباه عتبة يجر إلى القليب تغير وجهه ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أحد من بني هاشم وعن قتل العباس عمه قال: أبو حذيفة أنقتل أبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه السيف ثم ما كان من تنويه النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه في مواضع عديدة واختصاصه به ما زرع بذر الحسد له وغرس العداوة له في قلوب الناس الرجال منهم والنساء سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا حتى قالت أخت علي بن عدي من بني عبد شمس لما سار علي (ع) إلى البصرة:

#إلا علي بن عدي ليس له

وقد أوضحنا ذلك في الجزء الأول في المقدمات ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الكافي (وبسنده) عن الباقر (ع) قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بات آل محمد بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتر الأقربين والأبعدين في الله وتلا ذلك ما كان في دولة بني أمية نحوا من ثمانين سنة أو أكثر من إظهار بغضه وعداوته ولعنه على المنابر والاجتهاد في كتمان فضائله ومنع أحد أن يسمى باسمه ويكنى بكنيته. روى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء (وبسنده) قال: كان علي بن عبد الله بن العباس يكنى أبا الحسن فلما قدم على عبد الملك قال: له غير اسمك وكنيتك فلا صبر لي على اسمك وكنيتك فقال أما الاسم فلا وأما الكنية فاكتني بأبي محمد فغير كنيته ومنعوا أحدا أن يحدث عنه حتى كان من يحدث عنه لا يذكره باسمه قال: المفيد في الإرشاد وفيما انتهى إليه الأمر من دفن فضائل أمير المؤمنين (ع) والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا شبهة فيه على عاقل حتى كان الرجل إذا أراد أن يروي عن أمير المؤمنين (ع) رواية لم يستطع أن يصفها بذكر اسمه ونسبه وتدعوه الضرورة إلى أن يقول حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقول حدثني رجل من قريش ومنهم من يقول حدثني أبو زينب.

فتقرب إليهم الناس ببغضه ورووا لهم الأحاديث في ذمه وغمط فضله. وما كان في دولة بني العباس من قصد إخمال ذكره وإخفاء فضله وإخماد نوره خوفا من ذريته على الملك. وإخافة كل من ينتسب إليه كما وقع في عهد المنصور والرشيد والمتوكل وغيرهم إلا شاذا كالمأمون وغيره والناس إلا ما ندر أتباع السلطة والسلطان وعبيد الدنيا والدينار واستمر ذلك في الدول الإسلامية وفي المسلمين إلى يومنا هذا بما أسسه المؤسسون في غابر الأزمان وسطره علماء السوء في كتبهم وتوالت عليه القرون والأحقاب فنرى كثيرا من الناس لا يستطيع أن يسمع له فضيلة أو منقبة ونرى جملة من المسلمين عمدوا إلى خير كتاب جمع كلامه نهج البلاغة وأعظم مفخرة للإسلام فأنكروه وادعوا أنه من وضع الرضي حتى نسب الحافظ الذهبي كلامه إلى الركة ومع كل هذا وذاك وجميع ما هناك فقد انتشر من مناقبه وفضائله ومآثره وجليل صفاته وأفعاله ما تواتر نقله واستفاض وملأ الدفاتر والأسفار وانتشر في جميع الأقطار والإعصار ولم يجد محاول إنكاره سبيلا إلى الإنكار حتى قال: الإمام أحمد بن حنبل كما سيأتي ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب وهذا يكاد يلحق بالمعجزات والآيات الباهرات والعادة جارية بأن من كانت هذه حاله يخمل ذكره ويخفى أمره ولا يذكره ذاكر بخير. قال: المفيد في الإرشاد: ومن آياته وبيناته التي انفرد بها ظهور مناقبه في الخاصة والعامة وتسخير الجمهور لنقل فضائله وما خصه الله به وتسليم العدو من ذلك بما فيه الحجة هذا مع كثرة المنحرفين عنه والأعداء له وتوفير أسباب دواعيهم إلى كتمان فضله وجحد حقه وكون الدنيا في يد خصومه وانحرافها عن أوليائه وما اتفق لأضداده من سلطان الدنيا وحمل الجمهور على إطفاء نوره ودحض أمره فخرق الله العادة بنشر فضائله وظهور مناقبه وتسخير الكل للاعتراف بذلك والإقرار بصحته واندحاض ما احتال به أعداؤه في كتمان مناقبه وجحد حقوقه حتى تمت الحجة له وظهر البرهان بحقه ولما كانت العادة جارية بخلاف ما ذكرناه فيمن اتفق له من أسباب خمول أمره ما اتفق لأمير المؤمنين (ع) فانخرقت العادة فيه دل ذلك على بينونته من الكافة بباهر الآية على ما وصفناه قال: وقد شاع الخبر واستفاض عن الشعبي أنه كان يقول لقد كنت اسمع خطباء بني أمية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على منابرهم وكأنما يشال بضبعه إلى السماء وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم على منابرهم وكأنهم يكشفون عن جيفة وقال الوليد بن عبد الملك لبنيه يوما يا بني عليكم بالدين فإني لم أر الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا ورأيت الدنيا قد بنت بنيانا فهدمه الدين ما زلت اسمع أصحابنا وأهلنا يسبون علي بن أبي طالب ويدفنون فضائله ويحملون الناس على شنآنه فلا يزيده ذلك من القلوب إلا قربا ويجهدون في تقريبهم من نفوس الخلق فلا يزيدهم ذلك من القلوب إلا بعدا قال: وكانت الولاة الجورة تضرب بالسياط من ذكره بخير بل تضرب الرقاب على ذلك وتعرض للناس بالبراءة منه والعادة جارية فيمن اتفق له ذلك أن لا يذكر على وجه الأرض بخير فضلا عن أن تذكر له فضائل أو تروى له مناقب أو تثبت له حجة بحق. (وقال المفيد) في الإرشاد: فأما مناقبه الغنية لشهرتها وتواتر النقل بها وإجماع العلماء عليها عن إيراد أسانيد الأخبار بها فهي كثيرة يطول بشرحها الكتاب وفي رسمنا منها طرفا فيه كفاية عن إيراد جميعها في الغرض الذي وضعنا له هذا الكتاب. وفي أسد الغابة: روى يزيد بن هارون عن فطر عن أبي الطفيل قال: بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقد كان لعلي من السوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيرا. وفيه (وبسنده) عن المدائني: لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال والله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك ورفعتها وما رفعتك وهي كانت أحوج إليك منك إليها. قال: ابن أبي الحديد في شرح النهج أما فضائله (ع) فإنها قد بلغت من العظم والجلال والانتشار والاشتهار مبلغا يسمج معه التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها فصارت كما قال: أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا يخفى على الناظر فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك ووكلت الأخبار عنك إلى علم الناس بك. وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء ذكره والتجديف عليه ووضع المعائب والمثالب له ولعنوه على جميع المنابر وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه وكلما كتم تضوع نشره وكالشمس لا تستر بالراح وكضوء النهار أن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة أخرى. وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة وتنتهي إليه كل فرقة وتتجاذبه كل طائفة فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها وسابق مضمارها ومجلي حلبتها كل من برع فيها بعده فمنه أخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى ثم قال: وما أقول في رجل تحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة وما أقول في رجل أحب كل أحد أن يتكثر به وود كل أحد أن يتجمل به ويتحسن بالانتساب إليه حتى الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها أن لا تستحسن من نفسك ما تستقبحه من غيرك فان أربابها نسبوا أنفسهم إليه وصنفوا في ذلك كتبا وجعلوا لذلك إسنادا انهوه إليه وقصروه عليه وسموه سيد الفتيان وعضدوا مذهبهم بالبيت المروي أنه سمع من السماء يوم أحد:

وتتبع الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفي سنة 303 خصائصه وجمعها في كتاب. وقال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: فضائله (ع) أكثر من أن تحصى فأمير المؤمنين (ع) بإجماع المخالف والممالي والمضاد والموالي على ما لا يمكن غمطه ولا ينساع ستره من فضائله المشهورة في العامة المكتوبة عند الخاصة تغني عن تفصيله بقول والاستشهاد عليه برواية. وقال ابن عبد البر المالكي عالم الأندلس ومحدثها في الاستيعاب: فضائله لا يحيط بها كتاب وقد أكثر الناس من جمعها فرأيت الاقتصار منها على النكت التي تحسن المذاكرة بها وتدل على ما سواها من أخلاقه وأحواله وسيرته وقال أيضا قد كان بنو أمية ينالون منه وينتقصونه فما زاده الله بذلك إلا سموا وعلوا ومحبة عند العلماء إلى أن قال: قال: أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب وكذلك أحمد بن شعيب بن علي النسائي وروى الحاكم في المستدرك قال: سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمد بن المظفر الحافظ يقولان سمعنا أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي يقول سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك بشيء وفي الكامل لابن الأثير: قال: أحمد بن حنبل ما جاء لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء لعلي. وفي الإصابة مناقبه كثيرة حتى قال: الإمام أحمد لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي قال: وقال غيره: كان سبب ذلك بغض بني أمية له فكان كل من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يثبته وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث بمناقبه لا تزداد إلا انتشارا ثم قال: وتتبع النسائي ما خص به من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد أكثرها جياد أقول بل السبب في ذلك كثرة مناقبه التي لم يستطع أعداؤه إخفاءها وكرامة من الله تعالى خصه بها ولله تعالى فيه من خوارق العادات شيء كثير هذا أحدها وإلى ذلك أشار من قال: ما أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفا وأعداؤه حسدا وظهر من بين الذين ما ملأ الخافقين وروى ابن عبد البر في الاستيعاب (وبسنده) عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه سمع ابنا له ينتقص عليا فقال يا بني إياك والعودة إلى ذلك فان بني مروان شتموه ستين سنة فلم يزده الله بذلك إلا رفعة وإن الدين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنته فهدمته وحكي ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي. ما يدل على أن اشتهار فضائله وانتشارها كان قبل ظهور دولة بني أمية وأن في زمان بني أمية لم يجسر أحد على رواية خبر عنه فضلا عن أن يروي له فضيلة وهذا مما يبطل ما زعمه هذا البعض في سبب انتشار فضائله قال: أبو جعفر: قد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي وعاقبوا ذاكر ذلك والراوي له حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه فيقول عن أبي زينب قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقلة إلى غاية بعيدة لانقطع نقلها للخوف والتقية من بني مروان مع طول المدة وشدة العداوة ولولا أن لله تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث ولا عرفت له منقبة فهذا هو السبب في انتشار فضائله لا ما ذكره هذا البعض. كيف وكثير من الصحابة كانوا منحرفين عنه فسعد وابن عمر لم يبايعاه بعد قتل عثمان وبايع الثاني يزيد بن معاوية بعد ذلك وغيرهما من الصحابة لم يبايعه كمحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وغيرهما فلم يجبرهم واعتزلوا فقال هؤلاء قوم خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل وأهل الجمل نكثوا بيعته وهم من الصحابة وعداوة ابن الزبير له معلومة ولما روت أم المؤمنين حديث خروج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه قالت متوكئا على الفضل ورجل آخر وكان الآخر عليا فلم يسعها التصريح باسمه وقولها وسجودها لما جاءها نعيه مشهور وفي كشف الغمة عن يونس بن جيب النحوي قال: قلت للخليل بن أحمد أريد أن أسألك عن مسالة فتكتمها علي فقال قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال فتكتمه أنت أيضا قلت نعم أيام حياتك قال: سل: قلت ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمهم كأنهم كلهم بنو أم واحدة وعلي بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة فقال أن عليا تقدمهم إسلاما وفاقهم علما وبذهم شرفا ورجحهم زهدا وطالهم جهادا والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان منهم وروى الصدوق في الأمالي وعلل الشرائع (وبسنده) عن ابن دريد عن الرياشي عن أبي زيد النحوي سعيد بن أوس الأنصاري قال: سالت الخليل بن أحمد العروضي لم هجر الناس عليا وقرباه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرباه وموضعه من المسلمين موضعه وغناؤه في الإسلام غناؤه فقال بهر والله نوره أنوارهم وغلبهم على صفو كل منهم والناس إلى أشكالهم أميل أما سمعت الأول حيث يقول:

قال وانشدنا الرياشي في معناه للعباس بن الأحنف:

وقال ابن شهراشوب في المناقب: قيل لمسلمة بن نميل ما لعلي رفضه العامة وله في كل خير ضرس قاطع فقال لأن ضوء عيونهم قصير عن نوره والناس إلى أشكالهم أميل. وقال الشعبي ما ندري ما نصنع بعلي بن أبي طالب أن أحببناه افتقرنا أي لمعاداة الناس لنا وإن أبغضناه كفرنا وروي أن عليا (ع) ناشد الناس في الرحبة أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا وأنس بن مالك حاضر لم يقم فقال له ما يمنعك أن تقوم فقال كبرت ونسيت فقال اللهم أن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة فبرص قال: طلحة بن عمير فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه وكان يقول هذا من دعوة العبد الصالح قال: ابن أبي الحديد وروى أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن أن عليا نشد الناس من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد له قوم وامسك زيد بن أرقم فلم يشهد وكان يعلمها فدعا عليه بذهاب البصرة فعمي فكان يحدث الناس بهذا الحديث بعد ما كف بصره. وحال حسان بن ثابت معه واضحة حتى رماه بقتل عثمان في أبياته المشهورة. وحال أبي موسى الأشعري وتخذيله عنه الناس بالكوفة يوم الجمل وهو عامله وخلعه له من الخلافة يوم الحكمين غير خفية. وأمر معاوية وعمرو بن العاص معه وهما من الصحابة معلوم وجملة من الصحابة كانوا منحازين إلى بني أمية يمالئونهم ويداهنونهم وينالون من دنياهم ويلون لهم الأعمال كالنعمان بن بشير وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وأمثالهم وجملة منهم أخذوا الأموال الطائلة وولوا الولايات الجليلة ليرووا لبني أمية في ذمة ما شاؤوا مثل أن آية ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد نزلت في علي بن أبي طالب. حكى ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي أنه قال: أن معاوية بذل لسمرة بن جندب وهو صحابي مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله فلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل وروى ذلك وليرووا لهم أنه غاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطبته بنت أبي جهل حتى قام في ذلك خطيبا وحتى نظم ذلك مروان بن أبي حفصة في قصيدته اللامية متقربا به إلى العباسيين فقال:

وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن شيخه أبي جعفر الإسكافي أن أبا هريرة روى ذلك وأن الحديث مشهور من رواية الكرابيسي ثم قال: ابن أبي الحديد أن الحديث مخرج أيضا من صحيحي مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري ولم يتفطن من افتعل هذا الحديث إلى أنه يؤول إلى القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله فإنه ليس له أن يغضب مما أحله الله وأباحه.

قال أبو جعفر الإسكافي: وكان أبو مسعود الأنصاري منحرفا عن علي واستشهد لذلك بعدة روايات واستقصاء ذلك يطول به الكلام ولم يكن لكثير منهم الحرص على إثبات مناقبه وإظهارها إلا نفر يسير استولى عليهم الخوف والاضطهاد وفي أي زمان كان يجسر أحد على ذكر فضائله أفي زمن بني أمية الذين منعوا أن يسمى أحد باسمه أو يكنى بكنيته ومنعوا من ذكره والرواية عنه وجعلوا سبه على المنابر في الأعياد والجمعات كفرض الصلاة ثمانين سنة أو أكثر وكان الناس يتقربون إليهم بذمه واخفي قبره بعد موته خوفا منهم أم في زمان بني العباس وحالهم مع ذريته وشيعته معلومة حتى بنوا عليهم الحيطان وقتلوهم وشردوهم عن الأوطان والقوهم في المطامير وكانت الناس تتقرب إليهم بتقديم غيره بل بذمه وحال المتوكل في ذلك وقصته مع ابنه المستنصر مشهورة وقصيدة مروان بن أبي حفصة اللامية التي يذمه وينتقصه فيها تقربا إلى بني العباس أشهر من قفا نبك وقصة النسائي المحدث المشهور مع الشام حين سألوه أيهما أفضل معاوية أم علي فقال أما يرضى معاوية رأسا برأس وحين سألوه ما تروي في فضل معاوية فأجابهم بما أجابهم فرضوا خصيتيه حتى مات مشهورة ولم يزل هذا الداء المزمن ساريا إلى يومنا هذا حتى أن الباعث لهذا البعض الذي ذكره ابن حجر على ذكر هذا السبب هو من هذا البحر وعلى هذه القافية فإنه عظم عليه أن يكون علي بن أبي طالب ورد في فضله ما لم يرد لأحد من الصحابة فأراد مسخ هذه المنقبة وتوهينها بان ذلك ليس لزيادة فضله عليهم كيف وهو متأخر بزعمه في الفضل عن جملة منهم بل لما ذكره من العلة وهذه عادتهم وشنشنتهم الأخزمية في كل منقبة تنسب إلى علي وأهل بيته لا من عصمة الله ونحن نذكر طرفا مقنعا من فضائله ومناقبه من دون استقصاء فان ذلك يحتاج إلى عدة مجلدات وهي على أنواع:

الأول: أنه ربي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأدب بآدابه وتخلق بأخلاقه واهتدى بهداه واقتدى به في أقواله وأفعاله ولازمه طول حياته وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك عند ذكر نشأته وتربيته وقال (ع) في أواخر خطبته المسماة بالقاصعة: وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت اتبعه أتباع الفصيل اثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة قال: النقيب أبو جعفر يحيى بن زيد العلوي نقيب البصرة فيما حكاه تلميذه ابن أبي الحديد في شرح النهج: وإذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية والتنقيف الدهر الطويل فوجب أن تكون أخلاق علي كأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم مربيه لولا أن الله اختص محمدا برسالته فامتاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك عن سواه وبقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد وإلى هذا المعنى أشار صلى الله عليه وسلم بقوله أخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأبان نفسه منه بالنبوة وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل مشتركا بينهما. وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

الثاني: السبق إلى الإسلام وعدم السجود لصنم قط قال: ابن أبي الحديد ما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى وآمن بالله وعبده وكل من في الأرض يعبد الحجر ويجحد الخالق لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلا السابق إلى كل خير محمد رسول الله ص. ذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه (ع) أول الناس أتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانا به ولم يخالف في ذلك إلا الأقلون وقد قال: هو (ع) أنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام الناس وصليت قبل صلاتهم ومن وقف على كتب أصحاب الحديث تحقق ذلك وعلمه واضحا واليه ذهب الواقدي وابن جرير الطبري وهو القول الذي رجحه ونصره صاحب كتاب الاستيعاب وفي أسد الغابة: هو أول الناس إسلاما في قول كثير من العلماء وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: روي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم أن علي بن أبي طالب أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره وقال ابن إسحاق أول من آمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الرجال علي بن أبي طالب وهو قول ابن شهاب إلا أنه قال: من الرجال بعد خديجة وهو قول الجميع في خديجة ثم روى (وبسنده) عن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره وهو الذي غسله وادخله قبره قال: وروي عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أول هذه الأمة ورودا على الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب (وبسنده) عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب ورواه الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن سلمان مثله وفي الاستيعاب (وبسنده) عن ابن عباس أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب (وبسنده) عن ابن عباس أيضا كان علي بن أبي طالب أول من آمن من الناس بعد خديجة قال: أبو عمرو بن عبد البر هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته وهو يعارض ما ذكرناه عن ابن عباس في باب أبي بكر قال: والصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر إسلامه كذلك قال: مجاهد وغيره قالوا أو منعه قومه وقال ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن عقيل وقتادة وابن اسحق أول من أسلم من الرجال علي واتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به ثم علي بعدها قال: وروي في ذلك عن أبي رافع مثل ذلك (وبسنده) سئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم علي أم أبو بكر قال: سبحان الله علي أولهما إسلاما وإنما شبه على الناس لأن عليا أخفى إسلامه ولا شك أن عليا عندنا أولهما إسلاما (وبسنده) عن قتادة عن الحسن أسلم علي وهو أول من أسلم الحديث وقال ابن إسحاق أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب (وبسنده) عن قتادة عن الحسن وغيره قالوا أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب (وبسنده) عن ابن عباس أول من أسلم علي (وبسنده) عن حبة العرني سمعت عليا يقول لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين (وبسنده) عن حبة العرني سمعت عليا يقول أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الحافظ النسائي في الخصائص (وبسنده) عن حبة العرني مثله قال: ابن عبد البر وروى مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال: استنبئ النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء (وبسنده) عن أنس قال: نبئ النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء. وروى النسائي في الخصائص بعدة أسانيد عن زيد بن أرقم أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب (وبسنده) عنه أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وروى الحاكم في المستدرك وصححه عن زيد بن أرقم أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك وفي الاستيعاب وقال زيد بن أرقم أول من آمن بالله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. روي حديث زيد بن أرقم من وجوه ذكرها النسائي وأسد بن موسى وغيرهما وفي الاستيعاب قال: علي صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا لا يصلي معه غيري إلا خديجة. وروي في أسد الغابة بعدة أسانيد إلى ابن عباس وزيد بن أرقم: أول من أسلم علي وبإسناده عن حبة بن جوين عن علي لم أعلم أحدا من هذه الأمة عبد الله قبلي لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين أو سبع سنين وبإسناده عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يصل معي رجل غيره وروى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن علي آمنت قبل الناس بسبع سنين (وبسنده) عنه (ع) ما اعرف أحدا من هذه الأمة عبد الله بعد نبينا غيري عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة تسع سنين. كذا في النسخة ولعله تصحيف سبع سنين وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي قال: إني عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب صليت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة. والذهبي في تلخيص المستدرك لم تتحمل نفسه مضمون هذا الحديث فقال كذا قال: صحيح على شرط الشيخين وهو على شرط أحدهما بل ولا هو بصحيح بل حديث باطل فتدبره وعباد قال: ابن المديني ضعيف أقول ليست مبالغته في تضعيفه إلا لمضمونه ولذلك أمر بتدبره وصحته على شرط أحدهما كافية وعباد ذكره ابن حبان في الثقات نقله في تهذيب التهذيب وقال أن ابن المديني قال: ضعيف الحديث. فيظهر منه ضعف حديثه عنده لا ضعفه في نفسه ولعله لأن في حديثه مثل هذا الذي لا يراه صوابا ويرشد إليه ما حكاه في تهذيب عن ابن حنبل أنه ضرب على حديثه عن علي أنا الصديق الأكبر وقال هو منكر فإنه ظاهر في أن عليه لمضمونه لا لضعف سنده. وروى الحاكم في المستدرك عن شعيب بن صفوان عن الأجلح عن سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين عن علي قال: عبدت الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة. قال: الذهبي في المستدرك وهذا باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم من أول ما أوحي له آمن به خديجة وأبو بكر وبلال وزيد مع علي قبله بساعات أو بعده بساعات وعبدوا الله مع نبيه فأين السبع السنين ولعل السمع أخطأ فيكون أمير المؤمنين قال: عبدت الله ولي سبع سنين ولم يضبط الراوي ما سمع ثم حبة شيعي جبل ضعفه الجوزجاني والدارقطني وشعيب وأجلح متكلم فيهما ملخصا وجزمه ببطلانه فغير محله فإنه لو صح أن قليلين أسلموا قبل سبع سنين لجاز أن يراد قبل أن يعبده أحد من جمهور الأمة مجازا جمعا بين الأحاديث إذا كان قد عبده قبلها الواحد أو الاثنان أو الثلاثة وأما قوله قبله بساعات أو بعده بساعات فبعيد عن الإثبات كما يعلم مما سبق وأما القدح في حبة وتضعيفه فليس إلا لأنه شيعي وذلك لو لم يكن من أسباب المدح لا يكون من أسباب القدح عند المتصف. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد: هو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف وهو الذي صبر معه يوم المهراس وهو الذي غسله وأدخله قبره وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

الثالث: ما جرى له حين جمع النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين ودعاهم إلى الإسلام في أول البعثة وقد مر ذكر ذلك مفصلا في السيرة النبوية في الجزء الثاني ويأتي ذكره في أدلة إمامته في هذا الجزء وعند ذكر أخباره متتالية متتابعة فاغني ذلك عن ذكره هنا ونكتفي هنا بإيراد بعض ما ذكره المفيد في الإرشاد في هذه المنقبة قال: ومن مناقبه الغنية لشهرتها وتواتر النقل بها وإجماع العلماء عليها عن إيراد الأخبار بها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع خاصة له وعشيرته في ابتداء الدعوة إلى الإسلام فعرض عليهم الإيمان واستنصرهم على أهل الكفر والعدوان وضمن لهم على ذلك الحظوة في الدنيا والشرف وثواب الجنان فلم يجبه أحد منهم إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فنحله بذلك تحقيق الأخوة والوزارة والوصية والوراثة والخلافة وأوجب له به الجنة وذلك في حديث الدار الذي أجمع على صحته نقلة الآثار حين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب في دار أبي طالب وذكر الحديث ومر عند ذكر أخباره لما نزل {وانذر عشيرتك الأقربين}. وفيه أنه قال: لهم "فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد فقال أمير المؤمنين أنا يا رسول الله أوازرك على هذا الأمر فقال أنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي" فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك. ثم قال: المفيد وهذه منقبة جليلة اختص بها أمير المؤمنين (ع) ولم يشركه فيها أحد من المهاجرين والأنصار ولا أحد من أهل الإسلام وليس لغيره عدل لها في الفضل ولا مقارب على حال وفي الخبر بها ما يفيد أنه به (ع) تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من تبليغ الرسالة وإظهار الدعوة والصدع بالإسلام ولولاه لم تثبت الملة ولا استقرت الشريعة ولا ظهرت الدعوة فهو (ع) ناصر الإسلام ووزير الداعي إليه من قبل الله عز وجل وبضمانه لنبي الهدى (ع) النصرة تم له في النبوة ما أراد وفي ذلك من الفضل ما لا توازيه الجبال فضلا ولا تعادله الفضائل كلها محلا وقدرا وتدل هذه الرواية على أن هذه الدعوة كانت في دار أبي طالب ولا ريب أن عليا صنع ذلك بإذن أبيه فإنه لم يكن ليصنع شيئا في دار أبيه ويصنع طعاما من ماله بغير إذنه ولا شك أنه كان مسرورا جدا بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حق ابنه وبما قاله ابنه للنبي صلى الله عليه وسلم وبما ظهر من فضله على كافة من حضر وأنه كان مسلما في الباطن لكنه لم يتمكن من إظهار سروره لأن المصلحة كانت في كتمان إسلامه ليتمكن من حماية النبي صلى الله عليه وسلم وإن النبي كان راضيا من كتمانه وإن أبا طالب كان ساخطا من مقالة قومه قد جعل ابنك أميرا عليك وراضيا بإمارة ابنه عليه.

الرابع: مبيته على الفراش ليلة الغار وفداؤه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وقد تقدم شرح ذلك في الجزء الثاني في السيرة النبوية ويأتي ذكره مفصلا أيضا في هذا الجزء مع ما لم يذكر هناك عند ذكر أخباره من مولده إلى وفاته أن شاء الله تعالى.

الخامس: إقامة النبي صلى الله عليه وسلم له مقامه يوم الهجرة في أداء أماناته ورد ودائعه وقضاء ديونه وحمل الفواطم إليه إلى المدينة ولم يأتمن على ذلك أحدا غيره لما علم من أمانته وكفاءته وشجاعته فقام بما أمره به وأقام مناديا ينادي بالأبطح (محل اجتماع الناس) غدوة وعشية: إلا من كانت له قبل محمد أمانة فليحضر مكان كذا وكذا تؤد إليه أمانته ثم حمل الفواطم وهاجر بهن إلى المدينة ظاهرا ولحقه الثمانية الفوارس فقتل مقدمهم ورجع الباقون حتى ورد على النبي صلى الله عليه وسلم بقبا. قال: المفيد في الإرشاد: ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمين قريش على ودائعهم فلما فجأة من الكفار ما أحوجه إلى الهرب من مكة بغتة لم يجد في قومه وأهله من يأتمنه على ما كان مؤتمنا عليه سوى أمير المؤمنين (ع) فاستخلفه في رد الودائع إلى أربابها وقضاء دينه وجمع بناته ونساء له وأزواجه والهجرة بهم إليه ولم ير أن أحدا يقوم مقامه في ذلك من كافة الناس فوثق بأمانته وعول على نجدته وشجاعته واعتمد في الدفاع عنه وخاصته على بأسه وقدرته واطمأن إلى ثقته على له وحرمه وعرف من ورعه وعصمته ما تسكن النفس معه إلى إئتمانه على ذلك فقام علي به أحسن القيام ورد كل وديعة إلى لها وأعطى كل ذي حق حقه وحفظ بنات نبيه صلى الله عليه وسلم وهاجر بهم ماشيا على قدميه يحوطهم من الأعداء ويكلؤهم من الخصماء ويرفق بهم في المسير حتى أوردهم عليه المدينة على أتم صيانة وحراسة ورفق وأحسن تدبير. وهذه منقبة توحد بها من كافة أهل بيته وأصحابه ولم يشركه فيها أحد من أتباعه وأشياعه ولم يحصل لغيره من الخلق فضل سواها يعادلها عند السبر ولا يقاربها على الامتحان وهي مضافة إلى ما قدمناه من مناقبه الباهرة بفضلها القاهرة بشرفها قلوب العقلاء.

السادس: المؤاخاة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابن عبد البر في الاستيعاب: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار وقال في كل واحدة منهما لعلي "أنت أخي في الدنيا والآخرة وآخى بينه وبين نفسه". وفي أسد الغابة: آخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين فإنه آخى بين المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة وقال لعلي في كل واحدة منهما "أنت أخي في الدنيا والآخرة" ثم روى (وبسنده) عن ابن عمر أنه لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة (وبسنده) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال علي يا رسول الله انك قد آخيت بين أصحابك فمن أخي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما ترضى يا علي أن أكون أخاك" فقال علي بلى يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت أخي في الدنيا والآخرة" وروى ابن عبد البر في الاستيعاب (وبسنده) عن ابن عباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعلي أنت أخي وصاحبي" (وبسنده) عن أبي الطفيل أن عليا قال: لهم يوم الشورى أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينه إذ آخى بين المسلمين غيري قالوا اللهم لا (قال) وروينا من وجوه عن علي أنه كان يقول أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولها أحد غيري إلا كذاب (وروى) النسائي في الخصائص (وبسنده) عن علي أنه قال: أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب آمنت قبل الناس بسبع سنين (وبسنده) عن أبي سليمان الجهني سمعت عليا على المنبر يقول أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يقوم بها إلا كذاب مفتر. وفي ذلك من إبانة فضله على الكافة والدلالة على أنه لا كفؤ لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواه ما لا يخفى فإنه لو وجد النبي صلى الله عليه وسلم كفؤا له غيره لآخاه دونه وفي ذلك يقول الصفي الحلي:

ويقول المؤلف:

ويقول المؤلف أيضا من قصيدة ثانية:

وفيه يقول المؤلف أيضا من قصيدة ثالثة:

ويقول أيضا من قصيدة رابعة:

السابع: أنه كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواقف كلها والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها، في المصباح لواء الجيش علمه وهو دون الراية. وقد مر في الأمر الثاني من مناقبه رواية الحاكم بالإسناد عن ابن عباس لعلي أربع خصال ليست لأحد وعد منها وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف ورواه المفيد في الإرشاد بإسناده عن ابن عباس نحوه وقال وهو صاحب لوائه في كل زحف وروى الحاكم في المستدرك وصححه (وبسنده) عن مالك بن دينار سالت سعيد بن جبير فقلت يا أبا عبد الله من كان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلي وقال كأنك رخي البال فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء فقلت إلا تعجبون من سعيد سألته كذا ففعل كذا قالوا انك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت فسله الآن فسألته فقال كان حاملها علي هكذا سمعته من عبد الله بن عباس قال: ولهذا الحديث شاهد من حديث زنفل العرفي وفيه طول فلم أخرجه وفي تهذيب التهذيب في ترجمة سعد بن عبادة قال: مقسم عن ابن عباس كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواطن كلها مع علي راية المهاجرين ومع سعد بن عبادة راية الأنصار وروى المفيد في الإرشاد عن يحيى بن عمارة حدثني الحسن بن موسى بن رباح مولى الأنصار حدثني أبو البختري القرشي قال: كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيد قصي بن كلاب ثم لم تزل الراية في يد ولد عبد المطلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فصارت راية قريش وغيرها إلى النبي فاقرها في بني هاشم فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب (ع) في غزوة ودان وهي أول غزوة حمل فيها راية في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم تزل معه في بدر وهي البطشة الكبرى وفي يوم أحد وكان اللواء يومئذ في بني عبد الدار فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير فاستشهد ووقع اللواء من يده فتشوفته القبائل فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعه إلى علي بن أبي طالب فجمع له يومئذ الراية واللواء فهما إلى اليوم في بني هاشم.

ومما مر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء عند ذكر الغزوات فيهما تعلم صحة ذلك ففي غزوة ودان التي هي أول غزوة حمل فيها راية كانت رايته مع علي بن أبي طالب وفي غزوة بدر الأولى كان لواؤه معه وفي غزوة بدر الكبرى كانت رايته معه. وفي غزوة أحد كانت رايته ولواء المهاجرين مع علي فلما علم أن لواء المشركين مع بني عبد الدار لأنهم كانوا أصحاب لواء قريش في الجاهلية قال: نحن أولي بالوفاء منهم فأعطى اللواء رجلا منهم اسمه مصعب بن عمير فلما قتل مصعب رد اللواء إلى علي. وفي غزوات حمراء الأسد والحديبية وحنين وذات السلاسل كان اللواء مع علي (ع) وفي غزوة بني النضير وغزوة خيبر كانت الراية معه وفي فتح مكة كانت الراية مع سعد بن عبادة وهي راية الأنصار أما راية المهاجرين فهي مع علي فلما قال: سعد ما يدل على أنه يريد الانتقام أمر عليا أن يأخذها منه ويدخل بها لأن سعدا لم يكن ليدفعها لأحد سوى علي ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بدفعها إلى غيره لأن في ذلك وهنا عليه إلا أن يكون ابنه كما في بعض الروايات وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

الثامن: الشجاعة وامتيازه بها وتفوقه فيها ملحق بالضروريات قال: ابن أبي الحديد في شرح النهج: أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله ومحا اسم من يأتي بعده ومقاماته في الحرب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة وهو الشجاع الذي ما فر قط وارتاع من كتيبة ولا بارز أحدا إلا قتله ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية وفي الحديث كانت ضرباته وترا (أقول) ولا دعي إلى مبارزة فنكل (قال) ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما قال: له عمرو لقد أنصفك فقال معاوية ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق أراك طمعت في إمارة الشام بعدي وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه (ع) قتلهم أظهر وأكثر قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه:

(ولما أقيم حيي سيد اخطب بن بني النضير بين يديه ليقتله قال: قتلة شريفة بيد شريف) وانتبه معاوية فرأى ابن الزبير تحت رجليه فقال له عبد الله لو شئت أن أفتك بك لفعلت فقال لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر قال: وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف إزاء علي بن أبي طالب قال: لا جرم أنه قتلك وأباك بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها، وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتهي وباسمه ينادى في مشارق الأرض ومغاربها ثم قال: وما أقول في رجل تصور ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا لحربه وتصور ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها كان على سيف عضد الدولة بن بويه وسيف أبيه ركن الدولة وكانت صورته على سيف ألب أرسلان وابنه ملك شاة كأنهم يتفاءلون به النصر والظفر (أقول) لا يمكن أن توصف الشجاعة بأكثر من أنه ما نكل عن مبارز ولا بارز أحدا إلا قتله ولا فر قط ولا ضرب ضربة فاحتاج إلى ثانية وكان يقول ما بارزت أحدا إلا وكنت أنا ونفسه عليه وفي كتاب عجائب أحكامه قيل له يا أمير المؤمنين ألا تعد فرسا للفر والكر فقال أما أنا فلا أفر ومن فر مني فلا أطلبه. وكفى في ذلك مبيته على الفراش ليلة الغار معرضا نفسه للأخطار لم يخف ولم يحزن فوقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وفداه بمهجته غير هياب ولا متردد ولا حزين.

وخروجه بالفواطم جهارا من مكة ولحوق الفوارس الثمانية به لما علموا بخروجه حنقين عليه عازمين على قتله أن لم يرجع راغما كما مر عن السيرة النبوية في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء عند ذكر أخباره متتالية. ولا بد أن يكونوا من شجعان مكة وأبطالها لأن من ينتدب لمثل ذلك لا يكون من جبناء الناس وهم فرسان وهو راجل وهم ثمانية وهو واحد وليس معه إلا أيمن بن أم أيمن وأبو واقد الليثي وهما لا يغنيان عنه شيئا وقد أخذ الهلع أبا واقد حين رأى الفرسان فسكن جأشه ولم ينقل إنهما عاوناه بشيء بل كان حظهما حظ الواقف المتفرج وهو ليس بحاجة إلى مساعد على أن ثمانية فوارس ولو لم يكونوا في الدرجة العالية من الشجاعة لا يفلت منهم رجل واحد في العشرين من سنه أو تجاوزها بقليل مهما كان شجاعا فيمكنهم أن يحيطوا به من كل جانب فيقتلوه ولو رضخا بالحجارة فإذا كر على الذين أمامه حمل عليه الذين وراءه أو كر على الذين وراءه حمل عليه الذين أمامه فلا يمكنه الخلاص ويسهل عليه قتله أو أسره أما أن يكون رجل واحد على قدميه يشد على فارس في مقدمة ثمانية فوارس ولا بد أن يكون أشجعهم فيقده نصفين ويصل سيفه إلى قربوس فرسه فهذا شيء خارق للعادة من شاب لم يسبق له مباشرة الحرب قبل هذا وهو منتهى الشجاعة والجرأة والإقدام فلا جرم أن ترتعد منه فرائض الباقين فيولوا هاربين مذعورين ويطلبوا منه أن يكف عنهم فكانت هذه أول مظهر من مظاهر شجاعته الخارقة وقايس أن شئت بين هذه الحال وحال الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة قبل ذلك فقد كان معه صاحبه وغلام صاحبه عامر بن فهيرة ودليلهم الليثي عبد الله بن أريقط فهم أربعة أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يجب أن يكون أشجع من علي بن أبي طالب فلما لحقهم سراقة بن مالك وهو رجل واحد بكى الصاحب خوفا فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم "لم تبك" قال: ما على نفسي بكيت ولكن أبكي عليك فما دفعه عنهم إلا دعاء الرسول عليه فرسخت قوائم فرسه في الأرض أترى لو كان معهم علي هل كان يبكي ويهتم لرجل واحد ليس معه أحد وهو لم يهتم لثمانية فوارس أم كان يضربه ضربة حيدرية فيقده نصفين طولا لاعرضا كما فعل بجناح وهل كان يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم في دفعه إلى أن يدعو عليه لا أظنك تشك في أنه لو كان معهم لفعل به فعله بنجاح.

وما كان منه في وقعة بدر المار ذكرها في السيرة النبوية والآتية في هذا الجزء التي بها تمهدت قواعد الدين وأذل الله جبابرة المشركين وقتلت فيها رؤساؤهم ووقعت الهيبة من المسلمين في قلوب العرب واليهود وغيرهم فقد كان في هذه الوقعة قطب رحاها وليث وغاها بارز الوليد بن عتبة أول نشوب الحرب فلم يلبثه حتى قتله وشارك عمه حمزة في قتل عتبة واشترك هو وحمزة وعبيدة في قتل شيبة فأجهزوا عليه (قال) المفيد فكان قتل هؤلاء الثلاثة أول وهن لحق المشركين ودخل عليهم ورهبة اعتراهم بها الرعب من المسلمين وظهر بذلك إمارات نصر المسلمين (قال) وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله وبرز إليه من بعده طعيمة بن عدي فقتله وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش ولم يزل يقتل واحدا منهم بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم وكانوا سبعين قتيلا تولى كافة من حضر بدرا من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين قتل الشطر منهم وتولى أمير المؤمنين قتل الشطر الآخر وحده بمعونة الله له وتأييده وتوفيقه ونصره وكان الفتح له بذلك وعلى يديه.

وما كان منه في وقعة أحد التي مرت مفصلة في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم في الجزء الثاني ويأتي ما يتعلق منها بأمير المؤمنين (ع) في هذا الجزء فقد كان قطب رحاها وليث وغاها وعليه مدارها وهو واحدها وقائدها كما كان كذلك يوم بدر والمتأمل فيما ذكر أهل السير والتواريخ لا يشك في ذلك مهما دس الدساسون ومهما أرادوا أن يجعلوا له مشاركا في بعض مزاياه التي امتاز بها في تلك الوقعة وغيرها لكن المطالع للأخبار يعرف بأقل نظرة صحة ما قلناه فقد امتاز في تلك الوقعة كغيرها مع الوقائع بأمور كثيرة مرت في الجزء الثاني وتأتي في هذا الجزء عند ذكر أخباره في وقعة أحد. وقتله عزورا اليهودي لما رمى قبة النبي صلى الله عليه وسلم ليلا وهو يحاصر بني النضير فلحقه علي حتى قتله وجاء برأسه وكان معه تسعة فهربوا فلحقهم بعشرة من المسلمين فقتلوهم وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير. ومبارزته يوم الخندق عمرو بن عبد ود فارس يليل وقد جبن عنه الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يندبهم لمبارزته ويضمن لمبارزه الجنة فسكتوا كأنما على رؤوسهم الطير إلا علي بن أبي طالب فبارزه وقتله ولحق بعض من كان معه وهو نوفل بن عبد الله فقتله في الخندق وانهزم بقتله المشركون وكفى الله المؤمنين القتال به وكانت ضربته في ذلك اليوم تعدل عمل الثقلين إلى يوم القيامة. قال: المفيد: وفي الأحزاب انزل الله تعالى {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} إلى قوله {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} قال: فتوجه العتب إليهم والتوبيخ والتقريع ولم ينج من ذلك أحد بالاتفاق إلا أمير المؤمنين إذ كان الفتح له وعلى يديه وكان قتله عمرا ونوفل بن عبد الله سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتله هؤلاء النفر: الآن نغزوهم ولا يغزوننا وقد روى يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن قرة وغيره من عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ وكفى الله المؤمنين القتال بعلي ومر ذلك مفصلا في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء.

ومبارزته مرحبا يوم خيبر وقتله وفتح الحصن ودحو الباب بعد ما رجع غيره منهزما يجبن أصحابه ويجنبونه أو منهزما يؤنب قومه ويؤنبونه. ويأتي ذلك مفصلا في هذا الجزء ومر في الجزء الثاني.

وثباته يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هرب عنه الناس غير عشرة تسعة من بني هاشم والعاشر أيمن بن أم أيمن وقتله أبا جرول وأربعين من المشركين غيره وانهزام المشركين بقتله وقتلهم ورجوع المسلمين من هزيمتهم بثباته ومن معه الذين كان ثباتهم بثباته قال: المفيد وذلك أنا أحطنا علما بتقدمه في الشجاعة والباس والصبر والنجدة على العباس والفضل ابنه وأبي صفيان بن الحارث والنفر الباقين لظهور أمره في المقامات التي لم يحضرها أحد منهم واشتهار خبره في منازلة الأقران وقتل الأبطال ولم يعرف لأحد من هؤلاء مقام من مقاماته ولا قتيل عزي إليهم بالذكر فعلم بذلك أن ثبوتهم كان به وإن بمقامه ذلك وصبره مع النبي صلى الله عليه وسلم كان رجوع المسلمين إلى الحرب وتشجعهم في لقاء العدو.

وما كان منه في غزوة أوطاس والطائف فكان الفتح فيها على يده وقتل فيها من قتل من خثعم.

إلى غير ذلك من غزواته ووقائعه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. أما وقائعه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما بويع بالخلافة أيام الجمل وصفين والنهروان فاشتهار شجاعته العظيمة فيها قد زاد عن حد الضرورة. ففي يوم الجمل ثبت الفريقان واشرعوا الرماح بعضهم في صدور بعض كأنها آجام القصب ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت وكان يسمع لوقع السيوف أصوات كأصوات القصارين ولما اشتد القتال وقامت الحرب على ساقها زحف (ع) نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه ثم حمل فغاص في عسكر الجمل حتى طحن العسكر ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه نحن نكفيك فلم يجب أحدا منهم ولا رد إليهم بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم يضربهم بالسيف قدما قدما والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته فاجتمع عليه أصحابه وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام فقال والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله والدار الآخرة ثم قال: لمحمد هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين. ومن مواقفه في صفين ما كان يوم الهرير قال: بعض الرواة فوالله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعناه برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي أنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من الأعلام يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله واليكم من هذا لقد هممت أن أفلقه ولكن يحجزني عنه إني سمعت رسول الله يقول:

وأنا أقاتل به دونه فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا والله ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه وكان في أوائل أيام صفين يسهر الليل كله إلى الصباح يعبي الكتائب ويؤمر الأمراء ويعقد الألوية ومر في اليوم السابع ومعه بنوه نحو الميسرة والنبل يمر بين عاتقيه ومنكبيه وما من بنيه إلا من يقيه بنفسه فيكره ذلك ويتقدم نحول الشام ويؤخر الذي يقيه إلى ورائه. وهو الذي لبس يوم صفين سلاح العباس ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لما برز إليه اللخميان فبرز إليه أحدهما فكأنما اختطفه ثم برز إليه الآخر فالحقه بالأول وهو الذي قتل الحميري الذي لم يكن في الشام أشهر منه بالباس والنجدة بعد أن قتل ثلاثة من أهل العراق مبارزة ورمى أجسادهم بعضها فوق بعض ووقف عليها بغيا وعتوا فضربه أمير المؤمنين (ع) ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه وقتل معه اثنين وتلا {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله وأعلموا أن الله مع المتقين}.

التاسع: القوة والأيد وحسبك في ذلك قلعه باب خيبر وجعله جسرا على الخندق وكان يغلقه عشرون رجلا وتترسه يومئذ بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر (قال المفيد): روى أصحاب الآثار عن الحسن بن صالح عن الأعمش عن أبي عبد الله الجدلي قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول لما عالجت باب خيبر جعلته مجنا لي فقاتلتهم به فلما أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا ثم رميت به في خندقهم فقال له رجل لقد حملت منه ثقلا فقال ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي غير ذلك المقام وذكر أصحاب السيرة أن المسلمين لما انصرفوا من خيبر راموا حمل الباب فلم يقله منهم إلا سبعون رجلا ومر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء في غزوة خيبر زيادة على هذا. قال: ابن أبي الحديد: أما القوة والأيد فبه يضرب المثل فيهما قال: ابن قتيبة في المعارف: ما صارع أحد قط إلا صرعه وهو الذي قلع باب خيبر واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقدروا وهو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبة وكان عظيما كبيرا جدا فألقاه إلى الأرض وهو الذي اقتلع الصخرة العظيمة في أيام خلافته بيده بعد عجز الجيش كله عنها فأنبط الماء من تحتها. ومر في الأمر الثامن عند ذكر شجاعته في غزوة خيبر أنه اقتلع باب الحصن فاجتمع عليه سبعون حتى أعادوه (وفي رواية) أن ثمانية نفر جهدوا أن يقلبوه فما استطاعوا وهذا أمر خارج عن مجاري العادات وقال ابن أبي الحديد قال: ابن فارس صاحب المجمل قال: ابن عائشة كانت ضربات علي (ع) في الحرب إبكارا أن اعتلى قد وان اعترض قط وهو الذي قطع حريثا مولى معاوية نصفين يوم صفين لما أغراه عمرو بن العاص بمبارزته وكان معاوية يعده لكل مبارز وكل عظيم وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به وكان يقول له انق عليا وضع رمحك حيث شئت وهو الذي كان يقتلع الفارس من ظهر جواده بيده ويرمي به إلى الأرض من فوق رأسه فعل ذلك أيام صفين بأحمر مولى بني أمية لما هم أن يضرب أمير المؤمنين (ع) بعد أن قتل كيسان مولاه فوضع أمير المؤمنين (ع) يده في جيب درع احمر وجذبه عن فرسه وحمله على عاتقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضديه وأجهز عليه الحسين وابن الحنفية (ع) وهو الذي كان إذا أمسك بذراع أحد أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وقد قبض على يد خالد بن الوليد ليلة المبيت على الفراش حين تقدم إليه إمام القوم فجعل يقمص قماص البكر، رواه الشيخ الطوسي في أماليه.

العاشر:

الجهاد في سبيل الله وتفوقه فيه على كافة الخلق ملحق بالضروريات والاستدلال عليه يعد من العبث فهو كالاستدلال على وجود الشمس الضاحية وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها غير تبوك وفي جميع ها يكون الفتح له وعلى يديه وقد قتل الله بسيفه صناديد المشركين وجبابرة قريش وطواغيت العرب وفي جميع الوقائع تكون قتلاه أزيد ممن قتله باقي الجيش حتى أنه في يوم بدر زادت قتلاه على قتلى الجيش وهو شاب لم يتجاوز العشرين أو الخمسة والعشرين ومثله في هذا السن يكون قليل البصيرة بالحرب ناقص الخبرة بالطعن والضرب وهذا داخل في المعجزات خارج عن مجرى العادات ولو عد في عداد معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لكان صوابا بل إذا عد علي بن أبي طالب إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم كان عين الصواب (قال المفيد) وأما الجهاد الذي ثبتت به قواعد الإسلام واستقرت بثبوتها شرائع الملة والأحكام فقد تخصص منه أمير المؤمنين بما اشتهر ذكره في الأنام واستفاض الخبر به بين الخاص والعام ولم يختلف فيه العلماء ولا شك فيه إلا غفل لم يتأمل الأخبار ولا دفعه أحد ممن نظر في الآثار إلا معاند بهات لا يستحي من العناد ثم ذكر جهاده في بدر وغيرها. وقال ابن أبي الحديد: أما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه وأنه سيد المجاهدين وهل الجهاد لأحد من الناس إلا له وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى قتل فيها سبعون من المشركين قتل علي (ع) نصفهم وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الأشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما وهذا الفصل لا معنى للأطناب فيه لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوها قال: ابن عبد البر في الاستيعاب: اجمعوا على أنه شهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد وانه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق وبخيبر بلاء عظيما وانه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك ولما قتل مصعب بن عمر يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي. وقال محمد بن إسحاق شهد علي بن أبي طالب بدر وهو ابن خمس وعشرين سنة ثم روى (وبسنده) عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة قال: ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة إلا تبوك فإنه خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

الحادي عشر: الحلم والصفح قال: ابن أبي الحديد: وأما الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب وأصفحهم عن مسيء وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان أعدى الناس له وأشدهم بغضا فصفح عنه وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد وخطب يوم البصرة فقال قد أتاكم الوغب اللئيم علي بن أبي طالب وكان علي (ع) يقول ما زال الزبير رجلا منال البيت حتى شب ابنه عبد الله. فظفر به يوم الجمل فأخذه أسيرا فصفح عنه وقال اذهب فلا أرينك لم يزده على ذلك وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة وكان له عدوا فاعرض عنه ولم يقل له شيئا وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره فلما ظفر بها أكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم وقلدهن بالسيوف فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأففت وقالت هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها إنما نحن نسوة. وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيف وسبوه ولعنوه فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم ونادى مناديه في أقطار المعسكر إلا لا يتبع مول ولا يجهز على جريح ولا يقتل مستأسر ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن ولم يأخذ من أثقالهم ولا سبى ذراريهم ولا غنم شيئا من أموالهم ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل ولكنه أبى إلا الصفح والعفو وتقيل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فإنه عفا والأحقاد لم تبرد والإساءة لم تنس ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا سألهم علي وأصحابه أن يسوغوا لهم شرب الماء فقالوا لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفان فلما رأى أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي وملكوا عليهم الماء وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم فقال له أصحابه وشيعته أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة واقتلهم بسيوف العطش وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة إلى الحرب فقال لا والله لا أكافيهم بمثل فعلهم أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلك قال: فهذه أن نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالا وحسنا وإن نسبتها إلى الدين والورع فاخلق بمثلها أن تصدر عن مثله (ع).

الثاني عشر:

الفصاحة والبلاغة قال: ابن أبي الحديد: أما الفصاحة فهو (ع) إمام الفصحاء وسيد البلغاء وعن كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة قال: عبد الحميد بن يحيى حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع فغاضت ثم فاضت وقال ابن نباتة حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب ولما قال: محفن بن أبي محفن لمعاوية جئتك من عند أعيا الناس قال: له ويحك كيف يكون أعيا الناس فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره. ويكفي نهج البلاغة دلالة على أنه لا يجارى في الفصاحة ولا يبارى في البلاغة وحسبك أنه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له وكفاك في هذا ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والطبيين وفي غيره من كتبه "‍ " قال: الجاحظ في الكتاب المذكور: قال: علي بن أبي طالب: قيمة كل امرئ ما يحسن ثم قال: فلو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية ومجزية مغنية بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصرة عن الغاية وقال ابن عائشة: ما اعرف كلمة بعد كلام الله ورسوله أخصر لفظا ولا أعم نفعا من قول علي قيمة كل امرئ ما يحسن وفي البيان والتبيين قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: كم بين السماء إلى الأرض قال: دعوة مستجابة فقالوا كم بين المشرق إلى المغرب قال: مسيرة يوم للشمس ومن قال: غير هذا فقد كذب ويأتي عن المسعودي أنه حفظ الناس عنه أربعمائة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة وقال الشريف الرضي في خطبة نهج البلاغة: كان أمير المؤمنين (ع) مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها وعلى أمثلة حذا كل قائل خطيب وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا لأن كلامه الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي إلى أن قال: أن هذه الفضيلة انفرد ببلوغ غايتها من جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد فأما كلامه (ع) فهو البحر الذي لا يساجل والجم الذي لا يحافل وحسبك بنهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي الذي يعرف نفسه بنفسه وله منه عليه شواهد والذي تداولته العلماء والخطباء والبلغاء في كل عصر وزمان وبلغت الشروح عليه عددا وافرا لم يوجد مثله لكتاب وطبع مرات عديدة في بلاد إيران وطبع في الشام ومصر وبيروت وطبع شرح الشيخ ميثم البحراني عليه في إيران وهو قريب من شرح ابن أبي الحديد الذي طبع في إيران مرتين وفي مصر. كل ذلك رغم ما يقوله من لا يوافق بعض ما فيه مشربهم تارة أنه من كلام الشريف الرضي وتارة أنه ادخل فيه ما ليس منه وتارة أنه منقطع السند وتارة وتارة إلى غير ذلك مما يعتاده أمثال ضرائر الحسناء فلم يؤثر عليه ذلك ولو بمقدار شعرة ولم يزدد إلا ظهورا وانتشارا ولم يزده تعاقب السنين وتطاول الدهور إلا إعظاما وإكبارا وما هو إلا الذهب الأبريز يزداد حسنا بقدمه ويغلو ثمنه كلما تطاول به الأمد. وجمع الشيخ عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الآمدي التيمي كتابا من حكمه (ع) القصيرة يقارب نهج البلاغة سماه غرر الحكم ودرر الكلم ورتبه على حروف المعجم طبع في الهند ومصر وصيدا قال: أن الذي دعاه إلى جمعه ما تبجح به أبو عثمان الجاحظ من المائة الكلمة التي جمعها عن أمير المؤمنين (ع) فقلت يا لله العجب من هذا الرجل وهو علامة زمانه مع تقدمه في العلم وقربه من الصدر الأول كيف رضي عن الكثير باليسير وهل ذلك إلا بعض من كل وقل من جل وطل من وبل (إلى أن قال) جمعت يسيرا من قصير حكمه يخرس البلغاء عن مساجلته وما أنا في ذلك علم الله لا كالمغترف من البحر بكفه كيف لا وهو (ع) الشارب من الينبوع النبوي والحاوي بين جنبيه العلم اللاهوتي إذ يقول صلى الله عليه وسلم وقوله الحق وكلامه الصدق على ما أدته إلينا أئمة النقل: أن بين جنبي لعلما لو أصبت له حملة. ومما جمع من كلامه (ع) كتاب دستور معالم الحكم جمع القاضي القضاعي طبع في مصر وجمع الشيخ أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان كتابا من حكمه (ع) القصيرة مرتبا على حروف المعجم سماه نثر اللآلئ ذكرناه في ضمن الجزء الأول من معادن الجواهر المطبوع. وجمع الشيخ المفيد من كلامه وخطبه (ع) قدرا وافيا في كتاب الإرشاد واحتوى كتاب صفين لنصر بن مزاحم جل خطبه التي خطبها في تلك الحرب أو كلها وكتبه إلى معاوية وغيره. وجمع أبو إسحاق الوطواط الأنصاري المتوفي سنة 578 كتابا من كلامه (ع) سماه مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب جمع فيه مائة من الحكم المنسوبة إليه طبع في ليبسك وبولاق وترجم إلى الفارسية والألمانية. وذكره صاحب كشف الظنون. وجمع القاضي الإمام أبو يوسف يعقوب بن سليمان الإسفرائي كتابا من كلامه (ع) سماه قلائد الحكم وفرائد الكلم ذكره صاحب كشف الظنون وألف بعضهم كتابا فارسيا أسماه معميات علي (ع) مذكور في كشف الظنون وكان المراد بها الأمور الغامضة في كلامه (ع) وفي فهرست دار الكتب المصرية ج 3 صلى الله عليه وسلم 24 أمثال الإمام علي بن أبي طالب مرتبة على حروف المعجم طبع الجوائب.

الثالث عشر:

العلم في الاستيعاب (وبسنده) عن ابن عباس أنه قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم أو شاركهم في العشر العاشر وكفى في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم" أو مدينة الحكمة "وعلي بابها" وسيأتي ومعرفته بالقضاء وسيأتي أيضا (وفي الإستيعاب) قال: أحمد بن زهير أخبرنا يحيى بن معين عن عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان قلت لعطاء أكان في أصحاب محمد أعلم من علي قال: لا والله ما أعلمه (وفيه) (وبسنده) عن عائشة أنها قالت في علي أما أنه أعلم الناس بالسنة. وفي حلية الأولياء: ثنا أبو أحمد الغطريفي ثنا أبو الحسن بن أبي مقاتل ثنا محمد بن عبد الله بن عتبة ثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي ثنا أحمد بن عمران بن سلمة وكان ثقة عدلا مرضيا ثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي فقال قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا وأحدا. أحمد بن عمران ذكره الذهبي في الميزان وقال لا يدري من هو ثم ضعفه بهذا الحديث وتعقبه الحافظ في اللسان بما تقدم في السند من قول الوهبي أنه كان ثقة عدلا مرضيا قال: وفي هذا مخالفة لما ذكره الذهبي هكذا ذكره السيد أحمد بن محمد بن الصديق الحسيني المغربي المعاصر نزيل القاهرة في كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ثم قال: قلت لو وثقه الناس كلهم لقال الذهبي في حديثه أنه كذب كما فعل في عدة أحاديث أخرجها الحاكم بسند الشيخين وأدعى هو دفعا بالصدر وبدون دليل أنها موضوعة وما علتها في نظره إلا كونها في فضل علي بن أبي طالب فالله المستعان.

(وروى) أبو نعيم في الحلية (وبسنده) عن علي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا". وفي الاستيعاب والإصابة وحلية الأولياء بأسانيدهم عن ابن عباس كنا إذ أتانا الثبت عن علي لم نعدل به وفي الاستيعاب والإصابة بالإسناد عن سعيد ابن المسيب كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن ولم يقل أحد سلوني قبل أن تفقدوني غيره كما يأتي وفي الاستيعاب قال: سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يا عم لم كان صفو الناس إلى علي فقال يا ابن أخي أن عليا (ع) كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم وكان له البسطة في العشيرة والقدم في الإسلام والصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجود في الماعون (وفيه) روى عبد الرحمن بن أذينة العبدي عن أبيه أذينة بن مسلمة قال: أتيت عمر بن الخطاب فسألته من أين اعتمر فقال ائت عليا فاسأله وذكر الحديث وفيه ما أجد لك إلا ما قال: علي وفيه كان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عن ذلك فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب فقال له أخوه عتبة لا يسمع منك هذا أهل الشام فقال له دعني عنك.

قال ابن أبي الحديد في النهج: أشرف العلوم العلم الإلهي (يعني علم التوحيد) لأن شرف العلم بشرف المعلوم ومن كلامه (ع) اقتبس وعنه نقل وإليه انتهى ومنه ابتدأ فالمعتزلة الذين هم أرباب النظر ومنهم تعلم الناس هذا العلم تلامذته لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وهو تلميذ أبيه وأبوه تلميذه (ع) وأما الأشعرية فينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي الحسن بن أبي بشر الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة والمعتزلة ينتمون إلى علي (ع) كما مر أما الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر. قال: وبعده علم الفقه وهو (ع) أصله وأساسه وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه فان أصحاب أبي حنيفة كابي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهما أخذوا عنه والشافعي قرأ على محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وعلى مالك بن أنس وأحمد بن حنبل قرأ على الشافعي فيرجع فقه الكل إلى أبي حنيفة وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد وجعفر على أبيه وينتهي الأمر إلى علي. ومالك بن أنس قرأ على ربيعة الرأي وربيعة على عكرمة وعكرمة على ابن عباس عن علي فهؤلاء الفقهاء الأربعة وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر وكان ابن عباس من فقهاء الصحابة ورجوعه إليه ظاهر وقد عرف كل أحد رجوع عمر إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة وقوله غير مرة لولا علي لهلك عمر وقوله لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو حسن وقوله لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه وقد روى العامة والخاصة قوله صلى الله عليه وسلم "أقضاكم علي" والقضاء هو الفقه فهو إذا أفقههم وروى الكل أنه صلى الله عليه وسلم قال: له وقد بعثه إلى اليمن قاضيا "اللهم أهد قلبه وثبت لسانه" قال: فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين قال: وهو الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر وفي الحامل الزانية وهو الذي قال: في المنبرية صار ثمنها تسعا (أقول) وهو الذي أفتى في المجنونة التي فجر بها رجل وقصة الأرغفة وغيرهما من القضايا العجيبة التي ذكرنا كثيرا منها في الجزء الثاني من معادن الجواهر وجمعناها كلها في كتاب مطبوع ويأتي ذكر هذه الخمسة هنا قال: وعلم تفسير القرآن عنه أخذ ومنه فرع وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك لأن أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه وأنه تلميذه وخريجه وقيل له أين علمك من علم ابن عمك قال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط. قال: وعلم الطريقة والحقيقة والتصوف وأرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون وعنده يقفون وقد صرح بذلك الشبلي والجنيد والسري وأبو يزيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم ويكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم يسندونها بإسناد متصل إليه. قال: وعلم النحو والعربية وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم وهذا يكاد يلحق بالمعجزات لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط أقول ومضى في المقدمات الكلام على ذلك مفصلا بما لا مزيد عليه. قال: وأما علم القراءة فإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون إليه كابي عمرو بن العلاء وعاصم بن أبي النجود وغيرهما لأنهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي وأبو عبد الرحمن كان تلميذه وعنه أخذ القراءات وقال أيضا اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن غيره يحفظه ثم هو أول من جمعه نقلوا أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اشتغل بجمع القرآن ولو كان مجموعا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتاج إلى التشاغل بجمعه بعد وفاته أقول مر في المقدمات عن ابن حجر أنه قال: ورد عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقيب موت النبي صلى الله عليه وسلم وأن عليا (ع) قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسمت أن لا أضع ردائي حتى أجمع ما بين اللوحين. وأما علم الأخلاق وتهذيب النفس فانتسابه إليه أشهر من أن يذكر وأوضح من أن يبين وكلامه في ذلك وخطبه ووصاياه قد ملأت الخافقين ومنه تعلم كل أخلاقي وواعظ وخطيب. وأما علم تدبير الملك وسياسة الرعية وإدارة الحرب فعليه يدور وإليه يحور وقد تضمن عهده للأشتر من ذلك وما ظهر منه في خلافته وفي حروبه ما يحير العقول. وصنف النسائي كتابا في الأحاديث اسماه مسند علي ففي كشف الظنون ما صورته: مسند علي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة 303 وهو غير الخصائص في الأحاديث النبوية في فضائله ونحوها. وفي كشف الظنون أيضا: الواعي في حديث علي (ع) للإمام عبد الحق بن عبد الرحمان الإشبيلي المتوفى سنة 582.

المسألة المنبرية

وهي أنه (ع) سئل وهو على المنبر عن بنتين وأبوين وزوجة فقال بغير روية صار ثمنها تسعا وهذه المسألة لو صحت لكانت مبنية على العول وهو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم فهنا للزوجة الثمن وللأبوين الثلث وللبنتين الثلثان فضاق المال عن السهام لأن الثلث والثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ الثمن فمن نفى العول قال: أن النقص يدخل على البنتين. الفريضة من أربعة وعشرين للزوجة ثمنها ثلاثة وللأبوين ثلثها ثمانية والباقي ثلاثة عشر للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة ومن أثبت العول قال: يدخل النقص على الجميع فيزاد على الأربعة والعشرين ثلاثة تصير سبعة وعشرين للزوجة منها ثلاثة وللأبوين ثمانية وللبنتين ستة عشر والثلاثة هي تسع السبعة والعشرين فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا. قال: ابن أبي الحديد: هذه المسألة لو فكر الفرضي فيها فكرا طويلا لأستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب فما ظنك بمن قاله بديهة واقتضبه ارتجالا قال: المرتضى في الانتصار: أما (صفحة 343) دعوى المخالف أن أمير المؤمنين (ع) كان يذهب إلى العول في الفرائض وأنهم يروون عنه أنه سئل وهو على المنبر عن بنتين وأبوين وزوجة فقال بغير روية صار ثمنها تسعا فباطلة لأنا نروي عنه خلاف هذا القول ووسائطنا إليه النجوم الزاهرة من عترته كزين العابدين والباقر والصادق والكاظم (ع) وهؤلاء أعرف بمذهب أبيهم ممن نقل خلاف ما نقلوه وابن عباس ما تلقى أبطال العول في الفرائض إلا عنه ومعولهم في الرواية عنه أنه كان يقول بالعول عن الشعبي والحسن بن عمارة والنخعي فأما الشعبي فإنه ولد سنة 36 والنخعي ولد سنة 37 وقتل أمير المؤمنين سنة 40 فكيف تصح رواياتهم عنه والحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب الحديث ولما ولي المظالم قال: سليمان بن مهران الأعمش ظالم ولي المظالم ولو سلم كل من ذكرناه من كل قدح وجرح لم يكونوا بإزاء من ذكرناه من السادة والقادة الذين رووا عنه إبطال العول فأما الخبر المتضمن أن ثمنها صار تسعا فإنما رواه سفيان عن رجل لم يسمه والمجهول لا حكم له وما رواه عنه له أولى وأثبت وفي أصحابنا من يتأول هذا الخبر إذا صح على أن المراد أن ثمنها صار تسعا عندكم أو أراد الاستفهام الإنكاري وأسقط حرفه كما أسقط في مواضع كثيرة.

المسألة الدينارية

حكاها محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول وهي أن امرأة جاءت إليه وقد خرج من داره ليركب فترك رجله في الركاب فقالت يا أمير المؤمنين أن أخي قد مات وخلف ستمائة دينار وقد دفعوا لي منها دينارا وأحدا وأسألك إنصافي وإيصال حقي إلي فقال لهما خلف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة وخلف أما لها السدس مائة وخلف زوجة لها الثمن خمسة وسبعون وخلف معك اثني عشر أخا لكل أخ ديناران ولك دينار قالت نعم فلذلك سميت هذه المسألة بالدينارية وهذه المسألة لو صحت لكانت مبنية على التعصب كما أن السابقة مبنية على العول. والتعصيب هو أخذ العصبة ما زاد عن السهام المفروضة في الكتاب العزيز والثابت عن أئمة أهل البيت بطلان التعصيب بل يرد الزائد على ذوي السهام بنسبة سهامهم ويجوز أن يكون (ع) قال: للمرأة أن لها ذلك على المذهب الذي كان معروفا في ذلك العصر وإن كان لا يقول به.

قصة الأرغفة

رواها العامة والخاصة بأسانيدهم المتصلة ففي الاستيعاب ما لفظه: وفيما أخبرنا شيخنا أبو الأصبغ عيسى بن سعيد بن سعدان المقري أحد معلمي القرآن رحمه الله أنبانا أبو بكر أحمد بن محمد بن قاسم المقري قراءة عليه في منزله ببغداد حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقري في مسجده حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة فلما وضعا الغداء بين أيديهما مر بهما رجل فسلم فقالا اجلس للغداء فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم وقال خذا هذا عوضا مما أكلت لكما ونلته من طعامكما فتنازعا وقال صاحب الخمسة الأرغفة لي خمسة دراهم ولك ثلاثة فقال صاحب الثلاثة الأرغفة لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين وارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة قد عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك فارض بالثلاثة فقال لا والله لا رضيت منه إلا بمر الحق فقال علي ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد وله سبعة فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين هو يعرض علي ثلاثة فلم أرض وأشرت علي بأخذها فلم أرض وتقول لي الآن أنه لا يجب لي في مر الحق إلا درهم واحد فقال له علي عرض عليك صاحبك أن تأخذ الثلاثة صلحا فقلت لم أرض إلا بمر الحق ولا يجب لك بمر الحق إلا واحد فقال الرجل فعرفني بالوجه في مر الحق حتى أقبله فقال علي أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرون ثلثا أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس ولا يعلم الأكثر منكم أكلا ولا الأقل فتحملون في أكلكم على السواء قال: بلى قال: فأكلت أنت ثمانية أثلاث وإنما لك تسعة أثلاث وأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة عشر ثلثا أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة وأكل لك وأحدا في تسعة فلك واحد بواحدك وله سبعة بسبعته فقال له الرجل رضيت الآن وفي كتاب عجائب أحكامه: علي بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول قضى علي (ع) بقضية عجيبة وذلك أنه اصطحب رجلان في سفر فجلسا ليتغديا فاخرج أحدهما خمسة أرغفة وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة فمر بهما رجل فسلم عليهما فقالا له الغداء فأكل معهما فلما قام رمى إليهما بثمانية دراهم وقال لهما هذا عوض مما أكلت من طعامكما فاختصما فقال صاحب الثلاثة الأرغفة هي نصفان بيننا وقال الآخر بل لي خمسة ولك ثلاثة فارتفعا إلى أمير المؤمنين (ع) فقال لهما أمير المؤمنين أن هذا الأمر الذي أنتما فيه الصلح فيه أحسن فقال صاحب الثلاثة الأرغفة لا أرضى يا أمير المؤمنين إلا بمر القضاء قال: له أمير المؤمنين فان لك في مر القضاء درهما وأحدا ولخصمك سبعة دراهم فقال الرجل سبحان الله كيف صار هذا هكذا قال: له أخبرك أليس كان لك ثلاثة أرغفة ولخصمك خمسة أرغفة قال: بلى قال: فهذه كلها أربعة وعشرون ثلثا أكلت منها ثمانية وصاحبك ثمانية وضيفكما ثمانية فأكلت أنت ثمانية من تسعة أثلاث وبقي لك ثلث فأصابك درهم وأكل صاحبك ثمانية أثلاث من خمسة أرغفة وبقي له سبعة أثلاث أكلها الضيف فصار له سبعة دراهم بسبعة أثلاث أكلها الضيف ولك ثلث أكله الضيف. وفي إرشاد المفيد: روى الحسن بن محبوب قال: حدثني عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول لقد قضى أمير المؤمنين بقضية ما سبقه إليها أحد وذلك أن رجلين اصطحبا في سفر فجعلا يتغديان وذكر الحديث بنحو ما مر إلا أنه قال: فقال لهما أمير المؤمنين هذا أمر فيه دناءة والخصومة غير جميلة فيه والصلح أحسن فقال صاحب الثلاثة لست أرضى إلا بمر القضاء.

خبر المجنونة

في إرشاد المفيد: روي أن مجنونة على عهد عمر فجر بها رجل فقامت عليه البينة بذلك فأمر بجلدها الحد فمر بها على علي لتجلد فقال ما بال مجنونة آل فلان تعتل فقيل له أن رجلا فجر بها وهرب وقامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها فقال ردوها إليه وقولوا له أما علمت أن هذه مجنونة آل فلان وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رفع القلم عن المجنون حتى يفيق أنها مغلوبة على عقلها ونفسها فردت إليه وقيل له ذلك فقال فرج الله عنه لقد كدت أهلك في جلدها.

التي ولدت لستة أشهر

في إرشاد المفيد: روي عن يونس بن الحسن أن عمر أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها فقال له علي أن خاصمتك بكتاب الله خصمتك أن الله تعالى يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} ويقول جل قائلا {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا كان الحمل فيها ستة أشهر فخلى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا ورواه أيضا ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن أبي حرب عن أبي الأسود ورواه يوسف بن محمد البلوي في كتاب ألف باء فيما حكي عنهما.

وقد أشار إلى هاتين الواقعتين في المجنونة التي زنت والتي ولدت لستة أشهر أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي المالكي في كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب فقال في ترجمة علي (ع) من كتاب الاستيعاب ما لفظه: وقال في المجنونة التي أمر برجمها عمر وفي التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها فقال له علي أن الله تعالى يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} الحديث وقال أن الله رفع القلم عن المجنون. الحديث فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر. قال: وقد روي مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس وعن علي أخذها ابن عباس.

الحامل الزانية

في الإرشاد: روي أنه أي عمر أتى بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له علي هب أن لك سبيلا عليها أي سبيل لك على ما في بطنها والله تعالى يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فقال عمر لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن ثم قال: فما أصنع بها قال: احتط عليها حتى تلد فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم عليها الحد.

وقد نقلنا في الجزء الثاني من معادن الجواهر ثلاثا وأربعين قضية من عجائب قضايا أمير المؤمنين (ع) فأغنى عن إيرادها هنا فليرجع إليه من أرادها.

وعندنا كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم رواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن جده هكذا كتب في أوله وفيه عدد وافر من قضاياه (ع) مروية بإسناد واحد وهو علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن الوليد عن محمد بن الفرات عن الأصبغ بن نباتة ويرويه عن علي بن إبراهيم ولده محمد كما مر وتاريخ كتابة النسخة سنة 410 أو 420 ه وكتب عليه أيضا ما صورته نسخ منه أبو النجيب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكريم الكرخي في شهور سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بلغ مناه في آخرته ودنياه. وقد جمعنا كتابا في قضاياه وأحكامه ومسائله العجيبة وأدرجنا في ضمنه الكتاب المذكور وهو مطبوع.

الرابع عشر:

قوله صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم وعلي بابها". في الاستيعاب: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه وفي أسد الغابة (وبسنده) عن ابن عباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت بابه" وروى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء (وبسنده) عن علي بن أبي طالب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا دار الحكمة وعلي بابها" ثم قال: رواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه ومجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب" قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأبو الصلت ثقة مأمون ثم روى عن الدوري أنه قال: سالت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي فقال ثقة فقلت أليس قد حدث عن أبي معاوية عن الأعمش أنا مدينة العلم قال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون. ثم روى عن صالح بن محمد بن حبيب الحافظ أنه سئل عن أبي الصلت الهروي فقال دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت فلما خرج قلت له ما تقول في أبي الصلت قال: هو صدوق قلت أنه يروي حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها قال: قد روى ذاك الفيدي كما رواه أبو الصلت ثم ذكر رواية الفيدي عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن العباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب" قال: الحسين بن فهم حدثناه أبو الصلت الهروي عن أبي معاوية قال: الحاكم ليعلم المستفيد لهذا العلم أن الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ ثم قال: ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري بإسناد صحيح وذكر السند إلى جابر بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب". وذكر الذهبي في تلخيص المستدرك قدحا في هذا الحديث ذكرناه مع جوابه في ترجمة أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح.

الخامس عشر:

أنه لم يقل أحد سلوني قبل أن تفقدوني غيره ففي الاستيعاب (وبسنده) عن سعيد بن المسيب ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب، وروى أبو جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية (وبسنده) عن ابن شبرمة أنه قال: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر سلوني إلا علي بن أبي طالب حكاه ابن أبي الحديد في شرح النهج. وفي الاستيعاب روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل شهدت عليا يخطب وهو يقول سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل وفي الإصابة (وبسنده) عن أبي الطفيل كان علي يقول سلوني وسلوني عن كتاب الله تعالى فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار. قال: السيوطي في الإتقان وأما علي فقد روي عنه الكثير وقد روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يخطب وهو يقول سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل وهذا الكلام قاله من جملة خطبة خطبها لما بويع بالخلافة فقام إليه رجل يقال له ذعلب وكان ذرب اللسان بليغا في الخطب شجاع القلب فقال لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره فقال كيف رأيته صفه لنا قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ويلك يا ذعلب أن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالقرب ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بقيام قيام انتصاب ولا بجيئة وذهاب لطيف اللطافة لا يوصف باللطف عظيم العظمة لا يوصف بالعظم كبير الكبر لا يوصف بالكبر جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة مؤمن لا بعبادة مدرك لا بمحسة قائل لا بلفظ هو في الأشياء على غير ممازجة خارج عنها على غير مباينة فوق كل شيء ولا يقال له فوق أمام كل شيء ولا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل خارج منها لا كشيء من شيء خارج فخر ذعلب مغشيا عليه ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب والله لا عدت إلى مثلها أبدا. وفي نهج البلاغة: ومن كلام له (ع) وقد سأله ذعلب اليماني فقال هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين فقال أفاعبد ما لا أرى فقال وكيف تراه قال: لا تدركه العيون بمساعدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان قريب من الأشياء غير ملامس بعيد منها غير مباين متكلم بلا روية مريد لا بهمة صانع لا بجارحة لطيف لا يوصف بالخفاء كبير لا يوصف بالجفاء بصير لا يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقة تعنو الوجوه لعظمته وتجب القلوب من مخافته قال: ابن أبي الحديد قوله أفاعبد ما لا أرى مقام رفيع جدا لا يصلح أن يقوله غيره (ع) وفي تتمة الخبر السالف ثم قال (ع) سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار فقال له اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن قامت الدنيا بثلاثة بعالم ناطق مستعمل لعلمه وبغني لا يبخل بماله عن أهل دين الله عز وجل وبفقير صابر فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور أيها السائل إنما الناس ثلاثة زاهد وراغب وصابر فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا ولا يحزن على شيء منها فاته وأما الصابر فيتمناها بقلبه فان أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.

السادس عشر:

أن عنده علم القرآن والتوراة والإنجيل: قد مر في الأمر الخامس عشر قوله سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل. وفي حلية الأولياء (وبسنده) عن علي (ع) قال: والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت أن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسنا سؤولا. قال: ابن أبي الحديد: وروى المدائني قال: خطب علي (ع) فقال لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم وما من آية في كتاب الله أنزلت في سهل أو جبل إلا وأنا عالم متى أنزلت وفيمن أنزلت وقال وروى صاحب كتاب الغارات عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال: سمعت عليا يقول على المنبر ما أجد جرت عليه المواسي إلا وقد انزل الله فيه قرآنا فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين فما انزل الله تعالى فيك يريد تكذيبه فقام الناس إليه يلكزونه فقال دعوه أقرأت سورة هود قال: نعم قال: قرأت قوله سبحانه {أفمن كان على بينة من ربه} ويتلوه شاهد منه قال: نعم قال: صاحب البينة محمد والتالي الشاهد أنا.

السابع عشر: معرفة القضاء والفرائض روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن عبد الله يعني ابن مسعود وصححه على شرط الشيخين: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب وفي أسد الغابة (وبسنده) عن عبد الله بن مسعود مثله وفي الاستيعاب (وبسنده) عن عبد الله مثله (وبسنده) عن ابن مسعود أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب (وبسنده) عنه أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب (وبسنده) عن المغيرة ليس أحد منهم أقوى قولا في الفرائض من علي وفيه قال صلى الله عليه وسلم في أصحابه أقضاهم علي وفيه بعدة أسانيد عن عمر أنه قال: علي أقضانا. وروى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء (وبسنده) عن علي بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى اليمن ويسألونني عن القضاء ولا علم لي به قال: ادن فدنوت فضرب بيده على صدري ثم قال: اللهم ثبت لسانه وأهد قلبه فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين بعده ورواه المفيد في الإرشاد نحوه إلا أنه قال: تندبني يا رسول الله للقضاء وأنا شاب ولا علم لي بكل القضاء. ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين (وبسنده) عن علي بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله إني رجل شاب وانه يرد علي من القضاء ما لا علم لي به فوضع يده على صدري فقال "اللهم ثبت لسانه وأهد قلبه فما شككت في القضاء أو في قضاء بعده". ورواه النسائي في الخصائص (وبسنده) عن علي إلا أنه قال: "اللهم أمد قلبه وسدد لسانه فما شككت في قضاء بين اثنين حين جلست في مجلسي". وروى النسائي في الخصائص هذا المضمون بعدة أسانيد عن علي (ع) وفي بعضها بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا شاب حديث السن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث وأنا شاب حديث السن قال: "إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك" قال: ما شككت في حديث اقضي بين اثنين (كذا) و (في رواية) فما شككت في حكومة بعد وفي أخرى فوضع يده على صدري وقال أن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبدى لك القضاء قال: علي فما أشكل علي قضاء بعد ذلك.

الثامن عشر:

نزول{ وتعيها أذن واعية} في حقه. في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي عن مكحول عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى {وتعيها أذن واعية} قال: لي رسول الله سالت الله أن يجعلها أذنك يا علي ففعل فكان علي يقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما إلا وعيته وحفظته ولم أنسه. وفي أسباب النزول للواحدي النيسابوري: حدثنا أبو بكر التميمي أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أخبرنا الوليد بن إبان أخبرنا العباس الدوري أخبرنا بشر بن آدم أخبرنا عبد الله بن الزبير قال: سمعت صالح بن هشيم يقول سمعت بريدة يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي "إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وتعي وحق على الله أن تعي فنزلت وتعيها أذن واعية". وفي تفسير الطبري: حدثني عبد الله بن رستم سمعت بريدة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي يا علي "إن الله أمرني أن أدنيك" وذكر مثله. وفي حلية الأولياء (وبسنده) عن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ياعلي أن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي" وأنزلت هذه الآية وتعيها أذن واعية فأنت أذن واعية لعلمي وروى الطبري في تفسيره قال: حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم عن علي بن حوشب سمعت مكحولا يقول قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعيها أذن واعية ثم التفت إلى علي فقال سالت الله أن يجعلها أذنك قال: علي فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسيته. وفي الدر المنثور للسيوطي: اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول قال: لما نزلت وتعيها أذن واعية قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "سالت ربي أن يجعلها أذن علي" قال: مكحول فكان علي يقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فنسيته. واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجاري عن بريدة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وان أعلمك وان تعي وحق لك أن تعي" فنزلت هذه الآية وتعيها أذن واعية.

التاسع عشر: الزهد في الدنيا وإنما يعرف زهد الزاهد فيها إذا كانت في يده ويزهد فيها لا إذا كانت زاهدة فيه. كان أكثر أكابر الصحابة في زمن عثمان وقبله قد درت عليهم أخلاف الدنيا من الفتوحات والعطاء من بيت المال فبنوا الدور وشيدوا القصور واختزنوا الأموال الكثيرة وخلفوها بعدهم. روى المسعودي أنه في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم وقيمة ضياعه في وادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار وخلف إبلا وخيلا كثيرة وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلف ألف فرس وألف أمة وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم ومن ناحية السراة أكثر من ذلك وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع. وبنى الزبير داره بالبصرة وبنى أيضا بمصر والكوفة والإسكندرية وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة وشيد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والساج وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق ورفع سمكها وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها شرفات وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن وخلف يعلى ابن منبه خمسين ألف دينار وعقارا وغير ذلك ما قيمته ثلثمائة ألف درهم ولكن ذكره المقداد معهم لمجرد بنائه داره وتجصيص ظاهرها وباطنها لا يخلو من حيف على المقداد فهل يريدون من المقداد أن يبقى في دار خربة سوداء مظلمة.

ولم يكن علي أقل نصيبا منهم في عطاء وغيره ثم جاءته الخلافة وصارت الدنيا كلها في يده عدا الشام ومع ذلك لم يخلف عند موته إلا ثمانمائة درهم لم يكن اختزنها وإنما أعدها لخادم يشتريها لأهله فمات قبل شرائها فأين ذهبت الأموال التي وصلت إلى يده وهو لم يصرفها في مأكل ولا ملبس ولا مركوب ولا شراء عبيد ولا إماء ولا بناء دار ولا اقتناء عقار. مات ولم يضع لبنة على لبنة ولا تنعم بشيء من لذات الدنيا بل كان يلبس الخشن ويأكل الجشب ويعمل في أرضه فيستنبط منها العيون ثم يقفها في سبيل الله ويصرف ما يصل إلى يده من مال في الفقراء والمساكين وفي سبيل الله وهو مع ذلك يريد من عماله في الأمصار أن يكونوا مثله أو متشبهين به على الأقل ويتفحص عن أحوالهم فيبلغه عن عامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري أنه دعي إلى مأدبة فذهب إليها فيكتب إليه: بلغني أن بعض فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان وما ظننت انك تجيب إلى طعام قوم غنيهم مدعو وعائلهم مجفو. ومعنى هذا أن ابن حنيف يلزم أن لا يجيب دعوة أحد من وجوه البصرة فان من يدعو الوالي إلى مأدبته لا يدعو معه إلا الأغنياء ولا يدعو أحدا من الفقراء وما يصنع الفقراء في وليمة الوالي وهم لا يجالسهم الوالي والمدعوون معه من الأغنياء ولا يواكلونهم وكيف يفعلون ذلك وثياب الفقراء بالية وهيئاتهم رثة ينفرون منها ومن رؤيتها وإذا أرادوا أن يعطفوا على فقير منهم أرسلوا إليه شيئا من الزاد أو المال إلى بيته ولم تسمح لهم أنفسهم أن يجالسوهم على مائدتهم م يريد من ابن حنيف أن يقتدي به في زهده فيقول له: وان لكل مأموم إماما يقتدي به ويهتدي بنور علمه وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه. ثم يرى أن ذلك غير ممكن فيقول له: إلا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد، ثم يحلف بالله مؤكدا فيقول: فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ولا ادخرت من غنائمها وفرا. ثم ويسوقه الألم من أمر فدك إلى ذكرها هنا وما علاقة فدك بالمقام ولكن المتألم من أمر يخطر بباله عند كل مناسبة فيقول: بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين. ومن الذي يريد أن يعترض عليك يا أمير المؤمنين بفدك ويقول لك أنها كانت بيدك فكيف تقول أنك لم تدخر شيئا من غنائم الدنيا حتى تجيبه أنه لم يكن في يدك من جميع بقاع الأرض التي تحت السماء غير فدك. ومع أنه قادر على التنعم في ملاذ الدنيا فهو يتركه زهدا فيها ومواساة للفقراء فيقول: ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات أن يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالقرص ولا طمع له بالشبع. وهو القائل: والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا وأجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد وغاصبا لشيء من الحطام وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت ما لعلي ونعيم يفنى ولذة لا تبقى.

وهو القائل: والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قال: لي قائل إلا تنبذها عنك فقلت أعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى.

(وفي أسد الغابة) (وبسنده) عن عمار بن ياسر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب: "يا علي أن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها الزهد في الدنيا فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا ولا تنال الدنيا منك شيئا ووهب لك حب المساكين ورضوا بك إماما ورضيت بهم أتباعا فطوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب عليك فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك ورفقاؤك في قصرك وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة"

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب قد ثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال: لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله، قال: وأما تقشفه في لباسه ومطعمه فأشهر من هذا كله ثم روى (وبسنده) عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ دارس إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد (وبسنده) عن عطاء رأيت على علي قميص كرابيس غير غسيل (وبسنده) عن أبي الهذيل رأيت على علي بن أبي طالب قميصا رازيا إذا أرخى كمه بلغ أطراف أصابعه وإذا أطلقه صار إلى الرسغ وفي أسد الغابة (وبسنده) عمن رأى على علي (ع) إزارا غليظا قال: اشتريته بخمسة دراهم فمن أربحني فيه درهما بعته (وبسنده) عن أبي النوار بياع الكرابيس قال: أتاني علي بن أبي طالب ومعه غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس فقال لغلامه اختر أيهما شئت فأخذ أحدهما وأخذ علي الآخر فلبسه ثم مد يده فقال اقطع الذي يفضل من قدر يدي فقطعته وكفه ولبسه وذهب وفي حلية الأولياء (وبسنده) عن أبي سعيد الأزدي رأيت عليا أتى السوق وقال من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم فقال رجل عندي فجاء به فأعجبه قال: لعله خير من ذلك قال: لا ذاك ثمنه فرأيت عليا يقرض رباط الدراهم من ثوبه فأعطاه فلبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف أصابعه وفي الاستيعاب (وبسنده) عن مجمع التميمي أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين ثم أمر به فكنس ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة وفي حلية الأولياء (وبسنده) عن مجمع نحوه وفي الاستيعاب (وبسنده) عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: قدم على علي مال من أصبهان فقسمه سبعة أسباع ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر فجعل على كل جزء كسرة ثم أقرع بينهم أيهم يعطي أولا. قال: وأخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط بها كتاب (وبسنده) عن معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب يقول ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة أهداها إلي الدهقان ثم نزل إلى بيت المال ففرق كل ما فيه ثم جعل يقول:

"وفي حلية الأولياء" (وبسنده) عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه أن علي بن أبي طالب خطب الناس فقال والله الذي لا اله إلا هو ما رزأت من فيئكم إلا هذه واخرج قارورة من كم قميصه فقال أهداها إلي مولاي دهقان "وفي الاستيعاب" (وبسنده) عن عنترة الشيباني في حديث: كان علي لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه حتى يقسمه إلا أن يغلبه شغل فيصبح إليه وكان يقول يا دنيا لا تغريني غري غيري وينشد:

قال: وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب يقول من يشتري مني سيفي هذا فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته فقام إليه رجل فقال نسلفك ثمن إزار قال: عبد الرزاق وكانت بيده الدنيا كلها إلا ما كان من الشام "وفي حلية الأولياء" بعدة أسانيد عن الأرقم وعن يزيد بن محجن وعن أبي رجاء قال: الأرقم رأيت عليا وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول من يشتري مني هذا السيف فو الذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته وقال يزيد بن محجن كنت مع علي وهو بالرحبة فدعا بسيف فسله فقال من يشتري سيفي هذا فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته وقال أبو رجاء رأيت علي بن أبي طالب خرج بسيفه يبيعه فقال من يشتري مني هذا لو كان عندي ثمن إزار لم أبعه فقلت يا أمير المؤمنين أنا أبيعك وأنسؤك إلى العطاء "وفي رواية" فلما خرج عطاؤه أعطاني "وفي أسد الغابة" (وبسنده) قال: علي بن أبي طالب: الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا فليصبر على مخالطة الكلاب "و (وبسنده)" عن أبي نعيم سمعت سفيان يقول ما بنى علي لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب ثم قال: في أسد الغابة: وزهده وعدله لا يمكن استقصاء ذكرهما. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: أما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد وبدل الأبدال واليه تشد الرحال وتنفض الأحلاس ما شبع من طعام قط وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا قال: عبد الله بن أبي رافع دخلت إليه يوم عيد فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فقدم فأكل فقلت يا أمير المؤمنين فكيف تختمه قال: خفت هذين الولدين أن يلتاه بسمن أو زيت وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى ونعلاه من ليف وكان يلبس الكرابيس الغليظ فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخطه فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح فان ترقى عن ذلك فببعض نبات الأرض فان ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل ولا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان وكان مع ذلك أشد الناس قوة وأعظمهم أيدا وهو الذي طلق الدنيا وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام فكان يفرقها ويمزقها ثم يقول: هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه "وفي حلية الأولياء" (وبسنده) عن علي بن ربيعة الوالبي قال: جاءه ابن النباج فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء فقال الله أكبر فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على بيت مال المسلمين فقال هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه يا ابن النباج علي بأسباع الكوفة فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ها وها حتى ما بقي منه دينار ولا درهم ثم أمره بنضحه وصلى فيه ركعتين "و (وبسنده)" عن علي بن أبي طالب أنه أتي بفالوذج فوضع بين يديه فقال إنك طيب الريح حسن اللون طيب الطعم لكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده (وبسنده) عن عدي بن ثابت أن عليا أتى بفالوذج فلم يأكل (وبسنده) عن عبد الملك بن عمير عن رجل من ثقيف أن عليا استعمله على عكبرا قال: فقال إذا كان عند الظهر فرح إلي فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبيته فقلت في نفسي لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا ولا أدري ما فيها فإذا عليها خاتم فكسره فإذا فيها سويق فاخرج منها فصب في القدح فصب عليه ماء فشرب وسقاني فلم أصبر فقلت يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك قال: أما والله ما أختم عليه بخلا ولكني ابتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره وأكره أن ادخل بطني إلا طيبا "و (وبسنده)" عن الأعمش كان علي يغدي ويعشي الناس ويأكل هو من شيء يجيئه من المدينة (وبسنده) عن زيد بن وهب قدم على علي وفد من أهل البصرة فيهم رجل من أهل الخراج يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا في لبوسه فقال علي ما لك وللبوسي أن لبوسي أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم (وبسنده) عن عمرو بن قيس قيل لعلي يا أمير المؤمنين لم ترقع قميصك قال: يخشع القلب ويقتدي به المؤمن.

العشرون:

العبادة: قال ابن أبي الحديد: أما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما ومنه تعلم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يراع لذلك ولا يقوم حتى يفرع من وظيفته وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما تتضمنه من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته والاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص وفهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت وقيل لعلي بن الحسين (ع) وكان الغاية في العبادة أين عبادتك من عبادة جدك قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله

صلى الله عليه وسلم.

الحادي والعشرون:

العدل مر عن أسد الغابة أن زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما ومن عظيم عدله ما مر في الأمر التاسع عشر من أنه وجد مع المال الذي جاء من أصبهان رغيفا فقسمه سبعة أجزاء كما قسم المال وجعل على كل جزء جزءا وانه كان يخير غلامه بين الثوبين يشتريهما وفي "الاستيعاب" (وبسنده) عن أبجر بن جرموز عن أبيه رأيت علي بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان متزر بالواحدة مرتد بالأخرى وإزاره إلى نصف الساق وهو يطوف في الأسواق ومعه درة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء بالكيل والميزان "وفي أسد الغابة" (وبسنده) عن رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب على مدرج سابور فقال لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم ولا تبيعن لهم رزقا ولا كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم قلت يا أمير المؤمنين إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك قال: وإن رجعت ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل. وهو أول من ساوى بين الناس في العطاء وكان يأخذ كأحدهم وقصته مع أخيه عقيل حين طلب منه زيادة في عطائه فقال له اصبر حتى يخرج عطائي فلم يقبل فأبى أن يعطيه أكثر من عطائه معروفة وكذلك خبره مع ولده الحسن حين استقرض شيئا من عسل بيت المال ومع ابنته حين استعارت عقدا من بيت المال "وفي الاستيعاب" (وبسنده) عن عنترة الشيباني كان علي يأخذ في الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده حتى يأخذ من أهل الإبر والمسال والخيوط والحبال ثم يقسمه بين الناس الحديث.

الثاني والعشرون:

السخاء والجود. قال ابن أبي الحديد: أما السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة كان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده وفيه انزل {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} وروى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فأنزل فيه {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} وروي أنه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يده ويتصدق بالأجرة ويشد على بطنه حجرا. وقال الشعبي وقد ذكر عنده علي (ع): كان أسخى الناس كان على الخلق الذي يحبه الله السخاء والجود وما قال: لا لسائل قط. وقال عدوه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال: له جئتك من عند أبخل الناس فقال ويحك كيف تقول أنه أبخل الناس ولو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه. وهو الذي كان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها وهو الذي قال: يا صفراء ويا بيضاء غري غيري وهو الذي لم يخلف ميراثا وكانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام روى أبو الحسن بن أحمد الواحدي النيسابوري (وبسنده) عن ابن عباس في قوله {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فانفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا (وبسنده) عن مجاهد عن أبيه قال: كان لعلي أربعة دراهم فانفق درهما بالليل ودرهما بالنهار ودرهما سرا ودرهما علانية فنزلت {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: وقال الكلبي نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب لم يكن يملك غير أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما حملك على هذا" قال: حملني أن استوجب على الله الذي وعدني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أن ذلك" لك فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي أسد الغابة بعدة أسانيد عن ابن عباس مثله.

آية النجوى

وحسبك في جوده وسخائه (ع) أن آية النجوى لم يعمل بها أحد من الصحابة غنيهم وفقيرهم غيره حتى نسخت وجاءهم اللوم والتوبيخ منه تعالى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} ولم ينج منه غيره قال: النسائي في الخصائص: ذكر النجوى وما خفف علي عن هذه الأمة ثم روى (وبسنده) عن علي قال: لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي "مرهم أن يتصدقوا" قال: بكم يا رسول الله قال: "بدينار" قال: لا يطيقون قال: فبكم قال: "بشعيرة" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انك لزهيد فأنزل الله {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} الآية وكان علي يقول خفف بي عن هذه الأمة ورواه غير النسائي من أصحاب الصحاح بأسانيدهم مثله قال: الواحدي في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول}، قال: مقاتل بن حيان نزلت الآية في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من طول جاوسهم ومناجاتهم فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية وأمر بالصدقة عند المناجاة فأمال العسرة فلم يجدوا شيئا وأمال الميسرة فبخلوا واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة وقال علي بن أبي طالب أن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول} كان لي دينار فبعته وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد فنسخت بالآية الأخرى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات}. وروى الطبري في تفسيره بعدة أسانيد عن مجاهد في قوله تعالى {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} قال: نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب قدم دينارا فتصدق به ثم أنزلت الرخصة في ذلك (وبسنده) عن مجاهد قال: علي أن في كتاب الله عز وجل لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وذكر الآية قال: فرضت ثم نسخت (وبسنده) عن مجاهد قال: علي آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت إذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي وذكر الآية وفي (الكشاف) عن علي (ع) أن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم قال: الكلبي تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثله في تفسير النيسابوري. وفي (الكشاف) عن ابن عمر كان لعلي ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى (وفي تفسير الرازي) روي عن علي (ع) أنه قال: أن في كتاب الله لآية وذكر نحو ما مر عن الكشاف إلى قوله بدرهم قال: وروي عن ابن جريح والكلبي وعطاء عن ابن عباس أنهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد إلا علي (ع) تصدق بدينار ثم نزلت الرخصة (وفيه وفي تفسير النيسابوري) عن القاضي ما حاصله أن هذا لا يدل على فضله على أكابر الصحابة لأن الوقت لعله لم يتسع للعمل لهذا الغرض. وقال الفخر الرازي ما حاصله أن الوقت وإن وسع لكن الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير والصدقة عند المناجاة واجبة أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة بل الأولى تركها لأنها كانت سببا لسامة النبي صلى الله عليه وسلم (وأقول) إذا كان الأمر كذلك فأي معنى لقوله تعالى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم} وأي وجه لهذا العتاب والتقريع وإذا كان الأولى ترك المناجاة فأي معنى لقوله تعالى {وتاب الله عليكم} حتى جعلها ذنبا يوجب التوبة وترك المناجاة وإن لم يكن حراما في نفسه لكن تركه بخلا ورغبة عن مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فيها تعلم الأحكام وخير الدنيا والآخرة أن لم يكن ذنبا فهو مساوق للذنب فيوجب التوبة حقيقة أو تنزيلا والمناجاة التي كان الأولى تركها هي ما يوجب الملالة أو مزاحمة الأغنياء للفقراء لا مطلق المناجاة وبناء على هذه الفلسفة الواهية يلزم أن يكون الأولى ترك عمل الخيرات من الأغنياء لئلا تنكسر قلوب الفقراء العاجزين عنها ولهذا قال: النيسابوري بعد نقله ذلك عن القاضي والفخر: هذا الكلام لا يخلو عن تعصب وهل يقول منصف أن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم نقيصة أقول بل هو تعصب مجسم ومنه يعلم أن التعصب كيف يؤدي بابن آدم إلى أن ينكر الشمس الضاحية. وروى الحاكم في المستدرك بالإسناد إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال علي بن أبي طالب أن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبي صلى الله عليه وسلم فكنت كلما ناجيته قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد فنزلت {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} الآية قال: الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأورده الذهبي في مختصر المستدرك ولم يعلق عليه شيئا.

الثالث والعشرون:

حسن الخلق وطلاقة الوجه قال: ابن أبي الحديد: وأما سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه وقال عمرو بن العاص لأهل الشام أنه ذو دعابة شديدة وقال علي (ع) في ذلك عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة وإن امرؤ تلعابة أعافس وأمارس. وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله لما عزم على استخلافه لله أبوك لولا دعابة فيك إلا أن عمر اقتصر عليها وعمرو زاد فيها وسمجها وقال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه. وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة قال: قيس نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ويبسم إلى أصحابه أراك تسر حسوا في ارتغاء وتعيبه بذلك أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى تلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام أهل الشام. قال: وقد بقي هذا الخلق متوارثا متناقلا في محبيه وأوليائه إلى الآن كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك.

الرابع والعشرون:

حسن الرأي والتدبير قال: ابن أبي الحديد: أما الرأي والتدبير فكان من أشد الناس رأيا وأصحهم تدبيرا وهو الذي أشار على عمر لما عزم أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث (أقول) وهو الذي أشار على المسلمين بان يدفن النبي صلى الله عليه وسلم في موضع وفاته وأن يصلي عليه المسلمون فرادى بدون إمام جماعة بعد جماعة وإن شئت أن تجعل هذا من العلم والفقه فلك ذلك. وهو الذي أشار على عمر بوضع التاريخ للهجرة. روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن سعيد بن المسيب: جمع عمر الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ فقال علي بن أبي طالب من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ففعله عمر وذكره ابن الأثير في تاريخه عن سعيد بن المسيب مثله. ومن أخباره في جودة الرأي ما رواه المفيد في الإرشاد عن شبابة بن سوار عن أبي بكر الهذلي قال: سمعت رجلا من علمائنا يقول: وذكر حديثا خلاصته أنه انتهى خبر إلى من بالكوفة من المسلمين أن جموعا كثرة تحتشد في فارس لغزوهم، فأنهى مسلمو الكوفة الخبر إلى عمر ففزع لذلك فزعا شديدا فاستشار المسلمين وقال أن الشيطان قد جمع لكم جموعا واقبل بها ليطفئ بها نور الله فأشار عليه طلحة بالمسير بنفسه وقال عثمان أرى أن تشخص أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم وتسير أنت فيل هذين الحرمين وأهل المصرين الكوفة والبصرة فتلقى جميع المشركين بجميع المؤمنين وقال علي انك أن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل هذين الحرمين انتقضت عليك العرب من أطرافها فأما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم فإنا لم نكن نقاتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالبصيرة وإن الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا هذا رجل العرب فان قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم ولكني أرى أن تقر هؤلاء في أمصارهم وتكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق فلتقم فرقة منهم على ذراريهم ولتقم فرقة على أهل عهدهم لئلا ينتقضوا ولتسر فرقة منهم إلى إخوانهم مددا لهم فقال عمر أجل هذا هو الرأي وقد كنت أحب أن أتابع عليه وجعل يكرر قول علي وينسقه إعجابا به واختيارا له.

ثم أنه قد يظن أو يعتقد بعض من لا خبرة له أو من غلب عليه الهوى أو التقليد أن عليا (ع) أضعف رأيا وأقل تدبيرا من سواه ويستدل على ذلك بعدم انتظام الأمر له أيام خلافته وبتغلب معاوية على قسم كبير من المملكة الإسلامية وبأنه لم لم يول معاوية على الشام ثم يعزله وبأن مساواته بين الناس في العطاء كان خلاف الرأي بل كان ينبغي أن يستميل الأكابر بالمال ليكونوا معه كما كان يفعل معاوية والجواب عن ذلك واضح بين لا يحتاج إلى إطالة الكلام وكثرة النقض والإبرام فان عليا (ع) لم يكن طالب ملك ولا إمارة ولا طالب دنيا وإنما كان هدفه الأعلى ومقصده الوحيد وغايته المطلوبة رضا الله وإقامة عمود الحق ومحو الباطل، والدنيا والمال والملك لا تساوي عنده جناح بعوضة فكيف يمكن أن يتوصل إليها بضد ما هو هدفه ومقصده وغايته ولم يكن يرى التوصل إلى الملك والإمارة من أي طريق كان وبأي وجه اتفق ولا يستحل التوصل إلى تثبيت ملكه بشيء يخالف الشرع من قتل النفوس البريئة ونقض العهود ودس السموم وسلب الأموال والمداهنة وغير ذلك ومن كانت هذه صفته وهذه حاله لا يصح أن ينسب إلى قصور في الرأي وضعف في التدبير ولا أن ينسب خصمه الذي كان يتوسل إلى تحصيل الملك والإمارة بكل ما يمكنه إلى أنه أصح منه تدبيرا وأسد رأيا وإنما يصح أن ينسب إلى ذلك من يدبر أمرا ليتوصل به إلى مطلوبه فتكون نتيجته بالعكس لجهله بمواقع الأمور وشيء من هذا لم يحصل من أمير المؤمنين (ع) ولا يمكن أن يحصل فهو أعلم الناس بمواقع الأمور وقد أبان عن هذا مرارا بقوله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة فيدعها رأي العين وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين وقوله كما في نهج البلاغة والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة وخصمه كان يرى التوصل إلى الملك والإمارة بكل ما يمكنه من حلال أو حرام من أي طريق كان وبأي وجه اتفق لا يستثني في سبيل ذلك شيئا ولا يتقيد بأمر دون آخر ومثل هذا لا يصح أن يقال عنه أنه أسد رأيا وأصح تدبيرا ولذلك تغلب على قسم كبير من المملكة الإسلامية وقد أشار إلى ذلك ابن أبي الحديد في تتمة كلامه السابق حيث قال: وإنما قال: أعداؤه أنه لا رأي له لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه وقد قال (ع) لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب وغيره كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه سواء كان مطابقا للشرع أو لم يكن ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه تكون أحواله الدنياوية إلى الانتظام أقرب ومن كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدنياوية إلى الانتشار أقرب. وإن نظر كثير من الناس إلى علي بن أبي طالب نظرهم إلى من يطلب ملكا وإمارة ويريد أن يكون سلطانا أمرا ناهيا متسلطا متمتعا بنعيم الدنيا متهالكا في حب الجلوس على عرش الملك والقبض على صولجان الحكم يجمع الأموال ويصرفها فيما يحب ويولي أبناءه وأقرباءه ومن يمت إليه ويستكثر من الخدم والحشم ومثل هذا يتوسل للوصول إلى مطلوبه والحصول على بغيته بكل وسيلة شريفة أو غير شريفة فيتوسل بالكذب والخداع ونقض العهود وقتل النفوس ودس السم والرشوة ومداهنة الظلمة والخونة وتقريبهم والاستعانة بهم وإجزال العطايا لهم وعدم الالتفات إلى الضعفاء وعدم المبالاة بهم وحرمانهم ولو كانوا من أولياء الله والظلم والعسف والمؤاخذة بالظن والتهمة. وبالجملة فعل كل ما يظن به الوصول إلى غايته كيفما كان وترك كل ما يظن به البعد عن غايته مهما كان فإذا رأوا أمير المؤمنين (ع) فعل شيئا بضد هذه الأفعال ظنوا بعقولهم القاصرة أن ذلك لقلة خبرة منه بالسياسة ولم يعلموا أن أمير المؤمنين (ع) لم يكن طالب دنيا ولا أمرة ولا سلطنة بل طالب آخرة وهدفه إقامة الحق وخذلان الباطل فكيف يتوسل بالباطل إلى نيل الملك وهو الذي كان يقول والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت ويقول في نعله التي لا تساوي درهما والله لأمرتكم هذا أهون علي من هذه النعل إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا وهو الذي لم يقبل يوم الشورى أن يبايعه عبد الرحمن بن عوف إلا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يرض أن يدخل معهما سيرة الشيخين حتى عدل عنه إلى من قبل بذلك. وهو الذي ناقش خازنه على زق عسل في بيت المال استقرض منه ولده شيئا يسيرا لأضيافه وهو الذي لم يحاب أخاه عقيلا في شيء يزيده به عن عطائه. على أن ما تمكن في النفوس من الحقد عليه بمن قتله من القبائل والحسد له بما أعطاه الله من فضل كان يحول دون انقياد الجمهور له ويفسد عليه كثيرا من آرائه الصائبة. أما عدم انتظام الأمر له فلا يجوز أن يعزى إلى خطل في الرأي أو نقص في التدبير لأن الأمور كثيرا ما تفسد على أهل الآراء الصائبة نظرا إلى فساد أخلاق الناس وكثرة من يفسد على صاحب الرأي المصيب رأيه وذي التدبير تدبيره ومنه يظهر الجواب عن تغلب معاوية على قسم كبير من المملكة الإسلامية في زمن خلافته (ع) فان معاوية استطاع بالتمويه على أهل الشام وبمساعدة عمرو بن العاص أن يقنع أهل الشام أن عليا قتل عثمان مع علمه بأنه بريء منه وإن قتل عثمان تستند أقوى أسبابه إلى خذلان معاوية له وهذا لم يكن في استطاعة أي مدبر وصاحب رأي صائب أن يزيله من الأذهان بعد ما تمكن فيها سواء قلنا أن ذلك كان مخاتلة ومخادعة وسعيا وراء الملك أو قلنا أنه كان عن اجتهاد يؤجر صاحبه!! ولا شيء أعجب من قول من يقول لم لم يول معاوية ويقره على الشام مدة ثم يعزله، فإن معاوية كان يعلم علما يقينا لا يخالطه شك بما مارسه وعرفه طول هذه المدة من خلق أمير المؤمنين (ع) وسيرته أنه لا يمكن أن يبقيه على الولاية ولا بد أن يعزله وكان أدهى من أن ينطلي عليه ذلك فإذا ولاه وهو عالم بأنه سيعزله لم يقبل ويقول له صحح خلافتك أولا ثم ولني وبرئ نفسك من دم عثمان ثم اجعل الأمر شورى ولو ولاه لجعل ذلك حجة عليه فإذا أراد عزله قلب له المجن وطالبه بدم عثمان. قال: ابن أبي الحديد في الجواب عن ذلك: أن أمير المؤمنين علم من قرائن الأحوال أن معاوية لا يبايع وإن أقره على ولاية الشام بل كان إقراره عليها أقوى لحال معاوية لأنه أن طالبه بالبيعة وولاه فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده فيؤكد حاله عندهم بأنه لو لم يكن أهلا لذلك لما اعتمده ثم يماطل بالبيعة وإن تقدم بالمطالبة بالبيعة فهو الذي فعله أمير المؤمنين (ع) وان أقره ثم طالبه بالبيعة فهو كالأول بل آكد فيما يريده معاوية وكيف يتوهم عارف أن معاوية كان يبايع له لو أقره وبينه وبينه ما لا تبرك عليه الإبل من الترات والأحقاد وهو الذي قتل حنظلة أخاه والوليد خاله وعتبة جده في مقام واحد وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية أنه يقبل إقرار علي له وينخدع بذلك ويبايع أنه لأدهى من ذلك وأن عليا لأعرف بمعاوية ممن ظن أنه لو استماله بإقراره لبايع ولم يكن عند علي دواء لهذا المرض إلا السيف لأن الحال إليه كانت تؤول فجعل الآخر أولا ثم ذكر ما أورده الزبير بن بكار في الموفقيات من مكاتبة معاوية بعد قتل عثمان إلى مروان وطلحة والزبير وجماعة آخرين وجوابهم له مما يدل على أن معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة علي أبدا وإن مضادته له كمضادة السواد للبياض وأن عليا (ع) كان أعرف بما عمل. أما المساواة بين الناس في العطاء فإنه كان يرى ذلك عدلا وقسطا يلزمه أو يرجح عنده القيام به وكان يريد أن يمحو ما تفشى بين المسلمين من الاستئثار وتقدم القوي على الضعيف. قال: ابن أبي الحديد وأعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين زعموا أن عمر كان أسوس منه وإن كان هو أعلم من عمر ثم زعم أعداؤه ومبغضوه أن معاوية كان أسوس منه وأصح تدبيرا. وأجاب بان السائس لا يتمكن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه وبما يرى فيه صلاح ملكه سواء وافق الشريعة أو لا وإلا فبعيد أن ينتظم أمره وأمير المؤمنين كان مقيدا بقيود الشريعة ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والتدبير والكيد إذا لم يوافق الشرع إلى أن قال: ولم يمن عمر بما مني به علي من فتنة عثمان وفتن الجمل وصفين والنهروان وكل هذه الأمور مؤثرة في اضطراب أمر الوالي ثم قال: وأما القول في سياسة معاوية وإن شناة علي ومبغضيه زعموا أنها خير من سياسة أمير المؤمنين (ع) فيكفينا في الكلام على ذلك ما قاله شيخنا أبو عثمان الجاحظ ونحن نحكيه بألفاظه قال: ربما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز يزعم أن معاوية كان أبعد غورا وأصح فكرا وأجود رواية وليس الأمر كذلك وسأومي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه والمكان الذي دخل عليه الخطأ من قبله كان علي لا يستعمل في حربه إلا ما وافق الكتاب والسنة ومعاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة كما يستعملهما ويستعمل جميع المكائد حلالها وحرامها ويسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقي كسرى وخاقان إذا لاقي رتبيل، وعلي يقول لا تبدؤوهم بالقتال حتى يبدؤوكم ولا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تفتحوا بابا مغلقا. هذه سيرته في ذي الكلاع وفي أبي الأعور السلمي وفي عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وفي جميع الرؤساء كسيرته في الحاشية والحشو والأتباع والسفلة. وأصحاب الحروب أن قدروا على البيات بيتوا وإن قدروا على رضخ الجميع بالجندل وهم نيام فعلوا وإن أمكن ذلك في طرفة عين لم يؤخروه إلى ساعة وإن كان الحرق أعجل من الغرق لم يقتصروا على الغرق ولم يؤخروا الحرق إلى وقت الغرق وإن أمكن الهدم لم يتكلفوا الحصار ولم يدعوا أن تنصب المجانيق والعرادات والدبابات والنقب والكمين ولم يدعوا دس السموم ولا التضريب بين الناس بالكذب وطرح الكتب في عساكرهم بالسعايات وتوهيم الأمور وإيحاش بعض من بعض وقتلهم بكل آلة وحيلة كيف وقع القتل فمن اقتصر من التدبير على ما في الكتاب والسنة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير فعلي كان ملجما بالورع عن جميع القول وممنوع اليدين من كل بطش إلا ما هو لله رضا فلما أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكائد ولم يروا ذلك من علي ظنوا بقصر عقولهم وقلة علومهم أن ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي فانظر بعد هذا كله هل يعد له من الخدع إلا رفع المصاحف ثم انظر هل خدع بها إلا من عصى رأي علي وخالف أمره فان زعمت أنه قد نال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت وليس في هذا اختلفنا ولا عن غرارة أصحاب علي وعجلتهم وتسرعهم وتنازعهم دافعنا وإنما كان قولنا في التمييز بينهما في الدهاء وصحة العقل والرأي وهل كتابنا وضع إلا على أن عليا كان قد امتحن في أصحابه وفي دهره بما لم يمتحن إمام قبله من الاختلاف والمنازعة والتشاح في الرياسة والتسرع والعجلة وقد علمنا أن ثلاثة تواطئوا على قتل ثلاثة علي ومعاوية وعمرو بن العاص فكان من الاتفاق أو من الامتحان أن كان علي من بينهم هو المقتول وفي قياس مذهبكم أن تزعموا أن سلامة عمرو ومعاوية إنما كانت بحزم منهما وإن قتل علي إنما هو من تضييع منه فإذ قد تبين لكم أنه من الابتلاء والامتحان فكل ما سوى ذلك إنما هو تبع له قال: ابن أبي الحديد: ومن تأمله بعين الإنصاف ولم يتبع الهوى علم صحة جميع ما ذكره وإنما أمير المؤمنين دفع من اختلاف أصحابه وسوء طاعتهم له ولزومه سنن الشريعة ومنهج العدل وخروج معاوية وعمرو عن قاعدة الشرع ما لم يدفع غيره فلو لا أنه كان عارفا بوجوه السياسة حاذقا فيها لم يجتمع عليه إلا القليل من أهل الآخرة فلما وجدناه دبر الأمر حين وليه فاجتمع عليه من العساكر ما يتجاوز العد فظفر في أكثر حروبه وكان الأقرب إلى الانتصار على معاوية علمنا أنه من معرفة تدبير الدول والسلطان بمكان مكين. وأورد ابن أبي الحديد في شرح النهج أمورا كثيرة تعلق بها من طعن في سياسته وأجاب عنها ولما كانت الأجوبة عنها ظاهرة لم نستحسن إطالة الكلام بذكرها والجواب عنها.

الخامس والعشرون:

سياسة الملك والخشونة في ذات الله. قال: ابن أبي الحديد: أما السياسة فإنه كان شديد السياسة خشنا في ذات الله لم يراقب ابن عمه في عمل كان ولاه إياه ولا رقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به ونقض دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي وقطع جماعة وصلب آخرين ومن جملة سياسته حروبه أيام خلافته بالجمل وصفين والنهروان وفي أقل القليل منها مقنع فان كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر مما فعل (ع) في هذه الحروب بيده وأعوانه وفي الاستيعاب (وبسنده) عن كعب بن عجرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "علي مخشوشن في ذات الله" (وفي حلية الأولياء) (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري قال: شكا الناس عليا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: "يا أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله أنه لأخيشن في ذات الله عز وجل". ورواه الحاكم في المستدرك وصححه إلا أنه قال: لأخيشن في ذات الله وفي سبيل الله (وبسنده) عن كعب بن عجرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله تعالى" ممسوس أي مسه الأذى والعناء في ذات الله تعالى.

السادس والعشرون:

أنه ولي كل مؤمن. في الاستيعاب (وبسنده) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعلي بن أبي طالب أنت "ولي كل مؤمن بعدي" ويأتي في حديث عمران بن حصين قول النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن عليا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي". ويأتي في حديث علقمة وفي جوامع مناقبه قول النبي صلى الله عليه وسلم له "أنت ولي كل مؤمن بعدي".

السابع والعشرون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت وليه فان عليا وليه. روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن بريدة الأسلمي وقال صحيح على شرط الشيخين أنه مر بقوم ينتقصون عليا فقال أني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شيء وكنت مع خالد بن الوليد في جيش فأصابوا غنائم فعمد علي إلى جارية من الخمس فأخذها لنفسه وكان بين علي وبين خالد شيء فقال خالد هذه فرصتك وقد عرف الذي في نفسي على علي قال: فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاذكر ذلك له فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمر علي وكنت إذا حدثت الحديث أكببت، فرفعت رأسي وأوداج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احمرت وقال" من كنت وليه فان عليا وليه". وروى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن بريدة: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل علينا عليا فلما رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم فأما شكوته أنا وأما شكاه غيري فرفعت رأسي وإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احمر فقال "من كنت وليه فعلي وليه".

الثامن والعشرون:

حديث المنزلة. وهو قوله صلى الله عليه وسلم "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" ومر ذكره في الجزء الثاني في غزوة تبوك ويأتي ذكره في هذا الجزء في أدلة إمامته وأنه من أثبت الآثار وأصحها قال: المفيد: لما جعل عليا منه بمنزلة هارون من موسى أوجب له جميع منازل هارون من موسى إلا ما خصه العرف من الأخوة واستثناه هو من النبوة لفظا وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد أمير المؤمنين ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال.

التاسع والعشرون:

قول سعد، ثلاث كن لعلي لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم. روى مسلم في صحيحه وابن الأثير في أسد الغابة والترمذي بسند قوي كما في الإصابة وغيرهم بأسانيدهم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك أو ما يمنعك أن تسب أبا التراب أو أبا تراب فقال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي" وسمعته يقول يوم خيبر "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فتطاولنا إليها فقال ادعوا لي عليا فأتاه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. وأنزلت هذه الآية {قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال "اللهم هؤلاء أهلي". وعن ابن ماجة (وبسنده) عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد فذكروا عليا فنال منه فغضب سعد وقال تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كنت مولاه فعلي مولاه" وسمعته يقول "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" وسمعته يقول "لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". قال: النووي في شرح صحيح مسلم قال: العلماء الأحاديث التي ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب قالوا ويحتمل أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده أقول يدفع هذا التأويل الفاسد والاعتذار البارد تصريح الراوي بقوله أمر معاوية سعدا فقال ما يمنعك، على أن من قال: لآخر ما يمنعك أن تزورنا أو ما يمنعك أن تفعل كذا لا يرتاب من له أدنى معرفة في أنه طلب لفعل ذلك بأبلغ وجه وهو أقوى في الطلب من قوله افعل كذا. وما أشبه هذا الاعتذار بما يحكى أن رجلا انتفض عليه كلب ممطور فغمض عينيه وقال هذا سخل أن شاء الله. وأورد هذا الحديث النسائي في الخصائص (وبسنده) عن بكر بن مسمار قال: سمعت عامر بن سعد يقول قال: معاوية لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب قال: لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لان يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم وذكر نحوا مما مر إلا أنه ذكر الأولى فقال ما أسبه ما ذكرت حين نزل عليه الوحي فاخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال: "رب هؤلاء أهل بيتي وأهلي" والثانية ما قاله في غزوة تبوك والثالثة ما قاله في غزوة خيبر ثم قال: فوالله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة.

وروى هذا الحديث الحاكم في المستدرك بأسانيده عن عامر بن سعد أنه قال: معاوية لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب فقال لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم فقال له معاوية ما هن يا أبا إسحاق قال: لا أسبه ما ذكرت حين نزل عليه الوحي فاخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال: "رب أن هؤلاء أهل بيتي"، ولا أسبه ما ذكرت حين خلفه في غزوة تبوك غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له علي خلفتني مع الصبيان والنساء قال: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي" ولا أسبه ما ذكرت يوم خيبر قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله" ويفتح الله على يديه فتطاولنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أين علي" قالوا هو أرمد فقال "ادعوه" فدعوه فبصق في عينيه ثم أعطاه الراية ففتح الله عليه قال: فلا والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة وقد اتفقا جميعا على إخراج حديث المؤاخاة وحديث الراية وروى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن محمد بن عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه عن معاوية ذكر علي بن أبي طالب فقال سعد بن أبي وقاص والله لان يكون لي واحدة من خلال ثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس لأن يكون قال: لي ما قاله له حين رده من تبوك أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ولان يكون قال: لي ما قال: له يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ولان يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. الثلاثون:

حديث الكساء وآية التطهير. وفي أسد الغابة (وبسنده) عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل عليا وفاطمة والحسن والحسين كساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت أم سلمة قلت يا رسول الله أنا منهم قال: إنك إلى خير. وفي الاستيعاب، لما نزلت {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا وحسنا وحسينا في بيت أم سلمة وقال "اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". وروى الواحدي في أسباب النزول (وبسنده) عن أبي سعيد أنها نزلت في خمسة النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع). (وبسنده) عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فاتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها ادعي لي زوجك وابنيك قالت فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته كساء خيبري قالت وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} قالت فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت فأدخلت رأسي البيت وقلت أنا معكم يا رسول الله قال: إنك إلى خير انك إلى خير. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أم سلمة أنها قالت في بيتي نزلت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي قالت أم سلمة يا رسول الله ما أنا من أهل البيت قال: إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم لي أحق قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك قلت سمعه الوليد بن مزيد من الأوزاعي وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن واثلة بن الأسقع قال: جئت أريد عليا فلم أجده فقالت فاطمة انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه فاجلس فجاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل ودخلت معهما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنا وحسينا فاجلس كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبه وأنا شاهد فقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا اللهم هؤلاء أهل بيتي. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأخبار هؤلاء أهل بيتي ينفي احتمال أن يراد بأهل البيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم كما يوهمه السياق فإنه بمنزلة التفسير له لا سيما مع تذكير الضمير المانع من إرادتهن به وإن كان الذي قبل الآية وبعدها واردا فيهن لأن مراعاة السوق في القرآن الكريم غير لازمة وكون ترتيبه على ترتيب نزوله غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم وفي قول أم سلمة أنا منهم وقول النبي صلى الله عليه وسلم جبرا لقلبها انك إلى خير تصريح ببطلان هذا الاحتمال وبذلك يظهر بطلان ما رواه الواحدي في أسباب النزول بعد روايته أنها نزلت في الأربعة عن ابن عباس وعن عكرمة أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم فان ذلك أن صح عنهما فهو اجتهاد في مقابل النص ولو صح عن عكرمة الذي كان يميل إلى رأي الخوارج لا يكاد يصح عن ابن عباس ولا يراد بمثل ذلك إلا معارضة كل ما ورد في فضلل البيت ولو بالأمور الواهية ومر لهذا زيادة إيضاح في سيرة الزهراء (ع) في الجزء الثاني.

الحادي والثلاثون:

تصدقه بخاتمه وهو في الصلاة حتى نزل فيه قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}.

الثاني والثلاثون:

خبر سد الأبواب غير باب علي (ع) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وبنى مسجده فيها بنى لنفسه حجرا في جانب المسجد أسكنها أزواجه وبنى لعلي (ع) حجرة بجانب الحجرة التي أسكنها عائشة وبنى أصحابه بجانب المسجد حجرا سكنوها وكانت أبوابها إلى المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسد هذه الأبواب إلا باب علي فبقي بابه إلى المسجد ليس له طريق غيره وفتح الباقون أبوابا من غير جهة المسجد وكانت الحجرة التي تسكنها عائشة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم وبيت علي كلاهما في الجانب الشرقي من المسجد فلما زادت بنو أمية في المسجد دخلت فيه هذه البيوت. في مسند أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد فقال يوما سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فتكلم في ذلك الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي وقال فيه قائلكم واني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتبعته". ورواه النسائي في الخصائص مثله قال: أخبرنا محمد بن بشار بن بندار البصري حدثنا محمد بن جعفر إلى آخر السند والمتن المتقدمين ورواه الحاكم في المستدرك مثله قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر البزاز ببغداد حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل إلى آخر السند والمتن السابقين وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك وقال صحيح وفي مسند أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع عن هشام بن سعد عن عمر بن أسيد عن ابن عمر كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لان تكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي هريرة قال: عمر بن الخطاب لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان تكون لي خصلة منها أحب إلي من حمر النعم قيل وما هن يا أمير المؤمنين قال: تزوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكناه في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل له فيه ما يحل والراية يوم خيبر قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وروى النسائي في الخصائص أخبرنا أحمد بن يحيى الكوفي أخبرنا علي وهو ابن قادم أخبرنا إسرائيل عن عبد الله بن شريك عن الحارث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت له سمعت لعلي منقبة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فنادى مناديه ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل علي فلما أصبح أتاه عمه فقال يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام، أن الله هو أمر به". قال: فطر عن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن أرقم عن سعد أن العباس أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سددت أبوابنا إلا باب علي فقال ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها وفيها (وبسنده) عن ابن عباس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي (وبسنده) عن ابن عباس وسد أبواب المسجد غير باب علي فكان يدخل المسجد وهو طريقه ليس له طريق غيره وعن سنن الترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب إلا باب علي. فما يروى في بعض الكتب من جعل هذه المنقبة لغير علي إنما هو ممن يريدون معارضة مناقبه بمثلها أو بإثباتها لغيره فاختلقوا في ذلك ما اختلقوا وأكثره كان في عصر بني أمية فجاء من جاء بعد ذلك فرواه كما وجده ولم يتفطن لما فيه.

الثالث والثلاثون:

آية المباهلة وتأتي عند ذكر أخباره سنة عشر من الهجرة فقد دلت على أنه نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الناس بعده كما يأتي مفصلا هناك ويأتي عند ذكر أدلة إمامته.

الرابع والثلاثون:

حديث الطائر المشوي. روي النسائي في الخصائص (وبسنده) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر فقال "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير" فجاء أبو بكر فرده ثم جاء عمر فرده ثم جاء علي فإذن له وفي أسد الغابة (وبسنده) عن أنس مثله إلا أنه قال: بدل عمر ثم جاء عثمان. قال: ذكر أبي بكر وعثمان في هذا الحديث غريب جدا. ثم قال: وقد روي من غير وجه عن انس. ورواه غير أنس من الصحابة. ثم روي (وبسنده) عن أنس قالدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فجاء علي فأكل معه. (وبسنده) عن أنس بن مالكدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير فقال "اللهم ائتني برجل يحبه الله ويحبه رسوله" قال: أنس فأتى علي فقرع الباب فقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول وكنت أحب أن يكون رجل من الأنصار ثم أن عليا فعل مثل ذلك ثم أتى الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أنس ادخله فقد عنيته" فلما اقبل قال: "اللهم وال اللهم وال" قال: وقد رواه عن أنس غير واحد حدثنا حميد الطويل وأبو الهندي ويغنم بن سالم. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرخ مشوي فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير" قال: فقلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار فجاء علي (ع) فقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ثم جاء فقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حبسك عني" فقال أن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم أنك على حاجة فقال "ما حملك على ما صنعت" فقلت يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل قد يحب قومه"، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا ثم صحت الرواية به عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة وفي حديث ثابت البناني عن أنس زيادة ألفاظ ثم ساق إسناده إلى ثابت البناني أن أنس بن مالك كان شاكيا فأتاه محمد بن الحجاج يعوده في أصحاب له فجرى الحديث حتى ذكروا عليا (ع) فتنقصه محمد بن الحجاج فقال أنس من هذا أقعدوني فأقعدوه فقال يا ابن الحجاج إلا أراك تنتقص علي بن أبي طالب والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد كنت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه وكان كل يوم يخدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام من أبناء الأنصار فكان ذلك اليوم يومي فجاءت أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بطير فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم أيمن ما هذا الطائر" قالت هذا الطائر أصبته فصنعته لك فقال: "اللهم جئني بأحب خلقك إليك وإلي يأكل معي من هذا الطائر" وضرب الباب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس انظر من على الباب" قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار فذهبت فإذا علي بالباب قلت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة فجئت حتى قمت مقامي فلم البث أن ضرب الباب فقال: "يا أنس أنظر من على الباب" فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار فذهبت فإذا علي بالباب قلت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة فجئت حتى قمت مقامي فلم البث أن ضرب الباب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس أذهب فادخله فلست بأول رجل أحب قومه ليس هو من الأنصار" فذهبت فأدخلته فقال: "يا أنس قرب إليه الطير" قال: فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلا جميعا قال: محمد بن الحجاج يا أنس كان هذا بمحضر منك قال: نعم قال: أعطي بالله عهدا أن لا انتقص عليا مقامي هذا ولا أعلم أحدا ينتقصه إلا أشننت له وجهه.

الخامس والثلاثون:

أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى النسائي (وبسنده) عن جميع بن عمر قال: دخلت مع أمي على عائشة وأنا غلام فذكرت لها عليا فقالت ما رأيت رجلا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ولا امرأة أحب إلى رسول الله من امرأته (وبسنده) عن جميع بن عمر دخلت مع أبي على عائشة فسألها وراء الحجاب عن علي فقالت تسألني عن رجل ما أعلم أحدا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ولا أحب إليه من أمر أنه (وبسنده) إلى ابن بريدة جاء رجل إلى أبي فسأله أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من النساء فاطمة ومن الرجال علي ويدل عليه ما مر من حديث الطائر المشوي.

السادس والثلاثون:

قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه وهذا قد تقدم في حديث الغدير ونذكر هنا ما ورد في غير حديث الغدير، روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن ابن عباس عن بريدة بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فلما رجعت شكوته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلي وقال يا بريدة من كنت مولاه فعلي مولاه (وبسنده) عن ابن عباس عن بريدة خرجت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عليا فتنقصته فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه فقال "يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم" قلت بلى يا رسول الله قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، ورواه الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن بريدة مثله وقال صحيح على شرط مسلم وروى النسائي (وبسنده) عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه". عن سعد في حديث لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في علي خصال ثلاث لان يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعته يقول: "إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" وسمعته يقول: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" وسمعته يقول: "من كنت مولاه فعلي مولاه".

السابع والثلاثون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم علي مني وأنا منه. قال: البخاري في صحيحه في مناقب علي بن أبي طالب: قال: النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أنت مني وأنا منك وهذا القول رواه البخاري (وبسنده) عن البراء بن عازب في الصلح وعمرة القضاء من حديث وروى النسائي في الخصائص (وبسنده) من حديث انه صلى الله عليه وسلم قال: لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنا منك وسنده عن عمران بن حصين قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليا مني وأنا منه وولي كل مؤمن بعدي وقد ورد في خبر براءة لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني وفي وقعة أحد أنه مني وأنا منه وروى ابن عبد البر في الاستيعاب (وبسنده) عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد ثقيف حين جاء: "لتسلمن أو لأبعثن رجلا مني" أو قال: "مثل نفسي فليضربن أعنقاكم وليسبين ذراريكم وليأخذن أموالكم" قال: عمر فو الله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول هو هذا فالتفت إلى علي فأخذ بيده ثم قال: "هو هذا هو هذا" مرتين ورواه أحمد بن حنبل في المحكي عن مسنده (وبسنده) عن المطلب بن عبد الله بن حنطب مثله وروى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن حبشي بن جنادة السلولي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علي مني وأنا منه فلا يؤدي عني إلا أنا أو علي" وروى أحمد بن حنبل في مسنده بأسانيد أربعة عن حبشي بن جنادة وكان قد شهد يوم حجة الوداع قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي" ومر في الجزء الثاني في خبر نزول براءة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني أو من أهلي أو من أهل بيتي" وروى النسائي (وبسنده) عن بريدة: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع خالد بن الوليد وبعث عليا على جيش آخر وقال أن التقيتما فعلي على الناس وإن تفرقتما فكل واحد منكما على جنده فلقينا بني زبيدة من أهل اليمن وظفر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي وكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمرني أن أنال منه فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي لا تبغضن يا بريدة عليا فان عليا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. (وبسنده) عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي أنت مني وأنا منك".

الثامن والثلاثون: قول النبي صلى الله عليه وسلم علي كنفسي. روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لينتهن بنو وليعة أو لأبعثن عليهم رجلا كنفسي ينفذ فيهم أمري فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية" فما راعني إلا وكف عمر في حجزتي من خلفي من يعني قلت إياك يعني وصاحبك قال: فمن يعني قلت: خاصف النعل وعلي يخصف النعل. وأخرج أحمد بن حنبل في المحكي عن المسند وفي المحكي عن المناقب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي يمضي فيكم أمري يقتل المقاتلة ويسبي الذرية" فالتفت إلى علي فأخذ بيده وقال: "هو هذا" مرتين. وأخرجه موفق بن أحمد الخوارزمي المكي بلفظه ومضى في الذي قبله قوله صلى الله عليه وسلم لأبعثن رجلا مني أو قال: "مثل نفسي".

التاسع والثلاثون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سب عليا فقد سبني". روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم قلت: سبحان الله أو معاذ الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سب عليا فقد سبني". أبو عبد الله الجدلي واسمه عتبة بن عبد الله كان ساكنا بالشام فلهذا قالت له أم سلمة ذلك. ورواه الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي عبد الله الجدلي مثله وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد رواه بكير بن عثمان البجلي بزيادة ألفاظ (وبسنده) عن أبي عبد الله الجدلي حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسمعتها تقول يا شبيب (شبت ظ) بن ربعي فأجابها رجل جلف جاف لبيك يا أمتاه قالت: يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناديكم قال: وأنى ذلك قالت: فعلي بن أبي طالب قال: أنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا قالت: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى". وحكى المرزباني في مختصر تاريخ شعراء الشيعة كما في نسخة عندنا مخطوطة في ترجمة عبد الله بن عباس، وصاحب الفصول المهمة نقلا عن كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب تأليف الشيخ الإمام الحافظ محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي قال: حكي عن عبد الله بن عباس وكان سعيد بن جبير يقوده بعدان كف بصره فمر على صفة زمزم فإذا بقوم من أهل الشام يسبون عليا فسمعهم عبد الله بن عباس فقال: لسعيد ردني إليهم فرده فوقف عليهم وقال أيكم الساب الله فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب الله فقال أيكم الساب لرسول الله فقالوا: ما فينا أحد سب رسول الله فقال: أيكم الساب لعلي بن أبي طالب فقالوا: أما هذا فقد كان منه شيء فقال: أشهد على رسول الله بما سمعته أذناي ووعاه قلبي سمعته يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله فقد كبه الله على منخريه في النار وولى عنهم وقال يا بني ماذا رأيتهم صنعوا فقلت له يا أبت:

فقال زدني فداك أبوك فقلت:

فقال زدني فداك أبوك فقلت ليس عندي مزيد فقال عندي المزيد:

الأربعون:

أن حبه حب رسول الله وبغضه بغضه وأذيته أذيته، في الاستيعاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله". وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن عمرو بن شاس الأسلمي قال: خرجنا مع علي إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فلما رآني أبدني عينيه، يقول حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) أنه قال: رجل لسلمان ما أشد حبك لعلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك. ويأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "حبيبك حبيبي وعدوك عدوي". وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) وقال أنه جاء رجل من أهل الشام فسب عليا عند ابن عباس فحصبه ابن عباس فقال يا عدو الله آذيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لآذيته، قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

الحادي والأربعون:

أن طاعته طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعصيته معصيته. روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع عليا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني" قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك صحيح.

الثاني والأربعون:

أن مفارقته مفارقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي ذر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك يا علي فقد فارقني".

الثالث والأربعون:

إنه مع القرآن والقرآن معه.

روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" قال: هذا حديث صحيح الإسناد وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك ولم يتعقبه.

الرابع والأربعون:

قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أدر الحق معه حيث دار". روى الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم عن علي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار.

الخامس والأربعون

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا وليي والمؤدي عني".

روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن سعد قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: "أما بعد أيها الناس فإني وليكم" قالوا: صدقت ثم أخذ بيد علي فرفعها ثم قال: "هذا وليي والمؤدي عني والى الله من والاه وعادى من عاداه".

السادس والأربعون:

اختصاصه بتأدية براءة وقول جبرئيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ومر ذلك مفصلا في السيرة النبوية في الجزء الثاني.

السابع والأربعون:

تزويجه بفاطمة سيدة نساء العالمين ولولاه لم يكن لها كفؤ وقول النبي صلى الله عليه وسلم للزهراء: "ما أنا زوجتك بل الله تولى تزويجك وانحصار نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولاده" في الاستيعاب زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ما خلا مريم بنت عمران وقال لها: "زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة وإنه لأول أصحابي إسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما" وقد خطبها غيره فلم يزوجها أحدا وقال: "ما أنا زوجتها بعلي بل الله زوجها". روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنها صغيرة" فخطبها علي فزوجها منه (وبسنده) عن ابن عباس في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لها يا ابنتي ولله ما أردت أن أزوجك إلا خير أهلي".

الثامن والأربعون:

مدح محبه وذم مبغضه. روى الحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن حنبل وصححه (وبسنده) عن عمار بن ياسر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: "يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب فيك". التاسع والأربعون:

أن حبه وبغضه يفرق بهما بين المؤمن والمنافق. في الاستيعاب (وبسنده) عن جابر: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب. وروى أحمد في مسنده (وبسنده) عن جابر بن عبد الله ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم عليا. (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري مثله وروى الترمذي (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري أن كنا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي ذر ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وروى الترمذي (وبسنده) عن أم سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن". وفي الاستيعاب: روت طائفة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" وكان علي يقول: والله أنه لعهد النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.

الخمسون:

دخوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم وكل ليلة سحرا يتعلم منه. روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن عبد الله بن بحر الحضرمي عن أبيه وكان صاحب مطهرة علي قال: علي كانت لي منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الخلائق فكنت آتيه كل سحر فأقول السلام عليك يا نبي الله فان تنحنح انصرفت إلى لي وإلا دخلت عليه (وبسنده) عن عبد الله بن يحيى أنه سمع عليا يقول كنت أدخل على نبي الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة فإن كان يصلي سبح فدخلت وان لم يكن يصلي أذن لي فدخلت (وبسنده) عن عبد الله بن يحيى قال: علي كان لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان في صلاته سبح وإن لم يكن في صلاته أذن لي وبسند آخر عنه نحوه (وبسنده) عن أبي يحيى قال: علي كان لي من النبي صلى الله عليه وسلم مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار الحديث.

الواحد والخمسون:

أنه إذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أجابه وإذا سكت ابتدأه. روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي عن علي كنت إذا سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت وإذا سكت ابتدأني، ورواه الحاكم في المستدرك (وبسنده) مثله سندا ومتنا إلا أنه قال: أعطاني بدل أعطيت وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي في تلخيص المستدرك وفي الخصائص (وبسنده) عن أبي البحتري عن علي كنت إذا سالت أعطيت وإذا سكت ابتديت (وبسنده) عن زاذان قال: علي كنت والله إذا سالت أعطيت وإذ سكت ابتديت.

الثاني والخمسون:

أن مثله مثل عيسى بن مريم ع. روى النسائي بسند عن ربيعة بن ناجذ عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ياعلي فيك مثل من مثل عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى انزلوه بالمنزل الذي ليس به" وفي الاستيعاب (وبسنده) عن الشعبي قال: لي علقمة تدري ما مثل علي في هذه الأمة قلت وما مثله قال: مثل عيسى بن مريم أحبه قوم حتى هلكوا في حبه وابغضه قوم حتى هلكوا في بغضه.

الثالث والخمسون:

شبهه بالأنبياء. في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي عن البيهقي في كتاب فضائل الصحابة يرفعه (وبسنده) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب".

الرابع والخمسون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخاتم الوصيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين"، روى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء (وبسنده) عن أنس في حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين" قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته إذ جاء علي فقال من هذا يا أنس فقلت علي فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق علي بوجهه قال: علي يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل قال: "وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي"، رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه (وبسنده) عن الشعبي: قال: علي قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين، وفي الفصول المهمة: روى الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (وبسنده) إلى عبد الله بن حكيم الجهني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي بأنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المجلين"، وروى الحاكم في المستدرك وصححه (وبسنده) عن أسعد بن زرارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوحي إلي في علي ثلاث أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين".

الخامس والخمسون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم له: "إنك سيد العرب"، مر في وقعة خيبر قوله صلى الله عليه وسلم له: "يا علي إنك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم". وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن عروة عن أبيه عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لي سيد العرب" فقلت يا رسول الله ألست سيد العرب قال: "أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب" قال: وله شاهد آخر من حديث جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لي سيد العرب" فقالت عائشة: ألست سيد العرب يا رسول فقال: "أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب" وروى أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء في ترجمة علي (ع) (وبسنده) عن ابن أبي ليلى عن الحسن بن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لي سيد العرب" يعني علي بن أبي طالب فقالت عائشة: ألست سيد العرب فقال: "أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب" فلما جاء أرسل إلى الأنصار فاتوه فقال لهم: "يا معشر الأنصار إلا أدلكم على ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا قالوا بلى يا رسول الله قال: هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي فان جبريل أمرني بالذي قلت لكم من الله عز وجل قال: رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة نحوه في السؤدد مختصرا، وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب".

السادس والخمسون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم له: "أنت سيد في الدنيا والآخرة" وغير ذلك روى الحاكم في المستدرك بأسانيده عن الحسين بن محمد القتباني ومحمد بن إسحاق وأحمد بن يحيى بن إسحاق الحاواني قالوا حدثنا أبو الأزهر وقد حدثناه أبو علي المزكى عن أبي الأزهر حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: "يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي" قال: صحيح على شرط الشيخين وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة وإذا انفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح. ثم حكى عن أحمد بن يحيى الحلواني أنه لما ورد أبو الأزهر من صنعاء وذاكر أهل بغداد بهذا الحديث أنكره يحيى بن معين فلما كان يوم مجلسه قال: في آخر المجلس أين هذا الكذاب النيسابوري الذي يذكر عن عبد الرزاق هذا الحديث فقام أبو الأزهر فقال ها أنا ذا فضحك يحيى بن معين وقربه وأدناه فقال: له كيف حدثك عبد الرزاق بهذا ولم يحدث به غيرك فقال قدمت صنعاء وعبد الرزاق غائب في قرية له فخرجت إليه فسألني عن أمر خراسان فحدثته به وكتبت عنه وانصرفت معه إلى صنعاء فلما ودعته قال: لي قد وجب علي حقك فانا أحدثك بحديث لم يسمعه مني غيرك فحدثني والله بهذا الحديث لفظا فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه. ولما كان الذهبي على عادته في تعصبه وتحامله على أهل البيت وأتباعهم يصعب عليه الإذعان بمثل هذا الحديث ولا تطيق نفسه الاعتراف به وإن صح سنده على شرط الشيخين أخذ يتحيل لإنكاره بالاستبعادات والتمحلات فقال في تلخيص المستدرك بعد ما كتب عليه علامة الصحة على شرط الشيخين (خ م) هذا وإن كان رواته ثقات وأبو الأزهر ثقة فهو منكر ليس ببعيد من الوضع وإلا لأي شيء حدث به عبد الرزاق سرا ولم يجسر أن يتفوه به لأحمد وابن معين والخلق الذين رحلوا إليه. والجواب عن قوله لأي شيء أنه وارد في فضل عظيم لعلي بن أبي طالب ويكفي في الجواب عنه كلام الذهبي هذا وتحامله بعد اعترافه بان رواته ثقات ومع ذلك يقول منكر ليس ببعيد من الوضع وتكذيب يحيى بن معين لراويه في أول وهلة استعظاما لمضمونه (والحاصل) أن كلام الذهبي لا يخرج عن الاستبعاد الواهي ولا ترد الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك.

السابع والخمسون:

قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا أمير البررة"، روى الحاكم في المستدرك بسند فيه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني عن جابر بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أخذ بضبع علي بن أبي طالب وهو يقول: "هذا أمير البررة قاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله" ثم مد بها صوته. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال: الذهبي في تلخيص المستدرك: بل والله موضوع وأحمد كذاب فما أجهلك على سعة معرفتك أقول تسرعه إلى الحلف على ما لا يعلم دليل على قلة مبالاته ومن أين له أن يعلم بوضعه فهل كان حاضرا مع النبي صلى الله عليه وسلم وضبط جميع ما قاله ولو فرض أن أحمد كذاب كما يزعم فهل يمكنه الجزم بان جميع رواياته موضوعة كيف والكاذب قد يصدق على أن الحاكم أطول منه في الرواية باعا وأوسع اطلاعا وقد حكم بصحته وقد أساء الأدب مع إمام من أئمة علماء المسلمين وركن إلى بذاءة اللسان التي ليست من صفات العلماء ولو كان الحاكم حيا لقال: له ما أجهلك على ضيق معرفتك وبالجملة كلامه هذا كاشف عن شدة تحامله واحتدام غيظه فلا عبرة به.

الثامن والخمسون:

قوله صلى الله عليه وسلم: "لفاطمة أن الله اطلع إلى الأرض فاختار رجلين أباك وبعلك". روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي هريرة قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من علي بن أبي طالب وهو فقير لا مال له فقال: "يا فاطمة أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين أحدهما أبوك والآخر بعلك. صحيح على شرط الشيخين وقول الذهبي أنه موضوع على سريج لا يلتفت إليه إذ لم يسنده إلى دليل (وبسنده) عن ابن عباس قالت فاطمة: زوجتني من عائل لا مال له فذكر نحوه صحيح على شرط الشيخين وكذبه الذهبي بلا دليل. التاسع والخمسون: منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقربه منه، روى النسائي (وبسنده) عن العلاء سال رجل ابن عمر عن عثمان إلى أن قال: فسأله عن علي فقال: لا تسأل عنه إلا ترى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وبسنده) عن عرار سالت عبد الله بن عمر قلت إلا تحدثني عن علي وعثمان قال: أما علي فهذا بيته من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدثك عنه بغيره الحديث ثم روى (وبسنده) عن العلاء بن عرار قال: سالت عن ذلك ابن عمر وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما في المسجد غير بيته (وبسنده) عن سعيد بن عبيد جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن علي قال: لا أحدثك عنه ولكن انظر إلى بيته من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإني أبغضه قال: به أبغضك الله أقول الظاهر أن قوله فهذا بيته من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يراد به مجاورة بيته لبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وملاصقته له فكان دائما يسأله ويتعلم منه ويدل عليه جواب ابن عمر للعلاء حين سأله عن تفسير ذلك بأنه ما في المسجد غير بيته وكأنه إشارة إلى سد الأبواب التي كانت شارعة في المسجد غير باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وباب علي وقد أورد النسائي هذه الأحاديث في عنوان ذكر منزلة علي وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم.

الستون:

إنه وارث علوم رسول الله صلى الله عليه وسلم روى النسائي (وبسنده) عن خالد بن قثم بن العباس أنه سئل من أين ورث علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا (وبسنده) عن خالد بن قثم أنه قيل له أعلي ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون جدك وهو عمه قال: أن عليا أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا وقوله أولنا به لحوقا أراد السبق في الإسلام وأشدنا به لزوقا أراد الجوار وقلة المفارقة وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي إسحاق سألت قثم بن العباس كيف ورث علي رسول الله صلى الله عليه وسلم دونكم قال: لأنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأورد الذهبي في تلخيص المستدرك وقال صحيح، قال: الحاكم سمعت قاضي القضاة أبا الحسن محمد بن صالح الهاشمي يقول سمعت أبا عمر القاضي يقول سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول وذكر له قول قثم هذا فقال: إنما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ولا خلاف بينل العلم أن ابن العم لا يرث مع العم فقد ظهر بهذا الإجماع أن عليا ورث العلم من النبي صلى الله عليه وسلم دونهم ثم قال: وبصحة ما ذكره القاضي حدثنا محمد بن صالح وساق السند عن عكرمة عن ابن عباس كان علي يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يقول أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم والله لا ننقلب على أعقابنا بعد أن هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله إني لأخوه ووليه وابن عمه، ووارث علمه فمن أحق به مني (أقول) لا ينبغي الريب في أن المراد ارث العلم لأن الأنبياء لا تورث عند غيرنا والإرث كله للزهراء دون علي والعباس عندنا.

الواحد والستون:

نزول آية {أجعلتم سقاية الحاج} الآية في تفضيله: في أسباب النزول للواحدي النيسابوري: قال: الحسن والشعبي والقرظي أن عليا والعباس وطلحة بن شيبة افتخروا فقال طلحة أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه وإلي ثياب بيته وقال العباس أنا صاحب السقاية والقائم عليها وقال علي ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله تعالى هذه الآية {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله} إلى أن قال: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون}.

الثاني والستون:

صعوده على منكبي النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاء الصنم من فوق الكعبة. روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن أبي مريم قال: قال علي انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الكعبة فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكبي فنهضت به فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفي قال: لي اجلس فجلست فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وجلس لي وقال لي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه فنهض بي فقال علي: أنه يخيل لي أني لو شئت لنلت أفق السماء فصعدت على الكعبة وعليها تمثال من صفر أو نحاس فجعلت أعالجه لأزيله يمينا وشمالا وقداما ومن بين يديه ومن خلفه حتى استمكنت منه فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم اقذفه فقذفت به فكسرته كما تكسر القوارير ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد. وكان ذلك قبل الهجرة. ورواه الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي مريم عن علي قال: انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ثم قال: "انهض" فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال: لي اجلس فنزلت وجلست ثم قال لي: "يا علي اصعد على منكبي" فصعدت على منكبيه ثم نهض بي فخيل إلي لو شئت نلت أفق السماء فصعدت فوق الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "إلق صنمهم الأكبر صنم قريش" وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض فقال لي عالجه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: "إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا" فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال لي اقذفه فقذفته فتكسر وترديت من فوق الكعبة فانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نسعى وخشينا أن يرانا أحد من قريش وغيرهم قال علي: فما صعد به حتى الساعة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه يعني الشيخين مسلما والبخاري. قال الذهبي: في تلخيص المستدرك: إسناده نظيف والمتن منكر.

الثالث والستون:

إنه آخر الناس وأقربهم عهدا بالنبي صلى الله عليه وسلم ومناجاته وسراره له عند الموت وعهد إليه سبعين عهدا. روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن أم المؤمنين أم سلمة أن أقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم علي (وبسنده) عن أم موسى قالت أم سلمة والذي تحلف به أم سلمة أن أقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم علي قالت لما كان غدوة قبض رسول الله فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظنه كان بعثه في حاجة فجعل يقول جاء علي ثلاث مرات فجاء قبل طلوع الشمس فلما أن جاء عرفنا أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت وكنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ في بيت عائشة وكنت في آخر من خرج من البيت ثم جلست من وراء الباب فكنت أدناهم إلى الباب فأكب عليه علي فكان آخر الناس به عهدا فجعل يساره ويناجيه. (وفي حلية الأولياء) (وبسنده) عن ابن عباس: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره. وروى الحاكم في المستدرك وصححه من طريق أحمد بن حنبل أن أم سلمة قالت والذي احلف به أن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت أنه أكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يساره ويناجيه ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فكان علي أقرب الناس به عهدا ومر الحديث في الجزء الثاني وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت:

الرابع والستون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم له: "تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله". روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري: كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا وقد انقطع شسع نعله فرمى به إلى علي فقال أن منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال: أبو بكر أنا قال: لا قال: عمر أنا قال: لا ولكن خاصف النعل. وروى أبو نعيم في الحلية (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري كنا نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فانقطع شسع نعله فتناولها علي يصلحها ثم مشى فقال يا أيها الناس أن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال: أبو سعيد فخرجت فبشرته بما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكترث به فرحا كأنه قد سمعه. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي سعيد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطعت نعله فتخلف علي يخصفها فمشى قليلا ثم قال: أن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر قال: أبو بكر أنا هو قال: لا قال: عمر أنا هو قال: لا ولكن خاصف النعل يعني عليا فاتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد سمعه من رسول الله ص: قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك ولم يتعقبه.

الخامس والستون:

قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: "يقتلهم أولي الطائفتين بالحق أو أقرب الناس إلى الحق". روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري أنه قال: في الخوارج يخرجون على حين فرقة من الناس قال: أبو سعيد فاشهد اني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تمرق مارقة من الناس يلي قتلهم أو يقتلهم أولي الطائفتين بالحق، وفي رواية يقاتلهم أقرب الناس إلى الحق. وفي الاستيعاب روى أبو سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تمرق مارقة في حين اختلاف من المسلمين تقتلها أولي الطائفتين بالحق.

السادس والستون:

قتاله الناكثين والقاسطين والمارقين وهمل الجمل وصفين والخوارج: روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن زر بن حبيش أنه سمع عليا يقول أنا فقأت عين الفتنة لولا أنا ما قوتلل النهروان وأهل الجمل ولولا إنني أخشى أن تتركوا العمل لأخبرتكم بالذي قضى الله لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصرا ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه. وفي حلية الأولياء (وبسنده) عن زر عن علي قال: أنا فقأت عين الفتنة ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان وفي الاستيعاب روي من حديث علي ومن حديث ابن مسعود ومن حديث أبي أيوب الأنصاري أن عليا أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. قال: وروي عنه أنه قال: ما وجدت إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله يعني والله أعلم قوله تعالى {وجاهدوا في الله حق جهاده}.

وفي الاستيعاب (وبسنده) عن ابن عمر: ما آسي على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية وفي رواية أن لا أكون قاتلت الفئة الباغية على صوم الهواجر قال: وقال الشعبي ما مات مسروق حتى تاب إلى الله من تخلفه عن القتال مع علي قال: ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها وفي أسد الغابة (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فقلنا يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من فقال مع علي بن أبي طالب معه يقتل عمار بن ياسر (وبسنده) عن مخنف بن سليم أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت تقاتل المسلمين قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (وبسنده) عن علي بن ربيعة سمعت عليا على منبركم هذا يقول عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي أيوب الأنصاري أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (وبسنده) عن أبي أيوب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب: "تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات" قال أبو أيوب: يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام قال: "مع علي بن أبي طالب".

السابع والستون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله امتحن قلبه للأيمان": روى النسائي في الخصائص (وبسنده) عن ربعي عن علي جاء النبي صلى الله عليه وسلم أناس من قريش فقالوا يا محمد أنا جيرانك وحلفاؤك وإن من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الفقه إنما فروا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا قال: لأبي بكر ما تقول فقال صدقوا أنهم لجيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا معشر قريش والله ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للأيمان فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم" قال: أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال: لا قال: عمر أنا هو يا رسول الله قال: "لا ولكن ذلك الذي يخصف النعل" وقد كان أعطى عليا نعلا يخصفها (وفي أسد الغابة) (وبسنده) عن ربعي بن خراش حدثنا علي بن أبي طالب بالرحبة قال: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين فقالوا خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس بهم فقه في الدين وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين قد امتحن الله قلبه على الإيمان" قالوا من هو يا رسول الله فقال أبو بكر من هو يا رسول الله وقال عمر من هو يا رسول الله قال: "خاصف النعل" وكان قد أعطى عليا نعلا يخصفها الحديث.

الثامن والستون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنا انتجيته ولكن الله انتجاه": ففي أسد الغابة (وبسنده) عن جابر لما كان يوم الطائف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فناجاه طويلا فقال بعض أصحابه لقد أطال نجوى ابن عمه قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنا انتجيته ولكن الله انتجاه".

التاسع والستون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار يأخذها بحقها لا يرجع حتى يفتح الله على يديه" وكان علي أرمد فتفل في عينيه فبرئتا فدفع إليه الراية فقتل مرحبا وفتح الحصن واقتلع الباب ومر ذلك في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وفي شجاعة علي (ع). السبعون:

ما ورد في موالاته والاقتداء بالأئمة من بعده. روى أبو نعيم في حلية الأولياء (وبسنده) عن شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده" ثم قال لها: "كوني" فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي" ثم قال: رواه شريك أيضا عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ورواه السدي عن زيد بن أرقم ورواه ابن عباس وهو غريب (وبسنده) عن عكرمة عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي رزقوا فهما وعلما وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي للقاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي". وروى الحاكم في المستدرك قال: حدثنا بكر بن محمد الصيرفي حدثنا القاسم بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلي الأسلمي حدثنا عمار بن زريق عن أبي إسحاق عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة" قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال الذهبي: في تلخيص المستدرك: أنى له الصحة والقاسم متروك وشيخه ضعيف واللفظ ركيك فهو إلى الوضع أقرب. أقول القاسم نقل الذهبي في ميزان الاعتدال عن أبي زرعة وأبي حاتم أنهما رويا عنه ثم تركا حديثه. والظاهر أنه لروايته فضائل أهل البيت بدليل ما قاله في الميزان ومن بلايا القاسم ما رواه عثمان بن خوذاذ عنه عن يحيى بن يعلى الأسلمي وساق الحديث عن زيد بن أرقم مرفوعا من أراد أن يدخل جنة ربي التي غرستها فليحب عليا. ويحيى الظاهر أن تضعيفه لكونه شيعيا بدليل ما في تهذيب التهذيب بعد نقل تضعيفه: كوفي من الشيعة. وقوله واللفظ ركيك ليس بعجيب منه بعد ما نسب نهج البلاغة إلى الركة في ميزانه الخارج عن الاعتدال في ترجمة الشريف المرتضى وبقي في الحديث شيء آخر لم يذكره هو الذي دعاه إلى كل ما قال: هو أن مضمونه لا تستطيع نفسه أن تحمله وتعترف به وهو الذي دعا إلى تضعيفه كما عرفت.

الواحد والسبعون:

قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي". روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أنس بن مالك وقال صحيح على شرط الشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي".

الثاني والسبعون:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غضب لا يجترئ أحد أن يكلمه غير علي. روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غضب لم يجترئ أحد منا أن يكلمه غير علي بن أبي طالب، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

الثالث والسبعون:

نزول {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} في حقه: روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن علي إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال علي: رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر وأنا الهادي قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفي الدر المنثور للسيوطي: أخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال: لما نزلت {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: "أنا المنذر" وأومأ بيده إلى منكب علي فقال: "أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي". وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أنت منذر" ووضع يده على صدر نفسه ثم وضعها على صدر علي ويقول: "لكل قوم هاد"، وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في الآية قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المنذر أنا والهادي علي بن أبي طالب". وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب في قوله {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المنذر أنا والهادي" وفي لفظ والهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه الدر المنثور. وبعد هذا لا يلتفت إلى قول الذهبي الناشئ عن حاله المعلومة: بل كذب قبح الله واضعه.

الرابع والسبعون:

قول النبي صلى الله عليه وسلم له أن الأمة ستغدر به بعده ويلقى جهدا. روى الحاكم في المستدرك وقال صحيح (وبسنده) عن علي (ع) قال: أن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده (وبسنده) وصححه على شرط الشيخين عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "أما أنك ستلقى بعدي جهدا" قال: في سلامة من ديني قال: "في سلامة من دينك". وروى الحاكم في المستدرك أيضا وصححه عن حيان الأسدي سمعت عليا يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني وأن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه".

الخامس والسبعون:

أن النظر إلى وجهه عبادة. روى الحاكم في المستدرك وصححه عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظر إلى وجه علي عبادة". ثم قال: تابعه عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي وذكر مثله. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظر إلى علي عبادة" هذا حديث صحيح الإسناد وشواهده عن عبد الله بن مسعود صحيحة وذكر مثل الحديث الأول. قال: ابن الأثير في النهاية في حديث عمران بن حصين قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر إلى وجه علي عبادة، قيل معناه أن عليا كان إذا برز قال: الناس لا إله إلا الله ما أشرف هذا الفتى لا إله إلا الله ما أعلم هذا الفتى لا إله إلا الله ما أكرم هذا الفتى أي ما اتقى لا إله إلا الله ما أشجع هذا الفتى فكانت رؤيته تحملهم على كلمة التوحيد".

السادس والسبعون:

جوامع مناقبه: في الاستيعاب (وبسنده) عن أبي قيس الأودي أدركت الناس وهم ثلاث طبقات أهل دين يحبون عليا وأهل دنيا يحبون معاوية وخوارج وأخرج الحاكم في المستدرك وقال صحيح وأقره الذهبي في تلخيصه وأخرجه النسائي في الخصائص من طريق عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا أما أن تقوم معنا وأما أن تخلوا بنا من بين هؤلاء فقال بل أقوم معكم وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى فابتدأوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا فجاء ينفض ثوبه ويقول أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة، فضائل ليست لأحد غيره قال: له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله لا يخزيه الله أبدا فاستشرف لها من استشرف فقال أين ابن أبي طالب قيل هو في الرحى يطحن قال: وما كان أحدهم ليطحن فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر فتفل في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فدفعها إليه فجاء بصفية بنت حيي وبعث أبا بكر بسورة التوبة وبعث عليا خلفه فأخذها منه فقال: "لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه". وقال صلى الله عليه وسلم لبني عمه: "أيكم يواليني في الدنيا والآخرة" وعلي معهم جالس فقال وأقبل علي رجل منهم فقال أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا فقال أنا أواليك في الدنيا والآخرة فقال أنه وليي في الدنيا والآخرة. وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه أو رداءه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم وأبو بكر يحسبه أنه نبي الله فقال يا نبي الله فقال له علي أن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله وهو يتضور وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف عن رأسه. وخرج بالناس في غزوة تبوك فقال له علي اخرج معك فقال له نبي الله لا فبكى علي فقال له أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي إلا أنه ليس بعدي نبي ك أنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وليي في كل مؤمن بعدي: وأنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة ك وسد أبواب المسجد غير باب علي فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره. وقال من كنت مولاه فان مولاه علي (وبسنده) عن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله إني لأخوه ووليه ووارثه وابن عمه فمن أحق به مني (وبسنده) عن نافع بن عجير عن علي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ياعلي أنت صفيي وأميني" (وبسنده) عن علي مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي وأنا مضطجع فاتكا إلى جنبي ثم سجاني بثوبه فلما رآني قد برئت قام إلى المسجد يصلي فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب وقال قم يا علي فقمت وقد برئت كأنما لم أشك شيئا قبل ذلك فقال ما سالت ربي شيئا في صلاتي إلا أعطاني وما سالت لنفسي شيئا إلا سالت لك مثله (وبسنده) عن القاسم بن زكريا بن دينار قال: لي علي وجعت وجعا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقامني في مكانه وقام يصلي وألقى علي طرف ثوبه ثم قال: "قم يا علي قد برئت لا باس عليك وما دعوت لنفسي بشيء إلا دعوت لك بمثله وما دعوت بشيء إلا استجيب لي" أو قال: "قد أعطيت إلا أنه قيل لي لا نبي بعدي" (وبسنده) عن علي في حديث قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوات ما يسرني ما على الأرض بشيء منهن (وبسنده) عن علي في حديث قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة ما أحب أن لي بها الدنيا وروى أبو نعيم في الحلية (وبسنده) عن ابن عباس ما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها (وبسنده) عن حذيفة بن اليمان قالوا يا رسول الله إلا تستخلف عليا قال: أن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم (وبسنده) عن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء" (وبسنده) عن معاذ بن جبل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي أخصمك بالنبوة لا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسوية وأعد لهم في الرعية وأبصرهم بالقضية وأعظمهم عند الله مزية" وفي رواية "وأرأفهم بالرعية وأعلمهم بالقضية وأعظمهم مزية يوم القيامة" وفي الحلية (وبسنده) عن أنس بن مالك بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي برزة الأسلمي فقال له: "وأنا أسمع يا أبا برزة أن رب العالمين عهد إلي في علي بن أبي طالب" قال: "أنه راية الهدى ومنار الإيمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني يا أبا برزة علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة على مفاتيح خزائن رحمة ربي وصاحب رايتي يوم القيامة" (وبسنده) عن أبي برزة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى عهد إلي عهدا في علي" فقلت: يا رب بينه لي فقال: "اسمع" فقلت: سمعت فقال: "إن عليا راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه أحبني ومن أبغضه أبغضني فبشره بذلك" فجاء علي فبشرته إلى أن قال: "قلت اللهم أجل قلبه وأجعل ربيعه الإيمان" فقال الله قد فعلت به ذلك ثم أنه رفع إلى أنه سيخصه من البلاء بشيء لم يخص به أحدا من أصحابي فقلت يا رب أخي وصاحبي فقال أن هذا شيء قد سبق أنه مبتلى ومبتلى به".

أدلة إمامته

وهي أمور كثيرة نذكر منها هنا بعضها:

الأول:

وجوب العصمة في الإمام بالدليل الذي دل على وجوب العصمة في النبي فكما أنه لا يجوز كون النبي غير معصوم لأن صدور الذنب منه يسقط منزلته من القلوب ولا يؤمن معه زيادته في الشريعة وتنقيصه منها ويوجب عدم الوثوق بأقواله وأفعاله وهو ينافي الغرض المقصود من إرساله ونقض الغرض قبيح فلا يمكن صدوره من الله تعالى. كذلك لا يجوز كون الإمام غير معصوم لأن النبي مبلغ للشرع إلى الأمة عن الله تعالى والإمام مبلغ له إليهم عن النبي وحافظ له من الزيادة والنقصان فان الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا عرفها جميع علماء الإسلام وصدور الذنب من الإمام يسقطه من النفوس ولا يؤمن معه زيادته في الشريعة وتنقيصه منها مع كونه منصوبا لحفظها من ذلك، ويوجب عدم الوثوق بأقواله وأفعاله وهو ينافي الغرض المقصود من إمامته فالدليل الذي دل على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم بعينه دال على عصمة الإمام وقد أجمعت الأمة على أنه لا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم سوى علي وولده لأن الأمة بين قولين أما لا معصوم أصلا أو انحصار المعصوم فيهم فإذا دل الدليل على وجوب عصمة الإمام كانوا هم الأئمة. ومما يدل على عصمته وعصمة الأئمة من ذريته (ع) آية التطهير، ومرت في سيرة الزهراء (ع) في الجزء الثاني وأحاديث الثقلين وباب حطة وسفينة نوح وغيرها وتأتي هنا.

الثاني:

ما رواه الطبري في تاريخه وتفسيره والبغوي والثعلبي في تفسيره والنسائي في الخصائص وصاحب السيرة الحلبية ورواه من ثقات أصحابنا ومحدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مجالسه جميعا بأسانيدهم المتصلة وقد مرت رواياتهم بأسانيدهم المتصلة في الجزء الثاني من هذا الكتاب في السيرة النبوية ونعيد ذكرها هنا باختصار وإن لزم بعض التكرار. قال: الطبري في تاريخه: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلى أن قال): فاصنع لنا صاعا من طعام وأجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن (والعس القدح الكبير) ثم أجمع لي بني عبد المطلب ففعلت ما أمرني ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما وضعت الطعام تناول جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: خذوا باسم الله فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم وأيم الله أن كان الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم وشربوا من ذلك العس حتى رووا جميعا وأيم الله أن كان الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرقوا ولم يكلمهم. ثم فعل مثل ذلك في اليوم الثاني فأكلوا وشربوا فقال يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم جميعا وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فاخذ برقبتي ثم قال: أن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. كبر عليهم أن يسمعوا ويطيعوا لشاب حدث السن عمره بين العشرة والخمس عشرة سنة رمص العين حمش الساق عظيم البطن وكل ذلك يوجب عدم الروعة في عين الرائي وقالوا في أنفسهم كيف يؤمر غلام صغير السن ليس في مرآه روعة على مشيخة قومه وكهولهم وفيهم أعمامه وأبوه شيخ الأبطح أن هذا لعجيب يوجب الضحك فضحكوا منه ولم يعلموا أن هذا الغلام الحدث السن الرمص العين العظيم البطن الحمش الساق سيكون له شأن عظيم فيكون باب مدينة علم المصطفى وحامل لواء الإسلام ومشيد أركانه ورافع بنيانه ومنسي شجاعة الشجعان وجامع أعلى صفات الفضل وحاوي أرفع وأعظم مزايا النبل ومشيد مجد لبني عبد المطلب وعامة العرب لا تهدمه الأيام مهما تطاولت ومخلد ذكر لهم لا تمحوه الأعوام مهما تعاقبت وأنه هو خليفة الرسول في أمته وأنه لا يصل إلى مرتبته أحد منهم ولا من غيرهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لهم في نفسه وبلسان حاله "مهلا يا بني عبد المطلب ستعلمون عن قريب أنني لم أخطئ في تقديمه عليكم وستصدق أفعاله أقوالي فيه"، ولا شك أن جملة من شبانهم وكهولهم الذين هم أعلى منه سنا وأروع منظرا في رأي العين أخذهم الحسد عند ذلك الذي يأخذ أمثالهم في مجرى العادة في مثل هذا المقام كما أخذ قابيل ابن أبيهم آدم وأخذ أخوة يوسف (ع) فكان ذلك سببا في زيادة ضحكهم وتعجبهم وغطى ما رأوه من المعجزة ولا شك أن أبا لهب كان أشدهم ضحكا ونفورا حتى أوهمهم أن هذه المعجزة نوع من السحر الشديد، أما أبو طالب فكان مسرورا أشد السرور بما رأى من كرامة ولده وعلو شانه الذي انضم إلى ما كان يراه فيه من مخايل النجابة والنبل ومن أعلم بالولد من الوالد وكان عالما بصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أدعاه وزاده يقينا ما رآه من المعجز لكنه لم يستطع مجابهة قومه بإظهار ما في نفسه وإن كان شاركهم في الضحك ولا نخاله فما ضحكه إلا ضحك سرور لا ضحك استهزاء وإن كان فما هو إلا استهزاء بهم، أما أخوه حمزة فلا نعتقد إلا أنه كان مثله في أكثر ذلك وقد سره ما رأى من ابني أخويه محمد وعلي لكنه سكت متربصا سنوح الفرصة ليظهر إسلامه. ويمكن أن يكون العباس أيضا كذلك. وروى هذا الحديث الطبري في تفسيره أيضا بمثل ما رواه في تاريخه سندا ومتنا إلا أنه أبدل في النسخة المطبوعة قوله: على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم. وقوله: "إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم" بغيره فوضع مكان الأول على أن يكون أخي وكذا وكذا ومكان الثاني (إن هذا أخي وكذا وكذا) ولا شك أن هذا التبديل من الطابعين جريا على الشنشنة الأخزمية ولكن وجوده في التاريخ وما بقي منه في التفسير من قوله "فاسمعوا له وأطيعوا" كاف في الإرشاد إلى ما حذف منه.

وقد رواه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي من علمائنا في كتاب مجالسه قال: حدثنا جماعة عن أبي المفضل حدثنا أبو جعفر الطبري سنة 308 حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا سلمة بن الفضل الأبرش حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الغفار قال: أبو المفضل: وحدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي واللفظ له حدثنا محمد بن الصباح الجرحاوي حدثنا سلمة بن صالح الجعفي عن سليمان الأعمش وأبي مريم جميعا عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية وذكر مثل رواية الطبري المتقدمة بعينها مع تفاوت يسير في بعض الألفاظ لا يخل بالمعنى.

ورواه البغوي كما في رواية الطبري بعينها حكاه عنه ابن تيمية كما ستعرف. وقال الثعلبي في تفسيره، أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عبد الله بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيي المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت {وانذر عشيرتك الأقربين} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم أربعون رجلا فأمر عليا برجل شاة فادمها ثم قال: أدنوا بسم الله فدنوا عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال: اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم فقال يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فاسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال: من يواخيني ويوازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي فيلي ويقضي ديني فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي أنا فقال في المرة الثالثة أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك. وهو يدل على أنهم فهموا الخلافة بعده ولذلك قالوا هذا لأبي طالب مع أن اتحاده مع رواية الطبري في الخصوصيات يدل على اشتماله على ما فيها. وقال النسائي في الخصائص أخبرنا الفضل بن سهل حدثني ابن عفان بن مسلم حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ماجد أن رجلا قال: لعلي يا أمير المؤمنين لم ورثت دون أعمامك قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا فقال يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة والى الناس عامة فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي فلم يقم إليه أحد فقمت إليه فقال اجلس ثم قال: ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس حتى إذا كان في الثالثة ضرب بيده على يدي فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي.

واتحاد الخصوصيات في هذا الحديث مع خصوصيات حديث الطبري من جمع بني عبد المطلب وصنع الطعام لهم والمجيء بالشراب يدل على أن متنه هو متن حديث الطبري بعينه وانه اشتمل على جميع ما اشتمل عليه حديث الطبري وانه قد تناولته يد التحريف لأمر يعلمه الله فلذلك وقع اضطراب في متنه فان هذا التعليل في الميراث لا يصح أن أريد به ميراث المال أما عندنا فلأن الميراث للبنت بالفرض والرد وليس لابن العم شيء، وأما عند غيرنا فلأن الأنبياء لا تورث. وان أريد ميراث العلم نافاه السياق الدال على أن المذكور فيه هو المذكور في حديث الطبري.

وقد أورد هذا الحديث صاحب السيرة الحلبية بنحو ما مر عن الطبري إلى أن قال، من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به قال: علي أنا يا رسول الله. قال: وزاد بعضهم في الرواية يكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال أنا يا رسول الله قال: اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانيا فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال أنا يا رسول الله فقال اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي، ثم حكى عن ابن تيمية أنه قال: في الزيادة المذكور أنها كذب وحديث موضوع من له أدنى معرفة في الحديث يعلم ذلك، قال: وقد رواه مع زيادته المذكورة ابن جرير والبغوي بإسناد فيه أبو مريم الكوفي وهو مجمع على تركه وقال احمد أنه ليس بثقة، عامة أحاديثه بواطيل وقال ابن المديني كان يضع الحديث وأقول من عنده أدنى معرفة يعلم أن قدح ابن تيمية فيه لم يستند إلى حجة بل إلى التحامل على علي والنصب فقد سمعت (وبسنده) في رواية الطبري في تاريخه وتفسيره وفي رواية الثعلبي في تفسيره، وليس فيه أبو مريم الكوفي على فرض صحة ما قيل فيه وقد عرفت أن الشيخ الطوسي رواه بسندين آخرين غير سند الطبري وان أبا مريم في أحدهما دون الآخر على أن رواية البغوي له أن لم تكن حجة فهي مؤيدة ولا يكون ضعفها قادحا في الرواية الصحيحة، وكل من له أدنى معرفة في الحديث يعلم ذلك.

وقد رواه أيضا من مشاهير علمائنا وثقات محدثيهم الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق قال، حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا عبد العزيز حدثنا المغيرة بن محمد حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي حدثنا قيس بن الربيع وشريك بن عبد الله عن الأعمش عن منهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن علي بن أبي طالب (ع) قال، لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فقال أيكم يكون أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي فعرض ذلك عليهم رجلا رجلا كلهم يأبى ذلك حتى أتى علي فقال أنا يا رسول الله فقال يا بني عبد المطلب هذا أخي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا الغلام. ومرت رواية الشيخ المفيد له في إرشاده عند ذكر فضائله ومناقبه؟.

الثالث:

النص على إمامته من النبي صلى الله عليه وسلم يوم الغدير حين رجع من حجة الوداع ومعه ما يزيد على مائة ألف فخطبهم وقال في خطبته وقد رفعه للناس وأخذ بضبعيه فرفعهما حتى بان للناس إبطيهما: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم: قالوا بلى قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وأعن من أعانه واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار"، ثم أفرده بخيمة وأمر الناس بمبايعته بإمرة المؤمنين حتى النساء ومنهم نساؤه، ومر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية، ويأتي في هذا الجزء في حوادث سنة عشر من الهجرة، ونذكر هنا وجه الدلالة على إمامته ويتضمن ذلك طرفا من الأحاديث الواردة فيه مما لم يذكر هناك فنقول، وجه الاستدلال أنه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه بعد تقريرهم بقوله "ألست أولي بكم من أنفسكم" وإقرارهم بقولهم بلى فدل على أن المراد من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه وليست الإمامة شيئا فوق ذلك وهذا التقرير والإقرار والتعقيب بهذا الكلام نص على أن المراد بالمولية هنا هو الأولى فإنه أحد معانيه وناف لاحتمال غيره فبطل الاعتراض بان المولى لفظ مشترك بين معان فتعيين أحدها يحتاج إلى القرينة لأنها موجودة وهي ما ذكرناه على أن بعض تلك المعاني لا يصح إرادته في المقام مثل المعتق والمعتق ونحو ذلك وبعضها لا يناسبه كل هذا الاهتمام من النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصديق ونحوه وكفى في الاهتمام جمع الناس من أقاصي البلاد وأدانيها ليحجوا معه في ذلك العام الذي لم يكن إلا لتبليغهم هذا الأمر المهم وبطل ما يتمحله بعض المتمحلين من أن ذلك قاله في شأن أسامة بن زيد بن حارثة لما قال: لعلي لست مولاي وإنما مولاي أي معتقي رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فإنه إذا كان أسامة بن زيد قد أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم فلا معنى لان يكون أعتقه علي ولو فرض فلا يناسبه هذا الاهتمام العظيم، على أن أسامة لم يعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أعتق أباه زيد بن حارثة فإطلاق أنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه إنما هو باعتبار انجرار الولاء إليه من أبيه ولهذا قال: بعضهم أن القائل لعلي لست مولاي وإنما مولاي رسول الله هو زيد بن حارثة فقال رسول الله من كنت مولاه فعلي مولاه ردا لقول زيد وهذا القول قاله إسحاق بن حماد بن زيد للمأمون لما جمع العلماء ليحتج عليهم في فضل علي (ع) فيما ذكره صاحب العقد الفريد فقال اسحق للمأمون ذكروا أن الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثة لشيء جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فرد عليه المأمون بان ذلك كان في حجة الوداع وزيد بن حارثة قتل قبل ذلك وكان من ذكر هذا العذر التفت إلى مثل ما رد به المأمون فغير العذر وقال أنه قال: ذلك في شأن أسامة بن زيد، وسواء أقيل أن ذلك في شأن زيد أو ابنه أسامة فزيد إنما هو مولى عتاقه وابنه أسامة كذلك بجر الولاء وعلي لم يعتقه وإنما أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون زيد أو ابنه مولاه وهو لم يعتقه على أنه لا يناسبه كل هذا الاهتمام كما عرفت، وكذلك ما تمحله ابن كثير وصاحب السيرة الحلبية من صرف ما وقع يوم الغدير إلى ما وقع عند رجوع علي من اليمن، فقال ابن كثير في تاريخه، فصل في الحديث الدال على أنه (ع) خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة يقال له غدير خم فبين فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما فرع (ع) من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه إلى أن قال: ونحن نورد عيون ما روي في ذلك مع إعلامنا أنه لاحظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل لكنه لم يأت بدليل يثبت ما قال: بل قدم أولا روايات هذه الواقعة فنقل عن محمد بن إسحاق (وبسنده) عن يزيد بن طلحة قال، لما اقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي (وهو الذي أخذه من أهل نجران) فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل قال: ويلك ما هذا قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس قال: ويلك انزع قبل أن ينتهى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزع الحلل من الناس فردها في البز. وأظهر الجيش شكواهم لما صنع بهم، ثم حكى عن ابن إسحاق أنه روى (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس عليا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فسمعته يقول: "أيها الناس لا تشتكوا عليا فو الله أنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى"، ثم حكى عن الإمام أحمد أنه روى (وبسنده) عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. قال: ابن كثير، وكذا رواه النسائي بإسناده نحوه، قال: وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات ثم اتبع ابن كثير ذلك بروايات الغدير ليجعلهما بزعمه واقعة واحدة وان ما وقع يوم الغدير هو تدارك لما وقع في سفر اليمن وان النبي صلى الله عليه وسلم بين يوم الغدير فضل علي وبراءة ساحته مما تكلم فيهل ذلك الجيش مع أنهما واقعتان لا دخل لإحداهما في الأخرى فالنبي صلى الله عليه وسلم لما شكا أهل الجيش من علي وكانت شكايتهم منه بمكة في أيام الحج غضب النبي لذلك وبين لهم أن شكايتهم منه في غير محلها وقام فيها خطيبا وقال: "لا تشكوا عليا فوالله أنه لأخشن في ذات الله من أن يشكى" وقال لهم يومئذ: "ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم" قالوا بلى قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" واكتفى بذلك وهو كاف في ردعهم وبيان فضل علي وان ما فعله هو الصواب، وحديث الغدير كان في الثامن عشر من ذي الحجة بعد انقضاء الحج ورجوعه إلى المدينة ولو كان ما وقع يوم الغدير هو لمجرد ردعهم وبيان خطئهم في شكايتهم من علي لقاله بمكة واكتفى به ولم يؤخره إلى رجوعه، وزعم صاحب السيرة الحلبية أنه قال: ذلك بمكة لبريدة وحده ثم لما وصل إلى غدير خم أحب أن يقوله للصحابة عموما يكذبه ما سمعته من قول أبي سعيد الخدري أحد الصحابة فقام فينا خطيبا أي قام في الصحابة عموما وأعلن ذلك في خطبته على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد وقوله ذلك بمكة أعم وأشمل لوجود الحاج كلهم ومنهم أهل مكة وما حولها الذين لم يكونوا معه في غدير خم فلو كان الغرض تبليغ عموم الصحابة ما وقع في مسالة اليمن لما آخره إلى غدير خم ولكنه لما نزل عليه قوله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته} وهو في الطريق بلغهم إياه في غدير خم حين نزلت عليه الآية فهما واقعتان لا دخل لإحداهما في الأخرى، وخلط أحداهما بالأخرى نوع من الخلط والخبط والغمط مع أنك ستعرف وعرفت أن في روايات الغدير أنه وقف حتى لحقه من بعده وأمر برد من كان تقدم وهذا يدل على أنه لأمر حدث في ذلك المكان وهو نزول الوحي عليه ولو كان لتبليغ عموم الصحابة لم يؤخره إلى غدير خم بل كان يقوله في بعض المنازل قبله أو في مكة فأمره بالنزول وهو في أثناء السير وانتظار من تخلف وأمره برد من تقدم يدل على أنه لأمر حدث في ذلك الوقت مع أنه قال: هذا الكلام عقيب الأمر بالتمسك بالكتاب والعترة وبيان إنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض الذي هو تمهيد لما بعده، فدل على أنه لأمرم من مسالة اليمن على اننا إنما نستدل بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه عقيب قوله ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم سواء أقال: ذلك بمكة أم في غدير خم وسواء أقاله عقيب شكايتهم من علي أم لا فإنه دال على أن عليا أولى بالمؤمنين من أنفسهم والإمامة والخلافة لا تزيد على ذلك كما مر، وقد أجاب صاحب السيرة الحلبية عن الحديث بوجوه عمدتها ما يأتي:

أحدهما: أن الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على الإمامة من الأحاديث وهذا الحديث مع كونه آحادا طعن في صحته جماعة من أئمة الحديث كابي داود وأبي حاتم الرازي ويرده أن الحديث لا يقصر عن درجة المتواتر بمعنى المقطوع الصدور فقد رواه علماء الفريقين ومحدثوهم بأسانيد صحيحة تزيد عن عدد التواتر وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابيا واعترف لعلي به عدد كثير من الصحابة لما نشدهم في مسجد الكوفة ودعا على من أنكر فاستجيب دعاؤه فيه كما ستعرف، ولم يكن في الدوحات أحد إلا سمع ورأى ما جرى فيه وهم يزيدون على مائة ألف وقد اعترف الحافظ الذهبي بتواتره فيما يأتي حيث قال: وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله وأما زيادة "اللهم وال من والاه" فزيادة قوية الإسناد وقد أفرد هذا الحديث بالتأليف حتى أن ابن جرير الطبري وناهيك به جمع مجلدين في طرقه وألفاظه وقد أثبت تواتره السيد حامد حسين الهندي اللكهنوئي من أجلاء علماء الهند في هذا العصر في كتابه عبقات الأنوار فذكر من رواه من الصحابة ومن رواه عنهم من التابعين ومن رواه عن التابعين من تابعي التابعين ومن أخرجه في كتابه من المحدثين على ترتيب القرون والطبقات ومن وثق الراوين والمخرجين له ومن وثق من وثقهم وهكذا في طرز عجيب لم يسبقه إليه أحد. قال: ابن كثير الشامي في تاريخه، اعتنى بأمر هذا الحديث يعني حديث الغدير أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر صاحب تاريخ دمشق أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة يعني خطبة يوم الغدير ثم أورد ابن كثير أحاديث كثيرة جدا مما ورد في يوم الغدير نقلها من كتاب ابن جرير المشار إليه ويأتي نقل بعضها، وأما طعن أبي داود وأبي حاتم فيه الذي لا منشأ له إلا التحامل فهو قد قال: فيما يأتي أنه لا يلتفت إليه. ثانيها: أن اسم المولى يطلق على عشرين معنى منها أنه السيد الذي ينبغي محبته ويجتنب بغضه وأيد ذلك بما مر عنه من أن بريدة لما جاء من اليمن مع علي شكا بريدة عليا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك لبريدة خاصة ثم أحب أن يقوله للصحابة عموما في غدير خم أي فكما عليهم أن يحبوني عليهم أن يحبوا عليا ويرده أن اسم المولى لو كان يطلق على ألف معنى فالمراد به هنا الأولى لاقترانه بقوله "ألست أولي بكم من أنفسكم" فقالوا بلى قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" كما مر تفصيله، على أن هذا الاهتمام العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم بجمع الناس في غدير خم والخطبة ورفع علي معه وأخذه بضبعيه حتى بان بياض إبطيهما لا يناسب أن يكون الغرض منه أن يعلمهم أن عليهم أن يحبوا عليا كما عليهم أن يحبوه مع كون ذلك أمرا ثابتا في حق كل مسلم لا يختص به علي.

ثالثها: مع تسليم أن المراد أنه أولي بالإمامة فالمراد في المال لا في الحال قطعا وإلا لكان هو الإمام مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم والمال لم يعين وقته فيجوز أن يكون بعد أن يبايع بالخلافة وأيده بأنه لم يحتج بذلك إلا بعد أن صارت الخلافة إليه. (ويرده) أنه لم يقل أحد أن معنى الحديث أنه أولي بالإمامة بل أولي بالمؤمنين من أنفسهم فيكون هو الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الإمامة لا تزيد على ذلك وأما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم أنه ليس للناس إمام غيره، وأما إرادة أنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم في زمن خلافته فتقييد بلا مقيد. وأما عدم احتجاجه بذلك قبل زمن خلافته فلأن القول الفصل حينئذ لم يكن للكلام والاحتجاج بل كان للسيف والقوة، وما ينفع الاحتجاج فيمن يقول والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ويجيء بعلي والزبير ويقول لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان كما مر في الجزء الثاني عن الطبري ويقول لعلي انك لست متروكا حتى تبايع. ويدعو بالحطب ويحلف لتخرجن أو لأحرقن الدار عليكم فيقال له أن فيها فاطمة فيقول وإن، كما مر عن ابن قتيبة هناك أيضا ويمكن أن يكون ترك الاحتجاج به لأن فيه ما لا يمكن أن يتحملوه منه فيقع ما لا تحمد عقباه مع علمه بعدم الفائدة فعدل إلى الاحتجاج بالقرابة وبأنه أحق وما غاب عنا لا يمكننا الإحاطة بجميع خصوصياته لا سيما مع اعتراض الأهواء والعصبيات.

وروى الواحدي النيسابوري في كتاب أسباب النزول (وبسنده) عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك} يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وأبو يعلي الموصلي والحسن بن سفيان فيما حكاه عنهما ابن كثير في تاريخه فأسانيدهم عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في حجة الوداع فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي فأقامه عن يمينه فقال: "ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ألست أولى بكل امرئ من نفسه" قالوا: بلى فأخذ بيد علي فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، فلقيه عمر بعد ذلك فقال هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت ولي كل مؤمن ومؤمنة. وروى الحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص بعدة أسانيد عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال: أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وروى الحاكم أيضا (وبسنده) عن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل عامر بن واثلة وصححه على شرطهما أنه سمع زيد بن أرقم يقول نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فصلى ثم خطب وقال أيها الناس أني تارك فيكم أمرين لن تضلوا أن اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال: "أتعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات" قالوا نعم فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه".

وفي السيرة الحلبية لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى محل بين مكة والمدينة يقال له غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة فخطبهم فقال أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ثم حض على التمسك بكتاب الله ووصى باهل بيته فقال أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وقال في حق علي لما كرر عليهم ألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف ورفع يد علي وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وأعن من أعانه واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار"، ثم قال: وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان. قال: ولا التفات لمن قدح في صحته. قال: وقول بعضهم أن زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها. انتهت السيرة الحلبية. وقال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد أنبأنا أبو الحسين أنبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب: اقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فنزل في الطريق فأمر بالصلاة جامعة فاخذ بيد علي فقال ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال: ألست أولي بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال: فهذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: ابن كثير وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن البراء. وارد ابن كثير عن الإمام أحمد بعدة أسانيد عن زيد بن أرقم في بعضها نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير فخطبنا وظلل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس قال: ألستم تعلمون أو ألستم تشهدون إني أولي بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال: فمن كنت مولاه فان عليا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: ابن كثير وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وأورد ابن كثير روايات كثيرة بأسانيدها من كتاب غدير خم لابن جرير وفي بعضها أنه صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس إني وليكم قالوا صدقت فرفع يد علي فقال هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عاداه تاريخ ابن كثير واستقصاء ما فيه يطول به الكلام.

وروى النسائي في الخصائص عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى بردا علي الحوض ثم قال: "إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن" ثم أخذ بيد علي فقال: "من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بإذنه، قال: ابن كثير في تاريخه قال: شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح.

وروى النسائي في الخصائص أيضا (وبسنده) عن زيد بن أرقم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه" قالوا بلى نشهد لأنت أولي بكل مؤمن من نفسه قال: "فاني من كنت مولاه فهذا مولاه وأخذ بيد علي. وروى النسائي في الخصائص أيضا (وبسنده) عن عائشة بنت سعد سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجحفة فاخذ بيد علي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني وليكم قالوا صدقت يا رسول الله ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا وليي ويؤدي عني وإنما موالي من والاه ومعادي من عاداه. وحكى ابن كثير عن ابن جرير الطبري أنه رواه (وبسنده) عن عائشة بنت سعد عن أبيها مثله إلا أنه قال: هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عاداه، قال: ثم رواه ابن جرير من طريق آخر وإنه (ع) وقف حتى لحقه من بعده وأمر برد من كان تقدم فخطبهم الحديث وروى النسائي (وبسنده) عن عائشة بنت سعد عن سعد قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألم تعلموا أني أولي بكم من أنفسكم قالوا نعم صدقت يا رسول الله ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال من كنت وليه فهذا وليه وإن الله ليوالي من والاه ويعادي من عاداه. (وبسنده) عن عائشة بنت سعد عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها فلما بلغ غدير خم وقف للناس ثم رد من تقدم ولحقه من تخلف فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس من وليكم قالوا الله ورسوله ثلاثا ثم أخذ بيد علي فاقأمه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه أقول كأنه أشار بذلك إلى قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله} الآية والولي هنا بمعنى الأولى ومنه ولي الطفل وولي المرأة.

وفي الاستيعاب: روى بريدة وأبو هريرة وجابر والبراء بن عازب وزيد بن أرقم كل واحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يوم غدير خم "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، وبعضهم لا يزيد على من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال: بعد ذكر خبر إعطاء الراية يوم خيبر وهذه كلها آثار ثابتة.

وحكى صاحب السيرة الحلبية عن بعضهم أنه لما شاع قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه في سائر الأمصار وطار في الأقطار بلغ الحارث بن النعمان الفهري فقدم المدينة ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا محمد أمرتنا بالشهادتين فقبلنا وأمرتنا بالصلاة والصوم والزكاة والحج فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء من الله أو منك فاحمرت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "والله الذي لا إله إلا هو أنه من الله وليس مني" قالها ثلاثا فقام الحارث وهو يقول: اللهم أن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا حجارة من السماء الآية وكان ذلك أي ما جرى يوم الغدير في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة.

استشهاد علي (ع) في خلافته جماعة من الصحابة على حديث الغدير

في السيرة الحلبية: قد جاء أن عليا قام خطيبا ثم قال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول أنبئت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا وفي المعجم الكبير ستة عشر وفي رواية اثنا عشر فذكر الحديث وعن زيد بن أرقم كنت ممن كتم فذهب الله ببصري وكان علي دعا على من كتم (انتهت السيرة الحلبية).

وقال ابن كثير في تاريخه: أورد ابن ماجة عن عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه بعدة أسانيد عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قال: نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال: إلا قام فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي يوم غدير خم أليس رسول الله أولي بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال: وفي بعضها زيادة وانصر من نصره واخذل من خذله، وأورد فيه أيضا بعدة أسانيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحوه، وفي بعضها فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته. وأورد عنه أيضا بعدة أسانيد عن جماعة منهم أبو الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة يعني رحبة مسجد الكوفة قال: أنشد الله كل من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس أتعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال: فخرجت كان في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له أني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال: فما تنكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له هكذا ذكره الإمام أحمد في مسند زيد بن أرقم.

وفي الخصائص (وبسنده) عن عمرو بن سعد أنه سمع عليا وهو ينشد في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كنت مولاه فعلي مولاه" فقام ستة نفر فشهدوا (وبسنده) عن سعيد بن وهب أنه قام صحابة ستة وقال زيد بن يثيع وقام مما يلي المنبر ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كنت مولاه فعلي مولاه" وفيه أخبرنا أبو داود حدثنا عمران بن أبان حدثنا شريك حدثنا أبو إسحاق عن زيد بن يثيع سمعت علي بن أبي طالب يقول على منبر الكوفة أني أنشد الله رجلا ولا يشهد إلا أصحاب محمد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" فقام ستة من جانب المنبر وستة من جانب المنبر الآخر فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك قال: شريك فقلت لأبي إسحاق هل سمعت البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال: أبو عبد الرحمن هو النسائي: عمران بن أبان الواسطي ليس بقوي في الحديث (وبسنده) المتعدد عن فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: جمع علي الناس في الرحبة فقال أنشد بالله كل امرئ سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم غدير خم "ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم" وهو قائم ثم أخذ بيد علي فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" قال: أبو الطفيل فخرجت وفي نفسي منه شيء فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته فقال تشك أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وبسنده) عن سعيد بن وهب قال: علي في الرحبة أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول أن الله ورسوله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره قال: سعيد قام إلى جنبي ستة قال: زيد بن يثيع قام عندي ستة وقال عمرو ذو مر أحب من أحبه وابغض من أبغضه وساق الحديث (وبسنده) عن عمرو ذي مر شهدت عليا بالرحبة ينشد أصحاب محمد أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال: فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره (وبسنده) عن سعيد بن وهب قال: علي في الرحبة أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول الله وليي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره فقال سعيد قام إلى جنبي ستة وقال حارثة بن نصر قام ستة وقال زيد بن يثيع قام عندي ستة وقال عمرو ذو مر أحب من أحبه وفي أسد الغابة (وبسنده) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم قلنا بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وقد روي مثل هذا عن البراء بن عازب وزاد فقال عمر بن الخطاب يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن.

قال المفيد في الإرشاد: وكان في حجة الوداع من فضل أمير المؤمنين (ع) الذي اختص به ما شرحناه وانفرد فيه من المنقبة الجليلة ما ذكرناه وكان شريك النبي في حجه وهديه ومناسكه ووفقه الله تعالى لمساواة نبيه في نيته ووفاقه في عبادته وظهر من مكانه عنده وجليل محله عند الله سبحانه ما نوه به في مدحته وأوجب له فرض طاعته على الخلائق واختصاصه بخلافته والتصريح منه بالدعوة إلى أتباعه والنهي عن مخالفته والدعاء لمن اقتدى به في الدين وقام بنصرته والدعاء على من خالفه واللعن لمن بارزه بعداوته وكشف بذلك عن كونه أفضل خلق الله تعالى وأجل بريته وهذا مما لم يشركه فيه أيضا أحد من الأمة ولا تعرض منه بفضل يقاربه على شبهة لمن ظنه أو بصيرة لمن عرف المعنى في حقيقته والله المحمود.

الرابع: أنه أفضل الصحابة فيكون هو الإمام لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح والدليل على أنه أفضل الصحابة أمور:

أحدها: أن الناس إنما تتفاضل بالصفات الحسنة النفسية كالعلم والحلم والصفح والشجاعة والسماحة والفصاحة والبلاغة والعدل ومحاسن الأخلاق والعبادة والزهادة والجهاد وغير ذلك.

(أما العلم) فقد كان أعلم الصحابة وكانوا يرجعون إليه في المشكلات ولم يكن يرجع إلى أحد وكفى في ذلك قول عمر: لولا علي لهلك عمر، قضية ولا أبو حسن لها، أعوذ بالله من قضية ليس لها أبو حسن، لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر وأمثاله مما شاع وذاع وعرفه كل أحد حتى استشهد به النحويون في كتبهم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أعطي علي تسعة أجزاء الحكمة والناس جزءا وأحدا". وقول ابن عباس أنه أعطي تسعة أعشار العلم وشارك في العشر العاشر، وأنه ما شك في قضاء بين اثنين، وأنه أقضى أهل المدينة وأعلمهم بالفرائض، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنه أقضى أصحابه". وقد ألفت المؤلفات في قضاياه بالخصوص، وقول عطاء ما أعلم أحدا كان في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أعلم من علي، وقول عائشة أما أنه لأعلم الناس بالسنة، وقوله (ع) سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل، وأنه ما كان أحد يقول سلوني غيره، وقوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت {وتعيها أذن واعية} أنت أذن واعية لعلمي. وقول معاوية ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب. وذكرنا هذا كله مفصلا بأسانيده عند ذكر فضائله.

قال المفيد في الإرشاد: فأما الأخبار التي جاءت بالباهر من قضاياه في الدين وأحكامه التي افتقر إليه في علمها كافة المؤمنين بعد الذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدمه في العلم وتبريزه على الجماعة بالمعرفة والفهم وفزع علماء الصحابة إليه فيما أعضل من ذلك والتجائهم إليه فيه وتسليمهم له القضاء به فهي أكثر من تحصى وأجل من أن تتعاطى فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار من العامة والخاصة في قضاياه ورسول الله حي فصوبه فيها وحكم له بالحق فيما قضاه ودعا له بخير وأثنى عليه به وأبانه بالفضل في ذلك من الكافة ودل به على استحقاقه الأمر من بعده ووجوب تقدمه على من سواه في مقام الإمامة كما تضمن ذلك التنزيل فيما دل على معناه وعرف به ما حواه من التأويل حيث يقول الله عز وجل {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون} وقوله {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} وقوله عز وجل في قصة آدم وقد قالت الملائكة {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال: إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} فنبه الله جل جلاله الملائكة على أن آدم أحق بالخلافة منهم لأنه أعلم منهم بالأسماء وأفضلهم في علم الأنباء. وقال تقدست أسماؤه في قصة طالوت {وقال لهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال: أن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} فجعل جهة حقه في التقدم عليهم ما زاده الله من البسطة في العلم والجسم واصطفاءه إياه على كافتهم بذلك وكانت هذه الآيات موافقة لدلائل العقول في أن الأعلم هو أحق بالتقدم في محل الإمامة ممن لا يساويه في العلم ودلت على وجوب تقدم أمير المؤمنين على كافة المسلمين في خلافة الرسول وإمامة الأمة لتقدمه في العلم والحكمة وقصورهم عن منزلته في ذلك.

(وأما الحلم والصفح) فقد ذكرنا عند ذكر فضائله ما يثبت ذلك بأوضح وجه وأجلاه وكذا الباقي فلا نطيل بإعادته، وامتيازه في كل ذلك قد صار ملحقا بالضروريات منتظما في سلك المتواترات والاستدلال عليه كالاستدلال على الشمس الضاحية، وما ذكرناه في ذلك قد اتفق على روايته المؤالف والمخالف بخلاف ما روي مما يعارضه فقد رواه فريق دون فريق وتطرقت إليه الشبهة بما كان يجهد فيه أعداء أمير المؤمنين في عصر الملك العضوض ويبذلون على روايته الأموال وهم في سلطانهم، والإطالة في هذا تخرجنا عن موضوع الكتاب وفيما ذكر غنى وكفاية ومقنع لمن أراد والله الهادي.

ثانيها: حديث الطائر المشوي الذي مر في الفضائل لدلالته على أنه أحب الخلق إلى الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن حب الله تعالى وحب النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون كحب غيرهم لمحاباة أو قرابة أو منفعة أو غيرها ولا يكون إلا عن استحقاق فيدل على الأفضلية.

ثالثها: حديث الكساء ومر ذكره في سيرة الزهراء (ع) في الجزء الثاني ومر في الفضائل في هذا الجزء.

رابعها: ما دل على أنه نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم في آية المباهلة {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} ويأتي خبر نزولها عند ذكر وفد نجران سنة عشر من الهجرة وإنما نذكر هنا بعض ما يتعلق بكونه نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط فنقول: اتفق الرواة والمفسرون على أن الذين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمباهلة هم علي وفاطمة والحسنان وأنه لم يدع أحدا غيرهم. وحينئذ فالمراد بأبنائنا الحسنان وبنسائنا فاطمة وهو واضح. أما أنفسنا فلا يجوز أن يكون المراد به غير علي بن أبي طالب لما ذكره صاحب مجمع البيان وغيره من أنه لا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه وإنما يصح أن يدعو غيره وإذا كان قوله وأنفسنا لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى علي لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين علي وزوجته وولديه في المباهلة. ويمكن أن يقال بأنه يصح التعبير عن الحضور بدعاء النفس مجازا وهو المراد هنا فالأولى في الاستدلال أن يقال أن الاتفاق واقع على أن عليا كان من جملة من دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم للمباهلة وليس داخلا في الأبناء والنساء قطعا فتعين دخوله في قوله وأنفسنا فيكون المراد بأنفسنا علي وحده أو هو مع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الوجهين يكون قد أطلق عليه نفس النبي صلى الله عليه وسلم فان قلنا المراد بأنفسنا علي وحده كان التجوز في أنفسنا وحدها، وإن قلنا المراد به رسول الله وعلي معا كان التجوز في ندعو باستعمالها في دعاء النفس ودعاء الغير وفي أنفسنا أيضا.

والحاصل أن أنفسنا مراد به علي بن أبي طالب أما وحده أو مع النبي صلى الله عليه وسلم اختار الأول الشعبي فيما حكاه عنه الواحدي فقال أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب، واختار الثاني جابر فيما حكاه عنه صاحب الدر المنثور فقال أنفسنا رسول الله وعلي وأبناؤنا الحسن والحسين ونساؤنا فاطمة.

فإذا ثبت أن المراد بأنفسنا علي بن أبي طالب دل على أنه أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ المراد به أنه مثل نفسه مجازا لأن كونه نفسه حقيقة باطل بالضرورة وإذا ثبت إطلاق أنه مثله كان المراد أنه مثله في جميع صفاته إلا ما أخرجه الدليل مثل النبوة والمساواة في الفضل للإجماع على أن عليا ليس بنبي وان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه فبقي الباقي وهو أنه أفضل من سائر الصحابة وبالجملة ففي كونه مثل النبي إلا ما أخرجه الدليل غنى وكفاية. قال: الرازي في تفسيره: كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي وكان متكلم الاثني عشرية وكان يزعم أن قوله وأنفسنا وأنفسكم يدل على أن عليا أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم لأن الإنسان لا يدعو نفسه بل غيره وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب فدلت على أن نفسه هي نفس محمد ولا يمكن أن يراد أن هذه النفس عين تلك النفس فالمراد أنها مثلها وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ترك العمل به في النبوة والفضل لقيام الدليل فبقي ما عداه. ومحمد أفضل من سائر الأنبياء فعلي مثله.

ثم قال: (أي الحمصي) ويؤيد الاستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق والمخالف وهو قوله ع: من أراد أن يرى آدم في علمه ونوحا في طاعته وإبراهيم في خلقه فلينظر إلى علي بن أبي طالب، فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم وذلك يدل على أنه أفضل من جميعهم سوى محمد صلى الله عليه وسلم.

قال: وأما سائر الشيعة فقد كانوا قديما وحديثا يستدلون بهذه الآية على أن عليا أفضل من سائر الصحابة لأن الآية لما دلت على أن نفسه مثل نفسه إلا فيما خصه الدليل وكانت نفس محمد أفضل من الصحابة فوجب أن تكون نفس علي كذلك. والجواب أنه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمدا (ع) أفضل من علي كذلك انعقد الإجماع بينهم قبل ظهور هذا الإنسان على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ملخصا. وقد دل كلامه على تسليم دلالة الآية على ذلك لولا الإجماع فبقي الأمر موقوفا على تحقق الإجماع هذا بالنسبة إلى الأنبياء، أما بالنسبة إلى الصحابة فهو يسلم به لأنه لم يرده ولم يناقش فيه.

قال المفيد:

وفي قصة أهل نجران بيان عن فضل أمير المؤمنين (ع) مع ما فيه من الآية للنبي صلى الله عليه وسلم والمعجز الدال على نبوته، وأن الله تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين (ع) بأنه نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ومساواته للنبي صلى الله عليه وسلم في الكمال والعصمة من الآثام وان الله تعالى جعله وزوجته وولديه مع تقارب سنهما حجة لنبيه وبرهانا على دينه ونص على الحكم بان الحسن والحسين أبناؤه وأن فاطمة نساؤه المتوجه إليهن الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأمة ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه وهو لاحق بما تقدم من مناقب أمير المؤمنين الخاصة به. الخامس: قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}. نزلت في حق علي بن أبي طالب لما تصدق بخاتمه وهو في الصلاة، فلفظ الذين آمنوا وإن كان عاما إلا أن المراد به خاص وإرادة الواحد من لفظ الجمع في كلام العرب وفي القرآن الكريم غير عزيزة مع دلالة القرينة كما في قوله تعالى {الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم} والمراد نعيم بن مسعود، والمراد من الزكاة فيها هي الصدقة لأن الزكاة وان اشتهرت في الشرع في الصدقة الواجبة لكنها تطلق على المستحبة أيضا بكثرة وقوله وهم راكعون حال من ضمير يؤتون الزكاة أي ويؤتون الزكاة في حال ركوعهم. روي الواحدي النيسابوري في كتابه أسباب النزول عن الكلبي أن آخر الآية في علي بن أبي طالب لأنه أعطى خاتمه سائلا وهو راكع. وروي (وبسنده) عن ابن عباس قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا يا رسول الله أن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي (ع): {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} الآية ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فنظر سائلا فقال: "هل أعطاك أحد شيئا" قال: نعم خاتم قال: "من أعطاكه" قال: ذلك القائم وأوما بيده إلى علي بن أبي طالب فقال على "أي حال أعطاك" قال: أعطاني وهو راكع فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون}، وفي الدر المنثور للسيوطي: أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أتى عبد الله بن سلام وذكر نحوه. وفي أسباب النزول للسيوطي: اخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزل خاتمه فأعطاه السائل فنزلت {إنما وليكم الله ورسوله} وله شاهد. قال: عبد الرزاق حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله {إنما وليكم الله ورسوله} قال: نزلت في علي بن أبي طالب. وروى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله، واخرج أيضا عن علي مثله، واخرج ابن جرير عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله قال: فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا أسباب النزول، يعني فلا يضر كون بعض طرقه فيه مجاهيل. وقال السيوطي في الدر المنثور: اخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل: "من أعطاك هذا الخاتم" قال: ذاك الراكع فأنزل الله {إنما وليكم الله ورسوله}. واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {إنما وليكم الله ورسوله} الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه ذلك فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله} الآية فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ثم قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، واخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} إلى آخر الآية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد وجاء الناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي فإذا سائل فقال: "يا سائل هل أعطاك أحد شيئا" قال: لا إلا ذاك الراكع لعلي بن أبي طالب أعطاني خاتمه. واخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت {إنما وليكم الله} الآية، وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم يوحي إليه إلى أن قال: فمكث ساعة فاستيقظ وهو يقول: {إنما وليكم الله ورسوله} الآية الحمد لله الذي أتم لعلي نعمه وهنيئا لعلي بتفضيل الله إياه. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس: كان علي بن أبي طالب قائما يصلي فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت هذه الآية نزلت في الذين آمنوا وعلي أولهم الدر المنثور. وفي الكشاف: وهم راكعون الواو فيه للحال أي يعملون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والأخبات والتواضع لله إذا صلوا وإذا زكوا وقيل هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة وأن الصلاة وأنها نزلت في حق علي بن أبي طالب حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه قال: فان قلت كيف صح أن يكون لعلي واللفظ لفظ جماعة قلت جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا وأحدا ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه أقول الركوع وإن كان في اللغة بمعنى مطلق الخضوع لكنه صار في الشرع اسما لركوع الصلاة كما أن الصلاة كان معناها في اللغة مطلق الخضوع لكنه صار في الشرع اسما لركوع الصلاة كما أن الصلاة كان معناها في اللغة مطلق الدعاء وصارت في عرف الشرع لذات الأركان فقوله تعالى:{وهم راكعون} لا يصح أن يراد به وهم خاضعون لأن الحقيقة الشرعية والعرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية ولم يستعمل في القرآن إلا في ذلك المعنى، {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}. {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين}، { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}، {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا}، { وخر راكعا وأناب}، {تراهم ركعا سجدا}، { والركع السجود}، {الراكعون الساجدون}، فعلم بذلك أن المراد به ركوع الصلاة، وفي تفسير الطبري اختلف أهل التأويل في المراد بالذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون فقال بعضهم عني به علي بن أبي طالب وقال بعضهم عني به جميع المؤمنين، ثم روي عن السدي أنه قال: هؤلاء جميع المؤمنين ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه، وروى (وبسنده) عن عبد الملك عن أبي جعفر سألته عن هذه الآية قلنا من الذين آمنوا قال: الذين آمنوا قلنا بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب قال: علي من الذين آمنوا. وفي الدر المنثور اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي جعفر أنه سئل عن هذه الآية وذكر مثله. قال: واخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي وذكر نحوه ومنه علم أن المراد به الباقر (ع). وروى الطبري في تفسيره عن عتبة بن حكيم في هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} قال: علي بن أبي طالب، (وبسنده) عن مجاهد قال: نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع (أقول) فدل عدم إمكان إرادة العموم منها على أن كلام السدي راجع إلى أن المراد من الذين آمنوا علي بن أبي طالب بان يكون مراده هؤلاء جميع المؤمنين في ظاهر اللفظ ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فكان ذلك قرينة على أنه هو المراد وإلا لكان كلامه متدافعا، ولذلك قال: السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع، وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله فجعل السدي من القائلين بنزولها في علي، والمنقول عن أبي جعفر الباقر أن صح فيه نوع أجمال ويمكن إرجاعه إلى ما مر بان يكون قوله علي من الذين آمنوا أي فصح إطلاق هذا اللفظ عليه، ومن ذلك يعلم أن وجود القائل بالقول الثاني غير متحقق، وفي تفسير الفخر الرازي في قوله الذين آمنوا قولان: الأول: أن المراد عامة المؤمنين لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال أنا برئ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسوله نزلت هذه الآية على وفق قوله، قال: وروي أيضا أن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله أن قومنا قد هجرونا واقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل فنزلت هذه الآية فقال: "رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" (أقول) الاستشهاد بخبر عبد الله بن سلام على أن المراد عامة المؤمنين لا وجه له لأنه إنما يدل على أن الله تعالى جعل لهم بدل هجر قومهم إياهم ولاية الله ورسوله والذين آمنوا سواء أريد بالذين آمنوا العموم أو الخصوص فإذا كان هناك ما يدل على الخصوص لم يكن فيه منافاة لهذا الخبر ولذلك ذكره الواحدي في سياق نزولها في علي بن أبي طالب كما مر في الفضائل. قال الفخر القول الثاني: أن المراد من هذه الآية شخص معين روي عكرمة أنها نزلت في علي بن أبي طالب وروي أن عبد الله بن سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه، وروي عن أبي ذر أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الظهر فسال سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم اشهد إني سالت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فما أعطاني أحد شيئا وعلي (ع) كان راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم فاقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أن أخي موسى سال فقال رب اشرح لي صدري إلى قوله وأشركه في أمري فأنزلت قرآنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري"، قال: أبو ذر فوالله ما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة حتى نزل جبرئيل فقال يا محمد اقرأ {إنما وليكم الله ورسوله} إلى آخرها (أقول) علم من مجموع ما سلف أن احتمال إرادة عموم المؤمنين ضعيف لا يعول عليه ولا يرجع إلى مستند ولا يعارض الأخبار الكثيرة الدالة على نزولها في علي (ع) وان وجود القائل به غير متحقق، مضافا إلى أنه على هذا الاحتمال تكون الواو في وهم راكعون عاطفة من عطف الخاص على العام كما في أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين، ولو كان كذلك لكان من مقتضى البلاغة أن يقول وهم يركعون لأن الجمل التي قبلها فعلية فلا يناسب عطف الجملة الاسمية الصرفة عليها بل المناسب أن يقول وهم يركعون كما في قوله تعالى {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} ولم يقل موقنون ورواية عكرمة قد انفرد بها فلا تعارض الروايات الكثيرة مع أنه كان متهما برأي الخوارج وإذا كان المراد بهذه الآية شخص معين وهو علي بن أبي طالب كانت دالة على إمامته لأن في اقتران ولايته بولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع الحصر بأنما أقوى دليل على ذلك، وقد أطال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية وذكر أشياء أكثرها لا طائل تحتها مثل أن اللائق بعلي (ع) أن يكون مستغرق القلب بذكر الله في الصلاة لا يتفرع لاستماع كلام الغير وفهمه (الجواب) أن الاستماع إلى كلام السائل لا يخرج عن ذلك كما يحكي عن أبي الفرج الجوزي أنه قال: في جواب السائل عن ذلك:

(ومثل) أن دفع الخاتم في الصلاة للفقير عمل كثير واللائق بحال علي (ع) أن لا يفعل ذلك (والجواب) أن أراد أنه عمل كثير مبطل للصلاة فقد أجاب عنه في (الكشاف) بقوله كان الخاتم كان مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته وعند فقهائنا أنه لا يفسد الصلاة إلا العمل الكثير الماحي لصورتها وان أراد أنه عمل كثير يكره فعله ففيه أنه كيف يكره التصدق على الفقير الذي هو من أفضل الطاعات إلى غير ذلك مما أطال به ولا فائدة في نقله ونقضه.

السادس: آية التطهير: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}، دلت الأخبار الكثيرة على أن المراد بأهل البيت علي وفاطمة والحسنان فتدل الآية الشريفة على عصمتهم لأن الذنب رجس وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا من كل رجس وذنب، ولا ينافي ذلك كون ما قبلها وما بعدها في نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما ورد النص الصريح بان المراد بها ما ذكر وبعد تذكير ضمير عنكم ومراعاة السياق في الكتاب العزيز غير لازمة كما في موارد كثيرة منه ولعل ذلك لأنه نزل نجوما، ومر الكلام على ذلك مفصلا في سيرة الزهراء (ع) من الجزء الأول ومر له ذكر في الفضائل من هذا الجزء.

السابع: أحاديث الثقلين التي رواها أجلاء علماء أهل السنة وأكابر محدثيهم في صحاحهم بأسانيدهم المتعددة واتفق على روايتها الفريقان فرواها مسلم والترمذي في صحيحيهما والإمام أحمد بن حنبل في مسنده والثعلبي في تفسيره وابن المغازلي الشافعي في المناقب وصاحب الجمع بين الصحاح الستة والحميدي من أفراد مسلم والسمعاني في فضائل الصحابة والحموئي وموفق بن أحمد والطبراني وابن حجر في صواعقه وغيرهم ورويت من طرق أهل البيت باثنين وثمانين طريقا (أما روايات أهل السنة) ففيها عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته فقال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم قال: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال: هؤلاء حرم الصدقة قال: نعم وفي رواية لمسلم فقلنا من أهل بيته نساؤه قال: لا لأن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده، وفيها عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم "إني تارك فيكم الثقلين وفي رواية خليفتين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" وفي رواية وان اللطيف الخبير اخبرني إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما وفي أخرى "إني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" وفي رواية "أني تارك فيكم أمرين لن تضلوا أن تبعتموهما وهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي فلا تتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، " وهي صريحة في خروج النساء من أهل البيت واختصاصهم بعشيرته وعصبته وقد أوردنا هذه الأحاديث كلها وتكلمنا عليها بما لا مزيد عليه في كتابنا إقناع اللائم على إقامة المآتم فليرجع إليه من أراد. دلت هذه الأحاديث على عصمة أهل البيت من الذنوب والخطأ لمساواتهم فيها بالقرآن الثابت عصمته في أنهم أحد الثقلين المخلفين في الناس وفي الأمر بالتمسك بهم كالتمسك بالقرآن ولو كان الخطأ يقع منهم لما صح الأمر بالتمسك بهم الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة وفي أن المتمسك بهم لا يضل كما لا يضل المتمسك بالقرآن ولو وقع منهم الذنب أو الخطأ لكان المتمسك بهم يضل وان في أتباعهم الهدى والنور كما في القرآن ولو لم يكونوا معصومين لكان في أتباعهم الضلال وفي أنهم حبل ممدود من السماء إلى الأرض كالقرآن وهو كناية عن أنهم واسطة بين الله تعالى وبين خلقه وان أقوالهم عن الله تعالى ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك وفي أنهم لن يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مدة عمر الدنيا ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه إماما لهم أو تقصير عنهم وائتمام بغيرهم كما لا يجوز التقدم على القرآن بالإفتاء بغير ما فيه أو التقصير عنه بأتباع أقوال مخالفيه وفي عدم جواز تعليمهم ورد أقوالهم ولو كانوا يجهلون شيئا لوجب تعليمهم ولم ينه عن رد قولهم، ودلت هذه الأحاديث أيضا على أن منهم من هذه صفته في كل عصر وزمان بدليل قوله صلى الله عليه وسلم إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وأن اللطيف الخبير اخبره بذلك وورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق إنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، إذا علم ذلك ظهر أنه لا يمكن أن يراد بأهل البيت جميع بني هاشم بل هو من العام المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفة والنزاهة من أئمة أهل البيت الطاهر وهم الأئمة الاثنا عشر وأمهم الزهراء البتول للإجماع على عدم عصمة من عداهم والوجدان أيضا على خلاف ذلك لأن من عداهم من بني هاشم تصدر منهم الذنوب ويجهلون كثيرا من الأحكام ولا يمتازون عن غيرهم من الخلق فلا يمكن أن يكونوا هم المجعولين شركاء القرآن في الأمور المذكورة بل يتعين أن يكونوا بعضهم لا كلهم وليس إلا من ذكرنا أما تفسير زيد بن أرقم لهم بمطلق بني هاشم أن صح ذلك عنه فلا تجب متابعته عليه بعد قيام الدليل على بطلانه.

الثامن: حديث السفينة وباب حطة وهو قوله صلى الله عليه وسلم "مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخر عنها هلك أو من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق أو من دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك". الذي اتفق على روايته جميع علماء الإسلام، قال: ابن حجر في الصواعق: جاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا وفي رواية مسلم ومن تخلف عنها غرق وفي رواية هلك وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له وفي رواية غفر له الذنوب وقال في موضع آخر جاء من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضا مثل أهل بيتي وفي رواية إنما مثل أهل بيتي وفي أخرى أن مثل أهل بيتي وفي رواية إلا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وفي رواية من ركبها سلم ومن تركها غرق وإن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له. وروى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن حنش الكناني سمعت أبا ذر يقول وهو أخذ بباب الكعبة من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق" هذا حديث صحيح على شرط مسلم وقد تكلمنا على هذه الروايات مفصلا في كتاب إقناع اللائم على إقامة المآتم وذكرنا هناك أن تمثيلهم بسفينة نوح صريح في وجوب أتباعهم والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم وحرمة أتباع من خالفهم وأي عبارة أبلغ في الدلالة على ذلك من قوله "من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك أو غرق" فكما أن كل من ركب مع نوح في سفينته نجا من الغرق ومن لم يركب غرق وهلك فكذلك كل من اتبع أهل البيت أصاب الحق ونجا من سخط الله وفاز برضوانه ومن خالفهم هلك ووقع في سخط الله وعذابه وذلك دليل عصمتهم وإلا لما كان كل متبع لهم ناجيا وكل مخالف لهم هالكا وهذا عام مخصوص كما مر في حديث الثقلين وليس المراد به إلا أئمة أهل البيت الذين وقع الاتفاق على تفضيلهم واشتهروا بالعلم والفضل والزهد والورع والعبادة واتفقت الأمة على عدم عصمة غيرهم وغير المعصوم لا يكون متبعه ناجيا ومخالفه هالكا على كل حال ولا يقصر عنه في الدلالة خبر تسميتهم بباب حطة الدال على أن النجاة في أتباعهم والخلاص من الذنوب والمعاصي بالأخذ بطريقتهم.

التاسع: حديث المنزلة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". ومر في غزاة تبوك في هذا الجزء والجزء الثاني أنه قال: "له أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".

وهذا الحديث يقع الكلام فيه في مقامين في صحة سنده وإثبات دلالته على المطلوب.

المقام الأول صحة سنده

هذا الحديث قد اعترف أكابر علماء المسلمين وثقات الرواة من الفريقين بصحة سنده وانه من أثبت الآثار وأصحها. في الاستيعاب روى قوله صلى الله عليه وسلم لعلي "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحها رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره. ورواه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وجماعة يطول ذكرهم ثم روى (وبسنده) عن أسماء بنت عميس أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي". وروى قبل ذلك أنه قال: له في غزوة تبوك "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" (وروى) النسائي في الخصائص هذا الحديث بأسانيد كثيرة عن سعد بن أبي وقاص (فمن رواياته) (وبسنده) عن سعد بن أبي وقاص قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وخلف عليا في المدينة قالوا فيه مله وكره صحبته فتبع علي النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحقه في الطريق قال: يا رسول الله خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء حتى قالوا مله وكره صحبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما خلفتك على لي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي" (وفي رواية) "إلا أنه لا نبوة بعدي" {وفي رواية} فقال علي رضيت رضيت (وفي رواية) "أنت يا ابن أبي طالب مني مكان هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي" (وفي رواية) "إلا أنه ليس من بعدي نبي" (وبسنده) عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" (وبسنده) عن سعد قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك خرج علي فتبعه فشكا وقال يا رسول الله أتتركني مع الخوالف فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة" (وبسنده) عن سعد بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا على ناقته الجدعاء وخلف عليا وجاء علي حتى تعدى الناقة فقال يا رسول الله زعمت قريش انك إنما خلفتني لأنك استثقلتني وكرهت صحبتي وبكى فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس "ما منكم أحد إلا وله حاجة بابن أبي طالب أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" قال: علي رضيت عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وروى) مسلم في صحيحه حديث المنزلة بعدة أسانيد منها عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعلي "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" قال: سعيد فأحببت أن اشافه بذلك سعدا فلقيته فحدثته بما حدثني به عامر فقال أنا سمعته فقلت أنت سمعته فوضع إصبعيه على أذنيه فقال نعم وإلا فاستكتا (ورواه) في أسد الغابة (وبسنده) عن سعيد عن عامر عن أبيه نحوه ورواه النسائي في الخصائص (وبسنده) عن سعيد عن عامر بن سعد عن سعد مثله بتفاوت يسير وروى مسلم في صحيحه (وبسنده) عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي".

المقام الثاني إثبات دلالته على المطلوب

من القواعد المسلمة أن الاستثناء دليل العموم فيما عدى المستثنى فقوله إلا أنه لا نبي بعدي يدل على عموم المنزلة وهارون كان وزيرا لموسى وشريكا له في النبوة ولو عاش بعد موسى لكان خليفة له لكنه مات في حياته فعلي له منزلة هارون عدى المشاركة في النبوة وحيث أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خليفة له وتنتفي عنه صفة النبوة خاصة.

(لا يقال) هارون كان خليفة موسى (ع) على قومه في حياته مدة غيابه كما حكاه الله تعالى بقوله اخلفني في قومي وعلي (ع) خلفه على له وعلى المدينة في حياته مدة غيابه ولذلك قال: له أنت مني بمنزلة هارون من موسى أي كما أن موسى خلف هارون على قومه في حياته مدة غيابه فانا خلفتك على لي في حياتي مدة غيابي وأين هذا من الإمامة والخلافة العامة. لأنا نقول ينافي التخصيص بذلك الاستثناء الدال على عموم المنزلة كما مر فهو دال على أن لعلي من النبي جميع ما كان لهارون من موسى عدا النبوة. قال: المفيد في الإرشاد: تضمن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصه عليه بالإمامة وإبانته من الكافة بالخلافة ودل به على فضل لم يشركه فيه أحد سواه وأوجب له به جميع منازل هارون من موسى إلا ما خصه العرف واستثناه هو من النبوة إلا ترى أنه جعل له كافة منازل هارون من موسى إلا المستثنى منها لفظا وهو النبوة وعقلا وهو الأخوة وقد علم من تأمل معاني القرآن وتصفح الروايات والأخبار أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه وشريكه في أمره ووزيره على نبوته وتبليغه رسالات ربه وإن الله سبحانه شد به إزره وإنه كان خليفته على قومه وكان له من الإمامة عليهم وفرض الطاعة كإمامته وفرض طاعته وأنه كان أحب قومه إليه وأفضلهم لديه قال: الله عز وجل حاكيا عن موسى رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا فأجاب الله تعالى مسألته وأعطاه سؤله في ذلك وأمنيته حيث يقول قد أوتيت سؤلك يا موسى وقال تعالى حاكيا عن موسى (ع) وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا منه بمنزلة هارون من موسى أوجب له بذلك جميع ما عددناه إلا ما خصه العرف من الأخوة واستثناه من النبوة لفظا وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد أمير المؤمنين ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال.

سيرة أمير المؤمنين متتالية متتابعة من ولادته إلى شهادته نشأته وتربيته

نشأ علي (ع) في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأدب بآدابه وربي بتربيته وذلك أنه لما ولد أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا وقال لأمه اجعلي مهده بقرب فراشي وكان يلي أكثر تربيته ويطهره في وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه ويحرك مهده عند نومه ويناغيه في يقظته ويحمله على صدره، وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها كأنه يفعل ذلك ترويحا له وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

وفي بعض السنين أصاب أهل مكة جدب شديد وكان أبو طالب كثير العيال قليل المال فاجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة والعباس فقالوا أن أبا طالب كثير العيال فهلموا نخفف عنه فقال لهم أبو طالب ما أبقيتم لي عقيلا فخذوا من شئتم فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليا واخذ حمزة جعفرا وأخذ العباس طالبا وأبقى أبو طالب عنده عقيلا لميله إليه ولعل ذلك كان لضعف عقيل وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

وقد كان علي (ع) يلازم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحنث في غار حراء كل سنة قبل النبوة. قال: ابن أبي الحديد في شرح النهج: قد ورد في الكتب الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا حتى جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة فجاور في حراء شهر رمضان ومعه خديجة وعلي بن أبي طالب وخادم لهم "الحديث".

فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله بالنبوة فكان أول من آمن به واتبعه وصدقه، وقال ابن حجر في الإصابة: ربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك. وفي أسد الغابة: كان مما أنعم الله به على علي أنه ربي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام {وقال} هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبوك وله في الجميع بلاء عظيم وأثر حسن ولم يكن لأحد غيره في تلك المشاهد مثل أثره. ومر عند ذكر فضائله ما ينبغي أن يراجع.

ما جرى عند نزول وانذر عشيرتك الأقربين

قد مر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية وفي هذا الجزء عند ذكر مناقبه وفضائله وذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك بأسانيدها ونعيد ذكره هنا ببعض الروايات وإن لزم بعض التكرار لتكون إخباره (ع) متتابعة متتالية بحسب السنين ونقتصر من ذلك على ما ذكره المفيد في الإرشاد في جملة كلام له في ذلك مر عند ذكر مناقبه وفضائله قال: وذلك في حديث الدار الذي أجمع على صحته نقلة الآثار حين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلا يومئذ يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة وأمره أن يصنع لهم طعاما فخذ شاة مع مد من البر ويعد لهم صاعا من اللبن وقد كان الرجل منهم معروفا يأكل الجذعة في مقام واحد ويشرب الفرق من الشراب. في ذلك المقعد فأراد (ع) بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع وأحدا منهم ولا يرويه ثم أمر بتقديمه لهم فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملوا منه ولم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه، فبهرهم بذلك وبين لهم آية نبوته وعلامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه، ثم قال: لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب يا بني عبد المطلب أن الله بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال {وانذر عشيرتك الأقربين} وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب والعجم وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار شهادة أن لا إله إلا الله واني رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم، فقال أمير المؤمنين: فقمت بين يديه من بينهم وأنا إذ ذاك أصغرهم سنا وأحمشهم ساقا وأرمصهم عينا فقلت أنا يا رسول الله أوازرك على هذا الأمر فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا فقمت وقلت مثل مقالتي الأولى فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت وقلت أنا أوازرك يا رسول الله على هذا الأمر فقال اجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب يا أبا طالب ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك.

نصره النبي صلى الله عليه وسلم في صغره

كان علي (ع) في صغره يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت قريش لا تستطيع أذاه لمكان عمه أبي طالب فكانوا يغرون به صبيانهم فيرمونه بالحجارة والتراب إذا خرج وليس من شأن أبي طالب أن يتبع الصبيان يذودهم عنه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك صبيا مثلهم هو من أبطال الصبيان يستطيع أن يتبعهم ويذودهم وهو ابن عمه علي بن أبي طالب فذودهم أن لم يكن من شأن أبيه فهو من شأن صبي مثلهم هو بطل في صباه كما هو بطل في شبابه وفي كهولته وفي شيخوخته. روى علي بن إبراهيم بن هاشم القمي (وبسنده) عن الصادق (ع) أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة العبدري لما برز إليه علي (ع) يوم أحد فسأله طلحة من أنت يا غلام قال: أنا علي بن أبي طالب فقال قد علمت يا قضيم أنه لا يجسر علي أحد غيرك، ما معنى قوله يا قضيم فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة لم يجسر عليه أحد لمكان أبي طالب وأغروا به الصبيان فكان إذا خرج يرمونه بالحجارة والتراب فشكا ذلك إلى علي (ع) فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك فخرج معه فتعرض له الصبيان كعادتهم فحمل عليهم علي (ع) وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم فكان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا علي فسمي لذلك القضيم، وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة علوية:

فداؤه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في صغره

وكان علي (ع) يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وينيمه أبوه أبو طالب في مرقد رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا على النبي من البيات ويعرضه للقتل والاغتيال ويوطن علي نفسه على ذلك، قال: ابن أبي الحديد: قرأت في أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب قال: كان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيات إذا عرف مضجعه وكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليا مكانه، فقال له علي ليلة يا أبت اني مقتول فقال له أبو طالب:

إسلامه

كان علي (ع) أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأتبعه من جميع الخلق، بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ثم أسلمت خديجة، وبعضهم يروي أن خديجة أسلمت قبل علي، وأصحابنا يروون أن عليا أسلم قبل خديجة ويدل عليه قول أمير المؤمنين (ع) في بعض خطب النهج: اللهم إني أول من أناب وسمع وأجاب لم يسبقني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، وهو الموافق للاعتبار فان الرسول صلى الله عليه وسلم مع حاله المعلومة مع علي لم يكن ليقدم في الدعوة إلى الإسلام أحدا على علي حتى خديجة مع مكانتها منه. وكيف كان فلا ريب في أن إسلامهما في زمان متقارب كما لا ريب في أن أول الناس إسلاما من الذكور علي ومن النساء خديجة، ولا شك أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث أي يختلي للعبادة في غار حراء كان علي (ع) يحمل إليه الزاد والماء من بيت خديجة أن لم تحمله الخادم. وفي الاستيعاب عن عفيف الكندي قال: كنت أمرا تاجرا فقدمت للحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان أمرا تاجرا فاني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى الشمس فلما رآها قد مالت قام يصلي ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معهما يصلي فقلت للعباس من هذا يا عباس قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قلت من هذه المرأة قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد، قلت من هذا الفتى قال: علي بن أبي طالب ابن عمه، قلت ما هذا الذي يصنع قال: يصلي، وهو يزعم أنه نبي ولم يتبعه فيما ادعى إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر، وكان عفيف يقول وقد أسلم بعد ذلك لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي، قال: وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في باب عفيف الكندي. ورواه النسائي في الخصائص (وبسنده) عن عفيف قال: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها فأتيت العباس بن عبد المطلب وذكر نحوه إلا أنه قال: فانا عنده جالس حيث أنظر إلى الكعبة وقال فقلت يا عباس أمر عظيم قال: العباس أمر عظيم تدري من هذا الشاب الخ ثم قال: أن ابن أخي هذا أخبرني أن ربه رب السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما على الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. ومر في مناقبه وفضائله زيادة شرح لهذا.

مبلغ سنه وقت إسلامه

قيل أسلم وهو ابن عشر سنين رواه الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن محمد بن إسحاق وهو المطابق لقول من قال: أنه ولد بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثين سنة وقبل البعثة بعشر سنين فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره يوم بعث أربعين سنة ومطابق للقول بأنه عاش ثلاثا وستين سنة فإنه استشهد سنة أربعين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر أو إحدى عشرة وعاش هو بعد النبي ثلاثين سنة فإذا أضيفت إلى ثلاث وعشرين سنة أقامها بمكة والمدينة بعد البعثة كانت ثلاثا وخمسين فإذا أضيف إليها عشر قبل البعثة كانت ثلاثا وستين. (وقال المفيد) في الإرشاد: أقام بعد البعثة ثلاثا وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة وتوفي النبي ولأمير المؤمنين ثلاث وثلاثين سنة. فعلى هذا يكون عمره يوم أسلم عشر سنين وقيل أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة وهو الذي صححه أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين وهو المروي عن مجاهد وقيل اثنتي عشرة سنة بناء على أنه عاش خمسا وستين سنة كما سيأتي، اثنتي عشرة قبل البعثة وثلاثا وعشرين بعد البعثة إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ثلاث عشرة سنة، في الاستيعاب هو أصح ما قيل وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين وقيل خمس عشرة سنة رواه الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن قتادة عن الحسن ثم قال: وهذا الإسناد أولى من الإسناد الأول. يعني الذي رواه عن محمد بن إسحاق. ورواه في أسد الغابة (وبسنده) عن الحسن وغيره قال: أول من أسلم علي بعد خديجة وهو ابن خمس عشرة سنة. وقيل ابن ست عشرة سنة حكاه الحاكم في المستدرك ثم روى (وبسنده) عن ابن عباس وقال صحيح على شرط الشيخين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع الراية إلى علي يوم بدر وهو ابن عشرين سنة. قال: الذهبي في تلخيص المستدرك: هذا نص على أنه أسلم وله أقل من عشر سنين بل نص في أنه أسلم وهو ابن سبع سنين أو ثمان وهو قول عروة (أقول) بل يلزم كونه ابن خمس سنين ونصف تقريبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد البعثة نحو ثلاث عشرة سنة وكانت بدر على رأس تسعة عشر شهرا من مهاجره فهذه نحو أربع عشر سنة ونصف فإذا أضيف إليها خمس سنين ونصف كانت عشرين. وروى ابن عبد البر في الاستيعاب عن السراج في تاريخه (وبسنده) عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة، وتدل خطبته حين بلغه غارة الغامدي على الأنبار أنه باشر الحرب وهو ابن عشرين سنة. وقال في خطبة له يحث فيها على الجهاد: لقد نهضت فيها (أي الحرب) وما بلغت العشرين ولا يبعد أن يريد بمباشرته الحرب ما كان منه يوم هجرته ولحوق الفوارس الثمانية به وقتله مقدمهم جناحا فان ذلك أول مباشرته الحرب وأول ظهور شجاعته العظيمة لا حرب بدر المتأخرة عن ذلك تسعة عشر شهرا وإن كانت هي أول وقائعه العظمى فيكون عمره على هذا يوم أسلم سبع سنين فإذا أضيف إليها ثلاث عشرة سنة أقامها بمكة إلى حين هجرته كانت عشرين. وفي بعض الروايات أنه كان عمره يوم بدر ثلاثا وعشرين سنة وفي بعضها أربعا وعشرين وفي بعضها خمسا وعشرين، ولعل القول بان عمره يوم أسلم إحدى عشرة سنة مبني على أنه كان يوم بدر ابن خمس وعشرين أو ست وعشرين بان تكون التسعة عشر شهرا حسبت سنة وترك الزائد أو حسبت سنتين وألغي الناقص، وكذلك القول بان عمره يوم أسلم اثنتي عشرة سنة يمكن تطبيقه على أنه كان يوم بدر ابن ست عشرة بحساب التسعة عشر شهرا سنة واحدة، أما القول بأنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة أو خمس عشرة أو ست عشرة فهو يقتضي أن يكون عمره يوم بدر فوق سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو ثلاثين والله أعلم.

ملازمته النبي صلى الله عليه وآله

ولم يزل علي في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ملازما له فأقام مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ثلاثا وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة مشاركا له في محنة كلها متحملا عنه أكثر أثقاله وعشر سنين بالمدينة بعد الهجرة يكافح عنه المشركين ويجاهد دونه الكافرين ويقيه بنفسه من أعدائه في الدين وقتل الأبطال وضرب بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره بين العشرين والثلاث والعشرين سنة إلى الخمس والعشرين.

في حصار الشعب

ويوم حصار الشعب الذي دخل فيه بنو هاشم خوفا من قريش وحصروهم فيه كان علي معهم ولا شك أن أباه كان ينيمه أيضا في مرقد النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك من أشد أيام الخوف عليه من البيات وقد يسأل سائل لما ذا اختص أبو طالب ابنه عليا بان يبيته في مضجع النبي صلى الله عليه وسلم حين يقيمه منه مع أنه أصغر أولاده وطالب وعقيل وجعفر أكبر منه فهم أولى بان ينيم وأحدا منهم في مضجع النبي صلى الله عليه وسلم والجواب على هذا السؤال لا يحتاج إلى كثير تفكير فهو على صغر سنه أثبتهم جنانا وأشجعهم قلبا وأشدهم تهالكا في حب ابن عمه وإن كان لجعفر المقام السامي في ذلك لكنه لا يصل إلى رتبة أخيه علي.

خبره مع أبي ذر عند إسلامه

رواه صاحب الاستيعاب (وبسنده) عن ابن عباس في حديث طويل سيأتي في ترجمة أبي ذر في الجزء السادس عشر، وفيه أن أبا ذر لما بلغه مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه وكره أن يسال عنه حتى أدركه الليل فاضطجع فرآه علي بن أبي طالب فقال كان الرجل غريب قال: نعم قال: انطلق إلى المنزل قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أساله، فلما أصبحت رجعت إلى المسجد فبقيت يومي حتى أمسيت وسرت إلى مضجعي فمر بي علي فقال أما أن للرجل أن يعرف منزله فأقامه وذهب به معه وما يسال واحد منهما صاحبه عن شيء حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأقامه علي معه ثم قال: له إلا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: أن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت، ففعل فأخبره علي أنه نبي وإن ما جاء به حق وأنه رسول الله وقال فإذا أصبحت فاتبعني فاني أن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فان مضيت فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث) ويدلنا هذا الحديث على وجود علي (ع) وكرم أخلاقه وحسن أدبه وشدة حنوه على الغريب والضعيف ومسارعته إلى إقراء الضيف فإنه لما رآه وعلم أنه غريب دعاه إلى منزله وأضافه وقراه ولم يسأله عن شيء وذلك من حسن الأدب مع الضيف ولما رآه في الليلة الثانية عاتبه على عدم رجوعه إلى منزل ضيافته وبقائه في المسجد وأقامه معه ولم يسأله عن شيء إلا في الليلة الثالثة بعد ما أنس أبو ذر به وارتفعت عنه وحشة الغربة وقضى أيام الضيافة التي هي ثلاثة وربما يكون قد توسم فيه أنه جاء لينظر في الإسلام وقد يكون مانعهما عن السؤال شدة الخوف. وسوق الحديث يدل على أن الخوف من قريش كان شديدا فهو حين أراد أن يذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف عليه أن يراه أحد معه فيظن أنه ذهب ليسلم فينال أبا ذر من ذلك أذى شديد فقال له أنه إذا رأى أحدا يخافه عليه جلس وتعلل بأنه يريد أن يبول ولا يعرف من يراه أن أبا ذر معه وأوصاه أنه إذا رآه قد مضى أتبعه بدون أن يلتفت إليه ولا يشير إليه لئلا يراه أحد فيعرف أنه سائر معه. وكان أبا ذر وقع في قلبه من ذلك اليوم حب علي فساعده التوفيق على أن تولاه وشايعه طول حياته.

صعوده على منكب النبي صلى الله عليه وسلم

وإلقاؤه الصنم عن الكعبة

روى الحاكم في المستدرك (وبسنده) عن علي بن أبي طالب قال: انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ثم قال: لي انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال: لي اجلس فنزلت وجلست ثم قال: لي يا علي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه ثم نهض بي فلما نهض بي خيل لي لو شئت نلت أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي الق صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض فقال لي عالجه وهو يقول لي "إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا"، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال اقذفه فقذفته فتكسر وترديت من فوق الكعبة فانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نسعى وخشينا أن يرانا أحد من قريش وغيرهم قال: علي فما صعد به حتى الساعة. قال: الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه البخاري ومسلم.

وصية أبيه له عند وفاته

ولما حضرت أبا طالب الوفاة أوصى ابنيه عليا وجعفرا وأخويه حمزة وعباسا بنصره فقاموا به أحسن قيام لا سيما علي وحمزة وجعفر، وفي ذلك يقول أبو طالب من أبيات مرت في الجزء الثاني:

وفي جمع علي معهم بل تقديمه عليهم وهو غلام صغير وأخوه جعفر أكبر منه والآخران عماه وهما أسن منه دليل كاف على ما كان يتوسمه أبو طالب في ابنه علي من مخايل الشجاعة والرجولة والبأس والنجدة وأنه سيكون خير ناصر للنبي صلى الله عليه وسلم وأعظم محام عنه ومؤازر له وما أخطأت فراسته فيه بل أصابت فكان عند فراسته فيه بأقصى حد يتصور.

ما جرى له عند وفاة أبي طالب ولما توفي أبو طالب

ومر الخلاف في سنة وفاته في الجزء الثاني، جاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بوفاته فحزن عليه حزنا شديدا وأمر عليا بتغسيله واعترض جنازته وأثنى عليه وحلف ليستغفرن له وليشفعن فيه شفاعة يعجب لها الثقلان. روى السيد فخار بن معد الموسوي من أهل المائة السابعة في كتابه الذي ألفه في إسلام أبي طالب أن أبا طالب لما مات جاء علي (ع) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذنه بموته فتوجع عظيما وحزن شديدا ثم قال: امض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل فاعترضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمول على رؤوس الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا فلقد ربيت وكفلت صغيرا ونصرت وآزرت كبيرا ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان. أما ما رووه أن عليا (ع) جاء إلى رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبي طالب فقال له أن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه، فلا يقبله عقل عاقل فان أبا طالب لو فرض محالا أنه مات كافرا لم يكن علي ليواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه بهذا الكلام الخشن الجافي الذي لا يصدر إلا من أجلاف الناس ومن ليس عنده شيء من كرم الأخلاق، وحاشا عليا أن يكون كذلك وكيف يواجهه بهذا الكلام في حق عمه الذي رباه ونصره وحمل المشاق العظيمة في نصرته ومع ذلك هو أبوه وهل يستجيز عاقل أن يقول رجل من أدنى الناس مثل هذا الكلام في حق أبيه فضلا عن علي بن أبي طالب في أخلاقه السامية.

الهجرة إلى الطائف

روى الطبري في تاريخه:

أنه لما مات أبو طالب طمعت قريش في رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالت منه ما لم تكن تناله في حياة أبي طالب، فخرج من مكة إلى الطائف وذلك في شوال من سنة عشر من الهجرة فأقام بالطائف عشرة أيام وقيل شهرا فدعاهم إلى الإسلام فلم يجيبوه وأغروا به سفهاءهم وكان معه زيد بن حارثة، قال: ابن أبي الحديد: والشيعة تروي أنه كان معه علي بن أبي طالب أيضا. أقول: وهو الصواب فان عليا لم يكن ليفارقه في مثل هذه الحال كما لم يفارقه في غيرها، ولم يكن ليرغب بنفسه عنه.

ليلة الغار ومبيت علي على الفراش

وكما فدا أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم بولده علي فكان يقيم النبي من مرقده خوفا عليه من اغتيال المشركين وينيم ولده عليا مكانه ليكون فداء له لو قصده المشركون باغتيال كما مر، كذلك فدا علي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه بعد وفاة أبيه فنام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار وفداه بنفسه وسن له أبوه في حياته في المحافظة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى حد الفداء بالنفس سنة اتبعها علي بعد وفاة أبيه ووطن نفسه عليها واستهان بالموت في سبيلها، وذلك أن قريشا ائتمرت برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة لما أعياهم أمره ورأوا دعوته لا تزداد إلا انتشارا فاجمع رأيهم على اغتياله ليلا وهو في فراشه وانتخبوا من قبائلهم العشر من كل قبيلة رجلا شجاعا ليهجموا عليه ليلا فيقتلوه ويضيع دمه في القبائل ويرضى قومه بالدية، ومر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية ونعيد هنا جملة مما ذكرناه هناك مما يتعلق بعلي (ع) وإن لزم بعض التكرار ثم نتبعه ببعض ما ورد فيه من الروايات مما لم نذكره هناك: فنقول:

روى الشيخ الطوسي في أماليه (وبسنده) ورواه غيره أنه لما اشتد البلاء على المؤمنين بمكة من المشركين أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة فهاجروا فلما رأى ذلك المشركون اجتمعوا في دار الندوة وائتمروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العاص بن وائل وأمية بن خلف نبني له بنيانا نستودعه فيه حتى يموت (فقال) صاحب رأيهم لئن صنعتم ذلك ليسمعن الحميم والمولى الحليف ثم لتأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أيديكم فقال عتبة وأبو سفيان نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه ثم نقصع البعير بأطراف الرماح فيقطعه أربا أربا (فقال) صاحب رأيهم أرأيتم أن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فاخذ بقلوبهم بسحره وبيانه فصبا القوم إليه واستجابت القبائل له فيسيرون إليكم بالكتائب والمقانب فلتهلكن كما هلكت أياد فقال أبو جهل لكني أرى لكم رأيا سديدا وهو أن تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا ثم تسلحوه حساما عضبا حتى إذا غسق الليل أتوا ابن أبي كبشة فقتلوه فيذهب دمه في قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيرضون بالدية فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رأيا وكموا في ذلك أفواهكم، فسبقهم الوحي بما كان من كيدهم وهو قوله تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا (ع) وأخبره بذلك وقال له أوحى إلي ربي أنجر دار قومي وانطلق إلى غار ثور تحت ليلتي هذه وان آمرك بالمبيت على فراشي ليخفى بمبيتك عليهم أمري، واشتمل ببردي الحضرمي وكان له برد حضرمي اخضر أو أحمر ينام فيه ثم ضمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وبكى وجدا به فبكى علي جزعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي أسد الغابة:

(وبسنده) عن ابن إسحاق قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر الوحي بالإذن له في الهجرة إلى المدينة حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعا علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويستجي ببرد له اخضر ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه، قال: ابن إسحاق وتتابع الناس في الهجرة وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتن في دينه علي بن أبي طالب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخره بمكة وأحله ثلاثا وأمره أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه ففعل ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم روى (وبسنده) عن أبي رافع في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلف عليا يخرج إليه بأهله وأمره أن يؤدي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه وما كان يؤتمن عليه من مال فادى علي أمانته كلها وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج وقال أن قريشا لا يفقدوني ما رأوك فاضطجع على فراشه وكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلى الله عليه وسلم فيرون عليه عليا فيظنونه النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليا فقالوا لو خرج محمد لخرج بعلي معه فحبسهم الله بذلك عن طلب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأوا عليا.

وفي مبيت علي (ع) على الفراش ليلة الغار يقول شاعر أهل البيت الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي من قصيدة علوية حسينية:

وفي ذلك يقول المؤلف أيضا من قصيدة:

وفيه يقول السيد الحميري في قصيدته المذهبة:

ثم قال: الشيخ الطوسي في تتمة الخبر السابق: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وهند بن أبي هالة أن يقعدا له بمكان ذكره لهما ولبث مع علي يوصيه ويأمره بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون إلى أن ينتصف الليل حتى أتى إلى أبي بكر وهند فنهضا معه حتى وصلا إلى الغار فدخلا الغار ورجع هند إلى مكة لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أغلق الليل أبوابه وانقطع الأثر اقبل القوم على علي يقذفونه بالحجارة ولا يشكون أنه رسول الله، حتى إذا قرب الفجر هجموا عليه وكانت دور مكة يومئذ لا أبواب لها، فلما بصر بهم علي قد انتضوا السيوف واقبلوا بها إليه أمامهم خالد بن الوليد وثب علي فهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل وأخذ سيف خالد وشد عليهم به فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار وبصروه فإذا هو علي فقالوا أنا لم نردك فما فعل صاحبك قال: لا علم لي به. وأمهل علي حتى إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين فقال صاحبه قد أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين فقال إني لا آخذهما ولا أحداهما إلا بالثمن قال: فهما لك بذلك، فأمر عليا فاقبضه الثمن ثم وصى عليا بحفظ ذمته وأداء أمانته، وكانت قريش تدعو محمدا صلى الله عليه وسلم في الجاهلية الأمين وتودعه أموالها وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والأمر كذلك فأمر عليا أن يقيم مناديا بالأبطح غدوة وعشية، إلا من كانت له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدى إليه أمانته، وقال أنهم لن يصلوا إليك بما تكرهه حتى تقدم علي، فاد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، وإني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أراد الهجرة معه من بني هاشم وغيرهم وقال له إذا قضيت ما أمرتك به فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله وانتظر قدوم كتابي إليك ولا تلبث بعده، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاث ليال ثم سار نحو المدينة حتى قاربها فنزل في بني عمرو بن عوف بقبا، وأراده صاحبه على دخول المدينة فقال ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي يعني عليا وفاطمة، ثم كتب إلى علي مع أبي واقد الليثي يأمره بالمسير إليه وكان قد أدى أماناته وفعل ما أوصاه به، فلما أتاه الكتاب ابتاع ركائب وتهيأ للخروج وامر من كان معه من ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا ليلا إلى ذي طوى.

هجرته إلى المدينة

وخرج علي بالفواطم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وزاد بعضهم فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو واقد الليثي الذي جاء بالكتاب. قال: الشيخ الطوسي في تتمة الخبر السابق: فجعل أبو واقد يسوق الرواحل سوقا حثيثا فقال علي إرفق بالنسوة يا أبا واقد إنهن من الضعائف قال: إني أخاف أن يدركنا الطلب قال: أربع عليك، ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يقول:

فلما قارب ضجنان أدركه الطلب وهم ثمانية فرسان ملثمون معهم مولى لحرب بن أمية اسمه جناح وكان قريشا لما فاتهم محمد صلى الله عليه وسلم وبطل كيدهم فيه ولم يقدروا عليه ثم رأوا أن عليا قد خرج من بينهم جهارا بالفواطم الهاشميات لاحقا بابن عمه اعدى أعدائهم وما هو إلا رجل واحد وهم عصبة أخذهم الحنق وهاجت بهم العداوة وقالوا كيف يخرج هذا الشاب الهاشمي المنفرد عن ناصر ابن عم محمد بنسائه ظاهرا غير هياب ولا نناله بسوء ولا نرده صاغرا، أن هذا لذل وعار علينا إلى الأبد، فانتخبوا من فرسانهم هؤلاء الثمانية ليلحقوه ويردوه فقال علي لأيمن وأبي واقد أنيخا الإبل وأعقلاها وتقدم فأنزل النسوة ودنا القوم فاستقبلهم علي (ع) منتضيا سيفه {والله أعلم كم كان خوف النسوة لما رأوا هذه الحال وكأنهن كن يتناجين هل يستطيع علي وهو رجل واحد راجل ليس بفارس مقاومة ثمانية فرسان فتارة يغلب عليهن اليأس ويبتهلن إلى الله تعالى أن ينصر عليا على عدوه وتارة يقلن أن عليا ملامح الشجاعة عليه ظاهرة بينة ولو لم يعلم أنه كفؤ لكل من يعارضه لما خرج بنا ظاهرا معلنا فيغلب عليهن الأمل} فقال الفرسان: ظننت أنك يا غدار ناج بالنسوة إرجع لا أبا لك (وهكذا يكون خطاب ثمانية فرسان لرجل واحد لا يظنون أنه يقدر على مقاومتهم قاسيا جافيا) قال: علي (ع) (مجيبا لهم جواب شخص غير مبال بهم ولا مكترث، جواب هادئ مطمئن): فإن لم أفعل؟ (فأجابوه بجواب كسابقه في القساوة والجفاء قالوا: لترجعن راغما أو لنرجعن بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك ودنوا من المطايا ليثوروها فحال علي (ع) بينهم وبينها فاهوى له جناح بسيفه فراغ عن ضربته رواغ عارف بالفنون الحربية ماهر فيها وهو بعد لم يباشر حربا قبلها وسنه لم يتجاوز العشرين أو تجاوزها بقليل) وضرب جناحا على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى كتف فرسه (وذلك أن عليا راجل وجناح فارس والفارس لا يمكنه ضرب الراجل بالسيف حتى ينحني ليصل سيفه إلى الراجل فلما انحنى جناح لم يمهله علي حتى يعتدل بل عاجله بأسرع من لمح البصر وهو منحن بضربة على عاتقه قبل أن يعتدل قدته نصفين، وهذا شيء لم يكن في حسبان جناح وأصحابه) وشد علي أصحابه وهو على قدميه شدة ضيغم وهو يقول:

فتفرق القوم عنه وقالوا: احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب قال: فاني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول الله فمن سره أن أفري لحمه وأريق دمه فليدن مني (وهنا هدأ روع النسوة وعلمن إنهن بصحبته في منجاة من كل خطر) وقد ذكرنا فيما مر المقايسة بين هذه الحال لما لحق عليا ثمانية فوارس وبين حال النبي صلى الله عليه وسلم لما لحقه ومن معه فارس واحد فراجع.

ثم اقبل علي (بعد قتله جناحا وفرار أصحابه) على أيمن وأبي واقد وقال لهما أطلقا مطاياكما ثم سار ظافرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلبث بها يومه وليلته ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين فيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات ليلته تلك هو والفواطم طورا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لا يفتر عن ذكر الله هو ومن معه حتى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} "إلى قوله": {فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} وتلي صلى الله عليه وسلم: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} وفي سيرة ابن هشام: أقام علي بن أبي طالب (ع) بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع ثم لحق به بقبا فأقام بها ليلة أو ليلتين. وفي السيرة الحلبية عن الإمتاع: لما قدم علي (ع) من مكة كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك. وفي أسد الغابة (وبسنده) عن أبي رافع في تتمة الخبر السابق قال: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يلحقه بالمدينة فخرج علي في طلبه بعد ما اخرج إليه له يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم بالمدينة فلما بلغ النبي قدومه قال: (ادعوا لي عليا) قيل يا رسول الله لا يقدر أن يمشي فاتاه النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وكانتا تقطران دما فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد.

السنة الأولى من الهجرة

وبعد ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومعه علي بن أبي طالب واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته كان علي معه وبقي في بيت أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى مسجده ومساكنه. قال: المفيد فانزله النبي صلى الله عليه وسلم عند وروده المدينة داره ولم يميزه من خاصة نفسه ولا احتشمه في باطن أمره وسره. ثم لما بنى مسجده وبنى لنفسه بيوتا حول المسجد اسكنها أزواجه بنى لعلي بيتا بجنب البيت الذي كانت تسكنه عائشة وسكنه علي وسكنت معه الزهراء لما تزوج بها، ولما بنى المسجد عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ومنهم علي وكان رجل من المهاجرين عليه ثياب بيض فكان يحيد عن الغبار محافظة على ثيابه، قال: ابن هشام في سيرته وارتجز علي بن أبي طالب:

#ومن يرى عن الغبار حائدا

فأخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يعرض به، وقد سمي ابن إسحاق الرجل، فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك (وفي يده عصا) فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، أن عمارا جلدة ما بين عيني وانفي" وهو موضع أكرم المواضع على الإنسان في وجهه الذي هو أكرم أعضاء البدن عليه وهما في السيرة الحلبية من أن الرجل الذي ظن أن عمارا يعرض به هو عثمان بن مظعون غير صحيح، ولو كان هو لما كتم ابن هشام اسمه واقتصر على قوله، وقد سمي ابن إسحاق الرجل بل هو سمي لابن مظعون ولما ارتجز علي بهذا الرجز لم يكن في وسعه أن يعارضه فلما أخذه عمار وكرر الارتجاز به رأى مجالا لمعارضة عمار لضعفه. وما في طبقات ابن سعد من أنه بعث من منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجته مخالف لما عليه عامة الرواة وللاعتبار.

المؤاخاة

في السيرة الحلبية: آخى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بين المهاجرين وآخى بين علي ونفسه وقال "أما ترضى أن أكون أخاك" قال: بلى يا رسول الله رضيت قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة. وإنكار ابن تيمية المؤاخاة بين المهاجرين لا سيما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي معتلا بأن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إنما جعلت لإرفاق بعضهم ببعض ولتأليف قلوبهم فلا معنى لمؤاخاة مهاجري لمهاجري لا يلتفت إليه لأنه كما قال: الحافظ ابن حجر رد للنص بالقياس ولأنه كما يطلب الإرفاق بين المهاجرين والأنصار، والأنصار بعضهم مع بعض، وتأليف قلوب بعضهم ببعض يطلب ذلك بين المهاجرين أنفسهم، وفي ذلك يقول الصفي الحلي:

وقال أبو تمام:

ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بعد الهجرة ثم بين عموم المسلمين من المهاجرين والأنصار، فقد تكون بين مهاجري ومهاجري، وأنصاري وأنصاري، ومهاجري وأنصاري واخذ بيد علي بن أبي طالب كما في السيرة الحلبية فقال (هذا أخي) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أخوين، قال: وفي رواية لما آخى بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت أخي في الدنيا والآخرة). أما الدكتور محمد حسين هيكل فاقتصر على قوله فكان هو وعلي بن أبي طالب أخوين وفلان وفلان أخوين الخ ولم يشر إلى ما في هذه المؤاخاة من مغزى كما هو مبنى كتابه وهي أولي بأن تكون رمزا إلى الميزة على سائر الناس وأنه لا كفؤ لمؤاخاته سواه وإلى الوزارة التي أثبتها قبل ذلك بقليل لغيره.

تزوجه بالزهراء ع

وقد مر مفصلا في سيرة الزهراء في الجزء الثاني مع ذكر مصادره فليرجع إليها من أراد، ونعيد هنا ما له تعلق بعلي (ع) بشيء من الاختصار وإن لزم بعض التكرار من دون ذكر المصادر لأنها تقدمت. وبعد ما استقرت قدم علي (ع) بالمدينة ونزل مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري كان من اللازم أن يقترن بزوجة وكان على النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه فهو شاب قد بلغ العشرين أو تجاوزها. والتزوج من السنة ومن أحق من النبي وعلي صلوات الله عليهم بأتباع السنة، ومن هي هذه الزوجة التي يخطبها علي ويقترن بها، ومن هي هذه الزوجة التي يختارها له النبي صلى الله عليه وسلم ويقضي بذلك حقه وحق أبيه أبي طالب؟ ليست إلا ابنة عمه فاطمة، فلا أكمل ولا أفضل منها في النساء، ولا أكمل ولا أفضل من علي في الرجال، إذا فتحتم على علي أن يختارها زوجة وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختارها له، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ". ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عند دخوله المدينة كان قد نزل في دار أبي أيوب الأنصاري وكان علي معه فيها كما مر، ولم يكن قد بنى لنفسه بيتا ولا لعلي ولذلك لم يزوج عليا أول وروده المدينة وانتظر بناء بيت له، ومع ذلك ففي بعض الروايات الآتية في آخر الكلام أنه زوجه بها بعد مقدمة المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر فيكون قد عقد له عليها وهو في دار أبي أيوب ودخل بها بعد خروجه من دار أبي أيوب بشهرين كما ستعرف، وخطبها أبو بكر ثم عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد أخرى فردهما فمرة يقول أنها صغيرة ومرة يقول انتظر بها القضاء.

وما كانت خطبتهما لها إلا لشدة الرغبة في نيل الشرف مع أنهما لا يحتملان الإجابة إلا احتمالا في غاية الضعف، وإلا فكيف يظنان أنه يزوجها أحدهما مع وجود أخيه وناصره وابن عمه الذي ليس عنده زوجة وأفضل أهل بيته وأصحابه، وهو بعد لم ينس فضل أبي طالب العظيم عليه، فلم يكن يتصور متصور أنه يزوجها غيره أو يرى لها كفؤا سواه، لكن شدة الرغبة والتهالك في شيء قد يدعو إلى التشبث في نيله بالأوهام، فقال نفر من الأنصار لعلي عندك فاطمة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال ما حاجتك قال: ذكرت فاطمة قال: مرحبا وأهلا فأخبر النفر بذلك قالوا يكفيك أحدهما أعطاك الأهل أعطاك المرحب. ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: "إن عليا يذكرك وهو ممن عرفت قرابته وفضله في الإسلام وإني سالت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه"، فسكتت فقال: "الله أكبر سكوتها اقرارها". وفي الشريعة الإسلامية أنه يكفي في رضا البكر السكوت ولا يكفي في الثيب إلا الكلام، وكيف لا تسكت فاطمة ولا ترضى وهي قد عرفت عليا في صغره وشبابه ودرست أخلاقه وأحواله درسا كافيا فإنه تربى معها وفي بيت أبيها مع ذكائها وفطنتها وكونها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تربت في حجره واقتبست من خلقه وعلمه وابنة خديجة عاقلة النساء ونضلاهن وقد صاحبت فاطمة عليا (ع) في هجرتها من مكة إلى المدينة ورأت بعينها شجاعته الخارقة حين لحقه الفوارس الثمانية وكيف قتل جناحهم فقده من كتفه إلى قربوس فرسه وهرب أصحابه أذلاء صاغرين، وعرفت كيف كانت محافظته عليها وعلى رفيقاتها الفواطم الهاشميات في ذلك السفر وحنوه عليها وعليهن ورفقه بها وبهن، وأنه لو كان معها أبوها لم يزد عليه في ذلك حتى أنه لم يرض أن يسوق بهن أبو واقد سوقا حثيثا في ساعة الخطر وأمره بالرفق ولم يبال بذلك الخطر واستهانه ولم يحفل به اعتمادا على شجاعته وبطشه وتأييد الله له فهل يمكن أن تتردد في الرضا بأن يكون لها بعلا وتكون له زوجة، وتحقق بذلك صدق أبيها في أنه لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ على وجه الأرض، وإنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم باستشارتها الجري على السنة وتعليم أمته أن تستأمر المرأة عند إرادة تزويجها وان لا يستبدوا بها وإظهار كرامة المرأة في استشارتها حتى لو كان أبوها سيد الأنبياء وخاطبها علي بن أبي طالب سيد الأمة بعد أبيها وبيانا لخطأ أهل الجاهلية في استبدادهم بالمرأة.

خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند تزويجه فاطمة من علي (ع)

الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب إليه فيما عنده النافذ أمره في أرضه وسمائه الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم أن الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وشج بها الأرحام وألزمها الأنام فقال تبارك اسمه وتعالى جده {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا} ثم أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي وإني أشهد أني قد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة أرضيت قال: قد رضيت يا رسول الله ثم خر ساجدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله عليكما وبارك فيكما واسعد جدكما وجمع بينكما واخرج منكما الكثير الطيب". قال: أنس والله لقد اخرج منهما الكثير الطيب.

خطبة علي عند تزويجه بفاطمة (ع)

الحمد لله الذي قرب حامديه ودنا من سائليه ووعد الجنة من يتقيه وانذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم إحسانه وأياديه حمد من يعلم أنه خالقه وباريه ومميته ومحييه وسائله عن مساويه ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تزلفه وتحظيه وترفعه وتصطفيه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم فاسألوه واشهدوا قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن وقد رضيت بما رضي الله فنعم الختن أنت ونعم الصاحب أنت وكفاك برضى الله رضى" ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطبق تمر وأمر بنهبه. تفديك يا سيدة النساء كل امرأة أظلتها السماء ما ضرك وأنت ابنة سيد الأنبياء ومخطوبة سيد الأوصياء وخير امرأة ولدتها حواء أن تكون حلوى تزويجك طبق تمر تواضعا مع الفقراء وتباعدا عن الكبرياء وسرف الأغنياء، وهل كان ما ينهب في تزويج بنات الملوك والأمراء من أنواع الحلوى الفاخرة النفيسة جاعلا قدرهن مدانيا لقدرك وملحقا شاوهن بشاوك كلا فقد انخفض شأن بوران وازميدخت ابنة ساسان، وزبيدة ابنة جعفر الذي كان مبنيا على السطوة والسلطان ولم ينفعهن ما أنهب في تزويجهن من فاخر الحلوى ونفيسها وبقي شأنك يا درة الكون عاليا ساميا متلألئا في جبين الدهر ما بقي الدهر.

قدر مهر الزهراء (ع)

والروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء (ع) والصواب أنه كان خمسمائة درهم اثنتي عشرة أوقية ونصفا والأوقية أربعون درهما لأنه مهر السنة كما ثبت من طريق أهل البيت (ع) وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعدوه في تزويج علي بفاطمة، وتدل عليه روايات كثيرة ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره علي (ع) في خطبته السابقة، أما ما دلت عليه خطبة النبي صلى الله عليه وسلم المتقدمة من أنه أربعمائة مثقال فهو يقتضي أن يكون أكثر من خمسمائة درهم لأن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم وقيل كان أربعمائة وثمانين درهما حكاه في الاستيعاب ويدل عليه قول الحسين (ع) في خبر خطبة مروان أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية: لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما وفي رواية أن عليا (ع) باع بعيرا له بذلك المقدار وفي أخرى أن المهر كان درع حديد تسمى الحطمية فباعها بهذا المقدار وفي ثالثة أنه كان درع حديد وبردا خلقا والظاهر أنه باع ذلك ودفعه في المهر كما تدل عليه بعض الروايات لا أن ذلك بعينه كان مهرا. فليعلم الذين يغالون في المهور أنهم قد خالفوا السنة النبوية.

جهاز الزهراء عند تزويجها

فجاء علي بالدراهم فصبها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب اهتماما بأمر الطيب وثلثها في الثياب وقبض قبضة كانت ثلاثة وستين أو ستة وستين لمتاع البيت ودفع الباقي إلى أم سلمة فقال أبقيه عندك، وأرسل أبا بكر وقال ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار وعدة من أصحابه فكانوا يعرضون الشيءعلى أبي بكر فان استصلحه اشتروه. بأبي أنت وأمي يا رسول الله بلغ منتمامك بجهاز فاطمة عند تزويجها أن ترسل جماعة من أصحابك برئاسة أبي بكر لشراء جهازها وما يبلغ ما أعطيتهم من المال لشراء الجهاز سواء أكان الثلث من خمسمائة درهم أم أقل أم كان قبضة بكلتا يديك كما في بعض الأخبار. هذه فاطمة وهذا علي لا تزيدهما كثرة المال شرفا ولا تنقص قلته من شرفهما، هي سيدة النساء وهو سيد الرجال، فما يصنعان بالمال وما يصنع بهما. فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم وخمار بأربعة دراهم وقطيفة سوداء خيبرية (وهي دثار له خمل) وسرير مزمل (ملفوف) بشريط (خوص مفتول) وفراشان من خيش مصر (وهو مشاقة الكتان) حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم وأربع مرافق (متكآت) من أدم الطائف (والأدم الجلد) حشوها إذخر (نبات طيب الرائحة) وستر رقيق من صوف وحصير هجري (معمول بهجر قرية بالبحرين) ورحى لليد. ومخضب من نحاس (إناء لغسل الثياب) وسقاء من أدم (قربة صغيرة) وقعب (قدح من خشب) للبن وشن للماء (قربة صغيرة عتيقة لتبريد الماء) ومطهرة (إناء يتطهر به) مزفتة وجرة خضراء وكيزان خزف ونطع من أدم (بساط من جلد) وعباءة قطوانية (وهي عباءة قصيرة الخمل معمولة بقطوان موضع بالكوفة) وقربة للماء. فلما وضع ذلك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم جعل يقلبه بيده ويقول اللهم بارك لأهل البيت، وفي رواية أنه بكى وقال اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف. ولم يكن بكاؤه أسفا على ما فاتهم من زخارف الدنيا الفانية ولكنها رقة طبيعية تعرض للوالد في مثل هذه الحال وكان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين ونصب خشبة من حائط إلى حائط وبسطاب كبش ومخدة ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح. هكذا كان جهاز سيدة النساء وجهاز بيت سيد الأوصياء، وهو مما يدلنا على هوان الدنيا على الله، وما ضر عليا وفاطمة ولا أنقص من عزهما أن يكون جهاز فاطمة في عرسها قميص بسبعة دراهم وخمار بأربعة وقطيفة سوداء لكنها خيبرية وعباءة بيضاء لكنها قطوانية وحصير لكنه هجري، ولا بد أن يكون ما صنع بخيبر أجود مما يصنع بالمدينة، وما صنع بقطوان وهجر أجود مما يصنع بالحجاز، فلذلك اختيرت هذه لجهاز العرس، وسرير من جريد النخل لا من ساج ولا آبنوس ولا شيء من المعادن، مشبك بخوص النخل المفتول ولم يزين بعاج ولا ذهب ولا فضة، وفراشان من مشاقة الكتان حشو أحدهما ليف، ومتكات من الجلود محشوة بنبات الأرض، ونطع من جلد لا من طنافس إيران، وستر من صوف، ورحى لتطحن بها سيدة النساء لقوتها وقوت علي وقد يساعدها علي على الطحن، وإناء نحاس لتغسل فيه الثياب وربما عجنت فيه، وقربة صغيرة وأخرى كبيرة لتستقي بها، وقربة صغيرة عتيقة لتبريد الماء، ووعاء مصنوع من ورق النخل مزفت تغسل به يديها ويدي ابن عمها، وقدح من خشب لا من الصيني، وجرة لكنها خضراء والخضراء أجود من سواها ولذلك أختيرت لجهاز العرس، وكيزان من الفخار، ولم يكن في جهازها أساور ولا أقراط من ذهب ولا فضة ولا عقود من جواهر أو لؤلؤ بل تزينت بحلي مستعار وأن يكون تجهيز علي بيته المعد لعرسه بفرش رمل في داره لكنه لين لا خشن طبعا لأنه معد للعرس فلا يناسب أن يكون خشنا، ونصب خشبة من حائط إلى حائط لتعليق الثياب فهي ثياب العرس لا يوافق أن توضع على الأرض، وبسط جلد كبش ومخدة ليف وقربة ومنخل لتنخل به الزهراء الدقيق الذي تطحنه ومنشفة وقدح، ويمكن أن هذه كلها كانت عنده وهي أثاث بيته ولم يشتر منها شيئا ولذلك لم يكتف بالقربة التي كانت في جهاز الزهراء وهو (ع) قد باع درعه لأداء المهر فلم يكن عنده شيء من المال لشراء شئ. ماضر عليا وفاطمة ولا انقص من عزهما أن يكون جهاز عرسهما ما ذكرناه وهو سيد الأوصياء وهي سيدة النساء ابنة سيد الأنبياء.

زفاف الزهراء على علي (ع)

فلما كان بعد نحو من شهر قال: جعفر وعقيل لأخيهما علي أو عقيل وحده إلا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليك قال: الحياء يمنعني، فاقسم عليه أن يقوم معه فقاما وأعلما أم أيمن فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها وأعلمت نساء النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمعن عنده وقلن فديناك بآبائنا وأمهاتنا أنا قد اجتمعنا لأمر لو كانت خديجة في الأحياء لقرت عينها، قالت أم سلمة فلما ذكرنا خديجة بكى وقال: خديجة وأين مثل خديجة صدقتني حين كذبني الناس ووازرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها، أن الله عز وجل أمرنى أن ابشر خديجة ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب، قالت أم سلمة فديناك بآبائنا وأمهاتنا أنك لم تذكر من خديجة أمرا إلا وقد كانت كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته، يا رسول الله هذا أخوك وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن تدخل عليه زوجته قال:" حبا وكرامة"، فدعا بعلي فدخل وهو مطرق حياء وقمن أزواجه فدخلن البيت فقال:" أتحب أن ادخل عليك زوجتك" فقال وهو مطرق: أجل فداك أبي وأمي فقال: "ادخلها عليك أن شاء الله" ثم التفت إلى النساء وقال: "من ها هنا "فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب وفلانة وفلانة فأمرهن أن يزين فاطمة ويطيبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة وأن يفرشن لها بيتا كان قد هياه علي (ع) بالأجرة وكان بعيدا عن بيت النبي صلى الله عليه وسلم قليلا فلما بنى بها حوله إلى بيت قريب منه ففعلن النسوة ما امرهن وعلقن عليها من حليهن وطيبنها. فانظر في هذا الخبر تجد أن أم سلمة كانت المقدمة في هذا الأمر فأم أيمن جاءت إليها ولم يذكر اسم امرأة غيرها وهي وحدها كانت المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن خديجة والمثنية عليها والمسلية عنها بأسلوبها البديع الرقيق وهي التي خاطبته في شأن ادخال الزهراء على علي (ع) وتوسلت إليه بما يوجب الرقة والعطف من قولها أخوك وابن عمك في النسب، ولما قال للنساء:" من هاهنا" كانت هي المجيبة وكان اصلاح شأن الزهراء في حجرتها ودفع إليها ما بقي من المهر وقال أبقيه عندك.

وقارن بين هذا وبين قول بعض أمهات المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر خديجة فأثنى عليها فتناولتها بالذم وقالت ما كانت إلا عجوزا حمراء الشدقين وقد أبدلك الله خيرا منها، فأخذتها الغيرة منها بعد وفاتها كما أخبرت عن نفسها ولم تدرك زمانها والغيرة تنطفي جمرتها بعد الوفاة عادة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اهتز مقدم شعره من الغضب وقال:"لا والله ما أبدلني الله خيرا منها" "الحديث" ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وكنى عن بعض ألفاظه بكذا وكذا والظاهر أن ذلك من الطابعين لا من ابن عبد البر، وبما مر من فعل أم سلمة يبطل اعتذار البعض عن عداوة بعض أمهات المؤمنين لعلي بأنه زوج الزهراء التي هي بنت زوجها، وعداوة المرأة لبنت زوجها من طباع البشر، وتسربت العداوة إلى زوج بنت زوجها، فيا ليت شعري لم لم تكن هذه الطبيعة البشرية في أم سلمة، ألم تكن من البشر؟.

وليمة العرس

وجاءت الهدايا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" وكأني بالمسلمين من المهاجرين والأنصار لما سمعوا بهذا الزفاف قالوا هذا نبيكم سيد الأنبياء الذي أنقذكم الله به من الضلالة إلى الهدى يريد أن يزف ابنته سيدة النساء إلى ابن عمه أعز الناس عليه وأكثرهم جهادا بين يديه فأعينوه على وليمة العرس فاهدوا له البر والسمن والبقر والغنم وغيرها" فأمر بطحن البر وخبزه وأمر عليا بذبح البقر والغنم فلما فرغوا من الطبخ أمر أن ينادى على رأس داره أجيبوا رسول الله فبسط النطوع في المسجد فأكل الناس وكانوا أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة ثم دعا بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه ثم أخذ صحفة فقال:"هذه لفاطمة وبعلها". ويظهر أن الطعام كان مقصورا على الثريد من الخبز واللحم.

كيفية الزفاف

فلما كانت ليلة الزفاف أتى ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة اركبي فاركبها وأمر سلمان أن يقود بها ومشى صلى الله عليه وسلم خلفها ومعه حمزة وجعفر وعقيل وبنو هاشم مشهرين سيوفهم ونساء النبي صلى الله عليه وسلم قدامها يرجزن وأمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة وان يفرحن ويرزجن ويكبرن ويحمدن ولا يقلن ما لا يرضي الله.

ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم انفذ إلى علي فدعاه ثم هتف بفاطمة، فأخذ عليا بيمينه وفاطمة بشماله وضمهما إلى صدره فقبل بين أعينهما واخذ بيد فاطمة فوضعها في يد علي وقال:" بارك الله لك في ابنة رسول الله" وقال:" يا علي نعم الزوجة زوجتك" وقال:" يا فاطمة نعم البعل بعلك" ثم قال لهما: "اذهبا إلى بيتكما جمع الله بينكما وأصلح بالكما" وقام يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما. وقال:" لا تهيجا شيئا حتى آتيكما" وجلس علي في البيت وفيه أمهات المؤمنين وبينهن وبين علي حجاب وجلست فاطمة مع النساء ثم اقبل النبي فدخل وخرج النساء مسرعات سوى أسماء بنت عميس وكانت قد حضرت وفاة خديجة فبكت خديجة عند وفاتها فقالت لها أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ومبشرة على لسانه بالجنة فقالت ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها وفاطمة حديثة عهد بصبا وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ، قالت أسماء بنت عميس: فقلت لها يا سيدتي لك عهد الله أن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر، فلما كانت تلك الليلة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج فخرجن وبقيت فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال:" من أنت: فقلت: أسماء بنت عميس قال: "ألم آمرك أن تخرجي" قلت: بلى يا رسول الله وما قصدت خلافك ولكن أعطيت خديجة عهدا فحدثته فبكى وقال:"أسال الله أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ناوليني المركن واملأيه ماء" فملأ فاه ثم مجه فيه ثم قال: "إنهما مني وأنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني تطهيرا فطهرهما" ثم أمرها أن تشرب منه وتتمضمض وتستنشق وتتوضأ ثم دعا بمركن آخر وصنع كالأول. وقال: "اللهم إنهما أحب الخلق إلي فأحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك حافظا واني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم"، ودعا لفاطمة فقال اذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيرا وقال "مرحبا ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان"، وقال "اللهم أن هذه ابنتي وأحب الخلق إلي، وهذا أخي وأحب الخلق إلي اللهم اجعله لك وليا وبك حفيا وبارك له في أهله" ثم قال: "ياعلي ادخل باهلك بارك الله تعالى لك ورحمة الله وبركاته عليكم أنه حميد مجيد"، ثم خرج من عندهما فاخذ بعضادتي الباب فقال طهركما الله وطهر نسلكما أنا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما استودعكما الله واستخلفه عليكما ثم أغلق عليهما الباب بيده ولم يزل يدعو لهما حتى توأرى في حجرته ولم يشرك معهما أحدا في الدعاء.

الشك في حضور أسماء بنت عميس زفاف الزهراء

ثم أنه قد ذكر حملة من المؤرخين جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس مكررا في خبر تزويج فاطمة كما سمعت مع أن جعفر وأسماء كانا بالحبشة يومئذ مهاجرين وإنما جاء جعفر وزوجته أسماء من الحبشة بعد فتح خيبر. قال: محمد بن يوسف الكنحي الشافعي في كتابه كفاية الطالب: أن ذكر أسماء بنت عميس في خبر تزويج فاطمة (ع) غير صحيح لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة إنما هي بنت يزيد بن السكن الأنصارية ولها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع وكان زواج فاطمة بعد بدر بأيام يسيرة واشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن بأن يكون الراوي ذكر أسماء فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لشهرتها إلا أن آخر الحديث ينافي ذلك لأن فيه أنها حضرت وفاة خديجة وخديجة توفيت بمكة قبل الهجرة وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة ولم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة مع أن هذا أن رفع الأشكال في أسماء لم يرفعه في جعفر الذي كرر مرتين ذكره واحتمل في كشف الغمة أن تكون التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أخت أسماء وزوجة حمزة وأن يكون بعض الرواة اشتبه بأسماء لشهرتها، وهذا أيضا أن رفع الأشكال في أسماء لا يرفعه في جعفر إلا أن يقال لما حصل الاشتباه في أسماء حصل الاشتباه في جعفر فجعل موضع حمزة والله أعلم.

هكذا كان زفاف فاطمة إلى علي (ع) فيا له من زفاف عظيم باهر تجلت فيه العزة والعظمة والهيبة لا يستطيع الواصف أن يصف مبلغ عظمته وأبهته وجلاله وهيبته مهما بالغ وأطنب. فهنيئا لك يا أبا الحسن ويا نخبة الكون وهنيئا لك يا سيدة النساء بهذا العرس المبجل المفخم العزيز الذي لم ينل أحد قبلكما ولا بعدكما مثله. للمؤلف:

أمر لا ينقضي منه العجب

بقي علينا أن نذكر في المقام أمرا لا يكاد ينقضي منه العجب وهو أن من زفها سيد المرسلين مع بني هاشم وأصحابه ونساء المؤمنين واحتفل في زفافها هذا الاحتفال العظيم كانت حرية أن يحتفل بتشييعها عند وفاتها بمثل هذا الاحتفال أو أعظم، ولكنها دفنت في الليل سرا وعفي قبرها ولم يعلم موضعه على التحقيق إلى اليوم فتزار في ثلاثة مواضع ولم يشهد جنازتها إلا علي وولداها ونفر من بني هاشم ونفر قليل من الصحابة.

سنة تزويج علي بفاطمة

وقد اختلف في سنة تزويج علي بفاطمة فقيل بعد الهجرة بسنة وقيل بسنتين وقيل بثلاث وقال ابن الأثير قيل أن علي بن أبي طالب بنى بفاطمة على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة. وروى ابن سعد في الطبقات أن تزوجه بها كان بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر، وبدر كانت على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة. فيكون قد عقد له النبي صلى الله عليه وسلم عليها وهو في دار أبي أيوب ودخل بها بعد خروجه من داربي أيوب بشهرين لأنه بقي في دار أبي أيوب سبعة أشهر فاخر دخوله إلى أن بني بيتا له ولعلي.

أخباره في غزواته في عهد النبي

صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة

قال: كل من كتب في التاريخ والآثار والسير أنه لم يتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في موطن قط إلا في غزاة تبوك لأنه علم أنه ليس فيها حرب فخلفه على المدينة فعلم من ذلك وجوده في جميع الغزوات وإن كانت غير مهمة، كما أن أكثرهم قال: أنه كان صاحب الراية في جميع الغزوات وهو الذي يقتضيه الاعتبار، فكيف تساعد عليا نفسه أن يتخلف عنه في شدة ولو قلت وكيف تساعد الرسول نفسه أن يدفع الراية لغير علي وهو أشجع من معه إلا أن يدفعها نادرا إلى حمزة أسد الله وأسد رسوله. ثم أن أخباره في الغزوات المهمة قد تقدمت في الجزء الثاني مفصلة ونذكر هنا منها ما له تعلق به (ع) سواء أكنا ذكرناه فيما سبق أم لا وان لزم شيء من التكرار لتكون أخباره متتالية متتابعة بحسب السنين وإن كان بعضها مما ليس مهما متقدما في التاريخ عما قدمناه من تزوجه بالزهراء (ع) كالغزوات التي قبل بدر، لأننا أردنا أن تكون غزواته في نسق واحد.

الأولى غزوة ودان أو الأبواء

وكانت في صفر لاثنتي عشرة ليلة مضت منه على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة وهي أول غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وأول غزوة حمل فيها راية مع النبي ص، خرج النبي في ستين راكبا من المهاجرين فيهم علي (ع) يريد عيرا لقريش فلم يلق حربا وكانت رايته مع علي (ع) فيما رواه المفيد مسندا عن أبي البختري القرشي وكان لواؤه مع حمزة بن عبد المطلب فيما قاله ابن سعد في الطبقات ولا منافاة فالراية العلم الأكبر واللواء دونها.

وبعدها غزوة بواط وبدر الأولى في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة ولم يصرح المؤرخون بان عليا كان في الأولى ولا أن رايته كانت معه ولا مع غيره لكن قول المؤرخين أنه لم يتخلف عنه في موطن إلا في تبوك وكان صاحب رايته يدل على ذلك وصرحوا بأن لواءه في الثانية كان مع علي بن أبي طالب وهو لواء أبيض.

وبعدها غزوة العشيرة بالتصغير على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة ولم يصرحوا بوجوده فيها ولا بحمله الراية وقالوا أن اللواء كان مع حمزة وتعميمهم السابق يدل على وجوده فيها ويمكن كون الراية معه واللواء مع حمزة كما مر في غزوة ودان. وبعدها.

أخباره في غزوة بدر الكبرى

وكانت في شهر رمضان يوم تسعة عشر أو سبعة عشر منه على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة ومر بيان سببها في الجزء الثاني ونذكر هنا ما له علاقة بأخبار علي صلى الله عليه وسلم مما قد تقدم أو لم يتقدم وقد نذكر غير ذلك مما لم يتقدم. كان المسلمون فيها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ومعهم فرسان وسبعون بعيرا فكان الرجلان والأكثر يتعاقبون بعيرا وأحدا وكان النبي صلى الله عليه وسلم وعلي (ع) ومرثد بن أبي مرثد يتعاقبون بعيرا لمرثد وقال ابن الأثير كان ثالثهم زيد بن حارثة وكان المشركون تسعمائة وخمسين أو عشرين مقاتلا وقادوا مائتي فرس وقيل أربعمائة والإبل سبعمائة بعير وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم رايته في هذه الغزاة إلى علي (ع) كما في غيرها من الغزوات ومرت رواية الاستيعاب عن تاريخ السراج (وبسنده) عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة وفي السيرة الحلبية عن ابن عباس مثله وقال ابن الأثير كان لواؤه ورايته مع علي بن أبي طالب. وفي السيرة النبوية لدحلان عقد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لواء أبيض ودفعه لمصعب بن عمير وكان أمامه صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان أحداهما مع علي بن أبي طالب والأخرى مع سعد بن معاذ وقيل مع الحباب بن المنذر وفي السيرة الحلبية أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع اللواء يوم بدر وكان أبيض إلى مصعب بن عمير وكان أمامه رايتان سوداوان أحداهما مع علي بن أبي طالب ويقال لها العقاب. وفيها أيضا عن الإمتاع أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الألوية يوم بدر وهي ثلاثة: لواء يحمله مصعب بن عمير ورايتان سوداوان أحداهما مع علي والأخرى مع رجل من الأنصار والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها وما يتوهم من كلام بعضل اللغة من اتحادهما مردود بتصريح غيره مما ذكرناه نعم قد يطلق أحدهما على الآخر أو على الأعم باعتبار أن الراية تسمى لواء أيضا وقد يفسر أحدهما بالآخر في كلام أهل اللغة الذين كثيرا ما يفسرون بالأعم، كما أن ما يحكى عن ابن سعد وابن اسحق من أن الرايات حدثت يوم خيبر مردود بهذه الروايات وبما تقدم في غزوة ودان وبدر الأولى وغزوة العشيرة. وقد علم مما مر أن راية المهاجرين في غزوة بدر كانت مع علي (ع) وان لواءهم كان مع مصعب بن عمير وان لواء الخزرج من الأنصار كان مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ. وفي السيرة الحلبية التصريح بذلك، وحينئذ فتكون الراية واحدة والألوية ثلاثة، وهو الموافق للاعتبار فإن الراية العظمى يجب أن تكون بيد علي (ع) لأنها لا تعطى إلا لمتميز في الشجاعة، وعلي وإن كان من المهاجرين إلا أن كونه صاحب الراية يجعله الرئيس على الجميع، فاستحسن أن يكون للمهاجرين لواء أيضا فأعطي لمصعب بن عمير، وجعل للأنصار لواءان أحدهما للخزرج مع الحباب والآخر للأوس مع سعد. وسار النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى كان قريبا من الصفراء وهي قرية لجهينة على مرحلة من بدر فأرسل رجلين من جهينة يتجسسان له خبر أبي سفيان والعير وأرسل عليا والزبير وسعدا إلى بدر يلتمسون له الخبر لأن بدرا منهل بطريق القادم من الشام إلى مكة فلا بد أن يردها أبو سفيان وسار هو نحو بدر حتى قاربها فجاءه الجهنيان وأخبراه أن العير قد قاربت بدرا ولم يكن عنده علم بمسير قريش لمنع غيرهم، ووصل علي ومن معه إلى بدر فوجدوا سقاة قريش فاخذوا منهم رجلين فجاءوا بهما والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فسألهما أصحابه فقالوا نحن سقاة قريش فضربوهما لأنهم يحبون أن يكونا سقاة أبي سفيان الذي معه العير وفيها الأموال ليغنموها وكرهوا أن يكونا سقاة قريش الذين جاءوا للحرب، والغنيمة الباردة أحب إلى النفوس من الحرب الشاقة فقالوا نحن لأبي سفيان فتركوهما ولما فرع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: "إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتوهما"، ثم سألهما عن قريش فقالا هم وراء هذا الكثيب بالعدوة القصوى، فسألهما عن عددهم فقالا: لا ندري فقال "كم ينحرون" قالا يوما تسعة أباعر ويوما عشرة قال: القوم بين التسعمائة والألف، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء فنزل بأدنى ماء من بدر، وقال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله هذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخره أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال: فان هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلى أدنى مياه القوم فاني عالم بها وان بها قليبا قد عرفت عذوبة مائه وغزارته ثم نبني لنا حوضا ونملؤه ماء ونقذف فيه بالآنية فنشرب ولا يشربون فارتحلوا وبنوا حوضا وملأوه في السحر ماء وقذفوا فيه الآنية وكان هذا تدبيرا سديدا ليشرب العطشان من الحوض بسهولة إذا عاد من القتال ولا يتكلف الاستقاء من البئر ولا الشرب من قربة أو سقاء، وهذا صريح في أنه كان ببدر عدة قلبان لا قليب واحد، ومنه يعلم الجواب لمن لم يظهر له وجه الحكمة في القاء النبي صلى الله عليه وسلم قتلى المشركين في القليب بعد الفراع من الوقعة الذي يفسد على أهل بدر والسابلة ماءهم فان إفساد ماء قليب بدر إنما يضر إذا لم يكن إلا قليب واحد ولكنها قلبان كثيرة لا يضر إفساد واحد منها ومبطل لتوهم الدكتور محمد حسين هيكل أنه حفر حفرة وألقاهم فيها مع أن الحفرة لا تسمى قليبا كما بيناه في الجزء الثاني، وقد صرح بذلك الواقدي حيث قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بالقليب أن تغور ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها. وامتاز علي (ع) في ذلك بميزة لم يشاركه فيها أحد فقد ذكر أهل الأخبار أنه متح في ذلك الحوض كثيرا ولا غرو فهو صاحب القوة والأيد وهو من شبابه في ريعانه مع نفاذ بصيرته وقوة إيمانه. ثم اصطفت الصفوف وتهيئوا للقتال فأول من برز من صف المشركين عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة ودعوا إلى المبارزة فبرز إليهم فتيان ثلاثة من الأنصار وهم معاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث ويقال لهم بنو عفراء فلم يرضوا أن يبارزوهم عتوا واستكبارا ورأوا أنهم غير أكفاء لهم وقالوا لهم ارجعوا فما لنا بكم من حاجة ونادوا يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال لعبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف ولحمزة بن عبد المطلب ولعلي بن أبي طالب: "قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره"، فبرزوا فقال عتبة تكلموا نعرفكم فان كنتم أكفاءنا قاتلناكم وكان عليهم البيض فلم يعرفوهم فقال حمزة أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله فقال عتبة كفو كريم وأنا أسد الحلفاء بضم الحاء وفتح اللام أي الأحلاف أو الحلفاء بفتح الحاء وسكون اللام أي الأجمة. ومن هذان معك قال: علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب قال: كفوان كريمان، فبارز علي الوليد وكانا أصغر القوم وبارز عبيدة شيبة وهما أسن القوم ولعبيدة سبعون سنة وبارز حمزة عتبة وهما أوسط القوم سنا. ومن الطبيعي أن يبارز الرجل من يناسبه في السن، هذه رواية الواقدي والمفيد في الإرشاد. وقال ابن سعد في الطبقات: الثبت أن حمزة بارز عتبة وان عبيدة بارز شيبة، وروى ابن إسحاق في المغازي أن عبيدة بارز عتبة وحمزة بارز شيبة، وقال ابن أبي الحديد لمن روى ذلك أن ينتصر بقول هند بنت عتبة ترثي أباها:

وذلك لان عبيدة من بني المطلب أثبت عتبة عليه ودفف عليه علي وحمزة قال: وهو الموافق لما يذكره أمير المؤمنين في كتبه بقوله لمعاوية: وعندي السيف الذي أعضضت به أخاك وخالك وجدك، وقوله: قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك. أخوه حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة، وعندي أنه لا دلالة في هذا الكلام على ذلك فهو قد قتل عتبة أو شرك في قتله سواء أكان المبارز له حمزة ووضع رأسه في صدره كما في إحدى الروايتين أم عبيدة كما في الرواية الأخرى فإنه كر هو وحمزة فأجهزا عليه. وأما شعر هند فمحمول على نحو من التوسع فإذا كان بنو هاشم وبنو المطلب تداعوا له ولمن معه صح أن يقال توسعا تداعى له بنو هاشم وبنو المطلب وصح أن يقال يذيقونه حر أسيافهم باعتبار أن بعضهم أو أكثرهم يذيقونه ذلك. أما علي والوليد فاختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد عليا لأنه بمهارته في الحرب مع أن هذه أول حروبه حاد عن الضربة فأخطأته كما حاد عن ضربة جناح يوم الهجرة فأخطأته ضربته وضربه علي على حبل عاتقه الأيسر أو الأيمن على اختلاف النقلين فاخرج السيف من إبطه وقد سبق له أن ضرب جناحا يوم هجرته على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى كتف فرسه ومن ذلك اليوم قيل فيه أن ضرباته كانت وترا إذا علا قد وإذا اعترض قط وفي بعض الروايات أن عليا قال: فاخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض ثم ضربه ضربة أخرى فصرعه وهذا يدل على أن الضربة الأولى قطعت يده وخرجت من إبطه الأيمن فقطعت اليد وحدها من الإبط فتناولها بيساره وضربه بها وقد ذكرنا في الجزء الثاني في وقعة بدر أن الصواب أنه ضربه على عاتقه الأيسر لأن الضارب إنما يضرب بيده اليمنى ومقابل الأيمن إنما هو الأيسر وان القول بأنه ضربه على عاتقه الأيمن غلط وروى المفيد في الإرشاد عن علي بن هاشم عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أن عليا والوليد اختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين فأبانتها فهذا صريح في أن الضرب كان على الجانب الأيسر كما مر ثم قال: المفيد فروي أن عليا (ع) كان يذكر بدرا وقتله الوليد فقال في حديثه كأني انظر إلى وميض خاتمه في شماله ثم ضربته ضربة أخرى فصرعته وسلبته فرأيت به ردعا من خلوق فعلمت أنه قريب عهد بعرس وأما حمزة وعتبة فقيل أن حمزة لم يمهل عتبة أن قتله وقيل تضاربا بالسيفين حتى انثلما واعتنقا فصاح المسلمون يا علي أما ترى الكلب قد بهر عمك حمزة وكان حمزة أطول من عتبة فقال علي يا عم طأطئ رأسك فادخل حمزة رأسه في صدر عتبة فضرب علي عتبة فطرح نصفه فكانت ضربته هذه من الضربات التي إذا اعترض بها قط. وأما عبيدة وشيبة فاختلفا ضربتين فضربه عبيدة على رأسه ضربة فلقت هامته وضربه شيبة على ساقه فقطعها وسقطا جميعا وكر حمزة وعلي على شيبة فأجهزا عليه وحملا عبيدة إلى المعسكر. وذلت قريش بمقتل هؤلاء الثلاثة وظهرت إمارات النصر للمسلمين عليهم وقد قتل علي أحدهم وشرك في قتل الباقين وإلى ذلك وأمثاله يشير أمير المؤمنين (ع) في بعض خطبه بقوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحمر الباس وأحجم لناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر وقتل حمزة يوم أحد وقتل جعفر يوم مؤتة وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ولكن آجالهم عجلت ومنيته أجلت وإلى ذلك وغيره تشير الزهراء (ع) بقولها في بعض خطبها السابقة: فأنقذكم الله بأبي بعد اللتيا والتي بعد أن مني بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مجدا كادحا وأنتم في بلهنية من العيش وادعون فاكهون آمنون تنكصون عند النزال وتفرون من القتال. وروى الحاكم في المستدرك وقال صحيح ولم يخرجاه وصححه الذهبي في التلخيص عن علي قال: نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} في الذين بارزوا يوم بدر حمزة بن عبد المطلب وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة قال: علي وأنا أول من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة وروى المفيد في الإرشاد (وبسنده) عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: قال: أمير المؤمنين (ع) اقبل إلي حنظلة بن أبي سفيان فلما دنا مني ضربته ضربة بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلا. واقبل العاص بن سعيد ابن العاص يبحث للقتال فبارزه علي فقتله بعد ما أحجم عنه غيره. روى المفيد في الإرشاد (وبسنده) عن صالح بن كيسان أن ابنه سعيد بن العاص دخل على عمر في خلافته فجلس ناحية قال: سعيد فنظر إلي عمر وقال ما لي أراك كان في نفسك علي شيئا أتظن إني قتلت أباك والله لوددت إني كنت قتلته ولو قتلته لم اعتذر من قتل كافر ولكني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فهبته ورغت عنه فقال لي إلى أين يا ابن الخطاب وصمد له علي فتناوله فوالله ما رمت مكاني حتى قتله وكان علي حاضرا في المجلس فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه ومحا الإسلام ما تقدم فما لك تهيج الناس علي فكف عمر فقال سعيد أما أنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب. وقال الواقدي فيما حكاه ابن أبي الحديد: اقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فالتقى هو وعلي (ع) فقتله علي (ع) فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ما لي أراك معرضا أتظن أني قتلت أباك فقال سعيد لو قتلته لكان على الباطل وكنت على الحق الخبر وقال ابن أبي الحديد ونقلت من غير كتاب الواقدي أن عثمان بن عفان وسعيد بن العاص حضرا عند عمر في خلافته فجلس سعيد بن العاص حجزة فنظر إليه عمر فقال: ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك أني ألم اقتله ولكن قتله أبو حسن وكان علي حاضرا فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه ومحا الإسلام ما قبله فلما ذا تهاج القلوب فسكت عمر وقال سعيد لقد قتله كفؤ كريم وهو أحب إلي من أن يقتله من ليس من بني عبد مناف وسعيد بن العاص هذا هو والد عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق الذي كان عاملا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية يوم قتل الحسين (ع) ولما أخبر بقتله وسمع واعية بني هاشم ضحك وتمثل بقول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:

قال: الواقدي ولما رأت بنو مخزوم مقتل من قتل قالوا أبو الحكم لا يخلص إليه يعنون أبا جهل فأحدقوا به وألبسوا لامته عبد الله بن المنذر فصمد له علي فقتله وهو يراه أبا جهل ومضى وهو يقول أنا ابن عبد المطلب ثم ألبسوها حرملة بن عمرو فصمد له علي فقتله ثم أرادوا أن يلبسوها خالد بن الأعلى فأبى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني نوفل بن العدوية وهو نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى فأسره جبار بن صخر ورأى عليا مقبلا نحوه فقال لجبار من هذا واللات والعزى أني لأرى رجلا يريدني قال: هذا علي بن أبي طالب فصمد له علي فضربه فنشب سيفه في حجفته فزعه وضرب به ساقيه فقطعهما ثم أجهز عليه فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من له علم بنوفل بن خويلد قال: علي أنا قتلته فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه. وروى محمد بن إسحاق أن طعيمة بن عدي قتله علي بن أبي طالب شجرة بالرمح فقال والله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا ثم قال: وقيل قتله حمزة وروى الواقدي ما يقتضي أنه اشترك في قتله علي وحمزة قال: الواقدي: كان علي (ع) يحدث فيقول أني يومئذ بعد ما متع النهار ونحن والمشركون قد اختلطت صفوفنا وصفوفهم خرجت في أثر رجل منهم فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل وسعد بن خيثمة وهما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمة والمشرك مقنع في الحديد وكان فارسا فاقتحم عن فرسه فعرفني وهو معلم فناداني هلم يا ابن أبي طالب إلى البراز فعطفت عليه فانحط إلي مقبلا وكنت رجلا قصيرا فانحططت راجعا لكي ينزل إلي كرهت أن يعلوني فقال يا ابن أبي طالب فررت فقلت قريبا مفر ابن الشتراء فلما استقرت قدماي وثبتت اقبل فلما دنا مني ضربني فاتقيت بالدرقة فوقع سيفه فلحج فاضربه على عاتقه وهو دارع فارتعش ولقد قط سيفي درعه فظننت أن سيفي سيقتله فإذا بريق سيف من ورائي فطأطأت رأسي ويقع السيف فاطن قحف رأسه بالبيضة وهو يقول خذها وأنا ابن عبد المطلب فالتفت من ورائي فإذا هو عمي حمزة والمقتول طعيمة بن عدي فإذا كان علي ضربه على عاتقه وقط سيفه درعه فهو قد أشرف به على الموت ولذلك قال: فظننت أن سيفي سيقتله ثم أكمل قتله حمزة فأطار قحف رأسه وبذلك يجمع بين القول بأنه قتله علي والقول بأنه قتله حمزة وأما أن عليا شجره بالرمح فيمكن أن يكون جمع بين شجره بالرمح وضربه بالسيف. قال: المفيد: وقد أثبت رواة العامة والخاصة معا أسماء الذين تولى أمير المؤمنين قتلهم ببدر من المشركين على اتفاق فيما نقلوه من ذلك فكان ممن سموه.

1- الوليد بن عتبة وكان شجاعا جريئا وقاحا تهابه الرجال

2- العاص بن سعيد بن العاص وكان هولا عظيما تهابه الأبطال وهو الذي حاد عنه عمر كما مر

3- طعيمة بن عدي بن نوفل وكان من رؤوس أهل الضلال

4- نوفل بن خويلد وكان من أشد المشركين عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قريش تقدمه وتعظمه وتطيعه وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل الهجرة بمكة وأوثقهما بحبل وعذبهما يوما إلى الليل حتى سئل في أمرهما

5- زمعة بن الأسود

6- الحارث بن زمعة

7- النضر بن الحارث بن عبد الدار

8- عمر أو عمير بن عثمان بن كعب بن تيم عم طلحة بن عبيد الله

9 و10- عثمان ومالك أبناء عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله

11- مسعود بن أمية بن المغيرة

12- قيس بن الفاكه بن المغيرة

13- حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة

14- أبو قيس بن الوليد بن المغيرة

15- حنظلة بن أبي سفيان

16- عمر بن مخزوم

17- أبو المنذر بن أبي رفاعة

18- منبه بن الحجاج السهمي

19- العاص بن منبه

20- علقمة بن كلدة

21- أبو العاص بن قيس بن عدي

22- معاوية بن المغيرة بن أبي العاص

23- لوذان بن ربيعة

24- عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة

25- مسعود بن أمية بن المغيرة

26- حاجب أو حاجز بن السائب بن عويمر

27- أوس بن المغيرة بن لوذان

28- زيد بن مليص

29- غانم بن أبي عوف

30- سعيد بن وهب حليف بني عامر

31- معاوية بن عامر بن عبد القيس

32- عبد الله بن جميل بن زهير بن الحارث بن أسد

33- السائب بن مالك

34- أبو الحكم بن الأخنس

35- هشام بن أبي أمية بن المغيرة.

قال المفيد: فذلك خمسة وثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك أمير المؤمنين فيه غيره ولكنه عد مسعود بن أمية بن المغيرة مرتين فلذلك بلغوا خمسة وثلاثين وإلا فهم أربعة وثلاثون كما ترى، وبعضهم عد معهم عيسى بن عثمان فيكونون بذلك خمسة وثلاثين وهو نصف المقتولين الذين كانوا سبعين قتيلا، كل هذا ولم يتجاوز الخمسة والعشرين عاما على الأكثر ولم يزد عن العشرين على الأقل. وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج أن جميع من قتل ببدر في رواية الواقدي من المشركين في الحرب وصبرا اثنان وخمسون رجلا قتل علي (ع) منهم مع الذين شرك في قتلهم أربعة وعشرين ولكنه عدهم 23 رجلا، قال: وقد كثرت الرواية أن المقتولين ببدر كانوا سبعين ولكن الذين عرفوا وحفظت أسماؤهم من ذكرناه. وهذه أسماء من قتلهم علي ببدر على رواية الواقدي: فمن بني عبد شمس

1- حنظلة بن أبي سفيان

2- العاص بن سعيد بن العاص

3- الوليد بن عتبة

4- شيبة بن ربيعة شرك في قتله

5- عامر بن عبد الله حليف لهم من أنمار وقيل قتله سعد بن معاذ ولعله لذلك لم يذكره المفيد لأنه لا يذكر إلا ما اتفقوا عليه. ومن بني نوفل بن عبد مناف

6- طعيمة بن عدي ويكنى أبا الريان قتله علي على رواية ابن إسحاق وحمزة على رواية الواقدي ومن بني أسد بن عبد العزى

7- الحارث بن زمعة بن الأسود

8- عقيل بن الأسود بن المطلب قال: الواقدي حدثني أبو معشر قال: قتله علي وحده وقيل شرك في قتله علي وحمزة وقيل قتله أبو داود المازني ولم يذكره المفيد

9- نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى وهو ابن العدوية. ومن بني عبد الدار بن قصي

10- النضر بن الحارث بن كلدة قتله علي صبرا بالسيف بأمر النبي صلى الله عليه وسلم

11- زيد بن مليص مولى عمرو بن هاشم بن عبد مناف من عبد الدار وقيل قتله بلال ولم يذكر المفيد خلافا في قتل علي له. ومن بني تيم بن مرة

12- عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة

13- حليف لبني مخزوم وقيل قتله عمار بن ياسر. ومن بني الوليد بن المغيرة

14- أبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد، ومن بني أمية بن المغيرة

15- مسعود بن أبي أمية. ومن بني رفاعة

16- عبد الله بن أبي رفاعة. ومن بني عمران بن مخزوم

17- حاجز بن السائب بن عويمر بن عائذ

18- أخوه عويمر بن السائب بن عويمر قتله علي على رواية البلاذري ولم يذكره المفيد. ومن بني جمح

19- أوس بن المغيرة بن لوذان شرك فيه علي وعثمان بن مظعون. ومن بني سهم

20- منبه بن الحجاج وقيل قتله أبو أسيد الساعدي ولم يذكر المفيد خلافا في أنه قتله علي

21- نبيه بن الحجاج ولم يذكره المفيد

22- العاص بن منبه بن الحجاج

23- أبو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، روى الواقدي عن أبي معشر عن أصحابه أنه قتله علي وقيل قتله أبو دجانة ولم يذكر المفيد فيه خلافا. قال: ابن أبي الحديد: في رواية الشيعة أن زمعة بن الأسود بن المطلب قتله علي، والأشهر في الرواية أنه قتل الحارث بن زمعة وان زمعة قتله أبو دجانة ومر عن المفيد أن عليا قتلهما معا. قال: المفيد وابن الأثير في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة: وفيما صنعه أمير المؤمنين (ع) ببدر قال: أسيد بن أبي إياس بن وثيم يحرض مشركي قريش عليه ويعيرهم به:

قال: الزمخشري في الفائق: قال: سعد بن أبي وقاص رأيت عليا يوم بدر وهو يقول:

ويروي: سمع كأنني من جن بازل عامين هو البعير الذي تمت له عشر سنين ودخل في الحادية عشرة وبلغ نهايته في القوة والمعنى أنا في استكمال القوة كهذا البعير مع حداثة السن السنحنح والسمعمع مما كرر عينه ولأمه من سنح وسمع فالسنحنح الذي يسنح كثيرا وإضافته إلى الليل على معنى أنه يكثر السنوح فيه لأعدائه لجلادته. والسمعمع الخفيف السريع في وصف الذئاب فاستعير الفائق. وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيت علي بن أبي طالب بارز يوم بدر فجعل يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول وذكر الرجز ثم قال: فما رجع حتى خضب سيفه دما. وفي أسد الغابة (وبسنده) عن مصعب بن سعد عن سعد قال: رأيته يعني عليا يخطف بالسيف هام المشركين وهو يقول: سنحنح الليل كأني جني. وفي وقعة بدر يقول الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي من قصيدة:

وفيها يقول المؤلف من قصيدة:

تزوجه بالزهراء (ع) وعقيب عوده من بدر تزوج بالزهراء (ع)، ومر تفصيله قبل وقعة بدر وإنما قدمناه على وقعة بدر لأن في بعض الروايات أنه عقد عليها قبل بدر وبنى بها مقدمه من بدر فلذلك قدمنا خبر تزوجه بها على وقعة بدر ولم نؤخر خبر بنائه بها عنها لتكون أخبار تزوجه بها متتابعة. السنة الثالثة من الهجرة وفي ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ولد له الحسن بن علي من فاطمة الزهراء وقيل سنة اثنتين وقيل أكثر والمشهور الأثبت القولان الأولان، فلما ولد الحسن قالت فاطمة لعلي (ع) سمه فقال ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال لعلي هل سميته قال: ما كنت لأسبقك باسمه قال: سمه الحسن. أخباره في وقعة أحد وكانت في شوال لسبع خلون منه أو للنصف منه يوم السبت سنة ثلاث من الهجرة على رأس اثنين وثلاثين شهرا منها ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونذكر هنا إجمالها ثم تفصيل ما له علاقة بأمير المؤمنين (ع) مما يتقدم وإن لزم بعض التكرار. وكان سببها أن المشركين اجتمعوا وقرروا غزو المدينة للأخذ بالثار بما أصابهم يوم بدر فكتب العباس كتابا وأرسله مع رجل من غفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بخبرهم استأجره وشرط عليه أن يصل المدينة في ثلاث فوصلها وسلم الكتاب وأقبل المشركون في ثلاثة آلاف وقائدهم أبو سفيان ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة فنزلوا أولا بذي الحليفة على نحو مسير أربع ساعات من المدينة. ثم ساروا حتى مروا بالعقيق وساروا منه حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد مقابل المدينة وكان وصولهم يوم الأربعاء ثاني عشر شوال فأقاموا الأربعاء والخميس والجمعة وبات رؤساء الأنصار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير بالسلاح بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة خوفا عليه من البيات حتى أصبحوا وحرست المدينة تلك الليلة فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة خطب أصحابه فقال رأيت البارحة في منامي أني أدخلت يدي في درع حصينة ورأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما وإني أردفت كبشا. وأولتها أما الدرع الحصينة فالمدينة وأما البقر فناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم فرجل من أهل بيتي يقتل وأما الكبش فكبش الكتيبة نقتله أن شاء الله فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها فانا أعلم بها منهم فكان رأيه البقاء بالمدينة واختلف رأي أصحابه فكان رأي أكثر وجوههم موافقا لرأيه وكان رأي الشبان الذين لم يحضروا بدرا وبعض الشيوخ الخروج فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرهم يريد الخروج وافقهم لأن المصلحة تقتضي ذلك وإن كانت من وجه آخر تقتضي خلافه. ومع ذلك كان النصر فيها مضمونا لولا مخالفة الرماة كما يأتي، وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية على ثلاثة رماح، لواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير، ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر أو سعد بن عبادة، وأعطى الراية وهي العلم الأكبر واللواء دونها علي بن أبي طالب، وسار من المدينة بعد العصر في ألف من أصحابه فيهم مائة دارع ومعهم فرسان، هذا على بعض الروايات، ولكن الطبري قال: أنه أمر الزبير على الخيل وقال استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه وكان على خيل المشركين، وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر، ثم قال: فأرسل إلى الزبير أن يحمل فحمل على خالد بن الوليد وهذا يدل على أنه كان معه خيل كثيرة فلما وصل إلى مكان يسمى الشيخين عرض عسكره وبات هناك ثم سار سحرا حتى وصل إلى بستان يسمى الشوط بين المدينة وأحد فصلى فيه صلاة الصبح ومن هناك رجع عبد الله بن أبي بن سلول في ثلثمائة من المنافقين وبقي في سبعمائة فلما نهض من الشيخين زحف المشركون على تعبئة فوصل إلى أحد وهو جبل على مسافة نحو ساعتين من المدينة فجعل أحدا خلف ظهره وجاء المشركون فاستدبروا المدينة واستقبلوا أحدا وأعطى المشركون لواءهم إلى طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار لأن لواء قريش كان لهم في الجاهلية فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لواء المشركين مع بني عبد الدار أخذ اللواء من علي ودفعه إلى رجل من بني عبد الدار اسمه مصعب بن عمير وقال نحن أحق بالوفاء منهم فلما قتل مصعب رده إلى علي فحيث أن أعطاه المشركين لواءهم للعبدري كان وفاء منهم لعشيرته الذين كان لهم لواء قريش في الجاهلية دفع النبي صلى الله عليه وسلم لواءه إلى مصعب بن عمير العبدري مقابلة لفعل قريش وقال نحن أحق بالوفاء منهم لا لأن أحدا في الناس أحق باللواء من علي ولذلك لما قتل مصعب رده إلى علي. قال المفيد: فصار صاحب الراية واللواء جميعا، وليس معنى كونهما معه أنه يحملهما جميعا بل المراد أن أمرهما إليه فيعطي أحدهما من شاء كما كانوا يفعلون في ولاية البلدان أو أنه مرة كان يحمل اللواء ومرة الراية وصف المشركون صفوفهم وكان لهم مجنبتان ميمنة وميسرة فيهما مائتا فرس وخالد بن الوليد في الميمنة وعكرمة بن أبي جهل في الميسرة وصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وجعل الرماة خلف العسكر عند فم الشعب الذي في جبل أحد وكانوا خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال أنضح الخيل عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا فان الخيل لا تقدم على النبل وأثبت مكانك أن كانت لنا أو علينا فانا لا نزال غالبين ما ملكتم مكانكم فان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا وألزموا مراكزكم. وبرز طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عثمان العبدري صاحب لواء المشركين وكان يسمى كبش الكتيبة وطلب البراز مرارا فلم يحبه أحد فبرز إليه علي بن أبي طالب فقتله. ومن الذي يجيب نداء المنادي إلى البراز حين يجبن عنه الناس ويكشف الكرب غير علي فهو الذي أجاب نداء طلحة هذا كبش الكتيبة يوم أحد ونداء عمرو بن عبد ود فارس يليل يوم الخندق ونداء مرحب فارس اليهود يوم خيبر جبن عنهم الناس وبارزهم وقتلهم وهم فرسان الحروب. وقد اتفق المؤرخون على أن الذي قتل طلحة هو علي بن أبي طالب. وإنما اختلفت الروايات بعض الاختلاف في كيفية مبارزة علي له وقتله فقد وردت في ذلك روايات

(أحداها) أن طلحة طلب المبارزة مرارا فلم يجبه أحد فقال يا أصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وقتلانا إلى النار فهل أحد منكم يعبطني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة كذبتم واللات والعزى لو تعلمون ذلك لخرج إلي بعضكم فقام إليه علي بن أبي طالب فقال والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار أو تعجلني بسيفك إلى الجنة فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال أنشدك الله والرحم يا ابن عم فتركه فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لعلي ما منعك أن تجهز عليه قال ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه. ومن هذا تعلم عمرو بن العاص ويسر بن أرطأة فكشفا سوأتيهما يوم صفين اتقاء سيف علي (ع).

(ثانيتها) رواية الواقدي قال: برز طلحة بن أبي طلحة فصاح من يبارز فقال علي (ع) هل لك في مبارزتي قال نعم فبرزا بين الصفين فالتقيا فبدره علي بضربة على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته إلى أن انتهى إلى لحيته فوقع وانصرف علي (ع) فقيل له هلا دففت عليه قال أنه لما صرع استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم وقد علمت أن الله سيقتله هو كبش الكتيبة إشارة إلى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم المتقدمة.

(ثالثتها) ما ذكره الواقدي أيضا قال: وروي أن طلحة حمل على علي (ع) فضربه بالسيف فاتقاه بالدرقة فلم يصنع شيئا وحمل عليه علي (ع) وعلى طلحة درع ومغفر فضربه بالسيف فقطع ساقيه ثم أراد أن يدفف عليه فسأله طلحة بالرحم أن لا يفعل فتركه ولم يدفف عليه، قال الواقدي: ويقال أن عليا (ع) دفف عليه، ويقال أن بعض المسلمين مر به في المعركة فدفف عليه أقول لعل رواية أنه قطع ساقية أقرب إلى الصحة فإن من يمضي السيف في رأسه حتى يصل إلى لحيته كما تضمنته الرواية الثانية لا يمكن أن يبقى حيا حتى يحتاج إلى أن يدفف عليه.

(رابعتها) ما رواه المفيد بسنده عن عبد الله بن مسعود أن عليا (ع) ضربه على مقدم رأسه فندرت عينه وصاح صيحة لم يسمع بمثلها قط وسقط اللواء من يده. (خامستها) ما ذكره علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره قال: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزوننا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي فبرز إليه أمير المؤمنين فقال طلحة من أنت يا غلام قال أنا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم أنه لا يجسر علي أحد غيرك وشد عليه طلحة فضربه فاتقاه علي بالحجفة ثم ضربه علي على فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية فذهب علي ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون ألا أجهزت عليه قال قد ضربته ضربة لا يعيش معها أبدا. ومر عند ذكر نصره النبي صلى الله عليه وسلم في صغره معنى قوله يا قضيم وقد صدق طلحة في قوله أنه لا يجسر علي أحد غيرك ولو كان يجسر عليه أحد غيره لبرز إليه غيره وقد كرر النداء ووبخهم وكذبهم. قال الواقدي: فلما قتل طلحة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر تكبيرا عاليا وكبر المسلمون، ثم شد المسلمون على كتائب المشركين فجعلوا يضربون وجوههم حتى انتقضت صفوفهم ولم يقتل أحد إلا طلحة بن أبي طلحة وحده. وفي ترتيب أسماء من أخذ اللواء بعد طلحة وعددهم ومن قتلهم بعض الاختلاف بين المؤرخين بعد اتفاقهم على أن طلحة قتله علي. قال الواقدي: حمله بعد طلحة أخوه عثمان وهو أبو شيبة فقتله حمزة ثم حمله أخوهما أبو سعد أو أبو سعيد فقتله سعد بن أبي وقاص ثم حمله بعد أبي سعد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فقتله عاصم بن ثابت ثم حمله أخوه الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فقتله عاصم أيضا ثم حمله أخوهما كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير وقيل عاصم بن ثابت ثم حملاه أخوهما الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله. ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب. ثم حمله قارظ أو فارط أو قاسط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار فقتل وفي بعض المواضع ثم حمله شريح بن قارظ بن شريح بن عثمان الخ قال الواقدي لا يدري من قتله، وقال البلاذري قتله علي بن أبي طالب. ثم حمله غلام لهم اسمه صواب فقتله علي بن أبي طالب. هذه رواية الواقدي في ترتيب أسماء من أخذ اللواء وقاتليهم، فعلى هذه الرواية يكون الذين قتلهم علي من أصحاب اللواء ثلاثة طلحة وأرطاة وصواب.

وروى المفيد في الإرشاد بسنده عن ابن مسعود أن الذي أخذ اللواء بعد طلحة أخ له يقال له مصعب فقتله عاصم بن ثابت ثم أخذه أخ له يقال له عثمان فقتله عاصم أيضا فأخذه عبد لهم يقال له صواب وكان من أشد الناس فضربه علي (ع) على يده فقطعها فاخذ اللواء بيده اليسرى فضربه علي على يده اليسرى فقطعها فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه فضربه علي على أم رأسه فسقط صريعا.

وقال ابن الأثير كان الذي قتل أصحاب اللواء علي قال أبو رافع وروى الطبري وعلي بن إبراهيم والمفيد ما يدل على أن عليا (ع) قتل أصحاب اللواء جميعهم. أما الطبري ففي روايته الآتية بسنده عن أبي رافع قال لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية الخ فهذا ظاهر في أنه هو الذي قتل أصحاب الألوية جميعهم. وقال علي بن إبراهيم في تفسيره كما مر في الجزء الثاني: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري فبرز إليه علي فضربه على فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها أبو عزيز بن عثمان فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فقتل أمير المؤمنين التاسع من بني عبد الدار وهو أرطاة بن شرحبيل فبارزه علي وقتله وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فضربه أمير المؤمنين على رأسه فقتله وسقطت الراية إلى الأرض فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها (قوله) عبد الله بن أبي جميلة بن زهير الظاهر أنه هو الأتى في كلام المفيد باسم عبد الله بن حميد بن زهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وقد صحف حميد بأبي جميلة وزهير بزهرة وقال ابن أبي الحديد عن الواقدي ومحمد بن إسحاق أنه عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد وهو من بني أسد بن عبد العزى لا من بني عبد الدار كما صرح به الواقدي حكاه عنه ابن أبي الحديد (قوله) التاسع من بني عبد الدار قد يقول قائل أنه السابع لا التاسع لأنه إذا كان عبد الله بن حميد من بني أسد لا من بني عبد الدار يكون أرطأة السابع منهم ويمكن الجواب بان أرطأة وإن كان السابع ممن قتلهم علي (ع) إلا أنه التاسع ممن قتل من بني عبد الدار ممن قتله علي أو غيره فقد قتل منهم كلاب بن طلحة بن أبي طلحة قتله الزبير والجلاس بن طلحة بن أبي طلحة قتله طلحة بن عبيد الله وعليه فيكون أرطأة هو التاسع وإذا ضممنا شريح بن قارظ أو نارظ بن شريح إليهم صاروا عشرة قال ابن هشام فقال حسان بن ثابت في ذلك:

ويقول أيضا:

وفي إرشاد المفيد: روى عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق قال كان صاحب لواء قريش يوم أحد طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار قتله علي بن أبي طالب وقتل ابنه أبا سعيد بن طلحة وقتل أخاه خالد بن أبي طلحة وقتل عبد الله بن حميد بن زهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وأبا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي والوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة وأخاه أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وأرطاة بن شرحبيل وهشام بن أمية وعمرو بن عبد الله الجمحي وبشر بن مالك وصوابا مولى بني عبد الدار وقد صرحت هذه الرواية بان أبا سعيد هو ابن طلحة لا أخاه ولكن الواقدي كما مر صرح بان أبا سعيد هو أخو طلحة لا ابنه ثم أن خالد بن أبي طلحة لم يرد له ذكر في غير هذه الرواية واحتملنا في الجزء الثاني أن يكون هو أبا عزيز بن عثمان المذكور في رواية علي بن إبراهيم لكن تأملنا بعد ذلك فوجدنا أن عثمان والد أبا عزيز الظاهر أنه عثمان بن أبي طلحة المذكور أولا في تلك الرواية فأبو عزيز حفيد بني طلحة وخالد بن أبي طلحة ابنه لا حفيده ولا يبعد أن يكون خالد تصحيف الحارث والله أعلم أما عبد الله بن حميد بن زهرة فالظاهر أنه هو المذكور في رواية علي بن إبراهيم باسم عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فوقع التصحيف فصحف حميد بأبي جميلة وزهير بزهرة كما مر وأما بشر بن مالك العامري فقد مر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء عن الطبري أن عليا (ع) قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي والظاهر أنه بشر ابن مالك صحف أحدهما بالآخر.

وروى المفيد في الإرشاد بسند صحيح عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة قتلهم علي بن أبي طالب عن آخرهم وانهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي يومئذ.

وبعد ما رأينا اختلاف المؤرخين فيمن عدا طلحة واثنين معه من أصحاب اللواء في عددهم وفيمن قتلهم وترتيب قتلهم بحيث لا يكاد يتفق اثنان منهم كابن سعد والطبري والواقدي وابن اسحق وابن الأثير وغيرهم كما عرفت لا نستبعد أن يكون التحامل على علي بن أبي طالب الذي هو فاش في الناس في كل عصر حمل البعض على نقل ما ينافي قتله جميع أصحاب اللواء وما علينا إلا أن نأخذ بالرواية الصحيحة المتقدمة عن الباقر (ع) أنه قتل أصحاب اللواء التسعة مع اعتضادها أيضا بغيرها وترك ما يعارضها.

وهذا اللواء كان شؤما على بني عبد الدار فقد قتلت رجالهم تحته ووقع على الأرض حتى رفعته امرأة. وقد حمشهم أبو سفيان في أول الحرب فكان لتحميشه أثرة في محافظتهم على اللواء فإنه ناداهم قبل الحرب فقال يا بني عبد الدار إنما يؤتى القوم من قبل لوائهم وإنما آتينا يوم بدر من اللواء فالزموا لواءكم وحافظوا عليه أو خلوا بيننا وبينه فأثار حفيظتهم بهذا الكلام فقالوا نحن نسلم لواءنا لا كان هذا أبدا ثم زادهم تحميشا فقال نجعل لواء آخر قالوا نعم ولا يحمله إلا رجل من بني عبد الدار لا كان غير ذلك أبدا وقوله إنما آتينا يوم بدر من اللواء محض غرور وخداع فإنما أتوا يوم بدر من قتل علي وحمزة وعبيدة رؤساءهم ومن سيف علي الذي قتل نصف المقتولين لا من اللواء. وقال أبو سفيان لخالد بن الوليد وهو في مائتي فارس مع أبي عكرمة بن جهل إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم وكان خالد كلما أتى من يسرة النبي صلى الله عليه وسلم ليجوز حتى يأتيهم من قبل السفح رده الرماة حتى فعل وفعلوا ذلك مرارا قال المفيد: وبارز الحكم بن الأخنس فضربه علي فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها ولما قتل أصحاب اللواء انهزم المشركون وانتقضت صفوفهم ولحقهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتى أخرجوهم عن المعسكر قال الطبري وأمعن في الناس أبو دجانة وحمزة وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين فأنزل الله عليهم نصره وصدقهم وعده وكانت الهزيمة لا شك فيها وجعلوا ينهبون ويغنمون فلما رآهم الرماة تاقت نفوسهم إلى الغنيمة وتناسوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن يلزموا مراكزهم أكانت للمسلمين أم عليهم ومبالغته في الوصية لهم بذلك فقال بعضهم لبعض لم تقيمون هنا في غير شيء وقد هزم الله العدو وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم فاذهبوا فاغنموا معهم فذكرهم البعض وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يبرحوا من مكانهم فأجابوهم بان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا وقد هزم العدو فخطبهم أميرهم ونهاهم عن الذهاب وأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فعصوه وانطلقوا وبقي معه دون العشرة قال الواقدي قالوا ما ظفر الله نبيه في موطن قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد حتى عصوه فلما رأى خالد أن الرماة قد تركوا مراكزهم ولم يبق منهم إلا القليل كر عليهم بالخيل وتبعه عكرمة فر أما هم القوم حتى قتلوا بعد ما فني نبلهم ورماهم عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل ولما رأى المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم وكروا على المسلمين من أما مهم وهم غارون آمنون مشتغلون بالنهب وكر عليهم خالد بخيله من ورائهم وجعلوا المسلمين في مثل الحلقة وانتقضت صفوف المسلمين وجعل بعضهم يضرب بعضا من العجلة والدهشة حتى قتل منهم سبعون رجلا بعدد من قتل من المشركين يوم بدر أو أكثر وتفرقوا في كل وجه وتركوا ما انتهبوه فأخذه المشركون وتركوا ما بأيديهم من أسرى المشركين.

قال المفيد: ولما جال المسلمون تلك الجولة اقبل أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وهو دارع وهو يقول يوم بيوم بدر فعرض له رجل من المسلمين فقتله أمية وصمد له علي بن أبي طالب فضربه بالسيف على هامته فنشب في بيضة مغفرة وضربه أمية بسيفه فاتقاها أمير المؤمنين بدرقته فنشب فيها ونزع أمير المؤمنين سيفه من مغفره وخلص أمية سيفه من درقته أيضا ثم تناوشا فقال علي (ع) فنظرت إلى فتق تحت إبطه فضربته بالسيف فيه فقتلته. وكانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وأم معاوية جعلت جعلا لوحشي بن حرب غلام جبير بن مطعم وكان حبشيا يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ أن هو قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو علي بن أبي طالب أو حمزة فقال لها أما محمد فلا حيلة لي فيه لأن أصحابه يطيفون به وأما علي فإنه إذا قاتل كان احذر من الذئب وأما حمزة فاني اطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه فرمى حمزة بحربته فقتله وهذه مزية انفرد بها علي وهي أنه مع شجاعته الفائقة حذر احذر من الذئب لا يقدر أحد أن يغتاله في الحرب. وتفرق الناس كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واسلموه إلى أعدائه ولم يبق معه أحد إلا علي (ع) فبعضهم ذهبوا إلى المدينة وبعضهم صعدوا فوق الصخرة التي في جبل أحد وقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم وبعضهم ذهبوا إلى جبل بناحية المدينة فأقاموا به ثلاثا ثم عاد جماعة من أصحاب الصخرة أربعة أو خمسة فحاموا عن النبي صلى الله عليه وسلم مع علي (ع) وكان عودهم بسبب ثبات علي وكان علي هو المتميز وحده بالمحاماة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان كلما أقبلت إليه جماعة من المشركين عازمين على أن يقتلوه مجتهدين في ذلك يقول له يا علي احمل عليهم فيحمل عليهم ويفرقهم ويقتل فيهم وهكذا حتى نجاه الله من كيدهم وسلم منهم. قال المفيد وتوجه العتاب من الله تعالى إلى كافتهم لهزيمتهم يومئذ وذلك قوله تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون} وقوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم أن الله غفور حليم} قال الطبري تفرق عن رسول الله أصحابه ودخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان يا قوم أن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم فقال الله عز وجل للذين قالوا هذا القول {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}. وقوله فارجعوا إلى قومكم يدل على أن القائل من المهاجرين وقال الطبري وغيره: وفر عثمان بن عفان ومعه رجلان من الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الأعرض فأقاموا به ثلاثا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ذهبتم فيها عريضة" وفي رواية الواقدي إنهم انتهوا إلى مكان يسمى الأعرض فقال صلى الله عليه وسلم لهم ذلك. (وقال المفيد) فيما رواه بسنده عن ابن مسعود: وثبت معه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف يدفعون عنه ففتح صلى الله عليه وسلم عينيه وكان قد أغمي عليه مما ناله فقال يا علي ما فعل الناس قال نقضوا العهد وولوا الدبر قال اكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي فحمل عليهم علي فكشفهم وعاد إليهم وقد حملوا عليه من ناحية أخرى فكر عليهم فكشفهم وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان على رأسه بيد كل واحد منهما سيف ليذب عنه.

وفي إرشاد المفيد: حدثنا أحمد بن عمار حدثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب عن ابن مسعود وذكر غزاة أحد إلى أن قال زيد بن وهب قلت لابن مسعود انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف فقال انهزم الناس إلا علي بن أبي طالب وحده وثاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر كان أولهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل بن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيد الله فقلت وأين كان الشيخان قال كانا فيمن تنحى قلت وأين كان عثمان قال جاء بعد ثلاثة أيام من الوقعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ذهبت فيها عريضة فقلت وأين كنت أنت قال كنت ممن تنحى قلت فمن حدثك بهذا قال عاصم وسهل بن حنيف.

وقال ابن أبي الحديد: وقد روى كثير من المحدثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي (ع) حين سقط ثم أقيم اكفني هؤلاء الجماعة قصدت نحوه فحمل عليهم فهزمهم وقتل منهم عبد الله بن حميد من بني أسد بن عبد العزى ثم حملت عليه طائفة أخرى فقال له اكفني هؤلاء فحمل عليهم فانهزموا من بين يديه وقتل منهم أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي.

وقال ابن أبي الحديد أيضا: روى أبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد اللغوي غلام ثعلب ورواه أيضا محمد بن حبيب في أما ليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين وقصدته كتيبة من بني كنانة فيها بنو سفيان بن عويف وهم خالد وأبو الشعثاء وأبو الحمراء وغراب فقال صلى الله عليه وسلم يا علي اكفني هذه الكتيبة فحمل عليها وإنها لتقارب خمسين فارسا وهو (ع) راجل فما زال يضرب فيها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم يجتمع عليه هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف لأربعة وتمام العشرة منها ممن لا يعرفون بأسمائهم.

قال ولما انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد وثبت أمير المؤمنين (ع) قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما لك لا تذهب مع القوم قال أمير المؤمنين اذهب وأدعك يا رسول الله والله لا برحت حتى اقتل أو ينجز الله لك ما وعدك من النصرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أبشر يا علي فان الله منجز وعده ولن ينالوا منا مثلها أبدا ثم نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لو حملت على هذه يا علي فحمل أمير المؤمنين عليها فقتل منها هشام بن أمية المخزومي وانهزم القوم ثم أقبلت كتيبة أخرى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حمل على هذه فحمل عليهم فقتل منها عمرو بن عبد الله الجمحي وانهزمت أيضا ثم أقبلت كتيبة أخرى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم احمل على هذه فحمل عليها فقتل بشر بن مالك العامري وانهزمت الكتيبة ولم يعد بعدها أحد منهم وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى الطبري بسنده عن أنس بن النضر عم أنس بن مالك أنه انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم؟ قالوا قتل محمد رسول الله قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم قاتل حتى قتلوا صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجبل مع جماعة من أصحابه فيهم علي بن أبي طالب وهم الذين رجعوا بعد فرارهم أما علي فلم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة فشجت ركبته فاخذ علي بن أبي طالب بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما وقال ابن هشام أيضا: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته ماء من المهراس فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وقال ابن الأثير: لما جرح صلى الله عليه وسلم جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس ويغسله فلم ينقطع الدم فاتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقت حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع. وقال الواقدي خرجت فاطمة (ع) في نساء وقد رأت الذي بوجه أبيها فاعتنقته وجعلت تمسح الدم عن وجهه وذهب علي (ع) فأتى بماء من المهراس وقال لفاطمة امسكي هذا السيف غير ذميم قال فلما أحضر علي الماء أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه فلم يستطع وكان عطشا ووجد ريحا من الماء كرهها فقال هذا ماء آجن فتمضمض من الدم الذي كان بفيه ثم مجه وغسلت فاطمة به الدم عن أبيها. وقال أيضا خرج محمد بن مسلمة مع النساء وكن أربع عشرة امرأة قد جئن من المدينة يتلقين الناس منهن فاطمة (ع) إلى أن قال وجعل الدم لا ينقطع من وجهه فلما رأت فاطمة الدم لا يرقا وهي تغسل جراحه وعلي يصب الماء عليها بالمحن أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم ويقال إنها داوته بصوفة محرقة والظاهر أن الخبر وصل إلى المدينة من بعض المنهزمين الذين دخلوها فلم تتمالك فاطمة حتى جاءت إلى فم الشعب أو إلى مكان غيره قريب من المدينة لتنظر ما جرى على أبيها وبعلها (وقال المفيد) في الإرشاد: انصرف المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فاستقبلته فاطمة (ع) ومعها إناء فيه ماء فغسل وجهه. وهذا يدل على أن استقبالها له كان في نفس المدينة أو قريبا منها وإنها لم تخرج إلى أحد الذي يبعد عن المدينة فرسخا أو أكثر وهذا هو الأقرب إلى الاعتبار.

ولما انصرف أبو سفيان ومن معه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب (ع) فقال اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا يصنعون فان كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة قال علي فخرجت في آثارهم فرأيتهم اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل.

وبعد ما انصرف المشركون فرع الناس للنظر في حال من فقد منهم فمن كان حيا جريحا اسعفوه ومن كان ميتا دفنوه فأول ما سال النبي صلى الله عليه وسلم عن سعد بن الربيع الخزرجي فوجد حيا بآخر رمق ومات ثم قال من له علم بعمي حمزة ولا بد أن يكون علم أنه قتيل أو جريح والألم يتخلف عنه فقال الحارث بن الصمة أنا اعرف موضعه والظاهر أنه رآه لما سقط فيمكن أن يكون حيا ويمكن كونه ميتا لكنه لم يعلم أنه قد مثل به هذا التمثيل الفظيع فلما رآه قد مثل به كره أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره فلم يرجع فلما أبطأ استشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إبطائه فظاعة الحال فقال لعلي اطلب عمك وإنما لم يرسله من أول الأمر إشفاقا عليه من أن يرى عمه قتيلا أو جريحا أثبتته الجراحة فتتحرك فيه عاطفة الرحم فيشتد حزنه فلما لم يعد إليه الحارث بخبره لم يجد بدا من إرسال علي فكره علي أن يعود إليه فيخبره بما رأى فلم يعد فعندها لم يجد بدا من أن يطلبه بنفسه مع ما به من التعب المنهك والجراحة فوجده قد بقر بطنه عن كبده وجدع انفه وأذناه فعلت به ذلك هند بنت عتبة فبكى مع ما به من الصبر والجلد وانتحب وكيف لا يبكي على حمزة ويبلغ به الحزن أقصاه وهو أسد الله وأسد رسوله الذي يعده للشدائد وهو قاتل الأبطال يوم بدر والخارج أمامه بالجيش يوم أحد وعضده وناصره في كل موقف والقائل في حقه يوم الخندق اللهم انك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد فاحفظني في علي أو ما هذا معناه.

وهؤلاء الثلاثة كانوا أركان جيشه وبلغ به الأسف على حمزة أن قال لن أصاب بمثلك ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا الموقف وبالغ بتمني أن يتركه ليكون في أجواف السباع وحواصل الطير لئلا ينطفي حزنه ليشتد الباعث على الأخذ بثأره لولا أن تحزن أخته صفية أو تكون سنة من بعده وحلف ليمثلن بثلاثين أو سبعين من قريش أن ظفر بهم جزاء عن تمثيلهم بعمه حمزة لكنه صبر وعفا ونهى عن المثلة لما أوحى الله تعالى إليه {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} وكرر الصلاة على حمزة مع كل شهيد حتى صلى عليه سبعين مرة ولما سمع البكاء من دور الأنصار على قتلاهم ذرفت عيناه فبكى وتأسف أن لا يكون لحمزة بواكي كثيرة مع أن الهاشميات كن يبكينه لكن لا كبكاء الأنصاريات في كثرتهن فقال لكن حمزة لا بواكي له وأي شهيد أحق بالبكاء عليه من حمزة الذي أبكى مصابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رؤساء الأنصار نساءهم أن يبكين حمزة قال ابن سعد: فهن إلى اليوم إذا مات ميت من الأنصار بدأ النساء فبكين على حمزة ثم بكين على ميتهن.

ولكن أبا سفيان وزوجته أظهرا من خبث السريرة ولؤم الغلبة ما هما له فمثلت هند بحمزة ولاكت كبده فسميت آكلة الأكباد وعير به نسلها إلى آخر الدهر وجعل بعلها يضرب بزج رمحه في شدق حمزة وهو ميت ويقول ذق عقق ولما بويع عثمان جاء أبو سفيان إلى قبر حمزة فرفسه برجله وقال يا أبا عمارة أن الذي تقاتلنا عليه يوم بدر صار في أيدي صبياننا:

فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى له ناول سيفه ابنته فاطمة وقال: "اغسلي عن هذا دمه يا بنية" وناولها علي (ع) سيفه وقد خضب الدم يده إلى كتفه فقال وهذا فاغسلي عنه فوالله لقد صدقني اليوم وأنشأ يقول:

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش". فأخذت فاطمة السيفين وجعلت تغسل عنهما الدم ونفسها فخورة بسيف ابن عمها وجهاده بين يدي أبيها وافتخاره بذلك تحدثا بنعمة الله عليه رغم ما بها من الحزن والجزع على عمها حمزة وهذا مقام لا بد أن تأخذ فيه الروعة والابتهاج نفس فتاة هاشمية نشأت في حجر النبوة وتفرعت من قبيلة عريقة في الشرف حين ترى بين يديها سيفي أبيها وابن عمها الشاب الشجاع الباسل الذي لم يمض على تزوجه بها إلا زمان قليل وقد خضب الدم يمين ابن عمها إلى كتفه وهما يقولان خذيهما يا فاطمة فاغسلي عنهما الدم وحق لعلي أن لا تغسل الدماء عن سيفه غير فاطمة وقد مر أن عليا قال لها امسكي هذا السيف غير ذميم والسياق يقتضي أن ذلك كان حين جاء بالماء من المهراس بأحد فكأنه حين أراد الذهاب لجلب الماء تخفف بإعطاء السيف لها إلى أن رجع حيث أن محل الماء قريب ولا حاجة هناك إلى السيف ثم أعطاه إياها في المدينة لتغسل عنه الدم ووصفه في المقامين بأنه غير ذميم أجل وكيف يكون ذميما سيف في يمين بطل الأبطال وأسد الحروب والوقائع والفخر في كل ذلك ليمين تحمله وكف يضرب به. قال المفيد في الإرشاد وغيره في غيره وفي قتله (ع) طلحة بن أبي طلحة ومن قتل معه يوم أحد وغنائه في الحرب وحسن بلائه يقول الحجاج بن علاط السلمي:

وقد تميز علي (ع) في هذه الوقعة كغيرها من الوقائع بأمور لم يشاركه فيها أحد: (منها) أنه كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها كما كان يوم بدر وصاحب لواء المهاجرين. والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها فقد مر إنه صلى الله عليه وسلم عقد يوم أحد ثلاثة ألوية اثنان للأوس والخزرج وهم الأنصار والثالث للمهاجرين فكان من مقتضيات التدبير والسياسة أن يكون ألوية الأنصار إلى رؤسائهم بما آووا ونصروا وبما لهم من الفضل على الإسلام وأما لواء المهاجرين فكان إلى علي (ع) فاجتمع له في أحد الراية واللواء وقد كان لواء قريش في الجاهلية إلى بني عبد الدار فأعطاه المشركون يوم أحد لهم لأنه حق من حقوقهم فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن أحق بالوفاء منهم ذكره ابن سعد في الطبقات فأخذه من علي (ع) وأعطاه إلى رجل منهم يسمى مصعب بن عمير فلما قتل رده إلى علي (ع) ذكر ذلك ابن هشام في سيرته والطبري وابن الأثير وصاحب السيرة الحلبية والمفيد وغيرهم قال ابن هشام لما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ثم روى بسنده أنه لما اشتد القتال يوم أحد أرسل صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب أن قدم الراية فتقدم. وقال الطبري لما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ومثله قال ابن الأثير وصاحب السيرة الحلبية.

(وقال المفيد) في الإرشاد روى المفضل بن عبد الله عن سماك عن عكرمة عن عبد الله بن العباس أنه قال لعلي بن أبي طالب أربع ما هن لأحد هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صاحب لوائه في كل زحف وهو الذي ثبت معه يوم المهراس يعني يوم أحد وفر الناس وهو الذي ادخله قبر هو قال محمد بن سعد في الطبقات: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بثلاثة أرماح فعقد ألوية فدفع لواء الأوس آسيا بن حضير ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن سعد بن عبادة ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب ويقال إلى مصعب بن عمير. ودفع اللواء إلى علي وإلى مصعب لا تنافي بينهما لما مر.

(ومنها) قتله أصحاب لواء المشركين وهم سبعة أو تسعة أولهم طلحة بن أبي طلحة الذي كان يسمى كبش الكتيبة لشجاعته والذي لم يبرز إليه أحد لما برز بعد ما كرر النداء ووبخ المسلمين لعدم خروج أحد منهم إليه بأنهم كاذبون في دعوى أن من يقتل منهم إلى الجنة ومن يقتل من غيرهم إلى النار فبرز إليه علي (ع) فقتله باتفاق الرواة وجرى له معه نظير ما جرى مع عمرو بن عبد ود يوم وقعة الخندق الآتية ولذلك كبر الرسول صلى الله عليه وسلم عند قتله تكبيرا عاليا إظهارا للسرور بقتله وكبر معه المسلمون فكان قتله أول فتح شد قلوب المسلمين وأوهن المشركين.

أما بقية من حمل اللواء من بني عبد الدار فقد عرفت أن المؤرخين ذكروا أن اثنين منهم قتلهما علي بن أبي طالب وهما أرطاة بن شرحبيل وصواب غلام لبني عبد الدار واختلفوا في الباقي فذكر الواقدي أن الذين قتلوهم جماعة مختلفين وإن الأصح في الرواية أن قاتلهم علي بن أبي طالب فان روايات الطبري وعلي بن إبراهيم والمفيد تدل على أن عليا (ع) هو الذي قتل أصحاب اللواء جميعهم كما مر هنا وفي الجزء الثاني وكان آخرهم عبدهم صواب وبقتلهم انهزم المشركون وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون وكانت الهزيمة لا شك فيها وإنما لم يجن المسلمون ثمرة انتصارهم ووقعت الغلبة عليهم بمخالفة الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(ومنها) ثباته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم فراره بعد ما فر عنه الناس جميعهم أو أكثرهم وأسلموه إلى عدوه. فمنهم من صعد في الجبل ومنهم من فر إلى المدينة ومنهم إلى خارجها. وكان عود من عاد منهم بسبب ثباته وتوجه العتاب من الله تعالى إلى كافتهم لهزيمتهم يومئذ سواه ومن ثبت معه من رجال الأنصار وكانوا ثمانية وقيل خمسة وقيل أربعة وقيل لم يثبت معه أحد وإنما عادوا بعد ما تنحوا كما مر بقوله تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد} وتقدمت قال المفيد في الإرشاد: روى سلام بن سليمان عن قنادة عن سعيد بن المسيب لو رأيت مقام علي يوم أحد لوجدته قائما على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يذب عنه بالسيف وقد ولى غيره الأدبار.

(ومنها) أنه كان هو المحامي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والدافع عنه كتائب المشركين الذين صمدوا لقتله كما مر.

(ومنها) أن أكثر المقتولين يومئذ قتلاه قال المفيد: وقد ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين فكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين (ع) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج جميع من قتل من المشركين يوم أحد ثمانية وعشرون قتل علي (ع) منهم ما اتفق عليه وما أختلف فيه اثنا عشر وهو قريب من نصف المقتولين كما كان يوم بدر وقد حكى عن الواقدي أنه عدهم هكذا من بني عبد الدار أحد عشر رجلا

1- طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء قريش قتله علي بن أبي طالب (ع) مبارزة

2-ع ثمان بن أبي طلحة قتله حمزة بن عبد المطلب

3- أبو سعيد بن أبي طلحة قتله سعد بن أبي وقاص

4- مسافع بن طلحة بن أبي طلحة قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح

5- كلاب بن طلحة بن أبي طلحة قتله الزبير بن العوام

6- الحارث بن طلحة بن أبي طلحة قتله عاصم بن ثابت

7- الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة قتله طلحة بن عبيد الله

8- أرطاة بن شرحبيل قتله علي بن أبي طالب

9- قارظ بن شريح بن عثمان بن عبد الدار قال الواقدي لا يدرى من قتله وقال البلاذري قتله علي بن أبي طالب وقيل قتله قزمان

10- أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير قتله قزمان

11- صواب مولى آل عبد الدار قتله علي وهذا لم ينقله ابن أبي الحديد فيما حكاه عن الواقدي بل كان آخر من نقله أبو عزيز ثم قال فهؤلاء أحد عشر مع إنهم عشرة ومر أنه عد قتلى علي اثني عشر مع إنهم أحد عشر أن لم يعد معهم فكأنه سقط من الناسخ ومن بني أسد بن عبد العزى رجل واحد

12- عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد قتله أبو دجانة في رواية الواقدي وفي رواية محمد بن إسحاق قتله علي بن أبي طالب ومن بني زهرة رجلان

13- أبو الحكم بن الأخنس بن شريق قتله علي بن أبي طالب

14- سباع بن عبد العزى الخزاعي قتله حمزة ومن بني مخزوم خمسة

15- أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة قتله علي

16- هشام بن أبي أمية بن المغيرة قتله قزمان

17- الوليد بن العاص بن هشام قتله قزمان

18- خالد بن أعلم العقيلي قتله قزمان

19- عثمان بن عبد الله بن المغيرة قتله الحارث بن الصمة ومن بني عامر بن لؤي اثنان

20- عبيد بن حاجز قتله أبو دجانة

21- شيبة بن مالك بن المضرب قتله طلحة بن عبيد الله ومن بني جمح اثنان

22- أبي بن خلف قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم

23- أبو عزة قتله عاصم بن ثابت ضبرا ومن بني عبد مناف بن كنانة أربعة

24- خالد بن سفيان بن عويف

25- أبو الشعثاء بن سفيان بن عويف

26- أبو الحمراء بن سفيان بن عويف

27- غراب بن سفيان بن عويف قال ابن الحديد هؤلاء الإخوة الأربعة قتلهم علي بن أبي طالب في رواية محمد بن حبيب قال ورأيت في بعض كتب أبي الحسن المدائني أن عليا هو قتل بني سفيان بن عويف يوم أحد وروى له شعرا في ذلك ومن بني عبد شمس رجل واحد

28- معاوية بن المغيرة بن أبي العاص قتله علي (ع) في إحدى الروايات وقيل قتله زيد بن حارثة وعمار بن ياسر هذا على ما ذكر الواقدي أما على ما ذكره غيره فقد عرفت أن عليا هو الذي قتل أصحاب اللواء التسعة على أصح الروايات وهم

1- طلحة بن أبي طلحة

2- أخوه أو ابنه أبو سعيد

3- أخوه عثمان

4- أخوه مسافع

5- أخوه الحارث أو خالد

6- ابن أخيه أبو عزيز

7- عبد الله بن حميد من بني أسد

8- أرطاة بن شرحبيل العبدري

9- صواب مولاهم هذا على رواية علي بن إبراهيم

10- قارظ بن شريح العبدري على رواية البلاذري

11- أبو الحكم بن الأخنس الثقفي

12- الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة

13- أخوه أمية

14- هشام بن أمية المخزومي

15- عمرو بن عبد الله الجمحي

16- بشر أو شيبة بن مالك العامري أحد بني عامر بن لؤي والستة الأخيرة في رواية ابن إسحاق وغيره

17 و18 و19 و20- أبناء سفيان بن عويف الأربعة المتقدمون على رواية محمد بن حبيب والمدائني

21- معاوية بن المغيرة على إحدى الروايات فإذا كان جميع من قتل من المشركين ثمانية وعشرين يكون من قتله علي منهم ما اتفق عليه وما اختلف فيه وأحدا وعشرين لا اثني عشر والله أعلم.

(ومنها) تركه الإجهاز على طلحة بن أبي طلحة حياء وكرما وعدم سلبه كما لم يسلب عمرو بن عبد ود مع تأسف سعد بن أبي وقاص يوم أحد على عدم تمكنه من سلب درع ومغفر وسيف لبعض المشركين.

(ومنها) أنه أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سقط في إحدى الحفر التي كان حفرها أبو عامر الراهب ليقع فيها المسلمون مما دل على ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أين كان وأين ذهب وحبس نفسه على حمايته.

ومنها أنه حمل الماء بدرقته من المهراس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(ومنها) أنه أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد انصراف قريش عن المعركة لينظر ما يصنعون هل قصدوا المدينة أو مكة.

وفي وقعة أحد يقول شاعر أهل البيت الحاج هاشم بن حردان الكعبي من قصيدة:

ويقول المؤلف من قصيدة:

ثم تلا وقعة أحد بلا فاصل غزوة حمراء الأسد وكان علي فيها معه اللواء كما كان في كل غزوة فدعا بلواء معقود لم يحل فدفعه إلى علي ومرت مفصلة في الجزء الثاني.

سنة أربع من الهجرة أخباره في غزوة بني النضير

وكانت في ربيع الأول سنة أربع من الهجرة ومرت مفصلة في الجزء الثاني في السيرة النبوية ونذكر منها هنا ما له تعلق بسيرة أمير المؤمنين (ع) وأن لزم بعض التكرار. وبنو النضير بطن من اليهود الذين كانوا بقرب المدينة وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم معاهدة ومهادنة فنقضوا العهد وأرادوا أن يلقوا على النبي صلى الله عليه وسلم صخرة وهو جالس بجانب جوار من بيوتهم فجاءه الوحي بذلك فأرسل إليهم أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني وقد هممتم بالغدر واجلهم عشرا فقالوا نخرج فأرسل إليهم عبد الله بن أبي بن سلول لا تخرجوا ووعدهم النصرة فطمع رئيسهم حيي بن اخطب في ذلك ونهاه سلام بن مشكم رئيس آخر فلم يقبل فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم رايته علي بن أبي طالب وسار إليهم فصلى العصر بفنائه وضرب قبته هناك قال المفيد في الإرشاد: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير عمل على حصارهم فضرب قبته في أقصى بني حطمة من البطحاء فلما اقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم فأصاب القبة فأمر أن تحول قبته إلى السفح فلما اختلط الظلام فقدوا عليا فقال الناس يا رسول الله لا نرى عليا فقال رآه في بعض ما يصلح شأنكم فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى النبي صلى الله عليه وسلم ويقال له عزور فطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف صنعت فقال إني رأيت هذا الخبيث جريا شجاعا فكمنت له وقلت ما أحراه أن يخرج إذا اختلط الليل يطلب منا غرة فاقبل مصلتا بسيفه في تسعة نفر من اليهود فشددت عليه فقتلته وافلت أصحابه ولم يبرحوا قريبا فابعث معي نفرا فاني أرجو أن أظفر بهم فبعث معه عشرة فيهم أبو دجانة وسهل بن حنيف فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن فقتلوهم وجاءوا برؤوسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تطرح في بعض آبار بني حطمة وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير. وفي السيرة الحلبية وكان رجل منهم اسمه عزور أو غزول وكان راميا يبلغ نبله ما لا يبلغه غيره فوصل نبله تلك القبة فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فحولت وفقد علي قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا فقال دعوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس غزول كمن له علي حين خرج يصلب غرة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من معه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فادركوهم وقتلوهم وذكر بعضهم أن أولئك الجماعة كانوا عشرة وإنهم أتوا برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار قال وفي هذا رد على بعض الرافضة حيث ادعى أن عليا هو القاتل لأولئك العشرة ونقول لم يدع أحد من الشيعة الذين نبزهم لنصبه بالرافضة أن عليا هو القاتل لهم وقد سمعت كلام شيخ الشيعة ومقتداها في إرشاده وليس فيه شيء من ذلك وما الذي يدعو هذا البعض إلى دعوى غير صحيحة وتفوق علي في الشجاعة أمر فوق التواتر فلا يحتاج من يريد إثباته إلى الكذب وإنما يحتاج إلى الكذب من يدعي شجاعة لمن لم يؤثر عنه أنه قتل أحدا في حرب من الحروب ثم ألا يكفي في بلوع علي أعلى درجات الشجاعة خروجه ليلا وحده لا يشعر به أحد لمقابلة عشرة من الشجعان أقدموا هذا الإقدام وقتله رئيسهم وإحضاره رأسه وهزيمة التسعة وإقدامه ثانيا مع عدة عليهم حتى قتلوهم وجاءوا برؤوسهم ولولا مكانه ما اجترؤوا عليهم أفلا يكفي هذا كله حتى يدعي أحد الشيعة أنه قتل العشرة وحده فيتبجح صاحب السيرة الحلبية بالرد عليه. وفي ذلك يقول الحاج هاشم الكعبي شاعر أهل البيت:

ويقول المؤلف من قصيدة:

قال المفيد في الإرشاد وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير وكانت أول صافية قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين الأولين وأمر عليا (ع) فحاز ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها فجعله صدقة وكان في يده مدة حياته ثم في يد أمير المؤمنين بعده وهو في يد ولد فاطمة حتى اليوم قال وفيما كان من أمر أمير المؤمنين في هذه الغزاة وقتله اليهودي ومجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم برؤوس التسعة نفر يقول حسان بن ثابت:

وهذا صريح في أن ذلك أو مثله وقع مع بني قريظة وقيل فيه الشعر فكيف أورده في بني النضير ولعله لذلك أورد في البحار ببني نضير عوض ببني قريظة والله أعلم.

ثم تلا عزوة بني النضير غزوات أخرى غير مهمة كغزوة بدر الموعد وحمل لواء النبي صلى الله عليه وسلم فيها علي بن أبي طالب وغزوتي ذات الرقاع ودومة الجندل وغيرها ولم يذكر المؤرخون مع من كان لواؤه فيهما ولا بد أن يكون مع علي فقد صرح المؤرخون أنه لم يتخلف عنه في غزاة غير تبوك وإنه صاحب لوائه في المواقف كلها ومرت الغزوات الثلاث مفصلة في الجزء الثاني.

وفي شعبان في الثالث أو الخامس منه سنة أربع من الهجرة ولد الحسين بن علي من فاطمة الزهراء وقيل سنة ثلاث فجيء به إلى جده فسماه حسينا.

سنة خمس من الهجرة أخباره في غزوة بني المصطلق من خزاعة

وكانت في شعبان سنة خمس من الهجرة على ماء لهم يسمى المريسيع بينه وبين الفرع نحو من يوم ورئيسهم الحارث بن أبي ضرار والد جويرية أم المؤمنين دعا قومه وغيرهم لحرب النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فخرج إليهم واقتتلوا عند المريسيع فنصر الله المسلمين ولم يقتل منهم إلا رجل واحد قتله المسلمون خطا وقتل من العدو عشرة وأسر الباقون وغنموا النعم. قال المفيد في الإرشاد: كان من بلاء علي (ع) ببني المصطلق ما اشتهر عند العلماء وكان الفتح له في هذه الغزاة بعد أن أصيب يومئذ ناس من بني عبد المطلب فقتل أمير المؤمنين (ع) رجلين من القوم وهما مالك وابنه وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبيا كثيرا وكان ممن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار وكان الذي سبى جويرية أمير المؤمنين (ع) فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعتقها وتزوجها. وقال ابن هشام في سيرته: قتل علي بن أبي طالب (ع) منهم رجلين مالكا وابنه وفي هذه الغزاة حارب علي (ع) كفار الجن بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه المفيد مسندا وقال إنها روته العامة كما روته الخاصة وكذلك حكى روايته صاحب السيرة الحلبية وقد ذكرنا هذه الرواية مسندة مفصلة بجميع ما يتعلق بها وكذا ما حكاه صاحب السيرة الحلبية فيما مر عند ذكر أدلة إمامته فاغني عن ذكر ذلك هنا.

حديث الإفك

ومرت الإشارة إليه في الجزء الثاني ونذكره هنا لارتباط أمور منه بسيرة أمير المؤمنين (ع). وقع في هذه الغزاة حديث الإفك وحاصله أن عائشة أم المؤمنين كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة فلما رجع وقارب المدينة نادوا ليلة بالرحيل فخرجت عائشة خارج الجيش لقضاء حاجة فلما عادت رأت عقدها قد انقطع فعادت تطلبه فوجدته واقبل الذين كانوا يرحلونها فاحتملوا الهودج وهم يظنونها فيه لأنها كانت صغيرة السن خفيفة اللحم وساروا ورجعت فوجدت الجيش قد رحل فجلست مكانها ليرجعوا إليها إذا فقدوها وغلبتها عينها فنامت وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني من وراء الجيش فجاء فرآها فاسترجع فأفاقت وأناخ راحلته فركبتها وسار يقود بها الراحلة حتى أتوا الجيش عند الظهر وهم نزول فأول من أشاع حديث الإفك عبد الله بن أبي بن سلول وممن أشاعه حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وغيرهم وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ ذلك عائشة من أم مسطح لما كانت معها ليلا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فلامتها عائشة فقالت لها ألم تسمعي ما قال وأخبرتها قال دحلان في سيرته: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد لما أبطأ عليه الوحي فاستشارهما في فراق له ف أما أسامة فقال هم لك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك فسال جاريتها بريرة فحلفت إنها ما رأت عليها أمرا معيبا قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاي في لي يعني عبد الله بن أبي وقد ذكروا رجلا يعني صفوان ما علمت عليه إلا خيرا وما يدخل على لي إلا معي. وكادت أن تقع بين الأوس والخزرج فتنة بسبب عبد الله بن أبي فرقة تطلب أن يؤمروا بقتله وفرقة تدافع عنه فأسكتهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل عليه الوحي ببراءتها بقوله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} الآيات العشر وأقيم الحد على من قذفها كحسان ومسطح وغيرهما لكنهم لم يذكروا أنه أقيم على عبد الله بن أبي. وفيما اوردوه في هذا الحديث مواقع للنظر أولا استشارته عليا وأسامة في فراق له لا يقبله عقل وكيف يفارقها لقول منافق كابن أبي ومن تابعه ولم يستندوا إلى برهان بل كيف يخطر بباله مفارقتها قبل أن يثبت عليها شيء وذلك يؤيد تحققه الأمر فيلصق العار به وبأهله هذا لا يمكن أن يقع من غبي فكيف بأكمل خلق الله وكيف يشير عليه علي بذلك وهو غش لا يمكن أن يخفى على من دون علي في الذكاء والفطنة والذي يلوح أن أعداء علي هم الذين اختلقوا هذا ليلصقوا به ما لا يليق نعم الظاهر أنه لما سمع ذلك عن لسان ابن أبي صعد المنبر وشكاه ثانيا كيف يقول له سل الجارية تصدقك وكيف يسألها الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا بحث عن المعائب ومحبة لشيوع الفاحشة لا يجوز من أي مسلم كان فضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو تبرع أحد بهذا الأخبار ولم يقم الميزان الشرعي عليه لوجب عليه الحد فكيف يحمل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية على أن تتكلم بما يوجب عليها الحد وهو لو اعترف له شيخ صلى الله عليه وسلم بذلك يعرض له بالإنكار والرجوع عن هذا الإقرار حتى يعترف بذلك ثلاثا ثالثا هب أن الجارية أخبرته بشيء هل كان له أن يصدقها كلا بل كان عليه أن يقيم عليها حد القذف ما لم تقم الميزان الشرعي فأي فائدة في هذا السؤال كل هذا يدلنا على أن أرادته تطليق زوجته واستشارته في ذلك أمر مكذوب وانه لم يقع منه غير الشكوى على المنبر ممن آذاه في له. وزاد صاحب السيرة الحلبية نغمة في هذا الطنبور فروى أنه استشار عمر فقال له من زوجها لك يا رسول الله قال الله تعالى. قال أفتظن أن الله دلس عليك فيها فلو صح هذا الخبر لكان عمر يصل بعلمه إلى ما لا يصل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ويهتدي إلى ما لا يهتدي وقد زاد في الطنبور نغمات أيضا قوله وفي لفظه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فسألها فقام إليها علي فضربها ضربا شديدا وجعل يقول لها أصدقي رسول الله فتقول والله ما أعلم إلا خيرا قال وضربها كما قال السهيلي ولم تستوجب ضربا ولا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربها لأنه اتهمها في إنها خانت الله ورسوله فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه والعجب ممن يودعون أمثال هذه الأحاديث في كتبهم ولها منها شواهد على كذبها فعلي الذي يقول والله لو أعطيت الأقاليم السبع بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت كيف يمكن أن يضرب جارية بغير حق ليحملها على الكذب والشهادة بما لم تر وكيف يمكن أن يضربها بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم بمحضر منه ومن أعرف منه بحقه وأحق بتعظيمه وكيف يمكنه النبي من ضربها بغير حق أليس هذا قدحا في النبي قبل أن يكون قدحا في علي وإن كان ضربها ضربا شديدا فلا بد أن يكون متكررا فكيف لم يمنعه النبي منه وسكت عنه بل لم يؤنبه على الأقل فمختلق هذا الحديث ليعيب عليا قد خانته فطنته ولم يلتفت إلى أنه يؤدي إلى عيب النبي صلى الله عليه وسلم ونسبة الظلم إليه وأبرد من ذلك تعليل السهيلي فإنه اتهمها في إنها خانت الله ورسوله فهل يسوع في الشرع العقاب بمجرد التهمة. وهنا استغل أخصام الشيعة سوق الأكاذيب فروجوها. قال صاحب السيرة الحلبية: فمن نسبها إلى الزنا كغلاة الرافضة كان كافرا وحكى مثله دحلان في سيرته عن السهيلي ثم قال حضر بعض الشيعة مجلس الحسن بن زيد الداعي وكان من عظماء أهل طبرستان فنسب الشيعي إلى عائشة شيئا من القبيح فأمر بضرب عنقه فاعترضه بعض العلوية وقال هذا من شيعتنا فقال معاذ الله هذا طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول ليس في غلاة الشيعة ولا معتدليهم من ينسب عائشة إلى ذلك كبرت كلمة تخرج من أفواه هؤلاء المفترين وإن كانوا صادقين فيما يقولون فليأتونا باسم من يقول ذلك وفي أي موضع وجدوه أم في أي كتاب رأوه كلا إنهم لكاذبون مفترون ظالمون مفسدون لا حجة لهم على ما قالوا ولا برهان وما حملهم على ذلك إلا العداوة والعصبية بالباطل ورقة الدين وهكذا ما حكاه دحلان عن الحسن ابن زيد الداعي كذب وبهتان لأنا نعلم علما يقينا أنه ليس في الشيعة من ينسب أم المؤمنين عائشة إلى القبيح وإن من عقيدتهم أن زوجة النبي يجوز أن تكون كافرة كامرأتي نوح ولوط ولا يجوز أن تكون زانية لأن ذلك يخل بمقام النبوة. وإنما يقولون ولا يتحاشون بأنها أخطأت بخروجها على الإمام العادل وحربها له ومخالفتها أمر القرآن لها أن تقر في بيتها. والذي طعن على رسول الله هو من روى أن عليا ضرب الجارية أمامه بغير حق وسكت كما مر.

أخباره في وقعة الخندق

وكانت في ذي القعدة أو شوال سنة خمس من الهجرة بعد غزوة أحد بسنتين ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد منها هنا ما له تعلق بسيرة أمير المؤمنين علي (ع) وإن لزم بعض التكرار وسببها أنه لما أجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير إلى خيبر لنقضهم العهد خرج جماعة من أشرافهم إلى مكة منهم حيي بن اخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن أبي الحقيق فألبوا قريشا وعاهدوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوهم لذلك موعدا. ثم أتوا غطفان وسليما ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف والأحابيش قوم من العرب خارج مكة وهم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمة كانوا حلفاء قريش وسموا الأحابيش لأنهم اجتمعوا عند جبل بأسفل مكة اسمه حبشي وتحالفوا على إنهم مع قريش يد واحدة على غيرهم ما سبح ليل وما وضح نهار وما رسا حبشي مكانه وعقدوا اللواء في دار الندوة فحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وهو الذي قتل علي (ع) أباه يوم أحد وهو غير عثمان بن أبي طلحة الذي قتل يوم أحد فذاك عمه وقادوا ثلثمائة ثلثمائة فرس ومعهم ألف وخمسمائة بعير وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية ووافتهم بنو سليم بمر الظهران سبعمائة وقائدهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو والد أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين فبينهما صلة قديمة جاهلية لم يغيرها الإسلام وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وفزارة ألف يقودهم عيينة بن حصن وأشجع أربعمائة وبنو مرة أربعمائة مع قائدين لهم فكان جميع من ورد الخندق عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر ورئيس الكل أبو سفيان ولما تهيئوا للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر الناس وندبهم فأشار سلمان بالخندق فحفروه في ستة أيام أو أكثر ففرغوا منه قبل مجيء قريش والمسافة بين مكة والمدينة عشرة أيام بسير الإبل ومسير جيش فيه عشرة آلاف أن لم يزد على عشرة أيام لم ينقص فإذا أنقصنا منها أربعة أيام التي سارها ركب خزاعة بقي ستة هذا أن لم تكن قريش تأخرت عن مسير الركب يوما أو أكثر. ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام جمع اطم كأصنام وصنم وهو بناء كالحصن وهذه الآطام كانت من بين بيوت المدينة وكانت المدينة مشبكة بالبنيان والنخيل من سائر جوانبها إلا جانبا وأحدا وهو الذي فيه الخندق ولا يتمكن أحد من الدخول إليها إلا من ذلك الجانب فلذلك جعلوا النساء والذراري في الآطام ومنه يعلم أن الخندق لم يكن على جميع جوانب المدينة بل على بعض جوانبها كما مر في الجزء الثاني وأقبلت قريش بعد حفر الخندق فنزلت بمجتمع الأسيال ونزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف فعسكر إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة فجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم. وكانت اليهود ثلاثة بطون معاهدين له صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع وبنو النضير وقريظة فنقض الأولان العهد وبقيت قريظة فدس أبو سفيان حيي بن اخطب إلى كعب بن أسد سيد قريظة لينقضوا العهد فلم يقبل فلم يزل به حتى وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فكتمه واحتال نعيم بن مسعود بحيلة مرت في الجزء الثاني خذل بها بين قريش وقريظة وعظم البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم قريظة والنضير وغطفان ومن أسفل منهم قريش ومن تبعها حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق وكانوا كما قال الله تعالى إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، إلى قوله: غرورا وبقي المشركون محاصرين المدينة قريبا من شهر ولم يكن بينهم إلا الحصار والترامي بالنبل والحصى فلما اشتد البلاء على الناس أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قائدي غطفان فبذل لهما ثلث ثمار المدينة ليرجعا بمن معهما فلم يرضى بذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة لما اخبرهما أنه من باب الرأي وليس بأمر سماوي.

قتل عمرو بن عبد ود

وجاء فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الفهري تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فصاروا إلى مكان ضيق فيه كان قد أغفله المسلمون فاكرهوا خيولهم فطفرت بهم فوق الخندق وجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وصاروا هم والمسلمون على صعيد واحد. قال ابن هشام والطبري: وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى اخذ عليهم الثغرة التي اقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان عمرو ومن معه تعنق نحوهم نحو المسلمين وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب فقال له يا عمرو انك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه أحداهما قال أجل قال له علي فاني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك قال فاني أدعوك إلى النزال قال ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك قال علي ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه ثم اقبل على علي فتنازلا وتجأولا فقتله علي (ع) وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت الخندق هاربة (الخبر).

وقال الطبري في تاريخه والمفيد في إرشاده واللفظ مقتبس من كليهما وربما زاد أحدهما على الآخر: انتدبت فوارس من قريش للبراز منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أخو بني عامر ابن لؤي بن غالب وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا للقتال ثم مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب ثم اقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق ثم تيمموا مكانا من الخندق فيه ضيق فضربوا خيلهم فاقتحمته وجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج أمير المؤمنين علي (ع) في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها، قال المفيد فتقدم عمرو بن عبد ود الجماعة الذين خرجوا معه وقد أعلم ليرى مكانه فلما رأى المسلمين وقف هو والخيل التي معه وقال هل من مبارز فبرز إليه أمير المؤمنين فقال له عمرو أرجع يا ابن الأخ فما أحب أن أقتلك فقال له أمير المؤمنين قد كنت يا عمرو عاهدت الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خصلتين إلا اخترتها منه قال فما ذاك قال إني أدعوك إلى الله ورسوله والاسلام قال لا حاجة لي إلى ذلك قال فاني أدعوك إلى النزال فقال ارجع فقد كان بيني وبين أبيك خلة وما أحب أن أقتلك قال لكني والله أحب أن أقتلك ما دمت آتيا للحق فحمي عمرو عند ذلك وقال أتقتلني ونزل عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه حتى نفر واقبل على علي مصلتا بسيفه وبدره بالسيف فنشب سيفه في ترس علي (ع) فضربه أمير المؤمنين (ع) ضربة فقتله فلما رأى عكرمة وهبيرة وضرار عمرا صريعا ولوا بخيلهم منهزمين حتى اقتحموا الخندق لا يلوون إلى شيء وانصرف أمير المؤمنين إلى مقامه الأول وقد كادت نفوس الذين خرجوا معه إلى الخندق تطير جزعا وهو يقول:

وفي السيرة الحلبية وغيرها أن عمرا لما عبر هو ومن معه الخندق قال من يبارز فقام علي وقال أنا له يا نبي الله قال اجلس أنه عمرو ثم كرر النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها أفلا يبرزن إلى رجل وقال:

فقام علي وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا رسول الله قال اجلس أنه عمرو ثم نادى الثانية ففعل مثل ذلك ثم نادى الثالثة فقام علي فقال أنا له يا رسول الله فقال أنه عمرو فقال وإن كان عمرا وفي رواية أنه قال له هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل وهو اسم واد كانت له فيه وقعة فقال وأنا علي بن أبي طالب فإذن له وأعطاه سيفه ذا الفقار والبسه درعه وعممه بعمامته وقال اللهم أعنه وقال إلهي أخذت عبيدة مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين. وقال ابن أبي الحديد جاء في الحديث المرفوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم حين برز إليه: برز الإيمان كله إلى الشرك كله فبرز إليه علي وهو يقول:

فقال له عمرو من أنت قال أنا علي قال ابن من قال ابن عبد مناف أنا علي بن أبي طالب فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أشد منك فانصرف فاني أكره أن ريق دمك فان أباك كان لي صديقا وكنت له نديما قال علي لكني والله ما أكره أن ريق دمك فغضب وفي رواية أنه قال إني لأكره أن اقتل الرجل الكريم مثلك فارجع وراءك خير لك قال ابن أبي الحديد: كان شيخنا أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول إذا مررنا عليه في القراءة بهذا الموضع: والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه بل خوفا منه، فقد عرف قتلاه ببدر واحد وعلم أنه أن ناهضه قتله فاستحيا أن يظهر الفشل فاظهر الإبقاء والإرعاء وانه لكاذب فيهما وهذا ظاهر من كثرة مطاولة عمرو ومحاولته ومدافعته المبارزة واستعماله عبارات العطف والحنان مثل ولم يا ابن أخي؟ غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أشد منك أن أباك كان لي صديقا ونديما وكان بيني وبينه خلة فما أحب أن أقتلك إني أكره أن اقتل الرجل الكريم مثلك وكل هذا ظاهرا في أرادة التخل صلى الله عليه وسلم والتمل صلى الله عليه وسلم بحيلة لا يظهر معها العجز وليس المقام مقام صداقة ومنادمة بينه وبين أبيه ولا مقام عطف وحنان فذلك له مقام آخر غير الحرب فعمرو الذي حارب يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ونذر أن لا يمس رأسه دهن حتى يقتل محمدا قد بلغت به العداوة أشدها ولا فرق عنده بين محمد وابن عمه المحامي عنه الذي خرج لقتله وكون المبارز له كريما لا يمنع من مبارزته وقتله وما زال المبارز يقول لقرنة كفو كريم ويجعل ذلك داعيا لمبارزته وقد قال عتبة يوم بدر لحمزة وعبيدة وعلي لما انتسبوا له اكفاء كرام وبارزهم ولكن عمرا علم أن من قتل نصف المقتولين ببدر وفيهم الأبطال الشجعان وقتل كبش الكتيبة بأحد وأصحاب اللواء وأكثر المقتولين بها لا بد أن يلحقه بهم إذا بارزه فلذلك أراد التخل صلى الله عليه وسلم منه بصورة غير الهرب فلم يقدر. فقال له علي يا عمرو انك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها قال أجل قال فاني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتسلم لرب العالمين، قال يا ابن أخي أخر عني هذه فقال له أما إنها خير لك لو اخذتها، قال واخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت فإنه نذر لما أفلت هاربا يوم بدر وقد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا، قال فالثالثة قال البراز قال أن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يروعني بها ولم يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو فقال له علي كيف أقاتلك وأنت فارس ولكن انزل معي فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه وسل سيفه كأنه شعلة نار واقبل على علي فتنازلا وتجأولا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي على حبل عاتقه فسقط. وفي الإرشاد: روى محمد بن عمر الواقدي حدثني عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن الزهري قال جاء عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وضرار بن الخطاب في يوم الأحزاب إلى الخندق فجعلوا يطوفون به يطلبون مضيقا منه فيعبرون حتى انتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت وجالت خيلهم فيما بين الخندق وسلع والمسلمون وقوف لا يقدم منهم أحد عليهم وجعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز ويعرض بالمسلمين ويقول:

وفي كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب ليبارزه فيأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجلوس انتظارا منه ليتحرك غيره والمسلمون كان على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود والخوف منه وممن معه ومن ورائه فلما طال نداء عمرو بالبراز وتتابع قيام أمير المؤمنين (ع) قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ادن مني يا علي فدنا منه فنزع عمامته من رأسه وعممه بها وأعطاه سيفه وقال له امض لشأنك ثم قال اللهم أعنه فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبد الله الأنصاري لينظر ما يكون منه ومن عمرو فلما انتهى أمير المؤمنين إليه قال يا عمرو انك كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا قبلتها أو واحدة منها قال أجل قال فاني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وان تسلم لرب العالمين قال يا ابن أخ أخر هذه عني فقال له أما إنها خير لك لو أخذتها ثم قال فهاهنا أخرى قال ما هي قال ترجع من حيث جئت قال لا تحدث نساء قريش بهذا أبدا قال فهاهنا أخرى قال وما هي قال تنزل فتقاتلني فضحك عمرو وقال أن هذه الخصلة ما كنت أظن أحدا من العرب يرومني عليها إني لأكره أن اقتل الرجل الكريم مثلك وقد كان أبوك لي نديما قال علي لكني أحب أن أقتلك فأنزل أن شئت فأسف عمرو ونزل وضرب وجه فرسه حتى رجع قال جابر فثارت قترة فما رأيتهما فسمعت التكبير تحتها فعلمت أن عليا قد قتله فانكشف أصحابهوثوران الغبرة بينهما حتى حجبتهما عن الابصار دليل شدة المنازلة والمجاولة وإنها بلغت أقصى درجات الشدة وإلا فما تبلغ مجاولة رجلين حتى تثير غبارا يغطيهما لا شك أن مقاومة عمرو بلغت أشدها ومجاولة علي بلغت أقصى ما يتصور من الشدة حتى أثار ذلك غبارا حجبهما عن الأبصار. وفي رواية أنه لما قتله كبر المسلمون فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير عرف أن عليا قتل عمرا قال جابر فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله من قصة قتل داود جالوت، وقال مثل ذلك يحي بن آدم فيما رواه الحاكم في المستدرك واختلفت هذه الروايات في عدد الخلال التي كان عمرو يقول أنه لا يدعى إلى واحدة منها إلا أجاب ففي بعضها اثنتان وفي بعضها ثلاث فيمكن أن يكون الراوي نسي واحدة منها وفي غير ذلك لا تنافي بينها فإنه ليس في أحداها اثبات شيءنفته الأخرى وإنما في أحداها السكوت عن شيء أثبتته الأخرى واتفقت منها روايات ابن هشام والطبري والمفيد على أن عليا (ع) لما رأى هؤلاء الستة عبروا الخندق بادر مع نفر من المسلمين إلى الثغرة التي اقحموا خيلهم منها فأخذها عليهم ورابط عندها. وذلك أنه لم يكن في الحسبان أن أحدا من المشركين يستطيع عبور الخندق فلما عبره هؤلاء على حين غفلة بادر علي بمن معه ليمنعوا غيرهم لو حاولوا العبور وليكونوا في مقابل الذين عبروا فيدفعوهم ويقاتلوهم ويمنعوهم من الرجوع إلى عسكرهم. وهذه منقبة انفرد بها علي (ع) في هذه الوقعة بمبادرته لحماية الثغرة واخذ نفر معه يعينونه ويرهبون العدو حين بدههم هذا الأمر الذي لم يكن في الحسبان وعلموا أن هؤلاء الذين اقتحموا الخندق بخيولهم واقدموا على ما كان يخال أنه ليس بممكن وقابلوا ثلاثة آلاف من عدوهم هم من أشجع الشجعان. ومن الذي يبقى ثابت العصب في مثل هذا الموقف المخيف فيواجه سبعة فرسان من أشجع الشجعان وراءهم جيش فيه عشرة آلاف مقاتل غير علي ومع ذلك فهو راجل أما النفر الذين جاءوا معه فلم يكن الغرض من مجيئهم معه غير تكثير السواد وإلا فليس فيهم غناء ولا مساعدة فقد سمعت قول المفيد أنه لما عاد إليهم بعد قتله عمرا وجدهم قد كادت نفوسهم تطير جزعا وخوفا فدل على أنه لما فارقهم علي وذهب لمبارزة عمرو وتركهم عند الثغرة بجانب الخندق ليحفظوها استولى عليهم الخوف والجزع وكادت نفوسهم تطير جزعا، وجزعهم هذا الشديد لما فارقهم علي ليبارز عمرا يدل على إنهم بخروجه خرجوا واليه استندوا وعليه اعتمدوا وانه لم يكن في خروجهم معه فائدة إلا تكثير السواد. وظاهر الروايات أن عليا ومن معه كانوا رجالة ولكن هذا الراجل صنع ما لم تصنعه ولم تستطعه الفرسان فاستنزل عمرا عن فرسه وقتله.

وحاصل المستفاد من مجموع الروايات أن عمرا لما عبر الخندق مع أصحابه وتقدم نحو عسكر المسلمين بادر علي ومعه جماعة فاخذ عليهم الثغرة التي عبروا منها ورابط عندها فان أرادوا قتاله قاتلهم وان أرادوا الرجوع منعهم وان حاول غيرهم العبور منعه ثم تقدم عمرو وأصحابه إلى جهة عسكر المسلمين وطلب عمرو المبارزة فلم يجبه أحد فلما سمعه علي ورأى أن أحدا لا يخرج إليه ترك مكانه من الثغرة وأبقى فيه أصحابه الذين خرجوا معه إلى الخندق فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا له فإنه لم يكن ليبارزه بغير إذنه وانه إنما لم يأذن له من أول الأمر رجاء أن يقوم إليه أحد فيبارزه فدافعه عن مبارزته مرة بعد مرة فلما رأى أنه لم يقم إليه أحد بعد تكرير النداء أذن له وإنما فعل ذلك ليخفف عن علي ويدخره لمهام كثيرة عظيمة أو أنه أراد أن يظهر فضله على غيره مع علمه أنه لا يقوم إلى عمرو أحد غيره بما رآه من ظاهر حالهم ثم أذن له في مبارزته فبارزه وقتله وجاء برأسه ثم عاد إلى مقامه الأول من الثغرة لأن الخطر لم يرتفع ولم يؤمن عبور غير عمرو وأصحابه منها فوجد الذين تركهم عند الخندق قد استولى عليهم الخوف والجزع وقد كادت نفوسهم تطير جزعا لإنهم يخافون من رجوع عمرو ومن معه إليهم ومن هجوم أحد من المشركين عليهم كما فعل عمرو ومن معه فلما عاد علي إليهم وقد قتل عمرا اطمانت نفوسهم.

ما فعله علي بعد قتله عمرا

ثم أن عليا بعد قتله عمرا قطع رأسه وأقبل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل فألقاه بين يديه وعاد مسرعا إلى مكانه الذي كان فيه من الثغرة وقتل ابنه حسلا ولحق هبيرة ففاته وقتل نوفلا في الخندق. وفي الإرشاد بسنده عن الحسن البصري أن عليا لما قتل عمرو بن عبد ود اخذ رأسه وحمله فألقاه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا". ورواه غير المفيد أيضا.

ما جرى للفرسان الذين كانوا مع عمرو

وأما الفرسان الذين كانوا مع عمرو فالذين ذكرت أسماؤهم ستة وهم منبه بن عثمان بن عبيد العبدري ونوفل بن عبد الله المخزومي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج أم هانئ بنت أبي طالب مات على كفره وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب الفهري وحسل بن عمرو بن عبد ود. وضرار هذا ليس أخا عمر بن الخطاب كما يدل عليه كلام الطبري والمفيد السابق وقال صاحب السيرة الحلبية وتبعه زيني دحلان أنه أخو عمر بن الخطاب لاشتراكهما في اسم الأب وهو غلط لأن عمر هو ابن الخطاب بن نفيل بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب العدوي كما ذكره أصحاب كتب الصحابة وغيرهم وهذا ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر الفهري كما ذكره الطبري وتبعه المفيد. أما الخمسة الأولون منهم فإنهم لما رأوا ما جرى على عمرو هربوا راجعين لا يلوون على شيء لأنهم علموا إنهم لو بقوا كان نصيبهم نصيب عمرو فإنه كان أشجعهم ومقدمهم واشتغل علي عنهم بأخذه رأس عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما عاد مسرعا ليلحقهم ويحمي الثغرة وجدهم قد هربوا فبعضهم أسرع فطفر الخندق وسلم وهما عكرمة ألقى رمحه وهرب وضرار وقتل منهم رجلان منبه أصابه سهم فمات منه بمكة ونوفل اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل إليه علي فقتله وفي رواية ضربه بالسيف فقطعه نصفين ولحق علي (ع) هبيرة فاعجزه وضرب قربوس سرجه فسقطت درع له كان قد احتقبها وقد لحقه قبل أن يعبر الخندق وهبيرة فارس وعلي راجل فلذلك فاته هربا ولم يقدر إلا على ضرب قربوس سرجه ولو وقف له لقتله فطفر الخندق وسلم. وفي السيرة الحلبية في رواية: ثم حمل ضرار بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب على علي فاقبل علي عليهما فأما ضرار فولى هاربا ولم يثبت وأما هبيرة فثبت ثم ألقى درعه وهرب وكان فارس قريش وشاعرها: وذكر أن ضرار بن الخطاب لما هرب تبعه أخوه عمر بن الخطاب وصار يشتد في أثره فكر ضرار راجعا وحمل على عمر بالرمح ليطعنه ثم أمسك وقال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلي عندك غير مجزي بها فاحفظها ووقع مع عمر مثل ذلك في أحد فإنه التقى معه فضرب عمر بالقناة ثم رفعها عنه وقال له ما كنت لأقتلك يا ابن الخطاب وقوله أخوه غلط كما عرفت فيكون ضرار هذا قد حمل على عمر مرتين وأمكنه أن يقتله فعفا عنه. وأما حسل فروى ابن هشام في ‹ صفحة 397 › سيرته عن ابن شهاب الزهري قال كان مع عمرو ابنه حسل فقتله علي (ع) ولعله قتله قبل أن يهرب ولذلك قالوا أن من قتل من الهاربين اثنان ولو كان معهم لكانوا ثلاثة. ولا شك أن منبها وعكرمة وضرارا بعد ما وصلوا من هزيمتهم إلى عسكر المشركين اخبروهم بما جرى لعمرو وبما أوجب هزيمتهم ففت ذلك في اعضادهم.

وقد امتاز علي عن جميع من حضر الخندق بأمور:

الأول: مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها عمرو وأصحابه، والذين كانوا معه لولاه لم يجيئوا ولولا ثباته لم يثبتوا بدليل أنه لما فارقهم ثم رجع إليهم وحدهم قد طارت نفوسهم جزعا كما مر ومع ذلك فلم يجدوا طائلا فإنه لما هرب الفرسان الذين كانوا مع عمرو لم يقدروا أن يمنعوهم ولا أن يقتلوهم فمنبه طفر الخندق وأصابه سهم قبل طفره أو بعده ولم يذكروا من الذي رماه فوصل مكة جريحا ومات بها وضرار وعكرمة طفرا الخندق وسلما وهبيرة لم يلحقه غير علي ونوفل طفر فوق الخندق ولم يقدروا عليه ولو لم يتورط به فرسه لسلم ولعلهم كانوا ممن رماه بالحجارة لما سقط في الخندق فكان ذلك أقصى مجهودهم.

الثاني: وهو أعظمها مبارزته عمرا وقتله حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ضربته عمرا تعدل عمل الثقلين" وكانت هي الموجبة لهرب المشركين.

الثالث: لحاقه بالمنهزمين وهو راجل وهم فرسان لم يمنعه ما به من التعب بمبارزة عمرو ومجاولته التي أثارت غبارا حجبهما عن الأنظار كأنه غبار جيش عرمرم.

الرابع: نزوله إلى نوفل إلى الخندق وقتله بضربة قسمته نصفين من ضرباته المشهورة التي إذا علا بها قد وإذا اعترض قط.

الخامس: لحاقه بهبيرة وعلي راجل وهبيرة فارس فلم يثبت له هبيرة مع أنه فارس وما نجاه إلا الهرب على فرسه ومع ذلك فقد كاد أن يقتله وأسقط منه درعه التي احتقبها.

السادس: قتله حسل بن عمرو ولم يكن في الثلاثة الآلاف الذين حضروا الخندق من يقوم إليه فيقتله حتى جاءه علي فالحقه بأبيه.

السابع: أنه لم يسلب عمرا درعه مع إنها من الدروع الممتازة بين دروع العرب. في إرشاد المفيد روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال لما قتل علي بن أبي طالب عمرا اقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبته يا علي درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها فقال إني استحييت أن اكشف سوأة ابن عمي وفي السيرة الحلبية عن السهيلي نحوه. وقال الحاكم في المستدرك ثم اقبل علي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب: هلا سلبته درعه فليس للعرب درع خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت ابن عمي أن استلبه

وقد كشف عمرو سوأته يوم صفين كما كشفها عمرو يوم الخندق فعمرو صفين نجاه كشفها من القتل وعمرو الخندق نجاه من السلب.

الثامن: ما وجده في نفسه من القوة والثبات حين بارزه بحيث لو كان مكانه جميع أهل المدينة لقدر عليهم ولم يأخذه خوف منه ولا رهبة مع اشتهاره بالشجاعة والفروسية ومع إحجام الناس عن مبارزته الذي يوجب عادة وقوع الهيبة منه في نفس من يريد مبارزته قال الرازي في تفسيره أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي بعد قتله لعمرو بن عبد ود، كيف وجدت نفسك معه يا علي قال وجدتها لو كان أهل المدينة كلهم في جانب وأنا في جانب لقدرت عليهم.

التاسع: أن قتله عمرا ونوفلا كان سبب هزيمة المشركين مع ما أصابهم من الريح والبرد وسبب خوفهم أن يعاودوا الغزو قال المفيد وكان قتل علي (ع) عمرا ونوفلا سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتله هؤلاء النفر: "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا" وذلك قوله تعالى {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} في الإرشاد روى يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن قترة وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: وكفى الله المؤمنين للقتال بعلي. وفيه روى علي بن الحكم الأودي سمعت أبا بكر بن عياش يقول لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها. ولقد ضرب علي (ع) ضربة ما ضرب في الإسلام أشأم منها يعني ضربة ابن ملجم.

العاشر: أنه توجه اللوم والعتاب يوم الأحزاب إلى المسلمين ولم ينج منه إلا علي قال المفيد في الإرشاد: وفي الأحزاب انزل الله تعالى: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} إلى قوله، {وكفى المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} قال: فتوجه العتب إليهم والتوبيخ والتقريع ولم ينج من ذلك أحد بالاتفاق إلا أمير المؤمنين إذ كان الفتح له وعلى يديه.

الحادي عشر:

قول النبي صلى الله عليه وسلم برز الإيمان كله إلى الشرك كله كما مر.

قال المفيد وقد روى هشام بن محمد عن معروف بن خربوذ قال قال علي بن أبي طالب في يوم الخندق:

ومرت أبيات أربعة على هذا الوزن وهذه القافية وفيها بعض هذه الأربعة ولعل الجميع من قصيدة واحدة وفرقها الرواة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين. وروى الحاكم في المستدرك بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من اعمال أمتي إلى يوم القيامة. وقال ابن تيمية على عادته المعلومة في إنكار ما يثبت فضل علي وأهل بيته ولو كان متواترا مسلما في الحديث الأول أنه حديث موضوع قال وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الإنس والجن ومنهم الأنبياء بل أن عمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة. وفي السيرة الحلبية ما حاصله: أن استدلاله بقوله وكيف يكون الخ فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين قال ويرد قوله أنه لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة ما روي من أنه قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه قال ويرده أيضا ما مر من أنه نذر أن لا يمس رأسه دهن حتى يقتل محمدا أقول ويرده قول ابن إسحاق كان عمرو بن عبدود ثالث قريش (يعني في الشجاعة) رواه الحاكم بسنده وقول أخته لما نعي إليها من ذا الذي اجترأ عليه فإنه يدل على إنها كانت تظن أنه لا يجترئ عليه أحد لشجاعته وقولها قتل الأبطال وبارز الأقران. ويرده أنه كان معروفا بفارس يليل اسم مكان كانت له فيه وقعة مشهورة وورد تسميته بذلك في شعر مسافع الجمحي الذي رثى فيه عمرا بقوله:

#وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم مما دل على أنه كان معروفا بذلك وإحجام الناس عن مبارزته وهم ثلاثة آلاف فلا يقوم إليه واحد منهم والنبي يستحثهم إلى مبارزته ويضمن لمبارزه الجنة وذلك أقوى دليل على اشتهاره بالشجاعة وعظم مقامه فيها عند جميع الناس وفيما رثي به عمرو ما يدل على نباهته وشجاعته وانه ذو مقام عال في قريش مثل قول مسافع المتقدم وبعده:

وقول هبيرة بن أبي وهب الذي كان مع عمرو وهرب:

وقال الذهبي تلخي صلى الله عليه وسلم المستدرك بعد نقل الحديث الثاني: قبح الله رافضيا أفتراه وأقول قبح الله ناصبيا يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهوى والعداوة لأخيه وابن عمه ويزعم في ميزانه الخارج عن الاعتدال أن النصب قد ارتفع في عصره وليس عجيبا أن يتكلم الذهبي بذلك وهو تلميذ ابن تيمية وابن تيمية تأبى له حاله المعلومة إلا أن يصادم البديهية والذهبي يقوده ما في نفسه إلى سوء القول وإلا فأقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الوقعة فيرى عشرة آلاف محاصرين للمدينة حنقين أشد الحنق على لها وهم دون الثلث بينهم عدد كثير من المنافقين وبنو قريظة إلى جنبهم يخافون منهم على ذراريهم ونسائهم وما أصاب المسلمين من الخوف والهلع الذي اضطر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رادة مصانعة غطفان بثلث ثمار المدينة وتعظيم الله تعالى ذلك في القرآن الكريم بقوله: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} ووقوف عمرو ينادي بالمسلمين ويقرعهم ويطلب البراز ولا يجيبه أحد إلا علي فيقتل عمرا وينهزم المشركون بقتله ويرتفع البلاء ويأتي الفرج أقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الحال توصله إلى اليقين بان ضربة علي يومئذ أفضل من عبادة الجن والإنس والملائكة وملايين من العوالم أمثالهم لو كانت سواء أجاء الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لم يجيء ومتى احتاج النهار إلى دليل ولولا تلك الضربة لما عبد الله بل عبدت الأوثان. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ود فإنها أجل من أن يقال جليلة وأعظم من أن يقال عظيمة وما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيل وقد سأله سائل أيما أعظم منزلة عند الله علي أم فلان فقال يا ابن أخي والله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق تعدل اعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها فضلا عن فلان وحده

ما جرى لأخت عمرو بعد قتله

كان لعمرو أخت اسمها عمرة وكنيتها أم كلثوم في إرشاد المفيد روى أحمد بن عبد العزيز حدثنا سليمان بن أيوب عن أبي الحسن المدائني قال لما قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته فقالت من ذا الذي اجترأ عليه فقالوا ابن أبي طالب فقالت لم يعد موته أن كان على يد كفو كريم لا رقأت دمعتي أن هرقتها عليه قتل الأبطال وبارز الأقران وكانت منيته على يد كفو كريم من قومه ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ثم أنشأت تقول:

وتتمة الأبيات في غير رواية المفيد:

قال المفيد في روايته وقالت أيضا في قتل أخيها وذكر علي بن أبي طالب:

ما قيل من الشعر في قتل عمرو بن عبد ود

نذكره لأن له علاقة بسيرة أمير المؤمنين (ع) قال المفيد وفي قتل عمرو بن عبد ود يقول حسان بن ثابت:

ولما كان حسان معروفا بالجبن وافتخر في قتل عمرو بسيوف الأنصار التي لم يكن لها في قتله أثر وإنما قتله سيف الهاشميين سيف علي بن أبي طالب وبلغ شعره بني عامر أجابه منهم فتى فيما حكاه المفيد فقال يرد عليه في افتخاره بالأنصار وشعره يدل على أنه كان مسلما:

وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب الجمحي يبكي عمرو بن عبد ود ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه أورده ابن هشام:

وقال هبيرة بن أبي وهب الذي كان مع عمرو وهرب يرثي عمرو بن عبد ود ويذكر قتل علي إياه أورده ابن هشام:

وفي وقعة الأحزاب يقول الحاج هاشم الكعبي من قصيدة:

وفيها يقول المؤلف من قصيدة:

فقال أبو السبطين إني أنا الذي=أبارزه فهو القطا وأنا الصقر

أخباره في غزوة بني قريظة

وكانت في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بسيرة أمير المؤمنين (ع) وقد مر في وقعة الخندق أن قريظة نقضت العهد بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم بوسوسة حيي بن اخطب الذي هو سيد بني النضير فلما كان الظهر من صبيحة اليوم الذي رجع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الخندق إلى المدينة نزل عليه جبرائيل فقال أن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة فسار إليهم في ثلاثة آلاف وروى ابن إسحاق بسنده قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس وقال ابن سعد دعا عليه فدفع إليه لواءه. والراية اللواء الأعظم واللواء دونها وقد يراد باللواء الراية وفي إرشاد المفيد إنه صلى الله عليه وسلم أرسل عليا في ثلاثين من الخزرج فساد علي حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقيه بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال: "لم أظنك سمعت منهم لي أذى" قال نعم قال: "لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا". قال المفيد قال علي سرت حتى دنوت من سورهم فأشرفوا علي فلما رأوني صاح صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو وقال آخر قد اقبل إليكم قاتل عمرو وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك وألقى الله في قلوبهم الرعب حتى ركزت الراية في أصل الحصن فاستقبلوني في صياصيهم يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعت سبهم له كرهت أن يسمع فعملت على الرجوع إليه فإذا به قد طلع وسمع سبهم له الحديث وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة أو خمسة عشر يوما حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن أخطب قد دخل معهم في حصنهم وفاء لكعب بن أسد بما عاهده عليه قبل وقعة الأحزاب ثم إنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم فكتفوا ثم ارجع أمرهم إلى سعد بن معاذ فحكم بان تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذرية والنساء وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار وهو قول السيد الحميري:

ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهم معه ثم خرج إلى موضع السوق فخندق فيه خنادق وخرج علي معه والمسلمون وأمر بهم أن يخرجوا وتقدم إلى علي أن يضرب أعناقهم في الخندق فاخرجوا إرسالا وقتلوا وفيهم حيي بن اخطب رئيس بني النضير وكعب بن أسد رئيس قريظة وكانوا بين الستمائة والسبعمائة أو بين الثمانمائة والتسعمائة وكان يقتل منهم من انبت وجئ بيحيى بن اخطب فأقيم بين يدي علي (ع) فقال قتلة شريفة بيد شريف فقال له علي (ع) أن خيار الناس يقتلون شرارهم وشرارهم يقتلون خيارهم فالويل لمن قتله الأخيار الأشراف والسعادة لمن قتله الأراذل الكفار قال صدقت لا تسلبني حلتي قال هي ون علي من ذلك قال سترتني سترك الله ثم قتله ولم يسلبه.

وامتاز علي (ع) هذه الغزوة بأمور:

1- أنه صاحب الراية

2- شدة محافظته على أن لا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يسوؤه من سبهم

3- ما وقع في قلوبهم من الرعب حين رأوه

4- إن عليا تولى قتلهم دون غيره

5- افتخار حيي بان قتله على يد علي

6- عدم سلبه حييا حلته ووفاؤه بما وعده. وفي هذه الغزوة يقول الحاج هاشم الكعبي:

سنة ست من الهجرة خبره في سرية زيد بن حارثة إلى حسمى

في جمادي الآخرة سنة ست من الهجرة قال ابن الأثير سببها أن رفاعة بن زيد الجذامي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية واسلم فكتب له كتابا إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام فاسلموا واقبل دحية الكلبي من الشام فأغار عليه الهنيد بن عوض الجذامي وابنه عوض فبلغ ذلك قوم رفاعة ممن كان أسلم فنفروا إلى الهنيد وابنه واخذوا منهما ما اخذاه من دحية وردوه عليه فقدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فأرسل زيد بن حارثة في جيش فقتلوا الهنيد وابنه وجمعوا ما وجدوا من مال فلما سمع بذلك رهط رفاعة سار بعضهم إلى زيد بن حارثة فقالوا أنا قوم مسلمون فنادى زيد في الجيش أن الله حرم علينا ما اخذ من طريق القوم ثم توقف في تسليم السبايا فعادوا إلى رفاعة فقالوا انك لجالس ونساء جذام أسأرى فسار رفاعة وقومه إلى المدينة وعرض كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل معهم علي بن أبي طالب إلى زيد بن حارثة فرد على القوم مالهم حتى كانوا ينتزعون لبد المرأة تحت الرحل وأطلق الأسارى.

وابن الأثير أرخ هذه السرية كما سمعت في جمادي الآخرة سنة ست وقال إنها وقعت في هدنة الحديبية مع أن هدنة الحديبية كانت غرة ذي القعدة سنة ست فهي متأخرة عن هذه بنحو خمسة أشهر.

سرية علي (ع) إلى بني سعد بن بكر

بفدك في شعبان سنة 6 من الهجرة

ومر ذكر ذلك في السيرة النبوية في الجزء الثاني ومر هناك أن فدكا قرية بينها وبين المدينة ست ليال وإنها الآن خراب وهي بنواحي خيبر وخيبر بين فدك والمدينة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن حيا من بني سعد قد تجمعوا يريدون أن يمدوا يهود خيبر ويعطوهم مقابل ذلك من تمر خيبر وذلك قبل محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فان لخيبر لما رأوا ما جرى لقريظة وبني النضير لما نقضوا العهد خافوا فاتفقوا مع لفدك على ذلك فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا من المدينة في مائة رجل فجعل يسير الليل ويكمن النهار حتى انتهى إلى الغمج ماء بين فدك وخيبر فوجدوا رجلا فقالوا ما أنت قال باع أي طالب لشيء ضل مني فقالوا هل لك علم بجمع بني سعد قال لا علم لي فشددوا عليه فاقر أنه عين لهم بعثوه إلى خيبر يعرض على يهودها نصرهم على أن يجعلوا لهم من تمرها ما جعلوا لغيرهم قالوا له فأين القوم قال تركتهم قد تجمع منهم مائتا رجل قالوا فسر بنا حتى تدلنا عليهم قال على أن تؤمنوني فامنوه فجاء بهم إلى سرحهم فأغاروا عليه وهرب الرعاء إلى جمعهم فتفرقوا فقال دعوني فقال حتى نبلغ معسكرهم فانتهى بهم إليه فلم يروا أحدا فتركوه وساقوا النعم وكانت خمسمائة بعير وألفي شاة فاصطفى علي منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة لقوحا تسمى الحفدة وقسم الباقي على أصحابه كما في السيرة الحلبية وينبغي كون ذلك بعد إخراج خمسها. ثم كانت وقعة خيبر سنة سبع من الهجرة فلما فتحت خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحوه على النصف من فدك فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. وفدك هذه هي التي تنازعت فيها الزهراء مع أبي بكر فأخذها أبو بكر بناء على أن الأنبياء لا تورث للرواية التي رواها نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. وقالت الزهراء أن أباها نحلها إياها في حياته فهي ملك لها فلو سلم أن الأنبياء لا تورث فهذه ليست داخلة في الميراث فطلب منها البينة فأقامت بينة فقال إنها غير تامة لأنها من رجل وامرأة كما مر في الجزء الثاني في سيرة الزهراء ومر هناك كثير مما يتعلق بفدك. قال ابن الأثير: كان نصف فدك خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل ولم يزل هو والخلفاء الأربعة يصنعون صنيعه بعد وفاته فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ثم صارت لعمر بن عبد العزيز وللوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان فلما ولي الوليد الخلافة وهب نصيبه عمر بن عبد العزيز فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خطب الناس وأعلمهم أمر فدك وأنه قد ردها إلى ما كانت عليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة فوليها أولاد فاطمة ثم أخذت منهم فلما كانت سنة 210 ردها المأمون إليهموفي هذا الكلام تناف بين فإنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرف حاصلها على أبناء السبيل والخلفاء الأربعة بعده يصنعون صنيعه فهم كانوا يصرفونه على أبناء السبيل فلما ذا وليها في زمن عمر بن عبد العزيز أبناء فاطمة ولما ذا ردها المأمون إليهم بعد ما أخذت منهم فهذا يدل على إنها في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في يد فاطمة فلذلك ردها ابن عبد العزيز والمأمون إليهم ولو كان الرسول والخلفاء الأربعة يصرفون حاصلها على أبناء السبيل لكان ابن عبد العزيز والمأمون يفعلان بها كذلك والصواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم نحلها فاطمة.

خبره في سرية قتل كعب بن الأشرف

في شهر رمضان سنة ست من الهجرة.

ومرت في الجزء الثاني ومر أنه لما قتل أصبحت يهود مذعورين فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكر لهم تحريضه عليه وأذيته للمسلمين فازدادوا خوفا ثم كتب بينه وبينهم صلحا قال ابن سعد في الطبقات وكان ذلك الكتاب مع علي بن أبي طالب.

خبره في غزوة الحديبية أو صلح الحديبية

(الحديبية) بسكون الياء الأولى وتخفيف الثانية تصغير حدبة وكانت غرة ذي القعدة سنة ست من الهجرة ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونذكر منها هنا ما له علاقة بسيرة علي (ع) وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ألف وأربعمائة أو ألف وستمائة أو ألف وخمسمائة وخمسة وعشرين خرج يريد العمرة ولا يريد حربا ولم يخرج بسلام إلا السيوف في القرب قال المفيد في الإرشاد وكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين علي (ع) كما كان إليه في المشاهد قبلها وأحرم من ذي الحليفة وساق هو وأصحابه سبعين بدنة وبلغ الخبر قريشا فاجمع رأيهم على صده وعسكروا وأرسلوا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم ودخل بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي مكة فعرف ما يريدون وجاء حتى لقيه وراء عسفان وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر أمامه في عشرين فارسا ودنا خالد فقام عباد بإزائه وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر صلاة الخوف وتيامن بأصحابه في طريق تخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة من ناحية جدة فرجعت خيل قريش إليهم راكضين ينذرونهم فخرجوا حتى نزلوا مياه الحديبية وترددت الرسل بينهم وبينه فأبوا إلا منعه من دخول مكة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة قال المفيد في الإرشاد وكان من بلاء علي (ع) في ذلك اليوم عند صف القوم في الحرب والقتال ما ظهر خبره واستفاض ذكره وذلك بعد البيعة التي أخذها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه والعهود عليهم في الصبر وكان علي (ع) المبايع للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم فكانت بيعته لهن يومئذ أن اطرح ثوبا بينهن وبينه ثم مسحه بيده فكانت مبايعتهن للنبي صلى الله عليه وسلم مسح الثوب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ثوب علي مما يليه ثم اتفقوا على الصلح والموادعة فأرسلت قريش سهيل بن عمرو وجماعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليكتب كتاب الصلح فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتب هذا ما صالح عليه" محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال له: "اكتب فان لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد" وفي رواية ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض. إشارة إلى ما وقع يوم الحكمين وهذا يدل على أن ذلك وقع قبل أن يكتب علي محمد رسول الله وفي رواية أنه جرى ذلك بعد ما كتبها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "امح رسول الله" فقال علي والله لا أمحوه أبدا فقال: "أرنيه" فأراه إياه فمحاه بيده وقال: "أنا والله رسول الله وإن كذبتموني" وفي إرشاد المفيد فقال له علي أنه والله لرسول الله على رغم انفك فقال سهيل اكتب اسمه يمض الشرط فقال له علي ويلك يا سهيل كف عن عنادك فكتب علي هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين إلى أن قال وانك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها وكتب الكتاب نسختين أحداهما عند النبي صلى الله عليه وسلم والأخرى عند سهيل بن عمرو ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه وحلق ونحر أصحابه وحلق عامتهم وقصر الآخرون قال المفيد في الإرشاد فكان نظام تدبير هذه الغزاة متعلقا بعلي (ع) وكان ما جرى فيها من البيعة وصف الناس للحرب ثم الهدنة والكتاب كله لأمير المؤمنين (ع) وكان فيما هياه الله من ذلك حقن الدماء وإصلاح أمر الإسلام وكان صلح الحديبية سببا لكثرة المسلمين وإن أجحفت بحقهم. وقد يسال سائل فيقول ما كان الغرض من عمرة الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أو يظن ظنا قريبا من العلم أن قريشا لا تمكنه من دخول مكة وقد تكون الحكمة فيها التمهيد لعقد الهدنة التي كان فيها تقوية المسلمين بعد الحروب التي مضت عليهم والتي صارت سببا لفتح مكة بغير حرب فان قريشا لما خالفت شروط الهدنة بمعاونتها على خزاعة سرا حق للنبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو مكة ويفتحها وقريش آمنة غير مستعدة لحربه ولولا الهدنة لكانت دائما في حذر واستعداد والله أعلم. وقد تكون الحكمة أن يظهر للناس ظلم قريش وجورها بصدها عن بيت الله المعظم عند الجميع وقد نقم عليهم ذلك الحليس بن علقمة كما مر في الجزء الثاني قال المفيد. وقد روى الناس لأمير المؤمنين علي في غزاة الحديبية بعد الذي ذكرنا فضيلتين اخت صلى الله عليه وسلم بهما وانضافا إلى فضائله العظام ومناقبه الجسام فروى إبراهيم بن عمرو عن رجاله عن فائد مولى عبد الله بن سالم قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية نزل الجحفة فلم يجد فيها ماء فبعث سعد بن مالك حتى إذا كان غير بعيد رجع سعد بالروايا وقال يا رسول الله ما أستطيع أن أمضي لقد وقفت قدماي رعبا من القوم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أجلس ثم بعث رجلا آخر فخرج بالروايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الأول رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رجعت قال والذي بعثك بالحق نبيا ما استطعت أن أمضي رعبا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا (ع) فأرسله بالروايا وخرج السقاة وهم لا يشكون في رجوعه لما رأوا من جزع من تقدمه فخرج علي بالروايا حتى ورد الحرار واستقى ثم أقبل بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولها زجل فلما دخل كبر النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير. قال وفي هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أن أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تبين الغضب في وجهه ثم قال: "لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب رقابكم على الدين" فقال بعض من حضر يا رسول الله فلان ذلك الرجل قال لا قال ففلان قال لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة فسار الناس إلى الحجرة ينظرون من الرجل فإذا هو علي (ع).

قال وقد روى هذا الحديث جماعة عن علي (ع) وقالوا فيه أن عليا ق صلى الله عليه وسلم هذه القصة ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وكان الذي أصلحه علي (ع) من نعل النبي صلى الله عليه وسلم شسعها فإنه كان انقطع فخصف موضعه وأصلحه.

سنة سبع من الهجرة أخباره في غزوة خيبر

وكانت في جمادي الأولى أو المحرم سنة سبع من الهجرة ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بسيرة أمير المؤمنين (ع) كما فعلنا في غيرها وكان يهود خيبر مظاهرين لغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون في هذه الغزاة ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس. وكان علي في هذه الغزاة أرمد فلذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالراية غيره فعاد منهزما ولحقه علي وهو أرمد ولم يتخلف عنه وأصابه الرمد هناك فدعا له وتفل في عينيه فبرئتا وأعطاه الراية فكان الفتح على يده قال ابن هشام قال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته وكانت بيضاء إلى بعض حصون خيبر يقاتل فرجع ولم يك فتح وقد جهد فقال رسول الله: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار" وفي السيرة الحلبية في لفظ كرار غير فرار وفيها عن الإمتاع وقد دفع صلى الله عليه وسلم لواءه لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا فدفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا وخرجت كتائب اليهود يقدمهم ياسر أو ناشر فكشف الأنصار حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقفه فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسى مهموما قال ابن هشام يقول سلمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال: "خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك" قال سلمة فخرج والله يهرول هرولة وأنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال من أنت قال أنا علي بن أبي طالب قال يقول اليهودي علوتم أو غلبتم وما أنزل على موسى أو كما قال فما رجع حتى فتح الله على يديه ورواه أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن سلمة بن الأكوع مثله وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى بعض حصون خيبر فقاتل وجهد ولم يكن فتح (وبسنده) عن أبي ليلى عن علي أنه قال يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر قال بلى والله كنت معكم قال فان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتى رجع هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه البخاري ومسلم وقال الذهبي في تلخي صلى الله عليه وسلم المستدرك صحيح ولم يتعقبه. وروى الحاكم في المستدرك أيضا قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو حدثنا سعيد بن مسعود حدثنا عبد الله بن موسى حدثنا نعيم بن حكيم عن أبي موسى الحنفي عن علي قال سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وصحابه فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي صلى الله عليه وسلم الحديث. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في تلخي صلى الله عليه وسلم المستدرك صحيح ولم يتعقبه. (وبسنده) عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (وبسنده) عن جابر بن عبد الله: لما كان يوم خيبر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فجبن إلى أن قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأبعثن غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبانه لا يولي الدبر يفتح الله على يديه فتشوف لها الناس" وعلي يومئذ أرمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سر فقال ما أبصر موضعا فتفل في عينيه وعقد له ودفع إليه الراية فقال يا رسول الله علام أقاتلهم فقال: "على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل فلقيهم ففتح الله عليه". وفي أسد الغابة بسنده عن بريدة قال لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فلما كان من الغد أخذه عمر وقيل محمد بن مسلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأدفعن لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه" فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ثم دعا باللواء فدعا عليا وهو يشتكي عينيه فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح قال الراوي فسمعت عبد الله بن بريدة يقول حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب يعني عليا وروى الطبري في تاريخه قال حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله أن عبد الله بن بريدة حدث عن بريدة الأسلمي قال لما كان حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصن لخيبر أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا لخيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجبنه أصحابه ويجبنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليا (ع) وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من الناس من نهض فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز ويقول:

فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تنام آخر الناس مع علي (ع) حتى فتح الله لأولهم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله بن بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بحضرة خيبر قال: "لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فلما كان من الغد تطاول له جماعة من أصحابه فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ومعه الناس فلقوا أهل خيبر فإذا مرحب بين أيديهم يرتجز وهو يقول:

فاختلف هو وعلي بضربتين فضربه علي على رأسه حتى عض السيف بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فقتله فما أتى آخر الناس حتى فتح لأولهم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أياس بن سلمة عن أبيه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر حين بصق في عيني علي فبرئ فأعطاه الراية فبرز مرحب وهو يقول:

#إذا الحروب أقبلت تلتهب

فبرز له علي وهو يقول:

#أوفيكم بالصاع كيل السندرة

فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح. وقال الطبري حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير حدثنا المسيب بن مسلم الأودي حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس وأن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أما والله لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة" قال: وليس ثم علي (ع) فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك فأصبح فجاء علي (ع) على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد وقد عصب عينيه بشقة برد قطري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك قال رمدت بعد فقال ادن مني فدنا منه فتفل في عينيه فما اشتكى وجعهما حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية فنهض بها وعليه حلة أرجوان حمراء قد اخرج خملها فأتى مدينة خيبر وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر وبرد معصفر يمان وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول:

فقال علي (ع):

#ليث بغابات شديد قسوره

فاختلفا ضربتين فبدره علي فضربه فقد الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في الأضراس وأخذ المدينة. وفي السيرة الحلبية أن مرحبا كان رأى تلك الليلة كان أسدا افترسه فذكره ذلك علي بقوله:

لأن حيدره من أسماء الأسد. وفيها أيضا في رواية أنه صلى الله عليه وسلم ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار في وسطه وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن وخرج إليه أهل الحصن وكان أول من خرج إليه منهم الحارث أخو مرحب وكان معروفا بالشجاعة فانكشف المسلمون وثبت علي فتضاربا فقتله علي وانهزم اليهود إلى الحصن. وفيها أيضا جاء أن مرحبا لما رأى أخاه قد قتل خرج سريعا من الحصن في سلاحه وكان قد لبس درعين وتقلد بسيفين واعتم بعمامين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار وهو يرتجز بما مر قال فيروى أن عليا ضربه فتترس فوقع السيف على الترس فقده وشق المغفر والحجر الذي تحته والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف في الأضراس. وفي طبقات ابن سعد: أخبرنا عفان بن مسلم أخبرنا وهيب أخبرنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر "لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" ويفتح عليه قال عمر فما أحببت الإمارة قبل يومئذ فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي فلما كان الغد دعا عليا فدفعها إليه فقال قائل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار قريبا ثم نادى يا رسول الله علا م أقاتل قال: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وفي السيرة النبوية لدحلان يروى أن عليا بلغه مقالة النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله "لأعطين الراية الخ قال اللهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيتفلم يتطاول ولم يستشرف وفي السيرة الحلبية: زاد في رواية وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا وأحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم تتصدق بها في سبيل الله. وروى ابن سعد بسنده عن سلمة بن الأكوع أن عمه عأمرا بارز مرحبا يوم خيبر فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فوقع السيف على ساق عامر فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال قال سلمة ثم أن نبي الله أرسلني إلى علي فقال: "لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فجئت به أقوده أرمد فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه ويرتجز بما مر فقال علي (ع) وذكر الرجز السابق ثم قال ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه وفي السيرة الحلبية أن محمود بن مسلمة حارب حتى أعياه الحرب فانحاز إلى ظل الحصن فألقى عليه يهودي حجر الرحى ثم مات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخيه محمد بن مسلمة "لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبانه" قال وفي لفظ "لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله لا يولي الدبر يفتح الله عز وجل على يده فيمكنه الله من قاتل أخيك" وعند ذلك لم يكن من الصحابة أحد له منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا يرجو أن يعطاها فبعث إلى علي وكان أرمد شديد الرمد وكان قد تخلف بالمدينة ثم لحق بالقوم فقيل له أنه يشتكي عينيه فقال من يأتيني به فذهب إليه سلمة بن الأكوع وأخذ بيده يقوده حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد عصب عينيه فعقد له اللواء فقال له علي يا رسول الله إني أرمد كما ترى لا أبصر موضع قدمي فوضع رأيه في حجره وتفل في كفه وفتح له عينيه فدلكهما فبرئا حتى كان لم يكن بها وجع قال علي فما اشتكيتهما حتى الساعة ثم قال اللهم أكفه الحر والبرد فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين. وقد يعارض هذا ما وراء هارون بن عنترة عن أبيه: دخلت على علي بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة فقلت يا أمير المؤمنين أن الله جعل لك في هذا المال نصيبا وأنت تصنع بنفسك هكذا فقال والله لا أرزؤكم من مالكم شيئا وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة. وجمع بينهما صاحب السيرة الحلبية بان رعدته لعلها لحمي أصابته وفيه ما لا يخفى إذ هو كالصريح في أن رعدته من البرد لعدم وجود ما يستدفئ به وقال الأستاذ العقاد في كتابه عبقرية الأمام أن لبسه ثياب الشتاء في الصيف وثياب الصيف في الشتاء لأنه من مكانة تركيبه كان لا يبالي الحر والبرد وسئل في ذلك فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر فقلت يا رسول الله إني أرمد العين فقال اللهم اذهب عنه الحر والبرد فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ قال ولا يفهم من هذا أنه كان معدوم الحس بالحر والبرد فقد كان يرعد للبرد إذا اشتد ولم يتخذ له عدة من دثار يقيه وذكر خبر هارون بن عنترة المتقدم ثم قال فليس انعدام حس بالصيف والشتاء إنما هي مناعة قوية خصت بها بنيته لم يخص بها معظم الناس ولا يبعد أن يكون ما في الرواية الثانية باطلا فإن عليا (ع) مهما بلغ به الزهد لم يكن ليعجز عن شيء يتقي به البرد من نار أو كساء أو عباءة ونحو ذلك ولو خلقا. وفي الاستيعاب: روى سعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعمران ابن حصين وسلمة بن الأكوع كلهم بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في يوم خيبر "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار يفتح الله على يديه فدعا بعلي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية ففتح عليه قال وهذه كلها آثار ثابتة وروى أبو نعيم الأصفهاني أحمد بن عبد الله في حلية الأولياء بسنده عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر "لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فبات لناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا يا رسول يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتى به فبصق في عينيه ودعا له فبرئ كان لم يكن به وجع وأعطاه الراية فقال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا وأحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم، قال رواه سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وسلمة بن الأكوع أقول ورواه مسلم في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد نحوه ورواه النسائي في الخصائص بسنده عن سهل بن سعد نحوه إلا أنه قال فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطى (وبسنده) عن سعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح الله بيده فاستشرف لها أصحابه فدفعها إلى علي (وبسنده) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أنه قال لعلي وكان يسبر معه أن الناس قد أنكروا منك شيئا تخرج في البرد في الملاءتين وتخرج في الحر في الخشن والثوب الغليظ لم تكن معنا بخيبر قال بلى قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعقد له لواء فرجع وبعث عمر وعقد له لواء فرجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار فأرسل إلي وأنا أرمد فتفل في عيني فقال اللهم اكفه اذى الحر والبرد فما وجدت حرا بعد ذلك ولا بردا (وبسنده) عن عبد الله بن بريدة سمعت أبي بريدة يقول حاصرنا خيبر فاخذ الراية أبو بكر فلم يفتح له فأخذنا من الغد عمر فانصرف ولم يفتح له وأصاب الناس شدة وجهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني دافع لوائي غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الغداة ثم جاء قائما ورمى اللواء والناس على اقصفاهم فما منا إنسان له منزلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون صاحب اللواء فدعا علي بن أبي طالب وهو أرمد فتفل ومسح في عينيه فدفع إليه اللواء وفتح الله عليه وفي الإصابة: ومن خصائص علي قوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا كلهم يرجو أن يعطاها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين علي بن أبي طالب فقالوا هو يشتكي عينيه فأتى به فبصق في عينيه فدعا له فبرئ فأعطاه الراية أخرجاه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد ومن حديث سلمة بن الأكوع نحوه باختصار وفيه يفتح الله على يديه. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم نحوه وفيه فقال عمر ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم وفي حديث بريدة عن أحمد نحو حديث سهل وفي زيادة في أوله وفي آخره قصة مرحب وقتل علي له فضربه علي على هامته ضربة حتى عض السيف منه بيضة رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما قام آخر الناس حتى فتح الله لهم. قال وفي المسند لعبد الله بن أحمد بن حنبل من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع الراية لعلي يوم خيبر أسرع فجعلوا يقولون له أرفق حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ثم اجتمع عليه سبعون رجلا حتى أعادوه قال وفي سنده حرام بن عثمان متروك قال وجاءت قصة الباب من حديث أبي رافع لكن ذكر دون هذا العدد الإصابة وفي خصائص النسائي بسنده عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال لما كان يوم خيبر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصن خيبر أعطى اللواء عمر فنهض فيه من نهض من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فلما كان من الغد تصادر أبو بكر وعمر فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ونهض معه من الناس فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز:

فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته حتى مضى السيف منتها منتهى رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح لأولهم، وروى أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن سلمة بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته إلى حصون خيبر يقاتل فرجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر الغد فقاتل فرجع ولم يكن فتح وقد جهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار" فدعا بعلي (ع) وهو أرمد فتفل في عينيه فقال: هذه الراية امض بها حتى يفتح الله على يديك قال سلمة فخرج بها والله يهرول هرولة وأنا خلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من الحجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال من فقال علي بن أبي طالب فقال اليهودي غلبتم وما أنزل على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه وروى النسائي في الخصائص بسنده عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأدفعن الراية اليوم إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". فتطاول القوم فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا يشتكي عينه فبصق نبي الله في كفيه ومسح بهما عيني علي ودفع إليه الراية ففتح الله على يديه (وبسنده) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله عليه" قال عمر بن الخطاب ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار علي ثم وقف فصاح يا رسول الله على ما ذا أقاتل الناس قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (وبسنده) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح عليه" قال عمر فما أحببت الإمارة قط إلا يومئذ فاستشرفت لها فدعا عليا فبعثه ثم ذكر نحوا مما في الحديث المتقدم (وبسنده) عن أبي هريرة نحوه. ورواه مسلم في صحيحه نحوه إلا أنه قال قال عمر بن الخطاب ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فتساورت لهم رجاء أن أدعى لها وروى النسائي في الخصائص بسنده عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله أو قال يحبه الله ورسوله فدعا عليا وهو أرمد ففتح الله يديه (وبسنده) قال جمع الناس الحسن بن علي وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه فقال لقد قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه وما ترك دينارا ولا درهما تسعمائة درهم أخذها عياله من عطاه كان أراد أن يبتاع بها خادما لأهله. ويأتي في رواية الخرائج ما يدل على أن مرحبا هرب مع من هرب إلى الحصن لما حمل عليهم أمير المؤمنين (ع) وان قتله كان بعد فتح الحصن ولم يذكره غيره. وفي السيرة الحلبية قال بعضهم: الأخبار متواترة بان عليا هو الذي قتل مرحبا وبه جزم مسلم في صحيحه وقال ابن الأثير هو الصحيح الذي عليه أهل السير والحديث وفي الاستيعاب أنه الصحيح الذي عليه أكثر أهل السير والحديث وقال الحاكم في المستدرك أن الأخبار متواترة بإسناد كثيرة أن قاتل مرحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فلا يلتفت إلى الخبر الشاذ الذي رواه محمد بن إسحاق من أن قاتله محمد بن مسلمة ولكن الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد لم يذكر إلا هذا الخبر الشاذ الذي وضعه أعداء علي وحاسدوه وأعرض عن الخبر المتواتر فلم يذكره أصلا ولا أشار إليه ولا عجب فهذا ديدنه في كتابه من غمط علي حقه في كل مقام ما استطاع وهي شنشنة أخزمية معروفة لكثيرين غيره قال المفيد: ومن ذلك ما كان في يوم خيبر من انهزام من انهزم وقد للجليل المقام بحمل الراية وكان بانهزامه من الفساد ما لا خفاء به على الألباء ثم أعطي صاحبه الراية من بعده وكان من انهزامه فأكبر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهر النكير له والمساءة به ثم قال معلنا "لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه" فأعطاها أمير المؤمنين (ع) وكان الفتح على يديه ودل فحوى كلامه صلى الله عليه وسلم على خروج الفارين من صفة الكر والثبوت للقتال وفي تلافي أمير المؤمنين بخيبر ما فرط من غيره دليل على توحده من الفضل فيه بما لم يشركه فيه من عداه.

ما جاء في تترسه بالباب وقلعه باب الحصن

كان اسم الحصن القموص وكان أعظم حصون خيبر وكان منبعا وكان اليهود قد خندقوا على أنفسهم كإنهم تعلموا ذلك من يوم الأحزاب فان الخنادق لم تكن معروفة عند العرب وتدل الروايات على أن عليا (ع) تترس بباب عظيم كان عند الحصن من خشب أو حديد لما سقط ترسه من يده وانه قلع باب الحصن ودخله وهو أعظم من الباب الذي تترس به روى ابن هشام عن ابن إسحاق والطبري عن ابن حميد عن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن الحسن عن بعض له عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه له فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرع فقد رأيتني في نفر سبعة إناثا منهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه وفي السيرة الحلبية فحمل مرحب على علي وضربه فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده وراء ظهره ثمانين شبرا قال الراوي فجهدت أنا وسبعة نفر على أن نقلب ذلك الباب فلم نقدروهذا الباب غير باب الحصن بل هو باب أصغر منه كان ملقى عند الحصن أخذه علي فتترس به ويوشك أن يكون وقع هنا اشتباه من صاحب السيرة الحلبية في قوله ثم ألقاه وراء ظهره ثمانين شبرا لأن ذلك وارد في باب الحصن لا في الباب الذي تترس به فان الروايات الآتية الواردة في قلع الباب تدل على أنه رمى باب الحصن خلفه أربعين ذراعا والأربعون ذراعا هي ثمانون شبرا. وقال دحلان في سيرته حمل مرحب على علي وضربه فطرح ترسه من يده فتناول علي ترسا بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده وراء ظهره وكان طول الباب ثمانين شبرا ولم يحركه بعد ذلك سبعون رجلا إلا بعد جهدوهذا الاختلاف بين نقل السيرة الحلبية وسيرة دحلان يدل على عدم التحرير والضبط فالحلبية تقول ألقاه وراء ظهره ثمانين شبرا ودحلان يقول كان طول الباب ثمانين شبرا والحلبية تقول أن ثمانية نفر لم يقدروا على قلبه ودحلان يقول لم يحركه سبعون إلا بعد جهد ويوشك أن يكون عدد السبعين واردا في باب الحصن لا في الباب الترس. أما ما جاء في باب الحصن ففي بعض الروايات أن عليا (ع) تترس به أيضا وفي بعضها أنه جعله بعد الفتح جسرا وفي بعضها أنه دحا به خلفه أربعين ذراعا وفي بعضها أنه كان من حجر قال المفيد: لما قتل علي (ع) مرحبا رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه فصار إلى الباب فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق فاخذ علي (ع) باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا فظفروا بالحصن وغنموا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن أخذه بيمناه فاحا به أذرعا من الأرض وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم. وهذا يدلنا على أن مرحبا كان قد خرج من الحصن ومعه جماعة ليقاتل وإذا كان الحصن حوله خندق كما مر فلا بد أن يكون مرحب ومن معه عبروا على جسر خشبي صغير عند باب الحصن فوق الخندق كما هو الشأن في الخنادق التي حول الحصون والمدن فلما قتل مرحب وعاد من معه هاربين إلى الحصن عبروا على ذلك الجسر فيمكن أن يكونوا رفعوه لما دخلوا الحصن فأعاده علي ومن معه وعبروا عليه ويمكن أن يكون علي قد أعجلهم عن رفعه فعبر عليه هو ومن معه ومثل هذا الجسر يكون عادة صغيرا لا يكفي إلا لعبور النفر القليل في دفعة واحدة فلذلك لما قلع باب الحصن جعله جسرا على الخندق ليعبر عليه أكثر من معه الذين كانوا خارج الخندق ولم يعبر معه منهم إلا القليل لضيق الطريق. وقال دحلان: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن جابر أن عليا حمل الباب يوم خيبر وانه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا رواه البيهقي وفي رواية للبيهقي أن عليا لما انتهى إلى الحصن المسمى القموص اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب مكانه وجمع بين روايتي السبعين والأربعين بان الأربعين عالجوا حمله فما قدروا فتكاملوا سبعين فحملوه وعن الحافظ ابن حجر أنه جمع بين الرواية السابقة لقد رأيتني في سبعة نفر الخ وبين رواية الأربعين أن السبعة عالجوا قلبه والأربعين عالجوا حمله والفرق بينهما ظاهر ولكن رواية السبعة واردة في الباب الترس والأربعين في باب الحصن فلا حاجة إلى الجمع. ثم أن في بعض الروايات أن عليا (ع) لما حمل باب الحصن ووضعه على الخندق جسرا للعبور قصر فامسكه بيده حتى عبر عليه الناس ولم أجد هذه الرواية الآن لابين محل ذكرها وإليها يشير الحاج هاشم الكعبي بقوله:

وقال الراوندي في الخرائج أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع الراية إلى علي (ع) فأخذها وسار بها المسلمون خلفه حتى وافى باب الحصن فاستقبله حماة اليهود وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا فحمل عليهم فانهزموا بين يديه ودخلوا الحصن وردوا بابه وكان الباب حجرا منقورا في صخر والباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى وفي وسطه ثقب لطيف فرمى أمير المؤمنين (ع) بقوسه من يده اليسرى وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمنى لأن السيف كان في يده اليمنى ثم جذبه إليه فانهار الصخر المنقور وصار الباب في يده اليسرى فحملت عليه اليهود فجعل ذلك ترسا له وحمل عليهم فضرب مرحبا فقتله وانهزم اليهود من بين يديه فرمى عند ذلك الحجر بيده اليسرى إلى خلفه فمر الحجر الذي هو الباب على رؤوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر قالوا فذرعنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعا ثم اجتمعنا على ذلك الباب لنرفعه من الأرض وكنا أربعين رجلا حتى تهيا لنا أن نرفعه قليلا من الأرض. وفي السيرة الحلبية عن الإمتاع أنه ذكر جملة ممن خرج حديث باب خيبر من الحفاظ ردا على من قال أنه لا أصل له وقد امتاز أمير المؤمنين (ع) في هذه الغزوة كغيرها من الغزوات بأمور لم يشاركه فيها غيره وهي مستفادة من مجموع ما مر:

1- أنه كان صاحب الراية فيها كسائر الغزوات وإنما أخذها غيره لما كان أرمد فلما عادوا منهزمين واحد بعد واحد وشفاه الله تعالى من الرمد ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو صاحبها.

2- قول النبي صلى الله عليه وسلم "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار يفتح الله على يديه".

3- أنه به كشفت الشدة والهم والجهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين لما انكشفت الأنصار حتى انتهوا إليه في موقفه فاشتد ذلك عليه وأمسى مهموما وأصاب الناس شدة وجهد ثم طابت أنفسهم أن الفتح غدا.

4- أنه لما خرج بالراية لم يمش الهوينا بل أسرع وهرول هرولة فعل الشجاع الباسل الذي لا يبالي بشيء فجعلوا يقولون له أرفق فلم يقف حتى ركز الراية في أصل الحصن.

5- شدة خوف اليهود وإيقإنهم بإنهم مغلوبون لما سمعوا باسمه.

6- قتله مرحبا بضربة سمع العسكر صوتها

7- قتله مرحبا وفتحه الحصن قبل أن يتتام لحاق الناس به فإنه ما تتام آخر الناس معه حتى فتح الله لأولهم.

8- إن النبي صلى الله عليه وسلم ألبسه درعه وعممه بيده والبسه ثيابه وشد ذا الفقار في وسطه بيده وأركبه بغلته.

9- قتله الحارث أخا مرحب وكان معروفا بالشجاعة.

10- ثباته حين خروج الحارث وانهزام المسلمين.

11- أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم "لأعطين الراية" قال: "اللهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت" فلم يتطاول ولم يتصادر ولم يتساور ولم يستشرف ولم يظهر حب الإمارة. وكيف يتطاول لها ويستشرف ويتصادر ويتساور من فر بها بالأمس.

12- أمر النبي صلى الله عليه وسلم له أن يخبرهم بما يجب عليهم من حق الله وقوله له لأن يهدي الله بك الخ.

13- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له أن يكفيه الحر والبرد فاستجاب الله له ذلك.

14- تترسه بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر.

15- قلعه باب الحصن والقاؤه على الأرض ووضعه جسرا على الخندق واجتماع سبعين حتى أعادوه.

وقد أكثر الشعراء من ذكر وقعة خيبر فقال الكميت:

ابن عثمان هو طلحة بن أبي طلحة العبدري صاحب اللواء قتله يوم أحد والوليد هو ابن عتبة قتله يوم بدر. واستأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول في ذلك شعرا فإذن له فقال أورده المفيد:

قال المفيد وفي حمل أمير المؤمنين (ع) الباب يقول الشاعر:

قال المفيد وفيه أيضا قال شاعر من شعراء الشيعة على ما رواه أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور قال قرأت على أبي عثمان المازني:

وقال السيد الحميري في القصيدة المذهبة:

وقال الحاج هاشم الكعبي:

وقال الأزري في هائيته:

وقال بعض الظرفاء متغزلا أورده دحلان:

وقال المؤلف من قصيدة:

غزوة وادي القرى

في جمادى الآخرة سنة سبع من الهجرة ومرت في الجزء الثاني وهو واد بين الشام والمدينة كانت قديما منازل ثمود وعاد فينبغي أن تكون بنواحي مدائن صالح وأهله يهود توجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من خيبر وكان معه علي (ع) ولا بد أن تكون معه رايته بعموم قول جملة من المؤرخين أنه كان صاحب رايته في المواقف كلها وقد ذكر المؤرخون أنه برز رجل منهم فقتله الزبير وآخر فقتله علي وثالث فقتله أبو دجانة وفتحت عنوة.

خبره في عمرة القضاء

في ذي القعدة سنة سبع من الهجرة. سميت بذلك لأنها كانت قضاء للعمرة التي صدت قريش فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن العمرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة فإنه جاء قاصدا العمرة لا يريد حربا فصدته قريش ومنعته من ذلك ثم جرت المهادنة والصلح بينهم وبينه على ترك الحرب عشر سنين وأن يرجع عنهم في تلك السنة فإذا كانت السنة الآتية خرجوا عن مكة ودخلها بأصحابه فاعتمر وأقام بها ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في الأغماد كما مر تفصيله في الجزء الثاني فلما كانت هذه السنة جاء لقضاء العمرة التي صد عنها في السنة الماضية حسب المعاهدة بينه وبين قريش. وكان معه في هذه العمرة علي والزهراء (ع) ولم يكن فيها حرب حتى يكون لليث الحروب فيها طعن أو ضرب. وفي السيرة النبوية لدحلان في البخاري من حديث البراء فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة بن عبد المطلب واسمها إمامة أو عمارة أو سلمى أو غير ذلك تنادي يا عم يا عم فتناولها علي وقال لفاطمة وهي في هودجها دونك ابنة عمك وقال علي للنبي صلى الله عليه وسلم علام نترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين فلم ينهه فخرج بها فلما قدموا المدينة اختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة أيهم تكون عنده فقال علي أنا أخذتها وأخرجتها من بين ظهراني المشركين وقال جعفر خالتها أسماء بنت عميس تحتي وقال زيد هي ابنة أخي لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين حمزة فقضى بها النبي لجعفر وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وأنا منك وفي رواية أنت أخي وصاحبي. وفي السيرة الحلبية عن الإمتاع كلم علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمارة بنت حمزة وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة فقال علام نترك بنت عمنا يتيمة بين أظهر المشركين ويمكن الجمع بين هذا وما مر بأن عليا كلمه في شأنها فلم يأب فأرسل إليها أن تتبعهم حينما يريدون الرحيل فتبعتهم تنادي يا عم يا عم فتناولها علي ووضعها في هودج فاطمة. وأما اختصام علي وجعفر وزيد فيها فلم يكن اختص أما ونزاعا وإنما رغب كل واحد أن تكون عنده طلبا للأجر والفخر ورجا من الآخرين أن يسمحا له فحجة علي أنه هو أخذها واتى بها المدينة ومع ذلك هي ابنة عمه وزوجته ابنة عمها وحجة جعفر إنها ابنة عمه وزوجته خالتها وحجة زيد ضعيفة لأن هذه المؤاخاة إنما كانت لتاليف القلوب وشد عرى الإيمان ولا مدخل لها في حضانة إمامة مع كون زوجة زيد التي تريد أن تتولى تربيتها أجنبية عنها لا تالفها إمامة ولا تحنو هي على إمامة حنو خالتها وابنة عمها فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر وقال الخالة أم فعلي وجعفر يفوقان في حنوهما على إمامة كل أحد ويصعب التفضيل بينهما في ذلك لكن المربية هي المرأة لا الرجل والزهراء وان لم تقصر عن أسماء في الحنو والشفقة على إمامة بل تزيد بما أوتيته من خلق سام ولكن إمامة بسائق الطبيعة البشرية تأنس بخالتها ما لا تأنس بابنة عمها. واتبع ذلك بقوله لعلي أنت مني وأنا منك أو أنت أخي وصاحبي ليدل على أن إعطاءها لجعفر ليس لفضله على علي وقد كانت عمتها صفية موجودة إلا أن أحدا من ذويها لم يطلبها ومع ذلك فالعمة أن فرض إنها كالخالة في الحنو لكن ليس عند صفية مثل جعفر. وما قد يقال كيف رخ صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم في أخذها وقد كان في صلح الحديبية أن يرد كل من جاءه مسلما من قريش. يمكن الجواب عنه أن ذلك لا يتناول الأطفال أو لا يتناول النساء أو بغير ذلك وهذا يدل على أن حمزة رضوان الله عليه لما هاجر لم تكن هاجرت معه زوجته وابنته. سنة ثمان من الهجرة غزوة فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وقد مرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بأمير المؤمنين (ع) وإن لزم بعض التكرار. مر أنه كانت هدنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش عام الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة عشر سنين ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في عقد قريش وكان لبني بكر ثار على خزاعة في الجاهلية فاتفقوا مع جماعة من قريش وعدوا على خزاعة فقتلوا منهم عشرين رجلا ليلا على ماء يدعى الوتير وجاء أربعون من خزاعة فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لا نصرت أن لم انصر خزاعة مما انصر منه نفسي وندمت قريش على ما صنعت وعلمت أنه نقض للعهد فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم اشدد العهد وامدد لنا في المدة قال هل كان فيكم من حدث قال معاذ الله قال نحن على مدتنا وصلحنا ثم استشفع بأبي بكر فقال ما أنا بفاعل ثم بعمر فكان أشد ثم دخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة وعندها ابنها الحسن غلام يدب فقال يا علي أنت أمس القوم بي رحما وقد جئت في حاجة فلا أرجعن خائبا اشفع لنا عند محمد فقال لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فطلب إلى فاطمة أن تأمر بنيها الحسن فيجير بين الناس فقالت ما بلغ ببني أن يجير بين الناس وما يجير على رسول الله أحد فقال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقال ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فاجر بين الناس قال أوترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام في المسجد وقال أيها الناس إني قد اجرت بين الناس وانطلق فسألته قريش فقال كلمت محمدا فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم جئت علي بن أبي طالب فوجدته ألين وقد أشار علي بشيءصنعته ما أدري يعنيني شيئا أم لا أمرني أن أجير بين الناس قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ما زاد على أن لعب بك. هذه رواية الطبري (وقال المفيد) أن عمر دفعه بغلظة كادت أن تفسد الرأي على النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنه كان عند علي فاطمة والحسن والحسين وانه طلب منها أن يجير ابناها بين الناس فقالت ما بلغ بهما أن يجيرا بين الناس ثم قال المفيد وكان الذي فعله أمير المؤمنين بأبي سفيان من أصوب رأي لتمام أمر المسلمين وأصح تدبير وتم به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القوم ما تم إلا ترى أنه صدق أبا سفيان عن الحال ثم لان له بعض اللين حتى خرج عن المدينة وهو يظن أنه على شيءفانقطع بخروجه على تلك الحال مواد كيده التي يتشعث بها الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه لو خرج آيسا كما آيسه الرجلان لتجدد للقوم من الرأي في حربه (ع) والتحرز منه ما لم يخطر لهم ببال إذا جاءهم أبو سفيان وأخبرهم بذلك وإن أقام بالمدينة على التمحل لتمام مراده بالاستشفاع إلى النبي فيتجدد بذلك أمر يصد النبي عن قصد قريش أو يثبطه عنهم تثبيطا يفوته معه المراد وكان التوفيق من الله تعالى مقارنا لرأي أمير المؤمنين (ع) فيما رآه من تدبير الأمر مع أبي سفيان حتى انتظم بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم من فتح مكة ما أراد (وقال المفيد) أيضا وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بنى الأمر في مسيره إليها على الاستسرار بذلك فكتب حاطب بن أبي بلتعة وكان من أهل مكة وقد شهدا بدرا إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتحها وأعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم من لمكة سماهم لها وأمرها أن تأخذ على غير الطريق فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فاستدعى أمير المؤمنين (ع) وقال له أن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق فخذ سيفك وألحقها وانتزع الكتاب منها وسلها وصر به إلي ثم استدعى الزبير بن العوام وقال له امض مع علي بن أبي طالب في هذا الوجه فمضيا وأخذا على غير الطريق فادركا المرأة وسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرته وحلفت أنه لا شيءمعها وبكت فقال الزبير ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبره ببراءة ساحتها فقال له أمير المؤمنين (ع) يخبرني رسول الله أن معها كتابا ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت أنه لا كتاب معها ثم اخترط السيف وتقدم إليها فقال أما والله أن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن عنقك فقالت له أن كان لا بد من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني فاعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها فأخذه أمير المؤمنين وصار به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادى الصلاة جامعة فاجتمعوا ثم صعد المنبر وأخذ الكتاب بيده وقال أن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي فلم يقم أحد فأعاد مقالته ثانية فقام حاطب وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال أنا يا رسول الله صاحب الكتاب وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي ولا شكا بعد يقيني قال فما حملك على ذلك قال أن لي لا بمكة وليس لي بها عشبرة فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا لهم عن لي ويدا لي عندهم فقال عمر يا رسول الله مرني بقتله فإنه قد نافق فلم يقبل رسول الله وقال أنه من أهل بدر أخرجوه من المسجد فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه وهو يلتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليرق عليه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده فقال له قد عفوت عنك وعن جرمك فاستغفر ربك ولا تعد لمثل ما جنيت قال المفيد وهذه المنقبة لاحقة بما سلف من مناقبه وفيها أنه به تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم التدبير في دخول مكة وكفي مؤونة القوم وما كان يكرهه من معرفتهم بقصده إليهم حتى فجأهم بغتة ولم يثق في استخراج الكتاب من المرأة إلا بأمير المؤمنين ولا استنصح في ذلك سواه ولا عول على غيره وكان به (ع) كفايته المهم وبلوغه المراد وانتظام تدبيره وصلاح أمر المسلمين ولم يكن في انفاذ الزبير معه فضل يعتد به لأنه لم يكف مهما ولا أغنى بمضيه شيئا وإنما انفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه في عداد بني هاشم من جهة أمه صفية بنت عبد المطلب وكانت للزبير شجاعة وفيه اقدام وكان تابعا لأمير المؤمنين (ع) ووقع منه ما لم يوافق صواب الرأي فتداركه أمير المؤمنين (ع) وفيما شرحنا في هذه القصة بيان اختصا صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين (ع) من المنقبة والفضيلة بما لم يشركه فيه غيره ولا داناه سواه بفضل يقاربه فضلا عن أن يكافئه والله المحمودوكان ممن لقي النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق ابن عمه وأخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أمية المخزومي أخو أم سلمة لأبيها فاستاذنا عليه فاعرض عنهما. فتوسطت أمرهما أم سلمة رضوان الله عليها بأسلوبها الرقيق البديع فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك فقال لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فهتك عرضي وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال يعني قوله والله لاأمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه ثم تأتى بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أن الله أرسلك. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بهذا تأديبهما وتقويمهما وإلا فهو أرأف واتقى من أن يرد من جاءه مسلما فعادت أم سلمة إلى استعطافه ولم يمنعها ذلك من معاودة الكلام فقالت له: لا يمكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك فقال أبو سفيان والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا فرق لهما النبي صلى الله عليه وسلم فدخلا عليه وأسلما. وهنا أخذت عليا (ع) عاطفة الخير والدين والرحم فقال لأبي سفيان ائت من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة يوسف تالله لقد آثرك الله علينا فقال له صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم الآية وإنما أمره أن يأتيه من قبل وجهه ليرى ذله وانكساره فيزداد عطفه عليه ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها. قال المفيد في موضعين من إرشاده حاصل ما فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الراية يوم الفتح سعد بن عبادة وأمره أن يدخل مكة أما مه فغلظ سعد على القوم وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم ودخل وهو يقول:

فسمعها العباس فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد بن عبادة واني لا آمن أن يكون له في قريش صولة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أدرك سعدا فخذ الراية منه وكن أنت الذي تدخل بها مكة فأدركه علي (ع) فأخذها منه ولم يمتنع عليه سعد من دفعها ونحوه ذكر الطبري إلا أنه قال بدل العباس رجل من المهاجرين قال المفيد: فاستدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمير المؤمنين ما كاد يفوت من صواب التدبير بتهجم سعد واقدامه على أهل مكة ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المهاجرين والأنصار يصلح لأخذ الراية من سيد الأنصار سوى أمير المؤمنين وعلم أنه لو رام ذلك غيره لامتنع سعد عليه وكان في امتناعه فساد التدبير واختلاف الكلمة بين الأنصار والمهاجرين وعلم أن الأنصار لا ترضى أن يأخذ أحد من الناس من سيدها سعد الراية ويعزله عن ذلك إلا من كان في شبه حال النبي صلى الله عليه وسلم من جلالة القدر ورفيع المكانة وفرض الطاعة ومن لا يشين سعدا الانصراف به عن تلك الولاية ولو كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من يصلح لذلك سوى أمير المؤمنين لعدل بالأمر إليه وفي هذا من الفضل الذي تخص صلى الله عليه وسلم به أمير المؤمنين (ع) ما لم يشركه فيه أحد وما كشف عن اصطفائه لجسيم الأمورباختصار أقول ولو فرض أن سعدا لا يمتنع عن تسليم الراية لغير علي إطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا بد أن يقع في نفسه حزازة لا تقع بتسليمها لعلي. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل جماعة رجال ونساء ولو كانوا تحت أستار الكعبة لخبثهم وسوء أفعالهم فبعضهم استؤمن له فعفا عنه وبعضهم قتل منهم قينتان كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمراثي أهل بدر قتل علي (ع) أحداهما ومنهم الحويرث بن نفيل بن كعب كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قتله علي (ع) قال المفيد ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وجد فيه ثلثمائة وستين صنما فقال لعلي (ع): "اعطني يا علي كفا من الحصى" فناوله فرماها به وهو يقول قل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وطرحت وكسرت. وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به وفي رواية أنه صعد به إلى سطح الكعبة وامتنع من دفعه فصعد إليه علي بن أبي طالب ولوى يده واخذه منه قال المفيد وبلغ عليا (ع) أن أخته أم هانئ قد آوت أناسا من بني مخزوم أقرباء زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فقال اخرجوا من آويتم قال فجعلوا يذرقون والله كما يذرق الحبأرى خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه لأنه مقنع بالحديد فقالت يا عبد الله أنا أم هانيء ابنة عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال أخرجوهم فقالت والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته قالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال لها اذهبي فبري قسمك قالت فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة يغتسل وفاطمة تستره فلما سمع كلامي قال مرحبا بك يا أم هانئ واهلا فقلت بأبي أنت أشكو إليك اليوم ما لقيت من علي بن أبي طالب فقال رسول الله قد اجرت من اجرت فقالت فاطمة إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليها في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد شكر الله لعلي سعيه وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب" فجمع بمكارم أخلاقه بين حفظ شأن علي وإكرام أم هانئ لأجله.

قال المفيد: وفيما ذكرناه من اعمال أمير المؤمنين (ع) في قتل من قتل من أعداء الله بمكة وإخافة من أخاف ومعونة رسول الله صلى الله عليه وسلم على تطهير المسجد من الأصنام وشدة بأسه في الله وقطع الأرحام في طاعة الله أدل دليل على تخصصه من الفضل بما لم يكن لأحد منهم سهم فيه.

يوم الغميصاء

في شوال سنة ثمان من الهجرة مع بني خزيمة أو جذيمة بن عامر في معجم البلدان الغميصاء موضع في بادية العرب قرب مكة كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة الذين أوقع بهم خالد بن الوليد عام الفتح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" ووداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد علي بن أبي طالبوقد تقدمت القصة مفصلة في الجزء الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بأمير المؤمنين (ع) وإن لزم بعض التكرار وقد أشار إليها المفيد في إرشاده في موضعين وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة أنفذ خالد بن الوليد إلى بني خزيمة بن عامر وكانوا بالغميصاء يدعوهم إلى الله عز وجل وإلى الإسلام ولم يرسله محاربا وأرسل معه عبد الرحمن بن عوف وكان بنو خزيمة مسلمين ولم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم وكانوا قد قتلوا في الجاهلية الفاكه بن المغيرة عم خالد بن الوليد وعوفا أبا عبد الرحمن بن عوف فلما رأوا خالدا أخذوا السلاح فقال ما أنتم قالوا مسلمون قال فما بال السلاح قالوا خفنا أن تكونوا بعض من بيننا وبينهم عداوة من العرب فقال ضعوا السلاح فقال أحدهم يا بني جذيمة أنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسئار وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق وأبي أن يضع سلاحه فما زالوا به حتى نزعوا سلاحه ونزعوا سلاحهم فأمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل فقال له عبد الرحمن بن عوف عملت بأمر الجاهلية في الإسلام حتى كان بينهما شر فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ثم دعا علي بن أبي طالب (ع) فقال يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم به فودي لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيءمن دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد إليكم قالوا لا قال فاني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت ثم قام فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات قال المفيد في الإرشاد ومن مناقبه (ع) أن الله تعالى خصه بتلافي فارط من خالف نبيه في أوأمره وإصلاح ما أفسده حتى انتظمت به أسباب الصلاح وذلك لما أنفذ خالد بن الوليد إلى بني خزيمة فخالف أمره وقتل القوم وهم على الإسلام وعمل في ذلك على حمية الجاهلية فشان بذلك الإسلام ونفر عنه ففزع صلى الله عليه وسلم في تلافي فارطه واصلاح ما أفسده ودفع المعرة عن شرعه بذلك إلى أمير المؤمنين (ع) فانفذه لعطف القوم وسل سخائمهم والرفق بهم في تثبيتهم على الإيمان وأمره أن يدي القتلى ويرضي بذلك أولياء دمائهم الأحياء فبلغ أمير المؤمنين من ذلك مبلغ الرضا وزاد على الواجب فيما تبرع به عليهم من عطيته ما كان بقي في يده من الأموال وقال لهم قد أديت ديات القتلى وأعطيتكم بعد ذلك من المال ما تعودون به على مخلفيكم ليرضى الله عن رسوله وترضون بفضله عليكم وأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما اتصل بهم من البراءة من صنيع خالد فاجتمع براءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جناه خالد واستعطاف أمير المؤمنين (ع) القوم بما صنعه بهم فتم بذلك الصلاح وانقطعت به مواد الفساد ولم يتول ذلك أحد غير أمير المؤمنين (ع) ولا قام به من الجماعة سواه ولا رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكليفه أحدا ممن عداه وهذه منقبة يزيد شرفها على كل فضل يدعى لغيره حقا كان أو باطلا وهي خاصة له لم يشركه فيها أحد منهم ولا حصل لغيره عدل لها من الأعمال.

بعث علي (ع) إلى اليمن

سنة ثمان من الهجرة. أعلم أن أكثر المؤرخين وأهل السير ذكروا أن بعث علي (ع) إلى اليمن كان مرتين سنة ثمان وسنة عشر وممن صرح به ابن هشام في سيرته فقال: وغزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن غزاها مرتين. وقال ابن سعد في الطبقات الكبير: ثم سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن يقال مرتين أحداهما سنة عشر فذكرها وحدها ولم يذكر غزوة سنة ثمان وصرح به دحلان في سيرته والذي يلوح لي أن ذلك كان ثلاث مرات سنة ثمان وما بينها وبين سنة تسع وسنة عشر.

بعثه إلى اليمن في آخر سنة ثمان من الهجرة

وذلك بعد فتح مكة بعثه إلى همدان ليدعوهم إلى الإسلام فأسلمت همدان كلها في يوم واحد قال المفيد في الإرشاد: ومن ذلك ما أجمع عليه أهل السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام وأنفذ معه جماعة من المسلمين فيهم البراء بن عازب رحمه الله وأقام خالد على القوم ستة أشهر يدعوهم فلم يجبه أحد منهم فساء ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا أمير المؤمنين وأمره أن يقفل خالدا ومن معه وقال له أن أراد أحد ممن مع خالد أن يعقب معك فاتركه قال البراء فكنت ممن عقب معه فلما انتهينا إلى أوائل أهل اليمن وبلغ القوم الخبر تجمعوا له فصلى بنا علي الفجر ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ على القوم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همذان كلها في يوم واحد وكتب بذلك أمير المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه استبشر وابتهج وخر ساجدا شكرا لله تعالى ثم رفع رأسه وجلس وقال السلام على همدان ثم تتابع بعد إسلام همدان لاليمن على الاسلاموقال ابن الأثير أنه قال السلام على همدان ثلاثا وفي السيرة الحلبية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن لهمدان يدعوهم إلى الإسلام قال البراء فكنت ممن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالدا ويكون مكانه فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا وصلى بنا علي ثم صفنا صفا وأحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فأسلمت همدان جميعا الحديث. وفي سيرة دحلان عن البخاري عن البراء: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد إلى اليمن ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه فغنمت أواقي ذات عدد زاد الإسماعيلي فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي وصفنا صفا وأحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه وقال السلام على همدان. وكان البعث بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة ومن ذلك اليوم صارت همدان من أنصار علي (ع) وشيعته وأخلصت في ذلك. ولما رد أربد الفزاري على علي قبل حرب صفين وهرب لحقته همدان إلى السوق البراذين فقتلوه وطئا بأرجلهم وضربا بأيديهم ونعال سيوفهم فقال فيه الشاعر:

وقال لهم أمير المؤمنين (ع) يوم صفين يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي وقال فيهم أيضا:

قال المفيد: وهذه منقبة لأمير المؤمنين (ع) ليس لأحد من الصحابة مثلها ولا مقاربها وذلك أنه لما وقف الأمر فيما بعث له خالد وخيف الفساد به لم يوجد من يتلافى ذلك سوى أمير المؤمنين (ع) فندب له فقام به أحسن قيام وجرى على عادة الله عنده في التوفيق لما يلائم إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وكان يمنه ورفقه وحسن تدبيره وخلو صلى الله عليه وسلم نيته في طاعة الله عز وجل هداية من تدى به دية من الناس وأجابة من أجاب إلى الإسلام وعمارة الدين وقوة الإيمان وبلوغ النبي صلى الله عليه وسلم ما آثره من المراد وانتظام الأمر فيه على ما قرت به عينه وظهر استبشاره به وسروره بتمامه لكافة أهل الإسلام وقد ثبت أن الطاعة تتعاظم تعاظم النفع بها كما تعظم المعصية بتعاظم الضرر بها ولذلك صارت الأنبياء (ع) أعظم الخلق ثوابا لتعاظم النفع بدعوتهم على سائر المنافع باعمال من سواهم من الناسوقد وقع هنا اشتباه من بعض الرواة والمؤرخين فنسبوا ما وقع في سنة عشر إلى هذه السنة وبالعكس قال دحلان في سيرته: جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا في رمضان سنة عشر فأسلمت همدان كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخر ساجدا ثم جلس فقال السلام على همدان. قال دحلان قوله في التاريخ سنة عشر وهم لأن بعث علي إلى همدان لم يكن سنة عشر إنما كان سنة عشر بعثه إلى بني مذحج وأما بعثه إلى همدان فكان سنة ثمان بعد فتح مكة فيكون بعث علي إلى اليمن حصل مرتين وقال بعد ايراد حديث البخاري المتقدم فهذا صريح في أن البعث الأول كان في أواخر سنة ثمان وأنه إلى همدان وأما الثاني فكان في رمضان سنة عشر إلى مذحج وممن ذكر أن بعث علي إلى اليمن واسلام همدان كان سنة عشر ابن الأثير في تاريخه.

بعثه قاضيا إلى اليمن بين سنة ثمان وتسع

في سيرة دحلان روى أبو داود وغيره من حديث علي قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء فوضع يده على صدري فقال: "اللهم ثبت لسانه واهد قلبه وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء" قال علي والله ما شككت في قضاء بين اثنين وهذا يدل على أن بعثه كان للقضاء لا للغزو والحرب والفتح لقوله تبعثني إلى قوم وأنا حديث السن لا أبصر القضاء فان هذا صريح في أنه بعثه للقضاء وإلا فلا معنى لهذا القول وأصرح من ذلك ما ذكره المفيد في الإرشاد حيث قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقليده قضاء اليمن وانفاذه إليهم ليعلمهم الأحكام ويبين لهم الحلال والحكام ويحكم فيهم بأحكام القرآن قال له أمير المؤمنين تندبني يا رسول الله للقضاء وأنا شاب لا علم لي بكل القضاء فقال له "ادن مني" فدنا منه فضرب على صدره بيده وقال: "اللهم أهد قلبه وثبت لسانه" قال أمير المؤمنين (ع) فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك المقام ولما استقرت به الدار باليمن ونظر فيما ندبه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القضاء والحكم بين المسلمين رفع إليه رجلان الخ فهذا صريح في أن بعثه كان للقضاء والحكم وقد رويت عنه قضايا كثيرة قضاها باليمن وذلك يدل على بقائه باليمن مدة طويلة كان يتعاطى فيها القضاء لا أنه جاء غازيا ولم يذكروا تاريخ هذا البعث ويمكن كونه بين سنة ثمان وتسع فإنه بعد فتحها يناسب أن يبعث إليها من يعلمهم أحكام الإسلام ويقضي بينهم أما سنة عشر فقد خرج إليها غازيا ومحاربا ثم عاد إليها في حجة الوداع ثم حصلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام على بعثه إلى اليمن سنة عشر من الهجرة في اخبار تلك السنة.

قضاياه وأحكامه ومسائله العجيبة

لأمير المؤمنين (ع) قضايا وأحكام وأجوبة مسائل عجيبة منها ما وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها في عهد الخلفاء الثلاثة ومنها في خلافته هو وقد ألفت في ذلك عدة كتب سوى ما ذكر في مضامين الكتب وهذا ما وصل إلينا من أسمائها أو اطلعنا عليه منها

1- كتاب ضخم ذكره البهائي في أربعينه وقال أنه اطلع عليه بخرأسان

2- كتاب محمد بن قيس البجلي من أصحاب الصادقين (ع) رواه عنه النجاشي والشيخ الطوسي بسنديهما

3- كتاب المعلى بن محمد البصري ذكره النجاشي

4- كتاب الترمذي صاحب الصحيح

5- عجائب أحكامه رواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن جده عندنا منه نسخة كتبت بين سنة 410 و420 في ضمن مجموعة ومرت الإشارة إليه عند ذكر مناقبه وفضائله عند ذكر علمه كما مر هناك أيضا جملة من قضاياه وأحكامه.

6- ما اشتمل عليه كتاب الإرشاد للشيخ المفيد من قضاياه وأحكامه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الثلاثة وزمن خلافته

7- ما اشتمل عليه كتاب المناقب لابن شهراشوب

8- عجائب أحكامه الذي جمعناه وأدرجنا فيه كتاب علي بن إبراهيم المقدم ذكره موزعا وهو مطبوع.

وقد اشتملت كتب السير والتواريخ والكتب المؤلفة في الصحابة وغيرها على الكثير من ذلك قال المفيد في الإرشاد: فأما الأخبار التي جاءت بالباهر من قضاياه في الدين وأحكامه التي افتقر إليه في علمها كافة المؤمنين بعد الذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدمه في العلم وتبريزه على الجماعة بالمعرفة والفهم ونزع علماء الصحابة إليه فيما أعضل من ذلك والتجائهم إليه فيه وتسليمهم له القضاء به فهي أكثر من أن تحصى وأجل من أن تتعاطى فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار من العامة والخاصة في قضاياه ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فصوبه فيها وحكم له بالحق فيما قضاه ودعا له بخير وأثنى عليه وابانه بالفضل في ذلك من الكافة ودل به على استحقاقه الأمر من بعده ووجوب تقدمه على من سواه في مقام الإمامة كما تضمن ذلك القرآن حيث يقول الله عز وجل {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون} وقوله {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} وقوله عز وجل في قصة آدم وقد قالت الملائكة {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} فنبه الله جل جلاله الملائكة على أن آدم أحق بالخلافة منهم لأنه أعلم منهم بالأسماء وأفضلهم في علم الأنباء وقال تقدست أسماؤه في قصة طالوت {وقال لهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال أن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} فجعل جهة حقه في التقدم عليهم ما زاده الله من البسطة في العلم والجسم واصطفاؤه إياه على كافتهم بذلك وكانت هذه الآيات موافقة لدلائل العقول في أن الأعلم هو أحق بالتقدم في محل الإمامة ممن لا يساويه في العلم ودلت على وجوب تقدم أمير المؤمنين على كافة المسلمين في خلافة الرسول وإمامة الأمة لتقديمه في العلم والحكمة ونحن ذاكرون بعون الله باختصار جملة من قضاياه وأحكامه وأجوبة مسائله في عهد الرسالة والخلفاء الأربعة موزعة على السنين.

قضاياه وأحكامه في عهد الرسول

صلى الله عليه وسلم وهو باليمن

1- ما رواه المفيد في جارية وطأها شريكان في طهر واحد جهلا بالتحريم فاقرع بينهما وألحق الولد بمن خرجت القرعة باسمه وألزمه نصف قيمته لشريكه أن لو كان عبدا وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمضاه وأقر الحكم به في الإسلام وقال الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود (ع) وسبيله في القضاء يعني به القضاء بالإلهام. وحكى ابن شهراشوب في المناقب عن سنن أبي داود وابن ماجة وابن بطة في الإبانة واحمد في فضائل الصحابة وابن مردويه بطرق كثيرة عن زيد بن أرقم أن عليا أتاه وهو باليمن ثلاثة يختصمون في ولد كلهم يزعم أنه وقع على أمه في طهر واحد في الجاهلية فاقرع بينهم والزم من خرجت له القرعة ثلثي الدية لصاحبه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود".

2- ما رواه المفيد وحكاه ابن شهراشوب عن أحمد في مسنده وأحمد بن منيع في أما ليه بسندهما إلى حماد بن سلمة عن سماك عن حبيش بن المعتمر قال ورواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) أنه رفع إليه وهو باليمن خبر زبية حفرت للأسد فوقع فيها فوقف على شفير الزبية رجل فزلت قدمه فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثلث وتعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد فقضى أن الأول فريسة الأسد وعلى له ثلث الدية للثاني وعلى أهل الثاني ثلثا الدية للثالث وعلى أهل الثالث الدية الكاملة للرابع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء الله عز وجل فوق عرشه. وروى إبراهيم بن هاشم في كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين (ع) بسنده عن الصادق (ع) أن الزبية لما وقع فيها الأسد أصبح الناس ينظرون إليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية فسقط فيها رجل وتعلق بالذي يليه وتعلق الآخر بالآخر حتى وقع فيها أربعة فقتلهم الأسد فأمرهم أمير المؤمنين (ع) أن يجمعوا دية تامة من القبائل الذين شهدوا الزبية ونصف دية وثلث دية وربع دية فأعطى أهل الأول ربع الدية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة وأعطى أهل الثاني ثلث الدية من أجل أنه هلك فوقه اثنان وأعطى أهل الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد وأعطى أهل الرابع الدية تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو كما قضى والظاهر إنهما واقعتان ففي الرواية الأولى أن الأول زلت قدمه فوقع ولم يرمه أحد وفي الرواية الثانية أن المجتمعين تزاحموا وتدافعوا فيكون سقوط الأول بسببهم ولذلك اختلف الحكم فيهما.

3- ما ذكره المفيد في الإرشاد أنه رفع إليه خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثا ولعبا فقرصت أخرى الحاملة فقمصت لقرصتها فوقعت الراكبة فاندقت عنقها وهلكت فقضى على القارصة بثلث الدية وعلى القامصة بثلثها وأسقط الثالث الباقي لركوب الواقصة عبثا القامصة وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمضاه وشهد له بالصواب وحكاه ابن شهراشوب في المناقب عن أبي عبيد في غريب الحديث وابن مهدي في نزهة الأبصار عن الأصبغ بن نباتة عن علي (ع) وحكاه ابن الأثير في النهاية عن علي (ع) وأرسله الزمخشري في الفائق عن النبي صلى الله عليه وسلم واعترض عليه صاحب النهاية بأنه كلام علي. ولعل الزمخشري أسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار أنه أمضاه.

4- ما ذكره المفيد وابن شهراشوب بعد خبر القارصة والقامصة والواقصة وظاهرهما أنه باليمن في قوم وقع عليهم حائط فقتلهم وفيهم امرأة حرة لها ولد من حر ومملوكة لها ولد من مملوك فاقرع بينهما وحكم بالحرية لمن خرج عليه سهمها وبالرقية لمن خرج عليه سهمها ثم أعتقه وجعل مولاه مولاه وحكم في ميراثهما بالحكم في الحر ومولاه فأمضى ذلك رسول الله ص.

5- ما عن كتاب قص صلى الله عليه وسلم الأنبياء عن الصدوق بسنده عن الباقر (ع) أنه انفلت فرس لرجل من أهل اليمن فنفح رجلا فقتله فأقام صاحب الفرس البينة أن الفرس انفلت من داره فأبطل علي (ع) دم الرجل وأمضاه النبي صلى الله عليه وسلمملخصا أي أنه انفلت قهرا ولم يفلته صاحبه.

قضاياه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في غير اليمن

6- ما رواه المفيد في الإرشاد وإبراهيم بن هاشم في عجائب أحكامه مرسلا ورواه ابن شهراشوب في المناقب عن مصعب بن سلام عن الصادق (ع) أنه اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بقرة قتلت حمارا فسال عنها أبا بكر وعمر فقالا بهيمة قتلت بهيمة لا شيءعلى ربها وقال علي بن أبي طالب أن كانت البقرة دخلت على الحمار في منامه فعلى ربها قيمة الحمار لصاحبه وإن كان الحمار دخل على البقرة في منامها فقتلته فلا غرم على صاحبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد قضى بينكما علي بقضاء الله" ثم قال: "الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود في القضاء" وفي رواية "الحمد لله الذي جعل منا من يقضي بقضاء النبيين". قال المفيد: روى بعض العامة أن هذه القضية كانت منه بين الرجلين في اليمن وروى بعضهم حسبما قدمناه ويمكن تعدد الواقعة.

7- ما روي في المناقب أن رجلا أوطأ بعيره ادحي نعام فكسر بيضها فسأل عليا فقال له عليك بكل بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد قال: "علي بما سمعت ولكن هلم إلى الرخصة عليك بكل بيضة صوم يوم طعام مسكين" (أقول) فاعل ذلك كان حاجا والنبي صلى الله عليه وسلم أمضى فيه حكم علي (ع) ولكنه أفتى السائل بما هو رخصة وكأنه علم أنه غير قادر.

خبره في سرية ذات السلاسل سنة تسع من الهجرة

ويقال سرية ذات السلسلة ويقال سرية وادي الرمل ومر ذكرها مفصلا في الجزء الثاني ونعيده هنا وان لزم بعض التكرار أخباره (ع) متصلة متتالية بحسب السنين و(السلاسل)اسم ماء كما في مناقب ابن شهراشوب وقيل سميت ذات السلاسل لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة وفي مجمع البيان سميت ذات السلاسل لأن المشركين ربطوا بعضهم بالسلاسل لئلا يفروا (وقال المفيد) سميت ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبى وشد أسراهم في الحبال مكتفين كإنهم في السلاسل.

وهذه السرية ذكرها المفيد في الإرشاد وذكرها جماعة غيره كما ستعرف إلا أن المفيد ذكرها في موضعين مع إنها سرية واحدة، أحدهما: بعد غزوة قريظة وقبل غزوة بني المصطلق مع أن غزوة بني المصطلق قبل غزوة قريظة ولكنه عكس ترتيبهما وذكرها في هذا الموضع إنما يوجد في بعض النسخ دون بعض، ثانيهما: بعد غزوة زبيد التي كانت بعد الرجوع من تبوك وغزوة تبوك كانت سنة تسع من الهجرة وكيف كان فلا يحتمل من ذكرها بين غزوة قريظة وغزوة بني المصطلق اللتين كانتا سنة خمس إنها كانت سنة خمس لأن فيها ذكر عمرو بن العاص وعمرو أسلم في صفر سنة ثمان وقيل بين الحديبية وكانت سنة ست وخيبر وكانت سنة سبع. قال المفيد في الموضع الأول: وقد كان أمير المؤمنين (ع) في غزوة وادي الرمل ويقال إنها كانت تسمى بغزوة ذات السلسلة ما حفظه العلماء ودونه الفضلاء ونقله أصحاب الآثار ورواه نقلة الأخبار مما ينضاف إلى مناقبه في الغزوات ويماثل فضائله في الجهاد وما توحد به في معناه من كافة العباد وذلك أن أصحاب السير ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه إعرابي فجثا بين يديه وقال جئت لأنصحك قال وما نصيحتك قال قوم من العرب قد عملوا على أن يبيتوك بالمدينة ووصفهم له فأمر أمير المؤمنين أن ينادي بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس أن هذا عدو الله وعدوكم قد اقبل عليكم يزعم أنه يبيتكم بالمدينة فمن للوادي" فقام رجل من المهاجرين فقال أنا له يا رسول الله فناوله اللواء وضم إليه سبعمائة رجل وقال له: "امض على اسم الله فمضى فوافى القوم ضحوة" فقالوا من الرجل قال أنا رسول لرسول الله أما أن تقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أو لأضربنكم بالسيف فقالوا له ارجع إلى صاحبك فانا في جمع لا تقوم له فرجع الرجل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم من للوادي فقام رجل من المهاجرين فقال أنا له يا رسول الله فدفع إليه الراية ومضى ثم عاد لمثل ما عاد صاحبه الأول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين علي بن أبي طالب" فقام أمير المؤمنين فقال أنا ذا يا رسول الله قال: "امض إلى الوادي" فقال نعم وكانت له عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في وجه شديد فمضى إلى منزل فاطمة (ع) فالتمس العصابة منها فقالت أين تريد وأين بعثك أبي قال إلى وادي الرمل فبكت إشفاقا عليه فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهي على تلك الحال فقال لها: "مالك تبكين أتخافين أن يقتل بعلك كلا أن شاء الله" فقال له علي لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله ثم خرج ومعه لواء النبي صلى الله عليه وسلم فمضى حتى وافى القوم بسحر فأقام حتى أصبح ثم صلى بأصحابه الغداة وصفهم صفوفا واتكى على سيفه مقبلا على العدو فقال يا هؤلاء إني رسول رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإلا أضربكم بالسيف قالوا له ارجع كما رجع صاحباك قال أنا لا ارجع لا والله حتى تسلموا أو أضربكم بسيفي هذا أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فاضطرب القوم لما عرفوه ثم اجترأوا على مواقعته فواقعهم وقتل منهم ستة أو سبعة وانهزم المشركون وظفر المسلمون وحازوا الغنائم وتوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فروي عن أم سلمة قالت كان نبي الله قائلا في بيتي إذ انتبه فزعا من منامه فقلت له الله جارك قال صدقت الله جاري لكن هذا جبرئيل يخبرني أن عليا قادم ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليا فقام المسلمون له صفين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بصر بالنبي ترجل عن فرسه واهوي إلى قدميه يقبلهما فقال له اركب فان الله تعالى ورسوله عنك راضيان فبكى أمير المؤمنين فرحا وانصرف إلى منزله وتسلم المسلمون الغنائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض من كان معه في فرحا واصرف إلى منزله وتسلم المسلمون الغنائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض من كان معه في الجيش "كيف رأيتم أميركم" قالوا لم ننكر منه شيئا إلا أنه لم يؤم بنا في صلاة إلا قرأ فيها بقل هو الله أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سأسأله عن ذلك" فلما جاءه قال له: "لم لم تقرأ بهم في فرائضك إلا بسورة الإخلاص" فقال يا رسول الله أحببتها فقال له النبي فإن الله قد أحبك كما أحببتها ثم قال له: "يا علي لولا إني أشفق أن تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك" قال المفيد وقد ذكر كثير من أصحاب السير أن في هذه الغزوة انزل على النبي صلى الله عليه وسلم والعاديات ضبحا الخ فتضمنت ذكر الحال فيما فعله أمير المؤمنين (ع) فيها

(وقال المفيد) في الموضع الثاني بعد ما ذكر الغزوة زبيد: ثم كانت الغزوة السلسلة وذلك أن أعرابيا اتى إلى عند النبي صلى الله عليه وسلم فجثا بين يديه وقال له جئتك لأنصح لك قال وما نصيحتك قال قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل وعملوا على أن يبيتوك بالمدينة ووصفهم له فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي الصلاة جامعة فاجتمع المسلمون وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على أن يبيتكم فمن له فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا نحن نخرج إليهم فول علينا من شئت فاقرع بينهم فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم فاستدعى أبا بكر فقال له خذ اللواء وامض إلى بني سليم فإنهم قريب من الحرة فمضى ومعه القوم حتى قارب أرضهم وكانت كثيرة الحجارة والشجر وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب فلما صار إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا وانهزم من القوم فلما ورد على النبي صلى الله عليه وسلم عقد لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم فكمنوا له تحت الحجارة والشجر فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه فساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال له عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله إليهم فان الحرب خدعة فلعلي اخدعهم فأنفذه مع جماعة ووصاه فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة. ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أما يدعو عليهم ثم دعا أمير المؤمنين فعقد له ثم قال أرسلته كرارا غير فرار ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم أن كنت تعلم إني رسولك فاحفظني فيه وافعل به وافعل فدعا له ما شاء الله. وخرج علي وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشييعه وبلغ معه إلى مسجد الأحزاب وعلي على فرس أشقر مهلوب عليه بردان يمانيان وفي يده قناة خطية فشيعه ودعا له وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعمر وعمرو بن العاص فسار بهم نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم اخذ بهم على محجة غامضة فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه وكان يسير الليل ويكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل ووقفهم مكانا وقال لا تبرحوا وانتبذ أما مهم فأقام ناحية منهم فلما رأى عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له فقال لأبي بكر أنا أعلم بهذه البلاد من علي وفيها ما هو أشد علينا من بني سليم وهي الضباع والذئاب فان خرجت علينا خفت أن تقطعنا فكلمه يخل عنا نعلو الوادي فانطلق فكلمه فأطال فلم يجبه علي حرفا وأحدا فرجع إليهم فقال لا والله ما أجابني حرفا وأحدا فقال عمرو بن العاص لعمر أنت أقوى عليه فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثلما صنع بأبي بكر فرجع فأخبرهم فقال عمرو بن العاص أنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعل الوادي فقال له المسلمون لا والله ما نفعل أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمع لعلي ونطيع فنترك أمره ونطيع لك ونسمع فلم يزالوا كذلك حتى أحس علي بالفجر فكبس القوم وهم غارون فامكنه الله تعالى منهم ونزلت على النبي صلى الله عليه وسلم والعاديات ضبحا إلى آخرها فبشر أصحابه بالفتح وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين فاستقبلوه والنبي يقدمهم فقاموا له صفين فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وسلم ترجل عن فرسه فقال له النبي اركب فان الله ورسوله عنك راضيان فبكى أمير المؤمنين فرحا فقال له النبي يا علي لولا إنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك. وقال الطبرسي في مجمع البيان قيل نزلت السورة لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى ذات السلاسل فأوقع بهم بعد أن بعث مرارا غيره من الصحابة فرجعوا وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل. وذكر هذه الغزوة بهذا النحو الراوندي في الخرايج وعلي بن إبراهيم في تفسيره وغيرهما وفي مناقب ابن شهراشوب عند ذكر غزوة السلاسل عن أبي القاسم بن شبد الوكيل وأبي الفتح الحفار باسنادهما عن الصادق (ع) ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبي صالح وابن عباس أنه أنفذ النبي صلى الله عليه وسلم بعض المهاجرين في سبعمائة رجل فلما صار إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فبعث آخر فرجع منهزما فقال عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله فان الحرب خدعة ولعلي اخدعهم فبعثه فرجع منهزما وفي رواية أنفذ خالدا فعاد كذلك فساء ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا عليا وقال أرسلته كرارا غير فرار فشيعه إلى مسجد الأحزاب إلى آخر ما تقدم. ثم قال ومن روايات أهل البيت (ع) قالوا فلما أحس الفجر قال اركبوا بارك الله فيكم وطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم قال لهم اتركوا اكمة دوابكم فشمت الخيل ريح الإناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين. قال: وفي رواية مقاتل والزجاج أنه كبس القوم وهم غارون فقال يا هؤلاء أنا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله أن محمدا رسول الله وإلا ضربتكم بالسيف فقالوا انصرف عنا كما انصرف الثلاثة فإنك لا تقاومنا فقال إنني لا انصرف أنا علي بن أبي طالب فاضطربوا وخرج إليه الأشداء السبعة وناصحوه وطلبوا الصلح فقال أما الإسلام وأما المقاومة فبرزوا إليه وأحدا بعد واحد وكان أشدهم آخرهم وهو سعد بن مالك العجلي وهو صاحب الحصن فقتلهم فانهزموا ودخل بعضهم في الحصن وبعضهم استأمنوا وبعضهم أسلموا واتوه بمفاتيح الخزائن وفي ذلك يقول السيد الحميري:

ولم تذكر هذه الغزوة بهذه الكيفية في السيرة الهاشمية وطبقات ابن سعد وما تأخر عنها ولكنهم ذكروا سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أميال في جمادي الآخرة سنة ثمان من الهجرة بلغه أن جمعا من قضاعة تجمعوا يريدون الدنو إلى أطرافه فبعثه في ثلثمائة فبلغه كثرتهم فبعث يستمده فأرسل أبا عبيدة في مائتين ولكن الروايات المتقدمة من طريق أهل البيت وغيرهم دلت على أن سرية ذات السلاسل هي غير هذه والله أعلم.

سرية علي بن أبي طالب (ع) إلى طيء

في ربيع الآخر كما في طبقات ابن سعد أو الأول كما في سيرة دحلان سنة تسع من الهجرة. وبلاد طيء هي بلاد نجد وفيها جبلا طيء المعروفان أجا وسلمى. في طبقات ابن سعد: سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس صنم طئ ليهدمه. قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس يهدمه فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر فهدموا الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء وفي السبي أخت عدي بن حاتم وهرب عدي إلى الشام ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف رسوب والمخذم واليماني وثلاثة ادراع فلما نزلوا ركك اقتسموا الغنائم وعزل للنبي صلى الله عليه وسلم صفيا رسوب والمخذم ثم صار له بعد السيف الآخر وعزل الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسموا حتى قدم بهم المدينةوقال دحلان: في رواية كانوا مع علي مائتي رجل. ويمكن كون تمام المائتين من غير الأنصار والراوي إنما ذكر الذين من الأنصار خاصة أو أنه جعلهم مائة وخمسين باعتبار أنه كان معهم مائة بعير وخمسون فرسا فظن إنهم كانوا بذلك العدد ولكنهم كانوا يعتقبون الإبل فكان الركب زائدا عن الركاب والله أعلم قال فأغار على احياء من العرب وشن الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر وحرق الصنم بعد هدمه وغنم سبيا ونعما وشاء وفضة وقدم بذلك المدينة وفي السيرة الحلبية وجد ثلاثة أسياف معروفة عند العرب وذكرها.

"والفلس" بضم الفاء وسكون اللام كما في السيرة الحلبية ولكن في القاموس الفلس بالكسر صنم لطئ. وفي تاج العروس عن ابن دريد الفلس بالكسر صنم لطئ في الجاهلية فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فهدمه وأخذ السيفين اللذين كان الحارث بن أبي شمر داهما إليه وهما مخذم ورسوبوالحارث هذا كان غسانيا من نصارى الشام وكانت طيء على النصرانية فلذلك دى السيفين إلى صنمهم ولذلك هرب عدي إليهم لإنهم على دينه ثم أن ظاهر الطبقات أن الفلس اسم الصنم وهو صريح القاموس والسيرة الحلبية. وفي سيرة دحلان أن الفلس اسم الموضع الذي فيه الصنم. ثم أن ابن سعد قال كما سمعت فهدموا الفلس وخربوه ودحلان قال وحرق الصنم بعد هدمه ولا يبعد كون الصواب ما في الطبقات وأن يكون دحلان صحف خرب بحرق فان الصنم يكون من الحجارة ونحوها فهو يخرب ولا يحرق وابن سعد قال أن الغنائم قسمت في الطريق وابقي آل حاتم فقط إلى المدينة وظاهر دحلان أنه جئ بجميع الغنائم إلى المدينة. وعزل آل حاتم وعدم قسمتهم حتى قدم بهم المدينة هو تكريم لهم لمكان حاتم وما اشتهر عنه من مكارم الأخلاق ورجاء للعفو عنهم.

خبر سفانة بنت حاتم الطائي

وأخت عدي بن حاتم التي كانت في السبي اسمها سفانة بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وهي في اللغة الدرة. وقد عطف عليها علي (ع) وأشار إليها بان تكلم الرسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فعفا عنها وأكرمها بسبب إشارة علي إليها بذلك. وخبرها من الأخبار الطريفة الدالة على نبلها وكمال عقلها وفصاحة لسانها ويمكن للمرء أن يستفيد منه فوائد ويتعلم منه رأيا وأخلاقا وأفعالا كريمة فلا بأس بأن نذكره هنا بأوسع مما مر في السيرة النبوية ومع ذلك فله مساس بسيرة أمير المؤمنين التي نحن بصددها. قال ابن هشام في سيرته فيما حكاه عن ابن إسحاق: فقدم بابنة حاتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طئ وقد بلغه هرب عدي بن حاتم إلى الشام فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه وكانت امرأة جزلة أي ذات وقار وعقل فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله. قالت ثم مضى وتركني حتى إذا كان من الغد مر بي فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست منه فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه فقمت إليه وقلت له مثل ذلك فقال قد فعلت فلا تعجلي حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك فآذنيني، وسالت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه فقيل هو علي بن أبي طالب فأقمت حتى قدم رهط من طئ وإنما أريد أن أتى أخي بالشام فأخبرته أن لي فيهم ثقة وبلاغا فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت حتى قدمت الشام على أخي وكان أخوها بدومة الجندل الجوف وفي السيرة الحلبية في رواية إنها قالت يا محمد أن رأيت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا إحياء العرب فاني ابنة سيد قومي وأن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبه الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم طئ فقال لها يا جارية هذه صفة المؤمن حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق. وفي رواية قالت له يا محمد أن رأيت أن تمن علي ولا تفضحني في قومي فإني بنت سيدهم أن أبي كان يطعم الطعام ويحفظ الجوار ويرعى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العريان ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم الطائي فقال لها: "هذه مكارم الأخلاق حقا"، لو كان أبوك مسلما لترحمت عليه خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق، وإن الله يحب مكارم الأخلاق. ويمكن أن تكون قالت ذلك كله كل قول في مرة من المرات الثلاث وفي شرح رسالة ابن زيدون وغيرها: حكي عن علي بن أبي طالب (ع) أنه قال يوما: سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في خير عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير لا فلو كان لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا لكان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبيل النجاح فقام إليه رجل وقال يا أمير المؤمنين أسمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم لما أتى بسبايا طئ وقفت جارية عيطاء لعساء فلما رأيتها أعجبت بها وقلت لأطلبنها من النبي صلى الله عليه وسلم فلما تكلمت أنسيت جمالها بفصاحتها قالت يا محمد أن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي وإن أبي كان يفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويحفظ الجار ويحمي الذمار ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ويعين على نوائب الدهر ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جارية هذه صفة المؤمن حقا ولو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق". وقال فيها ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر وعالما ضاع بين جهال فأطلقها ومن عليها بقومها فاستأذنته في الدعاء له فإذن لها وقال لأصحابه اسمعوا وعوا وذكر الدعاء، وذكره دحلان في سيرته بأطول من ذلك فنحن ننقله منها قالت شكرتك يد افتقرت بعد غني ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر وأصاب الله بمعروفك مواضعه ببرك مواقعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ولا سلب نعمة من كريم إلا وجعلك سببا لردها عليه. وبعض ما ذكره شارح رسالة ابن زيدون قد انفرد به مثل قوله: لما أتى بسبايا طئ وقفت جارية إلى قوله: بفصاحتها، وللتأمل في صحته مجال أولا أنه هو الذي جاء بسبايا طئ ومعهن سفانة فلا بد أن يكون رآها مرارا فكيف يقول فلما رأيتها أعجبت بها ولا يصح أن يريد لما رأيتها عند سبيها لأن ظاهر السوق أن ذلك كان لما وقفت أمام النبي صلى الله عليه وسلم وكلمته ثانيا أن مقام علي (ع) ارفع من أن يتطلع إلى جارية مسبية فيعجب بجمالها ثم يقول فلما تكلمت أنسيت جمالها بفصاحتها ثالثا أن طلبها من النبي إنما هو للتسري بها لما رأى من جمالها ولم يكن ليتسرى في حياة الزهراء (ع) ولا ينافيه اصطفاؤه جارية في خبر سريته لليمن فلعل ذلك كان للخدمة رابعا أن هذا الذي نقله شارح الرسالة لم يذكره ابن سعد في طبقاته ولا ابن هشام في سيرته ولا صاحب السيرة الحلبية ولا دحلان في سيرته ولا غيرهم ممن رأينا كلامه وذلك يوجب الريب في صحته.

وأسلمت سفانة وحسن إسلامها وقدمت على أخيها عدي بدومة الجندل. قال عدي بن حاتم فأقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة ما ذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فان يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت فقلت والله أن هذا لهو الرأي فقدم عدي على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسلم وحسن إسلامه وكان من خواص أصحاب أمير المؤمنين (ع) وشهد معه مشاهده كلها.

مسائل غامضة سئل عنها علي أمير المؤمنين

عليه السلام

وقد أدرجها ابن شهراشوب في المناقب وإبراهيم بن هاشم في كتاب عجائب أحكامه في ضمن قضاياه وأحكامه العجيبة والأولى إفرادها عنها وهذه كقضاياه منها ما وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها في إمارة الخلفاء الثلاثة ومنها في أمارته ونحن نذكر كلا منها في محله كما فعلنا في قضاياه وأحكامه.

ما سئل عنه في حياة الرسول

صلى الله عليه وسلم من المسائل الغامضة

في مناقب ابن شهراشوب: جابر وابن عباس أن أبي بن كعب قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقوم عنده وفيهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر وعثمان وعبد الرحمن قولوا الآن ما أول نعمة غرسكم الله بها وبلاكم بها فخاضوا في المعاش والرياش والذرية والأزواج فلما أمسكوا قال يا أبا الحسن قل فقال: أن الله خلقني ولم أكن شيئا مذكورا وانه أحسن بي فجعلني حيا لا مواتا وان أنشأني فله الحمد في أحسن صورة واعدل تركيب وانه جعلني متفكرا واعيا لا ابله ساهيا وأنه جعل لي شواعر أدرك بها ما ابتغيت وجعل في سراجا منيرا وأنه هداني لدينه ولم يضلني عن سبيله وأنه جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها وإنه جعلني مالكا لا مملوكا وانه سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه وانه جعلنا ذكرانا قو أما على حلائلنا لا إناثا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل كلمة صدقت. ثم قال فما بعد هذا فقال علي: وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن أنت وارث علمي والمبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي" (الخبر).

أخباره في غزوة تبوك

وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة.

ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد منها هنا ما له تعلق بأمير المؤمنين (ع) وان لزم بعض التكرار. كان سببها كما مر هناك أنه بلغه أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وان هرقل رزق أصحابه لسنة وأحلبت معه قبائل العرب وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء ومر قول المفيد: فأوحى الله عز اسمه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسير إليها بنفسه ويستنفر الناس للخروج معه وأعلمه أنه لا يحتاج فيها إلى حرب ولا يمنى بقتال عدو وان الأمور تنقاد له بغير سيف وتعبده بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم ليتميزا بذلك وتظهر به سرائرهم فأبطأ أكثرهم ونهض بعضهم على استثقال للنهوض وتخلف آخرون. قال الطبري: قال ابن إسحاق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على له وأمره بالإقامة فيهم وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وقال ابن هشام استعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وخلف علي بن أبي طالب على له وأمره بالإقامة فيهم. (وقال المفيد) لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج استخلف أمير المؤمنين (ع) في له وولده وأزواجه ومهاجره وقال له يا علي أن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وذلك أنه (ع) علم من خبث نيات الإعراب وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم وإيقاع الفساد في دار هجرته والتخطي إلى ما يشين له ومخلفيه وعلم أنه لا يقوم مقامه في إرهاب العدو وحراسة دار الهجرة وحياطة من فيها إلا أمير المؤمنين فاستخلفه ظاهرا ون صلى الله عليه وسلم عليه بال إمامة من بعده نصا جليا ولو علم الله عز وجل أن لنبيه في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وان إقامته في دار هجرته مقامه أفضل الأعمال ولم يذكر المفيد استخلاف أحد غيره وهو الظاهر الموافق للاعتبار فإنه لم يكن ليشرك معه أحدا في الولاية على المدينة مع ظهور شجاعته وكفاءته وحسن تدبيره. وإذا كان يخلف عليها في أكثر غزواته كما مر ابن أم مكتوم وهو مكفوف البصر ويكتفي به أفلا يكون علي (ع) فيه الكفاءة للاستخلاف عليها مع اضطراب الرواية فيمن استخلفه غيره فقيل محمد بن مسلمة وقيل سباع بن عرفطة كما مر وقيل ابن أم مكتوم حكاه في السيرة الحلبية. وحكى عن ابن عبد البر أنه قال الأثبت أنه علي بن أبي طالب أقول وإنما لم يستصحبه لما اخبره الله تعالى بأنه لا يلقى حربا فكان بقاؤه في المدينة م للخوف عليها من المنافقين والعرب الموتورين وهذا أمر واضح جلي. قال ابن هشام: فارجف به المنافقون وقالوا ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه فلما قالوا ذلك اخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون انك إنما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني فقال: "كذبوا ولكن خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في لي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" فرجع علي إلى المدينة (وقال المفيد) تظاهرت الرواية بان أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا (ع) على المدينة حسدوه لذلك وعظم عليهم مقامه فيها وعلموا إنها تنحرس به ولا يكون فيها للعدو مطمع فساءهم ذلك وكانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نايه عن المدينة وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها وغبطوه على الرفاهية والدعة بمقامه في له وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر فارجفوا به وقالوا لم يستخلفه اكر أما وإجلالا ومودة وإنما خلفه استثقالا له فبهتوه بهذا الإرجاف وهم يعلمون ضده فلما بلغه ذلك أراد تكذيبهم فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قولهم فقال له النبي: "إرجع يا أخي إلى مكانك فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" ولو علم الله لنبيه في هذه الغزوة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وبقائه في دار هجرته.

بعث سورة براءة مع علي

عليه السلام

في ذي الحجة سنة تسع من الهجرة

وقد مر في الجزء الثاني مفصلا ونعيده هنا باختصار وإن لزم بعض التكرار:

قال الشيخ الطوسي في المصباح: في أول يوم من ذي الحجة سنة 9 من الهجرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم سورة براءة حين أنزلت عليه مع أبي بكر ثم نزل عليه أنه لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك فأنفذ عليا حتى لحق أبا بكر فأخذها منه. وروى الطبري في تفسيره بسنده عن زيد بن يثيغ قال نزلت براءة فبعث بها رسول الله أبا بكر ثم أرسل عليا فأخذها منه فلما رجع قال هل نزل في شيء قال لا ولكن أمرت أن ابلغها أنا أو رجل من أهل بيتي فانطلق علي إلى مكة فقام فيهم بأربع: أن لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا. ولا يطوف بالبيت عريان. ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فاتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو علي إلى أن قال فنادى علي {إن الله برئ من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخلن الجنة إلا مؤمن (وبسنده) عن زيد بن يثيغ: سألنا عليا بأي شيء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع: لا يدخلن الجنة إلا نفس مؤمنة. ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامهم هذا ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر. وروى النسائي في الخصائص بسنده عن سعد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليا فأخذها منه فوجد أبو بكر في نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني". وفي رواية أخرى للنسائي: "لا ينبغي أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي" (وبسنده) عن زيد بن يثيغ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر ثم اتبعه بعلي فلحقه فاخذ الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب فقال أنزل في شيء قال لا إلا إني أمرت أن ابلغه أنا أو رجل من أهل بيتيولحقه علي بذي الحليفة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء وذو الحليفة ميقات أهل المدينة بينه وبينها ستة أميال وقيل لحقه بالعرج موضع بين مكة والمدينة وقيل بالروحاء من عمل الفرع. والأقرب إلى الاعتبار أن يكون لحقه بذي الحليفة. قال المجلسي أجمع المفسرون ونقلة الأخبار أنه لما نزلت براءة دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر ثم أخذها منه ودفعها إلى علي بن أبي طالب واختلفوا فقيل أخذها منه فقرأها على الناس وكان أبو بكر أميرا على الموسم وروى أصحابنا أنه ولى عليا الموسم أيضا (وقال المفيد) في الإرشاد: ومن ذلك ما جاء في قصة براءة. وقد دفعها النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أن الله يقرئك السلام ويقول لك لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فاستدعى عليا وقال له اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر فخذ براءة من يده وامض بها إلى مكة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم وخير أبا بكر بين أن يسير مع ركابك أو يرجع إلي فركب أمير المؤمنين ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء وسار حتى لحق بأبي بكر فلما رآه فزع من لحوقه به واستقبله فقال فيم جئت يا أبا الحسن أسائر أنت أم لغير ذلك فقال أن رسول الله أمرني أن ألحقك فاقبض منك الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم وأمرني أن أخيرك بين أن تسير معي أو ترجع إليه فقال بل ارجع إليه وعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قال يا رسول الله انك لتني لأمر طالت الأعناق إلي فيه فلما توجهت له رددتني عنه ما لي أنزل في قرآن فقال لا ولكن الأمين جبرئيل هبط إلي عن الله عز وجل بأنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وعلي مني ولا يؤدي عني إلا علي في حديث مشهور. وكان نبذ العهد مختصا بمن عقده أو بمن يقوم مقامه في فرض الطاعة وجلالة القدر وعلو الرتبة وشرف المقام. ومن لا يرتاب بفعاله ولا يعترض عليه في مقامه. ومن هو كنفس العاقد وأمره أمره فإذا حكم بحكم مضى واستقر وامن الاعتراض فيه. وكان بنبذ العهد قوة الإسلام وكمال الدين وإصلاح أمر المسلمين وفتح مكة واتساق أمر الصلاح فأحب الله تعالى أن يجعل ذلك في يد من ينوه باسمه ويعلي ذكره وينبه على فضله ويدل على علو قدره ويبينه به ممن سواه وكان ذلك أمير المؤمنين (ع) ولم يكن لأحد من القوم فضل يقارب الفضل الذي وصفناه ولا يشرك فيه أحد منهم على ما بيناه.

أخباره في وفد نجران سنة عشر من الهجرة

(ونجران) ببلاد اليمن كان لها نصارى ذكر المؤرخون هذا الوفد وذكروا سنة قدومه ولم يذكروا الشهر قال ابن الأثير في حوادث سنة عشر: ذكر وفد نجران مع السيد والعاقب ثم قال وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا مبأهلته فخرج ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين فلما رأوهم قالوا هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ولم يبأهلوه وصالحوه على ألفي حلة ثمن كل حلة أربعون درهما وعلى أن يضيفوا رسله وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده أن لا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا وشرط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به. وفي وفد نجران نزلت آية المبأهلة وهي قوله تعالى في سورة آل عمران {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممتدين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} قال الرازي في تفسيره أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت عند حضور وفد نجران عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقال الواحدي في أسباب النزول: قال المفسرون قدم وفد نجران وكانوا ستين راكبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد أما مهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وأما مهم وصاحب مدارسهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبات وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعوهم فصلوا إلى المشرق" فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: "أسلما" فقالا قد أسلمنا قبلك قال: "منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير" قالا أن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعا في عيسى ثم روي إنهما قالا للنبي صلى الله عليه وسلم ما تقول في عيسى فسكت ونزل القرآن وفيه {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} إلى قوله قل تعالوا {ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة. وقال ابن طاووس فيما رواه في كتاب الإقبال أن أبا حارثة اسمه حصين بن علقمة وهو من بكر بن وائل والعاقب اسمه عبد المسيح بن شرحبيل والسيد اسمه الأهتم أو الأيهم بن النعمان، فإذا كان الله تعالى قد خلق آدم وأبدعه من التراب بغير أم ولا أب فخلق عيسى (ع) من أم بدون أب أقل غرابة، وعن عائشة رض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يعني إلى المبأهلة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم فاطمة ثم علي قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ومثله في تفسيري النيسابوري والرازي وزادا ويطهركم تطهيرا ثم قالا وهذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث انتهى وقال في الكشاف: وفيه دليل لا شيء وأقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع) وفيه برهان واضح على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف إنهم أجابوا إلى ذلك انتهى وقال الرازي: قالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نبأهلك فقال: "فإذا أبيتم المبأهلة فاسلموا" فأبوا قال فاني أناجزكم القتال فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك الخ ما مر وقال الواحدي في أسباب النزول: قال الشعبي أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

(وفي مجمع البيان): لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المبأهلة استنظروه إلى صبيحة غد فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف انظروا محمدا في غد فان غدا بولده وأهله فاحذروا مبأهلته وان غدا بأصحابه فبأهلوه فإنه ليس على شيء فلما كان الغد جاء النبي صلى الله عليه وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب والحسن والحسين بين يديه يمشيان وفاطمة تمشي خلفه وخرج النصارى وتقدمهم أسقفهم فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد اقبل بمن معه سال عنهم فقيل هذا ابن عمه وزوج ابنته وأحب الخلق إليه وهذان ابنا بنته من علي وهما من أحب الخلق إليه وهذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس عليه وأقربهم إلى قلبه ثم قال وأنفسنا يعني عليا خاصة ولا يجوز أن يكون المعني به النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الداعي ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه وإنما يصح أن يدعو غيره وإذا كان قوله وأنفسنا لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى علي لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين علي وزوجته وولديه في المبأهلة وهذا يدل على غاية الفضل وعلو الدرجة في البلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد إذ جعله الله نفس الرسول وهذا ما يدانيه فيه أحد ولا يقاربه ومما يعضده من الروايات ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن بعض أصحابه فقال له قائل فعلي فقال إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي وقوله صلى الله عليه وسلم لبريدة الأسلمي يا بريدة لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه. وعاد وفد نجران بعد أن صالحهم الرسول على ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهما جيادا فما زاد أو نق صلى الله عليه وسلم كان بحساب ذلك وكتب لهم كتابا على ما صالحهم عليه وكان الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لنجران وحاشيتها في كل صفراء وبيضاء وثمرة ورقيق لا يؤخذ منهم شيءغير ألفي حلة من حلل الأواقي ثمن كل حلة أربعون درهما فما زاد أو نق صلى الله عليه وسلم فبحساب ذلك يؤدون ألفا منها في صفر وألفا منها في رجب وعليهم أربعون دينارا مثواة رسولي فما فوق ذلك وعليهم في كل حدث يكون باليمن من كل ذي عدن عارية مضمونة ثلاثون درعا وثلاثون فرسا وثلاثون جملا لهم بذلك جوار الله وذمة محمد بن عبد الله فمن اكل الربا منهم بعد عامهم هذا فذمتي منه بريئة وأخذ القوم الكتاب وانصرفوا.

ثم أنه يستفاد من الآية الشريفة أمور.

الأول: أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ابن البنت ابن حقيقة ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ابناي هذان إمامان أن قاما وإن قعدا. وفي تفسير الرازي: هذه الآية دالة على أن الحسن والحسين (ع) كان ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد أن يدعو أبناءه فدعاهما فوجب أن يكونا ابنيه قال: ومما يؤكد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله وزكريا ويحيى وعيسى ومعلوم أن عيسى (ع) إنما انتسب إلى إبراهيم (ع) بالأم لا بالأب فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابنا.

الثاني: أن عليا أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعت واعترف به الفخر الرازي في تفسيره.

الثالث: فضل أصحاب الكساء عموما كما اعترف به الزمخشري.

الرابع: إنهم المرادون بأهل البيت في آية التطهير. واحتمال أرادة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحدهم بقرينة ما قبل الآية وما بعدها ينفيه تذكير الضمير والأخبار الدالة على أن المراد بأهل البيت أصحاب الكساء كالخبر السابق وغيره. واحتمال دخول النساء فيهم وتذكير الضمير للتغليب ينافيه أصالة الحقيقة. وما رواه الإمامان مسلم وابن حنبل من إنكار زيد بن أرقم على حصين بن سبرة لما قال له أليس نساؤه من أهل بيته فقال: نساؤه من لبيته ولكن لبيته من حرم الصدقة بعده كما بيناه في إقناع اللائم عند ذكر حديث الثقلين وما رواه الترمذي وصححه الحاكم على شرط البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا" الحديث وهو يدل على انحصار أهل البيت في ذلك الوقت في الخمسة وفي دلالة الآية على عصمتهم من الذنوب ما لا يخفى. قال الشهيد أعلى الله درجته في مقدمات الذكرى لا يقال صدر الآية وعجزها في النساء فتكون فيهن قلنا يأباه الضمير وهذا النقل الصحيح والخروج من حكم إلى آخر في القرآن الكريم كثير جدا ومر في أدلة إمامته ما يرتبط بالمقام.

بعث علي (ع) إلى اليمن

في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة.

ليخمس ركازها والركاز الذهب والفضة ويقبض ما وقع عليه الصلح مع وفد نجران من الحلل والعين وغير ذلك، وليدعو مذحج وزبيد كامير بطن من مذحج كمجلس أبو قبيلة من اليمن.

ومر أن بعث علي إلى اليمن كان مرتين واستظهرنا سابقا أنه كان ثلاث مرات أحداها: سنة ثمان والثانية: بين ثمان وتسع والثالثة: هذه.

قال ابن سعد في الطبقات الكبير: ثم سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن يقال مرتين أحداهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وقال: "امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك" فخرج في ثلثمائة فارس وكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد وهي بلاد مذحج ففرق أصحابه فاتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك وجعل على الغنائم بريدة بن الخصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا نحن على من ورائنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله وجمع علي الغنائم فجزأها على خمسة أجزاء فكتب في سهم منها الله وأقرع فخرج أول السهام سهم الخمس وقسم علي على أصحابه بقية المغنم ثم قفل فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشروهي حجة الوداع وسيأتي تمام خبره عند ذكر حجة الوداع. وفي سيرة دحلان: فقال علي يا رسول الله: "ما أصنع قال إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك وادعهم إلى قول لا إله إلا الله فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك والله لأن يهدي الله بك رجلا وأحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت" (إلى أن قال)وخرج منهم رجل من مذحج يدعو إلى المبارزة فبرز إليه الأسود بن خزاعي فقتله الأسود وأخذ سلبه وروى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع) بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال لي: "يا علي لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي" وروي الشيخ في الأمالي بسنده عن الرضا عن آبائه (ع) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى اليمن فقال له وهو يوصيه يا علي أوصيك بالدعاء فان معه الأجابة وبالشكر فان معه المزيد وأنهاك عن المكر فإنه لا يحيق المكر السئ إلا بأهله وأنهاك عن البغي فإنه من بغي عليه لينصرنه الله. قال ابن هشام في سيرته قال أبو عمرو المدني بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن وبعث خالد بن الوليد في جند آخر وقال أن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب. والظاهر أن هذا البعث هو الذي كان سنة عشر يدل عليه ما ذكره المفيد في موضع من إرشاده حيث قال: ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة قدم عليه عمرو بن معديكرب الزبيدي فامن بالله ورسوله وآمن من معه من قومه ورجعوا إلى قومهم ثم أن عمرا نظر إلى أبي كعب بن عثعث الخثعمي فاخذ برقبته ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعدني على هذا الفاجر الذي قتل والدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هدر الإسلام ما كان في الجاهلية فانصرف عمرو مرتدا فأغار على قوم من بني الحارث بن كعب ومضى إلى قومه فاستدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره على المهاجرين وأنفذه إلى بني زبيد وأرسل خالد بن الوليد وأمره أن يقصد جعفي فإذا التقيا فأمير الناس أمير المؤمنين فسار أمير المؤمنين واستعمل على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص واستعمل خالد على مقدمته أبا موسى الأشعري فأما جعفي فإنها لما سمعت بالجيش افترقت فرقتين فذهبت فرقة إلى اليمن وانضمت الفرقة الأخرى إلى بني زبيد فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع) فكبت إلى خالد بن الوليد أن قف حيث أدركك رسولي فلم يقف فكتب إلى خالد بن سعيد بن العاص: تعرض له حتى تحبسه، فاعترض له حتى حبسه وأدركه أمير المؤمنين فعنفه على خلافه ثم سار علي حتى لقي بني زبيد بواد يقال له كثير فلما رآه بني زبيد قالوا لعمرو كيف أنت يا أبا ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي فاخذ منك الإتاوة قال سيعلم أن لقيني وخرج عمرو فقال من يبارز فنهض إليه أمير المؤمنين وقام إليه خالد بن سعيد وقال له دعني يا أبا الحسن بأبي أنت وأمي أبارزه فقال له أمير المؤمنين أن كنت ترى أن لي عليك طاعة فقف في مكانك ثم برز إليه أمير المؤمنين فصاح به صيحة فانهزم عمرو وقتل أخاه وابن أخيه وأخذت امرأته ركانة بنت سلامة وسبي منهم نسوان وانصرف أمير المؤمنين (ع) وخلف على بني زبيد خالد بن سعيد لقبض صدقاتهم ويؤمن من عاد إليه من هرابهم مسلما فرجع عمرو بن معد يكرب واستأذن على خالد بن سعيد فإذن له فعاد إلى الإسلام فكلمه في امرأته وولده فوهبهم له وقد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزورا قد نحرت فجمع قوائمها ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعا وكان يسمي سيفه الصمصامة فلما وهب خالد بن سعيد لعمرو امرأته وولده وهب له عمرو الصمصامة.

قال المفيد في موضع آخر من الإرشاد: كان رسول الله قد أنفذ عليا إلى اليمن ليخمس ركازها ويقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل والعين وغير ذلك فتوجه لما ندبه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانجزه ممتثلا أمره فيه مسرعا إلى طاعته ولم يأتمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا غيره على ما ائتمنه عليه من ذلك ولا رأي في القوم من يصلح للقيام به سواه فأقامه مقام نفسه في ذلك واستنابه فيه مطمئنا إليه ساكنا إلى نهوضه بأعباء ما كلفه فيه وقال ابن الأثير في حوادث سنة عشر: ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراءه على الصدقات. ثم قال: وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود ففعل وعاد ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع ثم ذكر استخلافه رجلا على الجيش كما يأتي والظاهر أن كلماتهم هذه كلها المتقدمة لبيان واقعة واحدة وأنه غزا بني زبيد الذين هم بطن من مذحج في تلك السفرة وقبض ما صولح عليه أهل نجران وجمع الزكاة ثم قفل فاجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. وغزوة زبيد المذكورة في كلام المفيد وان أمكن أن تكون سفرة وحدها غير السفرة لقبض ما صولح عليه أهل نجران إلا أنه لما ذكر بعث خالد معه علم إنهما سفرة واحدة لان ابن سعد ذكر أنه في شهر رمضان سنة عشر بعثه إلى اليمن إلى بلاد مذحج فقتل وسبى وغنم ثم أسلموا ومعه بريدة ثم قال فوفى النبي بمكة سنة عشر فعلم إنهما واقعة واحدة. وروي الكليني في الكافي بسنده عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن (ع) قال سمعته يقول أهدى أمير المؤمنين (ع) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أفراس من اليمن فقال سمها فقال هي ألوان مختلفة فقال ففيها أشقر قال نعم قال فأمسكه علي قال وفيها كميتان أوضحان قال فاعطهما ابنيك قال والرابع أدهم بهيم قال بعه واستخلف به نفقة لعيالك إنما يمن الخيل في ذوات الأوضاحولا يعلم أن ذلك في أي سفرة من أسفاره إلى اليمن.

أخباره في حجة الوداع

وكانت سنة عشر من الهجرة.

(وقال المفيد) في الإرشاد: ثم تلا وفد نجران من القصص المنبئة عن فضل أمير المؤمنين وتخصصه من المناقب بما بان به من كافة العباد حجة الوداع وما جرى فيها من الأقاصي صلى الله عليه وسلم وكان لأمير المؤمنين فيها من جليل المق أما ت فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد انفذه إلى اليمن ليخمس ركازها ويقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل وغيرها فتوجه لما ندبه إليه إلى أن قال: ثم أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التوجه إلى الحج وأداء ما فرض الله تعالى عليه فإذن في الناس بالحج وبلغت دعوته إلى أقاصي بلاد أهل الإسلام فتجهز الناس للخروج معه وحضر المدينة من ضواحيها ومن حولها خلق كثير وتهيئوا للخروج معه فخرج بهم لخمس بقين من ذي القعدةوفي السيرة الحلبية خرج معه أربعون ألفا وقيل سبعون وقيل تسعون وقيل مائة ألف وأربعة عشر ألفا وقيل مائة وعشرون ألفا وقيل أكثر من ذلك هذا عدى من حج معه أهل مكة واليمن. وفي سيرة دحلان خرج معه تسعون ألفا ويقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ويقال أكثر من ذلكويمكن الجمع بان الذين خرجوا من المدينة وضواحيها كانوا أربعين ألفا ومع الذين انضموا إليهم مما قرب منها كانوا سبعين أو تسعين والكل ممن قرب وبعد كانوا مائة وأربعة وعشرين ألفا والله أعلم. قال ابن سعد وأخرج معه نساءه التسع في الهوادج وابنته فاطمة وأشعر هديه وقلده. قال المفيد: وكاتب أمير المؤمنين بالتوجه إلى الحج من اليمن ولم يذكر له نوع الحج الذي عزم عليه وخرج قارنا للحج بسياق الهدي وأحرم من ذي الحليفة وأحرم الناس معه ولبى من عند الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين الحرمين بالتلبية وخرج أمير المؤمنين (ع) بمن معه من المعسكر الذي كان صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي كان أخذها من أهل نجران فلما قارب رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من طريق المدينة قاربها أمير المؤمنين (ع) من طريق اليمن وتقدم الجيش للقاء النبي صلى الله عليه وسلم وخلف عليهم رجلا منهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشرف على مكة فسلم عليه وخبره بما صنع وبقبض ما قبض وإنه سارع للقائه أمام الجيش فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وابتهج بلقائه وقال: "بم أهللت يا علي" فقال يا رسول الله إنك لم تكتب إلي أهلالك ولا عزفته فعقدت نيتي بنيتك فقلت اللهم إهلالا كإهلال نبيك وسقت معي من البدن أربعا وثلاثين بدنة فقال رسول: "الله الله أكبر قد سقت أنا ستا وستين وأنت شريكي في حجي ومناسكي وهديي فإقم على إحرامك وعد إلى جيشك فعجل بهم حتى نجتمع بمكة أن شاء الله" وفي سيرة ابن هشام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي هل معك من هدي قال لا فاشركه في هديه وثبت على إحرامه حتى فرغا من الحج ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي عنهما. وفي السيرة الحلبية يمكن الجمع بين هذا وبين أنه قدم من اليمن ومعه هدي بأن الهدي كان قد تأخر مجيئه فأشركه في هديه ثم نقل أن الهدي الذي جاء به علي (ع) من اليمن كان سبعا وثلاثين والذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثلاثا وستين. قال المفيد: فودعه أمير المؤمنين وعاد إلى جيشه فلقيهم عن قريب فوجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم فأنكر ذلك عليهم وقال للذي كان استخلفه عليهم ويلك ما دعاك إلى أن تعطيهم الحلل من قبل أن تدفعها إلى رسول الله ولم أكن أذنت لك في ذلك فقال سألوني أن يتجملوا بها ويحرموا فيها ثم يردوها علي فانتزعها أمير المؤمنين من القوم وشدها في الإعدال فاضطغنوا ذلك عليه فلما دخلوا مكة كثرت شكايتهم منه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب فإنه خشن في ذات الله عز وجل غير مداهن في دينه فكف القوم عن ذكره وعلموا مكانه من النبي صلى الله عليه وسلم وسخطه على من رام الغميزة فيه، وفي رواية ابن إسحاق فاظهر الجيش شكواه لما صنع بهم قال أبو سعيد الخدري اشتكى الناس عليا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فسمعته يقول أيها الناس لا تشكن عليا فوالله أنه لأخشن في ذات الله أو سبيل الله من أن يشكي قال المفيد وأقام أمير المؤمنين على إحرامه تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم كثير من المسلمين بغير سياق هدي فأنزل الله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" وشبك إحدى أصابع يديه على الأخرى ثم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" ثم أمر مناديه أن ينادي من لم يسق منكم هديا فليحل وليجعلها عمرة ومن ساق منكم هديا فليقم على إحرامه فأطاع ذلك بعض الناس وخالف بعض وجرت خطوب بينهم فيه وقال منهم قائلون: رسول الله أشعث أغبر ونحن نلبس الثياب ونقرب النساء وندهن وقال بعضهم أما تستحون أن تخرجوا ورؤوسكم تقطر من الغسل ورسول الله على إحرامه وهذا اعتذار بارد فإطاعة أمر رسول الله الذي هو أمر الله إلى من إظهار حب المواساة له في البقاء على الإحرام فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالف في ذلك وقال لولا إني سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة فمن لم يسق هديا فليحل فرجع قوم وأقام آخرون على الخلاف وكان فيمن أقام على الخلاف بعض أكابرهم فاستدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ما لي أراك محرما أسقت هديا" قال لم اسق قال: "فلم لا تحل وقد أمرت من لم يسق بالإحلال" فقال والله يا رسول الله لا أحللت وأنت محرم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لم تؤمن بها حتى تموت" فلذلك أقام على إنكار متعة الحج حتى رقى المنبر في إمارته فنهى عنها نهيا مجددا وتوعد عليها بالعقاب وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله ادخله الله النار. قال: "أوما شعرت إني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون لو إني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه ثم أحل كما أحلوا"، قال النووي في الشرح: أما غضبه فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} فغضب لما ذكرنا من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نق صلى الله عليه وسلم إيمإنهم وفيها دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين وفيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرعاي حتى بإدخال النار الذي لا أفظع منه والذي ربما زاد على اللعن الذي هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. وفهم ما جاء في هذه الأحاديث على وجهه يتوقف على بيان أقسام الحج وكيف اختلف حج من ساق الهدي على من لم يسقه فنقول الحج على ثلاثة أقسام إفراد وقران وتمتع والثالث فرض من بعد عن مكة ثمانية وأربعين ميلا والأولان فرض أهل مكة ومن بعد عنها بأقل من ذلك، والمفرد يأتي بالحج أولا ثم بعمرة مفردة ويعقد إحرامه بالتلبية وسمي إفرادا لانفراده عن العمرة وعدم ارتباطه بها فهما نسكان مستقلان وكذلك القارن يأتي بالحج أولا ثم بالعمرة وهما نسكان مستقلان إلا أنه يسوق الهدي معه عند الإحرام ويعقد إحرامه بسياق الهدي وسمي قرانا لاقترانه بسياق الهدي والمتمتع يأتي أولا بعمرة التمتع ثم يأتي بالحج ويعقد إحرامه بالتلبية ويكون النسك مركبا من العمرة والحج وهذا معنى قوله (ع) دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وتشبيكه بين أصابعه وسمي تمتعا لأنه بعد إحلاله من إحرام العمرة يتمتع أي ينتفع بما كان محرم عليه حال الإحرام والنبي حين أحرم في حجة الوداع أحرم بحج القران لأنه ساق الهدي وكذلك علي (ع) أحرم كإحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الهدي فكان حجه حج قران وأكثر الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يسوقوا الهدي واحرموا بالحج فكان حجهم حج أفراد ولم يكن حج التمتع مفروضا يومئذ بل كان الحج قسمين فقط إفراد وقرآن فلما نزل فرض حجم التمتع لمن لم يسق الهدي بقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساق الهدي أن يبقى على إحرامه ويجعل حجه حج قران ومن لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة تمتع فيحل من إحرامه ثم يحرم للحج من مكة يوم التروية لأن حجه صار حج تمتع وصار ذلك فرض البعيدين عن مكة بالمسافة السابقة إلى آخر الدهر وقال أن العمرة دخلت في الحج كدخول أصابعه بعضها في بعض وسئل أن ذلك لعامهم هذا أو لأبد الأبد فقال بل لأبد الأبد ومن ذلك فهم أن فرضهم مركب من عملين العمرة والحج مرتبط أحدهما بالآخر أما من ساق الهدي فحجه حج قرآن في ذلك العام فقط أما بعده فسيكون حج البعيد حج تمتع لا حج إفراد ولا قران ويظهر أن جماعة لم يرق لهم أن يكون حج علي كحج النبي وحجهم مخالف لذلك فترددوا في الإحلال من الإحرام أو امتنعوا حسدا لعلي وقديما كان في الناس الحسد واعتذروا بما سمعت مما لم يكن بعذر مقبول. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي إيماء إلى أن حج التمتع أفضل. قال ابن سعد: أنه بعد ما رمى جمرة العقبة بمنى يوم العيد نحر الهدى قال صاحب السيرة الحلبية فنحر من البدن ثلاثا وستين بيده الشريفة وهي التي جاء بها من المدينة وأمر عليا فنحر الباقي وهو تمام المائة وكأنه الذي جاء به من اليمن قال وجاء عن ابن عباس أنه دى في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين وأمر عليا فنحر الباقي وقال له أقسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ولا تعط جزارا منها شيئا وخذ لنا من بعير جذبة من لحم واجعلها في قدر حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها ففعل.

حديث الغدير

قال المفيد: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه وأشرك عليا في هديه قفل إلى المدينة وهو معه والمسلمون حتى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم (وهو مكان قريب من الجحفة بناحية رابغ وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة) وليس بموضع إذ ذاك يصلح للنزول لعدم الماء فيه والمرعى فنزل في الموضع ونزل المسلمون معه وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة في الأمة من بعده وقد كان تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له فاخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه وعلم الله عز وجل أنه أن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلدإنهم وأما كنهم وبواديهم فأراد أن يجمعهم لسماع النص على أمير المؤمنين وتأكيد الحجة عليهم فيه فأنزل الله عليه: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} يعني في استخلاف علي والنص بالإمامة عليه {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه من تأخير الأمر فيه وضمن له العصمة ومنع الناس منه فنزل بذلك المكان ونزل المسلمون حوله وكان يوما قائظا شديد الحر فأمر بدوحات هناك فقم ما تحتها وأمر بجمع الرحال ووضع بعضها فوق بعض ثم أمر مناديه فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا من رحالهم وإن أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الحر فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى صار في ذروتها واصعد عليا معه حتى قام عن يمينه ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ووعظ فابلغ في الموعظة ونعى إلى الأمة نفسه وقال: "إني قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم واني مخلف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" ثم نادى بأعلى صوته "ألست أولى بكم منكم بأنفسكم" قالوا اللهم بلى فقال لهم على النسق وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (ع) فرفعهما حتى بان بياض إبطيهما "فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" ثم نزل فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فصلى بهم صلاة الظهر وجلس في خيمته وأمر عليا أن يجلس في خيمة له بإزائه وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنئوه بالمقام ويسلموا عليه بأمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم ثم أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين ممن معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بأمرة المؤمنين ففعلن وكان فيمن أطنب في تهنئته بالمقام وأظهر له المسرة عمر بن الخطاب وقال فيما قال بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة واستأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول في ذلك ما يرضاه الله فقال:

الأبيات الستة المتقدمة في الجزء الثاني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك" قال وإنما اشترط في الدعاء له لعلمه بعاقبة أمره في الخلاف ولو علم سلامته في مستقبل الأحوال لدعا له على الإطلاق. ومثل ذلك ما اشترط الله تعالى في مدح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتن} ولم يجعلهن في ذلك حسبما جعل لبيت النبي حيث بذلوا قوتهم لليتيم والمسكين والأسير فأنزل الله سبحانه في علي وفاطمة والحسن والحسين وقد آثروا على أنفسهم مع الخصاصة التي كانت بهم فقال تعالى {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، أنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} فقطع لهم بالجزاء ولم يشترط لهم كما اشترط لغيرهم لعلمه باختلاف الأحوال.

نزول اليوم أكملت لكم دينكم يوم الغدير واستحباب صومه

في الدر المنثور للسيوطي: أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم}. وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال لما كان يوم غدير خم وهو ثمانية عشر من ذي الحجة قال النبي صلى الله عليه وسلم "من كنت مولاه فعلي مولاه" فأنزل الله {اليوم أكملت لكم دينكم} وقال ابن كثير فأما الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي قال من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله عز وجل {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}. قال أبو هريرة وهو يوم غدير خم من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا فإنه حديث منكر جدا لمخالفته لما ثبت في الصحيحين أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة وكذا قوله أن صيامه يعدل صيام ستين شهرا لا يصح لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا هذا باطل ثم نقل عن الذهبي أنه قال هذا حديث منكر جدا ورواه حبشون الخلال وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري وهما صدوقان عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة قال أي الذهبي ويروي هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث وأنس ابن مالك وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية قال أي الذهبي وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله قاله وما اللهم وال من والاه فزيادة قوية الإسناد وأما هذا الصوم فلا والله ما نزلت هذه إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام والله تعالى أعلم ونقول أما رد ابن كثير الحديث القائل بان اليوم أكملت لكم دينكم نزلت في يوم الغدير بمخالفته لرواية الصحيحين فالأحاديث إنما ترد بمخالفتها لكتاب الله لا بمخالفة بعضها بعضا وما في الصحيحين أخبار آحاد وما يعارضها لعله أن يكون أقوى سندا منها وان ظن إنها أقوى سندا منه وتصحيح الأسانيد إنما هو من أهل الجرح والتعديل الذين تدخل أقوالهم الأهواء والعصبيات وأهمها اختلاف المذاهب وتبنى على الظنون والحدس وأما قوله أنه ثبت في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا فهو إنكار لكرم الله تعالى وتبخيل لأكرم الأكرمين وهل يمنع العقل أن يعطي الله صائم يوم الغدير اجر من صام ستين شهرا وأكثر من أجر صائم شهر رمضان ولو كان شهر رمضان أفضل ولو أن أميرا أعطي بعض رعيته ثوابا على معروف لم يعطه لبعض وزرائه هل يكون ملوما أو فاعلا مالا يحسن وأما حلف الذهبي بالله أنه ما نزلت الآية إلا يوم عرفة فتتوقف جرأته على ذلك على أن يكون حضر يوم عرفة ويوم الغدير. والخبر القائل أن آية اليوم {أكملت لكم دينكم} نزلت يوم الغدير هو الموافق لروايات أئمة أهل البيت (ع) بأسانيدهم الصحيحة ويوشك أن يكون تضعيف سنده لعدم احتمال النفوس مضمونه ويكفي لصحته موافقته لروايات أهل البيت الصحيحة وقد أكثر شعراء الشيعة قديما وحديثا في ذكر غدير خم قال الكميت بن زيد الأسدي من أبيات:

وقال السيد الحميري من قصيدة:

وقال السيد الحميري أيضا من قصيدة:

وقال السيد الحميري أيضا من قصيدة:

وقال السيد الحميري أيضا في القصيدة المذهبة:

وقال السيد الحميري أيضا:

وقال السيد الحميري أيضا:

وقال السيد الحميري أيضا:

وقال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي من قصيدة:

وقال الأمير أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني في قصيدته الشافية:

وقال المؤلف من قصيدة:

سنة إحدى عشرة من الهجرة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

وما يتعلق من أخبارها بعلي (ع) نذكر ذلك هنا وإن كان قد تقدم جله في الجزء الثاني ولزم بعض التكرار.

كانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في صفر وقيل في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة. ومن الغريب قول المفيد في الإرشاد وتبعه الطبرسي في إعلام الورى أنه توفي سنة عشر.

جيش أسامة وبدء المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق: ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني من حجة الوداع فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وضرب على الناس بعثا إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه.

وقال ابن سعد في الطبقات أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الناس بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان يوم الأربعاء بدئ به المرض فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم (إلى أن قال)وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أنفذوا بعث أسامة. وروى ابن هشام في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقال: "أنفذوا بعث أسامة" ثم نزل وانكمش الناس في جهازهم وقال ابن سعد في روايته فخرج عاصبا رأسه فقال: "أيها الناس أنفذوا بعث أسامة" ثلاث مرات.

تأكيد الوصاية بالثقلين

وروى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني أوشك أن أدعي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير اخبرني إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".

(وقال المفيد) في إرشاده: ثم كان مما أكد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الفضل وتخصصه منه بجليل رتبته ما تلا حجة الوداع من الأمور المتجددة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والأحداث التي اتفقت بقضاء الله وقدره وذلك أنه تحقق من دنو اجله ما كان قدم الذكر به لأمته فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكد وصاتهم بالتمسك بسنته والاجتماع عليها والوفاق ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق واجتماع من قوله: "يا أيها الناس إني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض إلا واني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما فان اللطيف الخبير نبأني إنهما لن يفترقا حتى يلقياني وسالت ربي ذلك فأعطانيه إلا واني قد تركتهما فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار إلا وان علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله"، وكان يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه.

سر الاهتمام بتنفيذ جيش أسامة

قال المفيد: ثم أنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الأمرة وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يخلف في الرياسة ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع فعقد له الأمرة وجد في إخراجهم وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بعسكره إلى الجرف وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلوم والإبطاء فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها.

وإذا أنعمنا النظر في مجاري هذه الحوادث وتأملناها بأنصاف مجرد عن شوائب العقائد أمكننا أن نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما تحققه من دنو أجله وأومأ إليه بما أعلنه للملأ في خطبته التي خطبها في حجة الوداع بقوله فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا وقوله في بعض خطبه قد حان مني خفوق من بين أظهركم وتأكيده الوصاية بالثقلين وقوله قد كان جبرئيل يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي، واعتكافه في ذلك العام عشرين يوما وقد كان يعتكف عشرة أيام كما رواه ابن سعد في الطبقات وغير ذلك من التصريح والتلويح بأنه عالم بدنو أجله ومع عروض المرض له واشتداده عليه وهو مع ذلك كله يجتهد في تجهيز جيش أسامة ويحث عليه ويكرر الحث مرارا أنفذوا بعث أسامة ويخرج مرة بعد مرة وهو مريض عاصب رأسه ويخطبهم ويقول أنفذوا بعث أسامة يكررها كل مرة ثلاث مرات وقد عقد لأسامة لواءه بعد عروض المرض له فقد عرفت عن ابن سعد أنه بدئ المرض يوم الأربعاء وعقد لأسامة يوم الخميس ولا يبقى أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا وينتدب للخروج تحت أمرة أسامة وهو غلام لا يشغله ما هو فيه من شدة المرض وتحقق دنو الأجل عن الاشتداد في تجهيز جيش أسامة وقد كان مقتضى ظاهر الحال وسداد الرأي أن لا يبعث جيشا فيه أكابر الصحابة وجمهور المسلمين في مثل تلك الحال التي يتخوف على نفسه فيها الموت لأن تدارك ما يخاف وقوعه عند وفاته وأحكام أمر الخلافة في حياته م من تسيير جيش لغزو الروم بل لا يجوز في مثل تلك الحال إرسال الجيوش من المدينة ويلزم تعزيز القوة فيها استعدادا لما يخاف طروؤه من الفتن بوفاته التي أشار إليها بقوله أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، لا سيما أنه قد بلغه ارتداد جماعة من العرب في عدة أما كن وادعاء بعضهم النبوة لما بلغهم مرضه كما كان صلى الله عليه وسلم عليه الطبري في تاريخه مع تأييده بالوحي وامتيازه عن سائر الخلق بجودة الرأي.

وعدم تمام ما حث عليه من تجهيز جيش أسامة وبقاء أسامة معسكرا بالجرف إلى ما بعد وفاته كل ذلك يدلنا على أن تجهيز هذا الجيش لم يكن من الأمور العادية يقصد به الغزو والفتح بل قصد به ما أشار إليه المفيد في كلامه السابق وأنه كان لأمر مما يتراءى خوف وقوعه بل لو قطعنا النظر عن ذلك كله لوجدنا أن ظاهر الأمر يقتضي أن يشتغل في مثل تلك الحال بنفسه وبما عراه من المرض الشديد لا بتسيير الجيوش لغزو ليس فيه ما يقتضي الفور والعجلة مثل مهاجمة عدو أو طرو حادث لا يحسن التأخر عنه.

ويدلنا على ذلك أيضا أخباره عن فتن تقع بعده وتهويله في ذلك، روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جوف الليل: "إني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع" فانطلق معي فخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلا ثم قال: "ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى". وروى الطبري في تاريخه بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال لي يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال: "السلام عليكم أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى" (الحديث) فما هي هذه الفتن يا ترى التي هول بها وعظم أمرها ووصفها بأنها كقطع الليل المظلم وإنها متتابعة بلا انقطاع لا تنتقل إلى خير بل إلى ما هو شر من الأول وكيف تجتمع هذه الرواية مع ما يروونه عنه: خير القرون قرني ثم الذي يليه. (وقال المفيد): لما أحس بالمرض اخذ بيد علي واتبعه جماعة وتوجه إلى البقيع فقال: "إني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع" فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال: "السلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها" ثم استغفر لأهل البقيع طويلا واقبل على علي فقال له: "إن جبرئيل كان يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي"، ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا ثم خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين بيده اليمنى وعلى الفضل بن العباس باليد الأخرى حتى صعد المنبر فخطب ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيته وكان إذ ذاك بيت أم سلمة وفي رواية الحاكم والطبري أنه كان بيت ميمونة.

طلب عائشة نقله إلى بيتها والسر فيه

قال المفيد: فجاءت عائشة إلى أم سلمة تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله وسالت أزواجه في ذلك فإذن لها فانتقل إلى البيت الذي اسكنه عائشة.

ولا يمكننا أن نعتقد أن ذلك كان أمرا عاديا يقصد منه أن تتولى تعليله بل يمكن لذي التأمل الصادق الاعتقاد بأنه كان شيئا وراء ذلك هو إلى السياسة وتنفيذ خطط مرسومة ابتدأت من يوم بعث جيش أسامة واستغلال الموقف أقرب منه إلى مجرد تولي تعليله وهل كانت أم سلمة أو ميمونة تقصر في تولي تعليله وماذا يحتاج تعليله وهو ليس في مرض يفتقر إلى كثير مزاولة كالفالج وشبهه إنما هو حمى وصداع وشبه ذلك ولو كان الداعي إلى ذلك الشفقة لأمكن الحضور إلى بيت أم سلمة وهو لا يبعد عن بيتها إلا خطوات وكان له يومئذ تسع نساء وبيوتهن متقاربة كأنهن في دار واحدة فيمكنهن التناوب في تعليله في بيت أي كان وبيت فاطمة مجاور لبيوتهن وكيف يمكن أن تتركه فاطمة في ليل أو نهار، وتدل الأخبار الكثيرة على أن عليا والفضل بن العباس كانا دائما عنده إلا لضرورة فالتأمل في ذلك وفي مجرى الحوادث يرشدنا إلى أن الأمر لم يكن أمرا عاديا صرفا ولولا نقله إلى بيتها لما دفن فيه ولما دفن الشيخان إلى جانبه ولما منع ابنه الحسن من الدفن عنده.

خروجه للصلاة بالناس وهو في أشد المرض

قال المفيد: وثقل فجاء بلال عند صلاة الصبح فنادى الصلاة فأوذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لندائه فقال يصلي بالناس بعضهم فاني مشغول بنفسي، فقالت عائشة مروا أبا بكر، وقالت حفصة مروا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع كلامهما ورأى حرص كل واحدة منها على التنويه بابيها وافتتإنهما بذلك ورسول الله حي: أكففن فإنكن صويحبات يوسف ثم قام مبادرا لإزالة الشبهة وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف فاخذ بيد علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فاعتمد عليهما ورجلاه تخطان الأرض من الضعف فوجد أبا بكر قد سبق إلى المحارب فأوما إليه بيده أن تأخر عنه فتأخر وقام صلى الله عليه وسلم مقامه فكبر وابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأ بها أبو بكر ولم يبن على ما مضى من فعاله وروى ابن هشام في سيرته أنه حين دعاه بلال إلى الصلاة قال مروا من يصلي بالناس فقال عبد الله بن زمعة لعمر صل بالناس وكان أبو بكر غائبا فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فأرسل إلى أبي بكر فجاء بعد أن أتم عمر الصلاة فصلى بالناس. وروى الطبري ونحوه ابن سعد عن عائشة أنه قال مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فقالت عائشة أنه رجل رقيق فأعاد فأعادت فغضب وقال إنكن صواحب يوسف فخرج يهادي بين رجلين وقدماه تخطان في الأرض فلما دنا من أبي بكر تأخر فأشار إليه أن قم في مقامك فقعد إلى جنب أبي بكر قالت فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي والناس بصلاة أبي بكر وفي رواية أخرى للطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ من حيث انتهى أبو بكر.

ونحن إذا تأملنا في هذه الأخبار التي رواها ابن هشام وابن سعد والطبري ووجدنا اختلافها وتناقضها واشتمالها على ما لا يقبله العقل لم يمكنا الاعتماد على شيء منها فبعضها ينص على أنه لم يأمر أحدا بعينه أصلا وبعضها على أنه لم يأمر بذلك أول الأمر ثم أمر به بعد ما سمع تكبير عمر وإن الناس صلوا الصبح مرتين فإذا كان قال مروا من يصلي بالناس وأمر ابن زمعة عمر فصلى بهم فقد تم ما أمر به ونفذ فما الذي دعاه إلى الإرسال خلف أبي بكر وإعادة الصلاة خلفه وهي كانت خلف عمر صحيحة مطابقة لما أمر به فان قالوا أنه قصد بذلك إظهار فضل أبي بكر وانه أحق بال إمامة الكبرى قلنا فما باله خرج وقد حصل ما يريد بعد ابتداء أبي بكر بالصلاة وهو لا يستقل من الضعف ورجلاه تخطان الأرض وأوقع الشبهة بخروجه بأنه لم يرض ب إمامة أبي بكر وبعضها يدل على أنه أمر أبا بكر من أول الأمر وخرج لما عارضته عائشة فصلى بأبي بكر وصلى أبو بكر بالناس وهو يناقض الرواية الناصة على أنه لم يأمر أحدا بعينه أول الأمر. ثم إذا كان قال مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فهل يمكن أن لا تسر عائشة وتبتهج بذلك وهل يمكن أن تعارضه في ذلك وتقول أنه رجل رقيق. وإذا فرض إنها عارضته أولا فهل يمكن أن تعارضه ثانيا حتى تغضبه فيجيبها بما أجابها وهي تعلم وجوب إطاعته فلم تكن لتخالفه فيما ليس لها فيه حظ فكيف بما لها فيه الحظ الأوفر. وذكاء عائشة لا ينكر فلم تكن لتخاف على أبيها الرقة إذا صلى في المحراب وأم الناس فهو لم يكن غرا صغير السن بل كان شيخا محنكا يعلم أن قيامه في ذلك المقام موجب للسرور والغبطة، فما اشتملت عليه هذه الرواية لا تقبله عقول صغار الأطفال. وإذا فرض إنها خالفته وردت عليه مرتين حتى أغضبته فما الذي دعاه إلى أن يخرج وهو في أشد المرض لا يستقل على الأرض ولا يقدر على نقل قدميه بل يخط بهما الأرض ولا على الحركة لولا اعتماده على الرجلين ويصلي جالسا بل كان يكفيه إرسال من يعتمد عليه إلى الناس فيأمرهم بذلك ويؤكد عليهم وقد اتفق الرواة على أنه خرج بتلك الكيفية. فما الذي أراده بخروجه أهو تأييد أبي بكر فقد أيده بالأمر بالصلاة خلفه وصلى الناس خلفه، ولو لم يخرج لكان أشد تأييدا له لأنه بخروجه وقعت الشبهة بان خروجه لأنه لم يرض بتقدمه. وائتمام أبي بكر به والناس بأبي بكر يوجب أن يكون أبو بكر إماما ومأموما في وقت واحد وهذا غير جائز في الشرع ولم يقع نظيره فيه ولم لم يتركه إماما إلى آخر الصلاة ويرجع فيعلم الناس حينئذ أنه أقره على الإمامة ويرفع عن نفسه المشقة الشديدة ثم أن كان قرأ من حيث انتهى أبو بكر كانت قراءته ناقصة فتبطل الصلاة. كل ذلك يدلنا على أن ما اشتملت عليه هذه للروايات غير صحيح وإن الصواب ما ذكره المفيد.

طلب الدواة والكتف وقول بعضهم أنه يهجر

ثم قال المفيد: فلما سلم انصرف إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال: "ألم أمركم أن تنفذوا جيش أسامة"؟ فقالوا بلى يا رسول الله، قال: "فلم تأخرتم عن أمري"؟ قال أبو بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر يا رسول الله إني لم أخرج لأني لم أحب أن أسال عنك الركب، فقال: "نفذوا جيش أسامة" يكررها ثلاث مرات ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف فمكث هنيهة مغمى عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين فأفاق ثم قال: "ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا" ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا فقال له عمر ارجع فإنه يهجر فرجع، وندم من حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا أنا لله وأنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أفاق قال بعضهم نأتيك بدواة وكتف؟ فقال: "أبعد الذي قلتم ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا" واعرض بوجهه عن القوم فنهضوا. وقد روي في ذلك عدة روايات غير هذه الرواية (الأولى): ما رواه البخاري في صحيحه في باب قول المريض قوموا عني من كتاب المرضى والطب بسنده عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر أن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا وزاد بعضهم قوموا عني حكاه القسطلاني قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم

(الثانية): ما رواه محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس مثله إلا أنه قال بدل حضر حضرته الوفاة وبدل لا تضلوا لن تضلوا وبدل فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي فلما كثر اللغط والاختلاف وغموا رسول الله وبدل قوموا قوموا عني.

(الثالثة): ما رواه البخاري في صحيحه في باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلموا اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده" فقال بعضهم أن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قوموا" قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. قال القسطلاني في إرشاد الساري بعد قوله فقال بعضهم: هو عمر بن الخطاب

(الرابعة): ما رواه ابن سعد في الطبقات الكبير بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخميس فجعل يعني ابن عباس يبكي ويقول يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد بالنبي وجعه فقال ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فقال بعض من كان عنده أن نبي الله ليهجر فقيل إلا نأتيك بما طلبت فقال أو بعد ما ذا فلم يدع به.

(الخامسة): ما رواه ابن سعد أيضا بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال لما كان في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يضلون ولا يضلون فكان في البيت لغط وكلام وتكلم عمر بن الخطاب فرفضه النبي صلى الله عليه وسلم

(السادسة): ما رواه أيضا بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقول يوم الخميس وما يوم الخميس قال وكأني أنظر إلى دموع ابن عباس على خده كأنها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا" فقالوا إنما يهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم

(السابعة): ما رواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يوم الخميس وما يوم الخميس ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني باللوح والدواة أو بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده" فقالوا أن رسول الله يهجر

(الثامنة): ما رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن عمر بن الخطاب: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وبيننا وبين النساء حجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوني بسبع قرب وائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال النسوة ائتوا رسول الله بحاجته فقلت اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هن خير منكم"

(التاسعة) ما رواه ابن سعد أيضا بسنده عن جابر: دعا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لأمته لا يضلوا ولا يضلوا فلغطوا عنده حتى رفضها النبي صلى الله عليه وسلم

(العاشرة): ما رواه أيضا بسنده عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه "ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" فقال عمر بن الخطاب من لفلانة وفلانة مدائن الروم أن رسول الله ليس بميت حتى يفتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى فقالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلا تسمعون النبي يعهد إليكم فلغطوا فقال "قوموا" الحديث.

وهذه الأحاديث والأحاديث الآتية معانيها أظهر من أن تبين ومضامينها أجلى من أن تفسر. ولكن الأهواء والميول الخاصة تأبى إلا أن تتمحل لها معاني لا تدل عليها وتحملها على محامل لا تؤول إليها.

قال القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري في شرح رواية البخاري الأولى: "أكتب لكم كتابا" فيه استخلاف أبي بكر بعدي أو فيه مهمات الأحكام لا تضلوا بعده ولا ترتابوا لحصول الاتفاق على المنصوص عليه فقال عمر أن النبي قد غلب عليه الوجع فلا تشقوا عليه بإملاء الكتاب المقتضي للتطويل مع شدة الوجع وعندكم القرآن فيه تبيان كل شيء حسبنا كتاب الله المنزل فيه ما فرطنا في الكتاب من شيء واليوم أكملت لكم دينكم فلا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي القرآن والسنة بيانها نصا أو دلالة وهذا من دقيق نظر عمر فانظر كيف اقتصر على ما سبق بيانه تخفيفا عليه صلى الله عليه وسلم ولئلا ينسد باب الاجتهاد والاستنباط وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر دليل على استصواب رأيه فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم ومنهم من يقول ما قال عمر وكأنهم فهموا من قرينة قامت عندهم أن أمره لم يكن للوجوب فلذا اختلفوا بحسب اجتهادهم.

وهذه المحامل والتحملات وإن كانت واضحة البطلان إلا أننا نشير إلى وجوه بطلانها:

أولا: أن حصر ما في الكتاب الذي أراد أن يكتبه لهم فيما ذكره تخر صلى الله عليه وسلم على الغيب وظاهر الحال أنه كان يريد أن يؤكد ما تقدم به يوم الغدير وكان ذلك هو السبب في الحيلولة دون الكتاب ولو كان ما ذكره لسارع إليه من حال دون الكتاب فإنه لا شيءأحب إليه منه والاعتذار بأرادة التخفيف ستعرف فساده.

ثانيا: المراد كتبه سواء أكان فيه استخلاف أبي بكر أم غيره فالحيلولة بين النبي وبينه أوجبت اختلاف الأمة وصيرورتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحزابا ثلاثة أو خمسة وهي مفسدة كبيرة.

ثالثا: تفسيره لا تضلوا بلا ترتابوا تفسير بما لا يدل عليه اللفظ وتقول على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فالضلالة ضد الرشاد كما حكاه هو عن الجوهري فكانت الحيلولة دون الكتاب فيها إيقاع لهم في الضلالة.

رابعا: حمله قد غلب عليه الوجع على أن المراد لا تشقوا عليه بإملاء الكتاب المقتضي للتطويل غير صواب بل أن الظاهر أن المراد به ما في الروايات الأخرى من أنه يهجر كما تضمنته روايات ابن سعد والطبري عن ابن جبير عن ابن عباس المتقدمة وما تضمنته الروايات الآتية.

خامسا: إذا كان مضمون الكتاب غير معلوم فمن أين علم أنه يقتضي التطويل ولعله يتضمن أمرا وأحدا مهما لا يحتاج إلى أكثر من كلمات معدودة.

سادسا: تحمل المشقة أن كانت أولى من الوقوع في الضلالة التي أشير إليها بقوله لا تضلوا بعده.

سابعا: أن كان أشفق عليه من مشقة إملاء الكتاب فقد أوقعه في مشقة أعظم كانت متوقعة وهي حصول النزاع والخصام والإكثار من اللغو واللغط والاختلاف حتى آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم غموه كما تضمنته رواية الطبقات وحتى احتاج إلى أن يطردهم من عنده ويقول لهم متبرما بهم قوموا عني مع ما وصفه الله تعالى به من أنه على خلق عظيم. ولو كان القصد الإشفاق لمنعهم من النزاع واللغط بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينبغي النزاع بحضرته في حال صحته فكيف في حال مرضه ولكان عليه لما رأى من يخالفه في الرأي أن يمكن من كتابة الكتاب لينقطع الخصام إشفاقا على النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر الحال يقتضي أنه كان في البيت جماعة يوافقونه على المنع من كتابة الكتاب بل لعلهم كانوا أكثر ولهذا تغلبوا على من وافقوا على كتابته فهل كان تمكينه من كتابة الكتاب أكثر مشقة عليه من اللغو واللغط والنزاع والخصام ورفع الأصوات الذي غمه وأكربه وأوجب تبرمه بهم وطردهم من عنده. فظهر أن التعليل بالإشفاق غير صحيح.

ثامنا: كون القرآن مغنيا لأن فيه تبيان كل شيء وأنزل فيه ما فرطنا في الكتاب من شيءغير صواب فان ذلك يراد به والله العالم أن فيه أصول الأحكام وإجمالها، والتفاصيل تعرف من السنة كما هو واضح وكما أشار إليه بقوله إلا وفي القرآن والسنة بيانها.

تاسعا: هل كان النبي يجهل ما يشتمل عليه القرآن حتى يرشده إليه من حال دون الكتاب وهل كان أعلم بذلك من النبي.

عاشرا: الناس اختلفوا في أمر الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فجملة من المهاجرين قدموا أبا بكر وقال بعض الأنصار منا أمير ومنكم أمير وقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نريد إلا عليا رواه الطبري ومعهم جميع بني هاشم فهل حكم بينهم القرآن الذي فيه تبيان كل شيء، فجعل ذلك من دقيق نظر من حال دون الكتاب لم يستند إلى نظر دقيق.

حادي عشر: قوله ولئلا ينسد باب الاجتهاد والاستنباط طريف جدا ففتح باب للاجتهاد يوقع في الخطأ والضلال وفي غير ما حكم به الله تعالى مع إمكان سده وإيصال الخلق إلى أحكام الله الواقعية يعد سفها ومنافيا لحكمته تعالى والاجتهاد لا يصار إليه إلا عند الاضطرار.

ثاني عشر:

قوله في تركه الإنكار عليه دليل على استصواب رأيه، طريف أيضا، فأي إنكار أكثر من قوله أو بعد ماذا؟ كما مر في رواية ابن سعد عن ابن جبير عن ابن عباس وقوله أبعد الذي قلتم كما مر في رواية المفيد، وقوله هن خير منكم بعد ما قلن ائتوا رسول الله بحاجته وقال لهن عمر ما قال فإنه يدل على تصويب رأيهن دون رأيه.

ثالث عشر: قوله وكأنهم فهموا من قرينة أن أمره لم يكن للوجوب فلذا اختلفوا بحسب اجتهادهم، تأويل غريب، فالقرينة لو كانت لنقلت لتوفر الحاجة ولو كانت لما اختلفوا والاجتهاد لا يكون في مقابل النص بل القرينة على أنه للوجوب أظهر من أن تخفى وأي قرينة أوضح وأصرح وأدل وأظهر من قوله لن تضلوا بعده وكيف يتوهم متوهم أن هذا الأمر ليس للوجوب وهو أمر من سيد الكائنات ورسول رب السماوات الرؤوف الرحيم بالمؤمنين في آخر ساعة من حياته لأمة يخاف عليها الضلال من بعده فيريد أن يكتب لها كتابا لا تضل بعده أبدا فأي شيء أوجب وأهم من كتاب يحفظ الأمة من الضلال بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبدا إلى آخر الدهر وهل يسوع في العقول أن يترك هذا الأمر ولكن الواقع أن القرينة الصريحة كانت موجودة على أنه يريد أن يؤكد ما سبق منه في يوم الغدير وإنهم فهموا منه أن الكتاب يتعلق بالخلافة وال إمامة بعده لأنه لا شيء منها في تلك الحال وقد فهموا منه مما تقدم به يوم الغدير ويوم جمع بني هاشم في مكة في أول البعثة ومن أمور كثيرة وعلموا علما لا يداخله ريب أنه لن يعدو بها عليا فهذا الذي دعا إلى أن يقول بعضهم غلب عليه المرض أو يهجر حسبنا كتاب ربنا وهل يمكن أن يخالف كتاب رسول الله كتاب ربهم.

رابع عشر: يرد كل هذه التحملات ويبطلها إبطالا صريحا مامر ويأتي عن ابن عباس من أنه كان يبكي بكاء شديدا إذا ذكر تلك الحادثة حتى تسيل دموعه على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ويتألم تألما شديدا كما يدل عليه قوله يوم الخميس وما يوم الخميس، وقوله أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب الخ. ولا شك أن ابن عباس فهم أن الكتاب لتأكيد ما جرى يوم الغدير فلذلك كان يبكي بكاء شديدا عندما يتذكر الحيلولة دون الكتاب ولو كان غير ذلك لما كان لبكائه موجب فالدين كامل ولم يفرط في القرآن من شيء والخليفة موجود فلما ذا يبكي ابن عباس ويشتد بكاؤه، وتمحل القسطلاني للاعتذار عما صدر من ابن عباس بما يأتي في شرح الرواية الثالثة وسنبين فساده.

وقال القسطلاني في شرح الرواية الثالثة: واستنبط منه أن الكتابة ليست بواجبة وأنه لم يتركها صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم لقوله تعالى: بلغ ما أنزل إليك، كما لم يترك التبليغ لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وكما أمر في تلك الحالة بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك. قال ولا يعارض ذلك أن ابن عباس كان يقول: أن الرزية كل الرزية الخ لأن عمر كان أفقه من ابن عباس قطعا وذلك لأنه أن كان من الكتاب بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فقد علم عمر حصول ذلك من قوله اليوم أكملت لكم دينكم وذكر نحوا مما مر عنه في شرح الرواية الأولى.

ونقول:

أولا: استنباط أن الكتابة ليست بواجبة من ترك النبي لها لأجل اختلافهم، في غير محله بل الظاهر أن تركها لما ظهر له من عدم جدواها بدليل قوله في الرواية الرابعة: أوبعد ماذا؟ وفي رواية المفيد أبعد الذي قلتم، كما مر، فاكتفى بالتبليغ الشفوي للأمر الذي ترك عمدا أو قيل عنه أنه نسي فان الواجب التبليغ كتابة أو باللسان والأول أبلغ فلما منع منه اكتفى بالثاني وكيف كان فليس بيدنا ما يوجب القطع بأنه لم يبلغ لسانا.

ثانيا: التبليغ كان قد حصل منه يوم الغدير وغيره كما مر وظاهر الحال أن الكتابة كان يراد بها تأكيد ما سبق منه يوم الغدير وغيره وتأكيد إقامة الحجة فلما سمع منهم نسبته إلى الهجر وإلى غلبة المرض عليه ورأى لغطهم وصياحهم وخصامهم عنده الذي يراد به تشويش الأمر عليه ليمتنع من الكتاب أعرض عنهم وطردهم من عنده وتبرم بهم وقال قوموا عني واكتفى بالتبليغ السابق وبقوله أوصيكم بأهل بيتي خيرا وبالشيء الذي زعم الزاعم أنه نسي.

ثالثا: قد عرفت في الأمر الثاني عشر في الرد على تفسيره الرواية الأولى أن حمل الأمر على الاستحباب فاسد وأنه لا يمكن أن يكون شيء أوجب من كتابة ما يحفظ الأمة من الضلال إلى آخر الدهر.

رابعا: الكتابة أن لم تكن واجبة فلا أقل من رجحانها واستحبابها كما يدل عليه الأمر بها، والتبليغ كما يجب في الواجبات يجب في المستحبات وليس لأحد أن يمنع منه في واجب أو مستحب لقوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} والاعتذار عنه بأرادة رفع المشقة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم فساده مما مر ومن تبليغه الأمور الثلاثة التي نسوا أو تناسوا ثالثها.

خامسا: استدلاله على كون عمر أفقه من ابن عباس بمنعه النبي من الكتابة إشفاقا عليه من المشقة ينافيه أن النبي كان أفقه منهما قطعا وأعلم بالمصلحة فمنعه من أمر راجح يريد فعله ليس فيه شيء من الأفقهية وإلا لكان أفقه من النبي أيضا. سادسا: ابن عباس كان يقول أو يقال عنه أن عنده ثلثي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تلميذ علي بن أبي طالب وخريجه الذي كان يقول فيه عمر: قضية ولا أبو الحسن لها، لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن، لولا علي لهلك عمر، فدعوى القطع بان عمر أفقه من ابن عباس مجازفة.

وقول زينب أم المؤمنين في الرواية العاشرة إلا تسمعون النبي يعهد إليكم، توبيخ لهم وتقريع على عدم سماعهم عهد النبي إليهم وهو في آخر حياته الذي يدل على أنه عهد في شيءعظيم. وما تضمنته الرواية العاشرة من قول عمر ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى هو قول بالرجعة.

الوصايا الثلاث التي نسيت أحداهن

الحادية عشرة: من الروايات الواردة في طلب الدواة والكتف ما رواه البخاري في صحيحه في باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم قال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: "ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا ما شأنه أهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال: "دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها.

الثانية عشرة: ما رواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله إلا أنه قال: "لا تضلوا بعدي أبدا" وقال: "ولا ينبغي عند نبي أن يتنازع" وقال فذهبوا يعيدون عليه، وقال وسكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيها ورواه الطبري بطريق آخر مثله غير أنه قال: "ولا ينبغي عند نبي أن ينازع". الثالثة عشرة: ما رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله إلا أنه قال: "ائتوني بدواة وصحيفة" وقال فذهبوا يعيدون عليه وقال فسكت عن الثالثة فلا أدري قالها فنسيتها أو سكت عنها عمدا.

قال القسطلاني في إرشاد الساري في شرح الرواية الحادية عشرة فتنازعوا فقال بعضهم نكتب لما فيه من امتثال الأمر وزيادة الأيضاح وقال عمر حسبنا كتاب الله فالأمر ليس للوجوب بل للإرشاد إلى الأصلح.

"وأقول": أما أن الأمر ليس للوجوب فقد علم فساده مما مر في الأمر الثاني عشر في الرد على تفسيره الرواية الأولى وإنه لا يمكن أن يكون شيء أوجب من كتاب يحفظ الأمة من الضلال إلى آخر الدهر وهبه للإرشاد فهل هو إرشاد إلى شيء تافه لا يؤبه له أنى والنبي صلى الله عليه وسلم يصرح بأنه يحفظ الأمة من الضلال بعده إلى آخر الدهر قال: ولا يبتغي عند نبي تنازع: قيل هذا مدرج من قول ابن عباس ويرده قوله (ع) في كتاب العلم في باب كتابه العلم ولا ينبغي عندي التنازع. "وأقول" إذا قال النبي في موضع لا ينبغي عندي التنازع لا يمنع أن يقول مثله ابن عباس في موضع آخر ويمكن أن يكون سمع مضمونه منه فقاله وكيف كان فهو يدل على إنهم أخطأوا وأساؤوا الأدب بتنازعهم عنده. قال فقالوا ما شانه أهجر الهجر بالضم الهذيان الذي يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم وإنما قال ذلك من قاله منكرا على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة فكأنه قال كيف نتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه امتثل أمره فإنه لا يقول إلا الحق استفهموه بصيغة الأمر فذهبوا يردون عليه أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها.

"وأقول": هذا التأويل الذي ذكره من حمل قولهم: أهجر؟ على الاستنكار مع بعده عن سوق الكلام يرده صريحا ما في الروايات الأخرى المتقدمة ففي الرواية الرابعة: أن نبي الله ليهجر وفي السادسة إنما يهجر رسول الله وفي السابعة فقالوا أن رسول الله يهجر فهذه كلها صريحة في إنهم أسندوا الهجر إليه فكذلك في هذه الرواية لأن الروايات يفسر بعضها بعضا وكذلك قول بعضهم قد غلب عليه الوجع أو عليه الوجع لا يراد به إلا الهجر كما مر وكذلك قولهم استفهموه وقوله فذهبوا يردون عليه دال على أن قولهم أهجر كان للاستفهام المحض لا للانكار على من توقف في امتثال أمره فبعد ما قالوا استفهموه لتعلموا هل كان كلامه هجر أو عن روية وإدراك قال فقال دعوني فالذي أنا فيه من المشاهدة والتأهب للقاء الله عز وجل خير مما تدعوني إليه من شأن كتابة الكتاب.

(وأقول)قوله دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني معناه والله العالم أنه خير مما تدعوني إليه من الاستفهام عن أن قولي هجر أو حقيقة فان محاورتي في ذلك لا تفيد شيئا بعد أن قلتم ما قلتم ولا فائدة في كتابة الكتاب ولكن ولكنني أوصيكم مشافهة بثلاث: حفظ منهن اثنتين ونسيت الثالثة ولعلها مهن والله أعلم لم نسيت أو تنوسيت. أما ما فسر به القسطلاني من أن ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه من شأن كتابة الكتاب فلا يكاد يصح فإنه لو صح لكان يعلم من أول الأمر أن ما هو فيه خير من شأن كتابة الكتاب فلما ذا دعا بالدواة والكتف ليكتبه لهم وترك ما هو أقل خيرا منه، هذا ما لا يفعله حكيم وقال: (وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها)قيل الساكت هو ابن عباس والناسي سعيد بن جبير، لكن في مستخرج أبي نعيم قال سفيان قال سليمان بن أبي مسلم لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها فهو الراجع (أقول) لا ينبغي التأمل في أن المسند إليه السكوت أو النسيان هو ابن عباس لأن جميع ما يذكر في الرواية يسند إلى آخر رجل يذكر في السند وحينئذ فالمراد أن ابن عباس سكت عن الثالثة أو أنه قال فنسيتها فابن جبير متردد في أن ابن عباس ترك الثالثة فلم يذكرها أو أنه قال نسيتها ويوضح ذلك ما في رواية الطبري وسكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيتها فإنه ظاهر في أن ابن جبير شاك في أن ابن عباس ترك الثالثة عن عمد أو قال فنسيتها فيكون تركها لنسيانه إياها وحينئذ فيغلب على الظن أن الصواب في رواية الطبقات فلا أدري قال فنسيتها أو سكت عنها عمدا وإبدال قال بقالها من النساخ وما في مستخرج أبي نعيم لعله اجتهاده وكيف كان فسكوت ابن عباس عن الثالثة عمدا يستلفت النظر. وكيف يسكت ابن عباس عمدا عن وصية أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في آخر ساعة من حياته ويكتمها وهو يعلم ما في كتمان العلم من إثم وعقاب. هذا ما لا يذعن به عاقل فلا بد أن يكون تركه لها عمدا لعذر معقول وليس إلا الخوف فان ما عداه لا يصلح عذرا فإذا كان داعية لتركها الخوف فلا بد أن تكون تأكيدا لما جرى يوم الغدير فإنه لا شيء يخاف منه غير ذلك وإن كان ابن عباس قال أنه نسيها فمما لا يقبله العقل أيضا فابن عباس في حفظه الشهير وعلمه الغزير لم يكن لينسى وصية للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر ساعة من حياته هي بضع كلمات ولا ليتهاون بها ومن يحفظ ثمانين بيتا في الغزل لابن أبي ربيعة ثم يعيدها طردا وعكسا ويقول عن نفسه ما سمعت شيئا قط فنسيته واني لأسمع صوت النائحة فاسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول لا يمكن أن ينسى مثل هذه الوصية وهي كلمات معدودة كما لا يمكن أن يترك نقلها عمدا فيشبه أن يكون تناساها أو تناستها الرواة خوفا من نقل ما اشتملت عليه ولو سلمنا أن الساكت ابن عباس والناسي ابن جبير أو أن الساكت ابن جبير والناسي سليمان فليس ذلك مما ينساه ابن جبير أو يتهاون به ولا سليمان ويظهر الوجه في تناسيه المعبر عنه بالنسيان أو السكوت عنه مما مر.

إيصاؤه إلى علي (ع) ودفعه موجوداته إليه

قال المفيد في تتمة كلامه السابق: فنهضوا وبقي عنده العباس وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة فقال له العباس يا رسول الله أن يكن هذا الأمر فينا مستقرا من بعدك فبشرنا وان كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوص بنا فقال أنتم المستضعفون من بعدي واصمت فنهض القوم وهم يبكون قد يئسوا من النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرجوا من عنده قال ردوا علي أخي علي بن أبي طالب وعمي فانفذوا من دعاهما فحضرا فقال يا عم رسول الله تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي ديني قال العباس يا رسول الله عمك شيخ كبير ذو عيال كثيرة وأنت تباري الريح سخاء وكرما وعليك وعد لا ينهض به عمك فاقبل على علي بن أبي طالب فقال يا أخي تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي ديني وتقوم بأمر لي من بعدي فقال نعم يا رسول الله فقال ادن مني فدنا منه فضمه إليه ثم نزع خاتمه من يده فقال خذ هذا فضعه في يدك ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته فدفع إليه ذلك والتمس عصابة كان يشدها على بطنه إذا لبس سلاحه وخرج إلى الحرب فجئ بها إليه فدفعها إلى أمير المؤمنين (ع) وقال له أمضى على اسم الله إلى منزلك فلما كان من الغد حجب الناس عنه وثقل في مرضه.

أقرب الناس عهدا به علي

ما يروى من أنه توفي ورأسه في حجر عائشة فمع معارضته بغيره مما هو أصح وأكثر لا يمكن أن يصح في نفسه فان مثل ذلك لم تجر عادة أن تتولاه النساء مع ما فيهن من الضعف والجزع ولا يمكن أن يغيب عنه علي في مثل تلك الحال ويوكله إلى النساء. والباعث على ذكر مثل ذلك معروف وروى ابن سعد عدة روايات في أنه صلى الله عليه وسلم توفي في حجر علي بن أبي طالب وآخرها ما رواه بسنده عن أبي غطفان عن ابن عباس قال توفي رسول الله وهو مستند إلى صدر علي قلت فان عروة حدثني عن عائشة إنها قالت توفي رسول الله بين سحري ونحري فقال ابن عباس أتعقل والله لتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله وأخي الفضل وأبى أبي أن يحضر الحديث. وروى الحاكم في المستدرك وصححه بسنده عن أحمد بن حنبل بسنده عن أم سلمة قالت والذي احلف به أن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم عدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وهو يقول جاء علي جاء علي مرارا فقالت فاطمة كأنك بعثته في حاجة فجاء بعد قالت أم سلمة فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يساره ويناجيه ثم قبض من يومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا به.

تغسيل علي (ع) النبي صلى الله عليه وسلم وتحنيطه له وتكفينه

روى ابن سعد في الطبقات أنه غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد وفي رواية كان علي يغسله والفضل وأسامة يحجبانه. وفي رواية كان علي يغسله والفضل محتضنه وأسامة يختلف. وفي رواية غسله علي يدخل يده تحت القمي صلى الله عليه وسلم والفضل يمسك الثوب عليه وعلى يد علي خرقة إلى غير ذلك من الروايات التي اوردها ابن سعد. ويمكن الجمع بان الذي تولى غسله وباشره علي وحده وكان الفضل وأسامة يساعدانه فتارة يحجبانه بان يمسكا بطرفي ثوب ويحجبانه عن الناس وتارة كان الفضل يحتضنه وأسامة يختلف في نقل الماء وغيره وتارة كان الفضل وأسامة كلاهما ينأولان عليا الماء.

أول من صلى عليه علي

قال المفيد: فلما فرع علي من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين (ع) وقال لهم أن رسول الله أما منا حيا وميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير أمام وينصرفون. قال ابن عبد البر في الاستيعاب صلى عليه علي والعباس وبنو هاشم ثم المهاجرون ثم الأنصار.

دفن علي له ومعه أربعة

قال المفيد: ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت الأنصار من وراء البيت يا علي أنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله أن يذهب ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله فقال ليدخل أوس بن خولي وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال علي انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين (ع) رسول الله صلى الله عليه وسلم على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب وربع قبره وجعل عليه لبنا ورفعه من الأرض قدر شبروروى ابن سعد في الطبقات أنه رش على قبره الماء.

ما يتعلق به من خبر السقيفة

لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان علي وسائر بني هاشم ومعهم قليل من غيرهم مشغولين بجهاز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه. قال المفيد: ولم يحضر دفنه أكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك. (وقال المفيد) أيضا: واغتنم القوم الفرصة بشغل علي بن أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فبادروا إلى ولاية الأمر واتفق لهم ما اتفق من اختلاف الأنصار فيما بينهم وكراهية الطلقاء والمؤلفة قلوبهم تأخر الأمر حتى يفرع بنو هاشم. ويتلخ صلى الله عليه وسلم الموقف في أن جيش أسامة الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم إنفاذه لما أحس بدنو اجله لأمر سياسي مهم عنده، لم ينفذ لأمر سياسي مهم عند من لم ينفذه، وإن الناس انقسموا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أحزابا ثلاثة بل أربعة أو خمسة

1-حزب سعد بن عبادة رئيس الخزرج من عشيرته الخزرج وربما كان معهم من الأوس

2-حزب الشيخين وهم جل المهاجرين

3-حزب علي وهم بنو هاشم ومعهم قليل من المهاجرين منهم الزبير وكثير من الأنصار أو أكثرهم الذين قالوا لا نبايع إلا عليا كما رواه الطبري

4-حزب عثمان من بني أمية ومن لف لفيفهم

5-حزب سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة.

أما حزب سعد بن عبادة فان سعدا كان مريضا فاجتمع عليه الأنصار في سقيفة بني ساعدة على ما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة وغيره، وسعد هذا كان له مقام في الإسلام عظيم فقد كان شهما رئيسا جوادا وكان مثريا وقد كان يبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم الإجمال من التمر ويبعث إليه باللحم لإقراء الوفود ويبعث إلى المجاهدين بأحمال التمر، وسافر ابنه قيس مع جماعة من الصحابة فنفذ ما معهم فجعل قيس يستدين وينفق عليهم فحسده بعض رفاقه وقالوا لمن يستدين منهم أنه لا مال له فلما بلغ ذلك أباه سعدا غضب وقال تريدون أن تبخلوا ابني وتزعموا أنه لا مال له أنا قوم لا نستطيع البخل اشهدوا أن البستان الفلاني لقيس والحديقة الفلانية لقيس. لكن طلبه الخلافة يغمز من قناته ولذلك ورد عن أمير المؤمنين (ع) ما معناه أن أول من جرأ الناس علينا سعد، ولا يبعد أن يكون سعد لما رأى تصميم المهاجرين على عدم إعطاء الحق لأهله طلبه لنفسه، قال ابن قتيبة في روايته وغيره فقال سعد لابنه قيس: إني لا أستطيع أن اسمع الناس كلامي لمرضي ولكن تلق مني قولي فاسمعهم ففعل فذكر فضل الأنصار ونصرتهم الدين وإيواءهم الرسول وإنهم أحق الناس بهذا الأمر فأجابوه أن قد وفقت في الرأي ورضوا بأمارته.

وأما حزب الشيخين فقال الطبري: اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة فبلغ ذلك أبا بكر فجاء ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقال الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر منا الأمراء ومنكم الوزراء قال ابن قتيبة فقام الحباب بن المنذر ابن الجموح الخزرجي فقال يا معشر الأنصار املكوا علي أيديكم فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجير مجير على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة والعدد والنجدة وإنما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم أنتم أهل الإيواء والنصرة وإليكم كانت الهجرة ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم والله ما عبدوا الله علانية إلا في بلادكم ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم ولا دانت العرب للإسلام إلا بأسيافكم فأنتم أعظم الناس نصيبا في هذا الأمر وان أبى القوم فمنا أمير ومنهم أمير. فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد أنه والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تولي هذا الأمر إلا قريشا من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متورط في هلكة. فقام الحباب فقال يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فان أبوا فاجلوهم عن بلادكم وولوا عليكم وعليهم من أردتم أما والله أن شئتم لنعيدنها جذعة والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطمت انفه بالسيف. وفي رواية أنه قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرحب، فلم يجبه عمر واعتذر بأنه كان بينه وبينه منازعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عنه فحلف أن لا يكلمه بما يسؤوه. هكذا ذكر ابن قتيبة، ولكن الظاهر أنه لم يجبه لما سمع قوله: والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطمت انفه بالسيف وإلا فهو قد أجابه في أول الأمر بأخشن جواب. قال ابن قتيبة فقام أبو عبيدة وقال يا معشر الأنصار أنتم أول من نصر وآوى فلا تكونوا أول من يبدل ويغير. قال وان بشير بن سعد وهو والد النعمان بن بشير الذي كان مع معاوية بصفين وكان واليا له ثم لابنه يزيد على الكوفة لما رأى ما اتفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة قام حسدا لسعد وكان بشير من سادات الخزرج فقال يا معشر الأنصار لئن كنا أولى الفضيلة في جهاد المشركين والسابقة في الدين ما أردنا أن شاء الله غير رضى ربنا وطاعة نبينا وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس ولا نبتغي به عرضا من الدنيا ومحمد رجل من قريش وقومه أحق بميراثه وتولي سلطانه. وفيما رواه ابن هشام عن عمر بن الخطاب أن خطيب الأنصار قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا فقال أبو بكر أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم واخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم الأنصار. وقال الطبري فقال أبو بكر هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا فقالا لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك ابسط يدك نبايعك فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه وقال الطبري فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا عليا وقال ابن قتيبة فلما ذهبا يبايعانه يعني عمر وأبا عبيدة سبقهما إليه بشير الأنصاري فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد حسدت ابن عمك على الإمارة قال لا ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا لهم فلما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وهو من سادات الخزرج وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا فبايعوه. وبذلك تم تغلب حزب الشيخين على حزب سعد وكان سبب مبايعة الأنصار أبا بكر بعد ما قالوا أو بعضهم لا نبايع إلا عليا ما رأوه من تصميم المهاجرين على صرف الأمر عن علي وحسد رئيس الأوس لرئيس الخزرج وحسد أحد رئيسي الخزرج لسعد وبقي حزب بني هاشم وحزب بني أمية وبني زهرة. قال ابن قتيبة: وأن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب وإنما كان يعد نفسه من بني هاشم وكان علي يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشا بنوه فصرفوه عنا واجتمعت بنو أمية إلى عثمان وبنو زهرة إلى سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد مجتمعين فقال لهم عمر ما لي أراكم مجتمعين حلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعته الأنصار فقام عثمان ومن معه من بني أمية فبايعوه وقام سعد (بن أبي وقاص وعبد الرحمن ومن معهما من بني زهرة فبايعوا.

وذلك لما رأى بنو أمية وبنو زهرة الغلبة لحزب المهاجرين ولم تكن لأبي سفيان مكانة عثمان في بني أمية فلذلك اجتمعوا على عثمان ولم يجتمعوا عليه واستغل أبو سفيان الموقف فعدل إلى بني هاشم كما يأتي وأما علي والعباس ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحلهم ومعهم الزبير بن العوام.

وبذلك تم تغلب حزب الشيخين على جميع الأحزاب عدا حزب بني هاشم وحاصل الأمر أنه بعد مبايعة الأنصار وفراغ بني هاشم من دفن النبي صلى الله عليه وسلم جاءوا مع علي إلى المسجد وجاء بنو أمية مع عثمان وبنو زهرة مع سعد وعبد الرحمن فلما بايع بنو أمية وبنو زهرة قام بنو هاشم ومن معهم من المسجد ولم يبايعوا ودخلوا منزل علي، ويفهم ذلك أيضا مما رواه الطبرسي في الاحتجاج فإنه روى هذا الخبر بنحو ما رواه ابن قتيبة لكن بعبارة أوضح قال: وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرع من ذلك وصلى على النبي والناس يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ اقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا ما لنا نراكم حلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعه الأنصار والناس فقام عثمان وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي ومعهم الزبير.

ما فعله أبو سفيان

قال المفيد: وقد كان أبو سفيان جاء إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي والعباس متوافران على النظر في أمره فنادى:

ثم نادى بأعلى صوته يا بني عبد مناف أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل. . . أما والله لو شئتم لأملأنها عليهم خيلا ورجلا فناداه أمير المؤمنين ارجع يا أبا سفيان فوالله ما تريد الله بما تقول وما زلت تكيد الإسلام وأهله ونحن مشاغيل برسول الله وعلى كل أمرئ ما اكتسب وهو ولي ما احتقب فانصرف أبو سفيان إلى المسجد فوجد بني أمية مجتمعين فيه فحرضهم على الأمر فلم ينهضوا له. والظاهر أن هذا كان من أبي سفيان في أول الأمر قبل البيعة لأبي بكر أراد أبو سفيان أن يستغل الموقف وقد علم أن أبا بكر التيمي وعمر العدوي قد طلبا الأمر وحزبهما قوي فجاء إلى بني هاشم يحرضهم ويعدهم النصرة لعلهم يقومون لمعارضة حزب الشيخين لأنه علم أن أقرب الأحزاب إلى معارضة حزب الشيخين هو حزب بني هاشم فإذا عارضوهم وقعت فتنة في الإسلام وذلك ما يريد لأنه لم يدخل فيه إلا كارها مرغما وحقده عليه لم تنطف جمرته بعد ولن تنطفي فإذا تطاحن الحزبان ولم يغلب أحدهما الآخر أوجب ذلك وهن المسلمين فيرجو أن تقوى شوكة الشرك الذي خرج منه كارها فيعود إليه وإن غلب أحدهما الآخر كان هو مع الغالب وإن لم يعارضوهم استفاد هو من هذا التحريض والتهويش إمارة أو نحوها كما يفعله اليوم وقبل اليوم من يريد منصبا في الدولة فيهيج الناس عليها ويلقي الفتن ليرضوه بمال أو منصب ويدل على ذلك أنه لما سمع الخليفة تهويشه ولي ابنه فرضي وسكت وقال وصلته رحم. روي الطبري بسنده قال لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان ما لنا ولأبي فصيل إنما هي بنو عبد مناف فقيل له أنه قد ولى ابنك قال وصلته رحم وقد علم علي (ع) أن أبا سفيان لم يرد بما قاله الخير لبني هاشم ولا للمسلمين وعلم مراده فلذلك أجابه بما أجابه وبذلك تمت البيعة لأبي بكر ولم يبق متخلفا عنها غير علي وبني هاشم ومن تبعهم وقليل سواهم ولكن القضاء على هذا الحزب أصبح سهلا بعد مبايعة جل المهاجرين والأنصار أبا بكر. وصرف النظر عما جرى يوم الغدير وما جرى في أول الدعوة من قوله صلى الله عليه وسلم "من يوازرني على هذا الأمر" الخ فلم يجر له ذكر.

وأما حزب بني هاشم فقد عرفت إنهم كانوا مشغولين بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه عند اجتماع القوم في السقيفة. ولم يكن علي ومن معه ليتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير دفن ويشتغلوا بطلب الخلافة كما فعل غيرهم. قال المفيد: وقد جاءت الرواية أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين وهو يسوي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسحاة في يده فقال له أن القوم قد بايعوا أبا بكر ووقعت الخذلة للأنصار لاختلافهم وبدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفا من إدراككم الأمر فوضع طرف المسحاة على الأرض ويده عليها ثم قال: {بسم الله الرحمن الرحيم ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعلمون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون} وحكى ابن أبي الحديد عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبه عن أبي قبيصة قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجرى في السقيفة ما جرى تمثل علي:

ومما مر تعلم أن عمدة احتجاج القوم على استحقاق الخلافة إنهم من قريش عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك دفعوا الأنصار عنها وهذه الحجة توجب حق علي وبني هاشم في الخلافة لأنهم أقرب الناس إلى الرسول وهم عشيرته فإن كانت الخلافة بالقرابة فهم أقرب من قريش وإن لم تكن بالقرابة فالأنصار على دعواهم كما أشار إليه أمير المؤمنين (ع) في بعض كلامه لما بلغته إخبار السقيفة وفيه يقول الشاعر قيل أنه أمير المؤمنين وقيل الكميت

واجتمع بنو هاشم مع علي بن أبي طالب في بيت فاطمة بعد رجوعهم من المسجد كما مر وامتنعوا من البيعة واجتمع معهم طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فيما رواه الطبري. وقال محمد بن إسحاق فيما حكاه عنه ابن هشام في سيرته أنه انحاز علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة وقال ابن هشام فيما رواه بسنده عن عمر بن الخطاب تخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما واتفقت جميع الروايات على وجود الزبير معهم أما طلحة فقد ذكر في بعضها دون بعض. والذي يستلفت النظر اجتماع طلحة معهم مع أنه تيمي.

تهديد علي ومن معه بالإحراق أن لم يبايعوا

روى الطبري في تاريخه قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. ويأتي أيضا ما يدل على ذلك.

متى بايع علي بن أبي طالب وبنو هاشم

تدل بعض الروايات على أن عليا بايع يومئذ وفاطمة حية ويدل أكثرها على أنه لم يبايع إلا بعد ستة أشهر بعد وفاة فاطمة وبعضها على أنه لم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم إلا بعد تلك المدة. وبعضها على أن بني هاشم بايعوا يومئذ إلا علي فلم يبايع إلا بعد تلك المدة، والذي عليه أكثر الروايات وحققه العلماء أنه لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة وذلك بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بناء على إنها بقيت بعده هذه المدة أو شهرين ونصف بناء على بقائها بعده ذلك.

لماذا لم يبايعوا عليا

لم يكن انحراف قريش عن علي لشيء فيه ينقص من ليته للخلافة مقدار شعرة ولا لشيء في غيره يوجب امتيازه عن علي أو مساواته له في القيام بمهام الخلافة ولكن قريشا وجل المهاجرين منها قد وترها علي في حروبه لتمهيد الإسلام، وكثير منها دخل في الإسلام كرها والضغائن من نفوسها لم تذهب فهي لا تطيق أن تكون في بني هاشم النبوة والخلافة وهم من عشيرتها والبغض والحسد في الأهل والعشيرة أشد من غيره مضافا إلى حب الرياسة الكامن في نفوس البشر فقريش حاولت جهدها إبطال نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلم تفلح وتغلب عليها وقهرها وفتح مكة ودخلها مالكا لها بعد ما خرج منها هربا وخوفا فكيف تترك بني هاشم تستولي على الخلافة ثانيا ويكون الرأس فيها علي بن أبي طالب قاتل صناديد قريش وقاهرها ومؤسس دولة ابن عمه وناصرها فليس من الغريب انحيازها إلى حزب أبي بكر وعمر وانحرافها عن علي إلا أقلها. أما بنو أمية فانحازوا أولا إلى عثمان ولكن عثمان لما رأى أنه ليس في وسعه معارضة الشيخين ومن تبعهما انحاز إلى حزبهما. وبالطبع لم يكن لينحاز إلى حزب بني هاشم وهبه وطن نفسه على ذلك فقومه لم يكونوا ليطيعوه وقد وترهم بنو هاشم ولا سيما علي وعداوتهم معهم قديمة قبل الإسلام. ولم تفت هذه الفرصة شيخ بني أمية أبا سفيان أن يستفيد منها حسبما تساعد عليه الحال في ذلك الوقت فجاء إلى علي وبني هاشم فحرضهم على طلب الخلافة وانتق صلى الله عليه وسلم الخليفة. ولم يخف ذلك على علي فرده أقبح رد وولى الخليفة ابنه فقال وصلتك لاحم وسكت، ولم ينس الخليفة الثاني هذه المساعدة من عثمان وبني أمية فولى معاوية الشام بعد أخيه يزيد ورشح عثمان للخلافة يوم الشورى وسن لها قانونا يكون بسببه الخليفة هو عثمان حتما كما سيأتي هناك وبانحياز أسيد بن حضير رئيس الأوس ومعه الأوس كلها إلى حزب قريش حسدا لسعد قوي حزب قريش وبانحياز بشير بن سعد أحد رؤساء الخزرج إلى حزب قريش حسدا لسعد بقي سعد مفردا ليس معه إلا قليل فان بشيرا انحاز معه أكثر الخزرج من عشيرته وغيرها فعشيرة الرئيس تتبعه بالطبع وغيرها للتقرب إلى الخليفة لئلا يستأثر غيرهم بالمكانة عنده وسرت هذه المودة من بشير إلى ابنه النعمان بن بشير الأنصاري فكان من أنصار معاوية يوم صفين حيث لم يكن معه من الصحابة إلا قليل هو أحدهم. ولم ينس معاوية تلك المساعدة لبشير التي هي في الحقيقة مساعدة لبني أمية على أعدائهم الألداء بني هاشم ومساعدة لأوليائهم فجازى ابنه النعمان عليها وعلى نصره له بصفين بأن ولاه الكوفة ثم ولاه إياها ابنه يزيد. وضعف بذلك أيضا حزب بني هاشم ولم يبق معهم أحد. وكان أقوى الأسباب في ذلك كله الحسد والحسد داء بني آدم وحواء من زمن آدم إلى اليوم.

الذين احتجوا على البيعة من المهاجرين والأنصار

في احتجاج الطبرسي عن أبان بن تغلب: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على أبي بكر فعله قال نعم كان الذي أنكر عليه اثنا عشر رجلا. من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية. وسلمان الفارسي. وأبو ذر الغفاري. والمقداد بن الأسود. وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي. من الأنصار. والهيثم بن التيهان. وسهل وعثمان ابنا حنيف. وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. وأبي بن كعب. وأبو أيوب الأنصاري. فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لننزلنه عن المنبر وقال آخرون لئن فعلتم إذا أعنتم على أنفسكم فذهبوا إلى أمير المؤمنين يستشيرونه فقالوا تركت حقا أنت أحق به وأولى ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن المنبر فقال لو فعلتم ذلك لما كنتم إلا حربا ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين ولو فعلتم ذلك لأتوني فقالوا بايع وإلا قتلناك. إلى آخر ما أورده الطبرسي.

ولما نحي علي عن الخلافة بعد يوم السقيفة إلى آخر خلافة عثمان وذلك نحو من 24 سنة لم يدخل مع القوم في إمارة ولا حرب وإنما كان يشير بما فيه النصح والمصلحة العامة للمسلمين واشتغل بجمع القرآن بتأويله وتنزيله وتفسيره وإقرائه وإرشاد الخلق وتعليمهم وبنشر علوم الدين والفتوى لا سيما في المسائل الغامضة التي كان يرجع إليه فيها الصحابة والقضاء بين الناس خصوصا في القضايا الغامضة التي كانت تشكل على غيره حتى جمعت عدة كتب في قضاياه وأحكامه ومسائله العجيبة أشرنا إليها فيما سبق وبالتاليف في علوم الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود ونصرة المظلوم وإظهار الحق جهده والإصلاح بين الناس واستنبط عيونا وأنشأ عدة بساتين ومزارع في المدينة وينبع وقفها وجعل النظر فيها لأولاده من فاطمة وكان يقوم على ملك له بخيبر. وما زعمه ابن الأثير من أنه كان من جملة كتاب الخليفة الأول مصنوع موضوع لا أصل له، فهو كان يرى نفسه أعلى من ذلك.

أخباره في خلافة الخليفة الأول

فمن أول ما وقع في خلافته مطالبة فاطمة له بإرثها من أبيها وبفدك الذي كان نحلها إياه في حياته وبسهم ذوي القربى، أما الإرث فردها عنه بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، وأما فدك فطلب منها البينة فشهد لها علي وأم أيمن فقال: قد علمت يا بنت رسول الله أنه لا يجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وأمراتين. وهل كان علي دون خزيمة ذي الشهادتين، وطلبت سهمها من الخمس فقال لها لم يبلغ علمي أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملا بل أنفق عليكم منه واصرف الباقي في مصالح المسلمين، فلم تذعن فاطمة لذلك وغضبت وكذلك علي لم يذعن لذلك وقال في بعض خطبه متألما: بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله. ثم أن الزهراء خطبت خطبة طويلة في هذا الشأن وجرى بينها وبين الخليفة حوار ومحاجة وجدال وبقي الخليفة مصرا على منعها وبقيت هي مصرة على المطالبة كما مر ذلك كله مفصلا في سيرتها في الجزء الثاني. قال المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهما في روايتهم: ثم انكفأت وأمير المؤمنين يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين: يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجزة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة ابتزني نحيلة أبي وبليغة ابني لقد أجهد في خصامي وألفيته ألد في كلامي حتى حستني قبلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع ولا ناصر ولا شافع خرجت كاظمة وعدت راغمة أضرعت خدك يوم أضعت جدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني مت قبل منيتي ودون ذلتي عذيري الله منك عاديا وفيك حاميا ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهت العضد شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي اللهم انك أشد قوة وحولا واحد بأسا وتنكيلا. فقال لها أمير المؤمنين لا ويل لك بل الويل لشانئك نهنهي عن وجدك أبا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله فقالت حسبي الله وأمسكت. وهذا اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنين (ع) لا ينافي عصمته وعصمتها وعلو مقامهما فما هو إلا مبالغة في الإنكار وإظهار لما لحقها من شدة الغيظ كما فعل موسى (ع) لما رجع إلى قومه غضبان أسفا وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه وشريكه في الرسالة يجره إليه.

ومر في الجزء الثاني في السيرة النبوية أن الشيخين استاذنا على فاطمة ليسترضياها فلم تأذن لهما فاتيا عليا فكلماه فادخلهما عليها وجرى بينها وبينهما ما مر هناك.

أخباره في قصة بني حنيفة وهي من حوادث سنة إحدى عشرة

فقد تزوج خولة الحنفية من سبى بني حنيفة وولد له منها ابنه المعروف بمحمد بن الحنفية وأراد بعض أن يستدل بذلك على رضاه ب إمامة من قبله ورده آخرون فكان لذلك مساس بأحواله وأخباره.

قال الشريف المرتضى في كتاب الشافي: روى جميع أهل النقل أن أبا بكر وصى الجيش الذين أنفذهم (لقتال أهل الردة) بأن يؤذنوا ويقيموا فان أذن القوم باذانهم وأقاموا كفوا عنهم وان لم يفعلوا أغاروا عليهم. قال وقصة مالك (بن نويرة اليربوعي (معروفة عند من تأملها من أهل النقل لأنه كان على صدقات قومه بني يربوع من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغته وفاته أمسك عن اخذ الصدقة من قومه وقال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي صلى الله عليه وسلم وننظر ما يكون من أمره وقد صرح بذلك في شعره حيث يقول:

فصرح كما ترى أنه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم وتقربا إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه، قال وقد روى جماعة من أهل السير وذكره الطبري في تاريخه أن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات ثم ذكر رواية الطبري في ذلك ونحن ننقلها من تاريخ الطبري بوجه أتم مع بعض اختصار، وروى الطبري في تاريخه بسنده أن خالد بن الوليد قدم البطاح فلم يجد عليه أحدا ووجد مالكا قد فرقهم في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع وقال يا بني يربوع أنا قد كنا عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الدين وبطانا الناس عنه فلم نفلح ولم ننجح واني قد نظرت في هذا الأمر فوجدت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة وإذا أمر لا يسوسه الناس فإياكم ومعاداة قوم يصنع لهم فتفرقوا إلى دياركم وادخلوا في هذا الأمر، فتفرقوا على ذلك إلى أموالهم ورجع مالك إلى منزله فلما قدم خالد البطاح بث السرأيا وأمرهم بدعاية الإسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع يقتلوه فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع فاختلفت السرية فيهم وفيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فكان فيمن شهد إنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء فأمر خالد مناديا فنادى ادفئوا أسراكم فظنوا أنه أمرهم بقتلهم لأن هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة للقتل فقتل ضرار بن الأزور مالكا وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة هذا عملك فزبره خالد وتزوج خالد أم تميم ابنة المنهال زوجة مالك الحديث وكانت أم تميم هذه بارعة في الجمال وروى الطبري أيضا في تاريخه بسنده أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم دارا فسمعتم فيها آذانا للصلاة فامسكوا عن لها حتى تسألوهم ما الذي نقموا وإن لم تسمعوا آذانا فشنوا الغارة وكان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها وكان يحدث إنهم لما غشوا القوم رعوهم تحت الليل فاخذ القوم السلاح فقلنا أنا لمسلمون فقالوا أو نحن لمسلمون قلنا فما بال السلاح معكم قالوا فما بال السلاح معكم قلنا فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح فوضعوه ثم صلينا وصلوا، وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال وهو يراجعه ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا قال أوما تعهد لك صاحبا ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال عدو الله عدا على أمرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته. واقبل خالد بن الوليد حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطهما ثم قال أرئاء قتلت أمرءا مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن أبا بكر على مثل رأي عمر فيه فدخل على أبي بكر واعتذر إليه فعذره فخرج خالد وعمر جالس في المسجد فقال هلم إلي يا ابن أم شملة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته قال الشريف المرتضى في الشافي: فأما قوله في النبي صلى الله عليه وسلم صاحبك فقد قال أهل العلم أنه أراد القرشية لأن خالدا قرشي، وبعد فليس في ظاهر إضافته إليه دلالة على نفيه له عن نفسه ولو كان علم من مقصده الاستخفاف والإهانة لوجب أن يعتذر بذلك خالد عن الشيخين ويعتذر به أبو بكر لما طالبه عمر بقتله فان عمر ما كان يمتنع من قتل قادح في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الأمر على ذلك فأي معنى لقول أبي بكر تأول فأخطأ وإنما تأول فأصاب أن كان الأمر على ما ذكره.

وروى الطبري أيضا أن مالكا كان من أكثر الناس شعرا وأن أهل العسكر جعلوا رؤوسهم أثافي للقدور فما من رأس إلا وصلت النار إلى بشرته إلا مالكا فان القدر نضجت وما وصلت النار إلى بشرته من كثرة شعره وهذا العمل الوحشي الدنيء الذي كشف عن وحشية فاعليه ورؤسائهم الذين وافقوهم على ذلك قد سود وجه الإسلام والعرب والإنسانية وأبان عن لؤم الغلبة ونأى عن أخلاق الإسلام ومحاسنه، وروي الطبري أيضا بسنده أنه قدم أخوه متمم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم فكتب له برد السبي. وقد تكلم الناس كثيرا في قتل مالك بن نويرة ونظم فيه الشعراء قال أبو فراس:

وتزوج علي (ع) خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ويقال من مواليهم سبيت في الردة من اليمامة وربما استدل بعضهم على رضا أمير المؤمنين (ع) بخلافة من تقدمه بتزوجه من سبيهم ولا دلالة فيه فإنه أن كان بنو حنيفة مرتدين كان سبيهم حلالا لكل أحد وإن كانوا غير مرتدين لم يحل سبيهم لأحد فإذا نكح علي من سبيهم لا بد أن يكون بعقد لا بملك يمين. وفي البحار: سئل الشيخ المفيد لم أخذ علي عطاءهم ونكح سبيهم وحكم في مجالسهم، فقال: أما أخذه العطاء فاخذ بعض حقه وأما نكاحه سبيهم فمن طريق الممانعة، أن الشيعة روت أن الحنفية زوجها أمير المؤمنين محمد بن مسلم الحنفي. ومن طريق المتابعة أنه لو نكح من سبيهم لم يكن لكم ما أردتم لأن الذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارا فنكاحهم حلال لكل أحد ولو كان الذي سباهم يزيد أو زياد وإنما كان يسوع لكم ما ذكرتموه إذا كان الذين سباهم قادحين في أمامته ثم نكح أمير المؤمنين منهم. وأما حكمه في مجالسهم فلأن الحكم له واليه وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: اختلف في أمر خولة الحنفية أم محمد فقال قوم إنها من سبايا الردة سباها خالد أيام أبي بكر فدفعها أبو بكر إلى علي من سهمه وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني هي سبية في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد وقد ارتدوا وكانوا سبوها من حنيفة فصارت في سهم علي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ولدت منك غل أما فسمه باسمي وكنه بكنيتي فولدت له محمدا بعد موت فاطمة فكناه أبا القاسم وقال قوم وهم المحققون وقولهم الأظهر أن بني أسد غارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة فباعوها من علي وبلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على علي فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم فاعتقها وتزوجها بمهر وهذا اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في تاريخ الأشراف. ومن أخباره في خلافة أبي بكر ما رأيته في معجم البلدان عند الكلام على الأحقاف قال: والصحيح ما رويناه عن ابن عباس وابن اسحق وقتادة إنها رمال بأرض اليمن كانت عاد تنزلها: ويشهد بصحة ذلك ما رواه أبو المنذر هشام بن محمد عن أبي يحيى السجستاني عن مرة بن عمر الآبلي عن الأصبغ بن نباته قال: أنا لجلوس عند علي بن أبي طالب في خلافة أبي بكر إذ اقبل رجل من حضرموت لم أر قط رجلا أنكر منه فاستشرفه الناس وراعهم منظره وأقبل مسرعا حتى وقف علينا وسلم وجثا وكلم أدنى القوم منه مجلسا وقال من عميدكم فأشاروا إلى علي وقالوا هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعالم الناس والمأخوذ عنه فقام وقال:

فأعجب عليا والجلساء شعره وقال له لله درك ما أرصن شعرك ممن أنت قال من حضرموت فسر به علي وشرح له الإسلام وأسلم على يديه وسأله ذات يوم ونحن مجتمعون للحديث أعالم أنت بحضرموت إذا جهلتها لم أعرف غيرها قال أتعرف الأحقاف قال كأنك تسأل عن قبر هود (ع) قال لله درك ما أخطأت قال نعم خرجت في عنفوان شبيبتي في أغيلمة من الحي نريد قبره فسرنا في بلاد الأحقاف أي أما ومعنا رجل قد عرف الموضع فانتهينا إلى كثيب أحمر فيه كهوف كثيرة فمضى بنا الرجل إلى كهف منها فدخلناه فامعنا فيه طويلا فانتهينا إلى حجرين قد أطبق أحدهما دون الآخر وفيه خلل يدخل منه الرجل النحيف متجانفا فدخلته فرأيت رجلا على سرير شديد الأدمة طويل الوجه كث اللحية وقد يبس على سريره فإذا مسست شيئا من بدنه أصبته صلبا لم يتغير ورأيت عند رأسه كتابا بالعربية أنا هود النبي الذي أسفت على عاد بكفرها وما كان لأمر الله من مرد فقال لنا علي بن أبي طالب كذلك سمعته من أبي القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخباره في إمارة عمر

كان في إمارة عمر كثيرا ما يأتي إلى ملك له بينبع وهي ينبع النخل بنواحي المدينة وهي غير ينبع البحر وكان لعلي فيها عيون استنبطها ونخيل وزروع منها. عين أبي نيزر والبغيبغة

وقد تكلمنا عليهما في ج 7 وفي مستدرك ج 15 صلى الله عليه وسلم 487 في ترجمة أبي نيزر ونعيد بعض ما ذكرناه هناك لتعلقه بسيرته (ع) وإن لزم بعض التكرار. قال المبرد في الكامل: رووا أن عليا لما أوصى إلى الحسن في وقف أمواله وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة وهذا غلط لأن وقفه لهذين الموضعين لسنتين من خلافته والوصية كانت عند وفاته حدثنا أبو محلم محمد بن هشام في اسناد ذكره آخره أبو نيزر وكان أبو نيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم قال وصح عندي أنه من ولد النجاشي فرغب في الإسلام صغيرا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وكان معه في بيوته مؤونته فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم صار مع فاطمة وولدها ع. وفي معجم البلدان بالإسناد عن محمد بن إسحاق بن يسار أن أبا نيزر الذي تنسب إليه العين هو مولى علي بن أبي طالب كان ابنا للنجاشي ملك الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون لصلبه وأن عليا وجده عند تاجر بمكة فاشتراه إليه واعتقه مكافأة بما صنع أبوه مع المسلمين حين هاجروا إليه وذكروا أن الحبشة مرج عليها أمرها بعد موت النجاشي وإنهم أرسلوا وفدا منهم إلى أبي نيزر وهو مع علي ليملكوه عليهم ويتوجوه ولا يختلفوا عليه فأبى وقال ما كنت لأطلب الملك بعد أن من علي بالإسلام ثم قال المبرد قال أبو نيزر جاءني علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة فقال هل عندك من طعام فقلت لا أرضاه لأمير المؤمنين قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة فقال علي به فقام إلى الربيع وهو جدول فغسل يده ثم أصاب من ذلك شيئا ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما ثم ضم يديه كل واحدة منها إلى أختها وشرب بهما حسا من ماء الربيع ثم قال يا أبا نيزر أن الأكف أنظف الآنية ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه وقال من أدخله بطنه النار فأبعده الله ثم أخذ المعول وانحدر في العين فجعل يضرب وإبطا عليه الماء فخرج وقد تفضح جبينه عرقا فانتكف العرق من جبينه ثم أخذ المعول وعاد إلى العين فاقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنها عنق جزور فخرج مسرعا فقال أشهد إنها صدقة، علي بدواة وصحيفة فعجلت بهما إليه فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة لا تباعا ولا توهبا حتى يرثها الله وهو خير الوارثين إلا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق لهما وليس لأحد غيرهما. قال محمد بن هشام فركب الحسين دين فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار فأبى أن يبيع وقال إنما تصدق بها أبي ليقي بها وجهه حر النار ولست بائعها بشيء. قال وتحدث الزبيريون أن معاوية كتب إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة وذكر ما مضمونه أنه كتب إليه أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر على ابنه يزيد وأن يرغب له في الصداق فقرأ الكتاب على عبد الله فقال أن خالها الحسين بينبع وليس ممن يفتات عليه بأمر فانظرني إلى أن يقدم وكانت أمها زينب بنت علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم فلما قدم الحسين ذكر له ذلك عبد الله فدخل إلى الجارية فقال يا بنية أن ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر أحق بك ولعلك ترغبين في كثرة الصداق وقد نحلتك البغيبغات فلما حضر القوم للأملاك تكلم مروان فذكر معاوية وما قصده من صلة الرحم وجمع الكلمة فتكلم الحسين فزوجها من القاسم فقال مروان أغدرا يا حسين فقال أنت بدأت خطب أبو محمد الحسن بن علي (ع) عائشة بنت عثمان بن عفان واجتمعنا لذلك فزوجتها من عبد الله بن الزبير فقال مروان ما كان ذلك فالتفت الحسين إلى محمد بن حاطب فقال أنشدك الله أكان ذلك قال اللهم نعم. قال فلم تزل هذه الضيعة في يد بني عبد الله بن جعفر من ناحية أم كلثوم يتوارثونها حتى ملك المأمون فذكر ذلك له فقال كلا هذا وقف علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم فانتزعها من أيديهم وعوضهم عنها وردها إلى ما كانت عليه. وفي مناقب ابن شهراشوب ما مختصره عن عبد الملك بن عمير والحاكم والعباس قالوا خطب الحسن عائشة بنت عثمان فقال مروان أزوجها عبد الله بن الزبير فلما قبض الحسن ومضت أيام من وفاته كتب معاوية إلى مروان وهو عامله على الحجاز يأمره أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد فأخبر مروان عبد الله بذلك فقال أن أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين وهو خالها فأخبر الحسين بذلك فقال استخير الله تعالى اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد فلما اجتمع الناس في المسجد أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين وقال أن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أخطب أم كلثوم لابنه يزيد وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ وأن الحسين قال له لعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما ثم ذكر حوار دار بينهما ثم قال أن الحسين قال اشهدوا إني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة أو قال أرضي بالعقيق وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار الحديث. وفي الإصابة أبو نيزر بكسر أوله وسكون المثناة التحتية وفتح الزاي بعدها راء ذكره الذهبي مستدركا وقال يقال أنه من ولد النجاشي جاء وأسلم وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في مؤونته ثم قال في جملة ما حكاه عن كامل المبرد أنه كان يقوم بضيعتي علي اللتين في ينبع تسمى أحداهما البغيبغة والأخرى عين أبي نيزر. وفي معجم البلدان ينبع قال عرام بن الأصبغ السلمي هي لبني حسن بن علي وفيها عيون عذاب غزيرة وقال غيره ينبع حصن به نخيل وماء وزرع وبها وقوف لعلي بن أبي طالب يتولاه ولده. هذا ما وقفنا عليه مما يتعلق بهذا المقام وفيه مواضع ينبغي أن نتكلم عليها:

(أولا) أن المبرد صرح بان وقف علي (ع) الضيعتين كان لسنتين من خلافته وخطاب أبي نيزر بقوله طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين وقوله في كتاب الوقف هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين دال على أن ذلك في زمن خلافته وما ذكره من أن وقفه للضيعتين كان لما جاء أبا نيزر وهو يقوم بهما وضرب في العين بالمعول فانثالت كأنها عنق بعير دال على أن ذلك كان وعلي بالحجاز مع أنه بعد أن ذهب إلى العراق واتخذ الكوفة مسكنا لم يذكر أحد أنه رجع إلى الحجاز ومتى كان يمكنه أن يرجع وهو قد ذهب للعراق لحرب أصحاب الجمل وبعد فراغه اشتغل بحرب صفين وبعده بحرب الخوارج ثم استشهد فلم تكن له فرصة لأن يذهب للحجاز وليس هناك أمر مهم يدعوه للذهاب.

(ثانيا) كلام المبرد دال على أنه أسلم صغيرا على يدي النبي صلى الله عليه وسلم فكان معه في مؤونته ثم مع فاطمة وولدها وكلام ابن إسحاق دال على أن عليا (ع) اشتراه واعتقه وجعله في الضيعتين ويمكن الجمع بان عليا (ع) اشتراه من تاجر وهو صغير واعتقه ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وبقي عند النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاته فانتقل إلى بيت علي فصار مع فاطمة وولدها ثم جعله في الضيعتين.

(ثالثا) قصة مجيئه أبا نيزر إلى الضيعة هذه تدل على أمور

1-غاية زهده باكله القرع المطبوخ بالودك المتغير الرائحة ولعله كان بغير خبز وهي واحدة من كثير مما يدل على غاية زهده

2-استحباب غسل اليد قبل الأكل

3-استحباب غسل اليدين بعده

4-قوله من أدخله بطنه النار فأبعده الله موعظة بالغة فاكل الحرام الذي هو لذة ساعة ثم يصير عذرة إذا كان يوجب دخول النار لا يفعله ذو عقل

5-الحث على العمل والكد بضربه بالمعول حتى تفضح جبينه عرقا واستئنافه الضرب حتى استنبط الماء العزيز

6-تأكد استحباب الوقف في سبل الخبر

7-استحباب المسارعة إلى فعل الخير فلذلك بادر إلى الوقف بدون مهلة

8-استحباب الكتابة للوقف وغيره فلذلك بادر إلى طلب الدواة

9-المراد بالصدقة هنا الوقف وقد سمي الوقف صدقة جارية أي دائمة

10-إن الوقف يجوز اشتراط الرجوع فيه عند الحاجة ولا يفسد بذلك لقوله إلا أن يحتاج إليها الحسن أو الحسين فهما طلق لهما الخ فجعل ذلك لهما دون باقي ولده إلا أن الحسين لما فيه من سمو النفس وشرف الطبع لم يرض أن يبيع عين أبي نيزر من معاوية بمائتي ألف دينار التي تقرب من مائة ألف ليرة عثمانية ذهبا وقد ركبه الدين لتبقى هذه المكرمة وثوابها لأبيه وإن رخ صلى الله عليه وسلم له في بيعها عند الحاجة وقال إنما تصدق بها أبي ليقي بها وجهه حر النار ولست بائعها بشيء. تفديك نفسي يا أبا عبد الله وأي عمل عمله أبوك يخشى منه لفح النار لوجهه، ويمكن أن يريد بقوله إلا أن يحتاج إليها الحسن والحسين الأعم من الحاجة إلى البيع أو إلى غلتها فلهما أخذها ولا يلزمهما التصدق بها على الفقراء وابن السبيل.

(رابعا) كلام المبرد في خبر تزويج أم كلثوم هذه يدل على أن الحسين (ع) نحلها البغيبغة ورواية ابن شهراشوب تدل على أنه نحلها ضيعته بالمدينة أو أرضه بالعقيق وارض العقيق خارجة عن البغيبغة التي بينبع أما ضيعته بالمدينة فيمكن انطباقها على التي بينبع لأنها من توابع المدينة وحينئذ فيرجح ما ذكره المبرد ويضعف أنه نحلها أرضه بالعقيق.

(خامسا) نحلة الحسين (ع) البغيبغة الداخلة في الوقف لأم كلثوم هو أخذ بالرخصة التي رخصها له أبوه ولم يعمل بها في بيع عين أبي نيزر من معاوية للبون الشاسع بين المقامين فلذلك توارثها بنو عبد الله بن جعفر من ناحية أم كلثوم. (سادسا) ما فعله المأمون أراد به الجمع بين بقاء وقف علي (ع) على حاله وعدم الحيف على ولد عبد الله بن جعفر فانتزعها منهم وردها إلى ما كانت عليه وعوضهم عنها.

(سابعا) ما حكي في المعجم من أن بينبع وقوفا لعلي بن أبي طالب يتولاها ولده الظاهر أن المراد به عين أبي نيزر لا البغيبغة لكون الثانية صارت إلى ولد عبد الله بن جعفر.

(ثامنا) يستفاد من خبر تزويج أم كلثوم هذا استحباب تقليل المهر وأن مهر السنة اثنتا عشرة أوقية كل أوقية أربعون درهما مجموعها 480 درهما وان من أراد زيادة المهر فليجعل الزيادة على ذلك نحلة وعطية غير داخلة في المهر.

حلي الكعبة

ومن أخباره في زمن عمر ما في نهج البلاغة: روي أنه ذكر عند عمر ابن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته فقال قوم لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر وما تصنع الكعبة بالحلي فهم عمر بذلك وسال عنه أمير المؤمنين (ع) فقال أن هذا القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم والأموال أربعة. أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض والفيء فقسمه على مستحقيه. والخمس فوضعه الله حيث وضعه. والصدقات فجعلها الله حيث جعلها وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه على حاله ولم يخف عنه مكانا فاقره حيث أقره الله ورسوله فقال عمر لولاك لافتضحنا وترك الحلي بحاله. وقال ابن أبي الحديد في الشرح ما حاصله هذا استدلال صحيح ويمكن أن يورد على وجهين أحدهما أن الأصل في الأشياء الحظر كما هو مذهب البعض ثانيها أن حلي الكعبة مال مختص بالكعبة جار مجرى ستورها وبابها فكما لا يجوز التصرف في ستورها وبابها فكذلك الحلي بجامع الاختصاص الجاعل كل واحد منها كالجزء من الكعبة قال وعلى هذا الوجه يجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين (ع) لا على ظاهره وإلا لكان لمعترض أن يعترض بان الأموال الأربعة أموال متكررة بتكرر الأزمان يذهب الموجود ويخلفه غيره فكان الاهتمام بها أكثر وليس كذلك حلي الكعبة وأيضا فهو شيء قليل ليس مثله مما يقال ينبغي أن يكون الشارع قد تعرض لوجوه مصرفه فافترق الموضعان وأقول كلام أمير المؤمنين (ع) ليس ناظرا إلى شيء من هذين الوجهين مع فسادهما في أنفسهما فالأصل في الأشياء الإباحة كما قرر في الأصول لكن في غير الأموال. واختصاص الحلي بالكعبة يجعله جاريا مجرى ستورها وبابها لكن كون الحلي والستور كالجزء منها ممنوع لو سلم ذلك في الباب إلا أن منع التصرف فيما هو مختص بالكعبة حتى ولو صار كالجزء منها محتاج إلى دليل يدخله تحت عنوان محرم لكن كلام أمير المؤمنين ناظر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتصرف في حلي الكعبة مع حاجة المسلمين إليه لتجهيز الجيوش أشد من الحاجة التي كانت في زمن عمر ولم يكن ناسيا له فدل ذلك على عدم جواز التصرف فيه. هذا وجه إجمالي لعدم جواز التصرف وهناك وجه تفصيلي وهو أنه موقوف على أن تحلى به الكعبة وبذلك يعلم اندفاع ما أورده من الاعتراض وعدم الحاجة إلى هذا الجواب مع فساده في نفسه.

إشارته عليه في حرب الروم والفرس

ومن أخباره في زمن عمر ما أشار به عليه من عدم التوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس وعلل ذلك بأنهم إذا نظروا إليه قالوا هذا رجل العرب فان قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم فربما جرى له مثل ما جرى يوم خيبر، فقال عمر هذا هو الرأي وقد كنت أحب أن أتابع عليه فدل على أنه كان كارها للخروج قبل أن يشير عليه بذلك، وقد مر ذلك مفصلا في الأمر الرابع والعشرين من مناقبه وقضائه فاغني عن إعادته.

وضع التاريخ

ومن أخباره في خلافة عمر ما أشار به عليه لما جمع الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ فأشار أن يجعل من الهجرة، ومر تفصيله في الأمر الرابع والعشرين أيضا.

قضاياه في إمارة عمر

1-ما ذكره المفيد في الإرشاد وابن شهراشوب في المناقب وقالا رواه العامة والخاصة من أن قدامة بن مظعون شرب الخمر في إمارة عمر فأراد عمر أن يحده فقال لا يجب علي الحد لأن الله تعالى يقول: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} فدرأ عمر عنه الحد فقال له علي أن قدامة ليس من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حر أما فاردد قدامة واستتبه مما قال فان تاب فأقم عليه الحد وإن لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملة وعرف قدامة الخبر فاظهر التوبة فدرأ عمر عنه القتل ولم يدر كيف يحده يسال عليا فقال حده ثمانين أن شارب الخمر إذا شربها سكر وإذا سكر هذى إذا هذى افترى فحده عمر ثمانين.

2-ما في إرشاد المفيد: روى أن عمر استدعى امرأة كانت تتحدث عندها الرجال فلما جاءتها رسله فزعت وخرجت معهم فأسقطت ووقع إلى الأرض ولدها ثم مات فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم فقالوا نراك مؤدبا ولم ترد إلا خيرا ولا شيء عليك، وعلي جالس لا يتكلم فقال له ما عندك في هذا يا أبا الحسن قال قد سمعت ما قالوا قال فما عندك أنت قال قد قال القوم ما سمعت قال أقسمت عليك لتقولن ما عندك قال أن كان القوم قد قاربوك فقد غشوك وإن كانوا ارتأوا فقد قصروا أن الدية على عاقلتك لأن قتل الصبي خطا تعلق بك فقال أنت والله نصحتني من بينهم والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني غدي ففعل. وفي المناقب: روى جماعة منهم إسماعيل بن صالح عن الحسن وذكر مثله ثم قال وقد أشار الغزالي إلى ذلك في الإحياء.

3-ما في مناقب ابن شهراشوب: أنه أتى إلى عمر برجل وامرأة قال لها الرجل يا زانية فقالت أنت أزنى مني فأمر بان يجلدا فقال علي لا تعجلوا. على المرأة حدان حد لفريتها لأنها قذفته وحد لإقرارها على نفسها وليس على الرجل شيء.

4-ما في المناقب أيضا عن الرضا (ع): قضى أمير المؤمنين (ع) في محصنة فجر بها غلام صغير فأمر عمر أن ترجم فقال علي لا يجب عليها الرجم إنما يجب الحد لأن الذي فجر بها ليس بمدرك.

5-ما فيه أيضا: أمر عمر برجل يمني محصن فجر بالمدينة أن يرجم فقال علي لا يجب عليه الرجم لأنه غائب عن له إنما يجب عليه الحد فقال عمر لا أبقاني الله لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن.

6-ما في عجائب أحكامه: علي بن إبراهيم حدثني أبي عن محمد بن أبي عميرة عن عمر بن يزيد عن أبي المعلى عن أبي عبد الله ع: أتى عمر بامرأة تعلقت بأنصاري تهواه فلم تقدر على خيلة فصبت بياض البيض على ثيابها وجسمها ثم جاءت إلى عمر فقالت يا أمير المؤمنين أن هذا أخذني في موضع كذا ففضحني فهم عمر أن يعاقب الأنصاري فقال يا أمير المؤمنين تثبت في أمري فقال عمر يا أبا الحسن ما ترى فنظر علي إلى بياض البيض على ثوبها فقال ائتوني بماء حار مغلي فأمر بصبه على ذلك البياض فإذا هو بياض البيض وأقرت المرأة بذلك.

7-ما فيه أيضا بعد السند المذكور. وعنه عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة: سمعت غل أما بالمدينة وهو يقول يا حاكم الحاكمين احكم بيني وبين أمي بالحق فقال عمر يا غلام لم تدعو على أمك قال إنها حملتني تسعا وأرضعتني حولين كاملين فلما ترعرعت طردتني وانتفت مني فأتى بها مع أربعة إخوة لها وأربعين قسامة يشهدون لها إنها لا تعرف الصبي وأنه مدع ظلوم يريد أن يفضحها في عشيرتها وإنها جارية من قريش لم تتزوج قط وإنها بخاتم ربها فقال عمر خذوا الغلام إلى السجن حتى نسأل عن الشهود فان عدلت شهادتهم جلدته حد المفتري فمضوا به إلى السجن فلقيهم علي فقال الغلام يا ابن عم محمد إني غلام مظلوم فقال علي لعمر أتأذن لي أن اقضي بينهم فقال يا سبحان الله وكيف لا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول أعلمكم علي بن أبي طالب" فقال للغلام ما تقول فأعاد الكلام الأول وقال للمرأة ما تقولين فأعادت ما قالت فقال ألك شهود قالت نعم فتقدم الأربعون القسامة فشهدوا بالشهادة الأولى فقال والله لأقضين اليوم بينكما بقضية هي مرضاة للرب من فوق عرشه ثم قال ألك ولي؟ قالت نعم هؤلاء إخوتي، فقال لهم: أمري فيكم وفيها جائز قالوا نعم فقال أشهد الله ورسوله ومن حضر من المسلمين إني قد زوجت هذه الجارية من هذا الغلام بأربعمائة درهم والنقد من مالي، يا قنبر علي بالدراهم فأتاه بها فصبها في حجر الغلام وقال خذها وصبها في حجر أمراتك ولا تأتنا إلا وبك أثر العرس فصبها الغلام في حجرها ثم أخذ بيدها وقال لها قومي، فنادت الأمان الأمان يا ابن عم محمد، تريد أن تزوجني من ولدي، هذا والله ولدي، زوجوني هجينا فولدت منه هذا فلما ترعرع وشب أمروني أن انتفي منه فنادى عمر واعمراه لولا علي هلك عمر باختصار ورواه ابن شهراشوب في المناقب عن حدائق أبي تراب الخطيب وكافي الكليني وتهذيب أبي جعفر عن عاصم بن ضمرة مثله.

8-ما عن ابن قيم الجوزية في كتاب السياسة الشرعية: أن امرأة استنكحها رجل أسود اللون ثم ذهب في غزاة فلم يعد فوضعت غل أما أسود فتعيرته، فبعد أن شب استعداها إلى عمر، فلم يجد شهادة إثبات وكاد يتم المرأة ما أرادت بيد أن عليا أدرك في طرفه ما تجتهد المرأة في إخفائه فقال يا غلام أما ترضى أن أكون لك أبا والحسن والحسين أخويك؟ فقال بلى وقال لأولياء المرأة أما ترضون أن تضعوا أمرها في يدي قالوا بلى فقال إني زوجت مولاتى هذه من ابني هذا على صداق قدره كذا وكذا فأجفلت المرأة وقالت النار يا علي والله أنه ابني ولكن لسواد لونه.

9-ما في مناقب ابن شهراشوب عن المهنا بن عبد الرحمن بن عايد الأزدي: أتى عمر بن الخطاب بسارق فقطعه ثم أتى به الثانية فقطعه ثم أتى به الثالثة فأراد قطعه فقال علي لا تفعل قد قطعت يده ورجله ولكن احبسه.

10-ما في كتاب عجائب أحكامه عن محمد بن أبي عمير عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله قال أتى عمر بن الخطاب بجارية شهدوا إنها زنت وكانت يتيمة عند رجل كان كثيرا ما يغيب عن له، فشبت اليتيمة فتخوفت امرأته أن يتزوجها زوجها فسقتها الخمر ودعت نسوة فامسكنها وأخذت عذرتها بيدها فلما قدم زوجها رمتها بالفاحشة وأقامت البينة جاراتها اللواتي ساعدنها على ذلك فرفع ذلك إلى عمر فقال للرجل اذهب بنا إلى علي فقال علي لامرأة الرجل ألك بينة قالت هؤلاء جاراتي يشهدن بذلك، فأحضرتهم وأخرج السيف من غمده وطرحه بين يديه ثم أمر بكل واحدة فأدخلت بيتا، ودعا بامرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ودعا إحدى الشهود وقال لها أوقال لها أتعرفينني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل ما قالت ورجعت إلى الحق وأعطيتها الأمان وإن لم تصدقيني لأملأن السيف منك، فالتفتت إلى عمر فقالت يا أمير المؤمنين الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي فقالت لا والله ولكنها لما رأت جمالا وهيأة خافت فساد زوجها فسقتها المسكر ودعتنا فأمسكناها فافتضتها بإصبعها، فقال علي: الله أكبر، وألزم على المرأة حد القاذف وألزمها جميع العقر وجعل عقرها أربعمائة درهم وأمر بالمرأة أن تنفى من الرجل وطلقها زوجها وزوجه اليتيمة وساق عنه علي المهر.

11-ما عن كتاب أعلام الموقعين قال: رفعت إلى عمر قصة رجل قتلته امرأة أبيه وخليلها فتردد عمر هل يقتل الكثير بالواحد فقال له علي أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور فاخذ هذا عضوا وهذا عضوا أكنت قاطعهم قال نعم قال فكذلك هذا فعمل عمر على رأيه وكتب إلى عامله أن اقتلهما فلو اشترك أهل صنعاء كلهم فيه لقتلتهم.

12-ما في كتاب الأذكياء لابن الجوزي: أخبرنا سماك بن حرب عن حنيش بن المعتمر أن رجلين استودعا امرأة من قريش مائة دينار وقالا لاتدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع، فلبثا حولا فجاء أحدهما فقال أن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فأبت وقالت إنكما قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فتوسل إليها بأهلها وجيرانها قلم يزالوا بها حتى دفعتها، ثم لبثت حولا فجاء الآخر فقال ادفعي إلي الدنانير فقالت أن صاحبك جاءني فزعم أنك مت فدفعتها إليه، فاختصما إلى عمر بن الخطاب فأراد أن يقضي عليها فقالت أنشدك الله أن ترفعنا إلى علي ففعل فعرف علي إنهما قد مكرا بها فقال أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه قال بلى قال مالك عندنا فجئ بصاحبك حتى ندفعها إليك.

13-ما في المناقب أيضا عن القاضي نعمان في شرح الأخبار عن عمر بن حماد القناد بإسناده عن أنس: قال كنت مع عمر بمنى إذ اقبل إعرابي ومعه ظهر فقال لي عمر سله هل يبيعه فسألته قال نعم فاشترى منه أربعة عشر بعير ثم قال يا أنس الحق هذا بالظهر فقال الإعرابي جردها من أحلاسها وأقتابها فقال عمر إنما اشتريتيها بأحلاسها وأقتابها فاستحكما عليا فقال كنت اشترطت عليه أقتابها وأحلاسها قال عمر لا قال فجردها فإنما لك الإبل قال عمر يا أنس جردها وادفع أقتابها وأحلاسها إلى الإعرابي وألحقها بالظهر ففعلت.

14-ما في المناقب أيضا عن الكتاب المذكور قال أبو عثمان النهدي: جاء رجل إلى عمر فقال إني طلقت أمراتى في الشرك تطليقة وفي الإسلام تطليقتين فما ترى فسكت عمر فقال له الرجل ما تقول قال كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب فجاء علي فسأله فقال هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة.

15-ما في المناقب أيضا عن الكتابين المذكورين: عمر بن حماد بإسناده عن عبادة بن الصامت قال قدم قوم من الشام حجاجا فأصابوا دحي نعامة فيه خمس بيضات وهم محرمون فشووهن وأكلوهن ثم قالوا ما نرانا إلا وقد أخطأنا وأصبنا الصيد ونحن محرمون فاتوا المدينة وسألوا عمر فقال انظروا إلى قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألوهم فسألوا جماعة فاختلفوا في الحكم بذلك فقال إذا اختلفتم فهاهنا رجل كنا أمرنا إذا اختلفنا في شيء أن نسأله فيحكم فيه، فاستعار أتانا من امرأة يقال لها عطية فركبها وانطلق بالقوم معه حتى أتى عليا وهو بينبع فخرج إليه علي فتلقاه وقال هلا أرسلت إلينا فنأتيك فقال الحكم يؤتى في بيته فسألوه فقال مرهم فليعمدوا إلى خمس قلائص من الإبل فيطرقوها الفحل فإذا أنتجت أهدوا ما نتج منها جزاءا عما أصابوا، فقال عمر يا أبا الحسن أن الناقة قد تجهض فقال علي وكذلك البيضة قد تمرق، فقال عمر فلهذا أمرنا أن نسألك.

16-قضاؤه في المجنونة التي فجر بها رجل

17-في التي ولدت لستة أشهر.

18-في الحامل التي زنت، وقد مرت القضايا الثلاث في الأمر الثالث عشر من مناقبه وفضائله.

الشورى

لما طعن عمر في أواخر سنة 23 جعل الأمر شورى بين ستة علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عن هذه الستة وفي رواية قال إنهم من أهل الجنة وأمر أن يؤخذ بأكثرية الأصوات فإن تساوت رجح الجانب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف وأمر أبا طلحة الأنصاري فقال كن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم فقف على باب البيت الذي فيه هؤلاء الستة ليتشاوروا ويختاروا وأحدا منهم فان اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن بن عوف فارجع إلى ما قد اتفقت عليه فان أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم. وكان قد دعاهم فحضروا فوصف كل واحد منهم بوصف عابه به على ما ذكره الجاحظ في كتاب السفيانية وذكره غيره في باب فراسة عمر فقال للزبير: أما أنت فوقس لقس أي عياب مؤمن الرضا كافر الغضب يوما إنسان ويوما شيطان ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدمن شعير، وقال لطلحة: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب وهي قوله ما الذي يغنيه حجابهن اليوم وسيموت غدا فننكحهن. وقال لسعد: إنما أنت صاحب مقنب وصاحب قنص وقوس وأسهم وما زهرة والخلافة وأمور الناس. وقال لعبد الرحمن بن عوف بعد ما مدح إيمانه: ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك. وقال لعلي: لله أنت لولا دعابة فيك أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء. وقال لعثمان: كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس وآثرتهم بالفيء. وروى الطبري في تاريخه عن عمرو بن ميمون الأودي في حديث قال ثم راحوا فقالوا يا أمير المؤمنين لو عهدت عهدا فقال كنت أجمعت أن انظر فأولي رجلا أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق وأشار إلى علي ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غضة ويانعة فيضمه إليه ويصيره تحته فعلمت أن الله غالب أمره ومتوف عمر فما أريد أن أتحملها حيا وميتا عليكم هؤلاء الرهط الحديث. فلما دفن عمر جمعهم أبو طلحة ووقف على باب البيت في خمسين من الأنصار حاملي سيوفهم. فقال طلحة. قد وهبت حقي من الشورى لعثمان، فقال الزبير قد وهبت حقي لعلي، فقال سعد بن أبي وقاص وأنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن لأنهما من بني زهرة. فقال عبد الرحمن لعلي وعثمان أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار فلم يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن أشهدكم إني أخرجت نفسي من الخلافة على أن اختار أحدهما، فقال لعلي أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فقال بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي. وفي رواية الطبري على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده فقال أرجو أن افعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. وفي رواية أخرى للطبري قال اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. وفي رواية ابن الأثير في أسد الغابة أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين فيما استطعت فعدل إلى عثمان فقال أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين قال نعم فبايعه فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين. قال الطبري فقال علي حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال عبد الرحمن يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا، فقال المقداد: يا عبد الرحمن أما والله لقد تركته يعني عليا من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون فقال يا مقداد لقد اجتهدت للمسلمين فقال المقداد ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم إني لأعجب من قريش إنهم تركوا رجلا ما أقول أن أحدا أعلم ولا اقضي منه بالعدل أما والله لو أجد أعونا ويقال أن عليا قال له والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه مثل ما رجا صاحبكما من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم مثل يضرب لشدة العداوة قيل ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن. وفي تاريخ أبي الفداء لما أحدث عثمان ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه روي أنه قيل لعبد الرحمن بن عوف هذا كله فعلك فقال لم أظن به هذا لكن الله علي أن لا أكلمه أبدا ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه. وفي القصة أمور تستلفت النظر الأول أن الخليفة قد عاب كلا من الخمسة بأمر يبعده عن الخلافة ولم يقل في حق علي إلا أن فيه دعابة وليس فيها ما يضر أن لم تكن صفة مدح وشهد له مؤكدا بالقسم بأنه أن لو وليهم ليحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء وانه أحرى أن يحملهم على الحق واعتذر عن عدم توليته بأنه لا يريد أن يتحملها حيا وميتا مع أن جعل الأمر شورى بين ستة لا يخرجه عن تحملها ميتا الثاني أنه عند التساوي بترجيح الجانب الذي فيه عبد الرحمن مع شهادته لعلي بأنه أن وليهم يحملهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء فأحرى أن يرجح عند التساوي الجانب الذي هو فيه الثالث أنه أمر بقتل من خالف منهم وبقتل الستة أن لم يتفقوا وقد شهد لهم بان رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم بأنهم من أهل الجنة مع قوله لطلحة أن رسول الله مات وهو ساخط عليك الرابع أن عليا لم يكن له في ظاهر الحال إلا صوتان من الستة صوته وصوت الزبير والأربعة الباقية ليست في جانبه فطلحة لا يريده وعبد الرحمن كان صهر عثمان لأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت زوجة عبد الرحمن وهي مع ذلك أخت عثمان من أمه، وسعد لا يخالف عبد الرحمن إذ كلاهما من بني زهرة وسعد لم يكن له هوى في علي ولما بويع بالخلافة لم يبايعه ولذلك قال علي فيما رواه الطبري لقوم كانوا معه من بني هاشم أن أطيع فيكم قومكم لم تؤمروا أبدا وقال للعباس عدلت عنا فقال وما علمك قال قرن بي عثمان وقال كونوا مع الأكثر فان تساووا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان فلو كان الآخران معي لم ينفعاني بله إني لا أرجو إلا أحدهما.

فالمتأمل في ذلك يظهر له أنه لم يكن المقصود من الشورى: الشورى بل تثبيت خلافة عثمان بوجه قانوني محكم.

أما ما يذكره بعض المؤرخين من مجابهة العباس عليا بعد هذا الكلام بقوله: لم أرفعك في شيء إلا رجعت إلي مستأخرا بما أكره أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الأمر فأبيت وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت الحديث فباطل أولا: أن العباس كان اعرف بمقام علي وأشد تعظيما له من أن يجابهه بمثل هذا الكلام ثانيا: أن العباس نفسه سال النبي صلى الله عليه وسلم هل يكون الأمر فيهم بعده فقال له صلى الله عليه وسلم: "أنتم المستضعفون بعدي" فكيف يلوم عليا على عدم سؤاله ثالثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب في مرضه دواة وكتفا ليكتب لهم ما لا يضلون بعده فلم يفعلوا فما فائدة سؤال علي له رابعا: قد أجاب علي (ع) العباس عن الأمر الثاني يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لم أكن لأدع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا دفن وأشتغل بذلك فكيف يلومه عليه ثانيا خامسا: كيف يلومه على الدخول في الشورى ولم يكن ذلك اختيارنا بظاهر الحال. وروى الطبري في تاريخه أن عليا خطب عند اجتماع القوم للشورى فقال الحمد لله الذي بعث محمدا منا نبيا وبعثه إلينا رسولا فنحن بيت النبوة ومعدن الحكمة وأمان أهل الأرض ونجاة لمن طلب لنا حق أن نعطه نأخذه وان نمنعه نركب إعجاز الإبل ولو طال السرى لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لأنفذنا عهده ولو قال لنا قولا لجادلنا عليه حتى نموت لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم ولا حول ولا قوة إلا بالله اسمعوا كلامي وعوا منطقي عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا المجمع تنتضي فيه السيوف وتخان فيه العهود حتى تكونوا جماعة ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة ثم أنشأ يقول:

سنة 30 من الهجرة

أخباره المتعلقة بأبي ذر الغفاري في خلافة عثمان

قد ذكرنا ما يتعلق بنفي أبي ذر إلى الشام ثم إلى الربذة في ترجمته في الجزء 16 من هذا الكتاب ونذكر منها هنا ما له ارتباط بالمقام. وذلك أن أبا ذر نفي إلى الشام ثم أعيد منها إلى المدينة ثم نفي إلى الربذة. قال الطبري في تاريخه في حوادث 30 من الهجرة فيها كان اشخا صلى الله عليه وسلم أبي ذر من الشام إلى المدينة وقد ذكر في سبب أشخاصه أمور كرهت ذكر أكثرها. وروى المفيد في المجالس عن علي بن بلال عن علي بن عبد الله الأصفهاني عن الثقفي عن محمد بن علي عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن أبي جهضم الأودي عن أبيه في حديث طويل أنه لما نفي أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان أن لا يشيعه أحد من الناس فبلغ ذلك علي بن أبي طالب (ع) فبكى ثم قال أهكذا يصنع بصاحب رسول الله أنا لله وأنا إليه راجعون ثم نهض ومعه الحسن والحسين وعبد الله والفضل وقثم وعبيد الله بنو العباس حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه فلما بصر بهم حن إليهم وبكى وقال بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشملتني البركة برؤيتها ثم رفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أحبهم ولو قطعت إربا إربا في محبتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة فارجعوا رحمكم الله والله أسال أن يخلفني فيكم أحسن الخلافة فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه.

وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن رواية الواقدي أن أبا ذر دخل على عثمان بعد رجوعه من الشام قال له عثمان في جملة كلام دار بينهما أنت الذي تزعم أنا نقول يد الله مغلولة وإن الله فقير ونحن أغنياء فقال لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده (إلى أن قال) فغضب عليه عثمان وقال أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب فتكلم علي وكان حاضرا فقال أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون فان يك كاذبا فعليه كذبه {وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم أن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} قال فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي بمثله ولم نذكر الجوابين تذمما منهما وقال الواقدي فقال له عثمان امض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة فخرج إليها. وقد وجدنا كيفية إخراج أبي ذر إلى الربذة في أوراق من كتاب مخطوط من تأليف أبي محنف ورواها أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة بنحو مما ذكره أبو مخنف وربما وجدت في أحدهما زيادة عن الآخر لا تغير المعنى ونحن ننقل مجموعها من الكتابين وإذا كان في أحدهما زيادة ذكرناها قال ابن أبي الحديد: روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال لما اخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس أن لا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه وأمر مروان أن يخرج به فتح أماه الناس إلا علي بن أبي طالب وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا وعمارا فإنهم خرجوا معه يشيعونه فجعل الحسن يكلم أبا ذر فقال مروان أيها يا حسن إلا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل فان كنت لا تعلم فأعلم ذلك فحمل علي على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال تنح لحاك الله إلى النار فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فأخبره الخبر فتلظى على علي ووقف أبو ذر فودعه القوم ومعهم أبو ذكوان مولى أم هانئ بنت أبي طالب فحفظ كلام القوم وكان حافظا فقال علي (ع) يا أبا ذر انك غضبت لله أن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا. والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا. يا أبا ذر لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل، ثم قال لأصحابه: ودعوا عمكم فودعوه بما ذكر في ترجمته. قال الجوهري وأبو مخنف ورجع القوم إلى المدينة فجاء علي إلى عثمان ما حملك على رد رسولي وتصغير أمري فقال علي أما رسولك فأراد أن يرد وجهي فرددته وأما أمرك فلم أصغره فقال عثمان أما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر وتقدمي إلى الناس أن لا يشيعوه قال علي أوكلما أمر بأمر معصية أطعناك فيه لا لعمر الله ما نفعل ذاك قال عثمان أقد مروان من نفسك قال مما ذا قال من شتمه وضرب راحلته قال أما راحلته فراحلتي بها فان أراد أن يضربها فليفعل وأما شتمه إياي فوالله لا يشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها بما لا اكذب فيه عليك فغضب عثمان وقال لم لا يشتمك كأنك خير منه فوالله ما أنت عندي بأفضل منه فغضب علي وقال إلي تقول هذا يا عثمان وبمروان الطريد ابن الطريد تعدلني فانا والله أفضل منه ومنك وأبي أفضل من أبيك وأمي أفضل من أمك وبي جلست مجلسك هذا وهذه نبلي نبلتها فهلم نبلك فانتبل فغضب عثمان واحمر وجهه وقام فدخل وانصرف علي واجتمع إليه أهل بيته ورجال من المهاجرين والأنصار فلما كان من الغد اجتمع إلى عثمان أهل بيته ودخل عليه الناس وفي رواية الجوهري أنه أرسل إلى وجوه المهاجرين والأنصار وإلى بني أمية فشكا إليهم عليا وقال أنه يبغي لي الغوائل ويظاهر علي من يعيبني ويعرض في أمري ويرد علي رأيي قالوا فأصلح هذا برفقك فإنه ابن عمك (وفي رواية الجوهري فقالوا أنت الوالي عليه وإصلاحه أجمل قال وددت ذاك) قال فائتوه فاسألوه أن يمشي إلى مروان ويعتذر إليه فاتوا عليا فذكروا له ذلك فقال إما مروان فلا أمشي والله إليه معتذرا ولا حبا ولا كرامة ولكن أن أردتم أن امشي إلى عثمان فعلت فاتوا بذلك إلى عثمان فقال مروان يا أمير المؤمنين أنه لو مشى إلي لما جعلت الأمر إلا إليك فإذا أرضاك فقد رضيت فأرسل إليه عثمان فأتاه ومعه بنو هاشم فتكلم علي فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد ثم قال: أما بعد فإنك ظننتني في تشييعي أبا ذر ووداعه واني والله الذي لا إله إلا هو ما أردت بذاك مساءتك ولا الخلاف عليك وما شيعته ولا ودعته إلا أرادة أن أؤدي من حقه ما يجب على المسلم أن يؤدي من حق أخيه المسلم عند شخوصه في سفره أو قدومه وأما ما استقبلت به مروان فإنه استعرضني ليردني عن قضاء حق الله فرددته رد مثلي مثله وإنما كان ذلك كالأدب مني له أن لا يرد مسلما عن أداء حق من حقوق الله عليه وأما ما كان بيني وبينك فإنك عجلت علي وأجحفت ففرط مني ما لم أكن أحب أن يفرط وأنا استغفر الله لي ولكم.

فتكلم عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ما مشيت إلي فيه فقد حمدتك على ذلك ووهبت لك ما كان منك وأما ما كان منك إلى مروان فقد عفا لك عنه وأما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق فادن يدك فاخذ يده فضمها إلى صدره. ولما خرج علي من عند عثمان أقبلت سفهاء قريش وبنو أمية على عثمان فقالوا أنت رجل قريش حقرك علي وضرب راحلتك وقد تفانت وائل في ضرع ناقة وهمدان في قتل قيس وعبس وذبيان في لطمة فرس والأوس والخزرج في تسعة رحل وتحتمل من علي صنعه بك فدعوا إلى حمية الجاهلية قال أبو مخنف: فقال مروان أما والله أن أردت تلك منه ما قدرت عليها ولو قدرت لكان ضربي البهيمة عبثا وشتمي عليا سفها وما ذاك علي بعار أنه الأمير المطاع والإمام المسيطر وإنني لأرجوه للتي ما أرجو لها أحدا من قريش وقال مروان في ذلك:

قال أبو مخنف: وأخبرني عبد الملك بن نوفل عن أبي سعيد المقبري قال لما انصرف علي من تشييع أبي ذر استقبله الناس فقالوا يا أبا الحسن غضب عليك عثمان لتشييعك أبا ذر فقال علي غضب الخيل على صم اللجم. وروى الشيخ الطوسي في الأمالي في جملة حديث أن أبا ذر لما خرج إلى الربذة أقام مدة ثم أتى المدينة فدخل على عثمان والناس عنده سماطان فقال يا أمير المؤمنين أخرجتني من أرضي إلى ارض ليس بها زرع ولا ضرع إلا شويهات وليس لي خادم إلا محررة ولا ظل يظلني إلا ظل شجرة فإعطني خادما وغنيمات أعيش فيها فحول وجهه عنه فتحول إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك فقال له حبيب بن سلمة لك عندي ألف درهم وخادم وخمسمائة شاة قال أبو ذر أعط خادمك والفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني فاني إنما أسال حقي في كتاب الله فجاء علي فقال له عثمان إلا تغني عني سفيهك هذا قال أي سفيه قال أبو ذر قال علي ليس بسفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون أن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم.

خبره مع عثمان وعبد الله بن مسعود

كان عبد الله بن مسعود يطعن على عثمان، قال المرتضى في الشافي: لا يختلف أهل النقل في طعن ابن مسعود على عثمان وقوله فيه أشد الأقوال وأعظمها ثم أورد في ذلك عدة روايات قال أبو مخنف حدثني نمير بن وعلة الرقاشي من همدان عن الشعبي عن ضبعة بن قيس البكري قال إني لفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل عبد الله بن مسعود المسجد مقدمه من الكوفة إلى أن قال فقال له عثمان اخرج من مسجدنا يا ابن مسعود فقال أتخرجني من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اخرج منه كما تؤمر قال لا افعل فأمر غلاما له يقال له يحموم فاحتمله فأخرجه فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه بعد ضرب شديد فلبث طويلا مغشيا عليه فخرج إليه علي بن أبي طالب وأمر ابنه الحسن فأتى بماء فصب على وجهه ثم احتمله في أناس من أهل بيته وغيرهم ولهذا كان الحجاج يقول ما أعلم أحدا يقرأ بقراءة ابن مسعود إلا حككتها من المصحف ولو بضلع خنزير وكان مجيء ابن مسعود من الكوفة إلى المدينة أيام ولاية الوليد بن عقبة على الكوفة ما بين سنة 25-30.

خبره مع الوليد بن عقبة حين شرب الوليد الخمر

كان الوالي في سنة 30 على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ذكوان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو عثمان لأمه أمهما أروى بنت كريز وكان قد وليها سنة 25 بعد سعد بن أبي وقاص فلما كانت هذه السنة سكر الوليد وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعا ثم التفت إليهم وقال أزيدكم؟ فقال ابن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم وتقيا الخمر في المحراب فأخذوا خاتمه من يده وهو لا يشعر وجاءوا إلى المدينة فشهدوا عليه بشرب الخمر عند عثمان فقال لعلي أقم عليه الحد فأمر علي ابنه الحسن بجلده فقال الحسن: ول حارها من تولى قارها فجلده علي وقيل أمر عبد الله بن جعفر فجلده قيل أربعين والثابت في الجلد ثمانون. وروى ابن عبد البر في الاستيعاب بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال جلد علي الوليد بن عقبة في الخمر أربعين جلدة بسوط له طرفان قال وأضاف الجلد إلى علي لأنه أمر به وكان جلده بسوط له طرفان قائما مقام جلده ثمانين قال ابن الأثير وكان على الوليد خميصة فأمر علي بن أبي طالب بنزعها لما جلد وفي ذلك يقول الحطيئة:

وفي الاستيعاب: من حديث الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة في قصة ذكرها {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون}.

سنة 31-33

خبره في قصة رسول الكوفيين إلى عثمان

في إمارة سعيد بن العاص على الكوفة

ومن أخباره في خلافة عثمان في خبر أبي ربيعة العنزي الذي أرسله جماعة من أهل الكوفة برسالة إلى عثمان يذكرون فيها أمورا نقموها عليه ويطلبون إليه الإقلاع عنها وذلك في إمارة سعيد بن العاص على الكوفة وكانت أمارته عليها سنة 30 من الهجرة بعد عزل الوليد بن عقبة عنها وبقي واليا عليها إلى آخر سنة 33 ولا يدري في أي سنة منها كان ذلك قال أبو مخنف كما في كتابه المخطوط المتقدم إليه الإشارة: كان أول من كتب إليه في إمارة سعيد بن العاص جماعة وعدهم اثني عشر رجلا منهم حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وسليمان بن صرد في رجال من أهل الكوفة ونساكهم وذوي بأسهم ينصحونه ويطلبون إليه الرجوع عن صرف قرائهم وخيارهم وقسمة فيئهم بين أشرارهم ويقولون أنت أميرنا ما عبدت الله وأطعته وأحييت ما في كتابه وكان القريب والبعيد عندك في الحق سواء وسنذكر الكتاب بتمامه في ترجمة كعب بن ذي الحبكة عبدة النهدي وقالوا لا نحب أن يعرفنا عثمان لأنا لا نأمنه على أنفسنا فمن يبلغ عنا كتابنا لا يبالي ما أتى إليه من قتل أو ضرب أو حبس أو تسيير فقام رجل من عنزة يكنى أبا ربيعة وقال هاتوا كتابكم فقد عزم الله لي على الصبر على هذه الخصال فقام كعب بن ذي الحبكة النهدي وهو كعب بن عبدة وكان ناسكا متعبدا فقال والله لأكتبن إليه باسمي ونسبي بالغا عنده ما بلغ فكتب إليه كتابا يأتي بنصه في ترجمة كعب وجاء ليدفعه إلى العنزي فوجده قد مضى فلحقه فوجده قد قرب من العذيب فأعطاه الكتاب ومضى العنزي حتى دخل المدينة واتى عثمان فدفع إليه كتاب أهل الكوفة فلما قرأه التمع لونه وتمغر وجهه وقال من كتب هذا الكتاب قال اجتمع عليه عامة قراء أهل الكوفة وأهل الصلاح والفضل في الدين والنسك قال كذبت بل كتبه السفهاء وأهل البغي والجهل قال خبرني من هم قال ما أنا بفاعل قال والله إذا أوجع جنبيك وأطيل حبسك قال أظن انك ستفعل والله ما جئتك حتى ظنت نفسي بجميع ما ذكرت قال وهذا كتاب آخر فاقرأه قبل أن تبسط علي العذاب فأخذه وقرأه فقال من كعب بن عبيدة؟ قال قد نسب لك نفسه قال فمن أي قبيلة هو قال ما أنا بمخبرك عنه إلا بما أخبرك عن نفسه، فقال عثمان لكثير بن شهاب الحارثي هل تعرف كعب بن عبدة؟ قال نعم، ذاك رجل من بني نهد فأمر عثمان بالعنزي فجرد وعلي بن أبي طالب حاضر فقال سبحان الله أتضرب الرسول؟ إنما هو رجل جاء بكتاب أو رسالة حملها فلم يجب عليه ضرب بل الرسول يحبى ولا يجفى قال فترى أن نحبسه؟ قال ما أرى حبسه فخلى سبيله وانصرف العنزي فما راعهم وهم ينتظرون قادما يقدم عليهم فيأتيهم بخبره إذ طلع عليهم، فما بقي بالكوفة أحد إلا أتاه ممن كان على رأيه وعظم العنزي في أعينهم فسألوه فأخبرهم بما قال وما قيل له وأحسن القول في علي والثناء عليه.

بعث سعيد بن العاص بهدايا إلى المدينة وإلى علي

ومن أخباره في خلافة عثمان أمر الهدية التي بعث بها إليه سعيد بن العاص أيام ولايته على الكوفة من قبل عثمان في جملة من بعث إليهم، ومر أن ولاية سعيد هذا على الكوفة كانت سنة ثلاثين إلى آخر سنة 33، ولا يدري في أي سنة منها كان ذلك.

روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ج 11 صلى الله عليه وسلم 29 30 بسنده عن الحارث بن حبيش قال: بعثني سعيد بن العاص أيام ولايته على الكوفة من قبل عثمان بهدايا إلى المدينة وبعثني إلى علي (ع) وكتب إليه: إني لم ابعث إلى أحد بأكثر مما بعثت به إليك إلا أشياء في خزائن أمير المؤمنين، قال: فأتيت عليا فأخبرته فقال لشد ما تحظر بنو أمية تراث محمد صلى الله عليه وسلم، أما والله لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب التراب الوذمة، قال أبو جعفر الطبري هذا غلط إنما هو الوذام التربة. (وبسنده) بعث سعيد بن العاص مع ابن أبي عائشة مولاه بصلة إلى علي بن أبي طالب (ع) فقال: والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله بمثل قوت الأرملة والله لئن بقيت لأنفضنها نفض القصاب الوذام التربة، هكذا في هذه الرواية. وفي النهاية قال الأصمعي: سألني شعبة عن هذا الحرف فقلت ليس هو هكذا إنما هو نفض القصاب الوذام التربة.

تفسير الغريب في هذا الخبر

قوله لشد ما تحظر الخ تحظر من الحظر وهو المنع أي لشد ما حازوه ومنعوه غيرهم أو من الحظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه فيمنع ذلك من دخوله، أي لشد ما جعلوا حظيرة على تراثه ومنعونا منه. والضميران في لئن وليتها لأنفضنها يمكن رجوعهما إلى الخلافة أو إلى بني أمية أو بالاختلاف أي لئن وليت الخلافة لأنفضن الخلافة وأنقيها مما دنسها،أو لئن وليت بني أمية لأنفضن بني أمية، والظاهر الوجهان الأولان، ومما فعله لما ولي الخلافة رد قطائع عثمان إلى بيت المال.

(والقصاب) بتشديد الصاد المهملة والرواية قد رويت بوجهين كما سمعت والطبري قال أن روايتها على الوجه الأول غلط من الرواة والصواب الوجه الثاني، وابن الأثير في النهاية تكلف في تفسيرها على الوجه الأول فقال: التراب بكسر التاء جمع ترب بسكون الراء تخفيف ترب بكسرها يريد اللحوم التي تعفرت بسقوطها في التراب، والوذمة المتقطعة الأوذام وهي السيور التي تشد بها عرى الدلو وقيل أراد بالقصاب السبع والتراب أصل ذراع الشاة، والسبع إذا اخذ الشاة قبض على ذلك المكان ثم نفضها فأنت ترى عدم المناسبة بين تفسير التراب وتفسير الوذمة على التفسير الأول والتكلف الظاهر في التفسير الثاني، أما على الوجه الثاني للرواية ففي القاموس الوذمة محركة المعى والكرش جمعها وذام ككتاب والتربة التي سقطت في التراب فان القصاب ينفضها حينئذ لينقيها من التراب. والرواية لما أخطأ فيها بعض الرواة فقلبها تكلف العلماء في تفسيرها بهذه التكلفات.

أخباره المتعلقة بمقتل عثمان

قال الطبري في تاريخه ما حاصله: أنه لما نقم الناس على عثمان ما نقموا، استدعى عماله وفيهم معاوية، فلما خرج معاوية من عند عثمان مر على نفر من المهاجرين فيهم علي وطلحة والزبير فقال إنكم تعلمون أن هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بعث الله نبيه فتفاضلوا بالسابقة والقدمة والجهاد فان أخذوا بذلك فالأمر أمرهم والناس لهم تبع، وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى غيرهم وإن الله على البدل لقادر، واني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك، فقال علي: كنت أرى في هذا خيرا، فقال الزبير: والله ما كان أعظم قط في صدرك وصدورنا منه اليوم، قوله كنت أرى في هذا خيرا أي فبأن لي أنه لا خير فيه، وهذا كلام يقوله من يريد بيان أن الحال الأخيرة أفظع من الأولى ولا يلزمه أنه كان يرى فيه خيرا حقيقة، وقول الزبير ما كان أعظم الخ يريد به أن كلامه تهديد لهم. قال ابن أبي الحديد: من هذا اليوم أنشب معاوية أظفاره في الخلافة لأنه غلب على ظنه قتل عثمان، إلا ترى إلى قوله وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده إلى غيرهم وهو على البدل لقادر، وإنما يعني نفسه ولذا ترب صلى الله عليه وسلم بنصرة عثمان لما استنصره. وقال الواقدي: لما اجلب الناس على عثمان وكثرت القالة فيه خرج ناس من مصر في ألفين وكان هواهم في علي وناس من الكوفة في ألفين وكان هواهم في الزبير، وناس من أهل البصرة ولم يذكر عددهم وكان هواهم في طلحة ومنه يعلم أن تشيع أهل مصر أقدم من تشيع أهل الكوفة وإنما فشا التشيع في الكوفة بعد توطن أمير المؤمنين علي لها فنزل المصريون ذا خشب والعراقيون ذا المروة، وروى الطبري قال: لما نزل المصريون ذا خشب يريدون قتل عثمان أن لم ينزع عما يكرهون، وعلم عثمان ذلك جاء إلى منزل علي فقال: يا ابن عم أن قرابتي قريبة ولي عليك حق وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك وأحب أن تركب إليهم وتردهم عني فان في دخولهم علي وهنا لأمري وجرأة علي، فقال علي على أي شيء أردهم قال على أن أصير إلى ما أشرت به ورأيته لي، فقال علي إني قد كلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك تخرج وتقول وتعد ثم ترجع وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن عامر وعبد الله بن سعد فإنك أطعتهم وعصيتني، فقال عثمان إني اعصيهم وأطيعك، فأمر علي الناس أن يركبوا معه فركب ثلاثون رجلا من المهاجرين والأنصار فاتوا المصريين فكلموهم فكان الذي يكلمهم علي ومحمد بن مسلمة فسمعوا منهما ورجعوا بأصحابهم يطلبون مصر ورجع علي حتى دخل على عثمان فأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع وقال له أن البلاد قد تمخضت عليك ولا آمن أن يجئ ركب من جهة أخرى فتقول لي يا علي اركب إليهم فإن لم افعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك فخرج عثمان فخطب الخطبة التي أعطى الناس فيها من نفسه التوبة وقال لهم أنا أول من اتعظ واستغفر الله عما فعلت وتاب إليه فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم وليذكر كل واحد ظلامته لأكشفها وحاجته لأقضيها والله لأعطينكم الرضا ولأنحين مروان وذويه، فلما نزل وجد مروان وسعدا ونفرا من بني أمية في منزله وقد بلغتهم خطبته فقال مروان أأتكلم أم اسكت فقالت نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان لا بل تسكت فأنتم والله قاتلوه وميتموا أطفاله قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها فقال لها مروان وما أنت وذاك وذم أباها فعرضت بذم أبيه فاعرض عنه عثمان ثم عاد فقال أتكلم أم اسكت فقال تكلم فقال بأبي أنت وأمي والتفدية بالأب والأم لها قيمتها في الخداع والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع ولكنك قلت ما قلت وقد بلغ الحزام الطبيين ما زدت على أن جرأت عليك الناس فقال عثمان أن الفائت لا يرد ولم آل خيرا قال أن الناس قد اجتمعوا ببابك أمثال الجبال قال ما شأنهم قال أنت دعوتهم فهذا يذكر مظلمة وهذا يطلب مالا وهذا يسال نزع عامل قال فاخرج أنت إليهم فكلمهم فاني استحي أن أكلمهم واردهم فخرج مروان إلى الناس فقال ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم جئتم لنهب شاهت الوجوه أتريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا أغربوا عنا وتهددهم فرجع الناس خائبين يشتمون عثمان ومروان واتى بعضهم عليا فأخبره الخبر فاقبل علي على عبد الرحمن بن الأسود الزهري فقال أحضرت خطبة عثمان قال نعم قال أفحضرت مقالة مروان للناس قال نعم فقال أي عباد الله يا لله للمسلمين إني أن قعدت في بيتي قال لي تركتني وخذلتني وإن تكلمت فبلغت له ما يريد جاء مروان يلعب به حتى قد صار سيقة له يسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وصحبة الرسول وقام مغضبا من فوره حتى دخل على عثمان فقال له أما يرضى مروان منك إلا أن يحرفك عن دينك وعقلك فأنت معه كجمل الظعينة يقاد حيث يسار به والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا عقله واني لأراه يوردك ثم لا يصدرك وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لعاتبتك أفسدت شرفك وغلبت على رأيك، ثم نهض، فدخلت نائله بنت الفرافصة فقالت قد سمعت قول علي لك وانه ليس براجع إليك ولا معاود لك وقد أطعت مروان يقودك حيث يشاء، قال فما اصنع؟ قالت تتقي الله وتتبع سنة صاحبيك فإنك متى أطعت مروان قتلك وليس لمروان عند الناس قدر ولا هيبة وإنما تركك الناس لمكانه وإنما رجع عنك أهل مصر لقول علي فأرسل إليه فاستصلحه فان له عند الناس قدما وانه لا يعصى ومنه يعلم أن نائلة وهي امرأة كانت أعقل وانصح لعثمان من مروان فأرسل إلى علي فلم يأته وقال قد أعلمته إني غير عائد. قال الطبري فجاء عثمان إلى منزل علي بمنزله ليلا فاعتذر إليه ووعد من نفسه الجميل وقال إني فاعل واني غير فاعل فقال له علي أبعد ما تكلمت على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيت من نفسك ثم دخلت بيتك فخرج مروان إلى الناس يشتمهم على بابك، فخرج عثمان من عنده وهو يقول خذلتني يا أبا الحسن وجرأت الناس علي فقال علي والله إني لأكثر الناس ذنبا عنك ولكني كلما جئت بشيء أظنه لك رضا جاء مروان بغيره فسمعت قوله وتركت قولي ولم يعد علي إلى نصر عثمان إلى أن منع الماء لما اشتد الحصار عليه فغضب على من ذلك غضبا شديدا وقال لطلحة ادخلوا عليه الروايا فكره طلحة وساءه فلم يزل علي حتى ادخل الماء إليه. وقال ابن أبي الحديد: روى الواقدي والمدائني وابن الكلبي وغيرهم وذكر أبو جعفر الطبري في التاريخ وذكره غيره من جميع المؤرخين أن عليا لما رد المصريين رجعوا بعد ثلاثة أيام فاخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص وقالوا وجدنا غلام عثمان بالموضع المعرف بالتويت على بعير من ابل الصدفة ففتشنا متاعه لأنا استرينا أمره فوجدنا فيه هذه الصحيفة ومضمونها أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل مصر من قبل عثمان بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق وحلق رؤوسهما ولحاهما وحبسهما وصلب قوم آخرين من أهل مصر وقيل أن الذي أخذت منه الصحيفة أبو الأعور السلمي ويمكن أنه كان مصاحبا للغلام وجاء الناس إلى علي وسألوه أن يدخل إلى عثمان فيسأله عن هذه الحال فجاء فسأله فاقسم عثمان بالله ما كتبته ولا علمته ولا أمرت به فقال محمد بن مسلمة صدق، هذا من عمل مروان فقال لا أدري فقال المصريون أفيجترئ عليك ويبعث غلامك على جمل من ابل الصدقة وينقش على خاتمك ويبعث إلى عاملك بهذه الأمور الفظيعة وأنت لا تدري قال نعم فقالوا أن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به بغير حق وإن كنت صادقا استحققت الخلع لضعفك، وكثرت الأصوات واللغط فقام علي واخرج أهل مصر معه وخرج إلى منزله. قال الواقدي وأحاط المصريون والكوفيون والبصريون بعثمان وحصروه وخرج عثمان يوم الجمعة فصلى بالناس وقام على المنبر فقال يا هؤلاء أن أهل المدينة يعلمون إنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطأ بالصواب فقام محمد بن مسلمة فصدقه فأقعده حكيم بن جبلة وقام زيد بن ثابت فأقعده قتيرة بن وهب وثار القوم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه فادخل داره واقبل علي وطلحة والزبير فدخلوا على عثمان يعودونه من صرعته ويتألمون له وعند عثمان نفر من بني أمية منهم مروان بن الحكم فقالوا لعلي لكتنا وصنعت هذا الذي صنعت والله أن بلغت هذا الأمر الذي تريده ليمرن عليك الدنيا فقام مغضبا وخرج الجماعة الذين حضروا معه إلى منازلهم. وروى الطبري أن عمرو بن العاص كان شديد التحريض والتأليب على عثمان وكان يقول والله أن كنت لألقي الراعي فأحرضه على عثمان فضلا عن الرؤساء والوجوه فلما سعر الشر بالمدينة خرج إلى منزله بفلسطين فبينما هو بقصره ومعه ابناه إذ مر به راكب من المدينة فسألوه عن عثمان فقال محصور فقال عمرو أنا أبو عبد الله العير يضرط والمكواة في النار ثم مر بهم آخر فسألوه فقال قتل عثمان فقال عمرو أنا أبو عبد الله إذا نكات قرحة أدميتها ثم أنه حارب عليا مع معاوية طلبا بدم عثمان فكان مجتهدا مأجورا!!. وروى الطبري في تاريخه أن عليا كان في ماله بخيبر لما حصر عثمان فقدم المدينة والناس مجتمعون على طلحة قال كان لطلحة في حصر عثمان اثر فلما قدم علي أتاه عثمان وقال له أن لي حق الإسلام وحق الإخاء والقرابة والصهر ولو لم يكن من ذلك شيء وكنا في جاهلية لكان عارا على بني عبد مناف أن يبتز بنو تيم أمرهم، يعني طلحة، فقال له علي أنا أكفيك ثم خرج إلى المسجد فرأى أسامة بن زيد فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة وهي مملوءة من الناس فقال له يا طلحة ما هذا الأمر الذي صنعت بعثمان فقال يا أبا حسن بعد أن مس الحزام الطبيين فانصرف علي حتى أتى بيت المال فقال افتحوا فلم يجدوا المفاتيح فكسر الباب وفرق ما فيه على الناس فانصرفوا من عند طلحة حتى بقي وحده وسر عثمان بذلك وجاء طلحة إلى عثمان تائبا فقال ما جئت تائبا بل مغلوبا، الله حسيبك وقد ظهر مما مر أن طلحة وعمرو بن العاص كانا من أشد الناس على عثمان وأحرصهم على قتله. وروى الطبري عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال دخلت على عثمان فمر طلحة فقام إليه ابن عديس البلوي فناجاه ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه لا تتركوا أحدا يدخل إلى عثمان ولا يخرج من عنده فقال لي عثمان هذا ما أمر به طلحة اللهم اكفني طلحة فإنه حمل هؤلاء القوم والبهم علي والله لأرجو أن يكون منها صفرا وان يسفك دمه. وقال الطبري أيضا: كان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا فقال ‹ صفحة 443 › طلحة يوما قد تهيا مالك فاقبضه فقال هو لك معونة على مروءتك فلما حصر عثمان قال علي لطلحة أنشدك الله إلا كففت عن عثمان قال لا والله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها فكان علي يقول لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل. وكذلك عائشة كانت تقول في عثمان اقتلوا نعثلا فقد كفر كما رواه الطبري وغيره، ثم حارب طلحة مع أم المؤمنين عليا يوم الجمل طلبا بثار عثمان وكان الباعث لطلحة على التحريض على عثمان الطمع في الخلافة كما كان الباعث لام المؤمنين على ذلك الطمع في الخلافة لقريبها طلحة التيمي كما كان ذلك هو الباعث على طلب ثاره من علي وكان الباعث لعمرو على حرب علي الطمع في إمارة مصر، أو أن الباعث للدلالة على ذلك الاجتهاد الذي يؤجر المخطئ فيه اجرا وأحدا والمصيب أجرين!! لله در مهيار حيث يقول:

وفي شرح نهج البلاغة: أن ابن عباس جاء عليا برسالة من عثمان وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس باسمه للخلافة بعد أن كان سأله من ذلك من قبل فقال يا ابن عباس ما يريد عثمان أن يجعلني إلا جملا ناضحا بالغرب اقبل وأدبر بعث إلي أن اخرج ثم الآن يبعث إلي أن اخرج والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آئما. قال الطبري: كتب عثمان إلى معاوية وابن عامر وأمراء الأجناد يستنجدهم فترب صلى الله عليه وسلم به معاوية وكان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى علي ويطلب إليه أن يرد الناس ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه الإمداد فقال إنهم لا يقبلون التعليل وقد كان مني في المرة الأولى ما كان فقال مروان أعطهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك فإنهم قوم قد بغوا عليك ولا عهد لهم فدعا عليا وقال له قد ترى ما كان من الناس ولست آمنهم على دمي فارددهم عني فاني أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي ومن غيري فقال علي أن الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك وإنهم لا يرضون إلا بالرضا وقد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به فلا تغرر في هذه المرة فاني معطيهم عنك الحق قال أعطهم فوالله لأفين لهم فخرج علي إلى الناس فقال إنكم إنما تطلبون الحق وقد أعطيتموه وأنه منصفكم من نفسه فسأله الناس أن يستوثق لهم وقالوا أنا لا نرضى بقول دون فعل فدخل إليه فأعلمه فقال اضرب بيني وبين الناس أجلا، قال لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد فقال علي أما ما كان بالمدينة فلا أجل فيه وأما ما غاب فاجله وصول أمرك قال نعم فأجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام فأجابه إلى ذلك وكتب بينه وبين الناس كتابا على رد كل مظلمة وعزل كل عامل كرهوه فكف الناس عنه وجعل يتأهب سرا للقتال ويستعد بالسلاح واتخذ جندا فلما مضت الأيام الثلاثة ولم يغير شيئا ثار به الناس وخرج قوم إلى من بذي خشب من المصريين فأعلموهم الحال فقدموا المدينة. قال الطبري ثم أن محاصري عثمان أشفقوا من وصول أجناد من الشام والبصرة تمنعه فحالوا بين عثمان وبين الناس ومنعوه كل شيء حتى الماء فأرسل عثمان سرا إلى علي وإلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إنهم قد منعونا الماء فجاء علي في الغلس فوقف على الناس فوعظهم وقال أن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين أن الفرس والروم لتأسر فتطعم وتسقي فالله الله لا تقطعوا الماء عن الرجل فأغلظوا له وقالوا لا نعم ولا نعمة عين فلما رأى منهم الجد رمى بعمامته إلى دار عثمان يعلمه أنه قد نهض وعاد. قال الطبري: وبقي عثمان ثلاثة أيام لا يدفن ثم أن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم كلما عليا في أن يأذن في دفنه ففعل فلما سمع الناس بذلك قعد له قوم في الطريق بالحجارة وخرج ناس يسير من له ومعهم الحسن بن علي وابن الزبير بين المغرب والعشاء فاتوا به حائطا من حيطان المدينة يعرف بحش كوكب خارج البقيع فصلوا عليه وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه فأرسل علي فمنع من رجم سريره وكف الذين راموا منع الصلاة عليه. وفي نهج البلاغة من خطبة له في معنى قتل عثمان: لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني، وأنا جامع لكم أمره: استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع ولله حكم واقع في المستأثر والجازع. قال ابن أبي الحديد: ظاهر هذا الكلام أنه ما أمر بقتله ولا نهى عنه ولا يجوز أن يحمل هذا الكلام على ظاهره لما ثبت من عصمة دم عثمان ولما ثبت في السير والأخبار أنه كان ينهى عن قتله. وأجاب بحمل النهي على المنع باليد وإنما لم يمنع باليد لأنه غلب على ظنه أنه غير مؤثر فهو قد كان ينهي عنه باللسان، هذا حاصل جوابه، وهو يرجع إلى أنه غير قادر على المنع وهو كذلك لقلة الأنصار وخذلان الأكثر وقوة المحاصرين له وكثرتهم قال ولأجل اشتباه هذا الكلام على السامعين قال كعب بن جعيل شاعر أهل الشام من أبيات:

قال وما قال هذا الشعر إلا بعد أن نقل إلى أهل الشام كلام كثير لعلي في عثمان يجري هذا المجرى كقوله ما ساءني وما سرني وقيل له أرضيت فقال لم أرض فقيل له أسخطت قال لم اسخط. وأما قوله غير أن من نصره الخ فقال: معناه أن خاذليه كانوا خيرا من ناصريه لأن الذين نصروه كان أكثرهم فساقا كمروان بن الحكم وإضرابه وخذله المهاجرون والأنصار.

بيعته بالخلافة

بويع علي (ع) بالخلافة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة على رواية الطبري سنة 35 وكان قتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فكان بين قتله وبيعة علي سبعة أيام، وروى الحاكم في المستدرك بسنده أنه استخلف علي بن أبي طالب سنة خمس وثلاثين وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأشهر. قال الحاكم في المستدرك: اختلفت الروايات وقته فقيل أنه بويع بعد أربعة أيام من قتل عثمان وقيل بعد خمسة وقيل بعد ثلاثة وقيل بويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة قال وأصح الروايات أنه امتنع عن البيعة إلى أن دفن عثمان ثم بويع على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وكان أول من بايعه طلحة فقال هذه بيعة نكث.

روى الحاكم في المستدرك بسنده أنه لما بويع علي بن أبي طالب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر:

وروى فيه بسنده إنها لما جاءت بيعة علي إلى حذيفة قال: لا أبايع بعده إلا أصعر أو أبتر.

قال الطبري: اختلف السلف من أهل السير في بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه، وقال ابن الأثير اختلفوا في كيفية بيعته. أقول: ونحن نذكر ذلك مقتبسا من مجموع ما رواه الطبري وذكره ابن الأثير، وهو أنه لما قتل عثمان اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير فاتوا عليا فقالوا أنه لا بد للناس من أمام، قال لا حاجة لي في أمركم فمن اخترتم رضيت به قالوا ما نختار غيرك وترددوا إليه مرارا وقالوا له في آخر ذلك أنا لا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة ولا أقرب قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعلوا فاني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد، فان بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين، وكان في بيته، وقيل في بعض حيطان المدينة وفي رواية فغشي الناس عليا فقالوا نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام فقال دعوني والتمسوا غيري فانا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول فقالوا ننشدك الله إلا ترى ما نحن فيه ألا ترى الإسلام إلا ترى الفتنة فقال قد أجبتكم واني أن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم. فلما دخل المسجد دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس فكان أول من بايعه طلحة والزبير فنظر حبيب بن أبي ذؤيب إلى طلحة حين بايع فقال أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر وجاءوا بسعد بن أبي وقاص فقال علي: بايع، قال لا أبايع حتى يبايع الناس وجاءوا بابن عمر، فقال مثل ذلك فقال ائتني بكفيل قال لا أرى كفيلا، قال الأشتر دعني أضرب عنقه، قال علي: دعوه، أنا كفيله، إنك ما علمت لسيء الخلق صغيرا وكبيرا. أقول وادعى بعضهم أن طلحة والزبير بايعا مكرهين ولكن النظر الصحيح ينفي ذلك فمن لم يقبل أول الأمر بالبيعة حتى ألحوا عليه إلحاحا شديدا لا يمكن أن يبدأ بيعته بالإكراه ومن لم يكره سعدا وابن عمر عليها وليسا بدون طلحة والزبير مكانة في الناس لا سيما سعد لا يمكن أن يكره طلحة والزبير على البيعة. المتخلفون عن بيعته

في مروج الذهب: قعد عن بيعته جماعة عثمانية وجماعة لم يروا إلا الخروج من الأمر. وفي أسد الغابة: تخلف عن بيعته جماعة من الصحابة فلم يلزمهم بالبيعة وسئل علي عمن تخلف عن بيعته فقال أولئك قعدوا عن الحق ولم ينصروا الباطل، وروى الطبري بسنده عن عبد الله بن الحسن قال بايعت الأنصار عليا إلا نفرا يسيرا منهم وعدهم وقال كانوا عثمانية ونحن نذكر أسماء المتخلفين مأخوذة من مجموع ما ذكره هؤلاء وهم: حسان بن ثابت. كعب بن مالك وكانا شاعرين. مسلمة بن مخلد أو خالد. أبو سعيد الخدري. محمد بن مسلمة حليف بني عبد الأشهل. النعمان بن بشير. زيد بن ثابت. رافع بن خديج. فضالة بن عبيد. كعب بن عجرة. سعد بن أبي وقاص. عبد الله بن عمر. صهيب بن سنان. سلمة بن وقش. أسامة بن زيد. عبد الله بن سلام. قدامة بن مظعون. المغيرة بن شعبة الثقفي. وهبان بن صيفي. قال عبد الله بن الحسن فيما رواه عنه الطبري في العشرة الأول إنهم كانوا عثمانية وقال: أما حسان فكان شاعرا لا يبالي ما صنع وأما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان وبيت المال فلما حصر عثمان قال يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله مرتين فقال أبو أيوب ما تنصره إلا لأنه أكثر لك من العبدان، وأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما اخذ منهم له، وقال المسعودي وبايع ابن عمر يزيد بعد ذلك والحجاج لعبد الملك بن مروان. وقال ابن الأثير: فأما النعمان بن بشير فإنه اخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قطعت وقميص عثمان الذي قتل فيه وهرب فلحق بالشام فكان معاوية يعلق قميص عثمان وفيه الأصابع فإذا رأى ذلك أهل الشام ازدادوا غيظا وجدوا في أمرهم ثم يرفعه فإذا أحس منهم بفتور يقول له عمرو بن العاص حرك لها حوارها تحن فيعلقهما. وقال المسعودي: بعثت أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أخيها معاوية بقمي صلى الله عليه وسلم عثمان مخضبا بدمائه مع النعمان بن بشير الأنصاري. وقال ابن الأثير: وهرب بنو أمية فلحقوا بمكة وجئ بقوم كانوا قد تخلفوا فقالوا نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والتذليل فبايعهم ثم قام العامة فبايعوا. وفي مروج الذهب وأتاه جماعة ممن تخلف عن بيعته من بني أمية منهم سعيد بن العاص. ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة بن أبي معيط فجرى بينه وبينهم خطب طويل، وقال له الوليد أنا لم نتخلف عنك رغبة عن بيعتك لكنا قوم وترنا الناس وخفنا على نفوسنا فعذرنا فيما نقول واضح: أما أنا فقتلت أباه صبرا وضربني حدا، وقال سعيد بن العاص كل أما كثيرا وقال له الوليد أما سعيد فقتلت أباه صبرا وأهنت مثواه وأما مروان فإنك شتمت أباه وكبت عثمان في صنعه إياه. قال وقد ذكر أبو مخنف لوط بن يحيى أن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير قبل نفوذه بالقميص أتوا عليا في آخرين من العثمانية فقال كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين ليس مسيئا من اعتب وخير كفر ما محاه عذر في كلام كثير ثم بايع وبايع من ذكرنا جميعا، قال واتصلت بيعته بالكوفة وغيرها من الأمصار وكان أهل الكوفة أسرع أجابة إلى بيعته وأخذ له البيعة على لها أبو موسى الأشعري حتى تكاثر الناس عليه ولم يتخلف عنه سوى أهل الشام مع معاوية فلم يبايعوه.

وفي إرشاد المفيد: روى الشعبي أنه لما اعتزل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وحسان بن ثابت وأسامة بن زيد أمير المؤمنين وتوقفوا عن بيعته حمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي وإنما الخيار للناس قبل أن يبايعوا فإذا بايعوا فلا خيار لهم وان على الإمام الاستقامة وعلى الرعية التسليم وهذه بيعة عامة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام واتبع غير سبيل له ولم تكن بيعتكم إياي فلتة وليس أمري وأمركم واحد واني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم وأيم الله لا نصحن للخصم ولأنصفن المظلوم وقد بلغني عن سعد وابن مسلمة وأسامة وعبد الله وحسان بن ثابت أمور كرهتها والحق بيني وبينهم. قال الحاكم في المستدرك: أما قول من زعم أن عبد الله بن عمر وأبا مسعود الأنصاري وسعد بن أبي وقاص وأبا موسى الأشعري ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد قعدوا عن بيعته فان هذا قول من يجحد حقيقة تلك الأحوال فاسمع الآن حقيقتها: قال أما عبد الله بن عمرو وروى حديثا مسندا عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه بينما هو جالس مع أبيه إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال يا أبا عبد الرحمن إني والله لقد حرصت أن اتسم بسمتك واقتدي بك في أمر فرقة الناس واعتزل الشر ما استطعت واني اقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها: قول الله عز وجل {وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا أن الله يحب المقسطين}، اخبرني عن هذه الآية فقال عبد الله: ما لك ولذلك انصرف عني، فانطلق حتى توأرى عنا سواده، وأقبل علينا عبد الله بن عمر فقال ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت في أمر هذه الآية إني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل، ثم قال الحاكم: هذا باب كبير قد رواه عن عبد الله بن عمر جماعة من كبار التابعين وإنما اقتصرت على حديث الزهري لأنه صحيح على شرط الشيخين. أقول: قد احتج هذا العراقي على ابن عمر بما لم يستطع رده وما كان ينبغي أن يقول له: ما لك ولذلك، فان هذا إنما يقال لمن يدخل فيما لا يعنيه لا لمن يأمر بمعروف ويرشد إلى م واجب ويحتج بالدليل القاطع والبرهان الساطع بل كان يلزم أن يمدحه ويقول له أصبت وأرشدت لا أن يطرده ويقول: انصرف عني، بل يقول له: مرحبا بك ويعترف أمامه بخطئه كما اعترف أمام جلسائه.

قال الحاكم، وأما ما ذكر من إمساك أسامة بن زيد وذكر حديثا مسندا عن أسامة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية في أناس من أصحابه فاستبقنا أنا ورجل من الأنصار إلى العدو فحملت على رجل فلما دنوت منه كبر فطعنته فقتلته ورأيت أنه إنما فعل ذلك ليحرز دمه فلما رجعنا سبقني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا فارس خير من فارسكم أنا استلحقنا رجلا فسبقني إليه فكبر فلم يمنعه ذلك أن قتله النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أسامة ما صنعت اليوم" فقلت حملت على رجل فكبر فرأيت أنه إنما فعل ليحرز دمه فقتلته فقال: "كيف بعد الله أكبر، فهلا شققت عن قلبه، فلا أقاتل رجلا يقول الله أكبر مما نهاني عنه حتى ألقاه".

قال وأما ما ذكر من اعتزال سعد بن أبي وقاص عن القتال وذكر حديثا مسندا أن سعدا قال له رجل أن عليا يقع فيك انك تخلفت عنه فقال سعد والله أنه لرأي رأيته أخطأ رأيي، أن علي بن أبي طالب أعطي ثلاثا لأن أكون أعطيت أحداهن أحب إلي من الدنيا وما فيها، لقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم: "هل تعلمون إني أولى بالمؤمنين قلنا نعم قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" وجئ به يوم خيبر وهو أرمد ما يبصر فقال يا رسول الله إني أرمد فتفل في عينيه ودعا له فلم يرمد حتى قتل وفتح عليه خيبر واخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس وغيره من المسجد فقال له العباس تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتسكن عليا فقال: "ما أنا أخرجتكم وأسكنته ولكن الله أخرجكم وأسكنه". وأما ما ذكر من اعتزال أبي مسعود الأنصاري وأبي موسى الأشعري فإنهما كانا على الكوفة فأرسل محمد ابنه ومحمد بن أبي بكر لأخذ البيعة فامتنع أبو موسى أن يبايع فبعث إليه عمار بن ياسر والحسن بن علي فعزلاه واستعمل قرظة بن كعب فلم يزل عاملا حتى قدم علي من البصرة فعزله فلما سار إلى صفين استخلف عقبة بن عمرو وأبا مسعود الأنصاري حتى قدم من صفين.

وأما قصة اعتزال محمد بن مسلمة الأنصاري عن البيعة فروي عنه أنه قال يا رسول الله كيف اصنع إذا اختلف المصلون قال: "تخرج بسيفك إلى الحرة فتضربه بها ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة".

قال الحاكم: بهذه الأسباب وما جانس، كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع علي وقتال من قاتله أقول حاصل ما ذكره أن امتناع من امتنع عن بيعته ليس لاعتقادهم عدم ليته للخلافة ولا عنادا بل لشبهة دخلت عليهم. فابن عمر وسعد ظنا إنها فتنة، الأرجح عدم الدخول فيها ثم بان لهما خطؤهما وندما على ترك القتال وعدا أنفسهما مذنبين وأسامة دخلت عليه شبهة عدم جواز قتل من أظهر الإسلام ولم يتفطن للفرق بين المقامين وإنها شبهة واهية وأبو مسعود استخلفه على الكوفة حيث سار إلى صفين فدل على أنه بايع وتاب وانحصر الإصرار والامتناع في أبي موسى. وهذا الذي ذكره الحاكم لا يصلح أن يكون عذرا مبررا لامتناع هؤلاء عن البيعة وقتال أهل البغى، ولا الحاكم أراد أن يعتذر عنهم بذلك إنما أراد بيان حقيقة الحال في قعودهم.

(وروىالطبري) ما حاصله أنه اجتمع إلى علي طلحة والزبير في عدة من الصحابة وطلبوا منه أن يقيم الحد على من شرك في دم عثمان ممن في المدينة وانه ردهم ردا رفيقا فقال يا أخوتاه لست اجهل ما تعلمون ولكن كيف اصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم إعرابكم فهل ترون موضعا لقدرة على ما تريدون قالوا لا ثم طلب منهم الهدوء حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها، واشتد على قريش حال بينهم وبين الخروج، وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية، وتفرق القوم بعضهم يقول لترك هذا الأمر إلى ما قال علي أمثل، وبعضهم يقول أن عليا لمستغن برأيه وأمره عنا ولا نراه إلا سيكون على قريش أشد من غيره. فذكر ذلك لعلي فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم وقيامه دونهم وانه ليس له من سلطانهم إلا ذلك والأجر من الله عز وجل ونادى برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه وقال يا معشر الإعراب الحقوا بمياهكم. وروى الطبري أيضا ما حاصله أن عليا (ع) قال لابن عباس سر إلى الشام فقد وليتكها فلم يقبل واعتذر بالخوف من معاوية قال ولكن اكتب إليه فمنه وعده فأبى علي وقال: والله لا كان هذا أبدا، وان المغيرة بن شعبة أشار على علي بإقرار معاوية وعمال عثمان على أعمالهم فإذا بايعوا له واطمأن الأمر له عزل من أحب وأقر من أحب فأبى عليه وقال: والله لا أداهن في ديني وإلا أعطي الدنئ في أمري قال فانزع من شئت واترك معاوية فان له جرأة وهو في أهل الشام يسمع منه فقال له لا استعمل معاوية يومين أبدا ثم جاءه فأشار عليه بعزلهم فسئل عن ذلك فقال نصحته في الأولى فعصاني فغششته في الثانية وان ابن عباس وافق المغيرة على رأيه وأشار عليه بان يثبت معاوية وقال فان بايع لك فعلي أن اقلعه من منزله فقال والله لا أعطيه إلا السيف ثم تمثل:

وفي هذه الرواية ما يقتضي التأمل: أما إشارة المغيرة عليه أولا بما زعمه نصحا فالمغيرة لم يكن يرجى منه النصح لعلي وكان علي اعرف الناس به ولا يبعد أن يكون غاشا في المقامين وأراد بالإشارة بتثبيت معاوية النصح لمعاوية لا لعلي وبإظهار الموافقة ثانيا التقرب إلى علي ودفع التهمة عن نفسه، فإن عليا إذا أقره لم يكن في استطاعته عزله، ومتى هم بعزله خلعه وطلب بدم عثمان واستطاع استمالة أهل الشام لذلك بما استمالهم به أولا بأنه ولي الدم، مع أن معاوية في دهائه كان يعلم أن عليا إذا ولاه لا بد أن يعزله فلم تكن لتنطلي عليه هذه الحيلة فلو كتب إليه علي عهده على الشام لرد ذلك وقال له ثبت خلافتك أولا وابر من دم عثمان أو سلم إلينا قتلته فلم يكن في ذلك فائدة غير تولية من لا يستجيز علي توليته وبالجملة هذه حال من يريد أن يداهن معاوية ويستفيد من مسالمه أن تثبت له الخلافة والإمرة فيستمر على مداهنته محافظة على ملكه وأمرته كما يفعله اليوم وقبل اليوم من يريد إمارة ونحوها فيداهن ويحابي ويمدح من يستحق الذم ويذم من يستحق المدح ويرتكب ما لا يرضي الله في سبيل المحافظة على الإمرة وعدم الإخلال بها أما أمير المؤمنين (ع) فلم يكن للإمرة عنده شيء من الأهمية وقد صرح بذلك لابن عباس لما كان نازلا بذي قار لما قال له عن النعل إنها خير عنده من أمرتهم إلا أن يقيم حقا أو يدفع باطلا فان قال قائل أن المداراة لا تنافي ذلك بل هي لازمة في الشرع كما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة قلوبهم بل الله تعالى قد فرض لهم نصيبا من الزكاة قلنا كل ذلك ما لم يستلزم ارتكاب محرم أو إخلالا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما كان يصنع مع المؤلفة قلوبهم أجنبي عن ذلك.

أول خطبة خطبها علي (ع) حين استخلف

أول خطبة خطبها حين استخلف فيما رواه الطبري بسنده عن علي بن الحسين: حمد الله وأثنى عليه ثم قال أن الله عز وجل انزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة أن الله حرم حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بما يجب فان النار أمامكم وان من خلفكم الساعة تحدوكم فخففوا تلحقوا اتقوا الله عباد الله في بلاده وعباده إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ثم أطيعوا الله فلا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه اذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الأرض. قال الطبري فلما فرع من خطبته قال المصريون وفي رواية قالت السبائية أي أصحاب عبد الله بن سبأ أقول أن صحت الرواية فالقائل واحد منهم ولا يمكن أن يكون جميعهم فكان الراوي ظن أنه يعبر عن رأيهم:

فقال علي:

ومن مجموع ما تقدم يعلم حراجة موقف علي (ع) وتشعب الأمور عليه وانه ساسها بحكمة وسياسة رشيدة لا يمكن لأحد يريد أن يجمع بين رضا الله وسياسة الخلافة والإمرة أن يأتي بأحسن منها وأوفق بالمصلحة بل ولا بمثلها فالشورى كانت قد غرست في نفس طلحة والزبير وغيرهما إنهما أهل للخلافة وطمحت بذلك نفوسهما إلى مساماة علي ومبجراته فيها والأحداث التي وقعت في زمن عثمان كانت أثرت في النفوس والأخلاق أثرها وحساد علي ومنافسوه وأصحاب الثارات والدماء التي رقها في سبيل توطيد الإسلام لم يزالوا باقين وعدوه الألد معاوية متمكن من الشام قد حكمها واستوطنها أعو أما عديدة وعرف أخلاق لها وعلم من أين تؤكل الكتف، وقتل عثمان كان قد فتح بابا واسعا لمن يريد الفتن والوصول إلى أما أهل ما كان يحلم بها وكانت بسببه الآراء قد تشعبت والقلوب قد تنافرت وصار الناس أحزابا وفرقا وتمهدت السبيل لكل ذي غاية وغرض وقد أشار إلى بعض ذلك أمير المؤمنين (ع) بقوله في كلامه المتقدم: أنا مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان الخ.

ومع ذلك فقد ساس الأمة سياسة بهرت العقول واستعمل المداراة والشدة واللين كلا في محله حيث لا يخل بشيء من طريقته ومنهجه.

خطبة أخرى له بعد استخلافه

قال ابن أبي الحديد: روى ابن الكلبي بسند يرفعه إلى أبي صالح عن ابن عباس أن عليا خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال أن كل قطيعة اقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال فان الحق القديم لا يبطله شيء ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرق في البلدان لرددته إلى حاله فان في العدل سعة ومن ضاق عنه الحق فالجور أضيق قال ابن أبي الحديد: وقد كان عثمان اقطع كثيرا من بني أمية وغيرهم من أوليائه وأصحابه قطائع من أرض الخراج وأسقط عنهم خراجها وقد كان عمر اقطع قطائع لكن لأرباب الغناء في الحرب وعثمان اقطعها صلة لرحمه من غير غناء في الحربوفي مروج الذهب وانتزع علي أملاكا كانت لعثمان اقطعها جماعة من المسلمين وقسم ما في بيت المال على الناس ولم يفضل أحدا على أحد.

إرسال أمير المؤمنين (ع) عماله إلى الأمصار

قال الطبري وابن الأثير: لما دخلت سنة 36 فرق علي عماله فبعث عثمان بن حنيف على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وكانت له هجرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد بن عبادة على مصر وسهل بن حنيف على الشام ومخنف بن سليم على أصبهان وهمذان ف أما سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقالوا من أنت قال أمير قالوا على أي شيء قال على الشام قالوا أن كان بعثك عثمان فحيهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع قال أوما سمعتم بالذي كان قالوا بلى فرجع إلى علي وأما قيس بن سعد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل فقالوا له من أنت قال من قتلة عثمان فانا اطلب من آوي إليه فانتصر به لله قالوا من أنت قال قيس بن سعد قالوا امض فمضى حتى دخل مصر فافترق أهل مصر فرقا فرقة دخلت في الجماعة فكانوا معه وفرقة اعتزلت بخربتا بخرنبا ابن الأثير وقالوا أن قتل قتلة عثمان فنحن معكم وإلا فنحن على جديلتنا حتى نحرك أو نصيب حاجتنا وفرقة قالوا نحن مع علي ما لم يقد إخواننا وهم في ذلك مع الجماعة وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك. وأما عثمان بن حنيف فسار فلم يرده أحد عن دخول البصرة ولم يجد لابن عامر في ذلك رأيا ولا استقلالا بحرب وعبد الله بن عامر كان عامل عثمان عليها وافترق الناس بها فاتبعت فرقة القوم ودخلت فرقة في الجماعة وفرقة قالت ننظر ما يصنع أهل المدينة وأما عمارة بن شهاب فلما بلغ زبالة لقيه طليحة بن خويلد وكان خرج يطلب بثار عثمان فقال له ارجع فان القوم لا يريدون بأميرهم بدلا فان أبيت ضربت عنقك فرجع عمارة إلى علي بالخبر وكان عامل عثمان على الكوفة أبو موسى الأشعري على الصلاة وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع يعلى بن منية وعامل عثمان على صنعاء كل شيء من الجبانة وخرج به على حاميته إلى مكة فقدمها بالمال ودخل عبيد الله اليمن. وكتب علي إلى أبي موسى فكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم وبين الكاره منهم للذي كان والراضي به حتى كان علي كأنه يشاهدهم. وكتب علي إلى معاوية مع سبرة الجهني أما بعد فان الناس قد قتلوا عثمان عن غير مشورة مني وبايعوني بمشورة منهم واجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لي وأوفد إلى أشراف أهل الشام قبلك. فلم يجبه معاوية بشيء وكلما يتنجز سبرة جوابه لم يزده على قوله:

حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية رجلا من بني عبس يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه من معاوية إلى علي وقال له إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثم أوصاه بما يقول وأعاد رسول علي معه فقدما المدينة في ربيع الأول فدخلها العبسي كما أمره قد رفع الطومار فتبعه الناس ينظرون إليه وعلموا أن معاوية معترض، ودخل الرسول على علي فدفع إليه الطومار ففض ختمه فلم يجد فيه كتابا، فقال للرسول ما وراءك؟ قال آمن أنا؟ قال نعم أن الرسول لا يقتل، قال تركت قوما لا يرضون إلا بالقود، قال ممن؟ قال من خيط رقبتك، وتركت ستين ألف شيخ تبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق، قال أمني يطلبون دم عثمان ألست موتورا كترة عثمان؟ اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله فإنه إذا أراد أمرا أصابه، اخرج فخرج العبسي. وقال ابن أبي الحديد: أن معاوية كتب مع العبسي إلى الزبير بن العوام: لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك أما بعد فاني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الحلب فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليهما ابن أبي طالب فإنه لا شيء بعد هذين المصرين وقد بايعت لطلحة من بعدك فاظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير أظفركما الله وخذل مناويكما فلما وصل الكتاب إلى الزبير سر به وأقرأه طلحة فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية واجمعا عند ذلك على خلاف علي وانطلت عليهما الحيلة. وأحب أهل المدينة أن يعلموا رأي علي في معاوية وقتاله أهل القبلة فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعا إلى علي فدخل عليه فجلس فقال له علي يا زياد تهيا فقال لأي شيء فقال لغزو الشام فقال زياد الرفق والأناة أمثل وقال:

فتمثل علي وكأنه لا يريده:

فخرج زياد والناس ينتظرونه فقالوا ما وراءك؟ قال: السيف يا قوم ودعا علي محمد بن الحنيفة فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس ميمنته وعمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ميسرته وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح واستخلف على المدينة قثم بن العباس ولم يول ممن خرج على عثمان أحدا وكتب إلى قيس بن سعد وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى أن يندبوا الناس إلى أهل الشام. قال الطبري وأقبل علي على التهيؤ والتجهيز لغزو الشام وخطب أهل المدينة فقال:

إن الله عز وجل بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلا هالك وإن المبتدعات والشبهات هن المهلكات إلا من حفظ الله وإن في سلطان الله عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوية ولا مستكره بها والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأزر الأمر إليها انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون أن يفرقوا جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق.

ثم جاءه خبر خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة فترك ما كان عزم عليه من الخروج إلى الشام وذهب إلى البصرة قال المسعودي: كان عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه عنه وتوليته مصر غيره فنزل الشام فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي كتب إلى معاوية يهزه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان وكان فيما كتب به إليه ما كنت صانعا إذا قشرت من كل شيء تملكه فاصنع ما أنت صانع وكان هذا اجتهادا منهما لوجه الله تعالى يثابان عليه ولو سبب الفتنة وقتل الألوف من المسلمين!!.

حرب الجمل

في جمادي الثانية سنة 36. في شرح النهج: روى المدائني في كتاب الجمل قال لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بسرف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت بعدا لعثمان وسحقا أيه ذا الإصبع أيه أبا شبل إيه يا ابن عم لكأني انظر إلى إصبعه وهو يبايع له حثوا الإبل ودعدعوها قال وقال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول إيه ذا الإصبع لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا فلما انتهت إلى سرف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له ما عندك قال قتل عثمان قالت ثم ما ذا قال ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار بايعوا عليا فقالت لوددت أن السماء انطبقت على الأرض أن تم هذا ويحك انظر ما ذا تقول قال هو ما قلت لك يا أم المؤمنين فولولت فقال لها ما شأنك يا أم المؤمنين والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته فلما ذا تكرهين ولايته قال فما ردت علي جوابا قال وقد روي من طرق مختلفة أنه لما بلغها قتله وهي بمكة قالت أبعده الله قال وروى قيس بن أبي حازم إلى أن قال ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة ورأيتها في مسيرها إلى مكة تخاطب نفسها قتلوا ابن عفان مظلوما فقلت لها يا أم المؤمنين ألم أسمعك آنفا تقوليه أبعده الله وقد رأيتك قبل أشد الناس عليه وأقبحهم فيه قولا فقالت لقد كان ذلك ولكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه. وقال ابن الأثير أن عائشة كانت خرجت إلى مكة وعثمان محصور ثم خرجت من مكة تريد المدينة قال الطبري فيما رواه بسنده وذكره ابن الأثير أيضا فلما كانت بسرف لفيها رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد أو عبد بن أبي سلمة وهو ابن أم كلاب فقالت له مهيم قال قتل عثمان وبقوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ما ذا قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على بيعة علي فقالت ليت هذه انطبقت على هذه أن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ولم والله أن أول من أما أهل حرفه لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب:

فدخلت مكة وقصدت الحجر فسترت فيه فاجتمع الناس حولها فقالت أيها الناس أن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما بالأمس ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه وقد استعمل أمثالهم قبله ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام والله لإصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخل صلى الله عليه وسلم منه كما يخل صلى الله عليه وسلم الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يما صلى الله عليه وسلم الثوب بالماء أي يغسل فقال عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة ها أنا أول طالب فكان أول مجيب وتبعه بنو أمية على ذلك وكانوا هربوا من المدينة إلى مكة بعد قتل عثمان ورفعوا رؤوسهم وتبعهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية وقدم عليهم عبد الله بن عامر بن كريز من البصرة بمال كثير ويعلى بن أمية وهو ابن منية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم فأناخ بالأبطح. وروى الطبري بسنده عن عبيد بن عمر القرشي قال قدم عليها مكة رجل يقال له أخضر فقالت ما صنع الناس فقال قتل عثمان المصريين قالت أنا لله وأنا إليه راجعون أيقتل قوما جاءوا يطلبون الحق وينكرون الظلم والله لا نرضى ثم قدم آخر فقالت ما صنع الناس قال قتل المصريون عثمان قالت العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القائل. وطلب طلحة والزبير من علي أن يوليهما المصرين البصرة والكوفة فقال بل تقيما معي فاني لا استغني عن رأيكما وقيل استشار ابن عباس فلم يشر به قال ابن أبي الحديد فاستأذناه في العمرة فقال لهما ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث البيعة يريدان وما رأيهما غير العمرة قال فأعيدا البيعة لي ثانية فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق فإذن لهما فلما خرجا قال والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتلان فيها قالوا يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك قال ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وقدم طلحة والزبير من المدينة فلقيا عائشة فقالت ما وراءكما فقالا أنا تحملنا هرابا من المدينة من غوغاء وإعراب وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم فأمرتهم عائشة بالخروج إلى المدينة فقالوا نأتى الشام فقال ابن عامر قد كفاكم الشام معاوية فائتوا البصرة فان لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى قالوا قبحك الله فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب فهلا أقمت كما أقام معاوية فنكفى بك ثم نأتي الكوفة فتسد على هؤلاء القوم المذاهب فاستقام الرأي على البصرة وقال لها طلحة والزبير نأتي أرضا قد ضاعت منا وصارت إلى علي وسيحتجون علينا ببيعتنا له ويتركوننا إلا أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت في مكة. وكان علي (ع) بعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي فجاء به فدعاه إلى الخروج معه فقال إنما أنا من أهل المدينة فان يخرجوا أخرج وإن يقعدوا اقعد قال فاعطني كفيلا قال لا أفعل فقال له علي لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا لأنكرتني دعوه فانا كفيله وخرج ابن عمر من تحت ليلته إلى مكة فدعوه ليسير معهم فأبى. وجاءت عائشة إلى أم سلمة فطلب إليها أن تخرج معها إلى البصرة مع علمها بميل أم سلمة إلى علي وظنها القوي بأنها لا تجيبها إلى ذلك لكن حب الشيء والحرص عليه يدعو إلى التوسل لحصوله ولو بالأمور المستبعد حصولها. عن المفيد في كتاب الاختصاص عن محمد بن علي بن شاذان عن أحمد بن يحيى النحوي أبي العباس ثعلب عن أحمد بن سهل عن يحيى بن محمد بن إسحاق بن

موسى عن أحمد بن قتيبة عن عبد الحكم القتيبي عن أبي كيسبة ويزيد بن رومان قالا: لما أجمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت أم سلمة وكانت بمكة فقالت يا ابنة أبي أمية كنت كبيرة أمهات المؤمنين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقمؤ في بيتك وكان يقسم لنا في بيتك وكان ينزل عليه الوحي في بيتك قالت لها يا ابنة أبي بكر لقد زرتني وما كنت زواره ولأمر ما تقولين هذه المقالة قالت إن ابني وابن أختي أخبراني إن الرجل قتل مظلوما وأن بالبصرة مائة ألف سيف يطاوعون فهل لك إن أخرج أنا وأنت لعل الله يصلح بنا بين فئتين متناجزتين أو قالت متناحرتين فقالت يا ابنة أبي بكر أبدم عثمان تطلبين فلقد كنت أشد الناس عليه وإن كنت لتدعينه بالنبز أم أمر ابن أبي طالب تنقضين فقد بايعه المهاجرون والأنصار انك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته وحجابه مضروب على حرمه وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن وسكني خ أهل عقيراك فلا تضحي بها أو فلا تصحريها الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانك ولو أراد إن يعهد إليك علت علت بل قد نهاك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفراطة أو الفرطة في البلاد إن عمود الإسلام لا ترأبه النساء إن انثلم ولا يشعب بهن إن انصدع حماديات النساء غض الأطراف وخفر الأعراض وقصر الوهازة وما كنت قائلة لو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض لك عارضك خ أهل ببعض الفلوات وأنت ناصة قلوصا من منهل إلى آخر إن يعين الله مهواك وعلى رسوله تردين وقد وجهت سدافته وتركت عهيداه أقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت إن ألقى محمدا هاتكة حجابا قد ضربه علي اجعلي حصنك بيتك ووقاعة الستر قبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع ما تكونين لله ما لزمته وانصر ما تكونين للدين ما جلست عنه. ثم قالت لو ذكرتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا في علي لنهشت بها نهش الرقشاء المطرقة ذات الخبب أتذكرين إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا فاقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من قديد ومعه علي يحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك رسول الله معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك فقلت بأنك هجمت عليهما فقلت له يا علي إنما لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم من تسعة أيام وقد شغلته عني فأخبرتني أنه قال لك أتبغضينه فما يبغضه أحد من لي ولا من أمتي إلا خرج من الإيمان أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت نعم. قالت ويوم تبدلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلبست ثيابي ولبست ثيابك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى جنبك فقال أتظنين يا حميراء إني لا أعرفك أما إن لأمتي منك يوما مرا أو يوما احمر أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت نعم، قالت ويوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبوك وصاحبه يستأذنان فدخلنا الخدر فقالا يا رسول الله أنا لا ندري قدر مقامك فينا فلو جعلت لنا إنسانا نأتيه بعدك قال أما إني أعرف مكانه واعلم موضعه ولو أخبرتكم به لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن عيسى بن مريم فلما خرجت إليه أنا وأنت وكنت جريئة عليه فقلت من كنت جاعلا لهم فقال خاصف النعل وكان علي بن أبي طالب يصلح نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تخرقت ويغسل ثوبه إذا اتسخ فقلت ما أرى إلا عليا فقال هو ذاك أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت نعم، ما اقبلني لوعظك واسمعني لقولك فان اخرج ففي غير حرج وإن اقعد ففي غير باس وحرج، فخرج رسولها فنادى في الناس من أراد إن يخرج فان أم المؤمنين غير خارجة فدخل عليها عبد الله بن الزبير فنفث في أذنها وفتلها في الذروة والغارب فخرج رسولها ينادي من أراد إن يسير فليسر فان أم المؤمنين خارجة فلما كان من ندمها أنشأت أم سلمة تقول:

وروي الطبرسي في الاحتجاج محاورة أم سلمة مع عائشة بطريقين نحوا مما ذكرناه من أرادهما فليرجع إليه والطريق الثاني عن الصادق (ع) وأورد الأبيات بتفاوت فقال:

فقالت لها عائشة شتمتني يا أخت فقالت لها أم سلمة ولكن الفتنة إذا أقبلت غطت على البصيرة وإذا أدبرت أبصرها العاقل والجاهل. وأورد ابن أبي الحديد في شرح النهج هذه المحاورة نقلا عن أبي مخنف نحو ذلك. وطلبوا من حفصة المسير معهم إلى البصرة فأجابتهم فمنعها أخوها عبد الله بن عمر. وجهزهم يعلى بن منية بالستمائة بعير والستمائة ألف درهم التي معه وجهزهم ابن عامر بمال كثير. قال ابن الأثير: ونادى مناديها إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن أراد إعزاز الإسلام وقتل المحلين والطلب بثار عثمان وليس له مركب وجهاز فليأت فحملوا ستمائة على ستمائة بعير. وأعطى يعلى بن منية عائشة جملا اسمه عسكر اشتراه بثمانين دينارا فركبته وقيل اشتروه من رجل من عرينة أعطوه ناقة لها مهربة وزادوه أربعمائة أو ستمائة درهم. وساروا في ستمائة وقيل تسعمائة وقيل ألف من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان ومروان بن الحكم وسائر بني أمية. قال الطبري وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكان يصلي بهم في الطريق والبصرة حتى قتل قال فتركت الطريق ليلة وتيامنت عنها كأنهم سيارة ونجعة مساحلين لم يدن أحد منهم من المنكدر ولا واسط ولا فلج حتى أتوا البصرة في عام خصب وتمثلت:

وبعثت أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب بكتاب إلى أمير المؤمنين (ع) تخبره الخبر مع رجل من جهينة اسمه ظفر استأجرته على إن يطوي المنازل فأتاه بكتابها. فلما جازوا بئر ميمون إذا هم بجزور قد نحرت ونحرها يثعب فتطيروا. وأذن مروان حين فصل من مكة ثم جاء فقال على أيكما أسلم بالأمرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد فأرسلت عائشة إلى مروان أتريد إن تفرق جرنا، ليصل ابن أختي فكان يصلي بهم عبد الله بن الزبير ومر إنها أمرت غيره، فكان بعضهم يقول لو ظفرنا لاقتتلنا. وروى الطبري بسنده عن المغيرة بن الأخنس قال لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال أين تذهبون وثاركم على إعجاز الإبل قال ابن الأثير يعني عائشة وطلحة والزبير اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم قالوا بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا. وإلى ذلك يشير مهيار بقوله في لاميته الطويلة:

فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر قالا لأحدنا أينا اختاره الناس قال بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه قالا ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم قال فلا أراني أسعى لأخرجهما من بني عبد مناف فرجع ورجع معه جماعة. قال الطبري. وتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الإسلام فلم ير يوم كان أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم فكان يسمى يوم النجيب ولم يبين إنهم لما ذا تبعوها ومن أي شيء بكوا على الإسلام. ولما بلغ عليا (ع) نكث طلحة والزبير بيعته واجتماعهم مع عائشة على التأليب عليه خطب بالمدينة على ما في إرشاد المفيد ناسبا له إلى حفظ العلماء عنه فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فان الله بعث محمدا للناس كافة وجعله رحمة للعالمين فصدع بما أمر به وبلغ رسالات ربه فلما به الصدع ورتق به الفتق وآمن به السبل وحقن به الدماء وألف به بين ذوي الإحن والعداوة والوغر في الصدور والضغائن الراسخة في القلوب ثم قبضه الله إليه حميدا وكان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة فتولى أبو بكر وبعده عمر ثم تولى عثمان فلما كان من أمره ما عرفتموه أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لا أفعل فقلتم بلى فقلت لا وقبضت يدي فبسطتموها ونازعتكم فجذبتموها حتى تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم وردها حتى ظننت إنكم قاتلي وان بعضكم قاتل بعضا فبسطت يدي فبايعتموني مختارين وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ثم لم يلبثا إن استأذناني في العمرة والله يعلم إنهما أرادا الغدرة فجددت عليهما العهد في الطاعة وان لا يبغيا الأمة الغوائل فعاهداني ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي ونقضا عهدي فعجبا لهما من انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين ولو شئت إن أقول لقلت اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي وصغرا من أمري وظفرني بهما. وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أبي مخنف في كتاب الجمل إن عليا خطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عائشة يريدون البصرة فقال: أيها الناس إن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه أما طلحة فابن عمها وأما الزبير فختنها والله لو ظفروا بما أرادوا ولن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد والله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه حتى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة، إلى إن قال: ورب عالم قتله جهله ومعه علمه لا ينفعه حسبنا الله ونعم الوكيل فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية أين المحتسبون أين المؤمنون ما لي ولقريش أما والله لقد قتلتهم كافرين ولأقتلنهم مفتونين وما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا والله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته فقل لقريش فلتضج ضجيجها، ثم نزل. قال ابن الأثير: ولما بلغ عليا خروجهم إلى العراق دعا وجوه أهل المدينة فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح أوله فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم فتثاقلوا فلما رأى زياد بن حنظلة تثاقلهم قال له من تثاقل عنك فأنا نخف معك فنقاتل دونك وقام رجلان صالحان من أعظم الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وهو بدري وخزيمة بن ثيت قيل ذو الشهادتين وقيل غيره لأن ذا الشهادتين مات أيام عثمان فأجابا إلى نصرته وقال أبو قتادة الأنصاري لعلي يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلدني هذا السيف وقد أغمدته زمانا وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لا يألون الأمة غشا وقالت أم سلمة يا أمير المؤمنين لولا إن اعصي الله وانك لا تقبله مني لخرجت معك وهذا ابني عمر وهو والله أعز علي من نفسي يخرج معك ويشهد مشاهدك فخرج معه ولم يزل معه واستعمله على البحرين. واستخلف علي على المدينة تمام بن العباس وقيل سهل بن حنيف وعلى مكة قثم بن العباس، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل وهو يرجو إن يدركهم فيردهم قبل وصولهم إلى البصرة أو يوقع بهم وسار من المدينة في تعبيته التي تعباها لأهل الشام آخر ربيع الأول سنة 36 حتى انتهى إلى الربذة فأتاه الخبر بأنهم سبقوه.

قال المفيد: لما نزل أمير المؤمنين (ع) الربذة لقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه، وهو في خبائه، قال ابن عباس: فأتيته فوجدته يخصف فعلا فقلت له: نحن إلى إن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصلح فلم يكلمني حتى فرع من نعله ثم ضمها إلى صاحبتها وقال لي قومهما، فقلت ليس لهما قيمة، قال: على ذاك، قلت: كسر درهم قال: والله لهم أحب إلي من أمركم هذا إلا إن أقيم حقا أو أدفع باطلا. قلت إن الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لي إن أتكلم فإن كان حسنا كان منك وإن كان غير ذلك كان مني قال: لا، أنا أتكلم، ثم وضع يده على صدري وكان شنن الكفين فالمني ثم قام فأخذت بثوبه وقلت نشدتك الله والرحم، كأنه خاف إن يتكلم بما ينفر الحاج قال: لا تنشدني ثم خرج فاجتمعوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله بعث محمدا وليس في العرب أحد يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة فساق الناس إلى منجاتهم أما والله ما زلت في ساقتها ما غيرت ولا بدلت ولا خنت حتى تولت بحذافيرها ما لي ولقريش أما والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين وان مسيري هذا عن عهد إلي فيه أما والله لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته ما تنقم منا قريش إلا إن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا وانشد: أدمت لعمري شربك المحض خالصا وأكلك بالزبد المقشرة البجرا

وأرسل علي (ع) إلى المدينة فأتاه ما يريد من دابة وسلاح وأتاه وهو بالربذة جماعة من طيء فقيل له هذه جماعة قد أتتك منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك قال جزى الله كليهما خيرا وفضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ثم سار من الربذة وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمد بن الحنفية وعلى الميمنة عبد الله بن العباس وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة وعلي على ناقة حمراء يقود فرسا كميتا حتى نزل بفيد فاتته أسد وطئ فعرضوا عليه أنفسهم فقال الزموا قراركم في المهاجرين كفاية.

وسارت عائشة ومن معها حتى مروا بماء يدعى الحوأب فنبحتهم كلابه فقالوا أي ماء هذا؟ قيل هذا ماء الحوأب، فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ثم قالت والله صاحبة كلاب الحوأب طرقوا، ردوني تقولها ثلاثا، فأناخت وأناخوا حولها يوما وليلة فقال لها عبد الله بن الزبير أنه كذب وجاءوا لها بأربعين رجلا وقيل بخمسين من الأعراب رشوهم فشهدوا إن هذا ليس بماء الحوأب. قال أبو مخنف فقال لها قائل مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب قالت فهل من شاهد فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها إن هذا ليس بماء الحوأب فسارت وكانت أول شهادة زور أقيمت في الإسلام: وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أم سلمة قالت ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال انظري يا حميراء إن لا تكوني أنت الحديث (وبسنده) عن قيس بن أبي حازم لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت أي ماء هذا قالوا الحوأب قالت ما أظنني إلا راجعة فقال الزبير لا تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم قالت ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب. قال الطبري ولم يزل بها عبد الله بن الزبير وهي تمتنع فقال لها النجاء قد أدرككم علي بن أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة فلما كانوا قريبا منها أرسلت عبد الله بن عامر بن كريز الذي كان أميرا على البصرة من قبل عثمان وله فيها صنائع فاندس إلى البصرة وكتبت إلى الأحنف بن قيس وجماعة من وجوه البصرة وأقامت بالحفير تنتظر الجواب ولما بلغ ذلك عثمان بن حنيف أمير البصرة من قبل علي (ع) أرسل إليها عمران بن حصين وكان رجل عامة وأبو الأسود الدؤلي وكان رجل خاصة فانتهيا إليها بالحفير فأذنت لهما فدخلا وسلما وسألاها عن مسيرها فقالت ما مثلي يغطي لبنيه الخبر إن الغوغاء ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل المسلمين بلا ترة ولا عذر فسفكوا الدم الحرام وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء وما الناس فيه وراءنا وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة وقرأت: لا خير في كثير من نجواهم الآية فهذا شاننا إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه. فخرجا من عندها واتيا طلحة فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان قالا ألم تبايع عليا قال بلى والسيف على عنقي وما استقبل عليا البيعة إن لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان فأتيا الزبير فقالا له مثل ذلك فأجابهما بمثل قول طلحة ورجعا إلى عثمان، ونادى مناديها بالرحيل، فدخلا على عثمان فقال أبو الأسود:

#وابرز لهم مستلئما وشمر

فقال عثمان: أنا لله وأنا إليه راجعون دارت رحى الإسلام ورب الكعبة، فقال عمران: لتعركنكم عركا طويلا، قال فأشر علي، قال اعتزل فاني قاعد، قال بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين، فانصرف عمران إلى بيته وقام عثمان في أمره. وقال أبو مخنف: لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها قالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك إن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك وليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء وان عليا لأولى بعثمان منك أمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف قالت لست منصرفة حتى امضي لما قدمت له أفنظن يا أبا الأسود إن أحدا يقدم على قتالي قال أما والله لتقاتلن قتالا وإنه الشديد ثم قام فأتى الزبير فقال يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان فقال أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده مصرا على الحرب والفتنة فرجع إلى عثمان بن جنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها فأتاه هشام بن عامر فخوفه عاقبة الحرب وقال أرفق بهم وسامحهم حتى يأتي أمر علي فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بلبس السلاح فاجتمعوا إلى المسجد وأمرهم بالتجهيز وأراد عثمان إن يعرف ما عند الناس فدس إليهم رجلا خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال أيها الناس إن هؤلاء القوم الذين جاءوكم إن كانوا جاءوكم خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيها الطير وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا فقام الأسود بن سريع السعدي فقال إنما أتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا فحصبه الناس فعرف عثمان إن لهم بالبصرة ناصرا فكسره ذلك وأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد وخرج إليها من أهل البصرة من أراد إن يكون معها ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وتكلم طلحة فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله وما استحل منه ودعا إلى الطلب بدمه وحث عليه وكذلك الزبير فقال أصحابهما صدقا وبرا وأمرا بالحق وقال أصحاب ابن حنيف فجرا وغدرا وأمرا بالباطل بايعا عليا ثم جاءا يقولان ما يقولان وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا، فخطبت عائشة وكانت جهورية الصوت، فحمدت الله وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبرنا عنهم فننظر في ذلك فنجده برا تقيا وفيا ونجدهم فجرة غدرة كذبة فلما قووا كاثروه واقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر، إلا مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله، وقرأت: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} الآية فافترق أصحاب ابن حنيف فرقتين: فرقة قالت صدقت وبرت، وقال آخرون كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به فتحاثوا وتحاصبوا فلما رأت عائشة ذلك انحدرت ومال بعض أصحاب ابن حنيف إلى عائشة وبقي بعضهم معه. قال الطبري وابن الأثير: واقبل جارية بن قدامة السعدي فقال يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان ون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلام انه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمك انه من رأى قتالك يرى قتلك إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس. وخرج غلام من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال أرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا لا قال فما أنا منكم في شيء واعتزل وقال في ذلك:

واقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة رماحهم وامسكوا ليمسك حكيم وأصحابه فلم ينته وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها ويقول:

واقتتلوا على فم السكة وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوى فرموا الآخرين بالحجارة. وحجر الليل بينهم ورجع عثمان إلى القصر واتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون وبات الناس يأتونهم واجتمعوا بساحة دار الرزق وأصبح عثمان بن حنيف فناداهم وغدا حكيم بن جبلة فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا إلى الزوال وكثر القتل في أصحاب ابن حنيف وكثر الجراح في الفريقين فلما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا فكتبوا بينهم كتابا على إن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسال لها فإن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة خرج ابن حنيف عن البصرة وإلا خرج عنها طلحة والزبير وأرسلوا كعب بن سور إلى المدينة يسألهم فلم يجبه أحد إلا أسامة بن زيد فقال لم يبايعا إلا وهما كارهان، فأمر به تمام بن العباس فواثبه سهل بن حنيف والناس، وثار صهيب وأبو أيوب الأنصاري في عدة فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا إن يقتل أسامة واخذ صهيب أسامة إلى منزله ورجع كعب وبلغ عليا الخبر فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجزه ويقول والله ما أكرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فان كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظروا فقدم الكتاب على عثمان وقدم كعب بن سور فأرسلوا إلى عثمان ليخرج فاحتج بالكتاب وقال هذا أمر آخر غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح وندى ومطر ثم قصد المسجد فوافيا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان بن حنيف فقدما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط والسبابجة السلاح ثم وضعوه فيهم فاقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا السبابجة وهم أربعون رجلا فادخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما فوطئوه بإقدامهم فأرسلوا إلى عائشة فقالت أطلقوه وقيل بل قالت اقتلوه فقالت لها امرأة نشدتك الله في عثمان وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت احبسوه وقال لهم مجاشع بن مسعود اضربوه وانتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه فضربوه أربعين سوطا ونتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه ودخلوا القصر وأخرجوا منه الحرس الذين كانوا مع عثمان وكانوا يتعقبون حرس عثمان في كل يوم وفي كل ليلة أربعون. قال الطبري فيما رواه: كتبت عائشة لما قدمت البصرة إلى زيد بن صوحان بالكوفة: من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فأقدم فانصرنا على أمرنا هذا فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة أما بعد فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت بيتك وإلا فأنا أول من نابذك. قال زيد بن صوحان رحم الله أم المؤمنين أمرت إن تلزم بيتها وأمرنا إن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه.

وقيل في اخذ ابن حنيف غير هذا وهو انه لما قدمت عائشة ومن معها البصرة قال لهم عثمان بن حنيف ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع قال فان الرجل أمرني فاكتب إليه فاعلمه ما جئتم له على إن أصلي أنا بالناس حتى يأتينا كتابه فوقفوا عنه فكتب فلم يلبث إلا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند مدينة الرزق فظفروا به وأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه وضربوه وحبسوه وأصبح طلحة والزبير بعد اخذ ابن حنيف وبيت المال والحرس في أيديهما فجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر والناس معهما ومن لم يكن معهما استتر، وقام طلحة والزبير خطيبين فقالا يا أهل البصرة توبة لحربة إنما أردنا إن نستعتب أمير المؤمنين عثمان فغلب السفهاء الحلماء فقتلوه، فقال الناس لطلحة يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا فقال الزبير هل جاءكم مني كتاب في شانه ثم ذكر قتل عثمان وأظهر عيب علي فقام إليه رجل من عبد القيس فقال يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لكم بذلك فضل ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعتم رجلا منكم فرضينا وسلمنا ولم تستأمرونا في شيء ثم مات واستخلف عليكم رجلا فلم تشاورونا فرضينا وسلمنا فلما توفي جل أمركم إلى ستة فاخترتم عثمان عن غير مشورتنا ثم أنكرتم منه شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليا عن مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله هل استأثر بفيء أو عمل بغير الحق أو أتى شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه فهموا بقتل الرجل فمنعته عشيرته فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه وقتلوا منهم سبعين. وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف فقال لست أخاف الله إن لم انصره فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس وتوجه نحو دار الرزق وبها طعام يرتزقه الناس فأراد عبد الله بن الزبير إن يرزقه أصحابه فقال عبد الله مالك يا حكيم؟ قال نريد إن نرتزق من هذا الطعام وان تخلوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي والله لو أجد أعوانا عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم ولقد أصبحتم وان دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا أما تخافون الله عز وجل بم تستحلون سفك الدماء؟ قال بدم عثمان، قال فالذين قتلتم قتلوا عثمان؟ ما تخافون مقت الله؟ فقال له ابن الزبير لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا. قال حكيم اللهم أنك حكم عدل فاشهد وقال لأصحابه إني لست في شك من قتال هؤلاء ونادى أصحاب عائشة من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا فأنا لا نريد إلا قتله عثمان فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادي فاقتتلوا قتالا شديدا ومع حكيم أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريح بحيال الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمائة رجل وجعل حكيم يضرب السيف ويقول:

فضرب رجل ساق حكيم فقطعها فاخذ حكيم ساقه فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه فقتله واتكأ عليه وقال:

#أحمى بها كراعي

وقال:

#إن معي من نجدة ذراعي

وقال:

#والمجد لا يفضحه الدمار

فأتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على آخر، فقال ما لك يا حكيم؟ قال قتلت قال من قتلك؟ قال وسادتي فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل واحدة وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع ويقول إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجوار اللهم إنهما لم يريدا عثمان فقتل حكيم والسبعون الذين معه من عبد القيس وقتل مع حكيم ابنا الأشرف وأبو الرعل بن جبلة واختلف في قاتل حكيم فقيل قتله رجل من الحدان يقال له ضخم وقيل قتله يزيد بن الأسحم الحداني فوجد حكيم قتيلا بين يزيد بن الأسحم وأخيه كعب بن الأسحم وهما مقتولان فلما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف فقال لهم إن أخي سهلا وال على المدينة فان قتلتموني قتل منكم فأطلقوه وقتل ذريح ومن معه وافلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجأوا إلى قومهم، ثم صار حرقوص بعد ذلك من الخوارج وقتل يوم النهروان. فنادى منادي طلحة والزبير من كان فيهم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجئ بهم فقتلوا ولم ينج منهم إلا حرقوص بن زهير فان عشيرته بنى سعد منعوه فمسهم في ذلك أمر شديد وضربوا لهم فيه أجلا وخشنوا صدور بني سعد مع إنهم عثمانية وغضبت عبد القيس حين غضبت سعد لمن قتل بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي، وأمر طلحة والزبير للناس بأعطياتهم وأرزاقهم وفضلا أهل السمع والطاعة فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين منعوهم الفضول فبادروهم إلى بيت المال وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرجوا حتى نزلوا على طريق علي وكتب طلحة والزبير إلى أهل الشام يخبرونهم بذلك ويحثونهم على النهوض فكان مما كتبوا به أنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله فبايعنا خيار أهل البصرة وخالفنا شرارهم وقالوا فيما قالوا نأخذ أم المؤمنين رهينة إن أمرتهم بالحق وحثتهم عليه وإننا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به وكتبوا إلى أهل الكوفة وأهل اليمامة وأهل المدينة وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة تخبرهم بذلك وتأمرهم إن يثبطوا الناس عن علي وتحثهم على طلب قتلة عثمان فمما ذكرته في كتابها أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله فأجابنا الصالحون واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصالحين واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا وغدروا وخانوا وحشروا. وكتبت إلى رجال بأسمائهم: فثبطوا الناس عن هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم فان هؤلاء لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان وفرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة حتى شهدوا علينا بالكفر فأنكر ذلك الصالحون وقالوا ما رضيتم إن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم إن أمرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله وأئمة المسلمين فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق فغدروا وخانوا فغادروني في الغلس ليقتلوني والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي فوجدوا نفرا على الباب فدارت عليهم الرحى. وكتبت إلى أهل اليمامة وأهل المدينة. وكانت هذه الوقعة لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وبايع أهل البصرة طلحة والزبير فقال الزبير إلا ألف فارس أسير بهم إلى علي ثم اقتله بياتا أو صباحا قبل إن يصل إلينا فلم يجبه أحد فقال إن هذه للفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أتسميها فتنة وتقاتل فيها.

وكان علي (ع) أرسل وهو بالربذة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر إلى الكوفة وكتب إليهم إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا فقدما الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب علي وقاما في الناس بأمره فلم يجابا إلى شيء واستشار ناس من أهل الحجي أبا موسى فقال القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا فغضب محمد ومحمد وأغلظا لأبي موسى فلم ينجع فيه فانطلقا إلى علي فأخبراه الخبر وهو بذي قار. ولما نزل علي (ع) الثعلبية أتاه خبر عثمان بن حنيف فأخبر أصحابه وقال اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين فلما انتهى إلى الآساد أتاه خبر حكيم بن جبلة فقال:

فلما نزل بذي قار أتاه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعره وقيل أتاه بالربذة فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحبة وقد جئتك أمرد فقال أصبت أجرا وخيرا. قال المفيد: ولما نزل بذي قار اخذ البيعة على من حضره وتكلم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال قد جرت أمور صبرنا عليها في أعيننا القذى تسليما لأمر الله تعالى فيما امتحننا به ورجاء الثواب على ذلك وكان الصبر عليها أمثل من إن يتفرق المسلمون وتسفك دماؤهم نحن أهل بيت النبوة وعترة الرسول وأحق الخلق بسلطان الرسالة ومعدن الكرامة التي ابتدأ الله بها هذه الأمة وهذا طلحة والزبير وليسا من أهل النبوة ولا من ذرية الرسول حين رأيا إن الله قد رد علينا حقنا بعد أعصر لم يصبرا حولا واحدا ولا شهرا كاملا حتى وثبا على دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني. وأقام بذي قار ينتظر محمدا ومحمدا فأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق كما تقدم فقال عبد القيس خير ربيعة وفي كل ربيعة خير وقال:

#حلوا بها المنزلة الرفيعة

وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لها ما قال لطيء وأسد ولما جاءه محمد ومحمد وأخبراه خبر أبي موسى بذي قار قال للأشتر أنت صاحبنا في أبي موسى اذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت، وكان الأشتر أشار بإبقاء أبي موسى لما أراد أمير المؤمنين (ع) عزله، فاتيا الكوفة فكلما أبا موسى واستعانا عليه بنفر من لها فلم يكن من أبي موسى غير التثبيط، فقال في جملة كلامه: هذه فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان واليقظان خير من القاعد والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب والراكب خير من الساعي فأغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار حتى تنجلي هذه الفتنة وكان يكرر هذا الكلام ونحوه في كل مقام فرجعا إلى علي فأخبراه الخبر فأرسل ابنه الحسن وعمار بن ياسر وقيل بل أرسلهما أولا ثم أرسل الأشتر وابن عباس وهو الأقرب إلى الاعتبار فان الحسن (ع) وعمارا شأنهما اللين والرفق والأشتر شانه الشدة فلما لم يفد في أبي موسى الرفق استعملت الشدة وآخر الدواء الكي فاقبل الحسن وعمار حتى دخلا المسجد فلقيهما المسروق بن الأجدع فسلم وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان علا م قتلتم عثمان فجرى بينهما في ذلك حوار وخرج أبو موسى فضم الحسن إليه وجعل يكلم عمارا في قتل عثمان ويؤنبه فقال له الحسن لم تثبط الناس عنا فو الله ما أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء؟ فقال صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله يقول: "ستكون فتنة القاعدة فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب وقد جعلنا الله إخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا}، وتلا في ذلك آيات، قال الطبري فغضب عمار وساءه وقال ابن الأثير وسبه وقال يا أيها الناس إنما قال له خاصة أنت فيها قاعدا خير منك قائما أقول العجب لأبي موسى يحتج بمثل هذا الذي لا حجة فيه ويغفل عن قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله}. وقام رجل من بني تميم فقال لعمار: اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس ووقف زيد على باب المسجد ومعه كتابان من عائشة إليه وإلى أهل الكوفة وفيهما الأمر بملازمة بيوتهم أو نصرتها فقرأهما على الناس وقال أمرت إن تقر في بيتها وأمرنا إن نقاتل حتى لا تكون فتنة فأمرتنا بما أمرت به وركبت ما أمرنا به فقال له شبث بن ربعي: يا عماني لأنه من عبد القيس وهم يسكنون عمان وعابه وتهاوى الناس وقام أبو موسى يسكن الناس ويثبطهم عن الخروج إلى علي (ع) بشتى الأفانين وبكلام طويل فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال يا عبد الله بن قيس رد الفرات على أدراجه أردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ فان قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ: {ألم، أحسب الناس إن يتركوا} إلى آخر الآيتين ثم قال سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق، وقال عبد الخير الخيواني يا أبا موسى هل بايع طلحة والزبير عليا قال نعم قال هل أحدث علي ما يحل به نقض بيعته قال لا أدري، قال لا دريت، نحن نتركك حتى تدري، هل تعلم أحدا خارجا من هذه الفتنة، إنما الناس أربع فرق علي بظهر الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة بالحجاز لا غناء بها ولا يقاتل بها عدو، قال أبو موسى أولئك خير الناس وهي فتنة، فقال عبد الخير غلب عليك غشك يا أبا موسى، وقال سيحان بن صوحان أيها الناس لا بد لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم ويجمع الناس وهذا واليكم يعني أمير المؤمنين (ع) يدعوكم لتنظروا فيما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فأنا سائرون معه وقام الحسن بن علي فقال أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه والله لأن يليه أولو لنهي أمثل في العاجل والآجل وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم وإن أمير المؤمنين يقول قد خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما وإني أذكر الله رجلا رعى حق الله إلا نفر، فان كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما اخذ مني، والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني وأول من غدر فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما فانفروا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، فسامح الناس وأجابوا. وأتى قوم من طيء عدي بن حاتم فقالوا ما ذا ترى وما تأمر؟ فقال قد بايعنا هذا الرجل وقد دعانا إلى جميل وإلى هذا الحدث العظيم لننظر فيه ونحن سائرون وناظرون، فقام هند بن عمرو فقال إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله حتى جاءنا ابنه فاسمعوا إلى قوله وانتهوا إلى أمره وانفروا إلى أميركم فانظروا معه في هذا الأمر وأعينوه برأيكم وقام حجر بن عدي فقال أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفاقا وثقالا مروا وأنا أولكم فأذعن الناس للمسير وعلى الرواية الأخرى إن أمير المؤمنين أرسل الأشتر بعد ابنه الحسن وعمار إلى الكوفة فدخلها والناس في المسجد وأبو موسى يخطبهم ويثبطهم والحسن وعمار معه في منازعة وكذلك سائر الناس كما مر والحسن يقول له اعتزل عملنا لا أم لك وتنح عن منبرنا فجعل الأشتر لا يمر بقبيلة فيها جماعة إلا دعاهم وقال اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فدخله وأخرج غلمان أبي موسى منه فخرجوا يعدون وينادون يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل إلى القصر فضربنا وأخرجنا فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر اخرج لا أم لك اخرج الله نفسك فو الله انك لمن المنافقين قديما. ذكره الطبري، فقال: أجلني هذه العشية فقال هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر وقال أنا له جار فكفوا وقال الحسن أيها الناس إني غاد فمن شاء منكم إن يخرج معي على الظهر ومن شاء في الماء فنفر معه تسعة آلاف أخذ في البر ستة آلاف ومائتان وأخذ في الماء ألفان وثمان مائة وقيل إن عدد من سار من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل ويمكن كون الذين ساروا مع أحسن هم المذكورون والباقون ساروا بعد ذلك. روى الطبري في حديثه قال: حدثني عمر حدثنا أبو الحسن حدثنا أبو مخنف عن جابر عن الشعبي عن أبي الطفيل قال علي يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل فقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا.

وروى الطبري قال: لما التقوا بذي قار تلقاهم علي في أناس فيهم ابن عباس فرحب بهم وقال يا أهل الكوفة أنتم قاتلتم ملوك العجم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فمنعتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فان يرجعوا فذاك الذي نريد وأن يلجوا داويناهم بالرفق حتى يبدؤونا بظلم ولم ندع مرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله. وفي إرشاد المفيد: روى عبد الحميد بن عمران العجلي عن سلمة بن كهيل قال لما التقى أهل الكوفة أمير المؤمنين (ع) بذي قار رحبوا به ثم قالوا الحمد لله الذي خصنا بجوارك وأكرمنا بنصرك فقام أمير المؤمنين (ع) فيهم خطيبا فحمد الله واثني علها وقال يا أهل الكوفة إنكم من أكرم المسلمين وأقصدهم تقويما وأعدلهم سنة وأفضلهم سهما في الإسلام وأجودهم في العرب مركبا ونصابا أنتم أشد العرب ودا للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وإنما جئتكم ثقة بعد الله بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتي وإقبالهما بعائشة للفتنة وإخراجهما إياها من بيتها حتى أقدماها البصرة فاستغووا طغامها وغوغاءها مع أنه قد بلغني إن أهل الفضل منهم وخيارهم في الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنعا. فقال أهل الكوفة: نحن أنصارك وأعوانك على عدوك ولو دعوتنا إلى إضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه فدعا لهم أمير المؤمنين (ع) واثني عليهم ثم قال لقد علمتم معاشر المسلمين إن طلحة والزبير بايعاني طائعين غير مكرهين راغبين ثم استأذناني في العمرة فأذنت لهما فسارا إلى البصرة فقتلا المسلمين وفعلا المنكر اللهم إنهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وألبا الناس علي فاحلل ما عقدا ولا تحكم ما ابرما وأرهما المساءة فيما عملا واجتمعوا عنده بذي قار وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي والبصرة ينتظرونه وهم ألوف وكان رؤساء الكوفيين: القعقاع بن عمرو وسعد بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شهاب وزيد بن صوحان والأشتر وعدي بن حاتم والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس وحجر بن عدي وأمثالهم. قال ابن الأثير: سال علي جرير بن شرس عن طلحة والزبير فأخبره بدقيق أمرهما وجليله وقال له أما الزبير فيقول بايعنا كرها وأما طلحة فيتمثل الأشعار ويقول:

فتمثل علي عندها:

وسار علي (ع) من ذي قار ومعه الناس حتى نزل على عبد القيس فانضموا إليه وسار من هناك فنزل الزاوية وسار من الزاوية يريد البصرة وسار طلحة والزبير وعائشة فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زايد فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرجوم العبدي إن اخرج فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل فعدلوا إلى عسكر علي وأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال فكان يرسل علي إليهم يكلمهم ويدعوهم، وكان نزولهم في النصف من جمادى الآخرة سنة 36 يوم الخميس قاله الطبري وابن الأثير، وفي مروج الذهب وكان مسير علي إلى البصرة سنة 36 وفيها كانت وقعة الجمل وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الأولى منها.

وظاهر الطبري وابن الأثير إن وصوله كان بذلك التاريخ وظاهر المسعودي إن الوقعة كانت قبل ذلك التاريخ بخمسة أيام. وخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين قد منعوا حرقوص بن زهير وهم معتزلون، قال ابن الأثير: وكان الأحنف قد بايع عليا بالمدينة بعد قتل عثمان لأنه كان قد حج وعاد من الحج فبايعه فقال لأمير المؤمنين اختر مني واحدة من اثنتين أما إن أقاتل معك وأما إن اكف عنك عشرة آلاف سيف قال بل اكفف عنا عشرة آلاف سيف فاعتزل فلما كان القتال فظفر علي دخلوا فيما دخل فيه الناس وافرين. وروى الطبري قال كانت ربيعة مع علي يوم الجمل ثلث أهل الكوفة ونصف الناس يوم الوقعة وكانت تعبيتهم مضر ومضر وربيعة وربيعة واليمن واليمن. وكان عسكر عائشة ثلاثين ألفا وعسكر علي عشرين ألفا وافترق أهل البصرة ثلاث فرق فرقة مع علي وفرقة مع عائشة وفرقة اعتزلوا. قال المفيد في الإرشاد ومن كلامه (ع) حين دخل البصرة وجمع أصحابه فحرضهم على الجهاد وكان مما قال: عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم فإنهم نكثوا بيعتي وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة وقتلوا السبايجة وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي وقتلوا رجالا صالحين ثم تتبعوا منهم من يحبني يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون انهدوا إليهم وكونوا أشداء عليهم والقوهم صابرين محتسبين تعلمون إنكم منازلوهم ومقاتلوهم وقد وطنتم أنفسكم على الطعن والضرب ومبارزة الأقرن وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جاش عند اللقاء ورأى من أحد من إخوانه فشلا فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله مثله. وخطب (ع) لما تواقف الجمعان فقال: لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم حجة أخرى وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا من أموالهم شيئا ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسبين أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القول والأنفس والعقول لقد كنا نؤمر بالكف عنهن وأنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة فيعبر بها وعقبه من بعده. وروى الحاكم في المستدرك أيضا إن عائشة كانت خطيبة القوم وهم لها تبع.

فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه السلاح فقيل لعلي هذا الزبير فقال أما انه أحرى الرجلين إن ذكر الله إن يذكر وخرج طلحة فخرج إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله سبحانه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي، قال طلحة ألبت الناس على عثمان، قال علي يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون إن الله هو الحق المبين، يا طلحة تطلب بدم عثمان؟ فلعن الله قتلة عثمان يا طلحة جئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتل بها وخبأت عرسك أما بايعتني؟ قال بايعتك والسيف على عنقي. قال الطبري وقال علي للزبير أتطلب منى دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره، يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه فقلت لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال لك صه انه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم فقال اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا والله لا أقاتلك أبدا. فانصرف علي إلى أصحابه فقال أما الزبير فقد أعطى الله عهدا إن لا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا اعرف فيه امرئ غير موطني هذا، قالت فما تريد إن تصنع؟ قال أريد إن أدعهم واذهب فقال له ابنه عبد الله، جمعت بين هذين العسكرين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت إن تتركهم وتذهب، لكنك خشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت إنها تحملها فتية أنجاد وان تحتها الموت الأحمر فجبنت، فاحفظه ذلك وقال إني حلفت إن لا أقاتله، قال كفر عن يمينك وقاتله فأعتق غلامه مكحولا فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي:

#بالعتق في معصية الرحمن

وقال رجل من شعرائهم:

#والنكث قد لاح على جبينه

وفي رواية: إن الزبير أنصل سنان رمحه وحمل على عسكر علي برمح لا سنان له فقال علي أفرجوا له فإنه محرج ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل ثانية ثم ثالثة ثم قال لابنه أجبنا ويلك ترى؟ فقال لقد أعذرت وقال الزبير:

مقتل الزبير

فترك الزبير الحرب ولم يحارب مع علي وتوجه من فوره إلى وادي السباع قاصدا المدينة ومعه غلام له يدعى عطية، والأحنف بن قيس هناك معتزل في جمع من بني تميم، فقال الأحنف: جمع الزبير بين عسكرين من المسلمين حتى إذا ضرب بعضهم بعضا لحق ببيته وقال من يأتينا بخبره؟ فقال عمرو بن جرموز أنا، فاتبعه وكان فاتكا فلما نظر إليه الزبير قال ما وراءك قال إنما أريد إن أسألك فقال غلام الزبير أنه معد فقال ما يهولك من رجل، وحضرت الصلاة فقال ابن جرموز الصلاة فقال الزبير الصلاة فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه فقتله واخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلى عن الغلام فدفنه بوادي السباع ورجع إلى الناس بالخبر.

فأما الأحنف فقال والله ما أدري أحسنت أم أسأت ثم انحدر إلى علي وابن جرموز معه وقيل ذهب ابن جرموز إلى علي وحده فدخل عليه فأخبره فدعا بالسيف فهزه فقال: سيف طالما كشف به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه قال له أنت قتلته؟ قال نعم، قال والله ما كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ولكن الحين ومصارع السوء، فقال ابن جرموز الجائزة يا أمير المؤمنين، فقال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم خرج ابن جرموز على علي (ع) مع أهل النهر فقتله معهم فيمن قتل (ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج).

وروى أبو مخنف أنه لما تزاحف الناس يوم الجمل قال علي (ع) لأصحابه لا يرمين رجل منكم بسهم ولا يطعنن أحدكم فيهم برمح حتى يبدؤوكم بالقتال وبالقتل فرمى أصحاب الجمل عسكر علي (ع) بالنبل رميا شديدا متتابعا فضج إليه أصحابه وقالوا عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين، وجيء إليه برجل فقيل له هذا فلان قد قتل، فقال اللهم اشهد ثم قال: اعذروا إلى القوم فأتى برجل آخر فقيل وهذا قد قتل فقال اللهم اشهد، أعذروا إلى القوم ثم أقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أخاه عبد الرحمن قد أصابه سهم فقتله فقال يا أمير المؤمنين هذا أخي قد قتل، فاسترجع علي (ع) ودعا بدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الفضول فلبسها فتدلت على بطنه فرفعها بيده وقال لبعض له فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار، ودفع إلى ابنه محمد راية رسول الله السوداء وتعرف بالعقاب، وقال لحسن وحسين (ع) إنما دفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وطاف علي على أصحابه وهو يقرأ {أم حسبتم إن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب} ثم قال أفرع الله علينا وعليكم الصبر وأعز لنا ولكم النصر وكان لنا ولكم ظهيرا في كل أمر، ثم رفع مصحفا بيده فقال من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه وله الجنة؟ فقام غلام شاب اسمه مسلم عليه قباء أبيض فقال أنا آخذه، فنظر إليه علي وقال يا فتى إن أخذته فان يدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى فتقطع ثم تضرب بالسيف حتى تقتل، فقال الغلام لا صبر لي على ذلك فنادى علي ثانية فقام الغلام وأعاد عليه القول وأعاد الغلام القول مرارا حتى قال الغلام: أنا أخذه وهذا الذي ذكرت في الله قليل، فأخذه وانطلق فلما خالطهم ناداهم: هذا كتاب الله بيننا وبينكم فضربه رجل فقطع يده اليمنى فتناوله باليسرى فضربه أخرى فقطع اليسرى فاحتضنه وضربوه بأسيافهم حتى قتل فقالت أم ذريح العبدية في ذلك:

#تأمرهم بالغي لا تنهاهم

فعند ذلك أمر علي (ع) ولده محمدا أن يحمل بالراية فحمل وحمل معه الناس واستحر القتل في الفريقين وقامت الحرب على ساق.

وروى الطبري في تاريخه هذه القصة بما يخالف ذلك بعض المخالفة فقال: أخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو اسمه مسلم بن عبد الله فقال أنا، فاعرض عنه ثم أعاده ثانيا، فقال الفتى أنا، فأعرض عنه ثم أعاده الثالثة، فقال أنا، فدفعه إليه فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى فأخذه بصدره وفي رواية بأسنانه والدماء تسيل على قبائه فقتل، فكان أول قتيل بين يدي أمير المؤمنين وعائشة، فقال علي، الآن حل قتالهم فقالت أم الفتى ترثيه:

#فرملوه رملت لحاهم

وفي رواية أخرى للطبري:

واقتتل الناس وركبت عائشة الجمل المسمى عسكرا الذي كان اشتراه لها يعلى بن منية في مكة بمائتي دينار والبسوا هودجها الرفرف وهو البسط ثم البس جلود النمر ثم البس فوق ذلك دروع الحديد وكان الجمل لواء أهل البصرة لم يكن لهم لواء غيره وخطبت عائشة والناس قد أخذوا مصافهم للحرب فقالت: أما بعد فأنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط وأمرة الفتيان وموقع السحابة المحمية إلا وأنكم استعتبتموه فأعتبكم فلما مصتموه كما يما صلى الله عليه وسلم الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حر أما وأيم الله إن كان لأحصنكم فرجا وأتقاكم لله واخذ كعب بن سور وهو قاضي البصرة بخطام الجمل وجعل يرتجز ويقول:

وكان أخذ مصحف عائشة فبدر به بين الصفين يناشدهم الله في دمائهم فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه وكان في الجاهلية نصرانيا وكان أول قتيل بين يدي عائشة من أهل البصرة والكوفة. واقتتلوا إلى صدر النهار وقيل إلى الزوال ثم انهزم عسكر عائشة. قال الطبري: ضرب محمد بن الحنفية يد رجل من الأزد فقطعها فنادى يا معشر الأزد فروا واستحر القتل في الأزد فنادوا نحن على دين علي بن أبي طالب واقبل المنهزمون يريدون البصرة فلما رأوا الخيل أطافت بالجمل عادوا إلى الحرب وكان القتال في صدر النهار مع طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة أكثرهم ضبة والأزد.

مقتل طلحة

أما طلحة فجاءه سهم غريب لا يدري راميه عند هزيمة الناس فشك رجله بصفحة الفرس، وفي رواية فخل ركبته بالسرج وهو ينادي إلي إلي عباد الله، الصبر الصبر، فقال له القعقاع بن عمرو: يا أبا محمد إنك لجريح وإنك عما تريد لفي شغل، فادخل البيوت فدخل ودمه يسيل وهو يقول اللهم خذ لعثمان مني حتى ترضى، وفي رواية: أعط عثمان مني حتى يرضى فلما امتلأ خفه دما وثقل قال لغلامه أردفني وأمسكني وأبلغني مكانا أنزل فيه لا أعرف فيه فلم أر كاليوم شيخا أضيع دما مني فدخل البصرة فأنزله في دار خربة فمات فيها. قال ابن الأثير وكان الذي رمى طلحة مروان بن الحكم وقيل غيره وكان ذلك منه أخذا بثأر عثمان ولما قضى دفن في بني سعد وقال الطبري أنه لما دخل البصرة تمثل مثله ومثل الزبير:

وحرضت عائشة الناس فحملت مضر البصرة حتى ردت مضر الكوفة وكانت راية علي (ع) يوم الجمل مع ولده محمد بن الحنفية فنخس قفاه وقال له احمل فتقدم حتى لم يجد متقدما إلا على سنان رمح فقال تقدم لا أم لك فتلكأ فتناول الراية من يده وقال يا بني بين يدي. وفي رواية ابن أبي الحديد أنه دفع إليه الراية يوم الجمل وقد استوت الصفوف. وقال له أحمل فتوقف قليلا فقال له أحمل فقال يا أمير المؤمنين أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر فدفع في صدره وقال أدركك عرق من أمك ثم أخذ الراية فهزها ثم قال:

#بالمشرفي والقنا المسدد

ثم حمل وحمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة. قيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين فقال إنهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه ثم دفع الراية إلى محمد وقال امح الأولى بالأخرى وهذه الأنصار معك وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير من أهل بدر وحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وأبلى بلاء حسنا فقال خزيمة بن ثابت لعلي (ع) أما أنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح ولئن كنت خفت عليه الجبن وهو بينك وبين حمزة وجعفر لما خفناه عليه وإن كنت أردت إن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين ما قدمنا على محمد أحدا من العرب فقال علي (ع) أين النجم من الشمس والقمر أما أنه قد أغنى وأبلى وله فضله فقال خزيمة بن ثابت فيه:

وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا قدام الجمل ومع علي قوم من غير مضر منهم زيد بن صوحان طلبوا ذلك منه فقال لزيد رجل من قومه: تنح إلى قومك مالك ولهذا الموقف ألست تعلم إن مضرا بحيالك والجمل بين يديك وأن الموت دونه فقال الموت خير من الحياة، الموت أريد، فأصيب هو وأخوه سيحان وارتث أخوهما صعصعة واشتدت الحرب فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة إن اجتمعوا على من يليكم، قال القعقاع: لقد رأيتنا يوم الجمل ندافعهم بأسنتنا ونتكي على أزجتنا وهم مثل ذلك حتى لو إن الرجال مشت عليها لاستقلت بهم وقال آخر لما كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتى فنيت وتطاعنا بالرماح حتى تشبكت في صدورنا وصدورهم، ثم قال علي: السيوف يا أبناء المهاجرين فما شبهت أصواتها إلا بصوت القاصرين وتزاحفت الناس وظهرت يمن البصرة على يمن الكوفة فهزمتهم، وربيعة البصرة على ربيعة الكوفة فهزمتهم، ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة وقال: إن الموت ليس منه فوت يدرك الهارب ولا يترك المقيم، وهذه من الكلمات الجليلة الخالدة. ثم عاد يمن الكوفة فقتل على رايتهم خمسة عشر من همدان وخمسة من سائر اليمن فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها فثبتت في يده. وقال ابن أبي نمران الهمداني من أصحاب علي (ع) وهو يقاتل:

#كل طويل الساعدين نهد

ورجعت ربيعة الكوفة فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل على رايتهم اثنان واشتد الأمر فلما رأى الشجعان من مضر الكوفة والبصرة الصبر تنادوا طرفوا إذا فرع الصبر، فجعلوا يقصدون الأطراف: الأيدي والأرجل، فما رئي وقعة كانت أعظم منها قبلها ولا بعدها ولا أكثر ذراعا مقطوعة وكان الرجل منهم إذا أصيب شيء من أطرافه استقتل إلى إن يقتل. ونظرت عائشة من على يسارها فقالت من القوم؟ قال صبرة بن شيمان بنوك الأزد، فقالت يا آل غسان حافظوا اليوم فجلادكم الذي كنا نسمع به وتمثلت:

فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك وقالت لمن عن يمينها من القوم؟ قالوا بكر بن وائل قالت لكم يقول القائل:

إنما بإزائكم عبد القيس تحرضهم بذلك لأن عبد القيس معروفون بولاء علي (ع) فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك، وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت من القوم؟ قالوا بنو ناجية، قالت بخ بخ سيوف أبطحية قرشية فجالدوا جلادا يتفادى منه وفي رواية إنها قالت صبرا يا بني ناجية فاني أعرف فيكم شمائل قريش. وبنو ناجية مطعون في نسبهم فقتلوا حولها جميعا، ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت ويها جمرة الجمرات فلما رقوا خالطهم بنو عدي بن عبد مناة وكثروا حولها فقالت من أنتم؟ قالوا بنو عدي خالطنا أخواننا فأقاموا رأس الجمل وضربوا ضربا شديدا، وكره القوم بعضهم بعضا وانضمت مجنبتا علي فصاروا في القلب وكذلك فعل أهل البصرة وتلاقوا جميعا بقلبيهم وقال أصحاب علي (ع) لا يزال القوم أو يصرع الجمل، وأخذ عميرة بن يثري برأس الجمل وكان قاضي البصرة قبل كعب بن سور، فشهد الجمل هو وأخوه عبد الله قال علي (ع) من يحمل على الجمل؟ فانتدب له هند بن عمرو الجملي المرادي وكان خطام الجمل مع ابن يثري فدفعه إلى ابنه واعترض هندا فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثري ثم حمل علباء بن الهيثم السدوسي فاعترضه ابن يثري فقتله ثم دعا إلى البراز فقال زيد بن صوحان العبدي يا أمير المؤمنين إني رأيت يدا أشرفت علي من السماء وهي تقول هلم إلينا وأنا خارج إلى ابن يثري فإذا قتلني فادفني بدمي ولا تغسلني فإني مخاصم عند ربي ثم خرج فقتله ابن يثري وقتل سيحان بن صوحان وارتث صعصعة ثم رجع إلى خطام الجمل وجعل يرتجز ويقول:

وقال ابن يثري:

#وابن لصوحان على دين علي

وقال أيضا:

#إنا نمر الأمر أمرار الرسن

فبرز إليه عمار وهو ابن تسعين سنة أو أكثر وعليه فرو قد شد وسطه بحبل ليف وهو أضعف من بارزه فاسترجع الناس وقالوا هذا لاحق بأصحابه. فترك الزمام في يد رجل من بني عدي اسمه عمرو بن بجرة وضرب عمارا فاتقاه بدرقته فنشب سيفه فيها فعالجه فلم يخرج وضربه عمار على رجليه فقطعهما فوقع على إسته وأخذ أسيرا فأتى به إلى علي، فقال

استبقني، فقال أبعد ثلاثة تقتلهم؟ وأمر به فقتل، وقيل إن المقتول عمرو بن يثري وإن عميرة بقي حيا حتى ولي قضاء البصرة مع معاوية. أقول اختلف كلام المؤرخين في هذا المقام كثيرا فابن الأثير ذكر كما مر والطبري نسب ما مر عن ابن الأثير والرجز الأول إلى ابن يثري من دون إن يسميه ثم قال وقتل يومئذ عمرو بن يثري علباء بن الهيثم السدوسي وهند بن عمرو الجملي وزيد بن صوحان وهو يرتجز ويقول: اضربهم ولا أرى أبا حسن الرجز المتقدم قال وعرض عمار لعمرو بن يثري وذكر نحوا مما مر إلى قوله فنشب سيفه فيها ثم قال ورماه الناس حتى صرع وهو يقول:

#ثم ابن صوحان على دين علي

وأخذ أسيرا إلى آخر ما مر. وقال بعضهم إن عمرو بن يثري كان فارس أهل الجمل وشجاعهم فلما برز قال للأزد إني قد وترت القوم وهم قاتلي ولست أخشى إن أقتل حتى اصرع فان صرعت فاستنقذوني، فقالوا ما نخاف عليك إلا الأشتر قال فإياه أخاف فخرج الأشتر. وهو يقول:

#لا طعنها أخشى ولا ضرابها

ثم حمل عليه الأشتر فطعنه فصرعه وحامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب وهو مشرف على الموت فلم يستطع إن يدفع عن نفسه فطعنه رجل فصرعه ثانية وسحبه آخر برجله حتى أتى به عليا فناشده الله وقال يا أمير المؤمنين أعف عني فان العرب لم تزل قائلة عنك انك لم تجهز على جريح قط فعفا عنه وأطلقه فجاء إلى الصحابة وحضره الموت فقيل له دمك عند أي الناس فقال ضربني فلان وفلان وصاحبي الأشتر فقالت ابنته ترثيه وشكرت الأزد وعاتبت قومها وشعرها هذا من جيد الشعر والنساء إذا رثت أجادت لما في طباعهن من الرقة:

والذي يغلب على الظن انه وقع اشتباه بين عميرة بن يثري وأخيه عبد الله وعمرو بن يثري فنسب ما لأحدهم للآخر ورواية عفو أمير المؤمنين (ع) عنه بعد ما وجب عليه القصاص بقتل من قتل مستبعدة. ولما قتل ابن يثري دفع العدوي الزمام إلى رجل من بني عدي وبرز فخرج إليه ربيعة العقيلي وهو يرتجز ويقول:

ثم اقتتلا فاثخن كل واحد منهما صاحبه فماتا جميعا وقال أبو مخنف: الزجر للحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي (ع) وقام مقام العدوي الحارث الضبي فما رئي أشد منه وجعل يقول:

وفي رواية:

وفي رواية إن وسيم بن عمرو بن ضرار الضبي كان يوم الجمل يقول:

#ردوا علينا شيخنا ثم بجل

قال الطبري: كان عمرو بن يثري يحضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا الخطام يرتجزون:

#يحز منها العلق المحمر

قال أبو مخنف: خرج عوف بن قطن الضبي وهو ينادي ليس لعثمان ثار إلا علي بن أبي طالب وولده فأخذ خطام الجمل وقال:

ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل. وتناول عبد الله بن ابزي خطام الجمل وكان من أراد الجد في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه ثم شد ابن ابزي على عسكر علي فقال:

فشد عليه أمير المؤمنين (ع) بالرمح فطعنه فقتله وقال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته؟ وترك الرمح فيه، وأخذت عائشة كفا من حصى فحصبت به أصحاب علي وصاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فقال لها قائل: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. ولم يزل الأمر كذلك حتى قتل على الخطام أربعون رجلا قالت عائشة ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة وأخذ الخطام سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ به وممن أخذ به محمد بن طلحة فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل وقال: حم لا ينصرون. قال ابن الصباغ: وكان ذلك شعار أصحاب علي (ع) وكان علي قد أوصى أصحابه إن لا يقتلوا محمد بن طلحة فحمل عليه شريح بن أوفى العبسي فقال: حم، وقد سبقه شريح بالطعنة فأتى على نفسه فكان كما قيل: سبق السيف العذل، وكان محمد بن طلحة هذا من العباد الزهاد واعتزل الناس وإنما خرج برا بأبيه أقول ولكنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقال الطبري اجتمع عليه أربعة نفر كل ادعى قتله فأنفذه بعضهم بالرمح وقال ابن الصباغ وفي ذلك يقول قاتله شريح:

وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة فكان لا يأخذ الخطام أحد إلا قتل وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت فلم يعد وحمل عدي بن حاتم الطائي عليهم ففقئت عينه وخرج رجل من عسكر البصرة يعرف بجناب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال:

#أريح منه معشرا غويا

فصمد له الأشتر فقتله ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس وهو من أشراف قريش وكان اسم سيفه ولول فارتجز فقال:

فحمل عليه الأشتر فقتله وقتل الأشتر جندب بن زهير الغامدي وعبد الله بن حكيم ابن حرام اشترك في قتله هو وعدي بن حاتم وكانت راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل، كانت مع الحارث بن حسان بن خوط الذهلي فقيل له ابق على نفسك وقومك، فأقدم وقال يا معشر بكر بن وائل انه لم يكن أحد له من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل منزلة صاحبكم فانصروه فأقدم فقتل وقتل ابنه وقتل خمسة أخوة له وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلا فقال رجل لأخيه وهو يقاتل يا أخي ما أحسن قتالنا إن كنا على حق قال فأنا على الحق إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنما تمسكنا بأهل بيت نبينا، فقاتلا حتى قتلا وجرح عمير بن الأهلب الضبي فمر به رجل من أصحاب علي وهو يفحص برجليه ويقول:

فقال له الرجل قل لا إله إلا الله، قال ادن مني فلقني في فمي فبي صمم فدنا منه الرجل فوثب عليه فعض أذنه فقطعها. وخرج عبد الله بن خلف الخزاعي وهو رئيس البصرة وأكثر لها مالا وضياعا وطلب المبارزة وسأل أن لا يخرج إليه إلا علي وارتجز عليه فقال:

#وان في صدري عليك غمرا

فخرج إليه علي فلم يمهله إن ضربه ففلق هامته. واستدار الجمل كما تدور الرحى وتكاثفت الرجال حوله واشتد رغاؤه واشتد زحام الناس عليه وقصد أهل الكوفة قصد الجمل ودونه كالجبال كلما خف قوم جاء أضعافهم فنادى أمير المؤمنين ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل، اعقروه، فرشق بالسهام، فلم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل، وكان مجففا فتعلقت السهام به فصار كالقنفذ. ونادت الأزد وضبة يا لثارات عثمان فأخذوها شعارا،ونادى أصحاب علي: يا محمد، فأخذوها شعارا واختلط الفريقان ونادى علي بشعار رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا منصور أمت، وقيل كان شعاره: حم لا ينصرون اللهم انصرنا على القوم الناكثين. وهذا في اليوم الثاني من أيام الجمل فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم وذلك وقت العصر بعد إن كان الحرب من الفجر ثم تحاجز الفريقان والقتل فاش فيهما إلا إنه في أهل البصرة أكثر وإمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة ثم توافقوا في اليوم الثالث فجاء عبد الله بن الزبير فلم يتكلم وكان كل من يأخذ الخطام ينتسب فقالت عائشة من أنت قال ابنك ابن أختك قالت واثكل أسماء. وفي رواية إن عبد الله بن الزبير برز في اليوم الثالث أول الناس ودعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر فقالت عائشة من برز إلى عبد الله قيل الأشتر فقالت واثكل أسماء وكان الأشتر طاويا ثلاثة أيام وكانت هذه عادته في الحرب وهو شيخ عالي السن فضرب الأشتر عبد الله على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضربه عبد الله ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه وسقطا إلى الأرض يعتركان فقال ابن الزبير:

فلو يعلمون من مالك لقتلوه وإنما كان يعرف بالأشتر فحمل أصحاب علي وعائشة فخلصوهما. ودخل الأشتر على عائشة بعد حرب الجمل فقالت أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت قال نعم ولولا إني كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه قالت أما علمت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور ثلاثة كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق فقال على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين والله ما خانني سيفي قبلها وقد أقسمت أن لا يصحبني بعدها وفي ذلك يقول الأشتر:

واخذ الخطام الأسود بن أبي البحتري فقتل وهو قرشي وأخذه عمرو بن الأشرف العتكي فقتل وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته وهو أزدي ولم يبق شيخ من بني عامر إلا أصيب قدام الجمل وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلا قتل حتى ضاع الخطام وكان آخر من أخذه زفر بن الحارث وهو يرتجز ويقول:

وزحف علي نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه حسن وحسين ومحمد ودفع الراية إلى محمد وقال أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه فتقدم محمد فرشقته السهام فقال لأصحابه رويدا حتى تنفد سهامهم فلم يبق إلا رشقة أو رشقتان فأنفذ علي إليه يحثه ويأمره بالمناجزة فلما أبطا عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له أقدم لا أم لك فكان محمد إذا ذكر ذلك يبكي ويقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي والله لا أنسى ذلك أبدا ثم أدركت عليا رقة على ولده فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في اليمنى ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا منهم ولا رد إليهم بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد حتى فرق من حوله وتبادروه وانه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يرد حوارا ثم دفع الراية إلى محمد ثم حمل حملة ثانية فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة وشامة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته فاعصوصب به أصحابه وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام وقالوا إنك إن تصب يذهب الدين فامسك ونحن نكفيك فقال والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله والدار الآخرة ثم قال لمحمد هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين. وعن المدائني والواقدي ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل وأكثره لبني ضبة والأزد الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه ولقد كانت الرؤوس تندر عن الكواهل والأيدي تطيح من المعاصم وأقتاب البطن تندلق من الأجواف وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل ونادى علي (ع) اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا عنه، وفي رواية حتى لقد صرخ علي بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان ثم قال اعقروه وإلا فنيت العرب ولا يزال السيف قائما وراكعا حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض. روى أبو مخنف عن حبة العرني قال: لما رأى علي إن الموت عند الجمل وانه ما دام قائما فالحرب لا يطفأ وضع سيفه على عاتقه وعطف نحوه وأمر أصحابه بذلك والخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل من بني ضبة مقتلة عظيمة وخل صلى الله عليه وسلم علي (ع) في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل يا بجير فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض وعج عجيبا لم يسمع بمثله فلما سقط الجمل كانت الهزيمة وفرت الرجال عنه كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب.

وجاء محمد بن أبي بكر ومعه عمار بن ياسر فقطعا الأنساع عن الهودج واحتملاه فلما وضعاه ادخل محمد يده فقالت من هذا قال أخوك محمد، فقالت مذمم، قال يا أخيه هل أصابك شيء قالت ما أنت من ذاك قال فمن إذا؟ الضلال وقالت بل الهداة. وقيل إنها لما سألته قال أخوك البر قالت عقوق، وأمر علي (ع) بالجمل إن يحرق ثم يذرى في الريح وقال لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، وقرأ: وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا. وأمر نفرا إن يحملوا الهودج من بين القتلى وانه كالقنفذ لما فيه من السهام وأمر أخاها محمد بن أبي بكر إن يضرب عليها قبة فلما كان الليل ادخلها البصرة فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة وكان علي (ع) يقول ذلك اليوم بعد الفراع من القتال:

العفو العام

وأمر علي (ع) مناديا فنادى إلا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور ولا ترزأوا سلاحا ولا ثيابا ولا متاعا ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن.

وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة وجعل أمير المؤمنين (ع) يطوف على القتلى، حكى ابن أبي الحديد عن الأصبغ ابن نباتة انه سار في القتلى يستعرضهم، قال المفيد ومن كلامه عند تطوافه على القتلى: هذه قريش، جدعت أنفي وشفيت نفسي، لقد تقدمت إليكم أحذركم عض السيف ولكنه الحين وسوء المصرع وأعوذ بالله من سوء المصرع، ثم مر على معبد بن المقداد فقال: رحم الله أبا هذا لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا، فقال عمار بن ياسر: الحمد لله الذي أوقعه وجعل خده الأسفل أنا والله يا أمير المؤمنين لا نبالي من عند عن الحق من والد وولد، فقال أمير المؤمنين (ع) رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا، ومر بعبد الله بن ربيعة بن دراج فقال هذا البائس ما كان أخرجه، أدين أم نصر لعثمان، والله ما كان رأي عثمان فيه ولا في أبيه بحسن، ثم مر بمعبد بن زهير فقال: لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام، ثم مر بمسلم بن قرظة فقال: البر اخرج هذا؟ والله لقد كلمني إن أكلم عثمان في شيء كان يدعيه قبله بمكة فأعطاه عثمان وقال لولا أنت ما أعطيته إن هذا ما علمت بئس أخو العشيرة، ثم جاء المشوم للحين ينصر عثمان. ثم مشى قليلا فمر بكعب بن سور فقال هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنه ناصر أمه يدعو الناس إلى ما فيه، ثم استفتح فخاب كل جبار عنيد، أما إنه دعا الله إن يقتلني فقتله الله، اجلسوا كعب بن سور فاجلس: فقال أمير المؤمنين ع: يا كعب لقد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا، ثم قال: اضجعوه فأضجعوه، وفي رواية الأصبغ بن نباتة أنه قال له: ويل أمك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك ولكن الشيطان أضلك فأذلك فجعلك إلى النار أرسلوه. قال المفيد: ومر على طلحة فقال هذا الناكث بيعتي والمنشيء الفتنة في الأمة والمجلب علي والداعي إلى قتلي وقتل عترتي، اجلسوا طلحة فاجلس، فقال: يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا، اضجعوا طلحة، وفي رواية الأصبغ ثم مر بعد الله بن خلف الخزاعي وكان قتله بيده مبارزة وكان رئيس أهل البصرة فقال أجلسوه فاجلس فقال الويل لك يا ابن خلف لقد عاينت أمرا عظيما. قال ابن أبي الحديد وقال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: ومر بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقال أجلسوه فاجلس، فقال هذا يعسوب قريش هذا اللباب المحض من بني عبد مناف، ثم قال: شفيت نفسي وقتلت معشري إلى الله أشكو عجري وبجري، قتلت الصناديد من بني عبد مناف وأفلتني الأعيار من بني جمح. فقال له قائل لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين، قال: إنه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك وأقام علي (ع) بظاهر البصرة ثلاثا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم. وفي مروج الذهب: خرجت امرأة من عبد القيس تطوف القتلى يوم الجمل فوجدت ابنين لها قد قتلا وقد كان قتل زوجها وإخوان لها فيمن قتل قبل مجيء على البصرة فأنشأت تقول:

كانت عبد القيس معروفة بولاء علي (ع) وابناها قتلا مع علي (ع) وزوجها وأخوها قتلا في طاعته. قال الطبري وصلى علي على القتلى من أهل البصرة والكوفة وأمر فدفنت الأطراف المقطوعة من الأيدي ونحوها في قبر عظيم.

وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 36 في قول الواقدي والمسعودي لكنه مر عن الطبري إن نزولهم كان في النصف من جمادي الآخرة يوم الخميس سنة 36 وإنهم بقوا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال وقد ذكر الطبري أيضا إن الوقعة كانت يوم الخميس ومر إن القتال استمر ثلاثة أيام وفي ذلك من التنافي ما لا يخفى لكن المسعودي قال إن وقعة الجمل كانت وقعة واحدة في يوم واحد ويمكن الجمع بان الوقعة العظمى ألفاصلة كانت في يوم واحد وغيرها كان مناوشات. وكان القتلى خمسة عشر ألفا قتل من أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة آلاف وفي المعركة الثانية مثلها وقتل من أهل الكوفة خمسة آلاف وقيل كان جميع القتلى عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة، وقتل من ضبة ألف رجل وقتل من بني عدي حول الجمل سبعون قد قرأوا القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ ويقال إن أهل المدينة علموا بالوقعة يوم الخميس قبل إن تغرب الشمس من نسر مر بماء حول المدينة سقط منه كف فيه خاتم نقشه عبد الرحمن بن عتاب وعلم من بين مكة والمدينة والبصرة بالوقعة بما ينقل إليهم النسور من الأيدي والإقدام.

ثم دخل (ع) البصرة يوم الاثنين بعد الوقعة بثلاث فانتهى إلى المسجد فصلى فيه ثم دخل البصرة فأتاه الناس. قال المفيد: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله ذو رحمة واسعة ومغفرة دائمة وعفو جم وعقاب أليم قضى إن رحمته ومغفرته وعفوه لأهل طاعته من خلقه وبرحمته تهدى المهتدون وقضى إن نقمته وسطوته وعقابه على أهل معصيته من خلقه وبعد الهدى والبيانات ما ضل الضالون فما ظنكم يا أهل البصرة وقد نكثتم بيعتي وظاهرتم علي عدوي. فقام إليه رجل فقال نظن خيرا ونراك قد ظهرت وقدرت فان عاقبت فقد اجترمنا وان عفوت فالعفو أحب إلى الله تعالى، فقال قد عفوت عنكم فإياكم والفتنة فإنكم أول الرعية نكث البيعة وشق عصا هذه الأمة ثم جلس للناس فبايعوه قال الطبري: فبايعه لها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة، وبايع الأحنف من العشي لأنه كان خارجا في بني سعد. قال الطبري: ثم راح إلى عائشة على بغلته فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف وجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف، وكان عبد الله قتل مع عائشة وعثمان قتل مع علي، وكانت صفية بنت الحارث وهي أم طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف مختمرة تبكي، فلما رأته قالت له يا علي يا قاتل الأحبة يا مفرق الجمع أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله منه، فلم يرد عليها شيئا، ودخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها، وفي رواية: أنه لم يسمع أحد من قول علي شيئا إلا إن عائشة كانت امرأة عالية الصوت قالوا فسمعنا كهيئة المعاذير إني لم افعل ثم قال: جبهتنا صفية، أما إني لم أرها منذ كانت جارية، فلما خرج علي أعادت عليه أقول فكف بغلته وقال: أما لهممت وأشار إلى الأبواب من الدار إن افتح هذا الباب واقتل من فيه ثم هذا فاقتل من فيه ثم هذا فاقتل من فيه. وكان أناس من الجرحى قد لجأوا إلى عائشة منهم مروان بن الحكم في حجرة ومعه جماعة وعبد الله بن الزبير في حجرة ومعه جماعة آخرون في حجرة، فأخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم، فسكتت، فخرج علي فقال رجل من الأزد: والله لا تغلبنا هذه المرأة فغضب وقال طه لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا ولا تهجن امرأة بأذى وان شتمن أعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وأنهن لمشركات وإن الرجل ليكافئن المرأة ويتناولها بالضرب فيعير بها عقبة من بعده فلا يبلغني عن أحد عرض لامرأة فانكل به شرار الناس أقول: وهذا غاية الحلم ونهاية الصفح والكرم ومكارم الأخلاق الخارجة عن مجرى العادة. قال الطبري: ولما فرع أمير المؤمنين من بيعة أهل البصرة نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة فقسمها على من شهد معه فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة وقال لكم إذا أظفركم الله عز وجل بالشام مثلها إلى أعطياتكم وحكا ابن أبي الحديد عن أبي الأسود الدؤلي قال: لما ظهر علي (ع) يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في أناس من المهاجرين والأنصار وأنا معهم فلما رأى كثرة ما فيه قال: غري غيري، مرارا ثم نظر إلى المال وصعد فيه بصره وصوب وقال اقسموه بين أصحابي خمسمائة خمسمائة فقسم بينهم فلا والذي بعث محمدا بالحق ما نقص درهما ولا زاد درهما كأنه كان يعرف مبلغه ومقداره كان ستة آلاف ألف درهم أي ستة ملايين والناس اثني عشر ألفا، أقول: هذه الرواية أقرب إلى الصواب لأن جيش أمير المؤمنين (ع) كان عشرين ألفا كما مر فقتل منه خمسة آلاف على رواية يبقى خمسة عشر ألفا وخمسة آلاف وسبعمائة على أخرى يبقى أربعة عشر ألفا وثلثمائة وكلا الروايتين وإن كان لا ينطبق على إن يكون الباقي اثني عشر ألفا إلا إن مثل ذلك التفاوت يتسامح فيه عادة في عدد الجيش وعدد من يقتل منه بخلاف رواية ستمائة ألف فإنا إذا قسمناها خمسمائة خمسمائة كان الباقي من الجيش ألفا ومائتين وهو لا يقارب شيئا من الروايات ولا يطابقه فلا يبعد أن يكون ستمائة ألف تصحيف ستة آلاف ألف والله أعلم. ثم حكى عن حبة العرني قال قسم علي بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة واخذ خمسمائة درهما كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال يا أمير المؤمنين كنت شاهدا معك في قلبي وإن غاب عنك جسمي فأعطني من الفيء شيئا فدفع إليه الذي أخذه لنفسه ولم يصب في الفيء شيئا قال الطبري: وجمع ما كان في العسكر من شيء وبعث به إلى مسجد البصرة وقال من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان ولكن ابن أبي الحديد يقول اتفقت الرواة كلها على أنه (ع) قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح ودابة ومملوك ومتاع وعروض فقسمه بين أصحابه وإنهم قالوا إنه أقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا فقال لا فقالوا كيف تحل لنا دم كيف تحل لنا دماؤهم ويحرم علينا سبيهم فقال كيف يحل لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة وإسلام، أما ما اجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم، وأما ما دارت عليه الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو لأهله، فلما أكثروا عليه، قال اقترعوا على عائشة، فقالوا نستغفر الله.

قال المفيد: ثم كتب بالفتح إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة سلام عليكم فاني احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال أخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة ومن تأشب إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير ونكثهم صفقة إيمانهم فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبر من سار إليها وجماعتهم وما فعلوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر وقيس بن سعد فاستنفرتكم بحق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم وحقي فاقبل إلي إخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت بهم حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وقمت بالحجة وأقلت العثرة والزلة من أهل الردة من قريش وغيرهم واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعده الله عليهم فأبوا إلا قتالي وقتال من معي والتمادي في الغي فناهضتهم بالجهاد فقتل الله من قتل منهم ناكثا وولى من ولى إلى مصيرهم وقتل طلحة والزبير وخذلوا وأدبروا وتقطعت بهم الأسباب فلما رأوا ما حل بهم سألوني العفو عنهم فقبلت منهم وغمدت السيف عنهم وأجريت الحق والسنة فيهم واستعملت عبد الله بن العباس على البصرة وأنا سائر إلى الكوفة إن شاء الله وقد بعثت زحر بن قيس الجعفي لتسألوه فيخبركم عنا وعنهم وردهم الحق علينا ورد الله لهم وهم كارهون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وروى الكشي في رجاله بسنده والمفيد في الرسالة الكافية بسندين أحدهما من طريق العامة والآخر من طريق الخاصة وابن أبي الحديد في شرح النهج بألفاظ متقاربة قالوا بعث أمير المؤمنين علي (ع) بعد وقعة الجمل عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة. قال ابن عباس فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة فطلبت الإذن عليها فلم تأذن فدخلت من غير إذن فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس فإذا هي من وراء ستر فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رجل عليه طنفسة فمددت الطنفسة فجلست عليها، فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على وسادتنا بغير إذننا، فقال لها ابن عباس: نحن أولي بالسنة منك ونحن علمناك السنة وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت منه فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك ولم نجلس على وسادتك إلا بأمرك، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة، قالت وأين أمير المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب، قال وهذا علي بن أبي طالب، قالت أبيت بيت، قال أما والله إن كان اباؤك فيه إلا قصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين النكد، وما كان اباؤك فيه إلا حلب شاة حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين وما كنت إلا كما قال أخو بني أسد:

قال فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب، ثم قالت إني معجلة الرحيل إلى بلادي والله ما من بلد أبغض إلى من بلد أنتم فيه، قال ولم ذاك؟ وقد جعلناك للمؤمنين أما وجعلنا أباك صديقا، قالت يا ابن عباس تمنون علي برسول الله؟ قال ولم لا نمن عليك بمن لو كان منك لقامة منه مننت به علينا ونحن لحمه ودمه ومنه واليه وما أنت إلا حشية من تسع حشايا فصرت تأمرين فتطاعين وتدعين فتجابين: ثم نهضت واتيت أمير المؤمنين (ع) فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها فسر بذلك وقال لي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. وفي رواية: أنا كنت اعلم بك حيث بعثتك. وروى الطبري إن عمار بن ياسر قال لعائشة حين فرغ القوم: يا أم المؤمنين ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك، قالت أبو اليقظان؟ قال نعم، قالت والله انك ما علمت قوال بالحق، قال الحمد لله الذي قضى لي على لسانك. قال: وجهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع واخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وأرسل معها أخاها محمدا وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة 36، وفي إثبات الوصية للمسعودي وكل بها نساء ملثمات اركبهن الخيل، وفي تذكرة الخواص عن هشام الكلبي بعث معها أخاها عبد الرحمن في ثلاثين رجلا وعشرين امرأة ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وقال لا تعلمنها إنكن نسوة وتلثمن ولا يقرب منها رجل فلما وصلت المدينة عرفنها أنهن نسوة، وفي كامل المبرد قال عمرو بن العاص لعائشة: لوددت أنك كنت قتلت يوم الجمل، فقالت ولم لا أبالك؟ فقال كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكبر التشنيع على علي.

واستخلف أمير المؤمنين (ع) على البصرة ابن عباس وولى زيادا الخراج وبيت المال وتوجه إلى الكوفة، ثم إن ابن عباس كتب إليه يذكر اختلاف أهل البصرة فأجابه أمير المؤمنين (ع) سأخبرك عن القوم: هم من بين مقيم لرغبة يرجوها أو عقوبة يخشاها فارغب راغبهم بالعدل عليه والإنصاف له والإحسان إليه وحل عقدة الخوف عن قلوبهم وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة وكل من قبلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله والسلام وكتب عبد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة 36 وكتب إلى ابن عباس أيضا أما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين وفيئهم فاقسمه على من قبلك حتى تغنيهم وابعث إلينا بما فضل نفسه فيمن قبلنا والسلام. وكتب (ع) إلى أمراء الجنود إن لكم عندي إن لا احتجز دونكم سرا إلا في حرب ولا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم ولا أؤخر حقا لكم عن محله ولا أرزأكم شيئا وان تكونوا عندي في الحق سواء فان أبيتم إن تستقيموا لي على ذلك لم يكن ون علي ممن فعل ذلك منكم ثم أعاقبه عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة. وكتب إلى أمراء الخراج: ارحموا ترحموا ولا تعذبوا خلق الله ولا تكلفوهم فوق طاقتهم وانصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية لا تتخذن حجابا ولا تحجبن أحدا عن حاجة حتى ينهيها إليكم لا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيلا عمن كفل عنه وإياكم وتأخير العمل ودفع الخير فان في ذلك الندم والسلام. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين بسنده أنه لما قدم أمير المؤمنين (ع) من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين وقد أعز الله نصره وأظهره على عدوه ومعه أشراف الناس وأهل البصرة استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم فدعوا له بالبركة وقالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل، أتنزل القصر؟ (يعني قصر الإمارة) قال لا ولكني انزل الرحبة وهي محلة بالكوفة. وفي رواية انه لما لحقه ثقله، قالوا أي القصرين تنزل: فقال قصر الخبال لا تنزلونيه، ونزل على جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن أخته أم هاني تزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأولدها جعدة وكان شريفا. ويظهر من هذه الرواية إنه كان بالكوفة قصران للإمارة، والخبال الفساد، والظاهر أنه لم يرض إن ينزل بقصر الإمارة وسماه قصر الخبال باعتبار من كان ينزله من بعض حكام الجور. فتنزه عن أن ينزل في محل نزولهم مبالغة في إنكار الظلم ولم يعلم أنه هل استمر على هجر قصر الإمارة أو نزله بعد ما تمهدت له الأمور، لم نجد في ذلك تصريحا للمؤرخين. وفي طبقات ابن سعد: نزل علي الكوفة في الرحبة التي يقال لها رحبة علي في اخصاص كانت فيها ولم ينزل القصر الذي كانت تنزله الولاة قبله ولعله نزل أولا على جعدة ثم نزل الرحبة ولكن يظهر من بعض أحاديث وفاته إنها كانت بالقصر فيكون قد نزله بعد ذلك. وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين.

أول خطبة خطبها علي

عليه السلام

بالكوفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم وقال: أما بعد يا أهل الكوفة فان لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم وبدأتم بالمنكر فغيرتم إلا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله فأما في الأحكام والقسم فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه إلا إن أخوف ما أخاف عليكم أتباع الهوى وطول الأمل، فأما أتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة إلا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهن بنون فكونوا من أبناء الآخرة، اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل الحمد لله الذي نصر وليه وخذل عدوه وأعز أنصار الحق وأذل الناكث المبطل عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولي بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المنتحلين المدعين المقبلين لنا يتفضلون بفضلنا ويجاحدوننا أمرنا وينازعونا حقنا ويدافعوا بنا عنه فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا إلا أنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار فاهجروهم واسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة. فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي وكان صاحب شرطته فقال والله إني لأرى الهجر وسماع المكروه لهم قليلا والله لئن أمرتنا لنقتلهم فقال علي سبحان الله يا مال جزت المدى وعدوت الحد وأغرقت في النزع فقال يا أمير المؤمنين:

فقال علي (ع) هكذا قضى الله يا مال، قال النفس بالنفس فما بال الغشم وقال ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا، والإسراف في القتل إن تقتل غير قاتلك فقد نهى الله عنه وذلك هو الغشم. فقام إليه أبو بردة بن الأعوف الأزدي وكان ممن تخلف عنه فقال يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة بم قتلوا قال قتلوا شيعتي وعمالي وقتلوا أخا ربيعة العبيدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا لا تنكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني اقتلهم بهم ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم فأبوا علي وقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم بهم أفي شك أنت من ذلك؟ قال قد كنت في شك ف أما الآن فقد عرفت واستبان لي خطا القوم وإنك أنت المهدي المصيب. قال نصر: وكان أشياخ الحي يذكرون انه كان عثمانيا وقد شهد مع علي على ذلك صفين لكنه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية فلما ظهر معاوية اقطعه قطيعة بالفلوجة وكان عليه كريما. ثم إن عليا تهيا لينزل وقام رجال ليتكلموا فلما رأوه نزل جلسوا وسكتوا. وفي رواية انه لما قدم الكوفة نزل على باب المسجد فدخل وصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسال عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة فقيل استأثر الله به فقال إن الله لا يستأثر بأحد من خلقه إنما أراد الله بالموت إعزاز نفسه وإذلال خلقه. وقرأ: وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم. ودخل عليه سليمان بن صرد الخزاعي فعاتبه وعذله وقال له: ارتبت وتربصت وراوغت وقد كنت من أوثق الناس في نفسي وأسرعهم فيما أظن إلى نصرتي فما قعد بك عن أهل بيت نبيك وما زهدك في نصرهم فقال يا أمير المؤمنين لا تردن الأمور على أعقابها ولا تؤنبني بما مضى فيها واستبق مودتي تخلص لك نصيحتي وقد بقيت أمور تعرف بها وليك من عدوك فسكت عنه. وجلس سليمان قليلا ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي وهو قاعد في المسجد فقال ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت منه من التبكيت والتوبيخ فقال له الحسن إنما يعاتب من ترجى مودته ونصيحته فقال إنه بقيت أمور سيستوسق فيها القنا وينتضى فيها السيوف ويحتاج فيها إلى أشباهي فلا تستشبعوا غيبتي ولا تتهموا نصيحتي فقال له الحسن رحمك الله ما أنت عندنا بالظنين.

ودخل عليه سعد بن قيس فسلم عليه، فقال له علي وعليك السلام وإن كنت من المتربصين فقال حاش الله يا أمير المؤمنين لست من أولئك قال فعل الله ذلك. ودخل عليه مخنف بن سليم فإذا بين يديه رجال يؤنبهم وهم عبد الله بن المعتم العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي وكانت لهما صحبة وأبو بردة بن عوف الأزدي وغريب بن شرحبيل الهمداني وهو يقول لهم ما أبطأ بكم عني وأنتم أشراف قومكم والله لئن كان من ضعف النية وتقصير البصيرة إنكم لبور وإن كان من شك في فضلي ومظاهرة علي إنكم لعدو قالوا حاش الله يا أمير المؤمنين نحن سلمك وحرب عدوك ثم اعتذروا بمرض أو غيبة أو عذر آخر ونظر إلى مخنف فقال لكن مخنف بن سليم وقومه لم يتخلفوا ولم يكن مثلهم مثل القوم الذين قال الله تعالى وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.

وأتم علي الصلاة يوم دخل الكوفة فلما كانت الجمعة وحضرت الصلاة صلى بهم وخطب وأقام بالكوفة واستعمل العمال فبعث يزيد بن قيس الأرحبي على المدائن جوخى كلها وبعث مخنف بن سليم على أصبهان وهمدان فلما هرب بالمال قال عذرت. القردان فما بال الحلم وبعث قرظة بن كعب على البهقبا ذات وقدامة بن مظعون الأزدي على كسكر وعدي ابن الحارث على مدينة بهرسير واستانها وأبا حسان البكري على ستان العالي وسعد بن مسعود الثقفي على استان الزوابي وربعي بن كأس على سجستان وخليد إلى خراسان فلما دنا من نيسابور بلغه إن أهل خراسان قد كفروا ونزعوا أيديهم من الطاعة وقدم عليهم عمال كسرى من كابل فقاتل أهل نيسابور فهزمهم وحصر لها وبعث إلى علي بالفتح.

وبعث الأشتر على الموصل ونصيبين ودارا وسنجار وآمد وهيت وعانات وما غلب عليه من أرض الجزيرة. وبعث معاوية بن أبي سفيان الضحاك بن قيس الفهري على ما في سلطانه من أرض الجزيرة وكان بيده حران والرقة والرها وقرقيسيا وكان من بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية فخرج الأشتر يريد الضحاك بن قيس بحران فلما بلغ ذلك الضحاك بعث إلى أهل الرقة فأمدوه وجل لها عثمانية فالتقى بهم بمرج مرينا بين حران والرقة فرحل الأشتر حتى نزل عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا فلما كان المساء رجع الضحاك بمن معه فسار ليلته كلها حتى أصبح بحران وأصبح الأشتر فرأى ما صنعوا فتبعهم حتى أتى حران فحصرهم وأتى الخبر معاوية فبعث عبد الرحمن بن خالد في خيل يغيثهم فلما بلغ ذلك الأشتر كتب كتائبه وعبا جنوده وخيله ثم ناداهم الأشتر إلا تنزلون أيها الثعالب الرواغة احتجرتم احتجار الضباب ثم تركهم وانصرف لما علم بالمدد وبلغ عبد الرحمن بن خالد انصرافه فانصرف.

وحشر علي أهل السواد فلما اجتمعوا أذن لهم فلما رأى كثرتهم قال إني لا أطيق كلامكم ولا أفقه عنكم فاسندوا أمركم إلى أرضاكم في أنفسكم وأعمه نصيحة لكم، قالوا نرسا ما رضي فقد رضيناه وما سخط فقد سخطناه، فتقدم فجلس إليه، فقال أخبرني عن ملوك فارس كم كانوا؟ قال كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكا، قال كيف كانت سيرتهم قال ما زالت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة حتى ملكنا كسرى بن هرمز فاستأثر بالمال والأعمال وخالف أولينا وأخرب الذي للناس وعمر الذي له واستخف بالناس فأوغر نفوس فارس حتى ثاروا إليه فقتلوه فقال يا نرسا إن الله عز وجل خلق الخلق بالحق ولا يرضى من أحد إلا بالحق وفي سلطان الله تذكرة مما خول الله وإنها لا تقوم مملكة إلا بتدبير ولا بد من إمارة، ثم أمر على أهل السواد أمراءهم. ثم كتب إلى العمال في الآفاق، كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي مع زحر بن قيس وكان جرير عاملا لعثمان على ثغر همدان يخبره بوقعة الجمل ونكثهم بيعته وفعلهم بعامله عثمان بن حنيف وعفوه عنهم ومسيره إلى الكوفة فخطبهم جرير فقال أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو المأمون على الدين والدنيا وقد كان أمره وأمر عدوه ما نحمد الله عليه وقد بايعه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ولو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها إلا وان البقاء في الجماعة والفناء في الفرقة وعلي حاملكم على الحق ما استقمتم فان ملتم أقام ميلكم فقال الناس سمعا وطاعة رضينا رضينا فكتب جرير جواب كتابه بالطاعة، وكان مع علي رجل من طيء ابن أخت الجرير فكتب إلى خاله أبياتا مع زحر بن قيس منها:

وقال جرير في ذلك من أبيات:

فسر الناس بخطبة جرير وشعره وقال ابن الأزور القسري يمدح جريرا في خطبته:

ثم أقبل جرير من ثغر همدان حتى ورد على علي (ع) بالكوفة فبايعه ودخل فيما دخل فيه الناس من الطاعة. وكتب علي (ع) إلى الأشعث بن قيس مع زياد بن مرحب الهمداني والأشعث عامل عثمان على أذربيجان وقد كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الأشعث بن قيس: أما بعد لولا هنات كن فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس ولعل أمرك يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله ثم إنه كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك وكان طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي على غير حدث واخرجا أم المؤمنين وسارا إلى البصرة فسرت إليهما فالتقينا فدعوتهم إلى إن يرجعوا فيما خرجوا منه فأبوا فأبلغت في الدعاء وأحسنت في البقية وان عملك ليس لك بطعمة ولكنه أمانة وفي يديك مال من مال لله وأنت من خزان الله عليه حتى سلمه إلي ولعلي إن لا أكون شر ولاتك لك إن أسقمت ولا قوة إلا بالله. وهذا الكتاب هو عزل للأشعث. فقام زياد بن مرحب فخطب وذكر ما جرى لأهل الجمل ثم قام الأشعث فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن أمير المؤمنين عثمان ولاني أذربيجان فهلك وهي في يدي وقد بايع الناس عليا وطاعتنا له كطاعتنا من كان قبله وقد كان من أمر طلحة والزبير ما قد بلغكم وعلي المأمون ما غاب عنكم وعنا. فلما أتى منزله دعا أصحابه فقال إن كتاب علي قد أوحشني وهو آخذ مال أذربيجان وأنا لاحق بمعاوية، فقالوا الموت خير لك من ذلك أتدع مصرك وجماعة قومك وتكون ذنبا لأهل الشام فاستحيا فسار حتى قدم على علي.

حرب صفين

وهي من الحروب العظيمة التي وقعت في الإسلام قتل فيها من الفريقين مائة وعشرة آلاف على الأكثر وسبعون ألفا على الأقل وكان الباعث عليها كالباعث على حرب الجمل وهو حب الدنيا والعداوة للرسول وأهل بيته ولو كانت هذه الحروب في نصرة الإسلام لجرت على الإسلام خيرا كثيرا بقدر ما جرت عليه من الضرر أو أكثر أو إن الباعث عليه الاجتهاد وطلب ثار الخليفة وإن كان ثأره عند من طلب بثأره فالاجتهاد بابه واسع فيمكن للقاتل إن يطلب بثار القتيل لأن اجتهاده أداه إلى ذلك فيقتل بسبب ذلك مئات الألوف من المسلمين ويجر إلى القاتل والمقتول منهم نفعا عظيما فيكون كلاهما في الجنة وأي سعادة أعظم من دخول الجنة!!

الكتب المؤلفة في وقعة صفين

وقد صنفت في وقعة صفين كتب مستقلة مثل كتاب نصر بن مزاحم المنقري وكتاب إبراهيم بن ديزيل وكتاب أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي وغيرها.

مقدار الجيشين

قال المسعودي: اختلف في مقدار ما كان مع علي من الجيش وما كان مع معاوية فمكثر ومقل والمتفق عليه من قول الجميع أنه كان مع علي تسعون ألفا ومع معاوية خمسة وثمانون ألفا.

تاريخ الواقعة

الذي ذكره جماعة من المؤرخين إنها كانت من ابتداء ذي الحجة سنة 36 وانتهت في 13 صفر سنة 37 ففي جمادي الآخرة سنة 36 كانت وقعة الجمل كما مر وفي 12 رجب منها سار أمير المؤمنين (ع) من البصرة إلى الكوفة والمسافة بينهما نحو عشرة أيام فيكون وصوله إليها في نحو 22 منه وقال نصر في كتاب صفين في يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة 36 قدم علي من البصرة إلى الكوفة وظاهره إن وصوله إليها كان بذلك التاريخ ويمكن إن يريد خروجه إليها. ثم خرج إلى النخيلة معسكر الكوفة في أواخر شهر رمضان أو أول شوال منها وفي 5 أو 6 من شوال سار من النخيلة إلى صفين أما وصوله إلى صفين فلا يحضرني الآن تعيينه ويظهر من الطبري إن وصولهم إلى صفين كان في أواسط ذي القعدة سنة 36 فإنه بعد ما ذكر القتال على الماء عند وصولهم قال فمكث علي يومين لا يراسل معاوية ثم راسله أول ذي الحجة فيكون مقامهم في الطريق بين الكوفة وصفين نحو شهر وعشرين يوما والمسافة بينهما وإن كان يمكن قطعها بأقل من نصف هذه المدة إلا أن مسير جيش فيه تسعون ألفا أو أكثر بأثقالها لا يمكن إلا أن يكون في قليل من كل يوم غدوة وعصرا لا سيما إن كان يجمع العساكر في طريقه من المدائن وغيرها وأن أهل الرقة منعوه من العبور وقطعوا الجسر ومضت مدة حتى أعادوه وجرت خطوب كما يأتي استغرقت زمنا طويلا. وقال المسعودي وغيره إن مقامهم بصفين كان مائة يوم وعشرة أيام كان فيها نحو تسعين أو سبعين وقعة وهو يقارب ما ذكره الطبري بأن يكون وصولهم إلى صفين في العشرين من ذي القعدة فإذا ضمت العشرين الباقية منه إلى ذي الحجة والمحرم وصفر الذي كتبت الصحيفة لأيام بقيت منه لعلها لا تتجاوز الثلاثة فهذه نحو مائة يوم وإلى إن أمضيت الصحيفة واستعدوا للسفر مضى نحو ثلاثة عشر يوما فهذه مائة يوم وعشرة أيام. وقال المسعودي أيضا كان بين دخول علي إلى الكوفة والتقائه مع معاوية للقتال بصفين ستة أشهر و13 يوما لعله أراد المدة بين دخوله الكوفة وانتهاء الحرب فخرج من البصرة في 12 رجب ووصل الكوفة في آخره فقطع المسافة بينهما في 18 يوما وإن كان يمكن قطعها بأقل فأقام بها شعبان ورمضان وخرج إلى صفين في شوال أو أواخر شهر رمضان ووصلها في ذي القعدة وانتهت الحرب في 13 صفر فهذه ستة أشهر و13 يوما.

والحاصل أنه في جمادي الآخرة سنة 36 كانت وقعة الجمل وفي 12 رجب منها سار أمير المؤمنين (ع) من البصرة إلى الكوفة وفي آخر رمضان أو أول شوال خرج من الكوفة إلى النخيلة وفي 5 أو 6 من شوال سار من النخيلة إلى صفين فوصلها في ذي القعدة وابتدأ الحرب في أول ذي الحجة سنة 36 قاله ابن الأثير وغيره واستمر إلى آخره وتركوا الحرب في المحرم سنة 37 واستؤنف واشتد في أول صفر إلى 13 منه فوقع الصلح. وفي مروج الذهب كان الصلح لأيام بقين من صفر سنة 37 وقيل بعد هذا الشهر منها وفيه في موضع آخر وكتبت صحيفة الصلح لأيام بقين منه. واجتمع الحكمان في شعبان سنة 37. هذا ما ذكره جماعة من المؤرخين في تواريخ هذه الوقعة.

وقيل كانت الوقعة سنة 38 وعليه ينطبق قول المسعودي كان التقاء الحكمين سنة 38 وما حكاه الطبري عن الواقدي إن اجتماع الحكمين كان في شعبان سنة 38 أو إن اجتماع الحكمين تأخر أكثر من سنة وهو بعيد وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين إنهم تراسلوا بعد وصول علي (ع) إلى صفين ثلاثة شهور ربيع الثاني وجمادين وهو يقتضي أن يكون وصولهم لصفين في أواخر ربيع الأول وهو يخالف ما مر من إن وصولهم كان في أواخر ذي القعدة مع عدم انطباقه على كون الوقعة سنة 36 ولا على كونها سنة 37 ولا 38 لأنه إن كان من سنة 36 فحرب الجمل لم تكن قد وقعت بعد وإن كان من سنة 37 يلزم كون مقامهم بصفين أكثر من سنة وقد مر أنه كان مائة يوم وعشرة أيام وإن كان من سنة 38 فيلزم أن يكون مقامهم بصفين أكثر من سنة أيضا.

ونحن نعتمد في حرب صفين على كتاب نصر بن مزاحم فإنه من الكتب المعتمدة فإن أخذنا شيئا من غيره صرحنا به. قال نصر بن مزاحم إن عليا مكث بالكوفة فقال الشني في ذلك شن عبد القيس:

وكتب علي إلى العمال في الآفاق وكان من الوجوه إليه الشام وقدم عليه الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة وحارثة بن بدر وزيد بن جبلة وأعين بن ضبيعة فتكلم الأحنف فقال يا أمير المؤمنين إن تك سعد لم تنصرك يوم الجمل فإنها لم تنصر عليك وقد عجبوا أمس ممن نصرك وعجبوا اليوم ممن خذلك لأنهم شكوا في طلحة والزبير ولم يشكوا في معاوية وعشيرتنا بالبصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا بهم العدو وانتصفنا بهم وأدركوا اليوم ما فاتهم أمس فقال علي لجارية بن قدامة وكان رجل تميم بعد الأحنف ما تقول يا جارية فأجاب بما يدل على كراهته لأشخاص قومه عن البصرة وكان حارثة بن بدر أشد الناس عند الأحنف وكان شاعر بني تميم وفارسهم فقال علي ما تقول يا حارثة فقال من جملة كلام: إن لنا في قومنا عددا لا نلقي بهم عدوا أعدى من معاوية ولا نسد بهم ثغرا أشد من الشام ووافق الأحنف في رأيه فقال علي للأحنف اكتب إلى قومك فكتب إلى بني سعد أما بعد فإنه لم يبق أحد من بني تميم إلا وقد شقوا برأي سيدهم غيركم وعصمكم الله برأيي لكم حتى نلتم ما رجوتم وأمنتم ما خفتم وأصبحتم منقطعين من أهل البلاء لاحقين بأهل العافية واني أخبركم أنا قدمنا على تميم الكوفة فاخذوا عينا بفضلهم مرتين بمسيرهم إلينا مع علي وأجابتهم إلى المسير إلى الشام فاقبلوا إلينا ولا تتكلوا عليهم وكتب معاوية بن صعصعة وهو ابن أخي الأحنف إليهم:

فلما انتهى كتاب الأحنف وشعر معاوية بن صعصعة إلى بني سعد ساروا بجماعتهم حتى نزلوا الكوفة قدمت عليهم ربيعة.

إرسال جرير إلى معاوية

وأراد علي إن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير بن عبد الله البجلي ابعثني إليه فإنه لم يزل لي مستنصحا فادعوه إلى أن يسلم لك الأمر على إن يكون أميرا من أمرائك وعاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وجلهم قومي وأهل بلادي وقد رجوت أن لا يعصوني فقال له الأشتر لا تبعثه فو الله إني لأظن هواه هواهم فقال له علي دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا فبعثه وقال له إن حولي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الدين والرأي من قد رأيت وقد اخترتك عليهم ائت معاوية بكتابي فان دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه واعلمه إني لا أرضى به أميرا وقال المبرد في الكامل إن جريرا قال له والله يا أمير المؤمنين ما ادخرك من نصرتي شيئا وما أطمع لك في معاوية فقال علي إنما قصدي حجة أقيمها فانطلق جرير حتى أتى الشام ودخل على معاوية فقال أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز واليمن ومصر وأهل العروض وعمان وأهل البحرين واليمامة ولم يبق إلا هذه الحصون التي أنت بها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل ودفع إليه كتاب علي بن أبي طالب وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه فلم يك للشاهد أن يختار وللغائب إن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل فسموه أما ما كان ذلك لله رضا فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فان تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايع ولا قوة إلا بالله فلما قرأ الكتاب قام جرير فخطب خطبة قال في آخرها أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه وإن الناس بايعوا عليا غير واتر ولا موتور وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث إلا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن إلا وإن العرب لا تحتمل السيف وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة أن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس وقد بايعت العامة عليا ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره وما خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس فان قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فان هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل امرئ ما في يديه ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول وجعل تلك أمورا موطأة وحقوقا ينسخ بعضها بعضا. فقال معاوية انظر وتنظر واستطلع رأي أهل الشام وأمر معاوية مناديا فنادى الصلاة جامعة فصعد المنبر وقال: الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركانا والشرائع للإيمان برهانا يتوقد قابسه في الأرض المقدسة التي جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده فأحلها أهل الشام ورضيهم لها ورضيها لهم لما سبق من مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم خلفاءه والقوام بأمره والذابين عن دينه وحرماته ثم جعلهم لهذه الأمة نظ أما وفي سبيل الخيرات اعلم أما يردع الله بهم الناكثين ويجمع بهم ألفة المؤمنين والله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام وتباعد بعد القرب اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا ويخيفون آمننا ويريدون هراقة دمائنا وإخافة سبلنا وقد يعلم الله أنا لم نرد بهم عقابا ولا نهتك لهم حجابا ولا نوطئهم زلقا غير إن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى وسقط الندى وعرف الهدى حملهم على خلافنا البغي والحسد فالله نستعين عليهم أيها الناس قد علمتم إني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب واني خليفة عثمان بن عفان عليكم وإني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط واني ولي عثمان وقد قتل مظلوما والله يقول ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان. فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم ويدركوا ثأره أو يفني الله أرواحهم فلما جن معاوية الليل وكان قد اغتم وعنده أهل بيته قال:

واستحثه جرير بالبيعة فقال يا جرير إنها ليست بخلسة وانه أمر له ما بعده فأبلعني ريقي حتى انظر.

طلب معاوية عمرو بن العاص

ودعا ثقاته فقال له عتبة بن أبي سفيان وكان نظيره استعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص وأثمن له بدينه فإنه من قد عرفت وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن يرى فرصة فكتب معاوية إلى عمرو وهو بفلسطين كان ذهب إليها لما حوصر عثمان وكان له منزل بها: أما بعد فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني اقبل أذاكرك أمرا فاستشار عمرو ابنيه عبد الله ومحمدا فقال عبد الله قتل عثمان وأنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشك إن تهلك فتشقى فيها. وقال محمد إنك شيخ قريش وصاحب أمرها وإن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل تصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أيديها واطلب بدم عثمان. فقال عمرو أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في دنياي وأنا ناظر فيه فلما جنه الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه فقال:

فقال عبد الله ترحل الشيخ ودعا عمرو غل أما له يقال له وردان وكان داهيا ماردا فقال ارحل يا وردان ثم قال حط يا وردان فقال له وردان خلطت أبا عبد الله أما إنك إن شئت أنبأتك بما في نفسك قال هات ويحك قال اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة وليس في الدنيا عوض من الآخرة فأنت واقف بينهما قال والله ما أخطأت فما ترى يا وردان قال أرى إن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت عفو دينهم وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك قال الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية فارتحل وهو يقول:

فسار حتى قدم على معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده وكايد كل واحد منهما صاحبه فلما دخل عليه قال أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر قال وما ذاك قال ذاك إن محمد بن أبي حذيفة ثم صالحه معاوية فغدر به وسجنه. كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه وهو من آفات هذا الدين ومنها إن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام ومنها إن عليا نزل الكوفة متهيأ للمسير إلينا قال ليس كل ما ذكرت عظيما أما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به وإن فاتك لا يضرك وأما قيصر فاهد له من وصفاء الروم ووصائفها وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنه إليها سريع وأما علي فلا والله يا معاوية ما تسوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش وإنه لصاحب ما هو فيه إلا إن تظلمه.

وقال معاوية لعمرو يا أبا عبد الله إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وقتل الخليفة وأظهر الفتنة وفرى الجماعة وقطع الرحم، قال عمرو إلى من؟ قال: إلى جهاد علي فقال له عمرو والله يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير ما لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه والله إن له مع ذلك حدا وحدودا وحظا وحظوة وبلاء من الله حسنا فما تجعل لي إن شايعتك على حربه وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر قال حكمك قال مصر طعمة، فتلكأ عليه معاوية وفي رواية قال له معاوية إني أكره لك أن يتحدث العرب عنك إنك إنما دخلت في هذا الأمر لعرض الدنيا قال دعني عنك قال معاوية إني لو شئت إن أمنيك وأخدعك لفعلت قال عمرو لا لعمر الله ما مثلي يخدع لأنا أكيس من ذلك قال له معاوية ادن مني برأسك أسارك فدنا منه عمرو يساره فعض معاوية أذنه وقال هذه خدعة هل ترى في بيتي أحدا غيري وغيرك فأنشأ عمرو يقول:

قال يا أبا عبد الله ألم تعلم إن مصر مثل العراق قال بلى ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق، وقد كان لها بعثوا بطاعتهم إلى علي ودخل عتبة بن أبي سفيان فقال أما ترضى إن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك فليتك لا تغلب على الشام فقال معاوية يا عتبة بت عندنا الليلة. فلما جن الليل على عتبة رفع صوته ليسمع معاوية وقال من أبيات:

فلما سمع معاوية قوله أرسل إلى عمرو وأعطاه مصرا فقال عمرو لي الله عليك بذلك شاهد قال نعم لك الله علي بذلك إن فتح الله علينا الكوفة فقال عمرو والله على ما نقول وكيل فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه ما صنعت قال أعطانا مصر طعمة قالا وما مصر في ملك العرب قال لا أشبع الله بطونكما إن لم تشبعكما وكتب معاوية له بمصر كتابا وكتب على أن لا ينقض شرط طاعة فكتب عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا فكايد كل واحد منهما صاحبه. ذكر هذا اللفظ أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل، وتفسيره: إن قول معاوية على إن لا ينقض شرط طاعة أي إن الإخلال بما شرط له لا ينقض طاعة عمرو له فعليه إن يطيعه ولو أخل بالشرط وقول عمرو على إن لا ينقض طاعة شرطا أي إن الإخلال بالطاعة لا ينقض هذا الشرط فعليه إن يفي بما شرط ولو أخل عمرو بالطاعة. وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا حليما فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال إلا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال عمرو يا ابن الأخ إن الأمر لله دون علي ومعاوية فقال الفتى في ذلك شعرا:

فقال عمرو يا ابن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكن الآن مع معاوية فقال له الفتى إنك إن لم ترد معاوية لم يردك ولكنك تريد دنياه ويريد دينك وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب فلحق بعلي فحدثه بأمر عمرو ومعاوية فسره ذلك وقربه. وغضب مروان وقال ما بالي لا اشتري كما اشتري عمرو؟! فقال له معاوية: إنما تبتاع الرجال لك. وقال معاوية لعمرو ما ترى قال امض الرأي الأول فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب ابن أبي حذيفة فأدركه فقتله وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه ثم قال ما ترى في علي؟ قال إن رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط بن جبلة الكندي هو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس إن عليا قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلق بقلبه لم يخرجها شيء أبدا فكتب، إليه إن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع فأقدم، ودعا جماعة هم رؤساء قحطان واليمن وثقات معاوية وخاصته وبنو عم شرحبيل وأمرهم إن يلقوه ويخبروه إن عليا قتل عثمان فلما قدم عليه كتاب معاوية وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وكان أفقه أهل الشام فقال إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أنه قد القي إلينا قتل عثمان وإن عليا قتله فان يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار وهم الحكام على الناس وإن لم يكن قتله فعلا ما تصدق معاوية عليه لا تهلك نفسك وقومك، فأبى شرحبيل إلا إن يسير إلى معاوية فبعث إليه عياض اليماني وكان ناسكا بهذه الأبيات:

فلما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فأعظموه ودخل على معاوية فقال معاوية إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وحبست نفسي عليك وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل اخرج فانظر فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له فكلهم يخبره بان عليا قتل عثمان فرجع إلى معاوية مغضبا فقال يا معاوية أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك قال معاوية ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلا رجل من أهل الشام قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن. فعرف معاوية إن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وإن الشام كله مع شرحبيل فخرج شرحبيل فقال لحصين بن نمير ابعث إلى جرير فبعث إليه فاجتمعا عنده فقال شرحبيل يا جرير أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد وأردت إن تخلط الشام بالعراق وأطريت عليا وهو قاتل عثمان والله سائلك عما قلت يوم القيامة فقال جرير أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير وأما قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواته القيت نفسك وأما خلط العراق بالشام فخلطها بها على حق خير من فرقتها على باطل وأما قولك إن عليا قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد ولكنك ملت إلى الدنيا وشيء كان في نفسك علي زمن سعد بن أبي وقاص. فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره وكتب جرير إلى شرحبيل:

فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر وقال هذه نصيحة لي في ديني ودنياي لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشيء فلفلف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه وبلغ ذلك قومه فبعث إليه ابن أخت له من بارق كان يرى رأي علي بن أبي طالب فبايعه وكان ممن لحق به من أهل الشام وكان ناسكا فقال:

فقال شرحبيل هذا بعيث الشيطان الآن امتحن الله قلبي والله لأسيرن إلى صاحب هذا الشعر أو ليفوتني فهرب الفتى إلى الكوفة وكان أصله منها وكاد أهل الشام إن يرتابوا وبعث معاوية إلى شرحبيل أنه قد كان من أجابتك الحق وما وقع فيه أجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ما علمت وإن هذا الأمر الذي عرفته لا يتم إلا برضا العامة فسر في مدائن الشام وناد فيهم بأن عليا قتل عثمان وأنه يجب على المسلمين إن يطلبوا بدمه فسار فبدأ بأهل حمص فقام فيهم خطيبا وكان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألها فقال يا أيها الناس إن عليا قتل عثمان وقد غضب له قوم فقتلهم وغلب على الأرض فلم يبق إلا الشام وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية فجدوا فأجابه الناس إلا نساك من أهل حمص فإنهم قالوا بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى وجعل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به فبعث إليه الناشي بن الحارث وكان صديقا له:

(وروى نصر بن مزاحم) بسنده عن الشعبي إن شرحبيل دخل على معاوية فقال أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ونحن المؤمنون فان كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك ثأرنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد ثم جاهدنا معه حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك فقال جرير يا شرحبيل مهلا فان الله قد حقن الدماء ولم الشعث وجمع أمر الأمة ودنا من هذه الأمة سكون فإياك إن تفسد بين الناس وامسك عن هذا القول قبل إن يظهر منك قول لا تستطيع رده، قال لا والله لا أسره أبدا ثم قال فتكلم فقال الناس صدق صدق، القول ما قال والرأي ما رأى فآيس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام. وكان معاوية أتى جريرا في منزله فقال إني رأيت رأيا قال هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي واسلم له هذا الأمر وأكتب إليه بالخلافة فقال جرير أكتب بما أردت وأكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير أما بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة وأن يختار من أمره ما أحب وأراد إن يريثك حتى يذوق أهل الشام وأن المغيرة بن شعبة قد كان أشار على إن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا. فان بايعك الرجل وإلا فاقبل. وفشا كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة:

وأبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا وأبطأ على علي حتى أيس منه فكتب إليه أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فان اختار الحرب فانبذ له وإن اختار السلم فخذ بيعته. فاقرأ معاوية الكتاب وقال يا معاوية لا أظن إن قلبك إلا مطبوعا أراك قد وقفت بك الحق والباطل فقال معاوية ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء الله فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال يا جرير ألحق بصاحبك، وكتب إليه بالحرب، قال المبرد الكامل وكتب إليه مع جرير جواب كتابه المتقدم: من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت بريء من دم عثمان كنت كأبي بكر وعمر وعثمان ولكنك أغريت بعثمان المهاجرين وخذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد أبى أهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ولعمري ليس حججك علي كحججك على طلحة والزبير لأنهما بايعاك ولم أبايعك وما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام فأما شرفك في الإسلام وقرابتك من النبي صلى الله عليه وسلم وموضعك من قريش فلست أدفعه، وكتب في أسفل الكتاب أبيات كعب بن جعيل:

قال المبرد في الكامل: فأجابه علي (ع) عن كتابه هذا: من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر بن حرب أما بعد فإنه أتاني منك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه وقاده الضلال فاتبعه زعمت إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا وما كان الله ليجمعهم على الضلال ولا يضربهم بالعمى وبعد فما أنت وعثمان إنما أنت رجل من بني أمية وبنو عثمان أولى بذلك منك فان زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على المحجة وأم تمييزك بينك وبين طلحة والزبير وأهل الشام وأهل البصرة فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا سواء لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار ولا يستأنف فيها النظر وأما شرفي في الإسلام وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من قريش فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته. وفي هذا الجواب ما يقطع معاذير أهل الجمل وغيرهم التي كانوا يظهرون التشبث بها وقلوبهم منطوية على خلافها فإنهم ليس لهم المطالبة بدم عثمان مع وجود أولاده الذين هم أولياء الدم فعليهم أولا أن يبايعوا ويقدموا الطاعة ثم يحاكموا قتلة عثمان والمتهمين بقتله فما يوجبه الشرع يجري عليهم على أن المباشر لقتله واحد أو اثنان ولكن هوى النفس ورقة الدين والعداوة يبعثان على اختلاف المعاذير. وأمر علي النجاشي فأجاب عن الشعر فقال:

واجتمع جرير والأشتر عند علي (ع) فقال الأشتر أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه وأقام حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو يخاف غمه إلا سده فقال جرير والله لو أتيتهم لقتلوك وخوفه بعمرو وذي الكلاع وحوشب ذي ظليم وقد زعموا انك من قتلة عثمان فقال الأشتر لو أتيته لم يعيني جوابها ولم يثقل علي بحملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال فائتهم إذن قال الآن وقد أفسدتهم، ووقع بينهما الشر وفي رواية إن الأشتر قال أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه وأقبل الأشتر يقول يا أخا بجيلة والله ما أنت بأهل إن تمشي فوق الأرض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا تهددنا بهم وأنت والله منهم ولا أرى سعيك إلا لهم ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحسبنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستبين هذه الأمور ويهلك الله الظالمين قال جرير وددت والله أنك كنت مكاني بعثت إذا والله لم ترجع فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسا ولحق به أناس من قسر من قومه فخرج علي إلى دار جرير فهدم منها وحرق مجلسه فقيل له إن فيها أرضا لغير جرير فخرج منها وأحرق دار ثوير بن عامر وهدم منها وكان لحق بجرير.

ولما أراد معاوية المسير إلى صفين قال لعمرو بن العاص إني رأيت إن نلقي إلى أهل مكة وأهل المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان فأما أن ندرك حاجتنا وأما إن يكف القوم عنا فقال عمرو إنما نكتب إلى ثلاثة نفر راض بعلي فلا يزيده ذاك إلا بصيرة ورجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو عليه ورجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي قال علي ذلك فكتبا فأجابهما عبد الله بن عمر ما أنتما والخلافة أما أنت يا معاوية فطليق وأما أنت يا عمرو فظنون إلا فكفا فليس لكما ولي ولا نصير. وكتب معاوية إلى عبد الله بن عمر خاصة وإلى سعد بن أبي وقاص وإلى محمد بن مسلمة فكان في كتابه إلى ابن عمر أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلى إن تجمع عليه الأمة بعد قتل عثمان منك ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على أنصاره فتغيرت لك وقد هون ذلك علي خلافك على علي فأعنا رحمك الله على حق هذا الخليفة المظلوم فاني لست أريد الإمارة عليك ولكني أريدها لك فان أبيت كانت شورى بين المسلمين فأجابه ابن عمر بأنه لن يترك عليا في المهاجرين والأنصار وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين ويتبعه. وكتب إلى سعد أما بعد فان أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش الذين أثبتوا حقه واختاروه على غيره وقد نصره طلحة والزبير وهما شريكان في الأمر ونظيراك في الإسلام وخفت لذلك أم المؤمنين فلا تكرهن ما رضوا ولا تردن ما قبلوا فأنا نردها شورى بين المسلمين. وقال أبياتا أولها:

فأجابه سعد: أما بعد فان عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة من قريش غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه فأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت وأجابه عن شعره بأبيات أولها:

وكتب معاوية إلى أمير المؤمنين (ع) كتابا نذكره مع جوابه عبرة لمن نظر واعتبر ليعلم أنه كيف يصف الطائي بالبخل ما در ويعير قسا بالفهاهة بأقل ويقول السهى للشمس أنت ضئيلة ويقول الدجى للصبح لونك حائل وتفاخر الأرض السماء وتطاول الشهب الحصى والجنادل وأنه لا يستبعد وقوع شيء في هذا الكون من بني البشر وأن ابن آدم يمكنه إن يحتج على الليل بأنه نهار وعلى النهار بأنه ليل وعلى إن العلقم أحلى من العسل ويقبل ذلك منه ويجد له عليه أعوانا، قال ابن أبي الحديد: كتب معاوية: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فان الله تعالى يقول في محكم كتابه ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك وإني أحذرك الله إن تحبط عملك وسابقتك بشق عصا هذه الأمة وتفريق جماعتها فاتق الله واذكر موقف القيامة وأقلع عما أسرفت فيه من الخوض في دماء المسلمين وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو تمالأ أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على مناخرهم في النار" فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين وسادات المهاجرين بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن وذوي العبادة والإيمان من شيخ كبير وشاب غرير كلهم بالله مؤمن وبرسوله مقر فان كنت أبا حسن إنما تحارب على الإمرة والخلافة فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين ولكنها ما صحت لك واني صحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها وخف الله وسطواته وأغمد سيفك عن الناس فقد والله أكلتهم الحرب فلم يبق منهم إلا كالثمد في قرارة الغدير والله المستعان. فكتب إليه أمير المؤمنين (ع) وبعضه مذكور في نهج البلاغة: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة ورسالة محبرة نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه وقاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا وضل خابطا فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن تكون من لها واستعيذ بالله من إن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالإثم وأما تحذيرك إياي إن يحبط عملي وسابقتي في الإسلام فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك إن تحذرني ذلك ولكني وجدت الله يقول فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فنظرنا إلى الفئتين فأما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها لأن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير لأبي بكر على الشام وأما شق عصى هذه الأمة فأنا أحق أن أنهاك عنه وأم تخويفك لي من قتل أهل البغي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بقتالهم وقتلهم وقال لأصحابه إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله وأشار إلي وأنا أولى من اتبع أمره وأما قولك إن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها كيف وإنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب لا يثنى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار الخارج منها طاعن والموري فيها مداهن فأربع على ظلعك وانزع سربال غيك واترك مالا جدوى له عليك فليس لك عندي إلا السيف حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا وتدخل في البيعة راغما. قال نصر بن مزاحم:

وكتب أمير المؤمنين (ع) إلى معاوية: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من أتبع الهدى إلى إن قال واعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من له ولست تقول فيه بأمر بين ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية أو ولاة لأمر هذه الأمة بغير قدم حسن ولا شرف سابق على قومكم فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق. واعلم إن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدونا ولامتنوا به علينا ولكنه قضاء ممن امتن به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد البرهان والبينة. وفي الكلام الأخير دلالة على إن الإمامة بالنص. فأجابه معاوية: أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به ولا تفسد سابقة قدمك بشرة نخوتك فان الأعمال بخواتيمها ولعمري ما مضى لك من السابقات يشبه إن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدماء وخلاف أهل الحق فاقرأ سورة الفلق وتعوذ من شر نفسك فإنك الحاسد إذا حسد. ومثل هذا الجواب نذكره عبرة للناظر كالذي مضى قبله.

ولما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال يا عمرو إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله وقد رأيت إن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان وينال منه فقال الرأي ما رأيت فبعث إليه معاوية فأتاه فقال يا ابن أخ لك اسم أبيك فانظر بملء عينيك وتكلم بكل فيك فأنت المأمون المصدق فاشتم عليا وأشهد عليه أنه قتل عثمان فقال أما شتمه فإنه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى إن أقول في حسبه وأما بأسه فهو الشجاع المطرق وأما أيامه فما عرفت ولكني ملزمه دم عثمان فقال عمرو إذا والله قد نكات القرحة فلما خرج عبيد الله قال معاوية أما والله لولا قتله الهرمزان ومخافة علي على نفسه ما أتانا أبدا ألم تر إلى تقريظه عليا فقال عمرو يا معاوية إن لم تغلب فاخلب فخرج حديثه إلى عبيد الله فلما قام خطيبا تكلم بحاجته حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك فقال له معاوية ابن أخ انك بين عي أو خيانة فبعث إليه كرهت إن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان وعرفت إن الناس محتملوها عني فهجره معاوية واستخف بحقه وفسقه فقال شعرا يذكر فيه إن عليا آوى قتلة عثمان وقربهم فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه وقربه وقال حسبي هذا منك.

وقام أبو مسلم الخولاني في ناس من قراء الشام إلى معاوية فقالوا علام تقاتل عليا وليس لك مثل صحبته ولا قرابته ولا سابقته قال لهم ما أقاتل عليا وأنا أدعي إن لي في الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ولكن ألستم تعلمون إن عثمان قتل مظلوما قالوا بلى قال فليدفع إلينا قتلته فنقتلهم به ولا قتال بيننا وبينه قالوا فاكتب إليه كتابا يأته به بعضنا فكتب إليه مع أبي مسلم الخولاني: بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فاني أحمد إليك الله لا إله إلا هو أما بعد فان الله اصطفى محمدا بعلمه وجعله الأمين على وحيه واحتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم الخليفة من بعده وخليفة خليفته والثالث الخليفة المظلوم فكلهم حسدت وعلى كلهم بغيت عرفنا ذلك في نظرك الشزر وقولك الهجر وتنفسك الصعداء وإبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان فقطعت رحمه وألبت الناس عليه فقتل معك في المحلة فاقسم صادقا إن لو قمت فيما كان من أمره مق أما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين إيواؤك قتلة عثمان وقد ذكر لي إنك تنتصل من دمه فان كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به ونحن أسرع إليك وإلا فليس لك ولأصحابك إلا السيف والله الذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال والبر والبحر أو لتلحقن أرواحنا بالله والسلام. فقدم أبو مسلم بهذا الكتاب على علي فقام خطيبا وقال في جملة خطبته إن عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته وأنت أميرنا فقال له علي اغد علي غدا فخذ جواب كتابك فجاء من الغد فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد وأخذوا ينادون كلنا قتلة ابن عفان وأذن لأبي مسلم فدخل على أمير المؤمنين (ع) فقال أبو مسلم قد رأيت قوما ليس لك معهم أمر قال وما ذاك قال بلغهم انك تريد قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا إنهم كلهم قتلة عثمان فقال علي والله ما أردت إن أدفعهم إليك طرفة عين لقد ضربت هذا الأمر انفه وعينه ما رأيت ينبغي لي إن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك وأعطاه جواب كتاب معاوية فخرج بالكتاب وهو يقول الآن طاب الضراب وكان الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فان أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمدا صلى الله عليه وسلم وما أنعم تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفينا فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر والداعي مسدده إلى النضال وذكرت إن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فلعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ورسوله إن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا أهل البيت أول من آمن به فلبثنا أحوالا محرمة وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل فمنعونا الميرة وأمسكوا عنا العذب وأحلسونا الخوف وجعلوا علينا الأرصاد والعيون واضطرونا إلى جبل وعر وأوقدوا لنا نار الحرب وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقتلوه ويمثلوا به فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم فعزم الله لنا على منعه والذب عن حوزته والرمي من وراء حرمته والقيام بأسيافنا دونه ف أما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا احمر البأس وأحجم الناس أقام أهل بيته فاستقدموا فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة وأراد من لو شئت ذكر اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة إلا إن آجالهم عجلت ومنيته أخرت وأما ما ذكرت من أمر عثمان فإنه عمل ما بلغك فصنع الناس به ما قد رأيت وأما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فاني نظرت في هذا الأمر وضربت انفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ولا يكلفونك إن تطلبهم في بر ولا بحر ولا جبل ولا سهل.

ولما أراد أمير المؤمنين (ع) المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، قال المسعودي: وكان معه من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجل منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة. فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم مقاويل بالحق مباركو الفعل والأمر وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم. فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله وأثنى عليه فما هو له ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير هم لك ولأشياعك أعداء وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء وهم مقاتلوك ومجاهدوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا وضنا بما في أيديهم منها وليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان كذبوا ليس بدمه يثارون ولكن الدنيا يطلبون فسر بنا إليهم فان أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال وإن أبوا إلا الشقاق فذلك الظن بهم والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى أو يسمع إذا أمر. وقام عمار بن ياسر فذكر الله بما هو له وحمده وقال يا أمير المؤمنين إن استطعت إن لا تقيم يوما واحد ما واحد فأشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى رشدهم وحظهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا إلا حربنا فوالله إن سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه. ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرج فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك والروم لأدهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ونحن لهم فيما يزعمون قطين (قال: يعني رقيق) فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام فقال أما إني عارف بفضلكم معظم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب فقال بعضهم لبعض ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم فقالوا قم يا سهل بن حنيف فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ورأينا رأيك ونحن كف يمينك وقد رأينا إن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة فتأمرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك فإنهم هم أهل البلد وهم الناس فان استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب وأما نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا أجبناك ومتى أمرتنا أطعناك. فجمع أمير المؤمنين (ع) أهل الكوفة وحرضهم وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سيروا إلى أعداء السنن والقرآن سيروا إلى بقية الأحزاب وقتلة المهاجرين والأنصار فقام رجل من بني فزارة اسمه أربد فقال أتريد إن تسيرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم كلا ها الله إذا لا نفعل ذلك. فقام الأشتر فقال من لهذا أيها الناس وهرب الفزاري واشتد الناس على أثره فلحق في مكان من السوق تباع فيه البراذين فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم حتى قتل فقيل يا أمير المؤمنين قتل الرجل قال ومن قتله قالوا همدان وفيهم شوبة من الناس فقال قتيل عمية لا يدري من قتله ديته من بيت مال المسلمين فقال علاقة التيمي:

وقام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين لا يهلك ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن إن جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ولا يحبون بقاء بعدك فان شئت فسر بنا إلى عدوك والله ما ينجو من الموت من خافه ولا يعطي البقاء من أحبه وما يعيش بال أما أهل إلا شقي وأنا لعلى بينة من ربنا إن نفسا لن تموت حتى يأتي اجلها فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين فأسخطوا الله وأظلمت بأعمالهم الأرض وباعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير. فقال علي (ع) الطريق مشترك والناس في الحق سواء ومن أجهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى وقد قضى ما عليه. وقام عدي بن حاتم الطائي فقال يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ولا دعوت إلا إلى حق ولا أمرت إلا برشد ثم أشار بالتأني والكتابة إلى أهل الشام. وقام زيد بن حصين الطائي وكان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال والله لئن كنا في شك من قتال من خالفنا لا يصلح لنا النية في قتلهم حتى نستأنيهم ما الأعمال إلا في تباب ولا السعي إلا في ضلال والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم القليل في الإسلام حظهم أعوان الظلم ومسددي أساس الجور والعدوان ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان. فقام رجل من طئ فقال يا زيد أكلام سيدنا عدي حاتم بن تهجن فقال ما أنت بأعرف بحق عدي مني ولكن لا أدع القول بالحق وان سخط الناس. فقال عدي: الطريق مشترك والناس في الحق سواء فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه. ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال يا أمير المؤمنين إن القوم لو كانوا الله يريدون أو لله يعملون ما خالفونا ولكن القوم إنما يقاتلون فرارا من الأسوة وحبا للأثرة وضنا بسلطانهم وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم وعلى أحن في أنفسهم وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم وإخوانهم ثم التفت إلى الناس فقال: كيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة في موقف واحد والله ما أظن أن يفعلوا ولن يستقيموا لكم دون إن تقصد فيهم المران وتقطع على هامهم السيوف وتنثر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة بين الفريقين. وقال له عمرو بن الحمق إني والله يا أمير المؤمنين ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ولا أرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان يرفع ذكري به ولكن أحببتك لخصال خمس: انك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد فلو إني كلفت نقل الجبال الرواسي أو نزح البحور الطوامي حتى يأتي على يومي في أمر أقوي به وليك وأوهن به عدوك ما رأيت إني قد أديت فيه كل الذي حق علي من حقك. فقال أمير المؤمنين اللهم نور قلبه بالتقى واهده إلى صراط مستقيم ليت إن في جندي مائة مثلك. فقال حجر إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغشك. ثم قام حجر فقال يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها قد ضارستنا وضارسناها ولنا أعوان ذوو صلاح وعشيرة ذات عدد ورأي مجرب وبأس محمود وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة فان شرقت شرقنا وإن غربت غربنا وما أمرتنا به من أمر فعلناه. فقال علي أكل قومك يرى مثل رأيك؟ قال ما رأيت منهم إلا حسنا وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وبحسن الإجابة. فقال له علي خيرا. ودخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي (ع) فقال يا أمير المؤمنين نحن على جهاز وعدة وأكثر الناس أهل القوة ومن ليس بمضعف وليس به علة فمر مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة فان أخا الحرب ليس بالسئوم ولا النؤوم ولا من إذا أمكنته الفرص اجلها واستشار فيها ولا من يؤخر الحرب في اليوم إلى غد وبعد غد. فقال زياد بن النضر لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيد بن قيس وقال مما يعرف فتوكل على الله وثق به واشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معافى فان يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة مع النبي صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام والقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم وإلا ينيبوا ويقبلوا ويأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ورجونا إن يصرعهم الله مصارع إخوانهم بالأمس. وخرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشام واللعن فأرسل إليهما أمير المؤمنين (ع) إن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا ألسنا محقين؟ قال بلى ولكن كرهت لكم إن تكونوا لعانين شتامين ولو وصفتم مساوي أعمالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان اللعن والبراءة اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم وأهدهم من ضلالتهم، كان أحب إلي وخيرا لكم فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك.

ودخل عليه عبد الله بن المعتم العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي في رجال من غطفان فأشار عليه التميمي مظهرا النصح أن يقيم ويكاتب معاوية ولا يعجل وقال إني ما أدري ولا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة وعلى من تكون الدبرة وتكلم العبسي ومن معهما بنحو ذلك فقال (ع) أما الدبرة فإنها على العاصين ظفروا أو ظفر بهم أما والله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون إن يعرفوا معروفا ولا ينكروا منكرا فقال معقل بن قيس الرياحي إن هؤلاء ما أتوك بنصح بل بغش فاحذرهم وقال له مالك بن حبيب بلغني إن حنظلة هذا يكاتب معاوية فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك وقال عباس بن ربيعة وفائد بن بكير العبسيان يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم بلغنا إنه يكاتب معاوية فاحبسه حتى تنقضي غزاتك أو ادفعه إلينا نحبسه، فجعلا يقولان هذا جزاء من نصركم وأشار عليكم بالرأي فقال لها علي (ع) الله بيني وبينكم واليه أكلكم وبه استظهر عليكم اذهبوا حيث شئتم فلحق ابن المعتم بمعاوية مع أحد عشر رجلا من قومه. وبعث علي (ع) إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب وهو صحابي فقال أعلي أم لي قال لا عليك ولا لك ثم هرب إلى معاوية مع ثلاثة وعشرين رجلا من قومه لكنهما اعتزلا الفريقين فأمر علي (ع) بهدم دار حنظلة هدمها عريفهم بكر بن تميم وشبث بن ربعي. وقالت طائفة من أصحاب علي (ع): له أكتب إلى معاوية وإلى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك وتأمر بما لهم فيه من الحظ فان الحجة لن تزداد عليهم بذلك إلا عظما فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية ومن قبله قريش سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل وفقهوا في الدين وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم وأنتم في ذلك الزمان أعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى إذا أراد الله إعزاز دينه وإظهار رسوله ودخلت العرب في دينه أفواجا وأسلمت هذه الأمة طوعا وكرها على حين فاز أهل السبق بسبقهم والمهاجرون الأولون بفضلهم فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم وفضائلهم أن ينازعهم الأمر الذي هم له وأولى به ثم إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين وأولها إسلاما وأفضلها جهادا وأشدها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون واعلموا إن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعطون وإن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم فان للعالم بعلمه فضلا وإن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا إلا واني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وحقن دماء هذه الأمة فان قبلتم أصبتم رشدكم وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة لن تزدادوا من الله إلا بعدا والسلام، فكتب إليه معاوية:

فقال علي (ع) انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.

وكتب أمير المؤمنين (ع) إلى عماله في الآفاق يأمرهم بالمسير إليه وحث الناس على الجهاد معه فكتب إلى مخنف بن سليم عامله على أصبهان وهمذان: إذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك واقبل إلينا وكتب عبد الله بن أبي رافع سنة 37 هكذا وردت هذه الرواية وقد مر ما يدل على إن ذلك كان سنة 36 فاستعمل مخنف على أصبهان وهمدان رجلين من قومه واقبل حتى شهد معه صفين. وكتب إلى عبد الله بن عباس إلى البصرة أما بعد فاشخص إلى من قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم واستبقائي لهم ورغبهم في الجهاد واعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل فقرأ عليهم ابن عباس كتاب علي (ع) وقال أيها الناس استعدوا للمسير إلى أمامكم وانفروا في سبيل الله خفاقا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرؤون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين وابن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر والصادع بالحق والحاكم بحكم الكتاب الذي لا يداهن الفجار ولا تأخذه في الله لومة لائم. فقام الأحنف بن قيس فقال نعم والله لنجيبنك ولنخرجن معك على العسر واليسر والرضا والكره نحتسب في ذلك الخير ونأمل من الله عظيم الأجر وقام إليه خالد بن المعمر السدوسي فقال سمعنا وأطعنا فمتى استنفرتنا نفرنا ومتى دعوتنا أجبنا وقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال وفق الله أمير المؤمنين وجمع له أمر المسلمين ولعن المحلين القاسطين الذين لا يقرؤون القرآن نحن والله عليهم حنقون ولهم في الله مفارقون فمتى أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا. وأجاب الناس إلى المسير ونشطوا أو خفوا فاستعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدؤلي وقدم على علي ومعه رؤوس الأخماس خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن وائل وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس وصبرة بن شيمان الأزدي على الأزد والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية فقدموا على علي بالنخيلة. ولم يبرح علي النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة وكان أمراء الأسباع من أهل الكوفة: سعد بن مسعود الثقفي على قيس وعبد القيس. ومعقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي على تميم وضبة والرباب وقريش وكنانة وأسد. ومخنف بن سليم على الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة. وحجر بن عدي الكندي على كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة. وزياد بن النضر على مذحج والأشعريين. وسعيد بن قيس بن مرة الهمداني على همدان ومن معهم من حمير. وعدي بن حاتم على طئ وتجمعهم الدعوة مع مذحج وتختلف الرايتان راية مذحج مع زياد بن النضر وراية طئ مع عدي بن حاتم وقال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء إن يومنا ويومهم ليوم عصيب ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب صادق النية رابط الجاش وأيم الله ما أظن ذلك اليوم يبقي منا ومنهم إلا الرذال قال عبد الله بن بديل وأنا والله أظن ذلك فقال علي ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه ولا يسمعه منكما سامع إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكل آتيه منيته كما كتب الله فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في طاعته، فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه ثم قال سر بنا إلى أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في عباد الله بغير رضى الله فأحلوا حرامه وحرموا حلاله واستولاهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما وأفضل الناس سابقة وقدما وهم يعلمون منك مثل الذي علمنا ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة وأنفسنا بنورك جذلة على من خالفك وتولى الأمر دونك والله ما أحب إن لي ما في الأرض مما أقلت وما تحت السماء مما أظلت واني واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك فقال علي (ع) اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيك صلى الله عليه وسلم ثم إن عليا (ع) صعد المنبر ودعاهم إلى الجهاد ومما قاله في خطبته: اعلموا إن الله جعل أمراس الإسلام متينة وعراه وثيقة ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه وتناول ما ليس له وما لا يدركه معاوية وجنده الفئة الباغية الطاغية يقودهم إبليس ويدليهم بغروره فلا اعرفن أحدا منكم تقاعس عني فان الذود إلى الذود ابل. ومن لا يذد عن حوضه يتهدم. ثم إني أمركم بالشدة في الأمر والجهاد في سبيل الله وان لا تغتابوا مسلما وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله. ثم قام الحسن بن علي (ع) خطيبا فمما قاله في خطبته: إن مما عظم الله عليكم حقه وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ولا يؤدى شكره ولا يبلغه صفة ولا قول ونحن إنما غضبنا لله ولكم فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم واستحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده ولا تخاذلوا فان الخذلان يقطع نياط القلوب وإن الأقدام على الأسنة نجدة وعصمة لأنه لم يمتنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة وكفاهم جوائح الذلة وهداهم إلى معالم الملة.

ثم قام الحسين بن علي (ع) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء الشعار دون الدثار جدوا في إحياء مآثر دينكم وإسهال ما توعر عليكم إلا إن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع وهي جرع متحساة فمن اخذ لها بتها فذاك صاحبها ومن عاجلها قبل أوان فرصتها فذاك قمن إن لا ينفع قومه ويهلك نفسه نسأل الله بعونه إن يدعمكم بألفته، ثم نزل. فأجابه إلى السير والجهاد جل الناس إلا إن أصحاب عبد الله بن مسعود وفيهم عبيدة السلماني وأصحابه قالوا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم ونعسكر على حدة فمن رأيناه أراد ما لا يحل له أو بدا لنا منه بغي كنا عليه فقال علي (ع) مرحبا وأهلا هذا هو الفقه في الدين والعلم بالسنة من لم يرض بهذا فهو جائر. وإنما رضي منهم بذلك مع ظهور الحجة عليهم لأنه قد علم من حالهم إنهم لا يقبلون بغير هذا فلو ألزمهم بالحرب معه ربما ينفرون ويكونون مع معاوية فكان رضاه بما قالوا أصلح الأمرين لأنه يرجى انضمامهم إليه بعد ذلك، وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود فيهم ربيع بن خثيم وهو المدفون بقرب المشهد الرضوي الذي يسميه الإيرانيون خواجة ربيع وهم يومئذ أربعمائة رجل فقالوا يا أمير المؤمنين أنا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك ولا غناء بنا ولا بك ولا المسلمين عمن يقاتل العدو فولنا بعض الثغور نكون به ثم نقاتل عن له، فوجهه على ثغر الري فكان أول لواء عقده بالكوفة لواء ربيع بن خثيم. ودعا علي بأهلة فقال يا معشر بأهلة أشهد الله إنكم تبغضونني وأبغضكم فخذوا عطاءكم وأخرجوا إلى الديلم وكانوا قد كرهوا إن يخرجوا معه إلى صفين. قال نصر بن مزاحم: وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية: من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر سلام على أهل طاعة الله أما بعد فان الله تعالى خلق خلقا اختارهم على علمه فاصطفى منهم محمدا صلى الله عليه وسلم فاختصه برسالته فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة فكان أول من أجاب أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب فوقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف فحارب حربه وسالم سلمه وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو المبرز السابق في كل خير أول الناس اسل أما واصدق الناس نية ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله وتجتهدان على إطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتحالفان فيه القبائل على ذلك مات أبوك وعلى ذلك خلفته فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو ولده وأول الناس له أتباعا وآخرهم به عهدا يخبره بسره ويشركه في أمره وأنت عدوه وابن عدوه فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدد لك ابن العاص في غوايتك فكان أجلك قد انقضى وكيدك قد وهى والسلام على من اتبع الهدى. فأجابه معاوية: من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على أهل طاعة الله أما بعد فقد أتاني كتابك لرأيك فيه تضعيف ولأبيك فيه تعنيف ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته واحتجاجك بفضل غيرك لا بفضلك فاحمد إلها صرف الفضل عنك وجعله لغيرك وقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما عنده كان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه ثم قام بعده عثمان يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فخذ حذرك فسترى وبال أمرك وقس شبرك بفترك تقصر من أن تساوي من يزن الجبال حلمه لا تلين على قسر قناته ولا يدرك ذو مدى أناته أبوك مهد مهاده وبنى ملكه وشاده فان يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله وإن يكن جورا فأبوك أسسه ونحن شركاؤه وبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا فعب أباك ما بدا لك أو دع والسلام على من اتبع الهدى.

وبلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين فنشطوا وجدوا غير أنه كان من الأشعث بن قيس شيء عند عزله عن الرياسة وذلك إن رياسة كندة وربيعة كانت للأشعث فجعلها أمير المؤمنين (ع) لحسان بن محدوج فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن منهم الأشتر وعدي بن حاتم الطائي وزحر بن قيس وهاني بن عروة فقالوا يا أمير المؤمنين إن رياسة الأشعث لا تصلح إلا لمثله وما حسان مثل الأشعث فغضبت ربيعة فقال حريث بن جابر يا هؤلاء رجل برجل وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ونجدته وبأسه ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه وغضب رجال اليمنية فأتاهم سعيد بن قيس الهمداني فتكلم في إصلاح الحال وقال حريث بن جابر إن كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الإسلام فان صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها فقال حسان للأشعث لك راية كندة ولي راية ربيعة فقال معاذ الله لا يكون هذا أبدا ما كان لك فهو لي وما كان لي فهو لك وبلع معاوية ما صنع بالأشعث فقال اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه به على علي فدعوا شاعرا لهم فقال هذه الأبيات فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث وكان له صديقا وكان كنديا:

فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هاني يا أهل اليمن ما يريد صاحبكم إلا إن يفرق بينكم وبين ربيعة ومشى حسان بن محدوج إلى الأشعث برايته حتى ركزها في داره فقال الأشعث: إن هذه الراية عظمت على علي وهي والله أخف علي من زف النعام ومعاذ الله إن يغيرني ذلك لكم فعرض عليه أمير المؤمنين (ع) إن يعيدها إليه فأبى وقال يا أمير المؤمنين إن يكن أولها شرا فليس آخرها بعر فقال له علي أنا أشركك فيه فولاه على ميمنته وهي ميمنة أهل العراق.

وأمر علي (ع) الحارث الأعور أن ينادي في الناس أن اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة فنادى بذلك وبعث علي إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب شرطته فأمره إن يحشر الناس إلى المعسكر ودعا عقبة بن عمرو الأنصاري فاستخلفه على الكوفة وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين ثم خرج علي (ع) وخرج الناس معه إلى النخيلة.

ولما أراد المسير إلى النخيلة بعث زياد بن النضر وشريح بن هاني على مقدمته في اثني عشر ألفا شريح على طائفة من الجند وزياد على الكل وأمرهما إن يأخذا على طريق واحد ولا يختلفا فاخذ شريح يعتزل بمن معه على حده ولا يقترب من زياد فكتب زياد إلى أمير المؤمنين (ع) مع مولى له اسمه شوذب إن شريحا لا يرى لي عليه طاعة وكتب شريح إليه إن زيادا تنكر واستكبر فان أراد أمير المؤمنين إن يعزله عنا ويبعث مكانه فأنا له كارهون فكتب إليهما علي (ع) إن جمعكما حرب فزياد على الناس وإن افترقتما فكل واحد أمير على الطائفة التي وليناه أمرها. ومن ذلك يعلم كيف كان حال أصحابه في تفرقهم.

وصايا للجيش مهمة

واعلما أن مقدمة الجيش عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلاتس أما من توجيه الطلائع ومن نقض الشعاب والشجر في كل جانب كيلا يغركما عدو أو يكون لهم كمين ولا تسيرن الكتائب من لدن الصبح إلى المساء إلا على تعبية فان دهمكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبية وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون ذلك لكم رداءا وتكون مقاتلتكم من وجه أو اثنين واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال وبأعالي الإشراف ومناكب الأنهار يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا وإذا رحلتم فارحلوا جميعا وإذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والأترسة ورماتكم يلون ترستكم ورماحكم وما أقمتم فكذلك فافعلوا كيلا تصاب لكم غفلة ولا تلفي لكم غرة فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون واحرسا عسكركما بأنفسكما وإياكما إن تذوقا نوما حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما وليكن عندي كل يوم خبركما ورسول من قبلكما فاني ولا شيء إلا ما شاء الله حثيث السير في آثاركما عليكما في حربكما بالتؤدة وإياكما والعجلة إلا إن تمكنكم فرصة بعد الاعتذار والحجة وإياكما إن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا إن تبدأ أو يأتيكما أمري. وصايا إلى أمراء الأجناد

وكتب إلى أمراء الأجناد: من عبد الله علي أمير المؤمنين أما بعد فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان وخذوا على أيدي سفهائكم واحترسوا إن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا فان الله تعالى يقول قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم.

وصاياه إلى جنوده

وكتب إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي عليهم: من عبد الله علي أمير المؤمنين أما بعد فان الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم وأحمركم وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد وبمنزلة الولد من الوالد وإن حقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم فإذا فعل ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق ونصرته على سيرته والدفع عن سلطان الله فإنكم وزعة الله في الأرض الوزعة الذين يدفعون عن الظلم فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ولا تفسدوا في الأرض بعد أصلاحها إن الله لا يحب المفسدين. وبقي أمير المؤمنين (ع) بالنخيلة حتى اجتمعت إليه الجنود ولم يبرحها حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة. ومرت عليه جنازة وهو بالنخيلة فقال ما يقول الناس في هذا القبر، وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله فقال الحسن بن علي يقولون هذا قبر هود النبي لما إن عصاه قومه جاء فمات هاهنا قال كذبوا لأنا اعلم به منهم هذا قبر يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب ثم قال هاهنا أحد من مهزة؟ فأتى بشيخ كبير فقال أين منزلك قال على شاطئ البحر قال أين هو من الجبل الأحمر قال قريب منه قال وما يقول قومك فيه قال يقولون قبر ساحر قال كذبوا ذاك قبر هود وهذا قبر يهوذا بن يعقوب. وبلغ معاوية مكان علي بالنخيلة ومعسكره بها ومعاوية قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون لا تجف دموعهم على عثمان فخطب معاوية أهل الشام فقال: يا أهل الشام قد كنتم تكذبونني في علي وقد استبان لكم أمره والله ما قتل خليفتكم غيره وهو أمر بقتله وألب الناس عليه وآوى قتلته وهم جنده وأنصاره وأعوانه وقد خرج بهم قاصدا بلادكم لإبادتكم يا أهل الشام الله الله في عثمان فأنا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه وقد جعل الله لولي المظلوم سلطانا فانصروا خليفتكم فقد صنع به القوم ما تعلمون قتلوه ظلما وبغيا وقد أمر بقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله، فأعطوه الطاعة وانقادوا له وجمع إليه أطرافه واستعمل على فلسطين ثلاثة رهط جعلهم بإزاء أهل مصر لئلا يغيروا عليهم من خلفهم وكتب إلى معتزلة مصر وهم يومئذ يكاتبون معاوية ولا يطيقون مكاثرة أهل مصر: إن تحرك قيس عامل علي على مصر إن يثبتوا له وكان علي (ع) بعث قيس بن سعد الأنصاري من الكوفة إلى مصر أميرا عليها وفيها يومئذ معاوية بن خديج وحصين بن نمير.

ولما أراد علي (ع) الخروج من النخيلة وذلك لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء سنة 36 خطب الناس وقال قد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري فإياكم والتخلف والتربص فاني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته إن لا يترك متخلفا إلا الحقه بكم عاجلا إن شاء الله فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال يا أمير المؤمنين والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ولا يتربص بك إلا منافق فأمر مالك بن حبيب إن يضرب أعناق المتخلفين، قال علي: قد أمرته بأمري وليس مقصرا إن شاء الله ودعا بدابته فجاءته فلما أراد إن يركب وضع رجله في الركاب وقال بسم الله فلما جلس على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وأنا إلى ربنا لمنقلبون ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحيرة بعد اليقين وسوء المنظر في الأهل والمال والولد اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك لأن المستخلف لا يكون مستصحبا والمستصحب لا يكون مستخلفا ثم خرج وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي ربيعة تميم وهو يقول:

#وان نزيل من رجال هاما

وقال مالك بن حبيب وهو صاحب شرطته وهو آخذ بعنان دابته يا أمير المؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال، فقال له علي: إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه وأنت هاهنا أعظم عناء منك عنهم لو كنت معهم فقال سمعا وطاعة فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة وذلك بين القنطرة والجسر بعد ما قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة اقبل على الناس فقال يا أيها الناس إلا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فأنا قوم على سفر ومن صحبنا فلا يصم المفروض والصلاة ركعتان ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى وهو من الكوفة على فرسخين فصلى بها العصر فلما انصرف من الصلاة قال سبحان ذي الطول والنعم سبحان ذي القدرة والأفضال أسال الله الرضا بقضائه والعمل بطاعته والإنابة إلى أمره فإنه سميع الدعاء

قال نصر: ثم خرج حتى نزل على شاطئ البرس فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال: الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل الحمد لله كلما وقب ليل وغسق والحمد لله كلما لاح نجم وخفق. ثم أقام حتى صلى الغداة ثم شخص حتى بلغ قبة قبين وبها نخل طوال إلى جانب البيعة فلما رآها قال والنخل باسقات لها طلع نضيد ثم أقحم دابته النهر فنزلها فمكث بها قدر الغداء وسار فلما جاز جسر الصراة نزل فصلى بالناس العصر. ثم خرج حتى أتى دير كعب ولم أجده في مظانه فلست أدري أين هو قال ثم مضى نحو ساباط فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزول والطعام فقال لا ليس ذلك لنا عليكم وبات بساباط فلما أصبح وهو بمظلم ساباط قال أتبنون بكل ربع آية تعبثون. فلما انتهى إلى مدينة بهرسير إذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم ينظر إلى آثار كسرى وهو يتمثل قول ابن يعقوب التميمي:

فقال علي أفلا قلت: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم ثم قال أنزلوا بهذه النجوة. وبعث أمير المؤمنين (ع) معقل بن قيس من المدائن في ثلاثة آلاف وقال له خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فاني موافيها وسكن الناس وأمنهم ولا تقاتل إلا من قاتلك وسر البردين وغور بالناس وأقم الليل ورفه في السير ولا تسر أول الليل فان الله جعله سكنا أرح فيه بدنك وجندك وظهرك فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر، فخرج حتى أتى الحديثة وهي إذا ذاك منزل الناس إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا هم بكبشين ينتطحان ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية فاخذ يقول إيه إيه فجاء رجلان فاخذ كل منهما كبشا فقال الخثعمي لمعقل لا تغلبون ولا تغلبون أما ترى الكبشين أحدهما مشرق والآخر مغرب اقتتلا ولم ينتصف واحد منهما من صاحبه حتى فرق بينهما. ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة وأمر علي الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة فقال قد تعجبت من تخلفكم دعوتكم وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم لها والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ولا منكرا تنهون عنه قالوا يا أمير المؤمنين أنا كنا ننتظر أمرك ورأيك مرنا بما أحببت فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليها ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة وخلف ابنه زيدا فلحقه في أربعمائة منهم ثم لحقا عليا ع. وجاء علي حتى مر بالأنبار وهي بلدة قرب الفلوجة وهي الآن خراب كان كسرى يجعلها أنبارا للحبوب فاستقبله بنو خشنوشك دهاقينها فلما رأوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال ما هذه الدواب التي معكم وما أردتم بهذا الذي صنعتم قالوا أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء وأما هذه البراذين فهدية لك وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما وهيانا لدوابكم علفا كثيرا قال أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فو الله ما ينفع هذا الأمراء وأنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له وأما دوابكم هذه فان أحببتم إن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فأنا نكره إن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه قالوا يا أمير المؤمنين فان لنا من العرب موالي ومعارف فتمنعنا إن نهدي لهم وتمنعهم إن يقبلوا منا قال ليس ينبغي لأحد من المسلمين إن يقبل هديتكم وإن غصبكم أحد فاعلمونا قالوا يا أمير المؤمنين أنا نحب إن تقبل هديتنا وكرامتنا قال ويحكم نحن أغنى منكم فتركهم. ثم مضى أمير المؤمنين (ع) حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة فقال ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فأطعم ومن شرابهم فاشرب وصالح وفد بني تغلب على إن يقرهم على دينهم ولا يصبغوا أبناءهم في النصرانية، ثم سار حتى بلغ قرية دون قرقيسيا فوافاه بها زياد بن النضر وشريح بن هاني الذين كان قد وجههما في اثني عشر ألفا مقدمة له فأخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهم اخذ علي على طريق الجزيرة وبلغهم إن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا والله ما هذا لنا برأي إن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر ما لنا خير إن نلقي جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد والمدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم لها وحبسوا عنهم السفن فأرادوا قتالهم فتحصنوا فرجعوا إلى هيت فعبروا منها ولحقا عليا بتلك القرية فقال (ع) مقدمتي تأتى ورائي فتقدم إليه شريح وزياد فأخبراه بالذي رأيا فقال قد أصبتما رشدكما ثم سار حتى أتى الرقة وجل لها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها وأميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية وكان قد فارق عليا في نحو مائة رجل من بني أسد ثم اخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل. ووافاه بالرقة معقل بن قيس الذي كان أرسله علي من المدائن في ثلاثة آلاف وقال لأهل الرقة أجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الأشتر فناداهم إني أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ولأقتلن مقاتلتكم ولأخربن أرضكم ولآخذن أموالكم فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما يقول وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر فبعثوا إليه أنا ناصبون لكم جسرا فاقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر فعبر علي الأثقال والرحال ثم أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق أحد من الناس إلا عبر ثم أنه عبر آخر الناس وازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الرحمن بن أبي الحصين فنزل فأخذها وركب وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب فقال لصاحبه: إن يكن ظن الزاجر الطائر صادقا كما يزعمون اقتل وشيكا وتقتل فقال عبد الرحمن ما شيء أحب إلي مما ذكرت فقتلا جميعا يوم صفين فلما عبر علي الفرات دعا زياد بن النضر وشريح بن هاني فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا فلقيهم أبو الأعور في جند أهل الشام فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين (ع) فأبوا فبعثوا إلى علي (ع) أنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا فمرنا بأمرك فأرسل علي الأشتر فقال يا مال إن زيادا وشريحا أرسلا إلي يعلماني إنهما لقيا أبا الأعور في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء فإذا أتيتهم فأنت الأمير عليهم وإياك إن تبدأ القوم بقتال إلا إن يبدؤوك ولا يجرمنك شنانهم على قتالهم قبل دعائهم والأعذار إليهم مرة بعد مرة واجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا وقف في القلب ولا تدن منهم دنو من يريد إن ينشب الحرب ولا تتباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم عليك فاني حثيث السير إليك إن شاء الله وكتب إليهما أما بعد فاني أمرت عليكما مالكا فاسمعا له وأطيعا أمره فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه ولا بطؤه عما الإسراع إليه احزم ولا الإسراع إلى ما البطؤ عنه أمثل فقدم عليهم الأشتر وكف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له واضطربوا ساعة ثم انصرف أهل الشام ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها وخرج إليهم أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا وبكر عليهم الأشتر فقتل منهم عبد الله بن المنذر التنوخي وكان فارس أهل الشام قتله ظبيان بن عمارة التميمي وهو فتى حدث السن واخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور ثم رجع أبو الأعور بمن معه فوقفوا على تل من وراء المكان الذي كان فيه فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك قال إلى مبارزتي فقال الأشتر لو أمرتك بمبارزته فعلت قال نعم والله الذي لا اله إلا هو لو أمرتني إن اعترض صفهم بسيفي فعلت فقال يا ابن أخي أطال الله بقاءك قد والله ازددت فيك رغبة لا ما أمرتك بمبارزته إنما أمرتك إن تدعوه إلى مبارزتي لأنه لا يبارز إلا ذوي الكفاءة والأسنان والشرف وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف لكنك حديث السن وليس يبارز الأحداث فاذهب إليه فادعه لمبارزتي فأتاه فقال أمنوني فاني رسول فأمنوه قال فأتيت أبا الأعور فقلت إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته فسكت طويلا ثم قال إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى أجلاء عمال عثمان من العراق وافترائه عليه وإلى إن سار إليه في داره فقتله فيمن قتل لا حاجة لي في جوابك ولا الاستماع منك اذهب عني فصاح بي أصحابه فانصرفت ولو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي وحجته فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة فقال لنفسه نظر فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل وبتنا متحارسين فلما أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا وصبحنا علي غدوة فسار نحو معاوية فتوافوا بقناصرين إلى جنب صفين وكان مع علي مائة وخمسون ألفا وقيل مائة ألف أو يزيدون ومع معاوية نحو ذلك وقيل كان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف. ويدل شعر بعض شعراء الشام إن أهل الشام كانوا سبعين ألفا وهو قوله:

وإن صح إن أصحاب علي (ع) كانوا مائة وخمسين ألفا أو يزيدون فيكون الصواب إن أهل العراق يزيدون أهل الشام بالضعف والله أعلم. وعلى مقدمة معاوية أبو الأعور السلمي سفيان بن عمرو وعلى ساقته بسر بن أرطأة العامري. وطلب علي موضعا لمعسكره وأمر الناس إن يضعوا إثقالهم فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي (ع) على خيلهم إلى معاوية وكانوا مائة وثلاثين ولم ينزل بعد معاوية فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا فكتب معاوية إلى علي: عافانا الله وإياك:

فأمر علي الناس فوزعوا عن القتال حتى يأخذ أهل المصاف مصافهم ثم قال أيها الناس هذا مقام من نصف فيه نصف يوم القيامة ومن فلج فيه فلج يوم القيامة فتراجع الناس إلى معسكرهم.

القتال على الماء

فإذا أبو الأعور السلمي صاحب مقدمة معاوية قد سبق إلى سهول الأرض وسعة المنزل وشريعة الماء مكان افتح فأتاه الأشتر صاحب مقدمة علي (ع) في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق فأزالوا أبا الأعور عن معسكره فاقبل معاوية في جميع الفيلق فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي (ع) وغلب معاوية على الماء وحال بين أهل العراق وبينه وذهب شباب من الناس وغلمانهم يستقون فمنعهم أهل الشام فقال عبد بن عوف بن الأحمر لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا واخذوا الشريعة فهي في أيديهم وقد صف أبو الأعور عليها الخيل والرجالة وقدم الرامية ومنهم أصحاب الرماح والدرق وعلى رؤوسهم البيض وقد اجمعوا إن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين (ع) فأخبرناه فدعا صعصعة بن صوحان فقال ائت معاوية فقل أنا سرنا مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الأعذار إليكم وانك قد قدمت بخيلك تقاتلنا قبل إن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك وهذه أخرى قد فعلتموها حلتم بين الناس وبين الماء فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم وإن كان أحب إليك إن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا فقال معاوية لأصحابه ما ترون قال الوليد بن عقبة أمنعهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء ولين الطعام اقتلهم عطشا قتلهم الله قال عمرو بن العاص خل بين القوم وبين الماء فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم فأعاد الوليد مقالته وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو أخو عثمان من الرضاعة أمنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمتهم أمنعهم الماء منعهم الله إياه يوم القيامة فقال صعصعة إنما يمنعه الله يوم القيام الكفرة الفجرة شربة الخمر ضربك وضرب هذا ألفاسق يعني الوليد بن عقبة فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنه رسول فقال صعصعة لمعاوية ما ترد علي قال سيأتيكم رأيي، فوالله ما راعانا إلا تسوية الرجال والخيل والصفوف فأرسل إلى أبي الأعور أمنعهم الماء وقال السليل بن عمرو السكوني يخاطب معاوية:

فقال معاوية الرأي ما تقول ولكن عمرا لا يدعني فقال عمرو خل بينهم وبين الماء فان عليا لم يكن ليظما وأنت ريان وفي يده أعنة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ومعه أهل العراق وأهل الحجاز وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول لو استمكنت من أربعين رجلا فذكر أمرا يعني لو إن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني بيت فاطمة، ذكر ذلك نصر في كتاب صفين وفرح أهل الشام بالغلبة على الماء فقال معاوية يا أهل الشام هذا والله الظفر لا سقاني الله ولا سقى أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه وتباشر أهل الشام فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام يقال له المعري بن الأقبل الهمداني وكان ناسكا وكان له لسان وكان صديقا ومؤاخيا لعمرو بن العاص فقال يا معاوية سبحان الله إن سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أما تعلمون إن فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف ومن لا ذنب له هذا والله أول الجور لقد شجعت الجبان وبصرت المرتاب وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك فأغلظ له معاوية وقال لعمرو اكفني صديقك فأتاه عمرو فأغلظ له فقال الهمداني في ذلك:

ثم سار الهمداني في سواد الليل فلحق بعلي. وبقي أصحاب علي (ع) يوما وليلة بغير ماء واغتم علي (ع) بما فيه أهل العراق من العطش فخرج نحو رايات مذحج وإذا رجل ينادي:

ومضى إلى راية كندة فإذا مناد ينادي إلى جنب منزل الأشعث ويقول:

فلما سمع الأشعث قول الرجل أتى عليا من ليلته فقال: يا أمير المؤمنين أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ومعنا السيوف خل عنا وعن القوم فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت ومر الأشتر فليعل بخيله حتى أمره، فقال ذاك إليك فرجع الأشتر فنادى في الناس من كان يريد الموت أو الماء فميعاده الصبح فاني ناهض إلى الماء فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل وشد عليه سلاحه وهو يقول:

فلما أصبح الأشعث دب في الناس وسيوفهم على عواتقهم وجعل يلقي رمحه ويقول بأبي أنتم وأمي تقدموا قاب رمحي فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم وحسر عن رأسه ونادى أنا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء فنادى أبو الأعور السلمي أما والله لا حتى تأخذنا وإياكم السيوف فقال الأشعث قد والله أظنها دنت منا وحمل عبد الله بن عوف بن الأحمر وكان من فرسان علي (ع) فجعل يضربهم بالسيف وهو يقول:

#ضراب هامات العدى مغوار

ودعا الأشتر الحارث بن همام النخعي ثم الصهباني فأعطاه لواءه ثم قال يا حارث لولا إني اعلم انك تصبر عند الموت لأخذت لوائي منك ولم أحبك بكرامتي قال والله يا مالك لأسرنك اليوم أو لأموتن فأتبعتني فتقدم وهو يقول:

#ما شئت خذ منا وما شئت فدع

فقال اشتر ادن مني يا حارث فدنا منه فقبل رأسه وقال لا تتبع هذا اليوم إلا خيرا ثم قام الأشتر يحرض أصحابه ويقول فدتكم نفسي شدوا شدة المحرج الراجي الفرج فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها وإذا عضتكم السيوف فليعض الرجل على نواجذه فإنه أشد لشؤون الرأس ثم استقبلوا القوم به أماتكم وكان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب. وقتل الأشتر في تلك المعركة سبعة وقتل الأشعث فيها خمسة فأول قتيل قتله الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له صالح بن فيروز وكان مشهورا بشدة البأس فارتجز على الأشتر فقال:

فبرز إليه الأشتر وهو يقول:

ثم شد عليه بالرمح فقتله فخرج إليه فارس آخر يقال له مالك بن أدهم السلماني وكان من فرسان أهل الشام وشد على الأشتر فلما رهقه التوى الأشتر على الفرس ومار السنان فأخطأه ثم استوى على فرسه وشد عليه بالرمح وهو يقول:

فقتله ثم فارس آخر يقال له رياح بن عتيك الغساني وهو يقول:

#عبل الذراعين شديد الصلب

(وفي رواية) شديد العصب فخرج الأشتر وهو يقول:

فشد عليه فقتله ثم خرج إليه فارس آخر يقال له إبراهيم بن الوضاح الجمحي وهو يقول:

#مقاوم لقرنه لزاز

فخرج إليه الأشتر وهو يقول:

#يترك هامات العدى حصيدا

فقتله ثم خرج إليه فارس آخر يقال له زامل بن عبيد الخزامي وكان من أصحاب الألوية فشد عليه وهو يقول:

#ليس بحياد ولا مغلب#فطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه عن فرسه ولم يصب مقتلا وشد عليه الأشتر فكسف قوائم الفرس بالسيف وهو يقول:
#وكلهم كانوا حماة مثلكا

ثم ضربه بالسيف وهما راجلان فقتله ثم خرج إليه فارس يقال له الأجلح بن منصور الكندي وكان من أعلام العرب وفرسانها وكان على فرس يقال له لاحق فلما استقبله الأشتر كره لقاء الأشتر واستحيا إن يرجع فشد عليه الأشتر وهو يقول:

فضربه الأشتر فقتله وقالت حبلة بنت منصور أخت الأجلح حين أتاها مصابه ترثيه:

وماتت حزنا على أخيها وقال أمير المؤمنين (ع) لما بلغه مرثيتها أخاها أما إنهن ليس يملكن ما رأيتم من الجزع أما إنهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن خزايا من قبل ابن آكلة الأكباد اللهم حمله آثامهم وأوزارهم وأثقالا مع إثقالهم ثم خرج إليه محمد بن روضة الجمحي وهو يضرب في أهل العراق ضربا منكرا ويقول:

فشد عليه الأشتر وهو يقول:

#نصرتموه عابدا شيطانا

ثم ضربه فقتله ثم اقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى كشف أهل الشام عن الماء وهو يقول:

#شعث النواصي أو يقال ماتا

وكان لواء الأشعث مع معاوية بن الحارث فقال له الأشعث لله أنت ليست النخع بخير من كندة قدم لواءك فتقدم صاحب اللواء وهو يقول:

#إن تشربوا الماء فلا تريثوا

وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي (ع) فبعث إليه الأشعث إن أقحم الخيل فأقحمها حتى وضعت سنابكها في الفرات وأخذت القوم السيوف فولوا مدبرين فقال علي (ع) هذا يوم نصرنا فيه الأشعث بالحمية وقال الأشعث يا أمير المؤمنين قد غلب الله لك على الماء. وقال عمرو بن العاص لمعاوية ما ظنك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس أتراك ضاربهم عليه كما ضاربوك عليه وما أغنى عنك إن تكشف لهم السوأة قال دع عنك ما مضى ما ظنك بعلي قال ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه وإن الذي جاء له غير الماء فلما غلب علي على الماء فطرد عنه أهل الشام بعث إلى معاوية أنا لا نكافيك بصنعك هلم إلى الماء فنحن وأنتم فيه سواء فاخذ كل منهما بالشريعة مما يليه وقال علي لأصحابه إن الخطب أعظم من منع الماء وقال معاوية لله در عمرو ما عصيته في أمر إلا أخطأت الرأي فيه.

المراسلة بين علي ومعاوية بصفين

ومكث علي يومين لا يراسل معاوية ولا يأتيه من قبل معاوية أحد ثم إن عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز وجل وإلى الطاعة والجماعة وإلى أتباع أمر الله تعالى فقال له شبث ألا نطمعه في سلطان توليه إياه ومنزلة تكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك قال علي ائتوه الآن فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه وهذا في ربيع الآخر فاتوه فحمد الله أبو عمرة بن محصن وأثنى عليه وقال يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة وإن الله مجازيك بغملك وإني أنشدك بالله إن تفرق جماعة هذه الأمة وتسفك دماءها بينها. فقطع معاوية عليه الكلام فقال هلا أوصيت صاحبك فقال سبحان الله إن صاحبي ليس مثلك إن صاحبي أحق البرية بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معاوية فتقول ما ذا؟ قال أدعوك إلى تقوى ربك وأجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دينك وخير في عاقبة أمرك، قال ويطل دم عثمان لا والرحمن لا أفعل ذلك أبدا فذهب سعيد يتكلم فبدره شبث بن ربعي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معاوية أنه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب أنك لا تجد شيئا تستهوي به الناس إلا إن قلت لهم قتل أمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام رذال وقد علمنا أنك أبطأت عليه بالنصر وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب ورب مبتغ أمرا يحول الله دونه وربما أوتي المتمني أمنيته وربما لم يؤتها والله ما لك في واحدة منهما خير والله إن أخطأك ما ترجو انك لشر العرب حالا ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلا النار فاتق الله يا معاوية ولا تنازع الأمر له، فقال معاوية إني أول ما عرفت به سفهك وخفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به ولقد كذبت ولؤمت أيها الإعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت وذكرت انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلا السيف فخرجوا وشبث يقول: أفعلينا تهول بالسيف أنا والله لنعجلنه إليك فاتوا عليا فاخبروه بما كان وخرج قراء أهل العراق وقراء أهل الشام فعسكروا ناحية صفين في ثلاثين ألفا وعسكر علي على الماء وعسكر معاوية فوق ذلك ومشت القراء فيما بين معاوية وعلي فيهم عبيدة السلماني وعلقمة بن قيس النخعي وعبد الله بن عتبة وعامر بن عبد القيس وقد كان في بعض تلك السواحل فانصرف إلى عسكر علي فدخلوا على معاوية فقالوا ما الذي تطلب قال اطلب بدم عثمان قالوا ممن قال من علي قالوا وعلي قتله قال نعم هو قتله وآوى قاتله فدخلوا على علي فقالوا إن معاوية يزعم أنك قتلت عثمان قال اللهم لكذب فيما قال لم اقتله فرجعوا إلى معاوية فاخبروه فقال إن لم يكن قتله بيده فقد أمر ومالأ فرجعوا إلى علي فقالوا إن معاوية يزعم أنك إن لم تكن قتلت بيدك فقد أمرت ومالأت فقال اللهم كذب فيما قال فرجعوا إلى معاوية فقالوا إن عليا يزعم أنه لم يفعل فقال إن كان صادقا فليمكنا من قتلة عثمان فإنهم في عسكره وجنده وأصحابه وعضده فرجعوا إلى علي فاخبروه فقال لهم علي تأول القوم عليه القرآن ووقعت الفرقة وقتلوه في سلطانه وليس على ضربهم قود، فخصم علي معاوية (ذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين) قال معاوية إن كان الأمر كما يزعم فما له أبتز الأمر دوننا على غير مشورة منا ولا ممن هاهنا معنا فقال علي إنما الناس تبع المهاجرين والأنصار وهم شهود المسلمين في البلاد على ولايتهم وأمر دينهم فرضوا بي وبايعوني فرجعوا إلى معاوية فاخبروه بذلك فقال ليس كما يقول فما بال من هنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فانصرفوا إلى علي فقالوا له ذلك فقال ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة ليس في الأرض بدري إلا قد بايعني وهو معي أو قد أقام ورضي فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم ودينكم، فتراسلوا ثلاثة أشهر ربيع الآخر وجمادين فيزحف بعضهم إلى بعض ويحجز القراء بينهم فتزاحفوا خمسا وثمانين مرة في ثلاثة أشهر وتحجز القراء بينهم ولا يكون بينهم قتال وخرج أبو إمامة الباهلي وأبو الدرداء فدخلا على معاوية وكانا معه فقالا علا م تقاتل هذا الرجل فو الله لهو أقدم منك سلما وأحق بهذا الأمر منك وأقرب من النبي صلى الله عليه وسلم فعلام تقاتله فقال أقاتله على دم عثمان وأنه آوى قتلته فقولوا له فليقدنا من قتلته وأنا أول من بايعه فانطلقوا إلى علي فاخبروه فقال هم الذين ترون فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسربلين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا كلنا قتلته فان شاؤوا فليروموا ذلك منا فرجع أبو إمامة وأبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال حتى إذا كان رجب وخاف معاوية إن يبايع القراء عليا على القتال أخذ في المكر وأخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا عنه ويكفوا حتى ينظروا.

حيلة لمعاوية

وكتب معاوية في سهم: من عبد الله الناصح فاني أخبركم إن معاوية يريد إن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم ورمى بالسهم في عسكر علي فوقع في يد رجل من أهل الكوفة وتداولته الأيدي حتى وصل إلى أمير المؤمنين فقالوا هذا رجل ناصح كتب يخبركم بما أراد معاوية وبعث معاوية مائتي رجل من الفعلة إلى القول من النهر بأيديهم المرور والزبيل يحفرون فيها بحيال عسكر علي فقال علي ويحكم إن الذي يحاول معاوية لا يستقيم له وإنما يريد إن يزيلكم عن مكانكم فقالوا له هم والله يحفرون الساعة فقال يا أهل العراق لا تكونوا ضعفي ويحكم لا تغلبوني على رأيي فقالوا والله لنرتحلن فان شئت فارتحل وإن شئت فأقم فارتحلوا وصعدوا بعسكرهم وارتحل علي آخر الناس وهو يقول:

وارتحل معاوية فنزل بمعسكر علي الذي كان فيه فدعا علي الأشتر فقال ألم تغلبني على رأيي أنت والأشعث فدونكما فقال الأشعث أنا أكفيك يا أمير المؤمنين سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك فجمع كندة فقال لا تفضحوني اليوم إنما أقارع بكم أهل الشام فخرجوا معه رجلا يمشون وبيد الأشعث رمح له يلقيه على الأرض ويقول أمشوا قيس رمحي فيمشون فلم يزل يقيس لهم على الأرض برمحه ويمشون معه رجالة قد كسروا جفون سيوفهم حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء وقد جاءه أداني عسكره فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة وانتهى أوائل أهل العراق فنزلوا وأقبل الأشتر في خيل فحمل على معاوية، والأشعث يحارب في ناحية فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ ثم نزل ووضع أهل الشام أثقالهم والأشعث يهدر ويقول أرضيت يا أمير المؤمنين ثم غاداهم علي القتال وعلى رايته يومئذ هاشم بن عتبة المرقال وبرز يومئذ عوف من أصحاب معاوية فبرز إليه علقمة بن عمرو من أصحاب علي فطعنه علقمة فقتله فمكثوا على ذلك حتى كان ذو الحجة فجعل علي يأمر هذا الرجل الشريف فيخرج معه جماعة فيقاتل ويخرج إليه من أصحاب معاوية رجل معه جمع آخر فيقتتلان في خيلهما ورجلهما ثم ينصرفان وأخذوا يكرهون أن يتزاحفوا بجميع الفيلق من أهل العراق وأهل الشام مخافة الاستئصال والهلاك وكان علي يخرج الأشتر مرة في خيله ومرة حجر بن عدي أو شبث بن ربعي التميمي أو خالد بن المعمر السدوسي أو زياد بن النضر الحارثي أو زياد بن جعفر الكندي أو سعيد بن قيس الهمداني أو معقل بن قيس الرياحي أو قيس بن سعد بن عبادة وأكثرهم خروجا الأشتر وكان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي أو أبا الأعور السلمي أو حبيب بن مسلمة الفهري أو ابن ذي الكلاع أو عبيد الله بن عمر بن الخطاب أو شرحبيل بن السمط أو حمزة بن مالك الهمداني فاقتتلوا ذا الحجة وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين أوله وآخره وخرج الأشتر يوما فقاتل بصفين في رجال من القراء ورجال من فرسان العرب فاشتد قتالهم (قال الراوي): فخرج عليا رجل لقلما رأيت رجلا قط هو أطول ولا أعظم منه فدعا إلى المبارزة فلم يبرز إليه أحد وبرز إليه الأشتر فاختلفا ضربتين وضربه الأشتر فقتله وأيم الله لقد كنا أشفقنا عليه وسألناه أن لا يخرج إليه وهو سهم بن أبي العيزار. وجاء رجل من الأزد فقال أقسم بالله لأقتلن قاتلك فحمل على الأشتر فضربه الأشتر فإذا هو بين يدي فرسه وحمل أصحابه فاستنقذوه جريحا فقال أبو رقيقة السهمي كان هذا نارا فصادفت إعصارا فاقتتل الناس ذا الحجة كله فلما مضى ذو الحجة تداعى الناس أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل الله أن يجري صلحا واجتماعا فكف الناس بعضهم عن بعض.

استئناف المراسلة

ولما توادع علي ومعاوية بصفين اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح فأرسل علي إلى معاوية عدي بن حاتم وشبث بن ربعي ويزيد بن قيس الأرحبي وزياد بن حصفة التميمي فدخلوا على معاوية فحمد الله عدي بن حاتم وأثنى عليه ثم قال أما بعد فأنا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا ويحقن الله به دماء المسلمين وندعوك إلى أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثارا وقد اجتمع له الناس فلم يبق أحد غيرك وغير من معك فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل فقال معاوية كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا هيهات يا عدي كلا والله إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان أما والله أنك لمن المجلبين على ابن عفان وإنك لمن قتلته وقال له شبث وزياد بن خصفة أتيناك فيما يصلحنا وإياك فأقبلت تضرب الأمثال لنا دع ما لا ينفع من القول والفعل واجبنا فيما يغمنا وإياك نفعه وقال يزيد بن قيس أن صاحبنا لمن عرفت وعرف المسلمون فضله ولا أظنه يخفى عليك أن أهل الدين والفضل لن يعدلوك بعلي فاتق الله يا معاوية ولا تخالف عليا فأنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه فقال معاوية: إنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة فأما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي وأما الطاعة لصاحبكم فأنا لا نراها، أن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثأرنا وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه فليدفع إلينا قتلته لنقتلهم به ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة فقال شبث بن ربعي أيسرك أنك أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته قال وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنني من ابن سمية ما قتلته بعثمان ولكن بنائل مولى عثمان فقال له شبث وإله السماء ما عدلت معدلا لا والله لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها فقال له معاوية لو كان ذلك كانت عليك أضيق. ورجعوا فبعث معاوية إلى زياد بن خصفة فقال له يا أخا ربيعة أن عليا قطع أرحامنا وقتل أما منا وآوى قتلة صاحبنا وإني أسألك النصرة عليه بأسرتك وعشيرتك ولك علي عهد الله وميثاقه إذا ظهرت أن أوليك أي المصرين أحببت فقال له زياد إني لعلى بينة من ربي وبما أنعم علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم قام فقال معاوية لعمرو بن العاص وكان إلى جانبه ليس يتكلم رجل منهم بكلمة تخالف صاحبه ما لهم قصمهم الله ما قلوبهم إلا قلب رجل واحد وبعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس السلمي فدخلوا على علي فقال حبيب بن مسلمة أن عثمان كان خليفة مهديا فاستثقلتم حياته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلة عثمان نقتلهم به فان قلت أنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم. فقال له علي: وما أنت لا أم لك والولاية والعزل والدخول في هذا الأمر اسكت فإنك لست هناك ولا بأهل لذاك فقال حبيب بن مسلمة أما والله لتريني حيث تكره فقال له علي وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك اذهب فصوب وصعد ما بدا لك فلا أبقى الله عليك أن أبقيت فقال شرحبيل أن كلمتك فلعمري ما كلامي إياك إلا كنحو من كلام صاحبي فهل لي عندك جواب غير الذي أجبته به فقال علي (ع) عندي جواب غير الذي أجبته به لك ولصاحبك ثم ذكر كل أما قال في آخره: ثم ولي أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فسار إليه ناس فقتلوه ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فأبيت عليهم فقالوا لي أن الأمة لا ترضى إلا بك وأنا نخاف أن لم تفعل أن يفترق الناس فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام طليق ابن طليق وحزب من الأحزاب لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين فعجبنا لكم ولإجلابكم معه وانقيادكم له وتدعون أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وإماتة الباطل وإحياء معالم الدين فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد أتشهد أن عثمان قتل مظلوما فقال إني لا أقول ذلك قالا فمن لم يشهد أنه قتل مظلوما فنحن براء منه ثم انصرفا فقال علي (ع) {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} الآية ثم أقبل على أصحابه فقال لا يكن هؤلاء بأولى بالجد في ضلالتهم منكم في حقكم. ثم مكث الناس حتى دنا انسلاخ المحرم فقال حابس بن سعيد الطائي وكان صاحب لواء طئ مع معاوية وقتل معه:

فلما انسلخ المحرم واستقبل صفر سنة 37 بعث علي نفرا من أصحابه فيهم مرثد بن الحارث الجشمي حتى إذا كانوا من عسكر معاوية بحيث يسمعونهم الصوت نادى مرثد عند غروب الشمس: يا أهل الشام أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لكم أنا والله ما كففنا عنكم شكا في أمركم ولا بقيا عليكم وإنما كففنا عنكم لخروج المحرم ثم انسلخ وأنا قد نبذنا إليكم على سواء أن الله لا يحب الخائنين (وفي رواية) أمره فنادى يا أهل الشام إلا أن أمير المؤمنين يقول لكم إني قد استنبذتكم واستأنيتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه واحتججت عليكم بكتاب الله ودعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى حق وإني قد نبذت إليكم على سواء أن الله لا يحب الخائنين فثار الناس إلى أمرائهم ورؤسائهم وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتبان الكتائب ويعبيان العساكر وأوقدوا النيران وجاءوا بالشموع وبات علي ليلته كلها يعبي الناس ويكتب الكتائب ويدور في الناس ويحرضهم.

وصايا أمير المؤمنين (ع) لعسكره

كان أمير المؤمنين (ع) يأمر عساكره في كل موطن لقوا معه عدوه فيقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على حجة وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تتهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا إلا بإذني ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا امرأة إلا بإذني وإن شتمن أعراضكم وتناولن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القوى والأنفس ولقد كنا وأنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده. وسمع منه (ع) أيام الجمل وصفين والنهروان أنه كان يقول للناس: عباد الله اتقوا الله عز وجل وغضوا الأبصار واخفضوا الأصوات وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمبارزة والمعانقة والمكادمة واثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا أن الله مع الصابرين اللهم ألهمهم الصبر وأنزل عليهم النصر وأعظم لهم الأجر. ابتداء الوقعة العظمى يوم صفين

قال نصر: عقد أمير المؤمنين ومعاوية الألوية وأمرا الأمراء وكتبا الكتائب فاستعمل علي (ع) على الخيل عمار بن ياسر وفي رواية انه استعمله على رجالة أهل الكوفة وعلى خيل أهل الكوفة الأشتر وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعلى رجالة أهل البصرة قيس بن سعد وكان قد أقبل من مصر إلى صفين فإنه كان واليا بمصر كما مر، ودفع اللواء إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري وجعل الميمنة اليمن وعليها الأشعث بن قيس وعلى رجالتها سليمان بن صرد الخزاعي وجعل الميسرة ربيعة وعليها عبد الله بن عباس وعلى رجالتها الحارث بن مرة العبدي وجعل القلب مضر الكوفة والبصرة وعقد ألوية القبائل فأعطاها قوما بأعيانهم جعلهم رؤساءهم وأمراءهم فعلى قريش وأسد وكنانة عبد الله بن عباس وعلى كندة حجر بن عدي وعلى بكر البصرة حضين بن المنذر وعلى تميم البصرة الأحنف بن قيس وعلى خزاعة عمرو بن الحمق وعلى سعد ورباب البصرة جارية بن قدامة السعدي وعلى بجيلة رفاعة بن شداد وعلى قضاعة وطئ عدي بن حاتم وعلى همدان سعيد بن قيس وعلى مذحج الأشتر بن الحارث النخعي وعلى عبد القيس الكوفة صعصعة بن صوحان وعلى قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل الكناني وعلى ذهل الكوفة يزيد بن رويم الشيباني إلى غير ذلك. واستعمل معاوية على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب وعلى الرجالة مسلم بن عقبة المري صاحب وقعة الحرة وعلى الميمنة وهم أهل حمص وقنسرين عبد الله بن عمرو بن العاص وعلى الميسرة وهم أهل الأردن وفلسطين حبيب بن مسلمة الفهري وأعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلى أهل دمشق وهم القلب الضحاك بن قيس الفهري وعلى أهل حمص ذو الكلاع الحميري وعلى أهل قنسرين زفر بن الحارث وعلى أهل الأردن أبا الأعور السلمي سفيان بن عمرو وعلى رجالة دمشق بسر بن أبي أرطأة العامري وعلى رجالة حمص حوشبا ذا ظليم وعلى الخيل عمرو بن العاص واستعمل على باقي القبائل وأهل البلاد أشخاصا آخرين لا نطيل بذكرهم. وبايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم فكانوا خمسة صفوف معقلين وكانوا يخرجون فيصطفون أحد عشر صفا ويخرج أهل العراق فيصطفون أحد عشر صفا.

علامة أهل الشام وأهل العراق وشعارهم وألوان راياتهم

قال نصر: كانت علامة أهل العراق بصفين الصوف الأبيض قد جعلوه في رؤوسهم وعلى أكتافهم، وشعارهم يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد يا رحمن يا رحيم وكانت علامة أهل الشام خرقا بيضا قد جعلوها على رؤوسهم وأكتافهم وكان شعارهم: نحن عباد الله حقا حقا يا لثارات عثمان وكانت رايات أهل العراق سودا وحمرا ودكنا وبيضا ومعصفرة وصفرا وموردة والألوية مضروبة دكن وسود ولم يذكر ألوان رايات أهل الشام.

ابتداء القتال بعد الهدنة

فخرجوا يوم الأربعاء أول يوم من صفر سنة 37 وعلى من خرج من أهل الكوفة الأشتر وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجالة حسن عددها وعدتها وخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض. وخرج في اليوم الثالث عمار بن ياسر وخرج عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد القتال وجعل عمار يقول يا أهل الإسلام أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو والله فيما يرى راهب غير راغب وقبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم إلا وانه معاوية. وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل وصبروا له وشد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه. وبارز زياد بن النضر أخا له من أمه من بني عامر اسمه معاوية بن عمرو العقيلي أمها هند من بني زبيد فلما التقيا تسايلا وتوافقا ثم انصرف كل واحد منهما عن صاحبه ورجع الناس يومهم ذاك. ورفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح فقال ناس هذا لواء عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك عليا فقال هل تدرون ما أمر هذا اللواء أن خرج له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الشقة فقال من يأخذها بما فيها فقال وما فيها قال أن لا تقاتل به مسلما ولا تفر به من كافر فأخذها فقد والله فر به من المشركين وقاتل به اليوم المسلمين والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم إلا إنهم لم يدعوا الصلاة.

فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب خرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال ثم أن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية أن اخرج إلي أبارزك قال له ثم خرج إليه يمشي فبصر به علي فقال من هذان المتبارزان فقيل له ابن الحنفية وابن عمر فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له وقال أمسك دابتي فامسكها ثم مشى إليه علي فقال أنا أبارزك قال ليس لي في مبارزتك حاجة وأخذ ابن الحنفية يقول لأبيه منعتني من مبارزته لو تركتني لرجوت أن اقتله قال يا بني لو بارزته أنا لقتلته ولو بارزته أنت لرجوت أن تقتله وما كنت آمن أن يقتلك. فلما كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن العباس والوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا ودنا ابن عباس من الوليد فأخذ الوليد يسب بني عبد المطلب فأرسل إليه ابن عباس أن أبرز إلى فأبى وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا ثم انصرفوا عند الظهر وكل غير غالب وذلك يوم الأحد. وخرج شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري في ذلك اليوم فلحق بعلي في ناس من قراء أهل الشام فلما رأى ذلك معاوية وعمرو بن العاص وما خرج إلى علي من قبائل أهل الشام فت ذلك في عضد معاوية وعمرو وقال عمرو يا معاوية أنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وسلم قرابة قريبة ورحم ماسة وقدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وانه قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ولهم في النفوس مهابة ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة وأمر بالمنبر فاخرج ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أعيرنا أنفسكم وجماجمكم ولا تفشلوا ولا تخاذلوا فان اليوم يوم خطار ويوم حقيقة وحفاظ فإنكم على حق ولكم حجة وإنما تقاتلون من نكث البيعة وسفك الدم الحرام فليس له في السماء عاذر. ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس قدموا المستلئمة وأخروا الحاسر وأعيروا جماجمكم ساعة فقد بلغ الحق مقطعه فإنما هو ظالم أو مظلوم فلما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو وتحريضهما الناس عليه أمر بالناس فجمعوا وهو متوكئ على قوسه وقد جمع أصحاب رسول الله عنده فهم يلونه وأحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس اسمعوا مقالتي وعوا كلامي فان الخيلاء من التجبر وان النخوة من التكبر وان الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل إلا أن المسلم أخو المسلم لا تنابذوا ولا تخاذلوا فان شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة من أخذ بها لحق ومن تركها مرق ومن فارقها محق ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذ وعد ولا بالكذاب إذا نطق نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الصدق ومن فعالنا القصد ومنا خاتم النبيين وفينا قادة الإسلام ومنا قراء الكتاب ندعوكم إلى الله وإلى رسوله وإلى جهاد عدوه والشدة في أمره وابتغاء رضوانه وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان وتوفير الفيء لأهله إلا وإن من أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي وعمرو بن العاص السهمي أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما وقد علمتم إني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولم اعصه في أمر قط أقيه بنفسي في المواطن التي ينك صلى الله عليه وسلم فيها الأبطال وترعد فيها الفرائص نجدة أكرمني الله بها فله الحمد ولقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رأسه لفي حجري ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة المقربون معي وأيم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما شاء الله. فقال عمار بن ياسر أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه، ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم. وقال علي (ع) في هذه الليلة حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فخطبهم وقال في آخر خطبته إلا إنكم لاقوا العدو غدا أن شاء الله فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن واسألوا الصبر والنصر والقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها فلما كان الليل خرج علي فعبأ الناس ليلته كلها حتى أصبح وعقد الألوية وأمر الأمراء وكتب الكتائب وبعث علي مناديا فنادى يا أهل العراق اغدوا على مصافكم نصبح أهل الشام في عسكرهم واجتمعوا إلى معاوية فعبأ خيله وعقد الألوية وكتب الكتائب ثم نادى معاوية أين الجند المقدم فخرج أهل حمص في راياتهم عليهم أبو الأعور السلمي ثم نودي أين أهل الأردن فخرجوا في راياتهم عليهم سفيان بن عمرو السلمي ثم نودي أين أهل قنسرين فجاءوا في راياتهم عليهم زفر بن الحارث ثم نودي أين جند الأمير فجاء أهل دمشق على راياتهم وهم القلب وعليهم الضحاك بن قيس الفهري فأطافوا بمعاوية وسار أبو الأعور وسار عمرو بن العاص حتى وقفوا قريبا من أهل العراق وصف القلب خمسة صفوف وفعل أهل العراق كذلك وبات علي ليلته كلها يعبي الناس حتى إذا أصبح الصباح زحف بالناس وخرج إليه معاوية وأهل الشام فأخذ علي يقول من هذه القبيلة ومن هذه القبيلة يعني قبائل أهل الشام فأمر كل قبيلة أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام إلا بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير ففرقهم إلى لخم ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا نهارهم كله وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب وكان علي يركب بغلا له يستلذه فلما حضرت الحرب قال ائتوني بفرس فأتى بفرس له ذنوب أدهم يقاد بشطنين يبحث بيديه الأرض جميعا له حمحمة وصهيل فركبه وقال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلما كان غداة الخميس غلس علي (ع) بالغداة فما رئي انه غلس أشد من تغليسه يومئذ ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وكان هو يبدأهم فيسير إليهم فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم فدعا بدعاء قال في آخره: أن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق وان أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصم بقية أصحابي من الفتنة. وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر وقيس بن سعد وعبد الله بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم وعلي في القلب في أهل المدينة والكوفة والبصرة وعظم من معه من المدينة الأنصار ومعه من خزاعة عدد حسن ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة ثم زحف علي بالناس إليهم ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس وجلس تحتها وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة فلم يزل يحوزه ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر.

تحريض علي (ع) ووصاياه لعسكره

وجعل أمير المؤمنين (ع) يحرض أصحابه ويوصيهم وصايا مهمة في الحرب فقال: أن الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنب ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر وأخبركم بالذي يحب فقال أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص وقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبأ للسيوف عن الهام وأميتوا الأصوات فإنه اطرد للفشل وأولى بالوقار والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا في أيدي شجعانكم المانعي الذمار. ثم ذكر كل أما معناه النهى عن أن يكل الرجل قرنه إلى أخيه بل يواسيه بنفسه. وقال وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة واستعينوا بالصدق والصبر فإنه بعد الصبر ينزل الصبر. وطلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام فقال له عمرو على أن لي حكمي أن قتل الله ابن أبي طالب واستوسقت لك البلاد فقال أليس حكمك في مصر قال وهل مصر تكون عوضا عن الجنة وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار فقال معاوية أن لك حكمك أبا عبد الله أن قتل ابن أبي طالب رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك فقال لهم عمرو يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم وأعيروا ربكم جماجمكم وجاهدوا عدو الله وعدوكم واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم واصبروا أن الأرض يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين. وطلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس ويحرضهم على قتال علي وأهل العراق وكان من أعظم أصحاب معاوية خطرا فقعد على فرسه وخطب خطبة طويلة قال في آخرها كان مما قضي الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين وأنا لنعلم أن فيهم قوما كانت لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة ذات شأن وخطر عظيم ولكنني ضربت الأمر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهدر دم عثمان وعدد فضائله ثم قال فإن كان أذنب فقد أذنب من هو خير منه قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له وأذنب نوح فاستغفر الله فغفر له وأذنب أبوكم آدم ثم استغفر فغفر له وأنا لنعلم إنها كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن مالأ على قتل عثمان فقد خذله ثم قد اقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شآمكم وبلادكم وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل ولقد رأيت في منامي لكانا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا ونحن في ذلك جميعا ننادي ويحكم الله.

حجر الخير وحجر الشر

روى نصر بسنده عن الشعبي أن أول فارسين التقيا في اليوم السابع من صفر وكان من الأيام العظيمة في صفين ذا وال شديدة حجر الخير وحجر الشر أما حجر الخير فهو حجر بن عدي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وحجر الشر ابن عمه حجر بن يزيد وذلك أن حجر الشر دعا حجر بن عدي إلى المبارزة وكلاهما من كندة فأجابه فاطعنا برمحيهما ثم حجز بينهما خزيمة بن ثابت الأسدي وكان مع معاوية فضرب حجرا ضربة كسر رمحه وحمل أصحاب علي فقتلوا الأسدي وأفلتهم حجر الشر وحمل حجر الشر على الحكم بن أزهر وهو يرتجز ويقول:

#أثبت أقاتلك الغداة وحدي

فقتل الحكم فحمل رفاعة بن ظالم الحميري ابن عم الحكم على حجر الشر فقتله فقال علي الحمد الله الذي قتل حجر الشر بالحكم بن أزهر. وروى نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم أن عليا قال من يذهب بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه فاقبل فتى اسمه سعيد بن قيس فقال أنا صاحبه ثم أعادها فسكت الناس وقال الفتى أنا صاحبه فقال دونك وأتى معاوية فقرأه عليهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه وقال معاوية لعمرو بن العاص ائت ببني أبيك فقاتل بهم فإنه أن يكن عند أحد خير فعندهم فأتى جماعة أهل اليمن فقال أنتم اليوم الناس وغدا لكم الشأن هذا يوم له ما بعده من الأمر احملوا معي على هذا الجمع قالوا نعم فحملوا وحمل عمرو وهو يقول:

#خليفة الله على تبيان

فحمل عليه عمرو بن الحمق وهو يقول:

مقتل حوشب ذي ظليم

وخرج حوشب ذو ظليم وهو يومئذ سيد أهل اليمن في جمعه وصاحب لوائه يقول:

#في قتل عثمان وكل مذنب

فحمل عليه سليمان بن صرد الخزاعي وهو يقول:

فطعن حوشبا فقتله.

مقتل عبد الله بن بديل الخزاعي

قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل الخزاعي مع علي (ع) يومئذ وعليه سيفان ودرعان فجعل يضرب الناس بسيفه قدما وهو يقول:

#والله يقضي ما يشأ ويفعل

فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه. قال نصر: قاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة حتى انتهى إلى معاوية مع الذين بايعوه على الموت فاقبلوا إلى معاوية فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل في الميمنة وبعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة فحمل عليهم بمن كان معه على ميمنة علي فهزمهم وكشف أهل العراق ميلا من قبل الميمنة حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو من مائة مع القراء واستند بعضهم إلى بعض وانجفل الناس عليهم فأمر علي سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان مع علي من أهل المدينة فاستقبلهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة فحملوا عليهم والحقوهم بالميمنة وكانت الميمنة متصلة إلى موقف علي في القلب في أهل اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي فاقبل يمشي نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة وثبتت ربيعة. وجعل عبد الله بن بديل ينادي يا لثارات عثمان يعني أخا له قد قتل وظن معاوية وأصحابه أنه يعني عثمان بن عفان ومع معاوية عبد الله بن عامر واقفا فاقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر حتى أثخنوه وقتل الرجل وأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر فأما عبد الله بن عامر فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له أخا وصديقا فقال معاوية اكشف عن وجهه فقال عبد الله والله لا يمثل به وفي الروح فقال له معاوية اكشف عن وجهه فقد وهبته لك فكشف عن وجه فقال معاوية هذا كبش القوم ورب الكعبة اللهم أظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر:

مع أن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها فعلت.

قتل أحمر مولى بني أمية

وروى نصر بسنده عن زيد بن وهب قال: مر علي يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة واني لأرى النبل يمر بين عاتقيه ومنكبيه وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه فيكره علي ذلك. فبصر به احمر مولى بني أمية فقال: علي ورب الكعبة قتلني الله أن لم أقتلك أو تقتلني فاقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا ضربتين فقتله أحمر وخالط عليا ليضربه بالسيف فانتهره علي ووضع يده في جيب درعه فجذبه ثم حمله على عاتقه (قال الراوي) فكأني انظر إلى رجليه يختلفان على عنق علي ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضده وشد ابنا علي الحسين ومحمد فضرباه بأسيافهما فكأني انظر إلى علي قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى إذا قتلاه أقبلا إلى أبيهما والحسن معه قائم قال يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك قال كفياني يا أمير المؤمنين. ثم أن أهل الشام دنوا منه والله ما يزيده قربهم منه سرعة في مشيه فقال له الحسن ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين صبروا لعدوك من صحابك قال يا بني أن لأبيك يوما لن يعدوه لا يبطئ به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي أن أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه. وخرج علي (ع) يوم صفين وفي يده عنزة (عصا) فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب عدوك فقال له علي انه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو تصيبه آفة فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه. رد الأشتر المنهزمين

ولما انهزمت ميمنة أهل العراق أقبل علي يركض نحو الميسرة يستثيب الناس ويستوقفهم ويأمرهم بالرجوع نحو الفزع حتى مر بالأشتر فقال له يا مالك قال لبيك يا أمير المؤمنين قال ائت القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم الكلمات التي أمره علي بهن وقال أيها الناس أنا مالك بن الحارث ثم ظن أنه بالأشتر اعرف في الناس فقال أيها الناس أنا الأشتر إلي أيها الناس فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فقال عضضتم بهن أبيكم ما أقبح ما قاتلتم اليوم يا أيها الناس غضوا الأبصار وعضوا على النواجذ واستقبلوا القوم بهامكم ثم شدوا شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم حنقا على عدوهم قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا بثار أن هؤلاء القوم والله لن يقارعوكم إلا عن دينكم ليطفئوا السنة ويحيوا البدعة ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة فخطيبا عباد الله أنفسا بدمائكم دون دينكم فان الفرار فيه سلب العز والغلبة على الفيء وذل المحيا والممات وعار الدنيا والآخرة وسخط الله واليم عقابه ثم قال أيها الناس أخلصوا إلي مذحجا فاجتمعت إليه مذحج فقال لهم عضضتم بصم الجندل والله ما أرضيتم اليوم ربكم ولا نصحتم له في عدوه فكيف بذلك وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات وفتيان الصباح وفرسان الطراد وحتوف الأقران ومذحج الطعان. يحرضهم بنحو هذا إلى أن قال والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء وأشار بيده إلى أهل الشام رجل على مثل جناح بعوضة من دين الله والله ما أحسنتم القراع اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي عليكم بهذا السواد الأعظم فان الله لو قد فضه تبعه من بجانبه كما يتبع السيل مقدمه قالوا خذ بنا حيث أحببت فصمد بهم نحو عظمهم مما نحو الميمنة وأخذ يزحف إليهم الأشتر ويردهم واستقبله سنام من همدان وكانوا ثمانمائة مقاتل وقد انهزموا آخر الناس وكانوا قد صبروا في ميمنة علي (ع) حتى أصيب منهم مائة وثمانون رجلا وقتل منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر.

قتل أخوة بصفين

فكان أولهم كريب بن شريح وشرحبيل بن شريح ومرثد بن شريح وهبيرة بن شريح ثم بريم هريم بن شريح وشمر بن شريح قتل هؤلاء الإخوة الستة جميعا ثم أخذ الراية سفيان بن زيد ثم حبة بن زيد ثم كرب بن زيد فقتل هؤلاء الإخوة الثلاثة جميعا ثم أخذ الراية عميرة بن بشر والحارث بن بشر فقتلا ثم أخذ الراية وهيب بن كريب أبو القلوص فأراد أن يستقتل فقال له رجل من قومه انصرف بهذه الراية ترحها الله من راية فقد قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك ولا من بقي ممن معك فانصرفوا وهم يقولون ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا ثم نستقدم نحن وهم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر فمروا بالأشتر وهم يقولون هذا القول فقال لهم الأشتر إلي أنا أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظهر أو نهلك فتوافقوا معه في هذا القول وزحف الأشتر نحو الميمنة وثاب إليه أناس تراجعوا من أهل البصيرة والحياء والوفاء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها ولا لجمع إلا حازه ورده فإنه لكذلك إذ مروا بيزيد بن قيس محمولا إلى العسكر فقال الأشتر من هذا قالوا يزيد بن قيس لما صرع زياد بن النضر رفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع فقال الأشتر هذا والله الصبر الجميل والفعل الكريم ألا يستحيي الرجل أن ينصرف لم يقتل ولم يقتل ولم يشف به على القتل. وكان الأشتر يومئذ يقاتل على فرس له في يده صفيحة يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا فإذا رفعها كاد يغشي البصر شعاعها ويضرب بسيفه قدما وهو يقول غمرات ثم ينجلين ولما اجتمع إلى الأشتر عظم من كان انهزم من الميمنة حرضهم ثم حمل على أصحاب معاوية حتى كشفهم فالحقهم صفوف معاوية بين صلاة العصر والمغرب فلما رأى علي (ع) أن ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها وكشفت من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم أقبل حتى انتهى إليهم فقال: إني قد رأيت جولتكم وانجيازكم عن صفوفكم وتحرزكم الجفاة الطغاة وأعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم وعمار الليل بتلاوة القرآن وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلو لا اقبالكم بعد ادباركم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف دبره والذي هون علي بعض وجدي أن رأيتكم باخرة حزتموهم كما حازوكم وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم كالإبل المطرودة الهيم فالآن فاصبروا أنزلت عليكم السكينة وثبتكم الله بالقين وليعلم المنهزم أنه مسخط لربه وفي الفرار الذل الدائم وإن ألفار لا يزيد الفرار في عمره.

قتال خثعم وخثعم بصفين

وأرسل عبد الله بن حنش الخثعمي رأس خثعم الشام إلى أبي كعب رأس خثعم العراق أن شئت تواقفنا فلم نقتتل فان ظهر صاحبك كنا معكم وإن ظهر صاحبنا كنتم معنا فأبى أبو كعب ذلك فلما التقوا قال رأس خثعم الشام لقومه قد عرضت على قومنا العراقيين الموادعة صلة لأرحامهم فأبوا فكفوا عنهم ما كفوا عنكم فخرج رجل من أصحابه فقال قد ردوا عليك رأيك وطلب المبارزة فغضب رأس خثعم الشام فقال اللهم قيض له وهب بن مسعود رجلا من خثعم الكوفة كان معروفا في الجاهلية لم يبارزه رجل إلا قتله فحمل على الشامي فقتله ثم اقتتلوا أشد القتال وجعل أبو كعب يقول لأصحابه خدموا أي اضربوا موضع الخدمة وهو الخلخال وأخذ صاحب الشام يقول يا أبا كعب قومك فأنصف فحمل شمر بن عبد الله الخثعمي خثعم الشام على أبي كعب فطعنه فقتله وانصرف يبكي ويقول رحمك الله يا أبا كعب إنني قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم وأحب إلي ولا أرى الشيطان إلا قد فتننا ولا أرى قريشا إلا قد لعبت بنا فأخذ الراية كعب بن أبي كعب ففقئت عينه وصرع فأخذها شريح بن مالك فقاتل القوم تحتها حتى صرع منهم حول رايتهم ثمانون رجلا وأصيب من خثعم الشام نحو منهم ثم ردها شريح إلى كعب بن أبي كعب.

قتال بجيلة العراق بصفين

وكانت راية بجيلة في صفين في أحمس مع أبي شداد قيس بن المكشوح قالت له بجيلة خذ رايتنا قال غيري خير لكم مني قالوا ما نريد غيرك قال فو الله لئن أعطيتمونيها لا انتهي بها دون صاحب الترس المذهب وعلى رأس معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قائم معه ترس مذهب يستره من الشمس قالوا اصنع ما شئت فأخذها ثم زحف وهو يقول:

#الأشيبان مالك وهاشم

ثم زحف بالراية حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب وكان في خيل عظيمة من أصحاب معاوية فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا وشد أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له من دونه غلام رومي لمعاوية فضرب قدم أبي شداد فقطعها وضربه أبو شداد فقتله وأشرعت إليه الأسنة فقتل وأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي وهو يقول:

#وفي طعان الخيل والجلاد

وقاتل حتى قتل فأخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل فقتل ثم أخذها عفيف بن أياس فلم تزل بيده حتى تحاجز الناس وقتل حازم بن أبي حازم أخو قيس بن أبي حازم يومئذ وقتل نعيم بن سهيل بن الثعلبة فأتى ابن عمه وسميه نعيم بن الحارث بن الثعلبة معاوية وكان معه فقال أن هذا القتيل ابن عمي فهبه لي أدفنه فقال لا ندفنهم فليسوا لا لذلك فو الله ما قدرنا على دفن عثمان معهم إلا سرا قال والله لتأذنن لي في دفنه أو لألحقن بهم ولأدعنك فقال له معاوية ترى أشياخ العرب لا نواريهم وأنت تسألني دفن ابن عمك ثم قال له ادفنه أن شئت أو دعه فدفنه. قتال غطفان العراق بصفين

كانت راية غطفان العراق مع أبي سليم عياش بن شريك فخرج رجل من آل ذي الكلاع يطلب المبارزة فبرز إليه قايد بن بكير العبسي فشد عليه الكلاعي فأوهطه فخرج إليه عياش بن شريك فلحقه هرم بن شبير فقال لا تبرز لهذا الطوال قال هبلتك الهبول وهل هو إلا الموت قال وهل يفر إلا منه قال وهل منه بد والله ليقتلني أو ليلحقن بقايد بن بكير ونظر عياب فإذا الحديد عليه مفرع لا يرى منه إلا مثل شراك النعل من عنقه بين بيضته ودرعه فضربه الكلاعي فقطع حجفته وكانت من جلود الإبل وضربه عياب على ذلك المكان فقطع نخاعه وخرج ابن الكلاعي ثائرا بأبيه فقتله بكير بن وائل وقيل زياد بن خصفة وخرج رجل من أزد شنوءة يسأل المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق فقتله فخرج إليه الأشتر فما لبثه أن قتله فقال رجل كان هذا نارا فصادفت إعصارا فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الأربعاء فقال رجل من أصحاب علي والله لأحملن على معاوية حتى اقتله فأخذ فرسا فركبه ثم ضربه حتى إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شيء عن الوقوف على رأس معاوية ودخل معاوية الخباء فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه فخرج معاوية من الخباء وطلع الرجل في أثره فخرج معاوية وهو يقول:

فأحاط به الناس فقال معاوية: ويحكم أن السيوف لم يؤذن لها في هذا ولولا ذلك لم يصل إليكم عليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتى همد الرجل ثم عاد معاوية إلى مجلسه وهو يقول هذا كما قال الأول:

وحمل رجل من أهل العراق يدعى أبا أيوب على صف أهل الشام ثم رجع فوافق رجلا صادرا كان قد حمل على صف أهل العراق ثم رجع فاختلفا ضربتين فنفحه أبو أيوب فأبان عنقه فثبت رأسه على جسده كما هو حتى إذا دخل في صف أهل الشام وقع ميتا وندر رأسه فقال علي (ع) والله لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا مني لضربته وإن كان إليها ينتهي وصف الواصف وغدا أبو أيوب إلى القتال فقال له علي (ع) أنت والله كما قال القائل:

تبارز الأخوين

وخرج رجل من أهل الشام يطلب المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق فاقتتلا بين الصفين قتالا شديدا ثم أن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا بين قوائم فرسيهما فجلس على صدره وكشف المغفر عنه يريد ذبحه فإذا هو أخوه لأبيه فصاح به أصحاب علي أجهز عليه قال إنه أخي قالوا فاتركه قال لا حتى يأذن لي أمير المؤمنين فأرسل إليه دعه فتركه.

مقتل حريث مولى معاوية

وكان فارس معاوية الذي يعده لكل مبارز ولكل عظيم حريث مولاه وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به فإذا قاتل قال الناس ذاك معاوية وإن معاوية دعاه فقال يا حريث اتق عليا وضع رمحك حيث شئت فقال له عمرو بن العاص أنك لو كنت قرشيا لأحب معاوية أن تقتل عليا ولكن كره أن يكون لك حظها فإن رأيت فرصة فاقحم وخرج علي أمام الخيل وحمل عليه حريث وكان شديدا ذا باس فنادى يا علي هل لك في المبارزة فأقدم أبا حسن إذا شئت فأقبل علي وهو يقول:

#أثبت لنا يا أيها الكلب الكلب

ثم ضربه علي فقتله فجزع عليه معاوية جزعا شديدا وعاتب عمرا وقال معاوية:

فلما قتل علي حريثا برز عمرو بن حصين السكسكي فنادى يا أبا حسن هلم إلى المبارزة وحمل على علي (ع) فبادره إليه سعيد بن قيس الهمداني ففلق صلبه فقال علي (ع) في ذلك اليوم:

وخرج رجل من عك يسأل المبارزة فخرج إليه قيس بن فهدان الكندي فطعن العكي فقتله فقال قيس:

وحمل عبد الله بن الطفيل البكائي على صفوف أهل الشام فلما انصرف حمل عليه رجل من بني تميم يقال له قيس بن فهد الحنظلي اليربوعي وهو ممن لحق بمعاوية من أهل العراق فوضع الرمح بين كتفي عبد الله فاعترضه يزيد بن معاوية البكائي ابن عم عبد الله بن الطفيل فوضع الرمح بين كتفي التميمي وقال والله لئن طعنته لأطعننك قال عليك عهد الله لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعنه عني قال نعم لك العهد والميثاق بذلك فرفع السنان عن عبد الله بن الطفيل ورفع يزيد الرمح عن التميمي فوقف التميمي فقال من أنت قال أحد بني عامر قال جعلني الله فداكم أينما لقيناكم وجدناكم كر أما والله إني لآخر أحد عشر رجلا من بني تميم قتلتموهم اليوم فلما تراجع الناس عن صفين عتب يزيد على عبد الله بن الطفيل في بعض ما يعتب الرجل على ابن عمه فقال يزيد:

واقتتل الناس قتالا شديدا فعبئت لطئ جموع أهل الشام فجاءهم حمزة بن مالك فقال من أنتم لله أبوكم فقال عبد الله بن خليفة الطائي نحن طئ السهل وطئ الجبل الممنوع بالنحل ونحن حماة الجبلين ما بين العذيب إلى العين نحن طئ الرماح وطئ البطاح وفرسان الصباح فقال له بخ بخ ما أحسن ثناءك على قومك. ثم أن النخع قاتلوا قتالا شديدا فأصيب منهم جماعة.

تهمة خالد بن المعمر

وقال ناس لعلي (ع) أنا لا نرى خالد بن المعمر السدوسي إلا كاتب معاوية فبعث إليه وإلى رجال من أشرافهم فقال يا معشر ربيعة أنتم أنصاري ومجيبو دعوتي ومن أوثق حي في العرب في نفسي وقد بلغني أن معاوية كاتب صاحبكم خالد بن المعمر ثم قال له يا خالد أن كان ما بلغني عنك حقا فإني أشهد الله ومن حضرني من المسلمين أنك آمن حتى تلحق بالعراق أو بالحجاز أو ارض لا سلطان لمعاوية فيها وإن كنت مكذوبا عليك فابر صدورنا بإيمان نطمئن إليها فحلف له بالله ما فعل وقال رجال من ربيعة كثير لو نعلم أنه فعل لقتلناه وقال شقيق بن ثور ما وفق الله خالد بن المعمر حين نصر معاوية وأهل الشام على علي وربيعة فقال له زياد بن خصفة يا أمير المؤمنين استوثق من ابن المعمر بالإيمان لا يغدر فاستوثق منه. الحضين بن المنذر ورايته

قال الحضين بن المنذر الرقاشي: لما كان يوم الخميس من أيام صفين انهزم الناس من الميمنة فجاءنا علي (ع) حتى انتهى إلينا ومعه بنوه فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس وقال لمن هذه الرايات قلنا رايات ربيعة قال بل هي رايات الله عصم الله لها وصبرهم وثبت أقدامهم ثم قال لي يا فتى ألا تدني رأيتك هذه ذراعا فقلت له نعم والله وعشرة أذرع فأدنيتها فقال لي حسبك مكانك وقال أبو الأشعث يحيى بن مطرف العجلي شهد مع علي صفين: لما نصبت الرايات اعترض علي الرايات ثم انتهى إلى رايات ربيعة فقال لمن هذه الرايات فقلت رايات ربيعة فقال بل هي رايات الله. وأقبل الحضين بن المنذر وهو يومئذ غلام يزحف برايته وكانت حمراء فأعجب عليا زحفه وثباته فقال:

وكانت راية ربيعة كلها كوفيتها وبصريتها مع خالد بن المعمر السدوسي من ربيعة البصرة أعطاه إياها علي (ع) فتنافس في الراية خالد بن المعمر وشقيق بن ثور السدوسي ثم اصطلحا على أن يوليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر وقالا هذا فتى له حسب ونجعلها له حتى نرى رأينا. قال الجاحظ في البيان والتبيين: لما خرج أهل البصرة إلى صفين تنازع شقيق وخالد الرياسة فصيرها عند ذلك علي إلى حضين بن المنذر فرضي كل واحد منهما وكان يخاف أن يصيرها إلى خصمه فسكتت بكر وعرف الناس صحة تدبير علي في ذلكوضرب معاوية لحمير على ثلاث قبائل لم يكن لأهل العراق قبائل أكثر منها عددا يومئذ على ربيعة وهمدان وكندة فوقع سهم حمير على ربيعة وكان بصفين من عنزة وهي من قبائل ربيعة أربعة آلاف محجف فقال ذو الكلاع قبحك الله من سهم كرهت الضراب وأقبل ذو الكلاع في حمير ومن لف لفها ومعه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشام قد بايعوا على الموت وهي ميمنة أهل الشام وعليها ذو الكلاع فحملوا على ربيعة وهي ميسرة أهل العراق وعليها عبد الله بن العباس حملة شديدة فتضعضعت رايات ربيعة وانصرف أهل الشام فلم يلبثوا إلا قليلا حتى كروا وعبيد الله بن عمر يقول يا أهل الشام هذا الحي من أهل العراق قتلة ابن عفان وأنصار علي وإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثاركم في عثمان وهلك علي وأهل العراق فشدوا على الناس شدة شديدة فثبتت لهم ربيعة وصبروا صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء وثبت أهل الرايات وأهل البصائر منهم والحفاظ وقاتلوا قتالا شديدا.

ما فعله خالد بن المعمر

فلما رأى خالد بن المعمر أناسا قد انهزموا من قومه انصرف فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه قد صبروا رجع وصاح بمن انهزم وأمرهم بالرجوع فقال من أراد أن يتهمه أراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا وقال لهم لما رأيت رجالا منا قد انهزموا رأيت أن استقبلهم واردهم إليكم فأقبلت إليكم بمن أطاعني منهم فجاء بأمر مشتبه. قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: لا ريب عند علماء السير أن خالد بن المعمر كان له باطن سوء مع معاوية وانه انهزم هذا اليوم ليكسر الميسرة على علي (ع) ذكر ذلك الكلبي والواقدي وغيرهما ويدل على باطنه هذا انه لما استظهرت ربيعة على صفوف أهل الشام اليوم الثاني من هذا اليوم أرسل إليه معاوية أن كف عني ولك إمارة خرأسان ما بقيت فكف عنه ورجع بربيعة وقد شارفوا أخذه من مضربه واشتد قتال ربيعة وحمير ونادى منادي أهل الشام إلا أن معنا الطيب بن الطيب عبد الله بن عمر فقال عمار بن ياسر بل هو الخبيث ونادى منادي أهل العراق إلا أن معنا الطيب ابن الطيب محمد بن أبي بكر فادى منادي أهل الشام بل هو الخبيث بن الطيب. وخرج نحو من خمسمائة فارس أو أكثر من أصحاب علي على رؤوسهم البيض وهم غائصون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق وخرج إليهم من أهل الشام نحوهم في العدد فاقتتلوا بين الصفين والناس تحت راياتهم فلم يرجع من هؤلاء ولا من هؤلاء مخبر لا عراقي ولا شامي قتلوا جميعا بين الصفين وقد كان معاوية نذر سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة فقال في ذلك خالد بن المعمر:

فلما كان يوم الخميس التاسع من صفر سنة 37 خطب الناس معاوية وحرضهم ثم خطبهم مرة أخرى قبل الوقعة العظمى فقال في آخر كلامه انظروا يا أهل الشام فإنما تلقون غدا أهل العراق فكونوا على إحدى ثلاث أحوال أما أن تكونوا قوما طلبتم ما عند الله في قتال قوم بغوا عليكم فاقبلوا من بلادهم حتى نزلوا في بيضتكم وأما أن تكونوا قوما تطلبون بدم خليفتكم وصهر نبيكم صلى الله عليه وسلم وأما أن تكونوا قوما تذبون عن نسائكم وأبنائكم.

مقتل ذي الكلاع الحميري

وأتى زياد بن خصفة عبد القيس يوم صفين وقد عبيت قبائل حمير مع ذي الكلاع وفيهم عبيد الله بن عمر لبكر بن وائل فقاتلوا قتالا شديدا حتى خافوا الهلاك فقال زياد لعبد القيس لا بكر بعد اليوم أن ذا الكلاع وعبيد الله أبادا ربيعة فانهضوا لهم وإلا هلكوا فركبت عبد القيس وجاءت كأنها غمامة سوداء فشدت إزاء الميسرة فعظم القتال وشدت عك ولخم وجذام والأشعرون من أهل الشام على مذحج وبكر بن وائل فقال العكي في ذلك:

فحميت مذحج من قول العكي ونادى مناديهم يا آل مذحج خدموا فاعترضت مذحج لسوق القوم فكان بوار عامة القوم وخاضت الخيل والرجال في الدماء ونادى أبو شجاع الحميري وكان من ذوي البصائر مع علي فقال يا معشر حمير أترون معاوية خيرا من علي أضل الله سعيكم ثم أنت يا ذا الكلاع فو الله أن كنا نرى أن لك نية في الدين فقال ذو الكلاع أيها أبا شجاع فو الله لأعلمن ما معاوية بأفضل من علي ولكن إنما أقاتل على دم عثمان.

بحث ذي الكلاع عن حديث عمار تقتله الفئة الباغية

قال أبو نوح الكلاعي الحميري: كنت في خيل علي (ع) يوم صفين إذا أنا برجل من أهل الشام يقول من دل على الحميري أبي نوح فقلنا هذا الحميري فأيهم تريد قال أريد الكلاعي أبا نوح قلت قد وجدته فمن أنت قال أنا ذو الكلاع سر إلي قلت معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة قال لك ذمة الله ورسوله وذمة ذي الكلاع حتى نرجع إلى خيلك فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار إليه فقال ذو الكلاع إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص في إمارة عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إلى قوله: وفي إحدى الكتيبتين الحق ومعه عمار بن ياسر قال أبو نوح لعمر الله انه لفينا قال أجاد هو في قتالنا قال نعم ورب الكعبة هو أشد على قتالكم مني ولوددت إنكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهن وأنت ابن عمي قال ذو الكلاع علا م تتمنى ذلك منا والله ما قطعتك وان رحمك لقريبة وما يسرني إني أقتلك قال أبو نوح أن الله قطع بالإسلام أرح أما قريبة ووصل به أرح أما متباعدة فقال له ذو الكلاع هل تستطيع أن تأتى معي صف أهل الشام فأنا جار لك منهم حتى تأتى عمرو بن العاص فيعرف منك حال عمار وجده في قتالنا لعله أن يكون صلحا بين هذين الجندين فقال له أبو نوح أنك رجل غادر وأنت في قوم غدر أن لم ترد الغدر أغدروك فقال ذو الكلاع أنا جار لك أن لا تقتل وتسلب ولا تكره على بيعة ولا تحبس عن جندك وإنما هي كلمة تبلغها عمرو وهو عند معاوية فقال ذو الكلاع لعمرو وهل لك في رجل ناصح يخبرك عن عمار بن ياسر لا يكذبك قال من هو قال ابن عمي هذا وهو من أهل الكوفة فقال له إني لأرى عليك سيماء أبي تراب فقال أبو نوح علي سيماء محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعليك سيماء أبي جهل وفرعون فسل أبو الأعور سيفه وقال لا أرى هذا الكذاب اللئيم يشاتمنا بين أظهرنا فقال ذو الكلاع أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأحطمن انفك بالسيف ابن عمي وجاري جئت به إليكما ليخبركما عما تماريتم فيه فقال عمرو بن العاص أفيكم عمار بن ياسر قال أبو نوح ما أنا بمخبرك عنه حتى تخبرني لم تسألني عنه فان معنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة غيره وكلهم جاد على قتالكم قال عمرو وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن عمارا تقتله الفئة الباغية وإنه ليس لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل النار منه شيئا قال أبو نوح لا إله إلا الله والله أكبر والله انه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو والله انه لجاد على قتالنا قال نعم والله الذي لا اله إلا هو لقد حدثني يوم الجمل أنا سنظهر عليهم وحدثني أمس أن لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انه على حق وأنتم على باطل وكانت قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال له عمرو هل تستطيع أن تجمع بيني وبينه قال نعم فجمع بينهما فقال عمرو بن العاص إني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم أذكرك الله إلا حقنت دماءهم فعلام تقاتلنا قال عمار أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقاتل الناكثين وقد فعلت وأمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم وأما المارقين فما أدري أدركهم أم لا أيها الأبتر ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنا مولى الله ورسوله وعلي بعده فقال له عمرو لم تشتمني يا أبا اليقظان ولست أشتمك قال عمار وبم تشتمني أتستطيع أن تقول إني عصيت الله ورسوله يوما قط قال أن فيك المسبات سوى ذلك قال عمار أن الكريم من أكرمه الله كنت وضيعا فرفعني الله ومملوكا فاعتقني الله وضعيفا فقواني الله وفقيرا فأغناني الله قال قال عمرو فما ترى في قتل عثمان قال فتح لكم باب كل سوء. وجرى بينهما حوار في ذلك فقام أهل الشام وركبوا خيولهم ورجعوا فبلغ معاوية ما كان بينهم فقال هلكت العرب إذا أخذتهم خفة العبد الأسود يعني عمار بن ياسر ومشى عبد الله بن سويد سيد جرش إلى ذي الكلاع فقال له لم جمعت بين الرجلين قال الحديث سمعته من عمرو ذكر انه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية فخرج عبد الله بن عمر العنسي وكان من عباد أهل زمانه ليلا فأصبح في عسكر علي فحدث الناس بقول عمرو في عمار وقال الجرشي:

وقال العنسي لذي الكلاع:

فلما سمع معاوية ذلك بعث إلى عمرو فقال أفسدت علي أهل الشام أفكلما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم تقوله فقال عمرو قلتها ولست والله أعلم الغيب ولا أدري أن صفين تكون قلتها وعمار يومئذ لك ولي وقد رويت أنت فيه مثل الذي رويت فيه فاسأل أهل الشام فغضب معاوية وتنمر لعمرو ومنعه خيره فقال عمرو لا خير لي في جوار معاوية أن تجلت هذه الحرب عنا وكان عمرو حمي الأنف فقال في ذلك:

فأجابه معاوية يقول:

فلما أتى عمرا شعر معاوية أتاه فأعتبه وصار أمرهما وأحدا وعظم القتل فقتل ذو الكلاع الحميري قتله خندف البكري من بكر بن وائل فقال معاوية لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو فتحتها. قال نصر لأن ذا الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها أقول بل لأن ذا الكلاع وقع في ريب وشك من أمره لما روى له عمرو حديث عمار تقتله الفئة الباغية وسمع من عمار ما سمع فخاف أن يلحق بعلي فيكون عليه فتق يتعذر رتقه فلما قتل أمن من ذلك وقال نصر في موضع آخر كان ذو الكلاع يسمع عمرو بن العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن سمية تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها ضياح من لبن فقال ذو الكلاع لعمرو ويحك ما هذا قال عمرو انه سيرجع إلينا وذلك قبل أن يقتل عمار فقتل عمار مع علي وقتل ذو الكلاع مع معاوية فقال عمرو والله يا معاوية ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا والله لو بقي ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه إلى علي ولأفسد علينا جندنا وهذا يدل على ما قلناه وأرسل ابن ذي الكلاع إلى الأشعث بن قيس أن ذا الكلاع أصيب في ألم لميسرة فتأذن لنا فيه وذو الكلاع والأشعث يمانيان فقال أخاف أن يتهمني علي كاد المريب فاطلبه إلى سعيد فإنه في الميمنة فأتى ابن ذي الكلاع سعيد بن قيس فاستأذنه في ذلك فإذن له فطاف في الميمنة فلم يجده ثم طاف في الميسرة فوجده قد ربط رجله بطنب من أطناب بعض فساطيط العسكر فوقف على باب الفسطاط فقال: السلام عليكم يا أهل البيت فقالوا له: وعليك السلام ومعه عبد له اسود ليس معه غيره فقال: أتأذنون لنا في طنب من أطناب فسطاطكم قالوا قد أذنا لكم ثم قالوا: معذرة إلى ربنا عز وجل واليكم أما انه لولا بغيه علينا ما صنعنا به ما ترون فنزل ابنه إليه وكان من أعظم الناس خلقا وقد انتفخ شيئا فلم يستطيعا احتماله فقال ابنه: هل من فتى معوان فخرج إليه خندف البكري فقال: تنحوا فقال له ابن ذي الكلاع ومن يحمله إذا تنحينا قال يحمله الذي قتله فاحتمله خندف ثم رمى به على ظهر البغل ثم شده بالحبال فانطلق به.

تقسيم معاوية الحرب بين أصحابه

قال نصر: لما تعاظمت الأمور على معاوية دعا عمرو بن العاص وبسر بن أرطاة وعبيد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد فقال لهم انه قد غمني رجال من أصحاب علي منهم سعيد بن قيس في همدان والأشتر في قومه والمرقال وعدي بن حاتم وقيس بن سعد في الأنصار وقد وقتكم يمانيتكم بأنفسها حتى لقد استحييت لكم وأنتم عدتهم من قريش وقد أردت أن يعلم الناس إنكم أهل غناء وقد عبات لكل رجل منهم رجلا منكم فاجعلوا ذلك إلي قالوا ذلك إليك قال أنا أكفيكم سعيد بن قيس وقومه غدا وأنت يا عمرو لأعور بني زهرة المرقال وأنت يا بسر لقيس بن سعد وأنت يا عبيد الله للأشتر وأنت يا عبد الرحمن بن خالد لأعور طئ يعني عدي بن حاتم فجعلها نوبا في خمسة أيام لكل رجل منهم يوم فأصبح معاوية فلم يدع فارسا إلا حشده ثم قصد لهمدان وتقدم الخيل وهو يقول:

فطعن في أعراض الخيل مليا فتنادت همدان بشعارها واشتد القتال ثم أقحم سعيد بن قيس فرسه على معاوية فذكرت همدان أن معاوية فاتها ركضا فقال سعيد بن قيس في ذلك:

#إن يعد اليوم فكفي عالية

فانصرف معاوية ولم يعمل شيئا وحجز بينهم الليل. وغدا عمرو بن العاص في اليوم الثاني في حماة الخيل فقصد المرقال ومع المرقال لواء علي الأعظم في حماة الناس فتقدم عمرو وهو يقول:

#يكن شجى حتى الممات لازما

فطعن في أعراض الخيل مزبدا فحمل هاشم وهو يقول:

فطعن عمرا حتى رجع واشتد القتال وانصرف الفريقان ولم يسر معاوية ذلك. وغدا في اليوم الثالث بسر بن إرطاة في حماة الخيل فلقي قيس بن سعد في كماة الأنصار فاشتدت الحرب بينهما وبرز قيس كأنه فنيق مقرم وهو يقول:

#حتى متى تثنى لي الوسادة

فطعن خيل بسر وبرز له بسر بعد ملي وهو يقول:

وطعن بسر قيسا فضربه قيس بالسيف فرده على عقبيه ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل. وتقدم عبيد الله بن عمر في اليوم الرابع ولم يترك فارسا مذكورا وجمع من استطاع فقال له معاوية أنك أفاعي أهل العراق فارفق واتئد فلقيه الأشتر أمام الخيل مزبدا وكان الأشتر إذا أراد القتال أزبد وهو يقول:

#ولا بعوضا في ثواب البررة

فرد الخيل فاستحيا عبيد الله فبرز أمام الخيل وكان فارسا فحمل عليه الأشتر فطعنه واشتد الأمر وانصرف القوم وللأشتر الفضل فغم ذلك معاوية. وغدا عبد الرحمن بن خالد في اليوم الخامس كان أرجاهم عند معاوية أن ينال حاجته فقواه بالخيل والسلاح وكان معاوية يعده ولدا فلقيه عدي بن حاتم في حماة مذحج وقضاعة فبرز عبد الرحمن أما م الخيل وهو يقول:

#عن يومنا ويومكم فعودوا

ثم حمل فطعن الناس وقصده عدي بن حاتم وهو يقول:

فلما كاد أن يخالطه بالرمح توأرى عبد الرحمن في العجاج واستتر بأسنة أصحابه واختلط القوم ورجع عبد الرحمن إلى معاوية مقهورا وانكسر معاوية وشمت بذلك أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي وكان انسك رجل من أهل الشام وأشعره وكان في ناحية معتزلا وقال في ذلك أبياتا ذكرناها في ترجمته. وأظهر معاوية لعمرو شماتة وقال لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس في همدان وفررتم وانك يا عمرو لجبان فغضب عمرو ثم قال والله لو كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية فهلا برزت إلى علي إذ دعاك أن كنت شجاعا كما تزعم وقال هذه الأبيات:

واستحيا القرشيون مما صنعوا وشمت بهم اليمانية فقال معاوية يا معشر قريش والله لقد قربكم لقاء القوم من الفتح ولكن الأمر لأمر الله إنما لقيتم كباش أهل العراق وقتلتم وقتل منكم وما لكم علي من حجة لقد عبات تعبيتي لسيدهم سعيد بن قيس فانقطعوا عن معاوية أي أما فقال معاوية في ذلك:

فاتوه فاعتذروا إليه.

مقتل عبيد الله بن عمر

وتضعضعت أركان حمير بعد مقتل ذي الكلاع وثبتت مع عبيد الله بن عمر. وبعث عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي فقال أن لي إليك حاجة فالقني فلقيه فقال أن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئوه فهل لك أن تخلعه ونوليك هذا الأمر قال كلا والله لا يكون ذلك ثم قال له الحسن لكأني أنظر إليك قتيلا في يومك أو غدك أما أن الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق تري نساء أهل الشام موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا. قال نصر وبلغنا أن عبيد الله بن عمر بعثه معاوية في أربعة آلاف وهي كتيبته الرقطاء ويقال لهم الخضرية لأن ثيابهم خضر أو لأنهم اعلموا بالخضرة بعثهم ليأتوا عليا من ورائه فبلغ عليا ذلك فبعث إليهم أعدادهم ليس منهم إلا تميمي واقتتل الناس من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب ما كان صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة ثم أن ميسرة أهل العراق كشفت ميمنة أهل الشام فطاروا في سواد الليل والتقى عبيد الله هو وكرب رجل من عكل فقتل كربا وقتل الذين معه جميعا وإنما انكشف الناس لذلك فكشف أهل الشام أهل العراق فاختلطوا في سواد الليل وتبدلت الرايات بعضها ببعض فلما أصبح الناس وجد أهل الشام لواءهم ليس حوله إلا ألف رجل فاقتلعوه وركزوه من وراء موضعه الأول وأحاط به ووجد أهل العراق لواءهم مركوزا وليس حوله إلا ربيعة وعلي بينهم وهم محيطون به وهو لا يعلم من هم ويظنهم غيرهم فلما أذن مؤذن علي حين طلع الفجر قال:

فلما صلى علي الفجر أبصر وجوها ليست بوجوه أصحابه بالأمس وإذا مكانه الذي هو به ما بين الميسرة والقلب بالأمس، فقال من القوم؟ قالوا ربيعة وقد بت فيهم البارحة، فقال: فخر طويل لك يا ربيعة، ثم قال لهاشم خذ اللواء فو الله ما رأيت مثل هذه الليل ثم خرج نحو القلب حتى ركز اللواء به وإذا سعيد بن قيس على مركزه فلحقه رجل من ربيعة يقال له نغير فقال له ألست الزاعم أن لم تنته ربيعة لتكونن ربيعة ربيعة ومضر مضر فما أغنت عنك مضر البارحة فنظر إليه علي نظر منكر فلما أصبحوا نهدوا للقتال غير ربيعة لم تتحرك فبعث إليهم علي أن انهدوا إلى عدوكم فأبوا فبعث إليهم ثانيا قالوا كيف ننهد وهذه الخيل من وراء ظهرنا قل لأمير المؤمنين فليأمر همدان أو غيرها بمناجزتهم لننهد فبعث إليهم الأشتر وكان جهير الصوت فقال يا معشر ربيعة ما منعكم أن تنهدوا وأنتم أصحاب كذا وأصحاب كذا وجعل يعدد أيامهم قالوا ما نفعل حتى ننظر هذه الخيل التي خلف ظهورنا وهي أربعة آلاف قل لأمير المؤمنين فليبعث إليهم من يكفيه أمرهم فقال لهم الأشتر فان أمير المؤمنين يقول لكم أكفونيها أنتم لو بعثتم إليها طائفة منكم لتركوكم وفروا كالعصافير فوجهت ربيعة إليهم تيم اللات والنمر بن قاسط وعنزة قالوا فمشينا إليهم مستلئمين مقنعين في الحديد وكان عامة قتال صفين مشيا فلما أتيناهم هربوا وانتشروا انتشار الجراد قال الراوي فذكرت قول الأشتر كإنهم اليعافير فرجعنا إلى أصحابنا وقد نشب القتال بينهم وبين أهل الشام وقد اقتطع أهل الشام طائفة من أهل العراق بعضها من ربيعة فأحاطوا بها فلم نصل إليها حتى حملنا على أهل الشام فعلوناهم بالأسياف حتى انفرجوا لنا وأفضينا إلى أصحابنا، قال فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد فما تحاجزنا حتى حجز بيننا سواد الليل وما نرى رجلا منا ولا منهم موليا وحمل عبيد الله بن عمر وهو يقول:

#والخير في الناس قديما يبتدر

فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي وهو يقول:

#حتى تذوق كأسها الفظيعة

فطعنه فصرعه وكان حريث هذا نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء وكان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن والسويق والماء. ومر الحسن فإذا هو برجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن لمن معه انظروا من هذا فإذا هو برجل من همدان فإذا القتيل عبيد الله بن عمر قد قتله وبات عليه حتى أصبح ثم سلبه وأخذ سيفه ذا الوشاح فلما ملك معاوية بعث إلى قاتله فأخذ السيف منه وفي قتل عبيد الله بن عمر يقول كعب بن جغيل الثعلبي شاعر أهل الشام بصفين:

فقال أبو جهمة الأسدي يرد عليه من أبيات:

وقال الصلتان العبدي:

ثم تمادى الناس في القتال فاضطربوا بالسيوف حتى تقطعت وصارت كالمناجل وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب ثم تعانقوا وتكادموا وتراموا بالصخر والحجارة ثم تحاجزوا فجعل الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول أين أخذ إلى رايات بني فلان فيقولون هاهنا لا هداك الله ويمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول كيف أخذ إلى رايات بني فلان فيقولون هاهنا لا حفظك الله ولا عافاك.

قتال ربيعة بصفين

وقال أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي الرقاشي للحضين بن المنذر الرقاشي يوم صفين وكانت راية علي (ع) مع الحضين هل لك أن تعطيني رأيتك أحملها فيكون لك ذكرها ولي أجرها قال وما غناي عن أجرها مع ذكرها قال له أعرنيها ساعة فما أسرع ما ترجع إليك فعلم أنه يريد أن يستقتل فأعطاه إياها فأخذها وقال يا أهل هذه الراية أن عمل الجنة كره كله وإن عمل النار خف كله وإن الجنة لا يدخلها إلا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض الله وأمره وليس شيء مما افترض الله على العباد أشد من الجهاد هو أفضل الأعمال ثوابا فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا ويحكم أما تشتاقون إلى الجنة أما تحبون أن يغفر الله لكم فشد وشدوا معه فاقتتلوا قتالا شديدا وأخذ الحضين يقول:

فقاتل أبو عرفاء حتى قتل وفي ذلك اليوم يقول أبو مجزاة بن ثور:

#أعوى طغاما لا هداه هاديه

وقال معاوية لعمرو بن العاص: أما ترى يا أبا عبد الله إلى ما قد وقعنا فيه كيف ترى أهل العراق غدا صانعين أنا لفي خطر عظيم فقال عمرو أن أصبحت ربيعة منعطفين حول علي تعطف الإبل حول فحلها لقيت منهم جلادا صادقا وبأسا شديدا قال أبخولتك تخوفني يا أبا عبد الله قال أنك سألتني فأجبتك.

فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا وربيعة محدقة بعلي (ع) أحداق بياض العين بسوادها قال عتاب بن لقيط البكري حيث انتهى علي إلى رايات ربيعة إذا أصيب علي فيكم افتضحتم وقد لجا إلى راياتكم وقال لهم شقيق بن ثور يا معشر ربيعة ليس لكم عذر في العرب أن أصيب علي فيكم ومنكم رجل حي، أن منعتموه فحمد الحياة لبستموه فقاتلوا قتالا شديدا لم يكن قبله مثله حين جاءهم علي. وقام خالد بن المعمر فنادى من يبايع على الموت ويشري نفسه لله فبايعه سبعة آلاف على أن لا ينظر رجل منهم خلفه حتى يرد سرادق معاوية فاقتتلوا قتالا شديدا وقد كسروا جفون سيوفهم فلما نظر إليهم معاوية قد اقبلوا قال:

ثم قال معاوية لعمرو ما ترى قال أرى أن لا تحنث أخوالي اليوم فخلى معاوية عنهم وعن سرادقه وخرج فارا عنه لائذا إلى بعض مضارب العسكر فدخل فيه وبعث معاوية إلى خالد بن المعمر أنك قد ظفرت ولك أمرة خرأسان أن لم تتم فطمع خالد في ذلك ولم يتم فأمره معاوية حين بايعه الناس على خرأسان فمات قبل أن يصل إليها فإذا صح ذلك فقد خسر الدنيا والآخرة وفي فرار معاوية بصفين يقول النجاشي من أبيات:

ثم أن عليا (ع) صلى الغداة ثم زحف إليهم فلما بصروه استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم أن خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب على ألف رجل أو أكثر فأحاطوا بهم وحالوا بينهم وبين أصحابهم فنادى علي ألا رجل يشري نفسه لله فأتاه رجل من جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنعا بالحديد لا يرى منه إلا عيناه فقال يا أمير المؤمنين مرني بأمرك فو الله ما تأمرني بشيء إلا صنعته فقال علي (ع):

أبا الحارث شد الله ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتي أصحابك فتقول لهم أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم هللوا وكبروا من ناحيتكم ونهلل نحن ونكبر من هاهنا احملوا من جانبكم ونحمل نحن من جانبنا على أهل الشام فضرب الجعفي فرسه حتى إذا قام على السنابك حمل على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي فطاعنهم ساعة وقاتلهم فانفرجوا له حتى أتى أصحابه فلما رواه استبشروا به وفرحوا وقالوا ما فعل أمير المؤمنين قال: صالح، يقرئكم السلام ويقول لكم هللوا وكبروا واحملوا حملة رجل واحد من ذلك الجانب ونهلل نحن من جانبنا ونكبر ونحمل من خلفكم فهللوا وكبروا وهلل علي وأصحابه من ذلك الجانب وحملوا على أهل الشام من هناك وحمل علي من هاهنا في أصحابه فانفرج أهل الشام عنهم فخرجوا وما أصيب منهم رجل واحد ولقد قتل من فرسان أهل الشام يومئذ زهاء سبعمائة رجل وقال علي (ع) من أعظم الناس غناء؟ قالوا أنت يا أمير المؤمنين قال كلا ولكنه الجعفي.

قتال مضر بصفين وذكروا أن عليا (ع) كان لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق ذلك على مضر وأظهروا لهم القبيح وأبدوا ذات أنفسهم فقال حضين بن المنذر شعرا أغضب مضرا فيه:

فغضبوا من شعره فقام أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني وعمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي ووجوه بني تميم وقبيصة بن جابر الأسدي في وجوه بني أسد وعبيد الله بن عامر العامري في وجوه هوازن فاتوا عليا (ع) فتكلم أبو الطفيل فقال يا أمير المؤمنين أنا والله ما نحسد قوما خصهم الله منك بخير أن حمدوه وشكروه وإن هذا الحي من ربيعة قد ظنوا إنهم أولى بك منا وإنك لهم دوننا فاعفهم عن القتال أي أما واجعل لكل امرئ منا يوما يقاتل فيه فأنا أن اجتمعنا اشتد عليك بلاؤنا فقال علي أعطيتم ما طلبتم وذلك يوم الأربعاء وأمر ربيعة أن تكف عن القتال وكانت بإزاء اليمن من صفوف أهل الشام فغدا عامر بن واثلة في قومه من كنانة وهم جماعة عظيمة فتقدم أمام الخيل وهو يقول طاعنوا وضاربوا ثم حمل وهو يقول:

فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف أبو الطفيل إلى علي (ع) فقال يا أمير المؤمنين أنك نباتنا أن أشرف القتل الشهادة وأحظى الأمر الصبر وقد والله صبرنا حتى أصبنا فقتيلنا شهيد وحينا ثائر فاطلب بمن بقي ثار من مضى فأنا وإن كان قد ذهب صفونا وبقي كدرنا فان لنا دينا لا يميل به الهوى ويقينا لا تزحمه الشبهة فاثنى علي عليه خيرا. ثم غدا يوم الجمعة عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم وهو يومئذ سيد مضر من أهل الكوفة فقال يا قوم إني اتبع آثار أبي الطفيل وتتبعون آثار كنانة وتقدم برايته وهو يقول:

فطعن برايته حتى خضبها دما وقاتل أصحابه قتالا شديدا حتى أمسوا وانصرف عمير إلى علي (ع) وعليه سلاحه فقال يا أمير المؤمنين قد كان ظني بالناس حسنا وقد رأيت منهم فوق ظني بهم قاتلوا من كل جهة وبلغوا جهدهم من عدوهم. ثم غدا يوم السبت قبيصة بن جابر الأسدي في بني أسد وهم حي الكوفة بعد همدان فقال يا معشر بني أسد أما أنا فلا اقصر دون صاحبي وأما أنتم فذلك إليكم ثم تقدم برايته وهو يقول:

فقاتل القوم ولم يكونوا على ما يريد في الجهد فعدلهم على ما يحب فظفر ثم أتى عليا (ع) فقال يا أمير المؤمنين أن استهانة النفوس في الحرب أبقى لها والقتل خير لها في الآخرة. ثم غدا يوم الأحد عبد الله بن الطفيل العامري وكان سيد بني عامر فغدا بجماعة هوازن وهو يقول:

واشتد القتال بينهم حتى الليل ثم انصرف عبد الله بن الطفيل فقال يا أمير المؤمنين لقيت والله بقومي أعدادهم من عدوهم فما ثنوا أعنتهم حتى طعنوا في عدوهم ثم رجعوا إلي فاستكرهوني على الرجوع إليهم واستكرهتهم على الانصراف إليك فأبوا ثم عادوا فاقتتلوا فأثنى عليهم علي خيرا وفخرت المضرية بما كان منهم على الربعية وانتصفوا من ربيعة وقال عامر بن واثلة في ذلك:

وخطب علي (ع) الناس يومئذ بصفين فقال في آخر خطبته: وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى طاعة ربكم ويعمل بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فلا سواء من صلى قبل كل ذكر ولم يسبقني بصلأتى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق ابن طليق والله إنكم لعلى حق وإنهم لعلى باطل فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه وتتفرقون عن حقكم حتى يغلب باطلهم قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم. فأجابه أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى عدونا وعدوك إذا شئت فو الله ما نريد بك بدلا نموت معك ونحيا معك فقال لهم والذي نفسي بيده لنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضرب قدامه بسيفي فقال:

وقال: "يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وموتك وحياتك يا علي معي والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي وما نسيت ما عهد إلي واني لعلى بينة من ربي وإني لعلى الطريق الواضح" القطه لقطا ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حيث طلعت الشمس حتى غاب الشفق وما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا.

فعل كريب بن الصباح وقتله

وبرز رجل من حمير من آل ذي يزن اسمه كريب بن الصباح ليس في أهل الشام يومئذ رجل أشهر شدة بالباس منه ثم نادى من يبارز فبرز إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدي فقتل المرتفع ثم نادى من يبارز فبرز إليه الحارث بن الجلاح فقتله ثم نادى من يبارز فبرز إليه عايذ بن مسروق الهمداني فقتل عايذا ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ثم قام عليها بغيا واعتداء ثم نادى هل بقي من مبارز فبدر إليه علي (ع) ثم ناداه ويحك يا كريب إني أحذرك وأدعوك إلى سنة الله وسنة رسوله ويحك لا يدخلنك ابن آكلة الأكباد النار فكان جوابه أن قال ما أكثر ما قد سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة لنا فيها أقدم إذا شئت من يشتري سيفي وهذا أثره فقال علي (ع) لا حول ولا قوة إلا بالله ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه ثم نادى من يبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث ثم نادى من يبارز فبرز إليه المطاع بن المطلب العبسي فقتل مطاعا ثم نادى من يبارز فلم يبرز إليه أحد ثم أن عليا (ع) نادى يا معشر المسلمين الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدي عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع الصابرين. ويحك يا معاوية هلم فبارزني ولا يقتلن الناس فيما بيننا فقال عمرو اغتنمه منتهزا فقد قتل ثلاثة من أبطال العرب واني أطمع أن يظفرك الله به فقال معاوية ويحك يا عمرو والله أن تريد إلا أن اقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليك فليس مثلي يخدع.

وقام عمر بن العاص قبل الوقعة العظمى منحنيا على قوس يحرض أصحابه وقال في آخر خطبته أنا نحتسب عند الله ما أصبح في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من اشتعال نيرانها واضطراب حبلها ووقوع بأسها بينها فأنا لله وأنا إليه راجعون أولا تعلمون أن صلاتنا وصلاتهم وصيامنا وصيامهم وحجنا وحجهم وقبلتنا وقبلتهم وديننا ودينهم واحد ولكن الأهواء متشتتة اللهم أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها وأحفظ فيها نبيها مع أن القوم قد وطئوا بلادكم وبغوا عليكم فجدوا في قتال عدوكم ثم جلس.

وقام عبد الله بن العباس خخطيبا فقال في آخر خطبته: حتى كان فيما اضطرب من حبل هذه الأمة وانتشر من أمرها أن ابن آكلة الأكباد وقد وجد من طغام أهل الشام أعوانا على علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وصهره وأول من ذكر صلى معه بدري قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مشاهده التي فيها الفضل ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام لقد قاتل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي يقول صدق الله ورسوله ومعاوية وأبو سفيان يقولان كذب الله ورسوله فما معاوية في هذه بأبر ولا اتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في تلكم والله إنكم لعلى الحق وان القوم لعلى الباطل فلا يكونن أولى بالجد في باطلهم منكم في حقكم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

وقام عمار بن ياسر فقال في جملة كلامه: امضوا عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم عثمان والله ما أظنهم يطلبون دمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها وعلموا لو أن الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يرغبون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بان قالوا قتل أما منا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعهم من الناس رجلان.

قتال عمار بصفين

ثم مضى عمار ومضى معه أصحابه فلما دنا من عمرو بن العاص قال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك وطالما بغيت الإسلام عوجا ثم حمل عمار وهو يقول:

ثم قال: اللهم أنك لتعلم إني لو أعلم أن رضاك أن اقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم أنك تعلم إني لو اعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم انحي عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت ولو اعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء ألفاسقين لفعلته. ونادى عمار بن ياسر يومئذ أين من يبغي رضوان به ولا يؤوب إلى مال ولا ولد فاتته عصابة من الناس فقال يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان.

مقتل هاشم المرقال

ودفع علي (ع) الراية إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان عليه درعان فقال له علي كهيئة المازح يا هاشم أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا قال ستعلم يا أمير المؤمنين والله لألفن بين جماجم القوم لف رجل ينوي الآخرة وفي رواية أنه قال له يا هاشم حتى متى تأكل الخبز وتشرب الماء فأخذ رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به لواءه ولما دفع علي الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم أقدم هاشم يكررها ثم قال ما لك يا هاشم قد انتفخ سحرك أعورا وجبنا؟! قال من هذا قالوا فلان قال لها وخير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها ثم قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم وشدوا أزركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إليها ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما فقال من أولئك قالوا جند أهل المدينة وقريش قال قومي لا حاجة لي في قتالهم قال من عند هذه القبة البيضاء قيل معاوية وجنده قال فإني أرى دونهم أسودة قالوا ذاك عمرو بن العاص وابناه وأخذ الراية فهزها فقال له رجل من أصحابه امكث قليلا ولا تعجل فقال هاشم:

وفي رواية أنه قال:

#فجاهد الكفار حتى أبلى

وجعل عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول أقدم يا أعور: لا خير في أعور لا يأتي الفزع وكان هاشم عالما بالحرب فيتقدم فيركز الراية فجعل عمرو بن العاص يقول إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على ذا ليفنين العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا وجعل عمار يقول صبرا عباد الله الجنة تحت ظلال البيض وكان لواء أهل الشام مع أبي الأعور السلمي ولم يزل عمار ينخسه حتى شب القتال وزحف هاشم بالراية يرقل بها أرقالا وكان يسمى المرقال وزحف الناس بعضهم إلى بعض والتقى الزحفان فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله وكثرت القتلى في الفريقين كليهما قال بعض الرواة لما التقينا بأهل الشام في ذلك اليوم وجدناهم خمسة صفوف قد قيدوا أنفسهم بالعمائم فقتلنا صفا صفا حتى قتلنا ثلاثة صفوف وخلصنا إلى الصف الرابع ما على الأرض شامي ولا عراقي يولي دبره. ثم أن الأزد وبجيلة كشفوا همدان غلوة حتى الجأوهم إلى التل فصعدوا عليه فشدت عليهم الأزد وبجيلة حتى أجدر وهم منه ثم عطفت عليهم همدان حتى الجأوهم إلى أن تركوا مصافهم وقتل من الأزد وبجيلة يومئذ ثلاثة آلاف واقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع بمثله وكثرت القتلى حتى أن كان الرجل لينشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله قال الأشعث لقد رأيت أخبية أهل صفين وأروقتهم وما منها خباء ولا رواق ولا فسطاط إلا مربوطا بيد رجل أو رجله. قال الأحنف بن قيس إني لواقف إلى جانب عمار بن ياسر فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار احمل فداك أبي وأمي ونظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم رحمك الله يا عمار أنك رجل تأخذك خفة في الحرب وإني إنما ازحف باللواء زحفا وأرجو أن أنال بذلك حاجتي واني أن خففت لم آمن الهلكة وقال معاوية لعمرو بن العاص ويحك أن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة وكان من قبل يرقل به أرقالا وان زحف به اليوم انه لليوم الأطول لأهل الشام وان زحف في عنق من أصحابه إني لأطمع أن يقتطع فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص ومعه سيفان قد تقلد وأحدا وهو يضرب بالآخر وأطافت به خيل علي فقال عمرو يا الله يا رحمن ابني ابني قال معاوية اصبر اصبر فإنه لا باس عليه فقال عمرو ولو كان يزيد إذا لصبرت ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هاربا على فرسه ومن معه. ودعا هاشم بن عتبة في الناس عند المساء إلا من كان يريد الله والدار الآخرة فليقبل فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا فليس من وجه يحمل عليهم إلا صبروا له فقال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فما ترون منهم إلا حمية العرب وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا ثم امشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا واذكروا الله ولا يسلم رجل أخاه ولا تكثروا الالتفات وجالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين فمضى في عصابة من القراء فقاتل قتالا شديدا وهو وأصحابه حتى رأوا بعض ما يسرون به إذ خرج عليهم شاب وهو يقول:

ثم شد فلا ينثني بضرب سيفه ثم يلعن ويشتم ويكثر الكلام فقال له هاشم أن هذا الكلام بعده الخصام وان هذا القتال بعده الحساب فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف قال فإني أقاتلكم لان صاحبكم لا يصلي كما ذكروا وإنكم لا تصلون وأقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وأزرتموه على قتله فقال له هاشم ما أنت وذاك إنما قتله أصحاب محمد وهم أصحاب الدين وأولي بالنظر في أمور المسلمين وما أظن أن أمر هذه الأمة وأمر هذا الدين عناك طرفة عين قط قال الفتى أجل والله لا اكذب فان الكذب يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين فقال له هاشم أن هذا الأمر لا علم لك به فخله وأهل العلم به قال أظنك والله نصحتني وقال له هاشم وأما قولك أن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى لله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفقهه في دين الله وأولاه برسول الله وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب لا ينامون الليل تهجدا فلا يغررك عن دينك الأشقياء قال الفتى يا عبد الله إني لأظنك أمرا صالحا فهل تجد لي من توبة قال نعم تب إلى الله يتب عليك فإنه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات فذهب الفتى بين الناس راجعا فقال له رجل من أهل الشام خدعك العراقي قال لا ولكن نصحني وقاتل هاشم قتالا شديدا حتى أتت كتيبة لتنوخ فشدوا على الناس فقاتلهم حتى قتل تسعة نفر أو عشرة وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط وبعث إليه علي (ع) أن قدم لواءك فقال للرسول انظر إلى بطني فإذا هو قد انشق فمر به رجل وهو صريع بين القتلى فقال له اقرأ أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته وقل له أنشدك بالله إلا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى فان الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى فأخبر الرجل عليا بذلك فسار في بعض الليل حتى جعل القتلى خلف ظهره وكانت الدبرة له عليهم فأخذ الراية رجل من بكر بن وائل ورفع هاشم رأسه فإذا عبيد الله بن عمر قتيلا إلى جانبه فحبا حتى دنا منه فعض على ثديه حتى بينت فيه أنيابه ثم مات هاشم وهو على صدر عبيد الله بن عمر وضرب البكري الذي معه الراية فسقط فرفع رأسه فأبصر عبيد الله بن عمر قريبا منه فحبا إليه حتى عض على ثديه الآخر فتبينت أنيابه فيه ومات أيضا فوجدا جميعا على صدر عبيد الله بن عمر هاشم والبكري وفرح أهل الشام بمقتل هاشم فأخذ الراية عبد الله بن هاشم وخطب فقال: يا أيها الناس أن هاشما كان عبدا من عباد الله الذين قدر أرزاقهم وكتب آثارهم وأحصى أعمالهم وقضى آجالهم فدعاه الله ربه الذي لا يعصى فأجابه وسلم لأمر الله وجاهد في طاعة ابن عم رسول الله وأول من آمن به وأفقههم في دين الله المخالف لأعداء الله المستحلين ما حرم الله الذين عملوا في البلاد بالجور والفساد واستحوذ عليهم الشيطان فزين لهم الإثم والعدوان فحق عليكم جهاد من خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطل حدود الله وخالف أولياء الله فجودوا بمهج أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا تصيبوا الآخرة والمنزل الأعلى والملك الذي لا يبلى فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية ابن آكلة الأكباد فكيف وأنتم ترجون ما ترجون. ولما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا وأصيب معه عصابة من أسلم من القراء فمر عليهم (ع) وهم قتلى حوله فقال:

وقال عبد الله يرثي أباه هاشما بهذا الرجز:

وقال أبو الطفيل عامر بن واثلة يرثي هاشما:

#من حوبة وعمة وكنه

قال نصر والحوبة القرابة يقال لي في بني فلان حوبة أي قربى.

مقتل عمار بن ياسر

كان على عمار يوم صفين درع وهو يقول: أيها الناس الرواح إلى الجنة. وقال حين نظر إلى راية عمرو بن العاص والله أن هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن ثم قال:

#أو يرجع الحق إلى سبيله

ثم استسقى وقد اشتد ظمأه فاتته امرأة طويلة اليدين قال الراوي: والله ما أدري أعس معها أو أداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب: الجنة تحت الأسنة اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وهم على باطل. وفي رواية أن الذي جاءه باللبن غلام له اسمه راشد ثم حمل وحمل عليه ابن جون السكسكي وأبو العادية الفزاري فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جون فإنه احتز رأسه. فكان لا يزال رجل يجئ فيقول لمعاوية وعمرو أنا قتلت عمارا فقال له عمرو فما كان آخر منطقه قال سمعته يقول: اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه فقال له عمرو صدقت أنت صاحبه وأما والله ما ظفرت يداك ولكن أسخطت ربك. واحتج رجلان بصفين في سلب عمار بن ياسر وفي قتله فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال لهما ويحكما اخرجا عني فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أولعت قريش بعمار ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قاتله وسالبه في النار قال السدي فبلغني أن معاوية قال إنما قتله من أخرجه يخدع بذلك طغام أهل الشام. وقال مالك الأشتر ذكره نصر:

وقال عمرو بن العاص:

وبعث علي خيلا ليحبسوا عن معاوية مادة فبعث معاوية الضحاك بن قيس الفهري في خيل إلى تلك الخيل فأزالوها وجاءت عيون علي فأخبرته بما قد كان فقال لأصحابه ما ترون فاختلفوا فلما رأى اختلافهم أمرهم بالغدو إلى القوم فغاداهم القتال فانهزم أهل الشام وغلب أهل العراق على قتل أهل حمص وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية وانهزم عتبة بن أبي سفيان عشرين فرسخا عن موضع المعركة حتى أتى الشام فقال النجاشي من قصيدة أولها:

ثم أن عليا (ع) أمر مناديه فنادى في الناس أن اخرجوا إلى مصافكم فخرج الناس إلى مصافهم واقتتلوا وأقبل أبو الأعور السلمي يقول:

وقعة الخميس

قال نصر ثم كانت بين الفريقين الوقعة المعروفة بوقعة الخميس قال القعقاع بن الأبرد الطهوي والله إني لواقف قريبا من علي يوم وقعة الخميس وقد التفت مذحج وكانوا في ميمنة علي وعك وجذام ولخم والأشعرون كانوا مستبصرين في قتال علي ولقد والله رأيت ذلك اليوم من قتالهم وسمعت من وقع السيوف على الرؤوس وخبط الخيول بحوافرها في الأرض وفي القتلى ما الجبال تهد ولا الصواعق تصعق بأعظم هولا في الصدور من ذلك الصوت نظرت إلى علي وهو قائم فدنوت منه فسمعته يقول لا حول ولا قوة إلا بالله والمستعان الله ثم نهض حين قام قائم الظهيرة وهو يقول: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير ألفاتحين وحمل على الناس بنفسه وسيفه مجرد بيده فلا والله ما حجز بيننا وبينهم إلا رب العالمين في قريب من ثلث الليل وقتلت يومئذ أعلام العرب وكان في رأس علي ثلاث ضربات وفي وجهه ضربتان قال نصر وقد قيل أن عليا لم يجرح قط وقتل في هذا اليوم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقالت ابنته ضبيعة ترثيه:

وروى نصر عن أبي سليمان الحضرمي وكان حضر صفين مع علي (ع) أن الفيلقين التقيا بصفين واضطربوا بالسيوف ليس معهم غيرها إلى نصف الليل. وعن زياد بن النضر وكان على مقدمة علي (ع) قال شهدت مع علي بصفين فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تكسرت الرماح ونفدت السهام ثم صارت إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نحن وأهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضا وقد قاتلت يومئذ بجميع السلاح فلم يبق شيء من السلاح إلا قاتلت به حتى تحاثينا بالتراب وتكادمنا حتى صرنا قي أما ينظر بعضنا إلى بعض ما يستطيع واحد من الفريقين أن ينهض إلى صاحبه ولا يقاتل فلما كان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصفو وغلب علي (ع) على القتلى وأقبل على أصحاب محمد وأصحابه فدفنهم وقد قتل كثير منهم وقتل من أصحاب معاوية أكثر وقال عمرو بن العاص:

وقال محمد بن عمرو بن العاص:

فرد عليه محمد بن الحنفية:

وجاء علقمة بن تميم الأنصاري إلى علي (ع) فقال يا أمير المؤمنين أن عمرو بن العاص ينادي:

فضحك علي ثم قال أما والله لقد حاد عدي الله عني وإنه لبمكاني عالم كما قال العربي غير لوهي ترقعين وأنت مبصرة ويحكم أروني مكانه لله أبوكم وخلاكم ذم وحمل غل أما ن من الأنصار جميعا إخوان حتى انتهيا إلى سرادق معاوية فقتلا عنده وأقبلت الكتائب بعضها نحو بعض فاقتتلت قي أما في الركب لا يسمع السامع إلا وقع السيوف على البيض والدرق وقال عمرو بن العاص:

وردان عبده وقنبر غلام أمير المؤمنين ع. وجاء عدي بن حاتم يلتمس عليا ما يطأ إلا على إنسان ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال يا أمير المؤمنين ألا نقوم حتى نموت فقال علي (ع) ادن فدنا حتى وضع أذنه عند انفه فقال ويحك أن عامة من معي يعصيني وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه وقال عدي بن حاتم يوم صفين:

قال علي وا نفساه أيطاع معاوية وأعصى ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها وهي مقرة بنبيها إلا هذه الأمة ثم أن عليا (ع) أمر الناس أن يحملوا على أهل الشام فحملت خيل علي على صفوف أهل الشام فقوضت صفوفهم فقال عمرو يومئذ على من هذا الرهج الساطع قيل على ابنيك عبد الله ومحمد قال يا وردان قدم لواءك فتقدم فأرسل إليه معاوية أن ليس على ابنيك باس فلا تنقض الصف والزم موقفك فقال عمرو هيهات هيهات:

فتقدم فلقي الناس وهو يحمل فأدركه رسول معاوية فقال إنه ليس على ابنيك باس فلا تحملن فقال له عمرو قل له أنك لم تلدهما أنا ولدتهما وبلغ مقدم الصفوف فقال له الناس مكانك إنه ليس على ابنيك باس إنهما في مكان حريز فقال اسمعوني أصواتهما حتى اعلم أحيان هما أم قتيلان ونادى يا وردان قدم لواءك قدر قيس قوسي ولك فلانة جارية له فتقدم بلوائه فأرسل علي إلى أهل الكوفة أن احملوا وإلى أهل البصرة أن احملوا فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا فخرج رجل من أهل الشام فقال من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي فاقتتلا ساعة ثم أن العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها فقاتل ولم يسقط إلى الأرض ثم ضرب يده فقطعها فرمى الشامي بسيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام وقال دونكم سيفي هذا فاستعينوا به على عدوكم فأخذوه فاشتراه معاوية من أولياء المقتول بعشرة آلاف واقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلى كثير من الناس إلا إيماء. وكان رجل من أصحاب علي (ع) يدعى هاني بن نمر الحضرمي فخرج رجل من أهل الشام يطلب المبارزة فلم يخرج إليه أحد فقال سبحان الله ما يمنعكم أن يخرج رجل منكم إلى هذا فلو لا إني موعوك وإني أجد لذلك ضعفا لخرجت إليه فما رد عليه أحد فوثب فقال أصحابه سبحان الله تخرج وأنت موعوك قال والله لأخرجن إليه ولو قتلني فخرج وإذا هو رجل من قومه حضرموت وبينهما قرابة من قبل النساء فقال له يا هاني ارجع فإنه أن يخرج إلي غيرك أحب إلي إني لست أريد قتلك قال له هاني ما خرجت إلا وأنا موطن نفسي على القتل ما أبالي أنت قتلتني أو غيرك ثم مشى نحوه فقال اللهم في سبيلك وسبيل رسولك ونصرة لابن عم نبيك ثم اختلفا ضربتين فقتله هاني وشد أصحابه نحوه وشد أصحاب هاني نحوه ثم اقتتلوا وانفرجوا عن اثنين وثلاثين قتيلا ثم أن عليا أرسل إلى الناس أن احملوا فحمل الناس على راياتهم كل قوم بحيالهم فتجالدوا بالسيوف وعمد الحديد لا يسمع إلا صوت الحديد ومرت الصلوات كلها ولم يصلوا إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة حتى تفانوا ورق الناس. قال عبد الرحمن بن حاطب خرجت التمس أخي سويدا في القتلى بصفين فإذا برجل قد أخذ بثوبي صريع في القتلى فالتفت فإذا بعبد الرحمن بن كلدة فقلت أنا لله وأنا إليه راجعون هل لك في الماء قال لا حاجة لي في الماء قد أنفذني السلاح وخرقني ولست أقدر على الشرب هل أنت مبلغ عني أمير المؤمنين رسالة قلت نعم قال اقرأ عليه مني السلام وقل يا أمير المؤمنين احمل جرحاك إلى عسكرك حتى تجعلهم من وراء القتلى فان الغلبة لمن فعل ذلك ثم لم أبرح حتى مات واتيت عليا فأخبرته فاسترجع وأبلغته الرسالة قال صدق والذي نفسي بيده فنادى منادي العسكر أن احملوا جرحاكم إلى عسكركم ففعلوا فلما أصبح نظر إلى أهل الشام وقد ملوا الحرب. وكان علي إذا أراد القتال هلل وكبر ثم قال:

أم يوم قدر وأقبل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومعه لواء معاوية الأعظم وهو يقول:

فاستقبله جارية بن قدامة السعدي وهو يقول:

وأطعنا مليا ومضى عبد الرحمن وانصرف جارية وعبد الرحمن لا يأتي على شيءإلا مده وهو يقول:

#أحمل ما حملت من خير وشر

فغم ذلك عليا وأقبل عمرو بن العاص في خيل من بعده فقال أقحم يا ابن سيف الله فإنه الظفر. وأقبل الناس على الأشتر فقالوا يوم من أيامك الأول وقد بلغ لواء معاوية حيث ترى فأخذ الأشتر لواء فحمل وهو يقول:

فضارب القوم حتى ردهم على أعقابهم فرجعت خيل عمرو وقال النجاشي في ذلك:

ولما رد لواء معاوية ورجعت خيل عمرو انتدب همام بن قبيصة وكان من اشتم الناس لأمير المؤمنين (ع) ومعه لواء هوازن فقصد لمذحج وهو يقول:

#في نصر عثمان ولا أبالي

فقال عدي بن حاتم لصاحب لوائه ادن مني فأخذه وحمل وهو يقول:

وأسرتي يتبعها عيالي

فضربه وسلب لواءه. ثم حمل خزيمة بن ثابت وهو يقول:

فقاتل حتى قتل ثم خرج خالد بن خالد الأنصاري وهو يقول:

فطعن ساعة ثم رجع. ثم حمل جندب بن زهير وهو يقول:

وأقبل الأشتر يضرب بسيفه وهو يقول:

#أغوى طعاما لا هداه هاديه

هكذا ذكر نصر ولكنه في موضع آخر نسب هذا الرجز إلى أبي مجزاة بن ثور الربعي وسيأتي نسبة الشطور الثلاثة الأول إلى علي (ع) واختلط أمر الناس حتى ترك أهل الرايات مراكزهم وتفرق الناس عن علي فأتى ربيعة ليلا فكان فيهم وتعاظم الأمر وأقبل عدي بن حاتم يطلب عليا في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده فطاف يطلبه فأصابه في مصاف ربيعة فقال يا أمير المؤمنين أما إذا كنت حيا فالأمر أمم ما مشيت إليك إلا على قتيل وما أبقت هذه الوقعة لنا ولهم عميدا فقاتل حتى يفتح الله عليك فان في الناس بقية بعد وأقبل الأشعث يلهث جزعا فلما رأى عليا هلل وكبر وقال يا أمير المؤمنين خيل كخيل ورجال كرجال ولنا الفضل إلى ساعتنا هذه فعد إلى مقامك الذي كنت فيه فان الناس إنما يظنونك حيث تركوك وأرسل سعيد بن قيس أنا مشتغلون بأمرنا مع القوم وفينا فضل فان أردت أن نمد أحدا أمددناه فاقبل علي على ربيعة فقال أنتم درعي ورمحي قال نصر فربيعة تفتخر بهذا الكلام إلى اليوم فقال عدي بن حاتم يا أمير المؤمنين أن قوما أنست بهم وكنت فيهم في هذه الجولة لعظيم حقهم علينا والله إنهم لصبر عند الموت أشداء عند القتال وركب علي (ع) فرسه الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له المرتجز فتقدم أمام الصفوف ثم قال بل البغلة فقدمت له بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبها ثم تعصب بعمامة رسول الله السوداء ثم نادى أيها الناس من يشري نفسه لله يربح هذا يوم له ما بعده أن عدوكم قد قرح كما قرحتم فانتدب له من بين العشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا وضعوا سيوفهم على عواتقهم وتقدمهم علي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:

#بل ما يريد المحيي المميت

وتبعه عدي بن حاتم بلوائه وهو يقول:

وتقدم الأشتر وهو يقول:

#دين قويم وسبيل منهج

وحمل الناس حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض واهمدوا ما أتوا عليه حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية وعلي يضربهم بسيفه وهو يقول:

#هوت به في النار أم هاوية

فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه فلما وضع رجله في الركاب تمثل بقول عمرو بن الإطنابة:

وقال يا ابن العاص اليوم صبر وغدا فخر فقال عمرو صدقت وثنى رجله من الركاب فنزل فاستصرخ بعك والأشعرين فوقفوا دونه وجالدوا عنه حتى كره كل من الفريقين صاحبه وتحاجز الناس. ثم أن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال هذا يوم تمحيص أن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم اصبروا يومكم هذا وخلاكم ذم وحضض علي أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة التميمي فقال يا أمير المؤمنين أنك جعلتني على شرطة الخميس وقدمتني في الثقة دون الناس وإنك اليوم لا تفقد لي صبرا ولا نصرا أما أهل الشام فقد هدهم ما أصبنا منهم ونحن ففينا بعض البقية فاطلب بنا أمرك وائذن لي في التقدم فقال تقدم بسم الله وأقبل الأحنف بن قيس السعدي فقال يا أهل العراق والله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم قد كشف القوم عنكم قناع الحياء وما يقاتلون على دين وما يصبرون إلا حياء فتقدموا فقالوا أن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير المؤمنين قال تقدموا في موضع التقدم وتأخروا في موضع التأخر تقدموا من قبل أن يتقدموا إليكم وحمل أهل العراق وتلقاهم أهل الشام فاجتلدوا.

نكول معاوية عن مبارزة علي يوم صفين

روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: إنه أرسل علي إلى معاوية أن أبرز إلي واعف الفريقين من القتال فأينا قتل صاحبه كان الأمر له، قال عمرو لقد أنصفك الرجل فقال معاوية إني لأكره أن أبارز الأهوج الشجاع لعلك طمعت فيها يا عمرو؟ وروى في موضع آخر أن عليا (ع) قام بين الصفين ثم نادى يا معاوية يكررها فقال معاوية اسألوه ما شانه قال أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية ويحك علا م يقتتل الناس بيني وبينك أبرز إلي فأينا قتل صاحبه فالأمر له، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال ما ترى يا أبا عبد الله أبارزه؟ فقال عمرو لقد أنصفك الرجل واعلم أنك أن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي، فقال معاوية يا عمرو ليس مثلي يخدع عن نفسه والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلا سقى الأرض من دمه ثم انصرف معاوية راجعا إلى آخر الصفوف وعمرو معه، وقال معاوية ويحك يا عمرو ما أحمقك أتراني أبرز إليه ودوني عك والأشعرون وجذام وحقدها معاوية على عمرو وقال ما أظنك يا عمرو إلا مازحا فلما جلس معاوية مجلسه أقبل عمرو حتى جلس فقال معاوية:

فقال له عمرو أيها الرجل أتجبن عن خصمك وتتهم نصيحك وقال مجيبا له:

تعرض عمرو بن العاص لعلي وكشفه سوأته

قيل كان السبب في ذلك أن الحارث بن نصر الجشمي كان عدوا لعمرو بن العاص وكان عمرو قلما يجلس مجلسا إلا ذكر فيه الحارث فقال الحارث في ذلك:

فلما سمع عمرو شعره قال والله لو علمت إني أموت ألف موتة لبارزت عليا في أول ما ألقاه، وقيل أن عمرا حمل معلما وهو يقول:

فاعترضه علي (ع) وهو يقول:

وقيل أن عمرا تعرض لعلي في يوم من أيام صفين وظن أنه يطمع منه في غرة فيصيبه فحمل عليه (ع) فلما كاد أن يخالطه رمى نفسه عن فرسه ورفع ثوبه وشغر برجله فبدت عورته فصرف علي وجهه عنه وقام معفرا بالتراب هاربا على رجليه معتصما بصفوفه فقال القوم أفلت الرجل يا أمير المؤمنين قال وهل تدرون من هو؟ قالوا لا، قال: فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه، ورجع عمرو إلى معاوية فقال له: ما صنعت يا عمرو؟ قال: لقيني علي فصرعني، قال: فاحمد الله وعورتك أما والله أن لوعرفته ما أقحمت عليه وقال معاوية في ذلك شعرا:

فغضب عمرو وقال: ما أشد تعظيمك عليا في أمري هذا هل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه أفترى السماء قاطرة لذلك دما؟ قال: ولكنها تعقبك جنبا. قال نصر: ولما شمت معاوية بعمرو قال عمرو في ذلك:

ثم أن عليا غلس بالناس بصلاة الفجر ثم زحف بهم فخرج الناس على راياتهم وأعلامهم وزحف إليهم أهل الشام فقال أبرهة بن الصباح بن أبرهة الحميري ويلكم يا معشر أهل اليمن والله إني لأظن قد أذن بفنائكم ويحكم خلوا بين هذين الرجلين فليقتتلا فأيهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا، وكان من رؤساء أصحاب معاوية، فبلغ ذلك عليا فقال صدق أبرهة، وبلغ معاوية كلام أبرهة فتأخر آخر الصفوف وقال لمن حوله: إني لأظن أبرهة مصابا في عقله، فقال أهل الشام: والله أن أبرهة لأفضلنا دينا ورأيا وبأسا، ولكن معاوية كره مبارزة علي فقال أبرهة في ذلك:

وبرز يومئذ عروة بن داود الدمشقي فقال: أن كان معاوية كره مبارزتك يا أبا الحسن فهلم إلي، فتقدم إليه علي فقال له أصحابه: ذر هذا الكلب فإنه ليس لك بخطر، فقال: والله ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه ثم حمل عليه فضربه قطعتين سقطت أحداهما يمنة والأخرى يسرة وارتج العسكران لهول الضربة ثم قال يا عروة اذهب فأخبر قومك أما والذي بعث محمدا بالحق لقد عانيت النار وأصبحت من النادمين. وقال ابن عم لعروة واسوء صباحاه قبح الله البقاء بعد أبي داود وحمل على علي فطعنه فضرب علي الرمح فبراه ثم قنعه ضربة فألحقه بأبي داود ومعاوية واقف على التل يبصر ويشاهد فقال تبا لهذه الرجال وقبحا أما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة أو في اختلاط الفيلق وثوران النقع فقال الوليد بن عقبة أبرز إليه أنت فإنك أولي الناس بمبارزته فقال والله لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من قريش واني والله لا أبرز إليه، ما جعل العسكر بين يدي الرئيس إلا وقاية له فقال الوليد ألهوا عن هذا كأنكم لم تسمعوا نداءه فقد علمتم انه قتل حريثا وفضح عمرا ولا أرى أحدا يتحكك به إلا قتله.

فعل بسر كفعل عمرو

فقال معاوية لبسر بن أرطاة أتقوم لمبارزته فقال ما أحد أحق بها منك وإذا أبيتموه فأنا له فقال له معاوية أما أنك ستلقاه في العجاجة غدا في أول الخيل وكان عند بسر ابن عم له قد قدم من الحجاز يخطب ابنته فأتى بسرا فقال له إني سمعت أنك وعدت من نفسك أن تبارز عليا أما تعلم أن الوالي بعد معاوية أخوه عتبة ثم أخوه محمد فما يدعوك إلى ذلك قال الحياء، خرج مني كلام فأنا استحي أن أرجع عنه فضحك الغلام وقال:

فقال بسر هل هو إلا الموت لا بد والله من لقاء الله تعالى فغدا علي منقطعا من خيله ومعه الأشتر وهو يريد التل وهو يقول:

#مذبذب مطرد مؤخر

فاستقبله بسر قريبا من التل وهو مقنع في الحديد لا يعرف فناداه أبرز إلي أبا حسن فانحدر إليه علي على تؤدة غير مكترث به حتى إذا قاربه طعنه وهو دارع فألقاه على الأرض ومنع الدرع السنان أن يصل إليه فاتقاه بسر وقصد أن يكشف سوأته ليستدفع بأسه فانصرف عنه علي (ع) مستدبرا له فعرفه الأشتر حين سقط فقال يا أمير المؤمنين هذا بسر بن أرطاة عدو الله وعدوك فقال دعه عليه لعنة الله أبعد أن فعلها فحمل ابن عم لبسر شاب على علي (ع) وهو يقول:

فحمل عليه الأشتر وهو يقول:

وطعنه الأشتر فكسر صلبه وقام بسر من طعنة علي وولت خيله وناداه علي يا بسر معاوية كان أحق بهذا منك ورجع إلى معاوية فقال له معاوية أرفع طرفك قد أدال الله عمرا منك وقال في ذلك النضر بن الحارث وفي شرح النهج الحارث بن نضر الجشمي أو الخثعمي:

وفي ذلك يقول المؤلف أيضا من قصيدة:

فكان بسر بعد ذلك إذا لقي الخيل التي فيها علي تنحى ناحية وتحامى، فرسان أهل الشام عليا.

واجتمع ليلة عند معاوية بصفين عتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر بن طلحة الطلحات فقال عتبة أن أمرنا وأمر علي لعجيب ليس منا لا موتور له أما أنا فقتل جدي واشترك في دم عمومتي يوم بدر وأما أنت يا وليد فقتل أباك يوم بدر وأما أنت يا عبد الله فقتل أباك يوم الجمل وايتم اخوتك وأما أنت يا مروان فكما قال الأول:

قال معاوية هذا الإقرار فأين الغير قال مروان أي غير تريد قال أريد أن يشجر بالرماح قال والله أنك لهازل أو قد ثقلنا عليك فقال الوليد بن عقبة:

فغضب عمرو وقال أن كان الوليد صادقا فليلق عليا أو ليقف حيث يسمع صوته وقال عمرو:

وروى الواقدي أن معاوية قال يوما بعد استقرار الخلافة له لعمرو بن العاص: يا أبا عبد الله لا أراك إلا ويغلبني الضحك قال بما ذا قال أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأذريت نفسك فرقا من شبا سنانه وكشفت سوأتك له فقال عمرو أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك وربا لسانك في فمك وغصصت بريقك وارتعدت فرائصك وبدا منك ما أكره ذكره لك فقال معاوية لم يكن هذا كله وكيف يكون ودوني عك والأشعرون قال أنك لتعلم أن الذي وصفت دون الذي أصابك وقد نزل ذلك بك ودونك عك والأشعرون فكيف كانت حالك لو جمعكما ماقط الحرب، قال يا أبا عبد الله خض بنا الهزل إلى الجد أن الجبن والفرار من علي لا عار على أحد فيهما.

مخادعة معاوية للأشعث

ودعا معاوية أخاه عتبة بن أبي سفيان وكان لا يطاق لسانه فقال الق الأشعث بن قيس فإنه أن رضي رضيت العامة فلقيه فقال أن معاوية لو كان لاقيا رجلا غير علي للقيك أنك رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن وقد سلف من عثمان إليك ما سلف من الصهر والعمل ولست كأصحابك أما الأشتر فقتل عثمان وأما عدي فحرض عليه وأما سعيد فقلد عليا دينه وأما شريح وزحر بن قيس فلا يعرفان غير الهوى وانك حاميت عن أهل العراق تكرما وحاربت أهل الشام حمية وقد بلغنا والله منك وبلغت منا ما أردت وأنا لا ندعوك إلى ترك علي ونصر معاوية ولكنا ندعوك إلى البقية التي فيها صلاحك وصلاحنا فقال الأشعث أما قولك أن معاوية لا يلقى إلا عليا فان لقيني لما عظم عني ولا صغرت عنه فان أحب أن أجمع بينه وبين علي فعلت وأما قولك إني رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن فان الرأس المتبع والسيد المطاع هو علي بن أبي طالب وأما ما سلف من عثمان إلي فو الله ما زادني صهره شرفا ولا عمله عزا وأما عيبك أصحابي فان هذا لا يقربك مني ولا يبعدني عنهم وأما محاماتي عن أهل العراق فمن نزل بيتا حماه وأما البقية فلستم بأحوج إليها منا وسنرى رأينا فيها فلما بلغ معاوية كلام الأشعث قال يا عتبة لا تلقه بعدها فان الرجل عظيم عند نفسه وإن كان قد جنح للسلم وشاع في أهل العراق ما دار بين عتبة والأشعث فقال النجاشي يمدح الأشعث:

مخادعة معاوية لابن عباس

فلما أيس معاوية من جهة الأشعث قال لعمرو بن العاص أن رأس الناس بعد علي وعبد الله بن عباس فلو القيت إليه كتابا لعلك ترفقه به فإنه أن قال شيئا لم يخرج علي منه وقد أكلتنا الحرب ولا أرانا نصل العراق إلا بهلاك أهل الشام فقال له عمرو أن ابن عباس لا يخدع ولو طمعت فيه طمعت في علي فقال معاوية علي ذلك فاكتب إليه فكتب إليه عمرو أما بعد فان الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء وأنت رأس هذا الجمع بعد علي فانظر فيما بقي ودع ما مضى فو الله ما أبقيت هذه الحرب لنا ولا لكم حياء ولا صبرا واعلموا أن الشام لا تملك إلا بهلاك العراق وان العراق لا تملك إلا بهلاك الشام وما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم وما خيركم بعد هلاك أعدادكم منا ولسنا نقول ليت الحرب عادت ولكنا نقول ليتها لم تكن وان فينا من يكره القتال كما أن فيكم من يكرهه وإنما هو أمير مطاع أو مأمور مطيع أو مؤتمن مشاور وهو أنت وكتب في أسفل الكتاب:

فأتى ابن عباس بالكتاب إلى أمير المؤمنين (ع) فضحك وقال قاتل الله ابن العاص ما أغراه بك يا ابن عباس أجبه وليرد عليه شعره الفضل بن العباس فإنه شاعر فكتب ابن عباس إلى عمرو: أما بعد فإني لا اعلم رجلا من العرب أقل حياء منك انه مال بك معاوية إلى الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير ثم خبطت بالناس في عشوة طمعا في الملك فلما لم تر شيئا أعظمت الدنيا إعظام أهل الذنوب وأظهرت فيها نزاهة أهل الورع فان كنت ترضي الله بذلك فدع مصر وارجع إلى بيتك وهذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي ابتدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف وليس أهل العراق فيها كاهل الشام بايع أهل العراق عليا وهو خير منهم وبايع معاوية أهل الشام وهم خير منه وليس أنا وأنت فيها بسواء أردت الله وأردت أنت مصر فان ترد شرا لا نسبقك به وان ترد خيرا لا تسبقنا إليه ثم قال لأخيه الفضل يا ابن أم أجب عمرا فقال الفضل:

ثم عرض الشعر والكتاب على علي (ع) فقال لا أراه يجيبك بشيء بعدها أبدا أن كان يعقل ولعله يعود فتعود عليه فلما انتهى الكتاب إلى عمرو أتى به معاوية فقال أنت دعوتني إلى هذا ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب فقال أن قلب ابن عباس وقلب علي قلب واحد وكلاهما ولدا عبد المطلب وإن كان قد خشن فقد لان وإن كان قد تعظم وعظم صاحبه فلقد قارب وجنح إلى السلم وكان معاوية يكاتب ابن عباس فيجيبه بقول لين وذلك قبل أن تعظم الحرب فلما قتل أهل الشام قال معاوية أن ابن عباس رجل قريش وأنا كاتب له في عداوة بني هاشم لنا وأخوفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنا فكتب إليه أما بعد فإنكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان حتى إنكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما دمه فان يكن ذلك كراهة لسلطان بني أمية فقد وليها عدي وتيم وأظهرتهم لهم الطاعة وقد أكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتى أستوينا فيها فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم وما آيسكم منا آيسنا منكم ولستم بملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ولا غدا بأحد من حد اليوم وقد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق وابقوا على قريش فإنما بقي من رجالها ستة رجلان بالشام أنا وعمرو ورجلان بالعراق أنت وعلي ورجلان بالحجاز سعد وابن عمر واثنان من الستة ناصبان لك واثنان واقفان وأنت رأس هذا الجمع اليوم ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع. فلما انتهى الكتاب إلى ابن عباس أسخطه ثم قال حتى متى يخطب إلي عقلي وحتى متى أجمجم على ما في نفسي فكتب إليه: أما ما ذكرت من سرعتنا بالمساءة في أنصار ابن عفان وكراهتنا لسلطان بني أمية فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد بن عقبة وأما طلحة والزبير فنقضا البيعة وطلبا الملك فقاتلناهما على النكث وقاتلناك على البغي وأما قولك انه لم يبق من قريش غير ستة فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها قد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم يخذلنا إلا من خذلك وقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله ويخاف ما بعده وأما قولك انه لو بايع الناس لي لاستقامت لي فقد بايع الناس عليا وهو خير مني فلم يستقيموا له وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق. فلما انتهى الكتاب إلى معاوية قال هذا عملي بنفسي والله لا اكتب إليه كتابا سنة وقال معاوية في ذلك:

فقال الفضل بن عباس يجيبه على ذلك

فعرض شعره على علي فقال أنت أشعر قريش فضرب بها الناس إلى معاوية. مقاتلة عك وهمدان

ولما اشتد القتال أرسل معاوية إلى عمرو أن قدم عكا والأشعرين إلى من بإزائهم فبعث عمرو إلى معاوية إني أقدم عكا إلى همدان فأتاهم عمرو فقال يا معشر عك أن عليا قد عرف إنكم حي أهل الشام فعبأ لكم حي أهل العراق همدان فاصبروا وهبوا لنا جماجمكم ساعة من النهار فقد بلغ الحق مقطعه فقال ابن مسروق العكي أمهلوني حتى أتى معاوية فأتاه فقال اجعل لنا فريضة ألفي رجل في ألفين ألفين ومن هلك فابن عمه مكانه لتقر اليوم عينك قال ذلك لك فرجع ابن مسروق إلى أصحابه فأخبرهم الخبر فقالت عنك نحن لهمدان فتقدمت عك إلى همدان وفي ذلك يقول القائل:

وكانت على عك الدروع وليست عليهم رانات فنادى سعيد بن قيس يا لهمدان خدموا القوم أي اضربوا سوقهم والتخديم ضرب مكان الخدمة وهي الحجل فنادى أبو مسروق العكي يا لعك بركا كبرك الكمل ثم رموا بحجر بين أيديهم وقالوا لا نفر حتى يفر هذا الحكر وهم يقلبون الجيم كافا وفي رواية أن عكا قيدت أرجلها بالعمائم يوم صفين حتى لا تفر فبركوا تحت الحجف وشجروهم بالرماح وتقدم شيخ من همدان وهو يقول:

#بذاك أوصى جدكم والوالد

وتقدم رجل من عك وهو يقول:

#لا تدخلوا نفسي عليكم شكا

فألقى القوم الرماح وساروا إلى السيوف وتجالدوا حتى أدركهم الليل فقالت همدان يا معشر عك أنا والله لا ننصرف حتى تنصرفوا وقالت عك مثل ذلك فأرسل معاوية إلى عك أبروا قسم القوم فانصرفت عك ثم انصرفت همدان وقال عمرو في ذلك:

ولما اشترطت عك والأشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة والعطاء فأعطاهم لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية وشخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس وبلغ عليا فساءه وجاء المنذر بن أبي حميضة الأوزاعي وكان فارس همدان وشاعرهم فقال يا أمير المؤمنين أن عكا والأشعرين طلبوا إلى معاوية الفرائض والعقار فأعطاهم فباعوا الدين بالدنيا وأنا رضينا بالآخرة من الدنيا وبالعراق من الشام وبك من معاوية والله لآخرتنا خير من دنياهم ولعراقنا خير من شامهم ولإمامنا أهدى من إمامهم فامتحنا بالصبر واحملنا على الموت وقال:

فقال علي (ع) حسبك رحمك الله وأثنى عليه خيرا وعلى قومه وانتهى شعره إلى معاوية فقال والله لأستميلن بالأموال ثقات علي ولأقسمن فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته.

حسن بلاء همدان بصفين

ولما أصبح الناس غدوا على مصافهم ونادى معاوية في أحياء اليمن فقال عبوا كل فارس مذكور فيكم اتقوا به لهذا الحي من همدان فخرجت خيل عظيمة فلما رآها علي عرف إنها عيون الرجال فنادى يا لهمدان فأجابه سعيد بن قيس فقال علي احمل فحمل حتى خالط الخيل بالخيل واشتد القتال وحطمتهم همدان حتى الحقوهم بمعاوية فقال ما لقيت من همدان وجزع جزعا شديدا وأسرع في فرسان أهل الشام القتل وجمع علي همدان فقال يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي يا همدان ما نصرتم إلا الله ولا أجبتم غيره فقال سعيد بن قيس أجبنا الله وأنت ونصرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم في قبره وقاتلنا معك من ليس مثلك فارم بنا حيث أحببت وفي ذلك اليوم قال علي (ع):

فقال علي لصاحب لواء همدان اكفني أهل حمص فإني لم الق من أحد ما لقيت منهم فتقدم وتقدمت همدان وشدوا شدة واحدة على أهل حمص فضربوهم ضربا شديدا متداركا بالسيوف وعمد الحديد حتى ألجأوهم إلى قبة معاوية وارتجز رجل من همدان في أرحب فقال:

#عن طاعة الله وفحوى النص

وحمل أهل حمص ورجل من كندة يقدمهم وهو يقول:

ولما عبا معاوية حماة الخيل لهمدان فردت خيله أسف فخرج بسيفه فحملت عليه فوارس همدان ففارقها ركضا وانكسر حماة أهل الشام ورجعت همدان إلى مكانها. دعاء معاوية مروان وعمرا لقتال الأشتر

ودعا معاوية مروان بن الحكم فقال أن الأشتر قد غمني فاخرج بهذه الخيل في كلاع ويحصب فالقه فقاتل بها فقال مروان ادع لها عمرا فإنه شعارك دون دثارك قال وأنت نفسي دون وريدي قال لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء أو ألحقته بي في الحرمان ولكنك أعطيته ما في يديك ومنيته ما في يدي غيرك فان غلبت طاب له المقام وان غلبت خف عليه الهرب فقال معاوية يغني الله عنك قال أما اليوم فلا ودعا معاوية عمرا وأمره بالخروج إلى الأشتر فقال والله إني لا أقول لك كما قال مروان قال ولم تقوله وقد قدمتك وأخرته وأدخلتك وأخرجته قال عمرو أما والله لئن كنت فعلت لقد قدمتني كافيا وأدخلتني ناصحا وقد أكثر القوم عليك في أمر مصر وإن كان لا يرضيهم إلا أخذها فخذها فخرج عمرو في تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام الخيل وهو يقول:

#أو لا فربي عاذري بعذري

فعرف عمرو إنه الأشتر فجبن وفشل واستحيا أن يرجع فاقبل نحو الصوت وهو يقول:

#هذا وهذا عرضة المهالك

فلما غشيه الأشتر بالرمح راع عنه عمرو فطعنه الأشتر في وجهه فلم يصنع شيئا وثقل عمرو فامسك على وجهه وثنى عنان فرسه ورجع راكضا إلى المعسكر. ونادى غلام من يحصب يا عمرو عليك العفا ما هبت الصبايا لحمير هاتوا اللواء فأخذه وكان غلاما شابا وهو يقول:

فنادى الأشتر ابنه إبراهيم خذ اللواء فغلام لغلام فأخذه إبراهيم وتقدم وهو يقول:

وحمل على الحميري فالتقاه الحميري بلوائه ورمحه ولم يبرحا يطعن كل واحد منهما صاحبه حتى سقط الحميري قتيلا وشمت مروان بعمرو وغضب القحطانيون على معاوية وقالوا تولي علينا من لا يقاتل معنا ولا رجلا منا وإلا فلا حاجة لنا فيك فقال لهم معاوية لا أولي عليكم بعد موقفي هذا إلا رجلا منكم. ولما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال معاوية هذا يوم تمحيص أن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم فاصبروا وكونوا كر أما وحرض علي أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال يا أمير المؤمنين أنك جعلتني على شرطة الخميس وقدمتني في الثقة دون الناس (أو فقدمني في البقية من الناس) فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا أما أهل الشام فقد هدهم ما أصبنا منهم وأما نحن ففينا بعض البقية ائذن لي فأتقدم قال تقدم باسم الله والبركة فتقدم وأخذ الراية ومضى بها ورجع وقد خضب سيفه ورمحه دماء وكان شيخا ناسكا عابدا وكان من ذخائر علي وممن بايعه على الموت وكان من فرسان أهل العراق وكان علي (ع) يضن به على الحرب والقتال. وكانوا قد ثقلوا عن البراز حين عضتهم الحرب فقال الأشتر يا أهل العراق أما من رجل يشري نفسه لله.

تبارز الأب وابنه

فخرج أثال بن حجل فنادى بين العسكرين هل من مبارز فدعا معاوية حجلا فقال دونك الرجل وكانا مستبصرين في رأيهما فبرز كل واحد منهما إلى صاحبه فبدره الشيخ بطعنة فطعنه الغلام وانتمى فإذا هو ابنه فنزلا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه وبكيا فقال له الأب إني أثال هلم إلى الدنيا فقال له الغلام يا أبه هلم إلى الآخرة والله يا أبه لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام لوجب عليك أن يكون من رأيك لي أن تنهاني واسوأتا ماذا أقول لعلي وللمؤمنين الصالحين كن على ما أنت عليه وأنا أكون على ما أنا عليه وانصرف حجل إلى أهل الشام وانصرف أثال إلى أهل العراق فخبر كل واحد منهما أصحابه وقال في ذلك حجل:

فلما انتهى شعره إلى أهل العراق قال ابنه أثال مجيبا له وكان مجتهدا مستبصرا:

ذم معاوية للأنصار

ودعا معاوية النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ومسلمة بن مخلد الأنصاري ولم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال يا هذان لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى والله جبنوا أصحابي الشجاع والجبان أو حتى والله ما أسال عن فارس من أهل الشام إلا قالوا قتله الأنصار أما والله لألقينهم بجدي وحديدي ولاعين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ثم لأرمينهم بأعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر والطفيشل قولون نحن الأنصار قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم فغضب النعمان فقال يا معاوية لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية وأما دعاؤهم إلى النزال فلقد رأيتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم فان أحببت أن ترى فيهم مثل ذلك آنفا فافعل وأما التمر والطفيشل فان التمر كان لنا فلما أن ذقتموه شاركتمونا فيه وأما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال يا معاوية أن الأنصار لا تعاب أحسابها ولا نجداتها وأما غمهم إياك فقد والله غمونا ولو رضينا ما فارقونا وما فارقنا جماعتهم وإن في ذلك لما فيه من مباينة العشيرة ولكن حملنا ذلك ورجونا منك عوضه وأما التمر والطفيشل فإنهما يجران عليك نسب السخينة والخرنوب وانتهى الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد الأنصاري الأنصار ثم قام خخطيبا فيهم فقال أن معاوية قد قال ما بلغكم وأجاب عنكم صاحبكم فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس وان وترتموه في الإسلام لقد وترتموه في الشرك وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه فجدوا اليوم جدا تنسونه ما كان أمس وجدوا غدا جدا تنسونه ما كان اليوم فأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل والقوام مع لواء أبي جهل والأحزاب وأما التمر فأنا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه وأما الطفيشل فلو كان طعامنا سمينا به كما سميت قريش السخينة ثم قال قيس بن سعد في ذلك شعرا:

فلما بلغ شعره معاوية دعا عمرو بن العاص فقال ما ترى في شتم الأنصار قال أرى أن توعد ولا تشتم ما عسى أن تقول لهم إذا أردت ذمهم ذم أبدا نهم ولا تذم أحسابهم، قال معاوية أن خطيب الأنصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خخطيبا وهو والله يريد أن يفنينا غدا أن لم يحبسه عنا حابس الفيل فما الرأي؟ قال: الرأي التوكل والصبر، فأرسل معاوية إلى رجال من الأنصار فعاتبهم فمشوا إلى قيس فقالوا أن معاوية لا يريد شتمنا فكف عن شتيمه فقال أن مثلي لا يشتم ولكن لا أكف عن حربه حتى ألقى الله. وتحركت الخيل غدوة فظن قيس بن سعد أن فيها معاوية فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا هو غير معاوية، وحمل على آخر يشبهه أيضا فضربه ثم انصرف، فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم الأنصار فغضب النعمان ومسلمة فأرضاهما بعد ما هما أن ينصرفا إلى قومهما. ثم أن معاوية سال النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم فخرج فقال له: يا قيس ألستم معشر الأنصار تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان وقتلتم أنصاره يوم الجمل وأقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعملتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية. فضحك قيس ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة أنه لا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش الضال المضل، أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذ عني واحدة: قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث، وأما معاوية فو الله أن لو اجتمعت عليه العرب لقاتلته الأنصار، وأما قولك أنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور؟ أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان الذين رضي الله عنهم؟ ثم هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ولستما والله ببدريين ولا أحديين ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك يشير إلى ما فعله أبوه يوم السقيفة، وقال قيس في ذلك:

قال نصر: كان فارس أهل الكوفة الذي لا ينازع العكبر بن جدير الأسدي وفارس أهل الشام الذي لا ينازع عوف بن مجزاة المرادي المكنى أبا أحمر، وهو أبو الذي استنقذ الحجاج بن يوسف يوم صرع في المسجد بمكة، وكان العكبر له عبادة ولسان لا يطاق، فقام إلى علي (ع) وقال يا أمير المؤمنين أن في أيدينا عهدا من الله لا نحتاج فيه إلى الناس وقد ظننا بأهل الشام الصبر وظنوا بنا فصبرنا وصبروا وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة ثم قرأت آية من كتاب الله فعلمت إنهم مفتونون: {ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} الآية فأثنى عليه علي خيرا وقال له خيرا. وخرج الناس إلى مصافهم وخرج المرادي نادرا من الناس وكذلك كان يصنع وقد كان قتل قيل ذلك نفرا مبارزة فنادى يا أهل العراق هل من رجل عصاه سيفه يبارزني ولا أغركم من نفسي فأنا فارس رؤوف فصاح الناس بالعكبر فخرج إليه منقطعا من أصحابه والناس وقوف والمرادي يقول:

فبرز إليه العكبر وهو يقول:

#ادن فإني للكمي مصحر

فأطعنا فصرعه العكبر فقتله ومعاوية على التل في جماعة فوجه العكبر فرسه فملأ فروجه ركضا يضربه بالسوط مسرعا نحو التل فنظر إليه معاوية فقال أن هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن اسألوه فأتاه رجل وهو في حمو فرسه فناداه فلم يجبه فمضى حتى انتهى إلى معاوية وجعل يطعن في أعراض الخيل ورجا المعكبر أن يفردوا له معاوية فقتل رجالا وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح فلما لم يصل إليه نادى أولى لك يا ابن هند وأنا الغلام الأسدي ورجع إلى علي فقال له ما دعاك إلى ما صنعت يا عكبر؟ قال: أردت غرة ابن هند وكان شاعرا فقال:

وانكسر أهل الشام لقتل المرادي وهدر معاوية دم العكبر فقال العكبر يد الله فوق يد معاوية فأين دفاع الله عن المؤمنين. قال نصر: وكانت طلائع أهل الشام وأهل العراق يلتقون فيما بين ذلك ويتناشدون الأشعار ويفخر بعضهم على بعض ويحدث بعضهم بعضا على أمان، فالتقوا يوما وفيهم النجاشي فتذاكروا رجراجة علي وخضرية معاوية، فالأولى: أربعة آلاف مجفف من همدان مع سعيد بن قيس الهمداني عليهم البيض والسلاح والدروع والرجراجة الكتيبة التي تموج من كثرتها أو تمخض في سيرها ولا تكاد تسير لكثرتها والثانية أربعة آلاف مع عبيد الله بن عمر عليهم ثياب خضر أو معلمون بالخضرة وتسمى الرقطاء أيضا كما مر، فافتخر كل قوم بكتيبتهم وقالوا في ذلك الأشعار. قال نصر: وجزع أهل الشام على قتلاهم جزعا شديدا فقال معاوية بن خديج: يا أهل الشام قبح الله ملكا يملكه المرء بعد حوشب وذي الكلاع، فقال معاوية: يا أهل الشام ما جعلكم الله أحق بالجزع على قتلاكم من أهل العراق على قتلاهم، فو الله ما ذو الكلاع فيكم بأعظم من عمار بن ياسر فيهم، ولا حوشب فيكم بأعظم من هاشم فيهم، وما عبيد الله بن عمر فيكم بأعظم من ابن بديل فيهم، وما الرجال إلا أشباه، فابشروا فان الله قد قتل من القوم عمار بن ياسر وهو فتاهم، وهاشما وكان جمرتهم، وابن بديل وهو فاعل الأفاعيل وبقي الأشعث والأشتر وعدي بن حاتم، فأما الأشعث فإنما حمى عنه مصره وأما الأشتر وعدي فغضبا للفتنة والله قاتلهما غدا، فقال ابن خديج: أن يكن الرجال عندك أشباها فليست عندنا كذلك وغضب ابن خديج. وروى نصر عن عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله أن عبد الله بن كعب قتل يوم صفين فمر به الأسود بن قيس بآخر رمق فقال عز علي والله مصرعك أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ولو أعرف الذي أشعرك لأحببت أن لا يزايلني حتى اقتله أو يلحقني بك ثم نزل إليه فقال والله أن كان جارك ليأمن بوائقك وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيرا أوصني رحمك الله قال أوصيك بتقوى الله وأن تناصح أمير المؤمنين وأن تقاتل معه المحلين حتى يظهر الحق أو تلحق بالله وأبلغه عني السلام وقل له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب، ثم لم يلبث أن مات فاقبل الأسود إلى علي فأخبره فقال رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في الوفاة. وروى نصر أن معاوية جمع كل قرشي بالشام فقال: العجب يا معشر قريش أنه ليس لأحد منكم في هذه الحرب فعال يطول به لسانه ما عدا عمرا فما بالكم أين حمية قريش؟ فغضب الوليد بن عقبة وقال: وأي فعال تريد؟ والله ما نعرف في أكفائنا من قريش العراق من يغني عنا باللسان ولا باليد، فقال معاوية: بل أن أولئك وقوا عليا بأنفسهم، قال الوليد: كلا بل وقاهم لي بنفسه، قال ويحكم أما منكم من يقوم لقرنه منهم مبارزة أو مفاخرة فقال مروان أما البراز فإن عليا لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمد بنيه فيه ولا لابن عباس وأخوته ويصلى بالحرب دونهم فلأيهم نبارز؟ وأما المفاخرة فبما ذا نفاخرهم أبالإسلام أم بالجاهلية؟ فإن كان بالإسلام فالفخر لهم بالنبوة، وإن كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن فإن قلنا قريش قالت العرب فأقروا لبني عبد المطلب.

ما جرى بين عتبة بن أبي سفيان وجعدة بن هبيرة

فقال عتبة بن أبي سفيان ألهوا عن هذا فإني لاق بالغداة جعدة بن هبيرة فقال معاوية بخ بخ قومه بنو مخزوم وأمه أم هاني بنت أبي طالب وأبوه هبيرة بن أبي وهب كفو كريم ونابذ معاوية الوليد بن عقبة فأغلظ له الوليد وظهر العتاب بين عتبة والقوم حتى أغلظ لهم وأغلظوا له، ثم ما أمسوا حتى اصطلحوا وأرضاهم معاوية من نفسه ووصلهم بأموال جليلة وبعث إلى أخيه عتبة ما أنت صانع في جعدة قال ألقاه اليوم وأقاتله غدا وكان لجعدة في قريش شرف عظيم وكان له لسان وكان من أحب الناس إلى علي فغدا عليه عتبة فنادى يا جعدة يا جعدة فاستأذن عليا في الخروج إليه فإذن له فاجتمع الناس لكلامهما فقال عتبة يا جعدة إنه والله ما أخرجك علينا إلا حب خالك وعمك ابن أبي سلمة عامل البحرين وأنا والله ما نزعم أن معاوية أحق بالخلافة من علي لولا أمره في عثمان ولكن معاوية أحق بالشام لرضا لها به فاعفوا لنا عنها فو الله ما بالشام رجل به طرف إلا وهو أجد من معاوية في القتال وما بالعراق من له مثل جد علي في القتال ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبك وما أقبح بعلي أن يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس حتى إذا أصاب سلطانا أفنى العرب فقال جعدة: أما حبي لخالي فو الله لو كان لك خال مثله لنسيت أباك وأما ابن أبي سلمة فلم يصب أعظم من قدره والجهاد أحب إلي من العمل وأما فضل علي على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه وأما رضاك اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس وأما قولك أنه ليس بالشام من رجل إلا وهو أجد من معاوية وليس بالعراق لرجل مثل جد علي فهكذا ينبغي أن يكون مضى بعلي يقينه وقصر بمعاوية شكه وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل وأما قولك نحن أطوع لمعاوية منكم لعلي فو الله لا نسأله أن سكت ولا نرد عليه أن قال وأما قتل العرب فان الله كتب القتال فمن قتله الحق فإلى الله. فغضب عتبة وفحش على جعدة فلم يجبه واعرض عنه وانصرفا جميعا مغضبين وجمع عتبة خيله فلم يستبق منها وجل أصحابه السكون والأزد والصدف وتهيأ جعدة بما استطاع فالتقيا وصبر القوم جميعا وباشر جعدة القتال بنفسه وجزع عتبة فأسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية فقال له فضحك جعدة وهزمك لا تغسل رأسك منها أبدا قال عتبة. لا والله لا أعود إلى مثلها أبدا وقد أعذرت وما كان على أصحابي من عتب ولكن الله أبى أن يديلنا منهم فما أصنع، فحظي بها جعدة عند علي، وقال النجاشي أبياتا يذكر فيها ذلك وقال الشني مثلها وذكرناهما في ترجمة جعدة. قال نصر: وأظهر علي (ع) أنه مصبح غدا معاوية ومناجزه فبلغ ذلك معاوية وفزع أهل الشام لذلك وانكسروا لقوله وكان معاوية بن الضحاك بن سفيان صاحب راية بني سليم مع معاوية وكان مبغضا لمعاوية وكان يكتب بالأخبار إلى عبد الله بن الطفيل العامري ويبعث بها إلى علي فبعث إلى عبد الله بن الطفيل إني قائل شعرا أذعر به أهل الشام وأذعر به معاوية وكان معاوية لا يتهمه وكان له فضل ونجدة ولسان فقال ليلا ليسمع أصحابه من أبيات:

فلما سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية فهم بقتله ثم راقب فيه قومه وطرده عن الشام فلحق بمصر وقال معاوية والله لقول السلمي أشد على أهل الشام من لقاء علي وقال الأشتر حين قال علي إنني مناجز القوم إذا أصبحت:

فلما انتهى إلى معاوية شعر الأشتر قال شعر منكر من شاعر منكر رأس أهل العراق وعظيمهم ومسعر حربهم وأول الفتنة وآخرها.

كتاب معاوية إلى علي يسأله الشام وجواب علي له

وقال معاوية رأيت أن أكتب إلى علي كتابا أساله الشام وألقي في نفسه الشك والرقة فضحك عمرو بن العاص وقال أين أنت يا معاوية من خدعة علي فقال ألسنا بني عبد مناف قال بلى ولكن لهم النبوة دونك وإن شئت أن تكتب فاكتب فكتب إليه:

أما بعد فإني أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت وعلمنا لم يجنها بعضنا على بعض وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ونصلح به ما بقي وقد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو ولا أخاف من الموت إلا ما تخاف وقد والله رقت الأجناد وذهبت الرجال ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز ولا يسترق به حر والسلام. فلما انتهى كتاب معاوية إلى علي قرأه ثم قال العجب لمعاوية وكتابه ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال اكتب: أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض فأنا وإياك منها في غاية لم تبلغها وإني لو قتلت في ذات الله وحييت ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله والجهاد لأعداء الله وأما قولك إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى فإني ما نقصت عقلي ولا ندمت على فعلي فأما طلبك الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة وأما قولك أنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل فلعمري أنا بنو أب واحد ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كابي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا المحق كالمبطل وفي أيدينا فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز وأعززنا بها الذليل والسلام. فلما أتى معاوية كتاب علي كتمه عن عمرو بن العاص أياما ثم دعاه فاقرأه الكتاب فشمت به عمرو ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي من عمرو منذ يوم لقيه وصفح عنه فقال عمرو فيما كان أشار به على معاوية:

فلما بلغ معاوية قول عمرو دعاه فقال إني أعلم ما أردت بهذا قال ما أردت قال أردت تفييل رأيي وإعظام علي وقد فضحك فقال أما تفييلي رأيك فقد كان وأما إعظامي عليا فإنك بإعظامه أشد معرفة مني ولكنك تطويه وأنا أنشره وأما فضيحتي فلم يفتضح أمرؤ لقي أبا حسن.

ليلة الهرير

روى نصر بن مزاحم أن عليا (ع) غلس بالناس في صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر ربيع الأولى سنة 37 وقيل عاشر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم وزحف إليهم أهل الشام وقد كانت الحرب أكلت الفريقين ولكنها في أهل الشام أشد نكاية وأعظم وقعا فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه وبيده الرمح فجعل يضرب رؤوس أصحاب علي بالقناة وهو يقول سووا صفوفكم حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال الحمد لله الذي جعل فيكم ابن عم نبيكم أقدمهم هجرة وأولهم اسل أما سيف من سيوف الله صبه على أعدائه فانظروا إلي إذا حمي الوطيس وثار القتام وتكسرت المران وجالت الخيل بالأبطال فلا اسمع إلا غمغمة أو همهمة ثم حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر: وخرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين يا أبا حسن يا علي أبرز لي فخرج إليه علي حتى اختلفت أعناق دابتيهما فقال يا علي أن لك قدما في الإسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك فقال له علي وما ذاك قال ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين أهل العراق ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام فقال له علي لقد عرفت أنك إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد مني هذا الأمر وأسهرني وضربت انفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم فرجع الشامي وهو يسترجع ولما كان قبل ليلة الهرير بليلة قال أصحاب معاوية والله ما نبرح العرصة حتى يفتح الله لنا أو نموت وقال أصحاب علي (ع) مثل ذلك فباكروا القتال غدا يوما من أيام الشعرى طويلا شديد الحر فتراموا بالنبل حتى فنيت نبالهم ثم تطاعنوا بالرماح حتى تقصفت واندقت ثم مشى بعضهم إلى بعض بالسيوف وقد كسروا جفونها وعمد الحديد فلم يسمع السامع إلا تغمغم القوم وتكادم الأفواه وصليل السيوف في الهام ووقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا وكسفت الشمس وثار القتام وضلت الألوية والرايات فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل ومرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن سجدة ولم يصلوا لله صلاة إلا التكبير ثم استمر القتال من نصف الليل إلى ارتفاع الضحى وافترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الهرير والأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة وعلي في القلب والأشتر في هذا الحال يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالأقدام على التي تليها فلم يزل يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره ونادت المشيخة في تلك الغمرات يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء والبنات قال جابر فبكى أبو جعفر محمد الباقر (ع) وهو يحدثني بهذا الحديث وجعل الأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي هذا فإذا فعلوا قال ازحفوا قاب هذا القوس فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس الأقدام ثم دعا بفرسه وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذة النخعي وأقبل الأشتر على فرس له كميت محذوف قد وضع مغفره على قربوس السرج وهو يقول اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس ورجعت الشمس من الكسوف واشتد القتال وخرج يسير في الكتائب ويقول إلا من يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه ويقاتل معه. ويقول واحد في تلك الحال أي رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك وهبلتك أن رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء وما أضجرته الحرب وقد غلت هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر وهو كما ترى يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا. ثم قام الأشتر في أصحابه فقال شدوا فدا لكم عمي وخالي شدة ترضون بها الله وتعزون بها الدين فإذا شددت فشدوا ثم نزل وضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته أقدم فأقدم بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه يضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى عسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايته وأخذ علي لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال وخطب الأشعث بن قيس في كندة ليلة الهرير فقال مل أما ظاهره النصح لقومه وباطنه الغش لعلي (ع) فمما قال: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي وما فني فيه من العرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط إلا فليبلغ الشاهد الغائب أنا أن نحن تواقفنا غدا انه لفناء العرب وضيعة الحرمات أما والله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحتف ولكني رجل مسن أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا. وروى نصر عن عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال والله لكأني اسمع عليا يوم الهرير حين سار أهل الشام وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بيننا وبين عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقبلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة ثم أن عليا قال حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم أما تخافون مقت الله ثم انفتل إلى القبلة ورفع يديه إلى الله ثم نادى يا الله يا رحمن يا واحد يا صمد يا الله يا اله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام وأفضت القلوب ورفعت الأيدي وامتدت الأعناق وشخصت الأبصار وطلبت الحوائج أنا نشكو إليك غيبة نبينا صلى الله عليه وسلم وكثرة عدونا وتشتت وائنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير ألفاتحين سيروا على بركة الله ثم نادى لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى. قال الراوي لا والله الذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله واليكم من هذا لقد همت أن أفلقه ولكن حجزني عنه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كثيرا:

وأنا أقاتل به دونه قال فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا والله ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه وخطب علي (ع) الناس فقال أيها الناس قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم ولم يبق منهم إلا آخر نفس وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله عز وجل.

رفع المصاحف

فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى قال أرى أن رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء وأهل العراق يخافون منك أن ظفرت بهم وأهل الشام لا يخافون عليا أن ظفر بهم ولكن الق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن ردوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم فإني لم أزل أؤخر هذا الأمر لحاجتك إليه فقال معاوية صدقت. وأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها الخيل، والناس على راياتهم قال تميم بن حذيم لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أما م صف أهل الشام وسط الفيلق فلما أن أسفرنا فإذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح وكان جميعها خمسمائة مصحف فاستقبلوا عليا بمائة مصحف ووضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف وشدوا ثلاثة رماح جميعا وربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط ونادوا يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم يا معشر العرب الله الله في نسائكم وبناتكم فمن للروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم الله الله في دينكم وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض وقد وضع المصحف على رأسه ينادي يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم فقال أمير المؤمنين اللهم أنك تعلم إنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا وبينهم أنك أنت الحكيم الحق المبين فاختلف أصحاب علي (ع) في الرأي فطائفة قالت القتال وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب لا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب وتمت الحيلة على أهل العراق، وأقبل عدي بن حاتم فقال يا أمير المؤمنين أن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم وكل مقروح ولكنا أمثل بقية منهم وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم فقام الأشتر النخعي فقال أن معاوية لا خلف له من رجاله ولك بحمد الله الخلف ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك فاقرع الحديد بالحديد واستعن بالله الحميد وقام عمرو بن الحمق فقال يا أمير المؤمنين أنا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أحببنا إلا الله عز وجل ولا طلبنا إلا الحق ولو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لكان فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا مع رأيك رأي وقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال يا أمير المؤمنين أنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس وقد صدق وليس آخر أمرنا كأوله وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب الله فإنك أحق به منهم وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال. وماح الناسي وقالوا أكلتنا الحرب وقتلت الرجال وقال قوم نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس ولم يقل هذا إلا قليل من الناس فقال أمير المؤمنين (ع) إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت وأخذت من عدوكم فلم تترك وإنها فيهم أنكى وأنهك إلا إني كنت بالأمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهيا فأصبحت منهيا وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ثم قعد. وتكلم رؤساء القبائل فأما من ربيعة وهي الجبهة العظمى فقام كردوس بن هانئ البكري فقال أيها الناس أنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه ولا تبرأنا من علي مذ توليناه وإن قتلانا لشهداء وإن أحياءنا لأبرار وإن عليا لعلى بينة من ربه وما أحدث إلا الإنصاف وكل محق منصف فمن سلم له نجا ومن خالفه هلك وقام شقيق بن ثور البكري فقال أيها الناس أنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه وإنهم دعونا إلى كتاب الله فان رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم ولسنا نخاف أن يحيف الله علينا ولا رسوله وان عليا ليس بالراجع الناكص ولا الشاك الواقف وهو اليوم علي ما كان عليه أمس وقد أكلتنا هذه الحرب ولا نرى البقاء إلا في الموادعة وقام حريث بن جابر البكري فقال أيها الناس أن عليا لو كان خلفا من هذا الأمر لكان المفزع إليه فكيف وهو قائده وسائقه انه والله ما قبل من القوم اليوم إلا ما دعاهم إليه أمس ولو رده عليهم كنتم له أعنت وقام خالد بن المعمر فقال يا أمير المؤمنين أنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم أن رأيت ذلك فإن لم تره فرأيك أفضل ثم قام الحضين بن المنذر الرقاشي وهو من أصغر القوم سنا فقال أيها الناس أن لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره وهو المصدق على ما قال المأمون علي ما فعل فان قال لا قلنا لا وإن قال نعم قلنا نعم وقال رفاعة بن شداد البجلي أيها الناس انه لا يفوتنا شيء من حقنا وقد دعونا في آخر أمرنا إلى ما دعوناهم إليه في أوله فان يتم الأمر على ما نريد وإلا أثرناها جذعة. وروى نصر أن أمير المؤمنين (ع) لما رفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى حكم القرآن قال: عباد الله أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني اعرف بهم منكم صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم والله ما رفعوها حقا إنهم يعرفونها ولا يعملون بها وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا فجاءه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد وشاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم وقد سودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصين وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها أن لم تجبهم فقال لهم ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله وأول من أجاب إليه وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعي إلى كتاب الله فلا اقبله إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ولكني قد أعلمتكم إنهم قد كادوكم وإنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتيك وكان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي يزيد بن هانئ فأتاه فبلغه فقال الأشتر قل له ليس هذه الساعة ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي إني قد رجوت أن يفتح الله لي فلا تعجلني فرجع يزيد بن هانئ إلى علي فأخبره وارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ودلائل الخذلان والأدبار على أهل الشام فقال له القوم والله ما نراك إلا أمرته بقتال القوم قال رأيتموني سارت رسولي أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون قالوا فابعث إليه فليأتك وإلا فو الله اعتزلناك قال ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فان الفتنة قد وقعت فأتاه فاخره فقال له الأشتر ألرفع هذه المصاحف قال نعم قال أما والله لقد ظننت إنها حين رفعت ستوقع اختلافا وفرقة إنها من مشورة ابن النابغة يعني عمرو بن العاص وقال ليزيد ألا ترى إلى الفتح ألا ترى إلى ما يلقون ألا ترى إلى الذي يصنع الله لنا أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه فقال له يزيد أتحب أنك ظفرت هاهنا وإن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم إلى عدوه قال سبحان الله والله ما أحب ذلك قال فإنهم قالوا لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلك كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك فاقبل الأشتر فصاح يا أهل الذل والوهن أحين علوتم القوم فظنوا إنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها وقد والله تركوا ما أمر الله فيها وسنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فإني قد أحسست بالفتح قالوا لا قال فامهلوني عدو الفرس فإني قد طمعت في النصرة قالوا إذا ندخل معك في خطيئتك قال فحدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم متى كنتم محقين حيث كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم الآن محقون فقتلاكم الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم في النار قالوا دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله أنا لسنا نطيعك فاجتنبنا قال خدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت إلا قبحا يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا فأبعدوا كما بعدوا القوم الظالمون فسبوه وسبهم وضربوا بسياطهم وجه دابته وضرب بسوطه وجوه دوابهم فصاح بهم علي (ع) فكفوا.

ومن ذلك يعلم أن أصحاب أمير المؤمنين (ع) كانوا أربعة أصناف الأول: أهل البصيرة المخلصون له في الظاهر والباطن العارفون يحقه العالمون بأنها خدعة وهم القليل أمثال الأشتر وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق وكردوس بن هانئ والحضين بن المنذر الثاني: المخلصون له بقلوبهم لكنهم خدعوا أو أحبوا البقاء أمثال شقيق بن ثور وحريث بن جابر ووفاعة بن شداد الثالث: الذين ليس لعلي (ع) في قلوبهم مكانته التي يجب أن تكون له مضافا إلى إنهم قد خدعوا وهم القراء أهل الجباه السود وهؤلاء كانوا وما زالوا في كل عصر أضر من الفساق المتجاهرين بالفسق الرابع: المنافقون الذين يظهرون النصيحة ويبطنون الغش أمثال الأشعث وخالد بن المعمر فكيف يتم مع هؤلاء أمر. وكتب معاوية إلى علي (ع) أن هذا الأمر قد طال بيننا وبينك وكل واحد منا يرى أنه على الحق وقد قتل فيما بيننا كثير وأنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى وأنا نسأل عن ذلك الموطن ولا يحاسب به غيري وغيرك فهل لك في أمر لنا ولك فيه حياة وعذر وصلاح للأمة وحقن للدماء وألفة للدين وذهاب للضغائن والفتن أن يحكم بيننا وبينكم حكمان رضيان أحدهما من أصحابي والآخر من أصحابك فيحكمان بما في كتاب الله بيننا فاتق الله فيما دعيت له وارض بحكم القرآن أن كنت من له والسلام فكتب إليه علي (ع) كتابا قال في آخره ثم أنك قد دعوتني إلى حكم القرآن ولقد علمت أنك لست من أهل القرآن ولست حكمه تريد والله المستعان وقد أجبنا القرآن إلى حكمه ولسنا إياك أجبنا ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا. اختيار الحكمين

وجاء الأشعث بن قيس إلى علي (ع) فقال ما أرى الناس إلا قد رضوا وسرهم أن يجيبوا الناس إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فان شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد فقال ائته فأتاه فقال لأي شيء رفعتم هذه المصاحف قال لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه فابعثوا منكم رجلا ترضونه ونبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بكتاب الله لا يعدوانه.

ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الأشعث هذا هو الحق وانصرف إلى علي فأخبره فقال الناس قد رضينا وقبلنا فبعث علي قراء من أهل العراق وبعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوه وأجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ويميتوا ما أمات ثم رجع كل فريق إلى أصحابه أقول لم يذكر المؤرخون ما ذا أنتجه اجتماعهم ومدارستهم القرآن ولا شك أن ذلك من حواشي الاحتيال الذي أكره علي (ع) على قبوله فقال أهل الشام أنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد أنا قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم علي (ع) إني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى أن أوليه فقال الأشعث ويزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في عصابة من القراء لا نرضى إلا به فإنه قد حذرنا ما وقعنا فيه قال علي (ع) فإنه ليس لي برضى وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا والله ما نبالي أنت كنت أو ابن عباس لا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء قال علي فإني اجعل الأشتر قال الأشعث وهل سعر الأرض علينا غير الأشتر وهل نحن إلا في حكم الأشتر قال وما حكمه قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد. وروى نصر بسنده عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) قال لما أراد الناس عليا أن يضع حكمين قال لهم أن معاوية لم يكن ليضع أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص وانه لا يصلح للقرشي إلا مثله فعليكم بعبد الله بن عباس فارموه به فإن عمرو لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله ولا يحل عقدة إلا عقدها ولا يبرم أمرا إلا نقضه ولا ينقض أمرا إلا أبرمه فقال الأشعث لا والله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة ولكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقال علي (ع) إني أخاف أن يخدع يمنيكم فان عمرو ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هواه فقال الأشعث والله لأن يحكما ببعض ما نكره واحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن تكون ما نحب في حكمهما وهما مضريان وذكر الشعبي مثل ذلك. أقول: ليس العجب من الأشعث إذا ظهرت ذات نفسه لعلي (ع) وجابهه بهذا القول في الأشتر وتمسك بهذه الأعذار الواهية في اختيار أبي موسى لأن الأشعث كان منطويا على غش أمير المؤمنين (ع) ورأى اختلاف الكلمة أظهر ذات نفسه وجابه بما جابه به ولكن العجب من القراء أهل الجباه السود من طول السجود وأهل البلادة والجمود الذين لا يزال أمثالهم بلاء على الأمة الإسلامية إلى اليوم كيف يقولون لعلي (ع) ما نبالي كنت أنت أو ابن عباس لا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ولا يقولون لمعاوية ما نبالي كنت أنت أو عمرو لا نريد إلا رجلا هو منك ومن علي سواء. ومن الذين جاءوا بعد ذلك فلم يشاؤوا أن ينظروا إلى الأمور إلا من وراء غشاء فقالوا أن كل ما جرى من الفئة الباغية كان عن حسن نية واجتهاد قال المؤلف:

وجاء الأشتر فقال يا أمير المؤمنين أرني عمرو بن العاص فو الله الذي لا اله إلا هو لئن ملأت عيني منه لأقتلنه وجاء الأحنف بن قيس التميمي فقال يا أمير المؤمنين أنك قد رميت بحجر الأرض ومن حارب الله ورسوله وأنف الإسلام واني قد عجمت هذا الرجل يعني أبا موسى وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر وانه رجل يماني وقومه مع معاوية وانه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم ويتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم فان شئت أن تجعلني حكما فاجعلني وإن قلت إني لست من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابعث رجلا من أصحابه غير عبد الله بن قيس واجعلني ثانيا أو ثالثا فإنه لا يعقد عقدة إلا حللتها ولن يحل عقدة إلا عقدتها وعقدت لك أخرى أشد منها فعرض ذلك على الناس فأبوه وقالوا لا يكون إلا أبا موسى وفي رواية أن القوم اتوني بعبد الله بن قيس مبرنسا فقالوا ابعث هذا فقد رضينا به والله بالغ أمره. قال علي (ع) قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما أردتم فبعثوا إلى أبي موسى وكان معتزلا بأرض من ارض الشام يقال لها عرض فأتاه مولى له فقال أن الناس اصطلحوا قال الحمد لله قال وقد جعلوك حكما قال أنا لله وأنا إليه راجعون فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي (ع).

كتاب الصلح

قال نصر: لما رضي أهل الشام بعمرو بن العاص وأهل العراق بأبي موسى أخذوا في كتاب الموادعة ورضوا بالحكم حكم القرآن فكتبوا: هذا ما تقاضي عليه علي أمير المؤمنين فقال معاوية بئس الرجل أنا أن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته وقال عمرو للكاتب اكتب اسمه واسم أبيه إنما هو أميركم وأما أميرنا فلا فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه فقال له الأحنف لا تمح اسم أمرة المؤمنين عنك فإني أتخوف أن محوتها أن لا ترجع إليك لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضا فأبى مليا من النهار أن يمحوها ثم جاء الأشعث بن قيس فقال امح هذا الاسم فقال علي لا إله إلا الله والله أكبر سنة سنة أما والله لعلى يدي دار هذا الأمر يوم الحديبية حين كتبت الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو فقال سهيل لو اعلم أنك رسول الله لم أقاتلك إني إذا ظلمتك أن منعتك أن تطوف ببيت الله وأنت رسول الله ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال محمد صلى الله عليه وسلم: "يا علي إني لرسول الله واني لمحمد بن عبد الله ولن يمحو عني الرسالة كتابي إليهم من محمد بن عبد الله فراجعني المشركون" فاليوم اكتبها إلى أبنائهم كما كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آبائهم سنة ومثلا فقال عمرو بن العاص سبحان الله شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون فقال له علي (ع) يا ابن النابغة ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا فقام عمرو فقال والله لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم فقال علي أما والله إني لأرجو أن يظهر الله عليك وعلى أصحابك وكان كتاب الصلح في صحيفة صفراء عليها خاتمان من أعلاها وأسفلها خاتم علي وخاتم معاوية وفي كل منهما محمد رسول الله.

صورة كتاب الصلح

ذكر له نصر في كتاب صفين صورتين أحداهما عن جابر عن زيد بن حسن انه املاه عليه من كتاب عنده والثانية عن أبي إسحاق الشيباني عن سعيد بن أبي بردة أنه قرأ كتاب الصلح عنده وبين الصورتين بعض التفاوت ونحن ننقله منتزعا من مجموع الصورتين:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قضية علي على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من شاهد أو غائب وقضية معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته أنا ننزل عند حكم القرآن فيما حكم به ونقف عند أمره فيما أمر ولا يجمع بيننا إلا ذلك وأنا جعلنا كتاب الله حكما فيما بيننا فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا ونميت ما أما ت على ذلك تقاضيا وبه تراضيا فما وجد الحكمان في كتاب الله بيننا وبينكم فإنهما يتبعانه وما لم يجداه في كتاب الله أخذا بالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة وإن عليا وشيعته رضوا أن يبعثوا عبد الله بن قيس ناظرا ومحاكما كما رضي معاوية وشيعته أن يبعثوا عمرو بن العاص ناظرا ومحاكما وأخذوا عليهما عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه ليتخذان الكتاب أما ما فيما بعثا له لا يعدوانه إلى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطورا وما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامعة لا يتعمدان لها خلافا ولا يتبعان في ذلك لهما هوى ولا يدخلان في شبهة وأخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص على علي ومعاوية عهد الله وميثاقه بالرضى بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وليس لهما أن ينقضا ذلك ولا أن يخألفاه إلى غيره وإنهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأهلهما ما لم يعدوا الحق رضي بذلك راض أو أنكره منكر وان الأمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل فان توفي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته وأصحابه يختارون مكانه رجلا لا يألون عن أهل المعدلة والأقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق والحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وله مثل شرط صاحبه وإن مات أحد الأميرين من قبل القضاء فلشيعته أن يولوا مكانه رجلا يرضون عدله وقد وقعت القضية ومعها الأمن والتفاوض ووضع السلاح والسلام والوداعة وعلى الحكمين عهد الله وميثاقه أن لا يألوا جهدا ولا يتعمدا جورا ولا يدخلا في شبهة ولا يعدوا حكم الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يفعلا برئت الأمة من حكمهما ولا عهد لهما ولا ذمة وقد وجبت القضية على ما قد سمي في هذا الكتاب من مواقع الشروط على الأميرين والحكمين والفريقين والله أقرب شهيدا وأوفى حفيظا والناس آمنون على أنفسهم وأهليهم وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل والسلاح موضوع والسبل مخلاة والغائب والشاهد من الفريقين سواء في الأمن وللحكمين أن ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق وأهل الشام ولا يحضرهما فيه إلا من أحبا عن ملأ منهما وتراض وإن المسلمين قد أحلوا القاضيين إلى انسلاخ رمضان فان رأى الحكمان تعجيل الحكومة فيما وجها له عجلاها وإن أرادا تأخيرها بعد رمضان إلى انقضاء الموسم فان ذلك إليهما فان هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الأول في الحرب ولا شرط بين واحد من الفريقين وعلى الأمة عهد الله وميثاقه على التمام والوفاء بما في هذا الكتاب وهم يد على من أراد فيه إلحادا أو ظلما أو حاول له نقضا.

وشهد بما في الكتاب من أصحاب علي: عبد الله بن عباس. الأشعث بن قيس. الأشتر مالك بن الحارث. سعيد بن قيس الهمداني. الحصين والطفيل ابنا الحارث بن المطلب. أبو أسيد ربيعة بن مالك الأنصاري. عوف بن الحارث بن المطلب القرشي. بريدة السلمي. عقبة بن عامر الجهني. رافع بن حديج الأنصاري. عمرو بن الحمق الخزاعي. الحسن والحسين ابنا علي (ع). عبد الله بن جعفر الهاشمي. النعمان بن عجلان الأنصاري. حجر بن عدي الكندي. ورقاء بن مالك بن كعب الهمداني. ربيعة بن شرحبيل. أبو صفرة بن يزيد. الحارث بن مالك الهمداني. حجر بن يزيد. عقبة بن حجية.

ومن أصحاب معاوية: حبيب بن مسلمة الفهري. أبو الأعور بن سفيان السلمي. بسر بن أرطأة القرشي. معاوية بن خديج الكندي. المخارق بن الحارث الحميري. دعبل بن عمرو السكسكي. عبد الرحمن بن خالد المخزومي. حمزة بن مالك الهمداني. سبيع بن يزيد الهمداني. يزيد بن الحر الثقفي. مسروق بن حرملة العكي. نمير بن يزيد الحميري. عبد الله بن عمرو بن العاص. علقمة بن يزيد الكلبي. خالد بن المعرض السكسكي. علقمة بن يزيد الجرمي. عبد الله بن عامر القرشي. مروان بن الحكم. الوليد بن عقبة القرشي. عتبة بن أبي سفيان. محمد بن أبي سفيان. محمد بن عمرو بن العاص، يزيد بن عمرو الجذامي، عمار بن الأحو صلى الله عليه وسلم الكلبي. مسعدة بن عمر التجيبي. الحارث بن زياد القيني. عاصم بن المنتشر الجذامي. عبد الرحمن بن ذي الكلاع الحميري. الفتاح بن جلهمة الحميري. ثمامة بن حوشب. علقمة بن حكيم. حمزة بن مالك.

وإن بيننا على ما في هذه الصحيفة عهد الله وميثاقه وكتب عميرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة 37.

واتعد الحكمان أذرح وإن يجئ علي بأربعمائة من أصحابه ويجئ معاوية بأربعمائة من أصحابه يشهدون الحكومة والأجل إلى شهر رمضان لثمانية أشهر. ولما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر فقال لا صحبتني يميني ولا نفعتني بعدها الشمال أن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح ولا موادعة أولست على بينة من ربي ويقين من ضلالة عدوي أولستم قد رأيتم الظفر أن لم تجمعوا على الخور فقال له رجل أنك والله ما رأيت ظفرا ولا خورا هلم فاشهد على نفسك وأقرر بما في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة بك عن الناس قال بلى والله أن بي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا وفي الآخرة للآخرة ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا أحرم دما قال عمار بن ربيعة فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على انفه الحمم وهو الأشعث بن قيس ثم قال لكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين ودخلت فيما دخل فيه وخرجت مما خرج منه فإنه لا يدخل إلا في هدى وصواب.

أول من حكم وظهور مقالة الخوارج

وخرج الأشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ويعرضه عليهم ويمر به على صفوف أهل الشام وراياتهم فرضوا بذلك ثم مر به على صفوف أهل العراق وراياتهم حتى مر برايات عنزة وكان منهم بصفين مع علي (ع) أربعة آلاف مجفف فقرأه عليهم فقال معدان وجعد العنزيان فتيان إخوان منهم لا حكم إلا لله ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما حتى قتلا على باب رواق معاوية. ثم مر بها على مراد فقال صالح بن شقيق من رؤسائهم:

لا حكم إلا لله ولو كره المشركون. ثم مر على رايات بني راسب فقرأها عليهم فقال رجل منهم لا حكم إلا لله يقضي بالحق وهو خير ألفاصلين فقال رجل منهم لآخر أما هذا فقد طعن طعنة نافذة وخرج عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي فقال أتحكمون الرجال في أمر الله لا حكم إلا لله فأين قتلانا يا أشعث وشد بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه وضرب به عجز دابته ضربة خفيفة وصاح به الناس أن أمسك يدك فكف ورجع الأشعث إلى قومه فمشى إليه رجال من بني تميم فيهم الأحنف بن قيس واعتذروا إليه فقبل منهم وانطلق إلى علي فقال يا أمير لمؤمنين قد عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام وأهل العراق فقالوا جميعا قد رضينا حتى مررت برايات بني راسب ونبذ من الناس سواهم فقالوا لا نرضى لا حكم إلا لله فلنحمل بأهل العراق وأهل الشام عليهم فنقتلهم فقال علي (ع) هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس قال لا وظن علي (ع) إنهم قليلون لا يعبأ بهم فما راعه إلا نداء الناس من كل جهة لا حكم إلا لله الحكم لله يا علي لا لك لا نرضى بان يحكم الرجال في دين لله أن الله قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم وقد كانت منا زلة حين رضينا بالحكمين فرجعنا وتبنا فارجع أنت يا علي كما رجعنا وتب إلى الله كما تبنا وإلا برئنا منك فقال ويحكم أبعد الرضا والعهد نرجع أوليس الله تعالى قال {أوفوا بالعقود} وقال وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وأبت الخوارج إلا تضليل التحكيم والطعن فيه وبرئت من علي وبرئ منهم. وقيل لعلي (ع) لما كتبت الصحيفة أن الأشتر لم يرض بما في الصحيفة ولا يرى إلا قتال القوم فقال علي بلى أن الأشتر يرضى إذا رضيت وقد رضيت ورضيتم ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الإقرار إلا أن يعصي الله ويتعدى ما في كتابه وأما الذي ذكرتم من تركه أمري فلست أتخوفه على ذلك وليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله وأحدا يرى في عدوه مثل رأيه إذا لخفت علي مؤونتكم ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم. وكان عمر بن أوس الأودي قاتل مع علي (ع) وأسره معاوية في اسرى كثيرة فقال له عمرو بن العاص اقتلهم فقال عمر بن أوس لمعاوية أنك خالي فلا تقتلني فقال معاوية وكيف ذاك وليس بيننا وبين أود مصاهرة فقال أليست أختك أم حبيبة أم المؤمنين وأنا ابنها فأنت خالي فقال معاوية لله أبوه خلوا سبيله وأسر علي (ع) يوم صفين اسرى فخلى سبيلهم وأسر معاوية أسرى فقال له عمرو بن العاص اقتلهم فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى علي سبيلهم فقال معاوية لو أطعناك لوقعنا في قبيح وخلى سبيلهم وكان علي (ع) إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله إلا أن يكون قد قتل من أصحابه أحدا فيقتله به فإذا خلى سبيله وعاد الثانية قتله وكان لا يجهز على الجرحى ولا يتبع مدبرا. ثم أن الناس اقبلوا على دفن قتلاهم.

رجوع أمير المؤمنين (ع) إلى الكوفة

روى نصر عن عبد الرحمن بن جندب قال لما أقبل علي (ع) من صفين أقبلنا معه قال نصر ورجع أمير المؤمنين (ع) إلى الكوفة فأخذ طريقا غير الطريق الذي أقبلنا فيه فقال: {آئبون عابدون لربنا حامدون اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في المال والأهل} ثم أخذ بنا طريق البر على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى هيت وأخذنا على صندوداء فخرج الأنماريون بنو سعيد بن خريم واستقبلوه فعرضوا عليه النزول فلم يقبل فبات بها ثم غدا حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة فإذا شيخ في ظل بيت عليه اثر المرض فقال له علي (ع) ما لي أرى وجهك منكسفا أمن مرض قال نعم قال لعلك كرهته قال ما أحب أنه يعتري قال أليس احتسبت بالخير فيما أصابك منه قال بلى قال ابشر برحمة ربك وغفران ذنبك من أنت قال أنا صالح بن سليم من بني سل أما ن والجوار والدعوة في بني سليم بن منصور قال سبحان الله ما أحسن اسمك واسم أبيك واسم أعدادك ومن اعتزيت إليه، ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام؟ قال منهم المسرور وأولئك أغنياء الناس ومنهم المكبوت الآسف وأولئك نصحاء الناس لك فقال صدقت جعل الله ما كان من شكواك حظا لسيئاتك فان المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه إنما الأجر في القول باللسان والعمل باليد والرجل وإن الله عز وجل يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من عباده الجنة ثم مضى فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري فقال ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا؟ قال منهم المعجب به ومنهم الكاره له والناس كما قال الله تعالى ولا يزالون مختلفين قال ما يقول ذوو الرأي قال يقولون أن عليا كان له جمع عظيم ففرقه وحصن حصين فهدمه فمتى يبني مثل ما هدم ومتى يجمع مثلما فرق فلو أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك كان ذلك هو الحزم، فقال أنا هدمت أم هم هدموا، وأنا فرقت أم هم تفرقوا؟ وأما قولهم لو أنه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فو الله أن كنت سخي النفس بالدنيا طيب النفس بالموت، ولقد هممت بالإقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني يعني الحسن والحسين فعلمت إنهما أن هلكا انقطع نسل محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة. ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف فإذا نحن بقبور سبعة أو ثمانية عن إيماننا فسال عنها فقيل له أن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر فدفن الناس حوله فترحم عليه وأثنى عليه ثم أقبل حتى دخل سكة الثوريين ثور همدان فسمع البكاء، فقال ما هذه الأصوات قيل هذا البكاء على من قتل بصفين، قال أما إني شهيد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة فخرج إليه حارب بن شرحبيل الشبامي، فقال علي: أيغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين، فقال يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل فليس من دار إلا وفيها بكاء، أما نحن معاشر الرجال فأنا لا نبكي ولكن نفرح لهم بالشهادة فقال علي: رحم الله قتلاكم وموتاكم وأقبل يمشي معه وعلي راكب، فقال له ارجع ووقف، ثم قال ارجع فان مشي مثلك فتنة للوالي ومذلة للمؤمنين، ثم مضى حتى مر بالناعطيين فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد فقال ما صنع علي والله شيئا، ذهب ثم انصرف في غير شيء، فلما نظر أمير المؤمنين (ع) إليه أبلس، فقال علي (ع) وجوه قوم ما رأوا الشام العام ثم قال لأصحابه قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال:

ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة.

اجتماع الحكمين بدومة الجندول

حكى الطبري عن الواقدي انه كان ذلك في شعبان سنة 38 وللصواب انه كان سنة 37 روى نصر أن عليا (ع) بعث أربعمائة رجل وبعث عليهم شريح بن هانئ الحارثي وبعث عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم وأبو موسى الأشعري معهم وبعث معاوية شرحبيل بن السمط مع عمرو بن العاص في أربعمائة رجل فكان إذا كتب علي بشيء أتاه أهل الكوفة فقالوا ما الذي كتب به إليك أمير المؤمنين فيكتمهم فيقولون كتب إليك في كذا وكذا ويجئ رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدري في أي شيء جاء ولا في أي شيء ذهب فأنب ابن عباس أهل الكوفة بذلك ثم ودع شرحبيل عمرو بن العاص وقال له أنك رجل قريش وان معاوية لم يبعثك إلا ثقة بك وانك لن تؤتى من عجز ولا مكيدة فكن عند ظننا بك وانصرف وودع شريح أبا موسى وقال أنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه ولا يستقال فتقه وانه لا بقاء لأهل العراق أن ملكها معاوية ولا باس لأهل الشام أن ملكها علي وقد كانت منك تثبيطة بالكوفة فان تشفعها بمثلها يكن الظن فيك يقينا والرجاء يأسا. وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس فقال له يا أبا موسى أعرف خطب هذا الأمر وأعلم أن له ما بعده وانك أن أضعت العراق فلا عراق فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام فإنها وإن كانت سنة إلا انه ليس من لها وإياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة ولا تلقه إلا وحده واحذره أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال والشهود. ثم أراد أن يختبر ما في نفسه فقال له فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره بين أن يختار أهل العراق من قريش الشام من شاؤوا أو يختار أهل الشام من قريش العراق من شاؤوا قال أبو موسى قد سمت ما قلت ولا يستنكر ذلك فأتى الأحنف عليا فقال يا أمير المؤمنين اخرج والله أبا موسى زبدة سقائه في أول مخضة لا أرانا إلا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقال علي يا أحنف أن الله غالب على أمره قال فمن ذلك تجزع وفشا أمر الأحنف وأبي موسى في الناس فجهز الشني راكبا فتبع به أبا موسى بهذه الأبيات:

وقال شريح مع ذلك:

فقال أبو موسى ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا. ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي أبي موسى في عبد الله بن عمر وكان يقول والله أن استطعت لأحيين سنة عمر. وأبطأت الأخبار على معاوية فبعث إلى رجال من قريش من الذين كرهوا أن يعينوه في حربه فاتوه منهم عبد الله بن الزبير وأتاه المغيرة بن شعبة وكان مقيما بالطائف لم يشهد صفين فقال يا مغيرة ما ترى قال لو وسعني أن أنصرك لنصرتك ولكن علي أن آتيك بأمر الرجلين فركب حتى أتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كأنه زائر فقال يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذه الحرب قال أولئك خيار الناس ثم أتى عمرا فقال ما تقول فيمن اعتزل هذه الحرب قال عمرو أولئك شرار الناس ولم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا فرجع إلى معاوية فقال له قد ذقت الرجلين أما عبد الله بن قيس فخالع صاحبه جاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر وهواه في عبد الله بن عمر وأما عمرو فهو صاحبك الذي تعرف. وأقبل أبو موسى إلى عمرو فقال هل لك في أمر هو للأمة صلاح ولصلحاء الناس رضا نولي هذا الأمر إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شيء من هذه الفتنة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام فقال عمرو فأين أنت من معاوية فأبى عليه أبو موسى وشهدهم عبد الله بن هشام وعبد الرحمن بن عبد يغوث وأبو الجهم بن حذيفة العدوي والمغيرة بن شعبة فقال عمرو ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما قال بلى قال اشهدوا فما يمنعك يا أبا موسى من معاوية ولي عثمان وبيته في قريش ما قد علمت فان خشيت أن يقول الناس ولى معاوية وليست له سابقة فان لك بذلك حجة تقول إني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم الطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبير وهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين واحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال أن هو ولى هذا الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها فقال أبو موسى اتق الله يا عمرو أما ذكرك شرف معاوية فان هذا الأمر ليس على الشرف يولاه له ولو كان على الشرف لكان أحق الناس به أبرهة بن الصباح إنما هو لأهل الدين والفضل مع إني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب وأما قولك أن معاوية ولي عثمان فإني لم أكن أوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين وأما تعريضك بالسلطان فو الله لو خرج لي من سلطانه ما وليته ولا كنت لأرتشي في الله ولكنك أن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب أو اسم عمر بن الخطاب قال أن كنت تريد أن تبايع ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه قال أن ابنك رجل صدق لكنك قد غمسته في هذه الفتنة فان شئت ولينا هذا الأمر الطيب عبد الله بن عمر بن الخطاب قال عمرو أن هذا الأمر لا يصلح له إلا رجل ضرس يأكل ويطعم وان عبد الله ليس هناك وكان في أبي موسى غفلة فقال عبد الله بن الزبير لابن عمر اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه فقال ابن عمر لا والله ما أرشوا عليها أبدا ما عشت ولكنه قال ويلك يا ابن العاص أن العرب قد أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف وتشاجرت بالرماح فلا تردهم في فتنة واتق الله وكان عمرو وأبو موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام ويقول أنك قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي وأنت أكبر مني فتكلم ثم أتكلم وجعل يقدمه في كل شيء يغتره بذلك ليقدمه فيبدأ بخلع علي فلما أراده عمرو على معاوية فأبى وأراده على ابنه فأبى وأراده أبو موسى على عبد الله بن عمر فأبى قال عمرو اخبرني يا أبا موسى ما رأيك قال رأيي أن اخلع هذين الرجلين عليا ومعاوية ثم نجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاؤوا فقال له عمرو الرأي ما رأيت فاقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه فقال أن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر هذه الأمة قال عمرو صدق ثم قال يا أبا موسى تقدم فتكلم فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال ويحك والله إني لأظنه قد خدعك أن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك فيتكلم بذلك الأمر قبلك ثم تكلم أنت بعده فان عمرا رجل غدار ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت به في الناس خالفك وكان أبو موسى رجلا مغفلا فقال أنا قد اتفقنا فتقدم أبو موسى ثم قال يا أيها الناس أنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية ونستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين فيولون أمورهم من أحبوا واني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا من رأيتم لها لا ثم تنحى فقعد وقام عمرو بن العاص مقامه فقال أن هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وأنا اخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه فقال له أبو موسى ما لك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت وإنما مثلك مثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فقال عمرو إنما مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا. ولنعم ما قال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الإمام: كلب وحمار فيما حكما به على نفسيهما غاضبين وهما يقضيان على العالم بأسره ليرضى بما قضياه وانتهت المأساة بهذه المهزلة أو انتهت المهزلة بهذه المأساة وحمل شريح بن هاني على عمرو فقنعه بالسوط وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط وقام الناس فحجزوا بينهم فكان شريح يقول ما ندمت على شيء ندامتي على أن لا أكون ضربته بالسيف بدل السوط أتى الدهر بما أتى والتمس أصحاب علي أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة فكان ابن عباس يقول قبح الله أبا موسى حذرته وأمرته بالرأي فما عقل وكان أبو موسى يقول قد حذرني ابن عباس غدرة ألفاسق ولكن اطمأننت إليه وظننت انه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة وقام سعيد بن قيس فقال والله لو اجتمعتما على الهدى ما زدنا على ما نحن الآن عليه وما ضلالكما بلازمنا وأنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس وتكلم الناس غير الأشعث بن قيس ولما فعل عمرو ما فعل واختلط الناس رجع إلى منزله وجهز راكبا إلى معاوية يخبره بالأمر من أوله إلى آخره ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ورجع ابن عباس وشريح ومن معهما إلى علي وقال ابن عم لأبي موسى:

وبهذا انتهت مهزلة تحكيم الحكمين التي دبرها عمرو بن العاص وشرى دينه ب إمارة مصر ثم أن معاوية بعد ما ولاه مصر عزله عنها وولاها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فكتب إليه عمرو:

قال الشيخ محمد الأمير من كبار علماء مصر في حاشيته على المغني عند ذكر هذه الأبيات ما لفظه: وكأنه رضي الله عنه تبين له خطا اجتهاده فانظر واعجب وقل له: لا ما تبين له خطا اجتهاده لأنه لم يكن مجتهدا إلا في تحصيل حطام الدنيا وإنما تبين له أن مصر التي باع بها دينه قد ذهبت منه {إنها لا تعمى الابصار ولكن. . . }.

وروى نصر انه دخل على علي عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص والمغيرة بن شعبة فسألوه عطاءهم وكانوا قد تخلفوا عنه في الجمل وصفين فقال ما خلفكم عني؟ قالوا قتل عثمان ولا ندري حل دمه أو لا وقد كان أحدث أحداثا ثم استتبتموه فتاب ثم دخلتم في قتله فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم مع أنا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك، قال علي ألستم تعلمون أن الله قد أمركم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فقال: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله" قال سعد أعطني سيفا يعرف الكافر من المؤمن، أخاف أن اقتل مؤمنا فادخل النار، قال لهم علي أليس قد بايعتم عثمان على السمع والطاعة فعلام خذلتموه أن كان محسنا وكيف لم تقاتلوه أن كان مسيئا وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدونا بما أمركم الله به إذ قال قاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فردهم ولم يعطهم شيئا ويقال لسعد كان يلزم على الله تعالى حين أمر بقتال الطائفة الباغية أن ينزل سيوفا من السماء تعرف الباغي من المبغي عليه.

وروى نصر بسنده عن تميم بن جذيم الناجي انه أصيب بصفين من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا وأصيب من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا.

آخر الكلام على حرب صفين وانتهى تسويده عصير يوم الأحد خامس شعبان المعظم سنة 1354 على يد مؤلفه العبد الفقير محسن الأمين الحسيني العاملي بمنزله في قرية شقراء من جبل عامل صين عن الآفات والغوائل حامدا مصليا مسلما.

إرسال أمير المؤمنين (ع) قيس بن سعد واليا على مصر

كان يلزم تقديم ذلك على وقعة صفين لكن أخرناه لتكون أخبار ولاة مصر متتابعة متوالية من سنة 36 إلى سنة 38.

في صفر سنة 36 أرسل أمير المؤمنين علي (ع) قيس بن سعد بن عبادة من المدينة إلى مصر واليا عليها. وكان ذا رأي وبأس وحزم ومن شيعة أمير المؤمنين (ع) ومناصحيه. قال ابن الأثير وإبراهيم بن سعد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات فيما حكاه عنه ابن أبي الحديد: قال أمير المؤمنين لقيس ائتها أي مصر بجند فان ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك وأحسن إلى المحسن واشدد على المريب وأرفق بالعامة فان الرفق يمن فقال أما الجند فادعه لك وأما ما وصيتني به من الرفق والإحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك فدخلها في سبعة من له وذلك يدل على حزمه وشدة ثقته بنفسه فصعد المنبر وأمر بكتاب أمير المؤمنين (ع) فقرئ على أهل مصر ب أمارته ويأمرهم بمبايعته ومساعدته على الحق ثم قام فخطب. (خطبة مختصرة جمعت فأوعت) فقال: الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين أيها الناس أنا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبينا فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله فان نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم فبايعه الناس إلا أهل قرية يقال لها خربتا كان لها عثمانية فهادنهم وجبي الخراج ليس أحد ينازعه وخرج أمير المؤمنين (ع) إلى الجمل ورجع وهو بمكانه فكان أثقل خلق الله على معاوية مخافة أن يقبل علي في أهل العراق وقيس في أهل مصر فيقع بينهما معاوية فكتب معاوية إلى قيس يلزمه بدم عثمان ويطلب منه مبايعته ويعده بسلط بسلطان العراق له وسلطان الحجاز لمن أحب من له فأجابه قيس مخادعا بأنه ينظر في ذلك فأجابه معاوية مصرحا وقال إنه ليس مثلي يصانع بالخداع ولا يخادع بالمكائد فأجابه قيس حينئذ جوابا صريحا وتهدده أيضا فأيس منه معاوية وعمد إلى حيلة أخرى فاظهر لأهل الشام أن قيسا صار مواليا له مساعدا على الطلب بدم عثمان وزور كتابا عن قيس له بذلك وقرأه على أهل الشام فبلغ ذلك عليا من عيونه بالشام ومن محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب فأعظمه وأكبره وقال والله ما أصدق بهذا عنه.

عزل قيس عن مصر وتولية محمد بن أبي بكر

فأشار عليه عبد الله بن جعفر بعزل قيس وجاء كتاب قيس يخبر بحال أهل خربتا وكفه عن قتالهم فقال ابن جعفر ما أخوفني أن يكون ذلك ممالأة منه فمره بقتالهم فأمره به فأجابه قد عجبت لأمرك بقتال قوم كافين عنك مفرغيك لعدوك ومتى حاددناهم ساعدوا عليك عدوك فأطعني يا أمير المؤمنين واكفف عنهم فان الرأي تركهم فقال ابن جعفر يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبي بكر على مصر واعزل قيسا فقد بلغني أن قيسا يقول أن سلطانا لا يستقيم إلا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء وكان ابن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمه أمهما معا أسماء بنت عميس فولى محمدا مصر فغضب قيس وذهب إلى المدينة فشمت به حسان بن ثابت وكان عثمانيا فقال له قتلت عثمان وعزلك علي فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر فقال له قيس يا أعمى القلب والبصر والله لولا أن القي بين قومي وقومك حربا لضربت عنقك اخرج عني ثم خرج قيس هو وسهل بن حنيف إلى علي فشهدا معه صفين وكتب أمير المؤمنين (ع) مع محمد كتابا إلى أهل مصر يخاطبهم فيه ويخاطب محمدا وهو كتاب طويل جدا جليل يشتمل على وصايا جليلة وآداب عظيمة قال إبراهيم فكان محمد ينظر في هذا الكتاب ويتأدب بآدابه فلما قتله عمرو بن العاص بعث به إلى معاوية ينظر فيه ويتعجب منه فقال له الوليد بن عقبة مر بهذه الأحاديث أن تحرق فقال لا أرى ذلك قال أفمن الرأي أن يعرف الناس أن أحاديث أبي تراب عندك تتعلم منها قال ويحك أتأمرني أن أحرق علما مثل هذا والله ما سمعت بعلم هو أجمع منه ولا احكم فقال أن كنت تعجب من علمه وقضائه فعلا م تقاتله ثم قال لجلسائه أنا لا نقول هذه من كتب علي بن أبي طالب بل من كتب أبي بكر كانت عند والده فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أمية حتى ولي عمر بن عبد العزيز فهو الذي أظهر إنها من أحاديث علي بن أبي طالب وكلامه. وبعث محمد بن أبي بكر إلى المعتزلين أما أن تدخلوا في طاعتنا وان تخرجوا عنا فأجابوه لا نفعل وطلبوا المهلة فأبى عليهم فامتنعوا وكانت وقعة صفين وهم هائبون لمحمد فلما رجع علي عن معاوية وصار الأمر إلى التحكيم طمعوا في محمد فبعث إليهم محمد بن الحارث الجعفي فقاتلهم فقاتلوه وقتلوه فبعث إليهم آخر فقتلوه.

إرسال الأشتر واليا على مصر وقتله

فلما بلغ أمير المؤمنين (ع) اضطراب أمر مصر على محمد قال لا يصلح لمصر إلا قيس أو الأشتر وكان الأشتر بعد صفين قد عاد إلى عمله بالجزيرة وقال علي لقيس أقم عندي على شرطتي حتى تنقضي الحكومة ثم تسير إلى أذربيجان وأرسل إلى الأشتر وهو بنصيبين فاستدعاه وولاه مصر وكتب له عهدا مشهورا مذكورا في نهج البلاغة فيه من ضروب السياسة وآداب الحكام والولاة وغير ذلك كنز ثمين، وبلغ محمدا عزله بالأشتر فاستاء لذلك فكتب إليه أمير المؤمنين (ع): بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك واني لم افعل ذلك استبطاء لك في الجهد ولا ازديادا لك في الجد، ولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك مؤونة واعجب إليك ولاية. فبعث معاوية إلى المقدم على أهل الخراج بالقلزم أن يسم الأشتر وتكفل له بإسقاط الخراج عنه ما داما حيين فسمه في شربة من عسل وهو صائم وجعل معاوية يقول لأهل الشام أن عليا قد وجه الأشتر إلى مصر فادعوا عليه فدعوا عليه كل يوم فلما بلغه الذي سقاه السم موته خطب أهل الشام فقال لهم قد استجاب الله دعاءكم وقال كانت لعلي يمينان قطعت أحداهما بصفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الأخرى اليوم يعني الأشتر، وقال أن لله جنودا من عسل، ولما بلغ عليا قتله قال أنا لله وأنا إليه راجعون، مالك وما مالك وهل موجود مثل ذلك، لو كان من حديد لكان فندا أو من حجر لكان صلدا على مثله فلتبك البواكي.

فتح عمرو بن العاص مصر وقتل محمد بن أبي بكر

ثم أن عمرو بن العاص سار إلى مصر في ستة آلاف فكتب محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين (ع) يستصرخه فندب الناس إلى نصرته فما اجتمع له إلا ألفان بعد شهر مع مالك بن كعب فسار بهم خمس ليال فبلغهم قتل محمد وفتح مصر فرجعوا، ولما قتل محمد بن أبي بكر وضعوه في جيفة حمار واحرقوه بالنار، وهكذا يكون لؤم الغلبة. وقدم على أمير المؤمنين عينه بالشام فأخبره بسرورهم بقتل محمد فقال أما أن حزننا عليه بقدر سرورهم به لا بل يزيد إضعافا فعند الله نحتسبه أما والله أن كان كلما علمت لممن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل ألفاجر ويحب هدي المؤمن، وكان ذلك سنة 38، وكتب أمير المؤمنين إلى ابن عباس وهو على البصرة يخبره بفتح مصر وقتل محمد فأجابه ابن عباس عن كتابه ثم قدم عليه إلى الكوفة يعزيه بمحمد وكان محمد ربيب أمير المؤمنين تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد وفاة زوجها أبي بكر وكان قبل أبي بكر عند جعفر بن أبي طالب وكانت كابنها محمد من خيار شيعة أمير المؤمنين ع. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 2 صلى الله عليه وسلم 575 في شرح قول أمير المؤمنين (ع) والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر الخ عند ذكر الأمور التي ينسب إليه فيها من لا يعرف حقيقته ضعف الرأي ما مثاله: ومنها تعلقهم بتولية أمير المؤمنين (ع) محمد بن أبي بكر مصر وعزله قيس بن سعد عنها حتى قتل محمد بها واستولى معاوية عليها والجواب أن يقال: إنه ليس يمكن أن يقال أن محمدا لم يك بأهل لولاية مصر لأنه كان شجاعا زاهدا فاضلا صحيح العقل والرأي وممن لا يتهم ولا يرتاب بنصحه وهو ربيبه وخريجه ثم كان المصريون على غاية المحبة له والايثار لولايته ولما حاصروا عثمان وطالبوه بعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عنهم اقترحوا تأمير محمد بن أبي بكر على مصر لما ظهر من ميل المصريين إليه وإيثارهم له واستحقاقه لذلك بتكامل خصال الفضل فيه فكان الظن قويا باتفاق الرعية على طاعته وانقيادهم إلى نصرته واجتماعهم على محبته فكان من أمره ما كان وليس ذلك بعيب على أمير المؤمنين (ع) فان الأمور إنما يعتمدها الإمام على حسب ما يظن فيها من المصلحة ولا يعلم الغيب إلا الله وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفرا وزيدا وعبد الله بن رواحة يوم مؤتة فقتلوا وهزم الجيش وعاد من عاد منهم إلى المدينة بأسوأ حال فهل لأحد أن يعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ويطعن في تدبيره.

إرسال معاوية عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة لإلقاء الفتنة

قال ابن الأثير: في سنة 38 بعد مقتل محمد بن أبي بكر أرسل معاوية عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة لإيقاع الفتنة والفساد لعلمه أن جل لها عثمانية وإنهم حنقون لما أصابهم يوم الجمل وكان ابن عباس أميرهم قد ذهب إلى الكوفة ليعزي أمير المؤمنين (ع) عن محمد بن أبي بكر واستخلف على البصرة زياد بن أبيه فنزل ابن الحضرمي في بني تميم فأتاه العثمانية وغيرهم فخطبهم ودعاهم إلى الطلب بدم عثمان فقام الضحاك بن قيس الهلالي وكان على شرطة ابن عباس فقال قبح الله ما جئتنا به أتيتنا والله بمثل ما أتانا به طلحة والزبير إتيانا وقد بايعنا عليا واستقامت أمورنا فحملانا على الفرقة ونحن الآن مجتمعون على بيعته وقد أقال العثرة وعفا عن المسيء أفتأمرنا أن ننتضي أسيافنا يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا والله ليوم من أيام علي خير من معاوية وآل معاوية فرد عليه عبد الله بن حازم السلمي وأجاب إلى ما دعا إليه الضحاك وقال له اقرأ كتاب معاوية فقرأه وفيه الدعوة إلى الطلب بدم عثمان ووعده بأنه يعطيهم عطائين في السنة ترغيبا لهم في المال فقال الأحنف لا ناقتي في هذا ولا جملي واعتزل، وقام عمر بن مرجوم العبدي فدعا إلى لزوم الطاعة وعدم نكث البيعة وخالفه عباس بن صحار العبدي وكان مخألفا لقومه في حب على (ع) فأجاب إلى نصرة ابن الحضرمي فرد عليه المثنى بن مخرمة العبدي فخاف زياد فاستجار بحضين بن المنذر ومالك بن مسمع فقال حضين نعم وقال مالك وكان مائلا إلى بني أمية استشير وانظر، فلما رأى زياد تثاقل مالك خاف أن تختلف عليه ربيعة فاستجار بصبرة بن شيمان الحداني فنقل بيت المال إلى داره، وكتب زياد إلى أمير المؤمنين (ع) بالخبر فأرسل إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي ثم التميمي ليفرق قومه عن ابن الحضرمي فان امتنعوا قاتل بمن أطاعه من عصاه، فأتى قومه ونهض إلى ابن الحضرمي بمن معه ودعاهم فشتموه وواقفهم نهاره ثم انصرف فدخل عليه قوم قيل إنهم من الخوارج وقيل وضعهم ابن الحضرمي على قتله وكان معهم فقتلوا غيلة وكتب زياد إلى علي السلام بذلك فأرسل جارية بن قدامة السعدي مع جماعة فقرأ عليهم كتاب علي (ع) يوبخهم ويتهددهم بالمسير إليهم والإيقاع بهم وقعة لا تكون وقعة الجمل عندها شيئا وسار جارية إلى ابن الحضرمي ومعه الأزد ومن يتبعه من قومه فاقتتلوا ساعة وانهزم ابن الحضرمي وتحصن بقصر فأحرق جارية القصر بمن فيه وهلك ابن الحضرمي مع سبعين رجلا (وهكذا آخر الدواء الكي).

غارة الضحاك بن قيس الفهري على الحاج

ونهبه الأموال وقتله النفوس البريئة

بأمر معاوية بعد الحكمين وقبل وقعة النهروان

في شرح النهج روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات أن غارة الضحاك بن قيس كانت بعد الحكمين وقبل قتال النهروان وذلك أن معاوية لما بلغه أن عليا (ع) بعد واقعة الحكمين تحمل إليه مقبلاها له ذلك فخرج من دمشق معسكرا وبعث إلى كور الشام نسخة واحدة فقرئت على الناس وفيها أنا كنا كتبنا كتابا بيننا وبين علي وشرطنا فيه شروطا وحكمنا رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدوانه وجعلنا عهد الله وميثاقه على من نكث العهد ولم يمض الحكم وان حكمي اثبتني وحكمه خلعه وقد أقبل إليكم ظالما ومن نكث فإنما ينكث على نفسه تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال. فاجتمع إليه الناس فاستشار أصحابه وقال أن عليا قد خرج من الكوفة وعهد العاهد به انه قد فارق النخيلة فأشار حبيب بن مسلمة بالذهاب إلى صفين وأشار عمرو بن العاص بالإيغال في الجزيرة فمكثوا يومين أو ثلاثة يجيلون الرأي حتى قدمت عليهم عيونهم أن عليا فارقته فرقة أنكروا أمر التحكيم وانه قد رجع عنكم إليهم فكبر الناس سرورا بذلك ثم جاء الخبر بقتل الخوارج وان عليا أراد بعد قتلهم أن يقبل إليكم ولكن أصحابه استنظروه فسروا بذلك. قال الطبري: وكان عمارة بن عقبة بن أبي معيط مقيما بالكوفة بعد قتل عثمان لم يهجه علي ولم يذعره تكرما منه وتمسكا بالدين وكان يكتب إلى معاوية بالأخبار سرا وروى ابن إسحاق انه جاء كتاب عمارة إلى معاوية وهو معسكر بان عليا خرج عليه قراء أصحابه ونساكهم فقتلهم وقد فسد عليه جنده قال فدعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف وقال سر حتى تمر بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فاغر عليه وان وجدت له مسلحة أو خيلا فاغر عليها فاقبل الضحاك فنهب الأموال وقتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ثم لقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود الصحابي فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة وقتل معه ناسا من أصحابه وكان ذلك كله اجتهادا يثاب فاعله!! فخطب أمير المؤمنين (ع) الناس وأنبههم وحثهم على الخروج إلى عدوهم فردوا عليه ردا ضعيفا ورأى منهم عجزا وفشلا ثم نزل فخرج يمشي حتى بلغ الغريين ثم دعا حجر بن عدي الكندي فعقد له أربعة آلاف فخرج حجر حتى مر بالسماوة وهي أرض كلب فلقي بها أمرا القيس بن عدي الكلبي وهم أصهار الحسين (ع) لأن الحسين (ع) كان متزوجا الرباب ابنة أمرئ القيس هذا فكانوا أدلاءه على الطريق وعلى المياه فلم يزل مغذا في اثر الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا وقتل من أصحاب حجر رجلان وحجز الليل بينهم فلما أصبحوا لم يجدوا للضحاك ولا لأصحابه أثرا.

أخباره مع أخيه عقيل

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: لم يشهد عقيل مع أخيه أمير المؤمنين شيئا من حروبه أيام خلافته وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم يكلفه حضور الحرب ثم قال واختلف الناس في عقيل هل التحق بمعاوية وأمير المؤمنين حي فقال قوم نعم ورووا أن معاوية قال يوما وعقيل عنده هذا أبو يزيد لولا علمه إني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه فقال عقيل أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي وقد آثرت دنياي واسأل الله خاتمة خير. وقال أيضا: روي أن عقيلا قدم على أمير المؤمنين فوجده جالسا في صحن مسجد الكوفة فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وكان عقيل قد كف بصره فقال والسلام عليك يا أبا يزيد ثم التفت إلى ابنه الحسن فقال قم فأنزل عمك فقام فأنزله إليه ثم عاد فقال اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا ورداء جديدا وازارا ونعلا جديدا فذهب فاشترى له فغدا عقيل على علي (ع) في الثياب فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين قال وعليك السلام يا أبا يزيد قال يا أمير المؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا وإني لا ترضى نفسي من خلافتك ما رضيت به لنفسك فقال يا أبا يزيد يخرج عطائي فادفعه إليك فلما ارتحل عن أمير المؤمنين أتى معاوية فأمر له بمائة ألف فقبضها ثم غدا عليه يوما بعد ذلك وبعد وفاة أمير المؤمنين وبيعة الحسن لمعاوية الحديث ثم قال ابن أبي الحديد في تتمة كلامه السابق: وقال قوم إنه لم يأت إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين (ع) واستدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته والجواب الذي أجابه به (ع) قال وهذا القول هو الأظهر عندي وأشار بالكتاب والجواب إلى ما رواه ابن إسحاق في كتاب الغارات قال كتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه أمير المؤمنين (ع) في أثر وقعة الضحاك بن قيس حين بلغه خذلان أهل الكوفة وتقاعدهم به (ومر ذكر غارة الضحاك آنفا).

كتاب عقيل إلى أمير المؤمنين بعد وقعة الضحاك

لعبد الله علي أمير المؤمنين من عقيل بن أبي طالب سلام عليك فإني احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله حارسك من كل سوء وعاصمك من كل مكروه وعلى كل حال إني قد خرجت إلى مكة معتمرا فلقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت إلى أين يا أبناء الشانئين أبمعاوية تلحقون عداوة والله منكم قديمة غير مستنكرة تريدون بها إطفاء نور الله وتبديل أمره فاسمعني القوم وأسمعتهم فلما قدمت مكة سمعت لها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموالها ما شاء ثم انكفأ راجعا سالما فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك وما الضحاك فقع بقرقر وقد توهمت حين بلغني ذلك أن شيعتك وأنصارك خذلوك فاكتب إلي يا ابن أمي برأيك فان كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أخيك وولد أبيك فعشنا معك ما عشت ومتنا معك إذا مت فو الله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا وأقسم بالأعز الأجل أن عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنئ ولا مرئ ولا نجيع والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

جواب أمير المؤمنين (ع) لأخيه عقيل

فكتب إليه أمير المؤمنين (ع): من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب سلام عليك فإني احمد إليك الله الذي لا اله إلا هو. (أما بعد) كلأنا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب إنه حميد مجيد قد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة الغرب وان ابن أبي سرح طالما كاد الله ورسوله وكتابه وصد عن سبيله وبغاها عوجا فدع ابن أبي سرح ودع عنك قريشا وخلهم وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق إلا وإن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليوم فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله وبادروه العداوة ونصبوا له الحرب وجهدوا عليه كل الجهد وجروا إليه جيش الأحزاب اللهم فأجز قريشا عني الجوازي فقد قطعت رحمي وظاهرت علي ودفعتني عن حقي وسلبتني سلطان ابن أمي وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا اعرفه ولا أظن الله يعرفه والحمد لله على كل حال وأما ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل وأذل من أن يلم بها أو يدنو منها ولكنه قد كان أقبل في جريدة خيل فأخذ على السماوة حتى مر بواقصة وشراف والقطقطانة مما والى ذلك الصقع فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين فلما بلغه ذلك فر هاربا فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن وكان ذلك حين طفلت الشمس للاياب فتناوشوا القتال قليلا فلم يصبر لوقع المشرفية وولى هاربا وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلا ونجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنق فلأيا بلأي ما نجا فأما ما سألتني أن أكتب لك برأيي فيما أنا فيه فان رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله لا يزيدني كثرة الناس معي عزة ولا تفرقهم عني وحشة لأنني محق والله مع المحق ووالله لا أكره الموت على الحق وما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقا وأما ما عرضت به من سيرك إلي ببنيك وبني أبيك فلا حاجة لي في ذلك فأقم راشدا محمودا فو الله ما أحب أن تهلكوا معي أن هلكت ولا تحسبن ابن أمك لو أسلمه الناس متخشعا ولا متضرعا إنه لكما قال أخو بني سليم:

وحكى ابن الحديد في شرح النهج عن الزبير بن بكار إنه روى في كتاب الموفقيات بسنده انه لما حصر عثمان أبرد مروان بريدين إلى الشام واليمن ومع كل منهما كتاب إلى يعلى بن منية باليمن ومعاوية بالشام يستنجد بهما ثم جاء كتاب مروان إلى معاوية بقتل عثمان فكتب معاوية إلى جماعة من بني أمية وغيرهم يحرضهم على الطلب بدم عثمان فكلهم كتبوا إلى معاوية يحرضونه ويقرونه إلا سعيد بن العاص فإنه كتب إليه ينهاه عن ذلك.

قال وقد روى في خبر مشهور أن معاوية وبخ سعيد بن العاص على تأخره عنه في صفين فقال سعيد لو دعوتني لوجدتني قريبا ولكن جلست مجلس عقيل وغيره من بني هاشم ولو أوعبنا لأوعبوا وقال ابن أبي الحديد فأما عقيل فالصحيح الذي اجتمع ثقات الرواة عليه انه لم يجتمع مع معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين (ع) ولكنه لازم المدينة ولم يحضر حرب الجمل وصفين وكان ذلك بإذن أمير المؤمنين (ع) وقد كتب عقيل إليه بعد الحكمين يستأذنه في القدوم عليه الكوفة بولده وبقية له فأمره بالمقام.

وفي بعض خطب النهج: وعاودني أي عقيل مؤكدا وكرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن إني أبيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت له حديدة (إلى آخر الكلام).

هذا ما وصل إلينا من أخباره مع أخيه عقيل ويمكننا أن نلخصه في أمور: الأول: أن عقيلا كان قد بقي بأولاده في المدينة كما يدل عليه قول سعيد بن العاص ولكن جلست مجلس عقيل الخ وكتاب عقيل إلى أخيه الدال على أن عقيلا كان بالحجاز مع أولاده عند غارة الضحاك التي كانت بعد الحكمين وإن أمير المؤمنين أمره بالإقامة بأولاده بالحجاز وعدم المجئ إلى العراق كما نص عليه جواب الكتاب. الثاني: أن عقيلا لم يذهب إلى معاوية في حياة أمير المؤمنين وإنما ذهب بعد موته ويدل على ذلك الكتاب والجواب وكلام سعيد بن العاص فكلام سعيد يدل على أن عقيلا كان عند حرب صفين بالحجاز والكتاب والجواب يدلان على أنه كان بعد الحكمين بمدة بها أيضا وذلك في آخر خلافة أمير المؤمنين. ويمكن أن القائل بذهابه إلى معاوية في حياة أخيه اشتبه عليه ذهابه بعد وفاة أخيه بذهابه في حياته الثالث: هل جاء عقيل إلى الكوفة في خلافة أخيه يمكن أن يقال نعم وانه أمر ابنه الحسن أن ينزله عنده وان يشتري له كسوة جديدة ونعلا جديدا ففعل وجاء إليه في غدوة اليوم الثاني في ثيابه ونعله الجدد فأخبره عقيل انه لا يرضى لنفسه ما رضيه أخوه لنفسه من المساواة مع باقي المسلمين في العطاء وانه يريد التميز عنهم فهو أخو الخليفة فيلزم أن يميز عن غيره في العطاء ولكن أمير المؤمنين ع وقد اختط لنفسه خطة العدل والمساواة بين الناس وبدأ في ذلك بنفسه وبولديه أعز الناس عليه فأخذ لنفسه من العطاء ما يأخذه أي شخص من المسلمين وأعطى ولديه كذلك ولما جاء إليه أخوه عقيل أكرمه غاية جهده فجعله ضيفا عند ولده وكساه كسوة جديدة ولما طلب الزيادة عن الناس في العطاء قال يخرج عطائي فادفعه إليك وهذا غاية ما في وسع أمير المؤمنين أن يفعله وهو غاية الجود والكرم والرأفة والشفقة فأمير المؤمنين لم يكن يدخر مالا ونفقته ونفقة عياله محصورة في عطائه فجاد به على عقيل وهو كل ما يملك ووطن نفسه على أن يبقى بدون نفقة ويستدين على عطائه الثاني فليس من المبالغة في شئ قولنا هذا غاية الجود والشفقة ولكن عقيلا لم يرضه ذلك ولم يقنعه وكرر المطالبة وألح وألحف وعاود أخاه مؤكدا وكرر عليه القول مردا ولزمه لزوم الأعمى غريمه حتى أحرجه ولم يجد منه مخرجا إلا إحماء الحديدة وإدناءها من جسمه ليعتبر بها، وكان صرفه وإقناعه منحصرا في ذلك ومنه يعلم أن أمير المؤمنين (ع) لم يقصر في إكرام أخيه عقيل وبره بغاية ما تتسع له ذات يده ويساعد عليه دينه وعدله وان ما فعله مع عقيل الذي يريد حمله بإلحاح والحاف على ما لا يمكن أن يفعله من إحماء الحديدة ليس فيه شيء من القسوة والجفوة كما يتوهم في بادي النظر والظاهر أن عقيلا لما جاء إلى الكوفة أحضر معه ولده ليكون وجودهم أدعى للعطف عليه ثم عاد بهم إلى المدينة ولا بد أن يكون أمير المؤمنين لما خرج عطاؤه بعث به إليه مع عطاء عقيل فإنه لم يكن ليخلف ما وعد به.

وقعة النهروان مع الخوارج سنة 37 وقيل سنة 38

الخوارج هم الذين أنكروا التحكيم الذي وقع يوم صفين وقالوا لا حكم إلا الله وقد مر ذكر أول من قال ذلك ويقال لهم الحرورية أيضا لأنهم في أول أمرهم اجتمعوا بمكان يقال له حروراء وقاتلهم علي ع وقتلهم بمكان يسمى النهروان وهو موضع بين بغداد وحلوان فسميت الوقعة به وأساس عقيدتهم تولي الشيخين والبراءة من الصهرين فيتولون عثمان إلى حين وقوع الأحداث ويتولون عليا إلى حين وقوع التحكيم وهم القراء الذين كانوا في صفين وقد اسودت جباههم من طول السجود وقال لهم أمير المؤمنين (ع) إنها حيلة فلم يقبلوا واجبروه على التحكيم ثم أنكروه ثم كانت لهم وقائع مشهورة مذكورة في كتب التواريخ في زمان ملوك بني أمية وبني العباس ولا يزال منهم طائفة إلى اليوم في زنجبار والمغرب وشمال إفريقية وغيرها. وروى الطبري في تاريخه أن عليا لما أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا له لا حكم إلا لله فقال علي لا حكم إلا لله قال له حرقوص تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا فقال قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وشرطنا شروطا وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا وقد قال الله عز وجل وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فقال له حرقوص ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه قال علي ما هو ذنب ولكنه عجز من الرأي وضعف من الفعل وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه فقال له زرعة. أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل قاتلتك اطلب بذلك وجه الله ورضوانه، قال علي: بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفي عليك الريح قال وددت أنه كان ذلك قال له علي لو كنت محقا كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا أن الشيطان قد استهواكم فاتقوا الله فخرجا من عنده يحكمان وخرج علي ذات يوم يخطب فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال: الله أكبر، كلمة حق يراد بها باطل. وقال له رجل منهم يوما وهو يخطب: ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فقال علي: فاصبر أن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. وروى الطبري أنه لما وقع التحكيم ورجع علي من صفين رجعوا مباينين له فلما انتهوا إلى النهر أقاموا به فدخل علي في الناس الكوفة ونزلوا بحروراء قال ابن الأثير لما رجع علي من صفين فارقه الخوارج وأتوا حروراء فنزلوا بها اثنا عشر ألفا ونادى مناديهم: أمير القتال شبث بن ربعي وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقامت الشيعة فقالوا لعلي في أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت، فقالت الخوارج: استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان، بايع أهل الشام معاوية على ما أحبوا وكرهوا وبايعتم عليا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى، فقال لهم زياد بن النضر أما والله ما بايعنا عليا إلا على كتاب الله وسنة نبيه ولكنكم لما خالفتموه جاءته شيعته فقالوا نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت ونحن كذلك وهو على الحق والهدى ومن خالفه ضال مضل. قال الطبري وبعث إليهم ابن عباس فرجع ولم يصنع شيئا. وقال المبرد وغيره لما وجه ابن عباس إليهم ليناظرهم قال لهم ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين قالوا له قد كان للمؤمنين أميرا فلما حكم في دين الله خرج من الإيمان فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له فقال ابن عباس ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك أن يقر على نفسه بالكفر قالوا إنه حكم. قال أن الله أمر بالتحكيم في قتل صيد قال يحكم به ذوو عدل منكم فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين فقالوا انه حكم عليه فلم يرض فقال أن الحكومة كالإمامة ومتى فسق الامام وجبت معصيته وكذلك الحكمان لما خلفا نبذت أقاويلهما فقال بعضهم لبعض اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم فهذا من الذين قال الله فيهم بل هم قوم خصمون وقال جل شانه وتنذر به قوما لدا. قال المبرد ثم ناظرهم أمير المؤمنين بعد مناظرة ابن عباس فكان فيما قال لهم ألا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم أن هذه مكيدة وأنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني وسألوني أفتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت قال فهل تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمها نافذ ما حكما بحكم الله فمتى خألفاه فأنا وأنتم من ذلك براء وأنتم تعلمون أن حكم الله لا يعدوني قالوا اللهم نعم فقالوا حكمت في دين الله برأينا ونحن مقرون بانا كفرنا ولكننا الآن تائبون فاقر بما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام قال أما تعلمون أن الله قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وأمراته فقال سبحانه فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وفي صيد أصيب كأرنب يساوي نصف درهم فقال يحكم به ذوو عدل منكم فقالوا له فان عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك هذا ما كتبه عبد الله علي أمير المؤمنين محوت اسمك من الخلافة وكتبت علي بن أبي طالب فقد خلعت نفسك فقال لي برسول الله ص أسوة حين أبي عليه سهيل بن عمرو أن يكتب هذا كتاب كتبه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو وقال لو أقررت بأنك رسول الله ما خالفتك ولكن أقدمك لفضلك فاكتب محمد بن عبد الله فقال لي يا علي امح رسول الله فقلت يا رسول الله لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة فمحاه بيده ثم قال اكتب محمد بن عبد الله ثم تبسم إلي وقال يا علي أما أنك ستسأم مثلها فتعطي فرجع معه ألفان من حروراء وكانوا تجمعوا بها فسموا الحرورية. قال المبرد ومن شعر أمير المؤمنين الذي لا اختلاف فيه أنه قاله وكان يردده لما ساموه أن يقر بالكفر ويتوب حتى يسيروا معه إلى الشام فقال أبعد صحبة رسول الله ص والتفقه في الدين ارجع كافرا ثم قال:

#من شك في الله فإني مهتدي

وفي رواية ذكرها المبرد في الكامل أيضا أنه ع خرج إليهم إلى حروراء فقال هذا مقام من فلج فيه اليوم فلج يوم القيامة ثم كلمهم وناشدهم فقالوا إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى الله كما تبنا نعد معك فقال علي (ع) أنا استغفر الله من كل ذنب فرجعوا معه وهم ستة آلاف فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا رجع عن التحكيم ورآه ضلالا فأتى الأشعث عليا فقال يا أمير المؤمنين أن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا فقام علي يخطب فقال من زعم إني رجعت عن الحكومة فقد كذب ومن رآها ضلالا فقد ضل فخرجت الخوارج من المسجد فحكمت. قال ابن أبي الحديد كل فساد في خلافة علي أصله الأشعث ولولا فعله هذا لم يكن حرب النهروان فإنه (ع) أراد أن يسلك معهم مسلك التعريض فقال لهم كلمة مجملة يقولها الأنبياء والمعصومون فرضوا بها فالجاه الأشعث إلى التصريح حيث سأله بحضور من لا يمكنه معه إلا التصريح فانتقض ما دبره. قال الطبري لما بعث علي (ع) أبا موسى لإنفاذ الحكومة اجتمعت الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسي فخطبهم وقال اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها ثم ولوه أمرهم وكاتبوا من بالبصرة وتعبدوا ليلة الجمعة ويومها وساروا يوم السبت حتى نزلوا جسر النهروان فأتى عليا أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت فشرط لهم في سنة رسول الله ص فجاء ربيعة بن أبي شداد الخثعمي وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم فقال له علي ع بايع على كتاب الله وسنة رسوله ص فقال على سنة أبي بكر وعمر فقال علي ويلك لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شيء من الحق فبايعه فنظر إليه علي وقال أما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت وكأني بك وقد وطأتك الخيل بحوافرها فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة. وأما خوارج البصرة فاجتمعوا في خمسمائة وجعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي فعلم بهم ابن عباس فاتبعهم أبا الأسود الدؤلي فلحقهم بالجسر الأكبر فتواقفوا حتى حجز بينهم الليل وأدلج مسعر بأصحابه حتى لحق بعبد الله بن وهب بالنهر وقام علي (ع) في الكوفة فخطبهم فقال الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب ألفادح والحدثان الجليل أما بعد فان المعصية تورث الحسرة وتعقب الندم وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري ونحلتكم رأيي لو كان لقصير أمر ولكن أبيتم إلا ما أردتم فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:

إلا أن هذين الرجلين الذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما وأحييا ما أمات القرآن واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله فحكما بغير حجة بينة ولا سنة ماضية واختلفا في حكمهم وكلاهما لم يرشد فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين استعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام وأصبحوا في معسكركم أن شاء الله يوم الاثنين، ثم نزل وكتب إلى الخوارج أن الرجلين الذين ارتضينا حكمهما قد خألفا كتاب الله واتبعا واءهما فاقبلوا فأنا سائرون إلى عدونا وعدوكم ونحن على الأمر الذي كنا عليه فكتبوا إليه أنك لم تغضب لربك إنما غضبت لنفسك فان شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نابذناك على سواء أن الله لا يحب الخائنين فأيس منهم ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام وكتب إلى عبد الله بن عباس أمير البصرة يأمره بأشخاص لها إليه فقرأ عليهم الكتاب وأمرهم بالشخوص مع الأحنف فشخص معه منهم ألف وخمسمائة فاستقلهم ابن عباس فخطبهم وقال لم يشخص منكم إلا ألف وخمسمائة وأنتم ستون ألفا إلا انفروا مع جارية بن قدامة السعدي وتهدد من يتأخر وأمر أبا الأسود بحشرهم فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمائة فقدموا عليه بالنخيلة ثم جمع رؤساء أهل الكوفة وقال أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على الحق وصحابتي على جهاد عدوي المحلين، بكم أضرب المدبر وأرجو تمام طاعة المقبل، وطلب إليهم أن يكتب له كل رئيس ما في عشيرته فقام سعيد بن قيس الهمداني فقال يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة وودا ونصيحة أنا أول الناس جاء بما سالت وقام معقل بن قيس الرياحي فقال له نحوا من ذلك وقام عدي بن حاتم وزياد بن خصفة وحجر بن عدي وأشراف الناس والقبائل فقالوا مثل ذلك فرفعوا إليه خمسة وستين ألفا فكانوا مع أهل البصرة ثمانية وستين ألفا ومائتين وبلغه أن الناس يقولون لو سار بنا إلى هذه الحرورية فبدأنا بهم ثم خرجنا إلى المحلين فخطبهم وقال أن غير هذه الخارجة أهم إلينا منهم فدعوا ذكرهم وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكا ويتخذوا عباد الله خولا فتنادوا من كل جانب سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت وقام صيفي بن فسيل الشيباني فقال يا أمير المؤمنين نحن حزبك وأنصارك نعادي من عاديت ونشايع من أناب إلى طاعتك فسر بنا إلى عدوك من كانوا وأينما كانوا فإنك أن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد ولا ضعف نية أتباع وقام إليه محرز بن شهاب التميمي من بني سعد فقال يا أمير المؤمنين شيعتك كقلب رجل واحد في الإجماع على نصرتك والجد في جهاد عدوك فابشر بالنصر وسر بنا إلى أي الفريقين أحببت فأنا شيعتك الذين نرجو في طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب ونخاف في خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال. وقال المسعودي كان علي انفصل عن الكوفة في خمسة وثلاثين ألفا وأتاه من البصرة من قبل ابن عباس وكان عامله عليها عشرة آلاف فيهم الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة السعدي وذلك في سنة 38 فنزل على الأنبار والتأمت إليه العساكر فخطب الناس وحرضهم على الجهاد وقال سيروا إلى قتلة المهاجرين والأنصار قد طالما سعوا في أطفاء نور الله وحرضوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه إلا أن رسول الله أمرني بقتال الناكثين وهم هؤلاء الذين فرغنا منهم والمارقين ولم نلقهم بعد فسيروا إلى القاسطين فهم م علينا من الخوارج سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين يتخذهم الناس أربابا ويتخذون عباد الله خولا ومالهم دولا فأبوا إلا أن يبدأوا بالخوارج

وأما الخوارج فقد قال أبو العباس المبرد في الكامل إنهم مضوا إلى النهروان فمن طريف أخبارهم إنهم أصابوا في طريقهم مسلما ونصرانيا فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر لأنه على خلاف معتقدهم واستوصوا بالنصراني وقالوا احفظوا ذمة نبيكم. قال ونحو ذلك أن واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحس بالخوارج فقال واصل لأهل الرفقة أن هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإياهم وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا شأنك، فخرج إليهم فقالوا ما أنت وأصحابك؟ قال قوم مشركون مستجيرون بكم ليسمعوا كلام الله ويفهموا حدوده قالوا قد أجرناكم قال فعلمونا فجعلوا يعلمونهم أحكامهم ويقول واصل قد قبلت أنا ومن معي قالوا فامضوا مصاحبين فقد صرتم إخواننا فقال بل تبلغوننا مأمنا لأن الله تعالى يقول وان أحد من المشركين استجارك فإجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه قال فينظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا ذاك لكم فساروا معهم بجمعهم حتى ابلغوهم المأمن. قال ولقيهم عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل فقالوا له أن هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعا وعرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله فقالوا هذا فساد في الأرض. قال الطبري: فأتى صاحب الخنزير فأرضاه فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي منكم باس إني لمسلم ما أحدثت في الإسلام حدثا ولقد آمنتموني قلتم لا روع عليك وكانوا قالوا له ذلك لما لقيهم، قال المبرد: فقالوا له ما تقول في علي بعد التحكيم والحكومة؟ قال: أن عليا أعلم بالله منكم وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة، قالوا أنك لست تتبع الهدى إنما تتبع الرجال على أسمائهم، قال الطبري: قالوا والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا فأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم فأضجعوه فذبحوه وسال دمه في الماء وأقبلوا إلى المرأة فقالت إني إنما أنا امرأة ألا تتقون الله فبقروا بطنها وقتلوا ثلاث نسوة من طئ وقتلوا أم سنان الصيداوية قال المبرد وساوموا رجلا نصرانيا بنخلة له فقال هي لكم فقالوا ما كنا نأخذها إلا بثمن فقال واعجباه أتقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا تقبلون جنا نخلة إلا بثمن، وقال المسعودي: اجتمعت الخوارج في أربعة آلاف فبايعوا عبد الله بن وهب الراسبي ولحقوا بالمدائن وقتلوا عبد الله بن خباب عامل علي عليها ذبحوه ذبحا وبقروا بطن امرأته وكانت حاملا وقتلوا غيرها من النساء قال الطبري فبلغ عليا قتلهم عبد الله بن خباب واعتراضهم الناس فبعث إليهم الحارث بن مرة العبدي لينظر فيما بلغه عنهم فقتلوه فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع) فقال له الناس علا م ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في أموالنا وعيالنا سر بنا إليهم فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام وقام إليه الأشعث الكندي فكلمه بمثل ذلك وكان الناس يتهمونه قبل أن يقول ذلك أنه يرى رأيهم فنادى علي (ع) بالرحيل وسار إليهم وقال المسعودي بعث إليهم بالحارث بن مرة العبدي رسولا يدعوهم إلى الرجوع فقتلوه وبعثوا إلى علي أن تبت من حكومتك وشهدت على نفسك بالكفر بايعناك وإن أبيت فاعتزلنا حتى نختار لأنفسنا إماما فأنا منك براء فبعث إليهم علي أن ابعثوا إلي بقتلة إخواني فاقتلهم ثم أتارككم إلى أن أفرع من قتال أهل المغرب ولعل الله يقلب قلوبكم فبعثوا إليه كلنا قتلة أصحابك وكلنا مستحل لدمائهم مشتركون في قتلهم وروى إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين أنه لما عزم علي (ع) على الخروج من الكوفة إلى الحرورية قال له منجم من أصحابه اسمه مسافر بن عفيف الأزدي يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ساعة كذا فإنك أن سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك أذى وضر شديد وإن سرت في الساعة التي أقول لك ظفرت وظهرت فقال له علي (ع) أتدري ما في بطن فرسي قال أن حسبت علمت فقال من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن قال الله تعالى أن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام الآية ثم قال أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما كان يدعي علم ما ادعيت أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله وينبغي للموقن بأمرك أن يوليك الحمد دون الله فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضدا وندا اللهم لا طير إلا طيرك ولا ضير إلا ضيرك ولا إله غيرك ثم قال نخالف ونسير في الساعة التي نهيت عنها ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدي به في ظلمات البر والبحر إنما المنجم كالكاهن والكاهن كالكافر والكافر في النار أما والله لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن ولأحرمنك العطاء ثم سار في الساعة التي نهاه عنها فظفر ثم قال لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها لقال الناس ظفر لأنه سار في الساعة التي أمره أما أنه ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده. قال المسعودي: وأخبره الرسول الذي أرسله إليهم فأجابوه بانا كلنا قتلة أصحابك وكان من يهود السواد أن القوم قد عبروا نهر طبرستان وهذا النهر في هذا الوقت عليه قنطرة تعرف بقنطرة طبرستان بين حلوان وبغداد فقال علي والله ما عبروه ولا يقطعونه حتى نقتلهم بالرميلة دونه ثم تواترت عليه الأخبار بقطعهم لهذا النهر وعبورهم هذا الجسر وهو يأبى ذلك ويحلف إنهم لم يعبروه وإن مصارعهم دونه. وقال ابن الأثير: ثم أن الخوارج قصدوا جسر النهر وكانوا غربه فقال لعلي أصحابه إنهم قد عبروا النهر فقال لن يعبروا فأرسل طليعة فعاد وأخبره إنهم عبروا النهر وكان بينهم وبينه عطفة من النهر فلخوف الطليعة منهم لم يقربهم فعاد فقال إنهم عبروا النهر. قال المدائني في كتاب الخوارج: لما خرج علي (ع) إلى أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدمته يركض حتى انتهى إلى علي (ع) فقال البشرى يا أمير المؤمنين قال ما بشراك قال أن القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك فابشر فقد منحك الله أكتافهم فقال له: الله أنت رأيتهم قد عبروا قال نعم فأحلفه ثلاث مرات في كلها يقول نعم فقال علي (ع) والله ما عبروه ولن يعبروه وأن مصارعهم لدون النطفة والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوران حتى يقتلهم الله وقد خاب من افترى ثم أقبل فارس آخر يركض فقال كقول الأول فلم يكترث علي (ع) بقوله وجاءت الفرسان تركض كلها تقول مثل ذلك فقام علي (ع) فجال في متن فرسه فلما انتهى إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم وعرقبوا خيلهم وجثوا على ركبهم وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل. قال المسعودي فسار علي فأشرف عليهم وقد عسكروا بالموضع المعروف بالرميلة. قال ابن الأثير في الكامل تقدم علي فرآهم عند الجسر لم يعبروه وكان الناس قد شكوا في قوله وارتاب به بعضهم فلما رأوا الخوارج لم يعبروا كبروا وأخبروا عليا بحالهم فقال والله ما كذبت ولا كذبت. قال الطبري: فلما وصل النهر بعث إليهم ادفعوا لنا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم ثم أنا تارككم وكاف عنكم حتى ألقى أهل الشام فلعل الله يردكم إلى خير مما أنتم عليه فقالوا كلنا قتلتهم وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فوعظهم واحتج عليهم وقال لهم ركبتم عظيما من الأمر تشهدون علينا بالشرك وتسفكون دماء المسلمين فلم ينجع ذلك فيهم وخطبهم أبو أيوب الأنصاري فقال أنا وإياكم على الحال الأولى التي كنا عليها فعلا م تقاتلوننا فقالوا أنا لو تابعناكم اليوم حكمتم غدا قال فإني أنشدكم الله أن تعجلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في القابل وقال لهم أمير المؤمنين (ع) أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة وصدها عن الحق الهوى ألم تعلموا إني نهيتكم عن الحكومة وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم مكيدة ونبأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وإني اعرف بهم منكم عرفتهم أطفالا ورجالا وهم أهل المكر والغدر وإنكم أن فارقتم رأيي جانبتم الحزم، فعصيتموني حتى إذا أقررت بان حكمت فلما فعلت شرطت واستوثقت فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات فاختلفا وخألفا حكم الكتاب والسنة فنبذنا أمرهما ونحن على أمرنا الأول فما الذي بكم ومن أين أتيتم قالوا أنا حكمنا فلما حكمنا أثمنا وكنا بذلك كافرين وقد تبنا فان تبت كما تبنا فنحن منك ومعك وإن أبيت فاعتزلنا فأنا منابذوك على سواء أن الله لا يحب الخائنين فقال علي أصابكم حاصب ولا بقي منكم آبر أبعد إيماني برسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، ثم انصرف عنهم فتنادوا لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيئوا للقاء الرب، الرواح الرواح إلى الجنة، وخرج علي فعبأ أصحابه وعبأت الخوارج. قال الطبري ورفع علي (ع) راية أمان مع أبي أيوب فناداهم من جاء هذه الراية ممن لم يقتل فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة أو المدائن فهو آمن فانصرف خمسمائة فارس منهم إلى البندنيجين وخرجت طائفة إلى الكوفة وخرج إلى المدائن نحو مائة وكانوا أربعة آلاف فبقي منهم ألفان وثمانمائة وزحفوا إلى علي. قال المسعودي: وقف عليهم علي بنفسه فدعاهم إلى الرجوع والتوبة فأبوا ورموا أصحابه فقيل له قد رمونا فقال كفوا فكرروا القول عليه ثلاثا وهو يأمرهم بالكف حتى أتى برجل قتيل متشحط بدمه فقال علي: الله أكبر الآن حل قتالهم احملوا على القوم فحمل رجل من الخوارج على أصحاب علي فجرح فيهم وجعل يغشى كل ناحية ويقول:

فخرج إليه علي (ع) وهو يقول:

وحمل عليه علي فقتله ثم خرج منهم آخر فحمل على الناس ففتك فيهم وجعل يكر عليهم وهو يقول:

فخرج إليه علي وهو يقول:

وحمل عليه وشكه بالرمح وترك الرمح فيه وانصرف علي وهو يقول لقد رأيت أبا حسن فرأيت ما تكره وقال المبرد لما واقفهم علي (ع) بالنهروان قال لا تبدؤوهم بقتال حتى يبدؤوكم فحمل منهم رجل على صف علي فقتل منهم ثلاثة ثم قال:

فخرج إليه علي (ع) فضربه فقتله فلما خالطه سيفه قال يا حبذا الروحة إلى الجنة فقال عبد الله بن وهب من رؤساء الخوارج والله ما أدري إلى الجنة أم إلى النار فقال رجل منهم من بني سعد إنما حضرت اغترارا بهذا الرجل يعني عبد الله واراه قد شك واعتزل عن الحرب بجماعة من الناس وقال علي (ع) لا يقتل منكم عشرة ولا يسلم منهم عشرة فقتل من أصحابه تسعة أو سبعة وسلم من الخوارج ثمانية، وقال المسعودي أنه قال والله لا يفلت منهم إلا عشرة ولا يقتل منكم عشرة فقتل من أصحاب علي تسعة ولم يفلت من الخوارج إلا عشرة. ثم تنادى الخوارج الرواح الرواح إلى الجنة وشدوا على الناس. روى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال التفت علي إلى أصحابه فقال لهم شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم وحمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ثم يخرج فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم. قال الطبري فاستقبلت المرامية وجوههم بالنبل وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف فما لبثوهم أن أناموهم، ثم أن صاحب خيلهم لما رأى الهلاك نادى أصحابه أن أنزلوا فذهبوا لينزلوا فلم يستقروا حتى حملت عليهم الخيل فأهمدوا في الساعة. وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال طعن واحد من الخوارج يوم النهروان فمشى في الرمح وهو شاهر سيفه إلى أن وصل إلى طاعنه فضربه فقتله وهو يقرأ وعجلت إليك رب لترضى.

قال الطبري: وطلب من به رمق منهم فوجدوا أربعمائة رجل فأمر بهم علي (ع) فدفعوا إلى عشائرهم وقال احملوهم معكم فداووهم فإذا برئوا فوافوا بهم الكوفة وخذوا ما في عسكرهم من شيء وأما السلاح والدواب وما شهدوا به الحرب فقسمه بين المسلمين وأما المتاع والعبيد والإماء فإنه حين قدم رده على له، وكان مع الخوارج طرفة بن عدي بن حاتم قتل معهم فدفنه أبوه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ودفن رجال من الناس قتلاهم فقال أمير المؤمنين (ع) ارتحلوا إذا تقتلونهم ثم تدفنونهم فارتحل الناس وقال أمير المؤمنين (ع): لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه.

قال ابن الأثير: ولما فرع علي من أهل النهر حمد الله وأثنى عليه وقال أن الله قد أحسن بكم وأعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم بالشام قالوا يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا وكلت سيوفنا ونصلت أسنة رماحنا وعاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا فلنستعد ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا، وتولى كلامه الأشعث بن قيس فاقبل حتى نزل النخيلة فأمر الناس أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا على الجهاد أنفسهم ويقلوا زيارة أبنائهم ونسائهم فأقاموا أي أما ثم تسللوا فدخلوا الكوفة وتركوا المعسكر خاليا إلا رجالا من وجوه الناس، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر عليه رأيه في المسير، وخطبهم مرة بعد مرة فقال: أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدوكم ومن في جهاده القربة إلى الله عز وجل ودرك الوسيلة عنده حيارى عن الحق جفاة عن الكتاب فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا، فلم ينفروا، ثم دعا رؤساءهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم فمنهم المعتل ومنهم المتكره وأقلهم من نشط، فخطبهم فقال: عبدا الله ما بالكم إذا أمرتكم أن تنفروا أثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وبالذل والهوان من العز خلفا وكلما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة لله أنتم ما أنتم إلا أسد الشري في الدعة وثعالب رواغة حين تدعون إلى الباس ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي ما أنتم بركب يصال به لعمر الله لبئس حشاش الحرب أنتم انكم تكادون ولا تكيدون وتنتق صلى الله عليه وسلم أطرافكم وأنتم لا تتحاشون.

الخوارج بعد النهروان

قال ابن الأثير: لما قتل أهل النهروان خرج أشرس بن عوف الشيباني على علي بالدسكرة في مائتين ثم سار إلى الأنبار فوجه إليه علي الأبرش بن حسان في ثلثمائة فواقعه فقتل أشرس في ربيع الآخر سنة 38.

ثم خرج هلال بن علفة من تيم الرباب ومعه أخوه مجالد فأتى ماسبذان فوجه إليه علي معقل بن قيس الرياحي فقتله وقتل أصحابه وهم أكثر من مائتين وكان قتلهم في جمادى الأولى سنة 38.

ثم خرج الأشهب أو الأشعث بن بشر من بجيلة في مائة وثمانين رجلا فأتى المعركة التي أصيب فيها هلال وأصحابه فصلى عليهم ودفن من قدر عليه منهم فوجه إليهم علي جارية بن قدامة السعدي وقيل حجر بن عدي فاقتتلوا بجرجرايا من أرض جوخى فقتل الأشهب وأصحابه في جمادي الآخرة سنة 38.

ثم خرج سعيد بن قفل التميمي من تيم الله بن ثعلبة في رجب بالبندنيجين ومعه مائتا رجل فأتى درزنجان وهي من المدائن على فرسخين فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم في رجب سنة 38.

ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي فأتى شهرزور وأكثر من معه من الموالي لم يكن معه من العرب غير ستة هو أحدهم واجتمع معه مائتان وقيل أربعمائة وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة فأرسل إليه علي يدعوه لى بيعته ودخول الكوفة فلم يفعل وقال ليس بيننا غير الحرب فبعث إليه علي شريح بن هانئ في سبعمائة فحمل الخوارج على شريح وأصحابه فانكشفوا وبقي شريح في مائتين فانحاز إلى قرية فتراجع إليه بعض أصحابه ودخل الباقون الكوفة فخرج علي بنفسه وقدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي فدعاهم جارية إلى طاعة علي وحذرهم القتل فلم يجيبوا ولحقهم علي أيضا فدعاهم فأبوا عليه وعلى أصحابه فقتلهم أصحاب علي ولم يسلم منهم غير خمسين رجلا استأمنوا فامنهم وكان في الخوارج أربعون جريحا فأمر علي بإدخالهم الكوفة ومداواتهم حتى برئوا، وكان قتلهم في شهر رمضان سنة 38 وكانوا من أشجع من قاتل من الخوارج ولجرأتهم قاربوا الكوفة.

خبر الخريت بن راشد الناجي

ومصقلة بن هبيرة الشيباني مع أمير المؤمنين علي (ع)

قال ابن الأثير: في حوادث سنة 38 في هذه السنة أظهر الخريت بن راشد من بني ناجية الخلاف على علي أمير المؤمنين وكان مع علي من بني ناجية ثلثمائة خرجوا معه من البصرة وشهدوا معه الجمل وصفين فجاء الخريت إلى أمير المؤمنين في ثلاثين راكبا فقال له يا علي والله لا أطيع أمرك ولا أصلي خلفك واني غدا مفارق لك فقال له ثكلتك أمك إذا تعصي ربك وتنكث عهدك ولا تضر إلا نفسك خبرني لم تفعل ذلك؟ قال لأنك حكمت وضعفت عن الحق وركنت إلى القوم الذين ظلموا، فقال له هلم أدارسك الكتاب وأناظرك في السنن وأفاتحك أمورا أنا أعلم بها منك فلعلك تعرف ما أنت له الآن منكر، قال فإني عائد إليك، قال لا يستهوينك الشيطان ولا يستخفنك الجهال والله لئن استرشدتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد، فخرج وسار من ليلته بأصحابه، فقال علي بعدا لهم كما بعدت ثمود أن الشيطان اليوم استهواهم وأضلهم وهو غدا متبرئ منهم، فقال له زياد بن خصفة البكري من بكر بن وائل يا أمير المؤمنين أنه لم يعظم علينا فقدهم فتأسى عليهم لكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة فائذن لي في أتباعهم فقال له اخرج رحمك الله وانزل دير أبي موسى حتى يأتيك أمري فان كانوا ظاهرين فسيكتب إلي عمالي بخبرهم فخرج في مائة وثلاثين رجلا ونزل دير أبي موسى وأتى عليا كتاب عامله قرظة بن كعب الأنصاري يخبره إنهم توجهوا نحو نفر وإنهم قتلوا دهقانا كان قد أسلم فقالوا له أمسلم أنت أم كافر؟ قال بل مسلم قالوا فما تقول في علي؟ قال: أقول فيه خيرا أنه أمير المؤمنين وسيد البشر ووصي الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا كفرت وقتلوه، وأخذوا معه يهوديا فقالوا ما دينك قال يهودي فتركوه فأرسل علي إلى زياد مع عبد الله بن وال يخبره بذلك وأمره بردهم إليه فان أبوا يناجزهم فاستأذنه عبد الله في المسير مع زياد فإذن له وقال له إني لأرجو أن تكون من أعواني على الحق وأنصاري على القوم الظالمين. قال ابن وال فو الله ما أحب أن لي بمقالته تلك حمر النعم، واتى زيادا بكتاب علي وساروا حتى أتوا نفر فقيل لهم إنهم ساروا نحو جرجرايا فتبعوهم حتى أدركوهم بالمذار وهم نزول قد أقاموا يومهم فأتاهم زياد وقد تقطع أصحابه وتعبوا فلما رأوهم ركبوا خيولهم وقال لهم الخريت ما تريدون؟ فقال له زياد وكان مجربا رفيقا قد ترى ما بنا من التعب والذي جئناك له لا يصلحه الكلام علانية ولكن ننزل ثم نخلو جميعا فنتذاكر أمرنا فان رأيت ما جئناك به حظا لنفسك قبلته وإن رأينا فيما تقول أمرا نرجو فيه العافية لم نرده عليك، قال فأنزل فنزل زياد وأصحابه على ماء هناك وأكلوا وعلقوا على دوابهم ووقف زياد في خمسة فوارس بين أصحابه وبين القوم وقد نزلوا وقال زياد لأصحابه أن عدتنا كعدتهم وأرى أمرنا يصير إلى القتال فلا تكونوا أعجز الفريقين وخرج زياد إلى الخريت فسمعهم يقولون جاءونا وهم تعبون فتركناهم حتى استراحوا هذا والله سوء الرأي فقال زياد للخريت ما الذي نقمت على أمير المؤمنين وعلينا حتى فارقتنا فقال لم أر صاحبكم أماما ولا سيرتكم سيرة فرأيت أن أكون مع من يدعو إلى الشورى فقال له زياد وهل يجتمع الناس على رجل يداني صاحبك الذي فارقته علما بالله وسنته وكتابه مع قرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم وسابقته في الإسلام؟ فقال: لا أقول لا، فقال: ففيما قتلت ذلك الرجل المسلم؟ فقال: ما أنا قتلته إنما قتله طائفة من أصحابي، قال فادفعهم إلينا قال ما إلى ذلك سبيل، فدعا زياد أصحابه ودعا الخريت أصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا تطاعنوا بالرماح حتى لم يبق رمح وتضاربوا بالسيوف حتى انحنت وعقرت عامة خيولهم وكثرت الجراحة فيهم وقتل من أصحاب زياد رجلان ومن أولئك خمسة وجرح زياد وحجز بينهم الليل وهرب الخريت ليلا وسار زياد إلى البصرة وأتاهم خبر الخريت إنه أتى الأهواز واجتمع إليه نحو مائتين وانضاف إليه علوج من أهل الأهواز كثير أرادوا كسر الخراج ولصوص وطائفة من العرب ترى رأيه وطمع أهل الخراج في كسره فكسروه فكتب زياد إلى علي بخبرهم وانه مقيم يداوي الجرحى وينتظر أمره فندب علي لقتالهم معقل بن قيس في ألفين من أهل الكوفة وكتب إلى ابن عباس أن يبعث من أهل البصرة رجلا شجاعا معروفا بالصلاح في ألفين إلى معقل وهو أمير أصحابه حتى يلقى معقلا فإذا لقيه فمعقل أمير الجميع وكتب إلى زياد بن خصفة يشكره ويأمره بالعود ووصى علي معقل بن قيس حين سار فقال له اتق الله ما استطعت ولا تبغ على أهل القبلة ولا تظلم أهل الذمة ولا تتكبر وإن الله لا يحب المتكبرين. هذه وصية أمير المؤمنين لجنوده ووصية معاوية لجنوده أن يقتلوا كل من هو في طاعة علي وان ينهبوا الأموال ويقول لهم أن نهب الأموال لا يقصر عن قتل الرجال، ولكنه كان مجتهدا يطلب بذلك ثواب الله والدار الآخرة!! وسار معقل وأدركه المدد مع خالد بن معدان الطائي فلحقوا الخوارج قريب جبل من جبال رامهرمز فصف معقل أصحابه وصف الخريت أصحابه وحرك معقل رأسه مرتين ثم حمل في الثالثة فصبروا له ساعة ثم انهزموا فقتل أصحاب معقل منهم سبعين رجلا من بني ناحية ومن معهم من العرب ونحوا من ثلثمائة من العلوج والأكراد وانهزم الخريت إلى أسياف البحر وبها كثير من قومه فما زال يغويهم حتى اتبعه كثير منهم وكتب معقل إلى علي بالفتح فقراه على أصحابه واستشارهم فأشاروا بان يأمر معقلا باتباع الخريت حتى يقتله أو ينفيه لأنه لا يؤمن أن يفسد الناس فكتب إلى معقل يثني عليه وعلى من معه ويأمره بأتباعه وقتله أو نفيه فسار إليهم معقل حتى انتهى إلى أسياف البحر فلما سمع الخريت بمسيره قال لمن معه من الخوارج أنا على رأيكم في إنكار التحكيم وللآخرين من أصحابه أن عليا حكم فخلعه حكمه وكان هذا رأيه وقال للعثمانية سرا أنا على رأيكم وعثمان قتل مظلوما فأرضى الجميع فلما انتهى إليه معقل نصب راية أما ن وقال من أتاها فهو آمن إلا الخريت وأصحابه الذين حاربونا أول مرة فتفرق عن الخريت أكثر من كان معه من غير قومه وعبى معقل أصحابه وزحف نحو الخريت فقال الخريت لمن معه قاتلوا عن حريمكم وأولادكم فو الله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم وليسبينكم فقال له رجل من قومه هذا والله ما جرته علينا يدك ولسانك فقال سبق السيف العذل ثم حمل معقل بأصحابه فقاتلوا قتالا شديدا وصبروا له وبصر النعمان بن صهبان الراسبي بالخريت فحمل عليه وقتله وقتل معه في المعركة سبعون ومائة رجل وتفرق الباقون وسبى معقل من أدرك من حريمهم وذراريهم وأخذ رجالا كثيرا فمن كان مسلما خلاه وأخذ بيعته وترك له عياله وعرض الإسلام على المرتدين فرجعوا فخلى سبيلهم وسبيل عيالهم وأخذ الصدقة ممن منعها عن عامين وأما غيرهم الذين ساعدوا على حربه ونقضوا عهد الذمة فاحتملهم وعيالاتهم معه وكتب إلى أمير المؤمنين (ع) بالفتح ومر بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل علي (ع) على إزدشير خره وهم خمسمائة فبكى إليه النساء والصبيان وتصايح الرجال يا أبا الفضل يا حامل الثقل امنن علينا فاشترنا واعتقنا فبعث مصقلة إلى معقل أن يبيعه إياهم فباعه إياهم بخمسمائة ألف درهم ودفعهم إليه فاعتقهم وقال عجل بالمال إلى أمير المؤمنين وأقبل معقل فأخبر أمير المؤمنين بما كان فقال له أحسنت وأصبت ووفقت. وأبطا مصقلة بالمال وبلغ أمير المؤمنين أنه أطلقهم ولم يسألهم أن يعينوه فقال ما أظنه إلا تحمل حمالة سترونه عن قريب منها مبلدا ثم كتب إليه أن يبعث إليه بالمال وانه أمر رسوله أن لا يدعه ساعة واحدة يقيم إلا أن يبعث بالمال أو يحضر إلى الكوفة، وأدى مائتي ألف درهم وعجز عن الباقي وقال لذهل بن الحارث أن أمير المؤمنين يسألني هذا المال ولا أقدر عليه فقال لو شئت ما مضت جمعة حتى تحمله فقال ما كنت لأحملها قومي أما والله لو كان ابن هند ما طالبني بها ولو كان ابن عفان لوهبها لي أما تراه أطعم الأشعث بن قيس كل سنة من خراج آذربيجان مائة ألف فقال أن هذا لا يرى ذلك الرأي ولا يترك منها شيئا فهرب مصقلة من ليلته فلحق بمعاوية فقال أمير المؤمنين (ع) ما له ترحه الله فعل فعل السيد وفر فرار العبد وخان خيانة ألفاجر فما أنطق مادحه حتى أسكته ولو أقام لأخذنا ميسوره وانتظرنا بماله وفوره، وهدم داره وأجازعتق السبي وقال أعتقهم مبتاعهم وصارت أثمانهم دينا عليه وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعة لعلي فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من تغلب اسمه حلوان أن معاوية قد وعدك الإمارة والكرامة فاقبل فأخذ مالك بن كعب الأرحبي الرسول فسرحه إلى علي فقطع يده فمات وكتب نعيم إلى مصقلة من أبيات:

فلما وقع الكتاب إليه علم أن التغلبي هلك وأتاه التغلبيون فطلبوا منه دية صاحبهم فوداه.

أخباره مع عبد الله بن العباس

كان ابن عباس تلميذ أمير المؤمنين (ع) وخريجه مضافا إلى ما أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك كان يسمى حبر الأمة وصحبه في حروبه كلها الجمل وصفين والنهروان وولاه البصرة وكان يعده لمهام الأمور فقد أرسله إلي أم المؤمنين بعد حرب الجمل فكان له في ذلك المقام المشهود والحجة القاطعة وأراده للحكومة يوم صفين فأبى أهل الجباه السود العمي القلوب وبعثه إلى الخوارج يوم النهروان فاحتج عليهم بأبلغ الحجج وكان له في نصرة أمير المؤمنين وأبنائه مواقف مشهودة منها لما مر بصفة زمزم وسمع شاميا يسب عليا (ع) ومنها مع عبد الله بن الزبير ومع معاوية وهو الذي كتب إلى يزيد بعد قتل الحسين (ع) بما كتب وكان يمسك بركاب الحسنين (ع) إذا ركبا وروى الكشي بسنده أنه قال لما حضرته الوفاة اللهم إني أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب.

ما نسب إليه من مفارقة أمير المؤمنين (ع) وأخذ مال البصرة

قد نسب إليه إنه فارق أمير المؤمنين (ع) وأخذ مال البصرة وذهب إلى مكة وأنكر ذلك جماعة. روى الكشي في رجاله بسنده عن الزهري عن الحارث قال استعمل علي صلى الله عليه وسلم على البصرة عبد الله بن عباس فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وكان مبلغه ألفي ألف درهم فصعد علي (ع) المنبر حين بلغه ذلك فبكى فقال هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه الحديث. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 40 في هذه السنة خرج عبد الله بن عباس من البصرة ولحق بمكة في قول أكثر أهل السير وقد أنكر ذلك بعضهم وقال لم يزل عاملا عليها لعلي حتى قتل علي وشهد صلح الحسن مع معاوية ثم خرج إلى مكة والأول أصح وإنما كان الذي شهد صلح الحسن عبيد الله بن عباس ثم ذكر سبب خروجه وهو انه مر بأبي الأسود وكان على قضاء البصرة فقال لو كنت من البهائم لكنت جملا ولو كنت راعيا لما بلغت المرعى فكتب أبو الأسود إلى أمير المؤمنين (ع) أن ابن عمك قد أكل ما تحت يديه بغير علمك فكتب إلى ابن عباس في ذلك فكتب إليه ابن العباس أن الذي بلغك باطل فكتب إليه أمير المؤمنين (ع) أعلمني ما أخذت من الجزية ومن أين أخذت وفيما وضعت فكتب إليه ابن عباس قد فهمت تعظيمك مرزأة ما بلغك إني رزأته فابعث إلى عملك من أحببت وخرج واستدعى أخواله من بني هلال بن عامر فاجتمعت معه قيس كلها فحمل مالا وقال هذه أرزاقنا اجتمعت فتبعه أهل البصرة يريدون أخذ المال فمنعته قيس ومضى إلى مكة. وفي نهج البلاغة: من كتاب له (ع) إلى بعض عماله ولم يصرح باسم المكتوب إليه والكتاب يتضمن ذما عظيما للمكتوب إليه، ولكن الكشي في رجاله روى بسنده عن الشعبي أن المكتوب إليه هو عبد الله بن عباس لما احتمل بيت مال البصرة وذهب به إلى الحجاز، وذكر الكتاب بطوله وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج أيضا، ومن جملته: فإني أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن في لي رجل أوثق منك في نفسي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت ولا الأمانة أديت، وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم فحملته إلى الحجاز غير متأثم من أخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت إلى لك تراثك من أبيك وأمك. فسبحان الله، أما تؤمن بالمعاد؟ أوما تخاف نقاش الحساب أيها المعدود عندنا كان من أولي الألباب؟ ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة. وبعد تصريح الكشي بان المكتوب إليه ابن عباس لا حاجة إلى ما حكاه ابن أبي الحديد عن أصحاب القول الأول من إنهم استدلوا على ذلك بألفاظ من الكتاب كقوله أشركتك في أمانتي الخ ولم يكن في لي رجل أوثق منك، وقوله ابن عمك ثلاث مرات، وقوله لا أبا لغيرك وهذه كلمة لا تقال إلا لمثله أما غيره من أفناء الناس فكان يقول له لا أبالك وقوله أيها المعدود عندنا من أولي الألباب، وقوله لو أن الحسن والحسين الدال على أن المكتوب إليه قريب من أن يجري مجراهما عنده. قال الكشي وابن أبي الحديد واللفظ للثاني: فكتب إليه ابن عباس جوابا عن هذا الكتاب: أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة ولعمري أن حقي في بيت المال أكثر مما أخذت. فكتب إليه علي: أن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل واحد من المسلمين وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك فارجع هداك الله إلى رشدك وتب إلى ربك واخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت وتغيب في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد فارقت الأحباب وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت. فكتب إليه ابن عباس أنك قد أكثرت علي ووالله لأن ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها وذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من ألقاه بدم امرئ مسلم.

(قال المؤلف) ما ذكره ابن الأثير من أنه واجه أبا الأسود بهذا الكلام البشع يصعب تصديقه فابن عباس كان اعرف بفضل أبي الأسود من كل أحد فكيف يواجهه بهذا الكلام الذي لا يصدر إلا من الأسافل وابن عباس مع فضله وكمال معرفته لا يمكن أن يفوه بمثل هذا مهما كان السبب الداعي إليه والذي يظهر أن ناسب ذلك إليه أراد الحط من مقام أبي الأسود وابن عباس معا لغرض في نفسه وذلك لإخلاصهما في حب علي (ع) وتشيعهما له. أما ما رواه أصحاب القول الأول من المكاتبة بين أمير المؤمنين (ع) وابن عباس فان أمكننا تصديقه لم يمكنا تصديق الجواب الأخير منه المشتمل على قول ابن عباس لأن ألقى الله بكذا أحب إلي من أن ألقى الله بدم امرئ مسلم فابن عباس مع فضله المشهور كيف يعيب أمير المؤمنين (ع) بقتل من أمر الله بقتله وقتاله بقوله {فقاتلوا التي تبغي} وهبه أراد التمويه والاقتداء بمن قال أن عمارا قتله من ألقاه إلينا، افتراه كان يجهل أن ذلك مما يعيبه به الناس ويوجب سقوطه من نفوسهم وهو كان شريكا في تلك الدماء فيعيب نفسه قبل أن يعيب غيره وهو ليس بمضطر إلى هذا الجواب كما اضطر من أجاب عن قتل عمار وإن كان قصده بهذا الجواب أبداء عذره أمام الناس فلم يصنع شيئا لأن الناس يعلمون انه جواب فاسد وإنه شريك في تلك الدماء فيزداد بذلك لوما عندهم بدلا عن أن يعذروه ولو قصد ذلك لأقتصر على جوابه الأول أن له حقا في بيت المال فأخذه فلما أجابه علي (ع) أنك أخذت أكثر من حقك كان يمكنه أن يجيب بجواب مموه يدل على أنه ليس أكثر من حقه فيكون أقرب إلى القبول من هذا الجواب الذي يعرف فساده كل أحد، ومن ذلك يتطرق الشك إلى باقي المكاتبة وجواباتها. وحكى ابن أبي الحديد عن الراوندي أن المكتوب إليه هو عبيد الله لا عبد الله ورده بان عبيد الله كان عاملا لعلي على اليمن ولم ينقل عنه انه أخذ مالا ولا فارق طاعة، قال وقد أشكل علي أمر هذا الكتاب فان قلت إنه موضوع على أمير المؤمنين (ع) خالفت الرواة فإنهم أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه، وإن صرفته إلى عبد الله بن عباس صدني عنه ما اعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين (ع) في حياته وبعد وفاته. وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من اصرفه من أهل أمير المؤمنين وهو يشعر بان المخاطب به من له وبني عمه أقول بعد تصريح الكثير بأنه لأمير المؤمنين (ع) إلى ابن عباس وظهور مضامينه ظهورا بينا في أنه لا يصلح أن يكون المخاطب به غير ابن عباس لم يبق مجال لتردده.

ويظهر أن أمر مفارقته عليا (ع) وأخذه مال بيت مال البصرة كان مشهورا فقد حكي عن قيس بن سعد بن عبادة انه خطب الجيش الذي أرسله الحسن (ع) للقاء معاوية عندما تركهم أميرهم عبيد الله بن العباس وذهب إلى معاوية فقال ما معناه: لا يهولنكم ما فعل فان هؤلاء قد خرج أبوهم العباس لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وابنه عبد الله أخذ مال البصرة وهرب إلى مكة وابنه عبيد الله فعل ما ترون، وقد عيره بذلك ابن الزبير فقال إنه أخذ مال البصرة وترك المسلمين بها يرتضخون النوى ولم يتبرأ ابن عباس من ذلك بل أجابه بأنه كان لنا فيه حق فأخذناه.

وقال ابن أبي الحديد: الأكثرون على القول الأول، وقال آخرون وهم الأقلون هذا لم يكن ولا فارق عبد الله بن عباس عليا (ع) ولا باينه ولا خالفه ولم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي (ع). ثم قال: وهذا عندي هو الأمثل والأصوب. وقال العلامة في الخلاصة: كان محبا لعلي (ع) أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه وهو أجل من ذلك ومن جملة تلك الأحاديث حديث مفارقته عليا (ع) وأخذه مال بيت مال البصرة المتقدم والحديث الآتي من كتاب أمير المؤمنين إليه في ذلك وجوابه.

وقال الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة: جملة ما ذكره الكشي من الطعن فيه خمسة أحاديث كلها ضعيفة السند.

وقال السيد ابن طاوس: حاله في المحبة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين (ع) وموالاته والنصر له والذي عنه والخصام في رضاه والموازرة له مما لا شبهة فيه ثم قال معرضا بإخبار الذم ومثل الحبر موضع أن يحسده الناس ويباهتوه:

قال ولو ورد في مثله ألف رواية أمكن أن تعرض للتهمة فكيف بهذه الأخبار الضعيفة الركيكةقال ابن أبي الحديد ويدل على عدم مفارقة ابن عباس أمير المؤمنين (ع) ما رواه أبو الفرج الأصفهاني انه لما استشهد أمير المؤمنين (ع) دس معاوية رجلا من حمير إلى الكوفة ورجلا من بني القين إلى البصرة يكتبان له بالأخبار فدل عليهما فقتلا فكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية أما بعد فإنك ودسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش إلى آخر الكتاب فهو يدل على وجوده في البصرة عند وفاة أمير المؤمنين (ع) قال وقالوا كيف يكون ذلك ولم يخدعه معاوية ويجره إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين (ع) واستمالهم بالأموال فما باله وقد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس وكل من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي (ع) وما كان يلقاه به من قوارع الكلام وما كان يثني به على أمير المؤمنين ويذكر خصائصه وفضائله ويصدع به من مناقبه ومآثره فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك.

قال المؤلف: إنكار أخذ ابن عباس المال من البصرة وإنكار كتاب أمير المؤمنين (ع) إليه المقدم ذكره صعب جدا بعد ملاحظة ما تقدم ولا يحتاج فيه إلى تصحيح روايات الكشي وبعد ما ذكرناه من الشواهد على اشتهار الأمر في ذلك كما أن إخلاص ابن عباس لأمير المؤمنين (ع) وتفوقه في معرفة فضله لا يمكن إنكاره والذي يلوح لي أن ابن عباس لما ضايقه أمير المؤمنين (ع) في الحساب عما أخذ ومن أين أخذ وفيما وضع كما يقتضيه عدله ومحافظته على أموال المسلمين وعلم أنه محاسب على ذلك أدق حساب وغير مسامح في شيء سولت له نفسه أخذ المال من البصرة والذهاب إلى مكة وهو ليس معصوم وحب الدنيا مما طبعت عليه النفوس فلما كتب إليه أمير المؤمنين (ع) ووعظه وطلب منه التوبة تاب وعاد سريعا. وعدم نص المؤرخين على عوده لا يضر بل يكفي ذكرهم انه كان بالبصرة عند وفاه أمير المؤمنين (ع) كما دل عليه كتابه السابق إلى معاوية أما الجواب الأخير الذي زعموا انه أجاب به أمير المؤمنين (ع) فمعاذ الله أن يصدر منه والله العالم بحقائق الأحوال.

سنة 39 غارة النعمان بن بشير على عين التمر

كان النعمان صحابيا أنصاريا ممالئا لمعاوية وابنه يزيد قال ابن الأثير في حوادث سنة 39 فيها وجه معاوية النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين التمر (شفاثا) اجتهادا منهما للفساد في الأرض وسفك الدماء الحرام ونهب الأموال بغير حلها فكانا بذلك مأجورين ثابتة عدالتهما!! وفيها مالك بن كعب مسلحة لعلي في ألف رجل وكان مالك قد أذن لهم فاتوا الكوفة ولم يبق معه إلا مائة رجل فلما سمع بالنعمان كتب إلى أمير المؤمنين يخبره ويستمده فخطب بالناس وأمرهم بالخروج فتثاقلوا فصعد المنبر فخطبهم وقال يا أهل الكوفة كلما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلكم أنحجر كل امرئ منكم في بيته وأغلق عليه بابه انحجار الضب في جحره والضبع في وجارها في كلام آخر وبخهم به. وواقع مالك النعمان وجعل جدار القرية في ظهور أصحابه واقتتلوا أشد قتال وكتب مالك إلى مخنف بن سليم يستعينه فوجه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلا فانتهوا إلى مالك وأصحابه وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا فلما رآهم أهل الشام انهزموا عند المساء وظنوا أن لهم مددا وتبعهم مالك وقتل منهم ثلاثة نفر.

غارة سفيان بن عوف على الأنبار

قال وفيها وجه معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره أن يقطع هيت ويأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها فأتى هيت فلم يجد بها أحدا ثم أتى الأنبار وفيها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل وقد تفرقوا ولم يبق منهم إلا مائتان لأنه كان عليهم كميل بن زياد فبلغه أن قوما بقرقيسيا يريدون الغارة على هيت فسار إليهم بغير أمر علي فأتى أصحاب سفيان وكميل غائب عنها وخليفته أشرس بن حسان البكري فطمع سفيان في أصحاب علي لقتلهم فقاتلهم فصبروا له وقتل صاحبهم أشرس وثلاثون رجلا واحتملوا ما في الأنبار من أموال لها ورجعوا إلى معاوية وبلغ الخبر عليا فغضب على كميل وكتب إليه ينكر عليه فعله وأرسل في طلبهم فلم يدركوا.

غارة عبد الله بن مسعدة على تيماء

تيماء بليدة في أطراف الشام بينها وبين وادي القرى قال وفيها وجه معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي ويقتل من امتنع ففعل ذلك وبلغ مكة والمدينة واجتمع إليه بشر كثير من قومه وبلغ ذلك عليا فأرسل المسيب بن نجبة الفزاري في ألفين فلحقهم بتيماء فاقتتلوا قتالا شديدا وحمل المسيب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات لا يريد قتله ويقول له النجاء النجاء لأنه من قومه فدخل ابن مسعدة وجماعة معه الحصن وهرب الباقون وانتهب الأعراب ابل الصدقة التي مع ابن مسعدة وحصرهم ثلاثة أيام ثم أحرق الباب فأشرفوا عليه وقالوا يا مسيب قومك فرق لهم وأمر بإطفاء النار وقال جاءتني عيوني بان جندا قد أتاكم من الشام فقال له عبد الرحمن بن شبيب سرحني في طلبهم فأبى فقال غششت أمير المؤمنين وداهنت في أمرهم.

مسير يزيد بن شجرة إلى مكة

قال وفيها أرسل معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي إلى مكة في ثلاثة آلاف فارس ليقيم للناس الحج ويأخذ له البيعة وينفي عامل علي عنها وهو قثم بن العباس فخطب قثم أهل مكة ودعاهم إلى حربهم فلم يجيبوه بشيء إلا شيبة بن عثمان العبدري فأجابه بالسمع والطاعة فأراد قثم مفارقة مكة إلى بعض شعابها ومكاتبة أمير المؤمنين فنهاه أبو سعيد الخدري عن ذلك وقال أقم فان رأيت بك قوة على قتالهم وإلا فالمسير أمامك فأقام وكتب إلى أمير المؤمنين يخبره بذلك فسير إليه جيشا في أول ذي الحجة وقدم ابن شجرة قبل التروية بيوم وبعث إلى قثم أن يعتزل الصلاة ويعتزلها هو وصلى بالناس شيبة بن عثمان وحج بهم ورجع يزيد إلى الشام وأقبلت خيل علي وعليهم معقل بن قيس فتبعوهم وأدركوهم وقد رحلوا عن وادي القرى فظفروا بنفر منهم فأخذوهم أسأرى ففادى بهم أمير المؤمنين أسأرى كانت له عند معاوية.

غارة عبد الرحمن بن قباث على أهل الجزيرة

قال وفيها سير معاوية عبد الرحمن بن قباث إلى بلاد الجزيرة وفيها شبيب بن عامر بنصيبين فكتب إلى كميل بن زياد وهو بهيت يعلمه خبرهم فسار كميل إليه في ستمائة فارس فأدركهم وقاتلهم وهزمهم وغلب على عسكرهم وأكثر القتل على أهل الشام وأمر أن لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح وقتل من عسكره رجلان وكتب إلى علي بالفتح فجزاه خيرا وأجابه جوابا حسنا ورضي عنه بعد سخطه عليه لما مر وأقبل شبيب من نصيبين فرأى كميلا قد أوقع بهم فهناه بالظفر واتبع الشاميين فلم يلحقهم فعبر الفرات وبث خيله فأغارت على أهل الشام حتى بلغ بعلبك فوجه إليه معاوية حبيب بن مسلمة فلم يدركه ورجع شبيب فأغار على نواحي الرقة فلم يدع للعثمانية بها ماشية إلا استاقها ولا خيلا ولا سلاحا إلا أخذه وكتب إلى علي فكتب إليه علي ينهاه عن أخذ أموال الناس وحاشاه أن يفعل كفعل معاوية إلا الخيل والسلاح الذي يقاتلون به وقال رحم الله شبيبا لقد أبعد الغارة وعجل الانتصار.

غارة الحارث بن نمر التنوخي على أهل الجزيرة

قال لما قدم يزيد بن شجرة على معاوية وجه الحارث بن نمر التنوخي إلى الجزيرة ليأتيه بمن هو في طاعة علي فأخذ من أهل دارا سبعة نفر من بني تغلب وكان جماعة من بني تغلب قد فارقوا عليا إلى معاوية فسألوه في إطلاق أصحابهم فلم يفعل فاعتزلوه وكتب معاوية إلى علي ليفادي من أسرهم معقل بن قيس من أصحاب يزيد بن شجرة بهؤلاء السبعة ففعل وبعث علي عبد الرحمن الخثعمي إلى ناحية الموصل ليسكن الناس فلقيه التغلبيون المعتزلون معاوية فتشاتموا واقتتلوا فقتلوه فأراد علي أن يوجه إليهم جيشا فقالت له ربيعة: هم معتزلون لعدوك داخلون في طاعتك وإنما قتلوه خطا فأمسك عنهم.

بعث معاوية رجلا إلى السماوة لأخذ الصدقات

قال وفيها بعث معاوية زهير بن مكحول العامري إلى السماوة ليأخذ صدقات الناس وبلغ ذلك عليا فبعث جعفر بن عبد الله الأشجعي وعروة بن العشبة والجلاس بن عمير الكلبيين ليصدقوا من في طاعته من كلب وبكر بن وائل فوافوا زهيرا فاقتتلوا فانهزم أصحاب علي وقتل جعفر ومر الجلاس براع فأخذ جبته وأعطاه جبة خز فأدركته الخيل فقالوا أين أخذ هؤلاء الترابيون فأشار إليهم أخذوا هاهنا ثم أقبل إلى الكوفة وظهرت الخيانة من ابن العشبة فإن زهيرا حمله على فرس فلحق بعلي فعنفه وعلاه بالدرة لأنه اتهمه بسبب حمل زهير إياه فغضب ولحق بمعاوية وهكذا كان كل من يغضب من عدل علي يلحق بمعاوية فهذه سبع غارات في سنة واحدة سعيا في الأرض بالفساد.

بعث معاوية مسلم بن عقبة إلى دومة الجندل

وهي المسماة اليوم بالجوف قال فيها بعث معاوية مسلم بن عقبة المري صاحب وقعة الحرة إلى دومة الجندل وكان لها امتنعوا من بيعة علي ومعاوية فدعاهم إلى بيعة معاوية فامتنعوا وبلغ ذلك عليا فسير مالك بن كعب الهمداني إليهم في جمع فلم يشعر مسلم إلا وقد وافاه مالك فاقتتلوا يوما وانهزم مسلم وأقام مالك أي أما يدعوهم إلى بيعة علي فلم يفعلوا فانصرف عنهم.

غزو السند

قال وفيها توجه الحارث بن مرة العبدي إلى بلاد السند غازيا متطوعا بأمر أمير المؤمنين علي فأصاب غنائم وسبيا كثيرا وقسم في يوم واحد ألف رأس.

ولاية زياد بن أبيه بلاد فارس

قال وفيها ولى علي زيادا كرمان وفارس شيراز ونواحيها لأنه لما قتل ابن الحضرمي واختلف الناس على علي طمع أهل فارس وكرمان في كسر الخراج وأخرجوا عاملهم سهل بن حنيف فاستشار علي الناس فأشار جارية بن قدامة بتولية زياد وقال إنه صلب الرأي عالم بالسياسة كاف لما ولي فأمر علي ابن عباس أن يوليها زيادا فسيره إليها في جمع كثير وقيل أن ابن عباس أشار بولايته فلم يزل يبعث إلى رؤوسهم يعد من ينصره ويعينه ويخوف من امتنع عليه وضرب بعضهم ببعض وصفت له فارس ولم يلق منهم حرباثم أدرك زيادا سوء العاقبة فاستلحقه معاوية في خلافة الحسن (ع) بشهادة أبي مريم الخمار أن أبا سفيان زنى بأمه سمية وهي تحت عبيد فكان أضر على شيعة علي (ع) وأبنائه من فرعون على بني إسرائيل.

سنة 40 غارة بسر بن أبي أرطأة

على الحجاز واليمن

كان بسر صحابيا وكان من شيعة معاوية وشهد معه صفين واقتدى بعمرو في كشف سوأته كما مر في حرب صفين وذكرنا ترجمته مفصلة في حرب الباء من هذا الكتاب وغارته على الحجاز واليمن وما فعله من قبائح الأفعال ونذ

ونذكر إجمالها هنا وما لم نذكره هنالك.

روى إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات وابن الأثير في حوادث سنة 40 أن معاوية بعث بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف وقال سر حتى تمر بالمدينة ومكة وصنعاء وانهب أموال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا فقدم بسر المدينة وبها أبو أيوب الأنصاري عامل علي عليها فهرب أبو أيوب ودخلها بسر فصعد منبرها وشتم الناس وتهددهم وشتم الأنصار فقال يا معشر اليهود وأبناء العبيد وقال والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلما وهدم بها دورا وأكره جماعة على البيعة منهم جابر بن عبد الله واستخلف عليهم أبا هريرة ثم أتى مكة فهرب عامل علي عليها قثم بن العباس فشتمهم بسر وانبهم وقتل في طريقه رجالا وأخذ أموالا وأكره الناس على البيعة ثم سار إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلي فهرب منه وأخذ بسر ابنين لعبيد الله صغيرين فقتلهما قال المبرد أخذهما من تحت ذيل أمهما وذبحهما على درج صنعاء فذهب عقلها وكانت لا تزال تنشدهما في المواسم فتقول:

في أبيات ذكرناها في ترجمته وقتل جماعة من شيعة علي باليمن وقال إبراهيم الثقفي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا وحرق قوما بالنار (وهو مع ذلك ومن أرسله مجتهدان مثابان ثبتت لهما العدالة لأنهما صحابيان!!) وبلغ عليا الخبر فأرسل جارية بن قدامة السعدي في ألفين ووهب بن مسعود في ألفين فسار جارية إلى البصرة ثم أخذ طريق الحجاز حتى أتى اليمن وبلغ بسرا مسيره فانحدر إلى اليمامة واتى جارية نجران فقتل بها ناسا من شيعة عثمان وصمد نحو بسر وبسر بين يديه يفر من جهة إلى جهة حتى أخرجه من أعمال علي كلها ووثب الناس ببسر لما انصرف من بين يدي جارية لسوء سيرته وفظاظته وظلمه وغشمه وتبعه جارية حتى أتى مكة وكان أمير المؤمنين (ع) قد استشهد فقال بايعوا أمير المؤمنين فقالوا قد هلك فلمن نبايع قال لمن بايع له أصحاب علي فبايعوا الحسن (ع) خوفا منه ثم أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بالناس فهرب منه فقال جارية لو وجدت أبا سنور لقتلته ثم قال لأهل المدينة بايعوا الحسن بن علي فبايعوه ثم عاد إلى الكوفة.

دعوى الربوبية فيه

كانت هذه الدعوى في زمن خلافته ولسنا نعلم وقتها على التحقيق فلذلك أوردناها في هذا المكان ويمكن أن يستفاد مما يأتي إنها قبل وفاته بسنة.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وبمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته وأحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا بحلول الجوهر الآلهي فيه، وقد اخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال يهلك فيك رجلان محب غال ومبغض قال، وقال له مرة أخرى والذي نفسي بيده لولا إني أشفق أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة.

وروى هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال أتى قوم أمير المؤمنين فقالوا السلام عليك يا ربنا فاستتابهم فلم يتوبوا (الحديث).

وقال ابن أبي الحديد في موضع من شرح النهج: روى أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي بسنده أن عليا (ع) مر بقوم يأكلون في شهر رمضان فقال أسفر أم مرضى قالوا ولا واحدة منهما قال أمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية قالوا لا قال فما بال الأكل في نهار رمضان فقالوا أنت أنت يومون إلى ربوبيته فنزل عن فرسه فألصق خده بالأرض وقال ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام فأبوا (الحديث).

ثم استترت هذه المقالة سنة أو نحوها ثم ظهر عبد الله بن سبأ، وكان يهوديا يتستر بالإسلام، بعد وفاة أمير المؤمنين فأظهرها واتبعه قوم فسموا السبائية. وقال في موضع آخر منه وشفع جماعة من أصحاب علي منهم عبد الله بن عباس في ابن سبا وقالوا انه تاب فاطلقه وشرط عليه أن لا يقيم بالكوفة فنفاه إلى المدائن فلما قتل أمير المؤمنين قال والله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة لعلمنا أنه لم يمت ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه.

وقد أشار إلى دعوى الربوية فيه جماعة من الشعراء قال الحاج هاشم الكعبي من قصيدة:

وقال ابن أبي الحديد من قصيدة:

وقال آخر:

وقال آخر:

وقال بعض شعراء الشيعة كما حكاه ابن أبي الحديد:

مقتل أمير المؤمنين علي (ع) وقدر عمره ومدة خلافته

قتل صلى الله عليه وسلم سنة 40 من الهجرة في شهر رمضان ضرب ليلة تسع عشرة ليلة الأربعاء وقبض ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين على المعروف بين أصحابنا وعليه عمل الشيعة اليوم وروى الطبري وابن الأثير أنه ضرب ليلة الجمعة لأحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان فتكون وفاته ليلة الأحد. وعمره ثلاث وستون سنة رواه الحاكم في المستدرك عن محمد بن الحنفية أو أربع وستون أو خمس وستون سنة منها عشر سنين أو اثنتا عشرة سنة قبل البعثة وثلاث وعشرون مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ثلاث عشرة بمكة وعشر بالمدينة وثلاثون سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في سنه غير ذلك فروى الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وأشهر الأقوال الأول والثالث قال ابن شهراشوب في المناقب: قبض صلى الله عليه وسلم قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضين من شهر رمضان فبقي يومين إلى نحو الثلث من الليل وله يومئذ خمس وستون سنة في قول الصادق (ع) وقالت العامة ثلاث وستون سنة وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: قتل علي يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة 40 وهو يوم قتل ابن ثلاث وستين سنة أو أربع وستين ‹ صفحة 531 › (وبسنده) عن أبي بكر بن أبي شيبة: قتل علي بن أبي طالب سنة 40 من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة قتل يوم الجمعة للحادي والعشرين من شهر رمضان ومات يوم الأحد ودفن بالكوفة. وكانت مدة خلافته خمس سنين إلا نحوا من أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر لأنه بويع لخمس بقين من ذي الحجة سنة 35 كما مر. وروى الحاكم في المستدرك عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن خلافته كانت خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ثم روى عن أبي بكر بن أبي شيبة أنه قال ولي علي بن أبي طالب خمس سنين وكأنه مبني على نوع من التسامح.

نعيه نفسه قبل مقتله

قال ابن الأثير في الكامل قيل من غير وجه أن عليا كان يقول ما يمنع أشقاكم أن يخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم رأسه.

وقال الحسن بن كثير عن أبيه: خرج علي من الفجر فاقبل الأوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه فقال ذروهن فإنهن نوائح، فضربه ابن ملجم في ليلته، وقال الحسن بن علي يوم قتل علي: خرجت البارحة وأبي يصلي في مسجد داره فقال لي يا بني إني بت أوقظ لي لأنها ليلة الجمعة فملكتني عيناي فنمت فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما ذا لقيت من أمتك من الأود واللدد قال أبو الفرج: والأود العوج واللدد الخصومات فقال لي: ادع عليهم فقلت اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم وأبدلهم بي من هو شر مني فجاء ابن الثباج فأذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فضربه ابن ملجم فقتله. وفي تذكرة الخواص عن الشعبي أنشد علي (ع) قبيل قتله بأيام:

سبب قتل أمير المؤمنين (ع)

قال الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل: كان سبب قتله (ع) أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبد الله التميمي الصريمي واسمه الحجاج وعمرو بن أبي بكر التميمي السعدي وهم من الخوارج اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا الولاة ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم وقالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا لله وقتلنا أئمة الضلال وأرحنا منهم البلاد فقال ابن ملجم أنا أكفيكم عليا وقال البرك بن عبد الله أنا أكفيكم معاوية وقال عمرو بن بكر أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا أن لا ينك صلى الله عليه وسلم أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه وأخذوا سيوفهم فسموها واتعدوا لتسع عشرة أو سبع عشرة من رمضان فأتى ابن ملجم الكوفة فلقي أصحابه بها وكتمهم أمره ورأى يوما أصحابا له من تيم الرباب ومعهم امرأة منهم أسمها قطام بنت الأخضر التيمية قتل أبوها وأخوها يوم النهر وكانت فائقة الجمال فخطبها فقالت لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي فقال أما قتل علي فما أراك ذكرته وأنت تريدينني قالت بل التمس غرته فان أصبته شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قال والله ما جاء بي إلا قتل علي فلك ما سالت قالت سأطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك وبعثت إلى رجل من قومها اسمه وردان فأجابها واتى ابن ملجم رجلا من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال هل لك في شرف الدنيا والآخرة قال وما ذاك قال قتل علي بن أبي طالب قال شبيب ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا كيف تقدر على قتله قال اكمن له في المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه قال ويحك لو كان غير علي كان ون قد عرفت سابقته وفضله وبلاءه في الإسلام وما أجدني انشرح لقتله قال أما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين قال بلى قال فلنقتله بمن قتل من أصحابنا فأجابه فلما كان ليلة الجمعة وهي الليلة التي واعد ابن ملجم فيها أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو جاءوا قطام وهي في المسجد الأعظم معتكفة فدعت لهم بالحرير وعصبتهم به. (وقال المفيد) إنهم أتوا قطام ليلة الأربعاء. وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين إنهم أتوا قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم وتقلدوا سيوفهم ومضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين (ع) إلى الصلاة. قال المفيد وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين (ع) وأوطأهم على ذلك وحضر الأشعث في تلك الليلة لمعونتهم وكان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الأشعث فقال قتلته يا أعور وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين (ع) ليخبره الخبر ويحذره من القوم وخالفه أمير المؤمنين (ع) في الطريق فدخل المسجد قال الطبري وابن الأثير فلما خرج علي نادى الصلاة الصلاة فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطلق وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف وقال الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك. وقال أبو الفرج فضربه ابن ملجم فأثبت الضربة في وسط رأسه قال ابن عبد البر: فقال علي فزت ورب الكعبة لا يفوتنكم الرجل. قال المفيد وأبو الفرج: وأقبل حجر والناس يقولون قتل أمير المؤمنين وروى أبو الفرج بسنده عن عبد الله بن محمد الأزدي قال إني لأصلي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة إذ خرج علي بن أبي طالب (ع) لصلاة الفجر فاقبل ينادي الصلاة الصلاة فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيوف وقائلا يقول الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك وسمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل. وفي الاستيعاب اختلفوا هل ضربه في الصلاة أو قبل الدخول فيها وهرب القوم نحو أبواب المسجد وتبادر الناس لأخذهم قال أبو الفرج فأما شبيب فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره وأخذ السيف ليقتله به فرأى الناس يقصدون نحوه فخشي أن يعجلوا عليه ولم يسمعوا منه فوثب عن صدره وخلاه وطرح السيف من يده ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره فقال له ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين فأراد أن يقول له لا فقال نعم فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله، قال المفيد: وأما ابن ملجم فلحقه رجل من همدان فطرح عليه قطيفة ثم صرعه وأخذ السيف من يده وجاء به أمير المؤمنين (ع) وافلت الثالث وانسل بين الناس، وفي رواية الطبري وابن الأثير أن الذي قتل وردان والذي أفلت شبيب. قال ابن الأثير: وقدم علي (ع) جعدة بن هبيرة ابن أخته أم هانئ يصلي بالناس الغداة قال الشيخ في الأما لي وخرج الحسن والحسين (ع) وأخذا ابن ملجم وأوثقاه، واحتمل أمير المؤمنين (ع) فادخل داره فقعدت لبابة عند رأسه وجلست أم كلثوم عند رجليه ففتح عينيه فنظر إليهما فقال الرفيق الأعلى خير مستقرا وأحسن مقيلا ثم عرق ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني بالرواح إليه عشاء ثلاث مرات، قال ابن الأثير: وادخل ابن ملجم على أمير المؤمنين وهو مكتوف فقال أي عدو الله ألم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا؟ قال شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، قال علي لا أراك إلا قتيلا به ولا أراك إلا من شر خلق الله ثم قال النفس بالنفس أن هلكت فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين إلا لا يقتلن إلا قاتلي، انظر يا حسن إذا أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثلن بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، قال المفيد: فقال ابن ملجم والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف فإن خانني فأبعده الله، ونادته أم كلثوم يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين قال إنما قتلت أباك، قالت يا عدو الله إني لأرجو أن لا يكون عليه باس، قال لها فأراك إنما تبكين علي إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم. فأخرج من بين يديه وان الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون يا عدو الله ما فعلت أهلكت أمة محمد وقتلت خير الناس وأنه لصامت لا ينطق فذهب به إلى الحبس وجاء الناس إلى أمير المؤمنين فقالوا مرنا بأمرك في عدو الله والله لقد أهلك الأمة وأفسد الملة فقال لهم أن عشت رأيت فيه رأيي وإن هلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم احرقوه بعد ذلك بالنار. قال الطبري: وفي قتل علي يقول ابن أبي مياس المرادي ونسبها الحاكم في المستدرك إلى الفرزدق:

قال الطبري: وأما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة قعد لمعاوية فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه فوقع في اليته فأخذ فقال أن عندي خبرا أسرك به فان أخبرتك فنافعي ذلك عندك قال نعم قال أن أخا لي قتل عليا في مثل هذه الليلة قال لعله لم يقدر على ذلك قال بلى أن عليا يخرج ليس معه من يحرسه فأمر به معاوية فقتل، وبعث معاوية إلى الساعدي وكان طبيبا فقال اختر أما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف وأما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ فان ضربتك مسمومة، قال: أما النار فلا صبر لي عليها وأما الولد فان في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني فسقاه الشربة فبرئ وعالج جرحه حتى التام ولم يولد له بعدها. قال سبط ابن الجوزي: لما بلغ القاضي أبا حازم ذلك قال يا ليت ذلك قبل أن يولد يزيد، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد، قال ابن الأثير: وهو أول من عملها في الإسلام أقول المقصورة بناء أو شبهه يصلي داخله الحامل لقب الخلافة لئلا يغتاله أحد ويصلي الناس خلفه. أول من عمله معاوية واقتدى به من بعده. وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن حذافة صاحب شرطته من بني عامر بن لؤي فخرج ليصلي فشد عليه وهو يرى أنه عمرو فقتله فأخذ إلى عمرو فرآهم يسلمون عليه بالإمرة فقال من هذا قالوا عمرو قال فمن قتلت قالوا خارجة فقال لعمرو أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك قال عمرو أردتني وأراد الله خارجة فقدمه عمرو فقتله وبلغ ذلك معاوية فكتب إلى عمرو:

(أقول): وفي ذلك يقول ابن عبدون في رائيته المشهورة:

وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين وابن عبد البر في الاستيعاب باسناديهما وبين كل منهما بعض التفاوت ونحن نذكر محصل الكلامين: أنه جمع لعلي (ع) أطباء الكوفة يوم جرح فلم يكن أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني وكان أبصرهم بالطب وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات وقال أبو الفرج كان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم وقال ابن عبد البر وهو الذي تنسب إليه صحراء أثير فلما نظر إلى الجرح أخذ رئة شاة حارة فتتبع عرقا منها فاستخرجه وادخله في الجرح ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض الدماع فقال يا أمير المؤمنين أعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. قال أبو الفرج الأصبهاني روى أبو مخنف عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على علي (ع) وقد أتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه إذن فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا لقد كان الله في صدرك عظيما ولقد كنت بذات الله عليما. فابلغه الآذن فقال قل له وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المئونة كثير المعونة. وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في أما ليه بسنده إلى الأصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) غدونا عليه نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء من الدار فبكينا فخرج إلينا الحسن بن علي (ع) فقال يقول لكم أمير المؤمنين انصرفوا إلى منازلكم فانصرف القوم غيري واشتد البكاء في منزله فبكيت فخرج الحسن فقال ألم أقل لكم انصرفوا فقلت لا والله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي ولا تحملني رجلاي أن انصرف حتى أرى أمير المؤمنين وبكيت فدخل الدار ولم يلبث أن خرج فقال لي ادخل فدخلت على أمير المؤمنين (ع) فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه واصفر وجهه فما أدري وجهه أشد صفرة أم العمامة فأكببت عليه فقبلته وبكيت فقال لي لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة فقلت له جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين وروى قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج عن عمرو بن الحمق قال دخلت على علي (ع) حين ضرب الضربة بالكوفة فقلت ليس عليك باس إنما هو خدش قال لعمري إني لمفارقكم ثم أغمي عليه فبكت أم كلثوم فلما أفاق قال لا تؤذيني يا أم كلثوم فإنك لو ترين ما أرى أن الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين يقولون انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه. وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن عمرو ذي مر قال لما أصيب علي بالضربة دخلت عليه وقد عصب رأسه فقلت يا أمير المؤمنين أرني ضربتك فحلها فقلت خدش وليس بشيء قال إني مفارقكم فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب فقال لها اسكتي فلو ترين ما أرى لما بكيت فقلت يا أمير المؤمنين ماذا ترى قال هذه الملائكة وفود والنبيون وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يقول يا علي أبشر فما تصير إليه خير مما أنت فيه. وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي في الأمالي بسنده عن حبيب بن عمرو نحوه.

وصية أمير المؤمنين (ع)

ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين. بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ثم أن صلاتى ونسكي ومحياي ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وأن بغتكما ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما وقولا بالحق واعملا للأجر (للآخرة خ ل) وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا أوصيكما وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وإن البغضة حالقة الدين ولا قوة إلا بالله انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب والله الله في الأيتام لا تغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصينا بهم حتى ظننا إنه سيورثهم والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه أن ترك لم تناظروا وإن أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف من ذنبه والله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم والله الله في صيام شهر رمضان فان صيامه جنة من النار والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان أمام هدى ومطيع له مقتد بهداه والله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم فان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم ثم قال الصلاة الصلاة ولا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل والتباذل والتبار وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان واتقوا الله أن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم واستودعكم الله خير مستودع واقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وقال ابن الأثير أنه دعا الحسن والحسين (ع) فقال لهما أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وان بغتكما ولا تبكيا على شيء زوي عنكما منها وقولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك العظيم حقهما عليك ولا تقطع دونهما أمرا ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه وقال للحسن أوصيك أي بني بتقوى الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وغفر الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش.

ثم قال للحسن: أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي. ثم قال للحسن (ع) إذا أنا مت فلا تغال في كفني وصل علي وكبر علي سبعا وفي رواية خمسا وغيب قبري.

قال ابن الأثير ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى توفي صلى الله عليه وسلم وبقي إلى نحو ثلث الليل وتوفي فصرخت بناته ونساؤه وارتفعت الصيحة في القصر فعلم أهل الكوفة أن أمير المؤمنين (ع) قد قبض فاقبل الرجال والنساء يهرعون أفواجا أفواجا وصاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفي غسله الحسن والحسين (ع) ومحمد يصب الماء وقال أبو الفرج غسله الحسن وعبد الله بن عباس وقال ابن الأثير وعبد الله بن جعفر مكان عبد الله بن عباس وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيهما قميص ولا عمامة بل كان القميص والعمامة من غيرها وحنط ببقية حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم وضعوه على سريره وصلى عليه الحسن ابنه وكبر خمسا وقيل ستا وقيل سبعا وقيل تسعا وحمل في جوف الليل من تلك الليلة إلى ظهر الكوفة إلى النجف فدفن بالثوية عند قائم الغريين.

وفي خبر عن الباقر (ع) دخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنوه (ع) وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه. وكان إخفاء قبره بوصية منه (ع) خوفا من بني أمية ومن الخوارج.

وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين بسنده عن أبي البختري إنه لما جاء عائشة قتل أمير المؤمنين (ع) سجدت. وقال الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين وابن سعد في الطبقات وذكر المرزباني في معجم الشعراء إنه لما أتى عائشة نعي أمير المؤمنين (ع) تمثلت:

ثم قالت من قتله؟ قيل رجل من مراد فقالت:

فقالت زينب ابنة أبي سلمة ألعلي تقولين هذا؟! فقالت إني أنسى فإذا نسيت فذكروني قال أبو الفرج ثم تمثلت:

وفي ضربة ابن ملجم أمير المؤمنين (ع) يقول عمران بن حطان الرقاشي الخارجي:

وقد رد عليه جملة من الشعراء منهم طاهر بن محمد حكاه عنه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص فقال:

ومنهم القاضي أبو الحارث الطبري أورده سبط بن الجوزي أيضا وفي الإصابة عارضه الإمام أبو الطيب الطبري وذكر أهل بيتين الأولين فقط:

ومنهم السيد الحميري فقال:

ومنهم أبو المظفر الشهرستاني في كتابه التبصير فقال:

وقال أبو بكر بن حماد أو بكر بن حماد التاهرتي:

قتل ابن ملجم لعنه الله

كان أمير المؤمنين (ع) لما ضربه ابن ملجم أوصى به فيما رواه الحاكم في المستدرك فقال أحسنوا إليه فان أعش فهضم أو قصاص وان أمت فعاجلوه فإني مخاصمه عند ربي عز وجل وفي رواية للحاكم لما جاءوا بابن ملجم إلى علي (ع) قال اصنعوا به ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل جعل له على أن يقتله فأمر أن يقتل ويحرق بالنار.

قال الطبري ولما قبض أمير المؤمنين (ع) بعث الحسن إلى ابن ملجم فأحضره فقال للحسن هل لك في خصلة إني أعطيت الله عهدا أن لا أعاهد عهدا إلا وفيت به وإني عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني وبينه فلك علي عهد الله أن لم أقتله وبقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك فقال له الحسن لا والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله وأخذه الناس فأدرجوه في بواري واحرقوه بالنار، (وقال المفيد) في الإرشاد: استوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه لتتولى إحراقها فوهبها لها فأحرقتها بالنار، وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي إسحاق الهمداني رأيت قاتل علي بن أبي طالب يحرق بالنار في أصحاب الرماح.

موضع قبر أمير المؤمنين (ع)

قد عرفت أنه حمل ليلا إلى ناحية الغريين ودفن هناك واخفي قبره بوصية منه. وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أبي القاسم البلخي أنه قال أن عليا (ع) لما قتل قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفا من بني أمية أن يحدثوا في قبره حدثا فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة وهي ليلة دفنه إيهامات مختلفة فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال يفوح منه روائح الكافور وأخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم يوهمون إنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة (ع) وأخرجوا بغلا وعليه جنازة مغطاة يوهمون إنهم يدفنونه بالحيرة وحفروا حفائر عدة منها بالمسجد ومنها برحبة قصر الإمارة ومنها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد ومنها في الكناسة ومنها في الثوية فعمي على الناس موضع قبره ولم يعلم دفنه على الحقيقة إلا بنوه والخواص المخلصون من أصحابه فإنهم خرجوا به (ع) وقت السحر في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان فدفنوه على النجف بالموضع المعروف بالغري بوصاة منه (ع) إليهم في ذلك وعهد كان عهد به إليهم وعمي موضع قبره على الناس واختلفت الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافا شديدا وافترقت الأقوال في موضع قبره الشريف وتشعبت وادعى قوم أن جماعة من طئ وقعوا على جمل في تلك الليلة وقد أضله أصحابه ببلادهم وعليه صندوق فظنوا فيه مالا فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه ونحروا البعير وأكلوه وشاع ذلك في بني أمية وشيعتهم واعتقدوه حقا فقال الوليد بن عقبة من أبيات يقصد فيها الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال وان تولوها عليا تجدوا هاديا مهديا:

ما حكاه ابن أبي الحديد ولذلك وقع الاختلاف في موضع قبره الشريف بين غير الشيعة أما الشيعة فمتفقون خلفا عن سلف نقلا عن أئمتهم أبناء أمير المؤمنين (ع) انه لم يدفن إلا في الغري في الموضع المعروف الآن ووافقهم المحققون من علماء سائر المسلمين والأخبار فيه متواترة وقد كتب السيد عبد الكريم بن طاوس كتابا في ذلك سماه فرحة الغري استقصى فيه الآثار والأخبار الواردة في ذلك واتى بما لا مزيد عليه.

وروى المفيد في الإرشاد بسنده عن جابر بن يزيد قال سألت أبا جعفر بن علي الباقر (ع) أين دفن أمير المؤمنين قال دفن بناحية الغريين ودفن قبل طلوع الفجر (وبسنده) عن أبي عمير عن رجاله قيل للحسين بن علي (ع) أين دفنتم أمير المؤمنين قال خرجنا به ليلا على مسجد الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغريين فدفناه هناك وقال ابن الأثير دفن عند مسجد الجماعة وقيل في القصر وقيل غير ذلك والأصح أن قبره هو الموضع الذي يتبرك به ويزار. أقول وهذا مما لا شبهة فيه ولا ريب لأن أولاده وذريته وشيعتهم كانوا يزورونه في هذا الموضع وأعرف الناس بقبر الميت له وأتباعه وعليه جميع الشيعة وأئمة أهل البيت وجميع المسلمين إلا من شذ. وفي تذكرة الخواص: حكى أبو نعيم الأصفهاني أن الذي على النجف إنما هو قبر المغيرة بن شعبة قال ولو علم به زواره لرجموه قلت وهذا من أغلاط أبي نعيم فان المغيرة بن شعبة لم يعرف له قبر وقيل أنه مات بالشام قال المفيد في الإرشاد لم يزل قبره (ع) مخفيا لا يعرفه غير بنيه وخواص شيعتهم حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمد (ع) في الدولة العباسية وزاره عند وروده إلى أبي جعفر وهو بالحيرة فعرفته الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته قال صفوان بن مهران الجمال فيما روي عنه في فرحة الغري: لما وافيت مع جعفر الصادق (ع) الكوفة يريد أبا جعفر المنصور قال لي يا صفوان أنخ الراحلة فهذا قبر جدي أمير المؤمنين فأنختها ثم نزل فاغتسل وغير ثوبه وتحفى وقال لي افعل مثلما افعل ثم أخذ نحو الذكوة وقال لي قصر خطاك طلبا لثواب زيادة الخطى إلى أن قال ثم مشى ومشيت معه وعلينا السكينة والوقار نسبح ونقدس ونهلل إلى أن بلغنا الذكوات فوقف ونظر يمنة ويسرة وخط بعكازته فقال لي اطلب فطلبت فإذا اثر القبر ثم أرسل دموعه وقال: السلام عليك أيها الوصي إلى آخر الزيارة إلى أن قال قلت يا سيدي تأذن لي أن أخبر أصحابنا من أهل الكوفة به فقال نعم وأعطاني دراهم وأصلحت القبر وفي رواية عن الصادق (ع) أنه قال لما كنت بالحيرة عند أبي العباس يعني السفاح كنت أتى قبر أمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم ليلا بناحية نجف الحيرة إلى جانب غري النعمان فاصلي عنده صلاة الليل وانصرف قبل الفجر وفي رواية عن صفوان الجمال قال حملت جعفر بن محمد (ع) فلما انتهيت إلى النجف قال يا صفوان تياسر حتى تجوز الحيرة فتأتى القائم فبلغت الموضع الذي وصف فنزل وتوضأ ثم تقدم هو وعبد الله بن الحسن فصليا عند قبر فلما قضيا صلاتهما قلت جعلت فداك أي موضع هذا القبر قال هذا قبر علي بن أبي طالب وهو القبر الذي تأتيه الناس هناك وينبغي أن يكون هذا في خلافة السفاح لأنه هو الذي وفد عليه عبد الله بن الحسن وعن فرحة الغري بسنده عن عبد الله بن عبيد بن زيد قال رأيت جعفر بن محمد وعبد الله بن الحسن بالغري عند قبر أمير المؤمنين (ع) وروى ابن قولويه في كتاب كامل الزيارة بسنده عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله (ع) عن موضع قبر أمير المؤمنين (ع) فوصف لي موضعه حيث دكادك الميل فأتيته فصليت عنده ثم عدت إلى أبي عبد الله (ع) من قابل فأخبرته بذهابي وصلاتي عنده فقال أصبت فمكثت عشرين سنة أصلي عنده. أقول: صفوان كان جمالا يسافر بجماله من الحجاز إلى العراق وبالعكس فكان كلما سافر إلى العراق يصلي عند القبر الشريف وكان هذا كان قبل أن يركب معه الصادق (ع) من الحجاز إلى العراق كما مر فدله على القبر فعرفه بالوصف ثم لما حمله على جمله دله على موضعه بالتعيين وكان من أصحاب الصادق (ع) وشيعته وفي عدة روايات عن الصادق (ع) أنه لما أتى الكوفة صلى ركعتين ثم تنحى فصلى ركعتين ثم تنحى فصلى ركعتين فسئل عن ذلك فقال الأولى موضع قبر أمير المؤمنين والثانية موضع رأس الحسين والثالثة موضع منبر القائم (ع) وقد دل الصادق (ع) جماعة من أصحابه على قبر أمير المؤمنين (ع) بظهر الكوفة في المكان المعروف منهم أبو بصير وعبد الله بن طلحة ومعلى بن خنيس ويونس بن ظبيان وزارة وغيرهم وقبل ذلك جاء الإمام علي زين العابدين (ع) من الحجاز إلى العراق مع خادم له لزيارته فزاره ثم رجع ولكن لم يعرفه جميع الناس ثم عرفه وأظهره الرشيد العباسي بعد سنة 170 فعرفه عامة الناس روى المفيد في الإرشاد عن محمد بن زكريا حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله عن ابن عائشة حدثني عبد الله بن حازم قال خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين والثوية فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة ثم لجات الظباء إلى أكمه فوقفت عليها فسقطت الصقور ناحية ورجعت الكلاب فعجب الرشيد من ذلك ثم أن الظباء هبطت من الأكمة فهبطت الصقور والكلاب فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الصقور والكلاب فعلت ذلك ثلاثا فقال الرشيد اركضوا فمن لقيتموه فائتوني به فأتيناه بشيخ من بني أسد فقال له هارون أخبرني ما هذه الأكمة قال أن جعلت لي ال أما ن أخبرتك قال لك عهد الله وميثاقه أن لا يجك ولا أوذيك قال حدثني أبي عن آبائه إنهم كانوا يقولون أن في هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب جعله الله حرما لا يأوي إليه شيء إلا امن فنزل هارون فدعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرع عليها وجعل يبكي ثم انصرفنا قال محمد بن عائشة وكان قلبي لا يقبل ذلك فحججت إلى مكة فرأيت بها ياسرا خادم الرشيد فقال قال لي الرشيد ليلة من الليالي وقد قدمنا من مكة فنزلنا الكوفة يا ياسر قل لعيسى بن جعفر فليركب فركبا جميعا وركبت معهما حتى إذا صرنا إلى الغريين فأما عيسى فطرح نفسه فنام وأما الرشيد فجاء إلى أكمة فصلى عندها فكلما صلى ركعتين دعا وبكى وتمرع على الأكمة ثم يقول يا ابن عم أنا والله اعرف فضلك وسابقتك وبك والله جلست مجلسي الذي أنا فيه وأنت وأنت ولكن ولدك يؤذونني ويخرجون علي ثم يقوم فيصلي ثم يعيد هذا الكلام ويدعو ويبكي حتى إذا كان وقت السحر قال لي يا ياسر أقم عيسى فأقمته فقال له يا عيسى قم فصل عند قبر ابن عمك قال له وأي ابن عم مني هذا قال هذا قبر علي بن أبي طالب فتوضأ عيسى وقام يصلي فلم يزالا كذلك حتى طلع الفجر فقلت يا أمير المؤمنين أدركك الصبح فركبنا ورجعنا إلى الكوفة.

تعمير القبر الشريف

العمارة الأولى

أول من عمره هارون الرشيد بعد سنة 170 وما في بعض الكتب من أن ذلك كان سنة 155 اشتباه لأن الرشيد استخلف سنة 170 ومات سنة 19

193 وإظهاره القبر وتعميره إنما كان في خلافته قال الديلمي الحسن بن أبي الحسن محمد في إرشاد القلوب بعد ما ذكر مجيء هارون إلى القبر: وأمر أن تبنى عليه قبة بأربعة أبواب وقال أحمد بن علي بن الحسين الحسني في كتابه عمدة الطالب بعد ما ذكر زيارة الرشيد للقبر الشريف: ثم أن هارون أمر فبنى عليه قبة وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله وقال السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاوس الحسني في كتاب فرحة الغري: ذكر ابن طحال أن الرشيد بنى عليه بنيانا باجر أبيض أصغر من هذا الضريح اليوم من كل جانب بذراع ولما كشفنا الضريح الشريف وجدنا مبنيا عليه تربة وجصا وأمر الرشيد أن يبنى عليه قبة فبنيت من طين أحمر وعلى رأسها جرة خضراء وهي في الخزانة اليوم. ويظهر من حديث رواه السيد عبد الكريم بن طاوس في كتاب فرحة الغري الآنف الذكر أن داود العباسي عمل على القبر صندوقا وقال أبو الحسن علي بن الحسن بن الحجاج أنه رأى هذا الصندوق لطيفا قال السيد عبد الكريم بن أحمد بن موسى بن طاوس في فرحة الغري: أخبرني عمي السعيد علي بن موسى بن طاوس والفقيه نجم الدين أبو القاسم بن سعيد والفقيه المقتدى بقية المشيخة نجيب الدين يحيى بن سعيد أدام الله بركاتهم كلهم عن الفقيه محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني عن محمد بن الحسن العلوي الساكن بمشهد الكاظم (ع) عن القطب الراوندي عن محمد بن علي بن المحسن الحلبي عن الشيخ الطوسي ونقلته من خطه حرفا حرفا عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن محمد بن أحمد بن داود عن أبي الحسين محمد بن تمام الكوفي حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحجاج من حفظه قال كنا جلوسا في مجلس ابن عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ وفيمن حضر العباس بن أحمد العباسي وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنونه بالسلامة لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) في ذي الحجة سنة 273 فبينا هم قعود يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسي فأحجمت الجماعة عما كانت فيه وأطال إسماعيل الجلوس فقال يا أصحابنا أعزكم الله لعلي قطعت حديثكم بمجيئي فقال أبو الحسن علي بن يحيى السليماني وكان شيخ الجماعة ومقدما فيهم لا والله يا أبا عبد الله أعزك الله ما أمسكنا لحال من الأحوال فقال لهم يا أصحابنا اعلموا أن الله عز وجل مسائلي عما أقول لكم وما اعتقده من المذهب حتى حلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابه أنه لا يعتقد إلا ولاية علي بن أبي طالب والسادة من الأئمة وعدهم وأحدا وأحدا فانبسط إليه أصحابنا ثم قال لهم رجعنا يوم الجمعة من الصلاة مع عمي داود فقال لنا أينما كنتم قبل أن تغرب الشمس فصيروا إلي ولا يتخلف منكم أحد وكان جمرة بني هاشم فصرنا إليه فقال صيحوا بفلان وفلان من الفعلة فجاءه رجلان معهما آلتهما فقال لنا اركبوا في وقتكم هذا وخذوا معكم الجمل غل أما كان له أسود يعرف بالجمل وكان هذا الغلام لو حمل على سكر دجلة لسكرها من شدته وبأسه وأمضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون أنه قبر علي حتى تنبشوه وتجيؤوني بأقصى ما فيه فمضينا إلى الموضع فحفر الحفارون وهم يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله في أنفسهم حتى نزلوا خمسة أذرع فقالوا قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره فانزلوا الحبشي فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنينا شديدا ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا أشد ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا أشد ثم صاح الغلام صيحة فقلنا اسألوه ما باله فلم يجبهم وهو يستغيث فشدوه بالحبل وأخرجوه فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرافقه دم وهو يستغيث لا يكلمنا ولا يحير جوابا فحملناه على بغل ورجعنا طائرين حتى انتهينا إلى عمي فأخبرناه فالتفت إلى القبلة وتاب ورجع عن مذهبه وركب بعد ذلك في الليل إلى مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقا ولم يخبره بشيء مما جرى ووجه من طم الموضع وعمر الصندوق عليه قال أبو الحسن بن حجاج رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا إلى أن قال: هذا آخر ما نقلته من خط الطوسي رض ورواه الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن الشجري بإسناده نحوه، قال الفقيه صفي الدين محمد بن معد: وقد رأيت هذا الحديث بخط أبي يعلى محمد بن حمزة الجعفري صهر الشيخ المفيد والجالس بعد وفاته مجلسه أقول وقد رأيته بخط أبي يعلى الجعفري أيضا في كتابه كما ذكره صفي الدين المراد نقله من كلام ابن طاوس في فرحة الغري.

العمارة الثانية

عمارة محمد بن زيد الحسني الملقب بالداعي الصغير صاحب بلاد الديلم وطبرستان فإنه أمر بعمارته وعمارة الحائر بكربلاء والبناء عليهما بعد سنة 279 وبنى على المشهد العلوي حصنا فيه سبعون طاقا، وهو محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي ‹ صفحة 537 › طالب الملقب بالداعي الصغير ملك الطبرستان بعد أخيه الحسن بن زيد، وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر وخطب له رافع بن هرثمة بنيسابور ثم سار إلى خرأسان لما بلغه أسر الصفار ليستولي عليها، وحاربه محمد بن هارون السرخسي صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني وجرى بينهما قتال شديد ثم انهزم عسكر العلوي وجرح جراحات عديدة ومات منها بعد أيام سنة 287 وأسر ابنه زيد بن محمد في المعركة وحمله إلى إسماعيل الساماني فأكرمه ووسع عليه وحمل رأسه إلى إسماعيل إلى بخأرى ودفن بدنه بجرجان عند قبر الديباج محمد بن الصادق. قال ابن طاوس في فرحة الغري أن محمد بن زيد الداعي بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد والمعتضد بويع سنة 279 وتوفي 289. وعن محمد بن أبي طالب في كتابه زينة المجالس أنه قال: إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد ابن الحسن فأمر محمد بعمارة المشهدين مشهد أمير المؤمنين ومشهد أبي عبد الله الحسين وأمر بالبناء عليهما وممن ذكر بناء محمد بن زيد العلوي محمد بن طحال فيما حكي عنه.

ويدل بعض الأخبار أن الذي بناه الحسن بن زيد الملقب بالداعي الكبير أخو محمد بن زيد المتقدم ظهر بطبرستان سنة 250 وتوفي سنة 270 قتله مرداويج الديلمي ففي ذيل خبر داود العباسي المتقدم الذي مر أنه عمر عليه الصندوق قال أبو الحسن بن حجاج رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد، وفي ذيل حديث ابن الشجري المشار إليه آنفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالداعي الخارج بطبرستان ولعله وقع اشتباه من النساخ أو بعض المؤلفين فأبدل اسم محمد باسم أخيه الحسن أو أن الحسن كان قد بنى عليه حائطا ثم بناه أخوه محمد فجعل له حصنا بسبعين طاقا كما مر وبعد ذلك زيد فيه.

وممن عمره الشريف عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر المقتول سنة 250 ابن يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. في مستدركات الوسائل أن عمر الثاني هذا رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة سنة 323 وبنى قبة جده أمير المؤمنين (ع) من خال صلى الله عليه وسلم ماله.

هذا ولكن يظهر من بعض الروايات أن ابن زيد هو أول من بنى على القبر الشريف وأنه قبل عمارته لم يكن عليه بناء ولم يكن عليه شيء وما كان إلا الأرض وهو ينافي ما مر من أن أول من بناه الرشيد وأن داود العباسي عمل له صندوقا، فعن الطبري في دلائل الإمامة عن حبيب بن الحسين عن عبيد بن خارجة عن علي بن عثمان عن فرات بن أحنف عن الصادق (ع) في حديث زيارته لأمير المؤمنين (ع) قال: هاهنا قبر أمير المؤمنين، أما أنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلا ممتحنا في نفسه بالقتل يبني عليه قال حبيب بن الحسين سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء ثم أن محمد بن زيد وجه فبنى عليه. وعن كتاب المنتظم لأبي الفرج الجوزي: أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي سمعت أبا الغنائم ابن السرسي كان يقول توفي بالكوفة 313 من الصحابة لا يدري أحد منهم قبره إلا قبر علي، وجاء جعفر بن محمد ومحمد بن علي بن الحسين فزارا الموضع من قبر أمير المؤمنين علي ولم يكن إذ ذاك القبر وما كان إلا الأرض حتى جاء محمد بن زيد الداعي فاظهر القبر. ولكن ما تقدم يؤكد بناء الرشيد عليه لا سيما قول ابن طاوس أن الجرة الخضراء التي أنت على أعلى القبة موجودة في الخزانة، ويمكن أن يكون بناء الرشيد قد انهدم ودرس لا سيما أنه كان من طين أحمر وأما بناؤه القبر بالآجر الأبيض فالظاهر أنه كان تحت الأرض ولم يكن ظاهرا منه إلا قدر أربع أصابع أو نحو ذلك فطمر بالرمال على طول المدة.

العمارة الثالثة

عمارة السلطان عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي في أيام الطائع فإنه عمر المشهدين العلوي والحسيني وبلغ الغاية في تعظيمهما والأوقاف عليهما وعمر مشهد أمير المؤمنين (ع) عمارة عظيمة وأنفق عليه أموالا جليلة وستر حيطانه بخشب الساج المنقوش ووقف له الأوقاف وبنى عليه قبة بيضاء، وفيها يقول ابن الحجاج الشاعر المشهور:

وملك عضد الدولة العراق سنة 367 وتوفي 372 والظاهر أن العمارة كانت سنة 369 فما يوجد في بعض المؤلفات أن عمارته كانت سنة 338 وما في بعضها إنها كانت سنة 376 اشتباه لأن التاريخ الأول متقدم على ولايته العراق والثاني متأخر عن وفاته. قال الديلمي في إرشاد القلوب بعد ما ذكر أن الرشيد أمر أن يبنى عليه قبة بأربعة أبواب: وبقي إلى أيام السلطان عضد الدولة فجاء فأقام في ذلك الطريق قريبا من سنة هو وعساكره وبعث فأتى بالصناع والأستاذية من الأطراف وخرب تلك العمارة وصرف أموالا كثيرة جزيلة وعمر المشهدين عمارة جليلة حسنة هي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم وظاهره أن العمارة التي كانت قبل عمارة عضد الدولة هي عمارة الرشيد مع إنها عمارة الحسن بن زيد. وفي عمدة الطالب عند ذكره لهذه العمارة قال: وعين له أوقافا ولم تزل عمارته باقية إلى سنة 753 وكان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك العمارة وجددت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن ولم يبق من عمارة عضد الدولة إلا القليل وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق. ولكن عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلي المجاور بالنجف الأشرف في نسخته المخطوطة في الخزانة العلوية الذي تم كتابة في المحرم سنة 755 قال: في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية صلوات الله على مشرفها وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760وهو أعرف بتاريخ احتراقها من صاحب إرشاد الديلمي لأنه شاهده وذلك متأخر عنه لأنه توفي 841 وأراد عضد الدولة أن يجري الماء من الفرات إلى النجف تحت الأرض لأن مكانه مرتفع لا يمكن أن يصل إليه الماء على وجه الأرض فحفر إلى جهة الشمال فنبعت في أثناء الحفر عين منعت من مواصلة الحفر لكن ماءها ليس بشروب فاكتفى بها للانتفاع بغير الشرب وساق ماءها إلى آبار عميقة محكمة البناء ووصل بينها بقنوات محكمة يسير فيها ألفارس فيجري الماء من بئر إلى بئر ثم يخرج ما يفضل منه إلى جهة المغرب، ثم حفر الناس بعد ذلك آبارا أخر منها موصول بتلك الآبار ومنها غير موصول ولذلك كانت بعضها آبارا شرعية وبعضها حكم مائها حكم الماء الجاري. والسراديب التي لها شبابيك إلى تلك الآبار يأتي إليها الهواء البارد في الصيف لاتصال بعضها ببعض، وقد شاهد عمارة عضد الدولة ابن بطوطة في رحلته وكانت سنة 727 فقال: ‹ صفحة 538 › دخلنا من باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر علي (ع) وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني وهو شبه الزليج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة ثم أشار إلى الاستئذان وتقبيل العتبة قال وهي من الفضة وكذلك العضادتان ثم يدخل الزائر القبة وفي وسطها مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلب على الخشب بحيث لا يظهر منه شيءوارتفاعها دون القامة وفوقها ثلاثة قبور يزعمون إنها قبر آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام وعلي رضي الله عنه وبين القبور طشوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يغمس الزائر في ذلك يده ويدهن به وجهه تبركا وللقبة باب آخر عتبته أيضا من الفضة يفضي إلى مسجد وله أبواب أربعة عتبتها فضة وذلك هو الذي بناه عمران بن شاهين في أيام عضد الدولة بعد عمارة عضد الدولة وقوله أن بين القبور طشوت ذهب وفضة لعله اشتباه منه فرأى أواني تشبه الذهب والفضة فظنها منهما فاستعمال أواني الذهب والفضة محرم لا يمكن أن يرخص فيه العلماء ولا أن يستعمل من دون إذنهم. وقال ابن طاوس في فرحة الغري: أن عضد الدولة بني الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام وإلى الآن يعرف الباقي منه في دهليز باب الطوسي بمسجد عمران. وبلغ عضد الدولة الغاية في تعظيم المشهد وبنى لنفسه قبة عظيمة في النجف بجوار المشهد من جهة الغرب وأوصى أن يدفن فيها فدفن هناك وبقيت القبة حتى هدمها السلطان سليمان العثماني لما دخل العراق سنة 940 وجعلها تكية للبكتاشية وبقيت إلى هذا الزمان وبابها في الجهة الغربية من الصحن الشريف. وبعض يظن أن الذي فعل ذلك هو السلطان سليم والصواب أنه ولده سليمان وإنما نسب إلى سليم لشهرته. وحكى بعض المعاصرين عن صاحب خريدة العجائب أنه قال عند ذكر الكوفة وفيها قبة عظيمة يقال إنها قبر علي بن أبي طالب والقبة بناء أبي العباس عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس. وفي نزهة الجليس للسيد عباس الموسوي العاملي المكي أنه قد عقدت على قبر آدم ونوح وعلي (ع) قبة عظيمة وأول من عقد هذه القبة عليهم عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس ثم عمرها الملوك من بعده وعبد الله هذا هو والد سيف الدولة الملقب بأبي الهيجاء ولاه المكتفي إمارة الموصل سنة 293، وإذا صحت هذه الرواية كان بناء عبد الله بن حمدان قبل بناء عضد الدولة لأن ابن حمدان توفي قبل سنة 317 وعضد الدولة توفي سنة 772 ولكن لم نجد من ذكر بناء عبد الله بن حمدان غيرهما والله أعلم.

العمارة الرابعة

التي حصلت بعد عمارة عضد الدولة التي احترقت كما مر فجددت سنة 760 ولا يعلم مجددها وربما تكون من جماعة لا من شخص واحد ولذلك لم يذكر مجددها والعادة قاضية بأنها لو كانت من شخص واحد لذكر اسمه خصوصا إذا كان معروفا وخصوصا ممن شاهدها كابن العتايقي كما مر. وفي أثناء هذه المدة حدثت فيه إصلاحات وعمارات من البويهيين والحمدانيين وبعض العباسيين وبني جنكيز والإيلخانيين وغيرهم.

العمارة الخامسة

الموجودة اليوم والمشهور بين أهل النجف إنها للشاه عباس الصفوي الأول وان المباشر والمهندس لها الشيخ البهائي فجعل القبة خضراء بعد ما كانت بيضاء ولكن في رسالة نزهة أهل الحرمين أن الابتداء بها كان بأمر الشاه صفي الصفوي سنة 1047 كما ذكره صاحب البحر المحيط واشتغلوا بها إلى أن توفي الشاه صفي سنة 1052 فأتمها ابنه الشاه عباس الثاني وما اشتهر بين أهل النجف إنها عمارة الشاه عباس بهذا الاعتبار ثم استشهد على ذلك بكلام السيد شرف الدين علي النجفي في حواشيه على اثني عشرية صاحب المعالم حيث قال عند ذكر محراب مسجد الكوفة وحائطه القبلي وان فيهما تيامنا عكس ضريحه المقدس ما لفظه: وعند عمارته بأمر السلطان الأعظم الشاه صفي قلت للمعمار غيره إلى التيامن فغيره ومع هذا فله تياسر في الجملة ومخالف لمحراب الكوفة واستشهد أيضا بقول الشيخ محمد بن سليمان بن زوير السليماني: الذي ثبت عندي أن أول عمارته الموجودة الآن كانت سنة 1057 والشاه صفي توفي 1052 والمشهور بين أهل المشهد أن العمارة كانت في أكثر من عشرين سنة ولا يستقيم ذلك إلا بان يكون مبدأ العمارة كان زمن الشاه صفي وإتمامها على يد الشاه عباس أقول كلام السيد شريف الدين يدل على عمارته بأمر الشاه صفي ولا ينفي أن يكون عمر قبل ذلك بأمر الشاه عباس الأول فقد بقي في الملك 72 سنة فيمكن أن يكون عمره في أوائل سلطنته ثم وقع فيه خلل فأعاده حفيده الشاه صفي وأما كلام السليماني فظاهر انه اجتهاد لقوله: الذي ثبت عندي وبنائه أن إكمال عمارته على يد الشاه عباس الثاني على ما اشتهر بين أهل المشهد فإذا كانت للشهرة بينهم قيمة فليعتبر ما اشتهر بينهم أن مؤسسها الشاه عباس الأول ويحصل الجمع بذلك على أن امتداد العمارة أكثر من عشرين سنة والأمر بها ملك عظيم بعيد عن الاعتبار على أن المحكي عن المنتظم الناصري في حوادث سنة 1042 أن الشاه صفي حينما زار المشهد الشريف رأى بعض النقصان في بناء المرقد فأمر وزيره ميرزا تقي المازندراني بإصلاح تلك الأماكن المشرفة فجاء بالمعمارين والمهندسين إلى النجف ومكث فيها ثلاث سنين مشغولا بهذا العمل وهو ينافي ما تقدم عن السليماني ولعله الصواب هذا مع ما يظهر من بعض القيود أن الشاه صفي وسع الصحن الشريف وزاد عليه والله أعلم ثم جدد عمارة الصفوية السلطان نادر الأفشاري وزاد عليها وزخرف القبة الشريفة ومنارتي المشهد وإيوانه بالذهب الأبريز بعد فتحه الهند كما هي عليه اليوم ويقال أن على كل لبنه تومانا نادريا من الذهب وأهدى إلى المشهد الشريف من الجواهر والتحف شيئا كثيرا وذلك في سنة 1156 أو 54 وكتب اسمه داخل طاق الباب الشرقي هكذا المتوكل على الملك القادر السلطان نادر وتحته تاريخ لم يبق بذاكرتي وأظنه التاريخ السابق وعمر فيه الشاه احمد ناصر الدين القاجاري بعد ذلك وتنافست الملوك والأمراء في عمارته والإهداء إليه وأهدى إليه السلطان عبد العزيز العثماني شمعدانين عظيمين من الفضة المؤزرة بالذهب على أبدع شكل وكذلك إلى مشهد الحسين (ع) ومثلهما إلى مشهدي الكاظمية وسأمراء ومشهد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد.

أسوار النجف

لما كانت النجف على طرف البرية المتصلة ببر الشام وكان يخشى عليها من غزو الأعراب وغيرهم اجتهد ملوك الشيعة وأمراؤها في حفظها ورد عادية الغزاة عنها فبنوا عليها سورا وجددوه كلما اقتضى الحال.

السور الأول

بناه عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي ملك العراق حين عمر الحضرة الشريفة بين سنة 367 و372 كما مر.

السور الثاني

بناه الحسن بن سهلان وزير سلطان الدولة بن بويه الديلمي سنة 400 كما ذكره ابن الأثير وغيره وذلك أنه مرض فنذر أن عوفي أن يبني عليها سورا فعوفي فأمر ببنائه أما بان يكون الأول قد استهدم فهدمه وأعاد بناءه أو بنى سورا أوسع من الأول وهدم الأول.

السور الثالث

بناه بعض ملوك الهند كما عن بستان السياحة ويقال انه أوسع من السور الثاني ويقال أن نادر شاة حين مجيئه للنجف أمر بتسويرها وكان مجيئه إليها سنة 1156 ولعله أصلح السور السابق.

السور الرابع

بناه نظام الدولة محمد حسين خان العلاف الأصفهاني وزير فتح علي شاة القاجاري وهو أعلى الأسوار التي بنيت واحكمها وهو الموجود الآن وفي هذه السنين هدم كثير منه لعدم الحاجة إليه.

أول من أمر بضرب السكة الإسلامية

ذكر ألفاضل المتتبع الشيخ حيدر قلى خان بن نور محمد خان الكابلي نزيل كرمانشاه في رسالته غاية التعديل في الأوزان والمكاييل وأخبرني به من لفظه بمنزله في كرمانشاه يوم السبت العشرين من المحرم سنة 1353 في طريقنا إلى زيارة الرضا (ع) وهو يعرف اللغة الإنكليزية جيدا قال رأيت في دائرة المعارف البريطانية في صفحة 904 من الطبعة الثالثة والعشرين عند الكلام على المسكوكات العربية ما تعريبه ملخصا: أن أول من أمر بضرب السكة الإسلامية هو الخليفة علي بالبصرة سنة 40 من الهجرة الموافقة لسنة 660 مسيحية ثم أكمل الأمر عبد الملك الخليفة سنة 76 من الهجرة الموافقة لسنة 695 مسيحية ويأتي في سيرة الباقر (ع) خبر ضرب السكة في عهد عبد الملك بن مروان.

مؤلفات أمير المؤمنين

عليه السلام

قد ذكرناها مفصلة في الجزء الأول في المقدمات عدى الأخيرين ونعيد ذكرها هاهنا إجمالا لترتبط بسيرته (ع).

1-جمع القرآن وتأويله أو جمعه على ترتيب النزول كما مر في المقدمات.

2-كتاب أملى فيه ستين نوعا من أنواع علوم القرآن وذكر لكل نوع مثالا يخصه وذكرنا في المقدمات سندنا إليه.

3-الجامعة

4-الجفر

5-صحيفة الفرائض

6-كتاب في زكاة النعم

7-كتاب في أبواب الفقه

8-كتاب آخر في الفقه

9-عهده للأشتر

10-وصيته لمحمد بن الحنفية

11-كتاب عجائب أحكامه وقضاياه وقد جمعها جماعة من العلماء وجمعناها نحن في كتاب وأدرجنا فيه كتاب عجائب أحكامه رواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن أبيه عن جده مطبوع

12-ما اثر عنه من الأدعية والمناجاة جمعه بعض العلماء وسماه الصحيفة العلوية.

13-مسنده الذي جمعه النسائي أي ما اثر عنه من الأحاديث والروايات. في كشف الظنون ما صورته: مسند علي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفي سنة 303وهو غير كتاب خصائص النسائي في فضل علي بن أبي طالب (ع) الذي ذكر في كشف الظنون أيضا. والثلاثة الأخيرة إنما يمكن عدها من مؤلفاته بنوع من التوسع

14-جنة الأسماء. في كشف الظنون ما صورته. جنة الأسماء للإما م علي بن أبي طالب شرحها الإمام حجة الإسلام محمد بن محمد الغزالي المتوفي سنة 505 كذا وجدت في بعض الكتبولم يظهر ما هي جنة الأسماء هذه التي شرحها الغزالي وما هي جهة نسبتها إلى أمير المؤمنين (ع) ولعله وقع تحريف في الكلام.

الكتب المجموعة من كلامه (ع)

مر في القسم الأول من هذا الجزء قول ابن أبي الحديد انه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له. وقد أشرنا إلى أسماء ما اطلعنا عليه مما دون من كلامه في ج 3 ق 1 ونعيد ذكرها هنا باختصار وزيادة عما ذكر هناك

1-نهج البلاغة جمعه الشريف الرضي طبع عدة مرات

2-ما فات نهج البلاغة من كلامه جمعه الفاضل المعاصر الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر الفقيه النجفي الشهير

3-مائة كلمة جمع الجاحظ

4-غرر الحكم ودرر الكلم جمع عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الآمدي التميمي جمعه من حكمه القصيرة يقارب نهج البلاغة ودعاه إلى جمعه ما تبجج به الجاحظ في جمعه المائة كلمة

5-دستور معالم الحكم

6-نثر اللآلئ جمع أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان

7-كتاب مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب جمع أبي إسحاق الوطواط الأنصاري فيه مائة من الحكم المنسوبة إليه طبع في لبسك وبولاق وترجم إلى ألفارسية والألمانية

8-قلائد الحكم وفرائد الكلم جمع القاضي أبي يوسف يعقوب بن سليمان الأسفرايني

9-كتاب معميات علي (ع)

10-أمثال الإمام علي بن أبي طالب طبع الجوائب مرتب على حروف المعجم

11-ما جمعه المفيد في كتاب الإرشاد من كلامه (ع)

12-ما اشتمل عليه كتاب صفين لنصر بن مزاحم من خطبه وكتبه

13-ما اشتمل عليه كتاب جواهر المطالب من كلامه إلى غير ذلك.

الكلام على نهج البلاغة

نهج البلاغة كتاب جمعه الشريف الرضي محمد بن أبي احمد الحسين الهاشمي العلوي واختاره وانتخبه من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقال في خطبته رأيت كلامه (ع) يدور على أقطاب ثلاثة، أولها: الخطب والأوأمر، ثانيها: الكتب والرسائل، ثالثها: الحكم والمواعظ، وقال في خطبته أيضا وفيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق ما هو بلال كل غلة وشفاء كل علة وجلاء كل شبهة. ويمكن تقسيم محتويات هذا الكتاب إلى أقسام

1-الكلام في التوحيد والعدل وصفات الباري تعالى وتنزيهه عن شبه الخلق

2-الخطب السياسية وخطب الحروب والتظلم

3-الخطب الدينية في الوعظ والترهيب والترغيب وذم الدنيا والأخلاقيات والوصايا ومدح العلم

4-الوصايا

5-الأدعية

6-الملاحم

7-الصفات كوصف الطاووس والخفاش والنملة والجرادة ووصف الجنة وغيره

8-الكتب والرسائل

9-الحكم القصيرة والأمثال.

وهذا الكتاب قد حوى من نفائس الكلام ما استحق به أن يسمى نهج البلاغة واشتهر في جميع الأقطار والأمصار والإعصار اشتهار الشمس في رائعة النهار. وشرح نيفا وثلاثين شرحا من أعاظم العلماء، وأول من شرحه علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي جامع النهج وآخر من شرحه الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية من أهل هذا العصر وهذا الكتاب الذي هو من مفاخر العرب والإسلام مجموع من أماكن متبددة من كتب العلماء كغيره من الكتب التي جمعت من كلام الفصحاء من الشعراء والخطباء وغيرهم كديوان الحماسة الذي جمعه أبو تمام من مختارات الأشعار وكتاب المفضليات للضبي وحماسة البحتري التي جمعها على نحو حماسة أبي تمام وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وغير ذلك من الكتب التي لا تحصى المجموعة من كلام البلغاء نثرا ونظما ولم نجد أحدا قدح فيها أو في نسبتها إلى أصحابها إلا شاذا قد يخطئون فيه المؤلف في نسبته شعرا أو كل أما لرجل فيقولون قد روى فلان انه لغيره. ولكن نهج البلاغة تناوله جماعة بالإنكار، فقال بعضهم إنه كله من كلام جامعه لا من كلام من نسب إليه، وبعضهم أخطأ في اسم جامعه فنسبه إلى الشريف المرتضى أخي الشريف الرضي وادعى انه من وضعه لا من كلام علي. وبعضهم تنازل عن هذه الدعوى إلى ما هو أخف منها فقال: انه قد ادخل فيه ما ليس من كلام علي (ع). وبعضهم كالذهبي في ميزانه تجاوز الحد فادعى أن كلامه ركيك وإنه ليس من نفس القرشيين.

وإذا تأملنا بعين البصيرة والإنصاف وجدنا أن الباعث لهؤلاء على إنكار نهج البلاغة كله أو بعضه إنما هو اشتماله على ما يعدونه قدحا في الصحابة المقدسين عن كل قدح كالذي اشتملت عليه الخطبة الشقشقية وغيرها، واشتماله على ما يظهر منه التألم ممن تقدمه في الخلافة وإظهار انه أحق بها منهم، هذا هو الباعث لهم على الإنكار لا أقل ولا أكثر. وقد أوضح عن هذا المعنى أمير البيان الأمير شكيب أرسلان في كلام له في مجمع من أفاضل دمشق المشهورين حين زارها بعد رجوعه من أوربا بعد الحرب العامة الثانية فجرى ذكر نهج البلاغة فقال أحدهم انه موضوع على لسان علي ووافقه الباقون والأمير شكيب ساكت فسألوه عن رأيه في ذلك فقال إذا كان موضوعا فمن هو واضعه هل هو الشريف الرضي؟ قالوا نعم قال أن الشريف الرضي لو قسم أربعين رجلا ما استطاع أن يأتي بخطبة واحدة قصيرة من خطب نهج البلاغة أو جملة من جمله، نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون شك أو ريب ولكن الذي أوجب الشك فيه اشتماله على القدح في الصحابة الذين هم مقدسون في أنظار الناس.

ولما كان نهج البلاغة له منه عليه شواهد وهو كسائر كلام علي كما قيل عنه انه بعد كلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق لا يرتاب في ذلك إلا أمثال من يريد التشكيك في الشمس الضاحية وقد تشبث جماعة من أهل هذا العصر بوجوه اقتبسوا أكثرها من أقوال بعض المستشرقين ممن يهمهم التشكيك في كل اثر إسلامي.

"منها" إنه ليس فيه أسانيد. (والجواب) أن جامعه لما كان من العلماء الثقات الخيرين وجب قبول قوله في أنه أخذ ما جمعه من كتب العلماء المعتبرة ولم يكن قصده من جمعه أن تؤخذ منه الأحكام ومسائل الحلال والحرام ليذكر أسانيده وإنما قصد جمع مختارات كلام له حظه في الفصاحة والبلاغة والمضامين العالية لينتفع قراؤه بذلك. ولو علم الشريف الرضي انه سيجيء زمان ينكر فيه بعض الناس أن نهج البلاغة من كلام علي ويدعي فيه الركة وهو لا يعرف جامعه فينسبه إلى غيره لأجتهد في ذكر أسانيده وذكر الكتب التي انتخبه منها كما أنه أشار إلى بعضها.

"ومنها" وجود كلمات فيه لم تتكلم بها العرب في الجاهلية ولا في الإسلام حتى ترجمت كتب المنطق والفلسفة ووضع علم الأصول وذلك كلفظة الكيفية وما اشتق منها بقوله في خطبة الأشباح لتجري في كيفية صفاته وقوله فتكون في مهب فكرها مكيفا وبعد كون اللفظة عربية والاشتقاق منها عربي لا يضر عدم اطلاع هؤلاء على وجودها في كلام العرب في جاهلية أو إسلام ومتى أحاطوا بكلام العرب أو بما نقل في كتب الأدب من كلام العرب وقد وجدت كلمة "القسطاس" وغيرها من الألفاظ الغير العربية في القرآن المجيد ولم يعترض منكرو القرآن على القرآن بأن فيه كلمات غير عربية أو لم ترد في كلام العرب ومثل هذا الاعتراض إنما يقوله العاجز الذي لا يجد اعتراضا ويريد أن يتشبث بالأوهام. وكلفظ الخاص والعام والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين التي هي من مصطلح علم الأصول الذي وضع في القرن الثاني وهي موجودة في الخطبة التي يذكر فيها ابتداء خلق السماوات والأرض وآدم ومن البعيد أن يتفق لإنسان سرد أسماء متعددة موضوعة لمعان خاصة بها في علم خاص من غير أن يكون له اطلاع على ذلك العلم ومعرفة بمواضعات له. وهذا الاعتراض كسابقه في أنه اعتراض من يريد أن يعترض ولا يجد بابا للاعتراض فيتشبث بما ليس فيه تشبثا فهذه الألفاظ عربية صحيحة ورد بعضها (وهو المحكم والمتشابه) في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة آل عمران {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات}، والعام والخاص والمجمل والمبين من الألفاظ الشائعة في كلام العرب الكثيرة الاستعمال وقد وجد (العموم والخصوص والإجمال والتبيين) في القرآن الكريم فإذا أراد علي أن يبين هذه المعاني الموجودة في القرآن عند كلامه على القرآن فبأي لفظ يريد أن يعبر هل كان عليه أن يجتنب لفظ العموم والخصوص والإجمال والتبيين لأنها ستوجد في مصطلح الأصوليين ما هذا إلا تحكم، ولعل الأصوليين إنما أخذوها من كلام علي وكلام غيره من العلماء السابقين عليهم. وكلفظ (أزل وأزلية) بمعنى القدم فقد تكررت هذه الكلمة في مواضع من نهج البلاغة وقد صرح أئمة اللغة أن قولهم أزلي وأزلية مصنوع وليس من كلام العرب وتكلفوا لتخريجه وهذا أيضا كسابقيه فقد نص الفيروزبادي في قاموسه وهو ما لا ينكر تبحره في اللغة وسعة اطلاعه على أن الأزل عربي فقال ما لفظه: الأزل بالتحريك القدم وهو أزلي أو أصله يزلي منسوب إلى لم يزل ثم أبدلت الياء ألفا للخفة كما قالوا في الرمح المنسوب إلى ذي يزن أزني وفي الصحاح الأزل بالتحريك القدم يقال أزلي وذكر بعض أهل العلم أن أصل هذه الكلمة قولهم للقديم لم يزل ثم نسب إلى هذا فلم يستقم إلا بالاختصار فقالوا يزلي ثم أبدلت الياء ألفا لأنها أخف فقالوا أزلي كما يقال في الرمح المنسوب إلى (ذي يزن أزني) ونصل إثربي أي منسوب إلى يثرب وكيف كان فقد اعترف صاحب القاموس بوجود أزل وأزلي في كلام العرب أما انه مأخوذ ومولد من لم يزل كما حكي عن بعض أهل العلم أو مرتجل فأمر لا يقدح في وجوده في كلام العرب ولا يوجب الشك في نهج البلاغة إذا وجد فيه إلا ممن يريد أن يتشبث بما لا تشبث فيه.

وكقوله في خطبة خلق السماء والأرض (لشهادة كل صفة إنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة) فإن هذا التعبير لم تعرفه العرب قبل أن يوضع علم الكلام في العصر العباسي. وهذا أيضا كالأمور السابقة فإن العبارات لا حجر فيها على أحد وإذا وافقت كلمة من كلمات نهج البلاغة تعبير أهل الكلام فليس لأحد أن يقدح في صحة نسبة نهج البلاغة إلى علي بكونها موافقة لاصطلاح علماء الكلام إلا أن يريد أن يتعنت ويتعسف ولعل أهل علم الكلام أخذوا هذه العبارة من كلام علي فبعد أن تكون ألفاظها عربية فصيحة شائعة في استعمال العرب فلا حجر على أحد في استعمالها ولا استبعاد في وجودها في نهج البلاغة ومن أين لنا أن نقول أن هذا التعبير لم تعرفه العرب وهو عربي فصيح ومفرداته شائعة في كلام العرب كثيرة الدوران على ألسنتهم.

(ومنها) وجود كلمات مخالفة لقواعد اللغة والفصيح المشهور منها مثل كلمة (معلول) في قوله "وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول" وقوله "وكل قائم في سواه معلول" ولم ترد هذه الكلمة في كلام صحيح إذ يقال على يعل بالبناء للفاعل فهو عليل وأعله الله فهو معل. ولكن صاحب الصحاح ن صلى الله عليه وسلم على صحة استعمال على بالبناء للمفعول فهو معلول فقال وعلى الشيء فهو معلول أما صاحب القاموس فإنه قال عل يعل واعتل وأعله الله تعالى فهو معل وعليل ولا تقل معلول والمتكلمون يقولونها ولست منه على ثلج. وفي تاج العروس استعمل أبو إسحاق لفظ المعلول في العروض وقال في شرح قوله ولست منه على ثلج لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول. فقد ظهر أن لفظ معلول عربي نص عليه صاحب الصحاح وكفى به أماما في علم اللغة وكون الفيروزبادي ليس منه على ثقة لا يوجب عدم صحته مع كون صاحب الصحاح منه على ثقة والقياس يقتضيه باقتضائه جواز أن يقال على بالبناء للمعقول كحم وجن وكفى دليلا وجوده في كلام علي فبدلا أن يستدل بهذه اللفظة على عدم صحة نهج البلاغة لورودها فيه يجب أن يستدل على صحتها بوجودها في نهج البلاغة.

"ومنها" استعمال التقى به والعرب تقول التقى الرجلان. وإذا كانت العرب تقول التقى الرجلان فما ذا يقول الرجل إذا أراد أن يخبر انه التقى مع رجل آخر هل له عبارة إلا أن يقول التقيت به والتضمين في كلام العرب شائع فلا مانع من أن يضمن التقى معنى اجتمع فيقال التقى به كما يقال اجتمع به وعدم نص أهل اللغة على ذلك لا يجعله غير صحيح فكم فات أهل اللغة من الاستعمالات الصحيحة العربية ونرى العرب يقولون علمته وعلمت به فيعدون علم بالباء مع أنه متعد بنفسه.

ومنها وجود كلمات مولدة مثل تلاشت في قوله وما تلاشت عنه بروق الغمام وكلمة تلاشى مولدة لم ترد في كلام صحيح للمتقدمين. وكون كلمة تلاشى مولدة عن لا شيء لا يمنع من استعمالها في كلام المتقدمين من فصحاء العرب وعدم العثور عليها في كلامهم لا يوجب انتفاءها فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. ومنها وجود الغيرية والأبعاض وهما بكلام المناطقة والمتكلمين أشبه. فأما الغيرية فهي نسبة إلى غير والنسب قياسية وأما الأبعاض فهي جمع بعض بنص الجوهري والفيروز آبادي ودخول الألف واللام عليها لا مانع منه حتى لو سلمنا عدم جواز دخولها على مفردها كما يقوله بعضهم مع أنه غير مسلم فدخولها على الجمع لا مانع منه لأنه نكرة ووجودها في كلام المناطقة والمتكلمين لا يمنع من وجودها في الكلام العربي الفصيح ولعل المناطقة والمتكلمين إنما أخذوها من كلام العرب الفصيح.

"ومنها" وجود مبالغة في الوصف كقوله في وصف النملة لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر، وفي وصف الطاووس: فكيف تصل إلى هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول أو ننتظم وصفه أقوال الواصفين وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه والألسنة أن تصفه، وهذا بأسلوب أهل الخيال من الشعراء والكتاب أشبه منه بأسلوب العلماء أهل الورع في تقرير الأدلة على قدرة الخالق وابداع صنعته. والمبالغة قد جاءت في القرآن الكريم في قوله تعالى {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} وقوله تعالى {ألم تر أن الله يزجي سحابا} إلى قوله {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} إلى قوله {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} وقوله {تعالى أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذإنهم من الصواعق حذر الموت يكاد البرق يخطف أبصارهم} والمبالغة المعتدلة هي من أقسام البلاغة فلا مانع من وجودها في أقوال العلماء أهل الورع في تقرير الأدلة على أي شيء كان.

"ومنها" أن فيه ما ينافي زهده في الدنيا كتلهفه على الخلافة مما تضمنته الخطبة الشقشقية والجواب أن ذلك لا ينافي الزهد بوجه من الوجوه وإذا كان يرى أن الخلافة حق له وفرض ديني واجب عليه فلا جرم أن يتألم ويتلهف من منعه إياه. "ومنها" بعض الجمل المشتملة على اللعن أو الذم كقوله لابن عباس لا تلقين طلحة فإنك أن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه وقوله للأشعث بن قيس عليك لعنة اللاعنين حائك ابن حائك ومنافق ابن كافر وكقوله للمغيرة بن الأخنس يا ابن اللعين الأبتر وقوله من كتاب إلى عمرو بن العاص فطلبت فضله أتباع الكلب للضرغام وكقوله من كتاب إلى عثمان بن حنيف وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس. والجواب أن تعبيره عن طلحة بذلك يراد به الشدة ولم يكن هذا التعبير يعد فحشا في ذلك العصر على أنه إذا ذم من نكث عهده وخرج لحربه ولو استطاع قتله لقتله لم يكن في ذلك استغراب. وأما الأشعث فقد كان منافقا وعدوا لأمير المؤمنين وكان يفسد عليه أموره فلا غرو أن قال له ذلك. وكذلك المغيرة بن الأخنس واجهه بكلام ولا يواجه به مثله من قوله أنا أكفيك. وكتابه إلى عمرو بن العاص هو دون ما يستحق وكذلك كتابه إلى عثمان بن حنيف هو دون ما يستحقه من قيل فيه ذلك. ‹ صفحة 542 › ومنها أخباره عن كثير من أمور الغيب. ولكنه (ع) يقول: ليس هو بعلم بغيب وإنما هو تعلم من ذي علم. ومنها أن فيه ما يصادم أحكام الشريعة كقوله عن النساء لا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر فان النهي عن إطاعتهن في المعروف لا يلائم أحكام الشريعة والجواب أن المراد بذلك ليس النهي عن فعل المعروف الذي تأمر به النساء بل النهي عن إظهار أن فعله بسبب إطاعتهن حتى لا يطمعن في المنكر ويظهر منهن الغضب عند عدم إطاعتهن فيه فيقع الرجال في المشقة فإذا أيسن من إطاعتهن استراح الرجال من مشقة مخالفتهن. وضعف آرائهن ظاهر لا يحتاج إلى البرهان. وكقوله عن الباري تعالى يقول لما أراد كونه كون فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشاه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ولو كان قديما لكان إلها ثانيا وهذا من أدلة المعتزلة على مذهبهم في الصفات والجواب أن الكلام في الصفات وإنها قديمة مغايرة للذات أو غير مغايرة هو من مسائل الكلام الدقيقة المعضلة التي وقع فيها الخلاف بين الإمامية والمعتزلة من جانب والأشاعرة من جانب فإذا وافق كلام أمير المؤمنين أحد المذهبين ليس لنا أن نجزم بأنه ليس كلامه لأجل تلك الموافقة لان المسألة من المسائل النظرية الدقيقة لا من المسائل البديهية. ودعوى قوم أن الحق معهم فيها لا تجعلها كذلك واقعا.

(ومنها) أن فيه كثيرا من امتداح نفسه كقوله سلوني قبل أن تفقدوني وأمثال ذلك والجواب أن مدح النفس قد وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أنا أفصح من نطق بالضاد، وأنا سيد ولد آدم وامتداح النفس لغرض صحيح ليس فيه ما يعاب. مع أنه مروي في أسد الغابة.

(ومنها) أن فيه كثيرا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولسنا ندري أي مانع من موافقة بعض كلامه لكلام النبي صلى الله عليه وسلم من باب توارد الخواطر خصوصا في المعاني المطروقة. وقد وقع توارد الخاطر كثيرا بين الخطباء والشعراء وهو قد ربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وطبع بطابعه فلا غرو أن أتى على بعض آرائه ومعتقداته في الحياة. (ومنها) أن في كلامه كثيرا من كلام عمر بن الخطاب. وهذا كسابقه. مع أن المظنون أن لم يكن المتقين انه نسب إلى عمر كثير مما اثر عن علي.

(ومنها) أن في كلامه كل أما مرويا لابن المقفع في رسائل البلغاء. وموافقة كلام ابن المقفع لكلامه ترشدنا إلى أن ابن المقفع أخذ من كلام علي ولا توجب الشك في نسبة الكلام إلى علي.

(ومنها) اختلاف بعض النسخ بالزيادة والنقصان وان النهج الذي بين أيدينا لم يصل إلينا كما جمعه جامعه بل تضخم بالزيادات على توالي الأيام بعد وفاة الرضي والمرتضى بل بعد وفاة شارحه ابن أبي الحديد 654

إذ أن في النسخة التي علق عليها الشيخ محمد عبده المطبوعة في بيروت نحو خمسين صفحة في الجزء الأول من صلى الله عليه وسلم 377-433 لم يروها ابن أبي الحديد فيما شرحه ونحن راجعنا النسخة المطبوعة في بيروت التي علق عليها الشيخ محمد عبده فوجدنا آخر الجزء الأول منه صلى الله عليه وسلم 258 وآخر الجزء الثاني صلى الله عليه وسلم 150 فأين هي الخمسون صفحة التي علق عليها الشيخ محمد عبده ولم يروها ابن أبي الحديد وهي تبلغ نحو خمس الجزء الأول فلا شك انه وقع اشتباه من هذا الناقد بنى عليه نقده فهو خطا مبني على خطا ونسخ نهج البلاغة المخطوطة والمطبوعة في إيران ودمشق وغيرهما وشروحه المطبوعة والمخطوطة كلها متحدة ليس بينها تفاوت وقد مضى على جمعه مئات السنين وانتشرت نسخه في الأقطار وكتب بالخطوط الفاخرة ورواه العلماء عن شيوخهم بالأسانيد العديدة شأن كثير من الكتب المؤلفة ولم نجد أحدا ادعى وقوع زيادة أو نقصان في نسخه وذلك مما تقضي العادة بعثور العلماء على تلك الزيادة وتنبيههم عليها لو كانت وهل من الممكن أن يطلع الشيخ محمد عبده على نسخة من نهج البلاغة فيها زيادة 56 صفحة عما في أيدي الناس ولا يطلع عليها أحد من العلماء في أكثر من ألف سنة وأين عثر الشيخ محمد عبده على هذه النسخة ولو كان عثر على نسخة مخطوطة نادرة لقابلها أقله بنسخة من النسخ المطبوعة ولعثر على تلك الزيادة فيها ونبه عليها فان ذلك من ما ينبه عليه كلا فالشيخ محمد عبده لم يأخذ إلا نسخة من النسخ المطبوعة وعلق عليها وطبعها ولكن هذا الناقد تسرع بما قال فأخطأ وأحوجنا إلى تصحيح خطئه بما كنا في غنى عنه.

وهناك أشياء أخرى تشبث بها المشككون في نهج البلاغة من أهل هذا العصر لا تستحق الذكر ولا تستحق الجواب ولكننا نذكرها لدفع الوهم.

مثل أن أكثر الأحاديث النبوية رويت بالمعنى فكيف بكلام الإمام. فكون أكثر الأحاديث النبوية رويت بالمعنى لم يقل به أحد وإذا جاز رواية الحديث بالمعنى لأنه ليس المقصود فصاحته وبلاغته بل ما تضمنه من حكم شرعي أو غيره فلا يجوز رواية الخطب والكتب وسائر الكلام الذي يراد منه زيادة على معانيه فصاحته وبلاغته. وإذا شكك هذا الرجل في كلام النهج لاحتمال أن يكون روي بالمعنى فليشكك في خطب النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل خطبة وكلام نسب إلى الفصحاء من العرب لاحتمال أن يكون روي بالمعنى وهذا ما لا يلتزمه ذو معرفة.

ومثل أن النزعات المذهبية والإغراض السياسية لا تتحرج من الوضع والدس. فالنزعات المذهبية والإغراض السياسية لا تجوز الوضع والدس فما رواه ثقات العلماء لا يسوع لأحد أن يشكك فيه لموافقته لغرض سياسي أو نزعة مذهبية فان ذلك لا يكون إلا من غير الثقات.

ومثل أن جامع الكتاب نفسه يقول في المقدمة ما يشعر بعدم القطع بصحة ما جمعه قال وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد والمعنى المكرر والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا وهذا الكلام ليس معناه تشكيك جامعه فيما جمعه بل إنه يقول أن روايات كلامه في المعنى الواحد تختلف اختلافا شديدا فيروي فيه بعض كل أما لم يروه الآخر وهذا لا يمنع أن يكون كلا الكلامين صحيحا قد قاله الإمام مرارا فاختلفت بعض عباراته وتكررت معانيه بل ذلك دليل على شدة ورع جامعه بابدائه العذر في جمع كلام مكرر المعنى مختلف العبارة ونحن نرى مثل ذلك موجودا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام سائر البلغاء فإذا اختلفت الرواية فيه لا يوجب ذلك الشك في صحته وقد وقع الاختلاف في الرواية في بعض الأحاديث الصحيحة النبوية.

وإنه ليس فيه كلام إلا بعد قتل عثمان. وهذا غير صحيح إذ فيه من الكلام الكثير الذي قاله قبل مقتل عثمان وكثير من الكلام الذي لا يعلم تاريخه.

واستعمال لفظة لأن وهي لم ترد في القرآن ولا في كلام فصيح. فالقرآن لم يجمع جميع كلمات العرب فهل فيه الحوذان والنفل والجنوب والشمال والقرنقل وحينئذ وساعتئذ وحتام وحتى متى ونعم وأجل وغيرها حتى من الكلمات الكثيرة الدوران ومن أين لنا أن نجزم بان لفظة لأن لم ترد في كلام فصيح ومن الذي أحاط علما بجميع الكلام الفصيح. على إنها وردت في حديث نبوي رواه الطبراني والحاكم وصححه السيوطي (أحب العرب لثلاث لأني عربي الخ) ووردت في قول الشاعر الذي استشهد النحويون بشعره مع قلب الهمزة هاء:

وكثرة ما فيه من التزويق والصنعة. وهذا أن لم يدل على الصحة لم يدل على البطلان فهو كاشف عن مزيد القدرة على صوع الكلام.

واشتماله على التقسيم العددي مثل الإيمان على أربع دعائم. فمن الغريب أن يعد ذلك من موجبات الشك فيه فالتقسيم العددي يعرفه ويحتاجه كل خطيب وبليغ وقد وجد في الحديث النبوي نظير ذلك بني الإسلام على خمس دعائم كما في الجامع الصغير للسيوطي وشرحه للعزيزي.

وكدقة ما فيه من الوصف وإحاطته بصفات الموصوف كما في خطبة الخفاش والطاووس مع إنهما شائعان في كلام العرب في الجاهلية والإسلام وموجودان في وصف أم معبد الخزاعية النبي صلى الله عليه وسلم فوجودهما في النهج أقوى دليل على بلاغته فهو أولي بان يجعل دليلا على الصحة من أن يجعل دليلا على عدمها:

وكاشتماله على مباحث تتعلق بعلم الطبيعة. ولم يبينوا ما هي هذه المباحث، ولما يفترض جهل علي بها.

ومن الغريب ما حكاه بعض أهل العصر ممن يروق لهم الاستشهاد بكلام الغربيين صحيحه وسقيمه عن الأستاذ المستشرق المسيو ماسينيون الفرنسوي انه مع اعتقاده بان نهج البلاغة من كلام علي وانه لا يمكن أن يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها. فهو يعتقد أن الكتب التي أخذ عنها الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الإمامية لأسباب مها أن الإمامية لا يعترفون بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون بصحة خلافتهما وإن كان علي أحق منهما بتولي أمور المسلمين فالزيدية إذن واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا يعتنون بجمع كلام علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض المؤرخين بل أن عليا كان بنظرهم مثلا أعلى يجب أن يحتذي وصاحب أخلاق سامية يجب أن تخلد وطريقه في الحكم والإدارة وحل المشاكل يجب أن تعرف وما كان مثل هذه الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو أما مهم الذي يعيش في عصرهم لذلك لما اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب الزيديةوهو اعتقاد فاسد فان عليا إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى يجب أن يقتدى به وصاحب أخلاق سامية يجب أن تخلد وطريقه في الحكم والادارة يجب أن تعرف فهو عند الشيعة الإمامية لا ينقص عن ذلك بل يزيد وان الشيعة الإمامية تعتقد أن قوله وفعله وتقريره حجة. وتعليله ذلك بان كتاب الإمامية هو إمامهم الذي يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه فالإمامية لا فرق عندهم بين إمامهم الذي يعيش في عصرهم وغيره في أن كلام الجميع وفعلهم وتقريرهم حجة وإن كان علي أفضلهم. والزيدية وان قال البترية منهم ب إمامة الشيخين إلا أن الباقين والبترية بعد الشيخين يشترطون في الإمام أن يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه الجهة وبين الإمامية. فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من صنعته وما لم تصل إليه معلوماته.

وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشيء الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أهو الذوق الأدبي أم النزعة الإمامية وزعم أن النزعة الإمامية كان لها أثرها في اختيار قطع النهج بدليل وجود خطب أخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها لعقيدة الإمامية بل ربما دخل في النهج كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف ببعض الخطب وحذف وقصر فيها وضمنت بعض الحشو. ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف بان كلام علي ظل في الكتاب محترما لم يمس. وهذا أيضا غير صواب فالذي كان يقود الشريف في اختياره لنصوص النهج هو الذوق الأدبي والبلاغة والفصاحة لا النزعة الإمامية كما توهم واستدلاله بوجود خطب تنسب لعلي قبل عصر الرضي لم تدخل في الكتاب لمخالفتها للعقيدة الإمامية غير صحيح أولا: لجواز أن يكون الرضي لم يطلع عليها فلا يطلع على جميع الأمور إلا علام الغيوب ثانيا: لعل تلك الخطب التي لم يذكرها مما لم يقع عليه اختياره فإنه لا يذكر كلما وجده من كلام أمير المؤمنين (ع) بل ينتخبه انتخابا وأما قوله بل ربما دخل في النهج الخ فلعله يشير به إلى ما اشتملت عليه الخطبة الشقشقية وغيره مما أجبنا عنه وأما الحذف من الخطب فقد بين الرضي إنه لا ينقل جميع كلامه بل ينتخبه انتخابا ومن كان دأبه كذلك لا بد له من التصرف بحذف البعض. وأما الحشو الذي يزعمه فكان عليه أن يبينه فأنا لا نرى في نهج البلاغة شيئا من هذا الحشو المزعوم.

الخطبة الشقشقية

سميت بذلك لان عليا (ع) لما وصل إلى آخر الموجود منها قام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتابا فاقبل ينظر فيه فقال له ابن عباس يا أمير المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت فقال "هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت". فهذه الخطبة بسبب اشتمالها على تظلم علي (ع) ممن قبله في أمر الخلافة وعلى انه كان أحق بالخلافة منهم أنكرها جماعة من الناس وزعموا إنها من كلام الرضي. دسها في نهج البلاغة ونحلها عليا (ع) وليس لهم مستند في ذلك إلا اشتمالها على ما ذكرناه فهو يقول فيها أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم أن محلي منها أي الخلافة محل القطب من الرحى فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ثم تمثل بقول الأعشى:

فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما ‹ صفحة 544 › تشطرا ضرعيها فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم إني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغينه ومال الآخر لصهره إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.

والمتأمل في هذه الخطبة يعلم إنها من كلام علي (ع) وإنه لا فرق بينها وبين سائر كلامه وخطبه في أسلوبها وبلاغتها وإنها لا تفترق عن سائر كلامه بشيء وان الذي دعاهم إلى أن يقولوا إنها منحولة إنها لا تتوافق مع بعض ميولهم المذهبية ولكن هذا لا يوجب الشك فيها بعد أن رواها الثقات عن علي (ع) وكانت في بلاغتها وفصاحتها لا تفترق عن شيء من كلامه والميول المذهبية لا تصلح سندا لإنكار شيء علم ثبوته فما فيها ذكر الجاحظ نظيره في البيان والتبيين ج 2 صلى الله عليه وسلم 38 من ضمن خطبة لعلي يقول فيها: سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له. قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: حدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي سنة 603 قال قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة وقلت له أتقول إنها منحولة فقال لا والله واني لأعلم إنها كلامه كما اعلم أنك مصدق، فقلت له أن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضي فقال ما للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر، ثم قال والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. قال ابن أبي الحديد: وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي أمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة، ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبه أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي موجودا. والخلاصة أن اشتمال هذه الخطبة على ما لا يتلاءم مع بعض الميول المذهبية هو الذي دعا إلى إنكارها بل إلى إنكار نهج البلاغة كله من أجلها، وقد ظهر مما ذكرنا أن هذا الإنكار بغير محله وان نهج البلاغة له منه عليه شواهد، وان الشريف الرضي مهما بلغت بلاغته وفصاحته ليس له قدرة على أن يأتي بخطبة واحدة من خطب نهج البلاغة وكتاب رسائله موجود وجملة منه منقولة في كتب الأدب وهي كما قال ابن الخشاب ليست من كلام نهج البلاغة في خل ولا خمر وهي لا تتناسب معه في شيء. يعرف ذلك كل ناظر فيه وفيها.

شروح نهج البلاغة

شرحه أعاظم العلماء والأدباء من عصر جامعه إلى اليوم شروحا كثيرة، قال العالم الكبير الشهير الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية في مقدمة شرحه على النهج وقد عني جماعة من أجلة العلماء بشرحه وأطال كل منهم في بيان ما انطوى عليه من الأسرار. وذكر الفاضل المتتبع المعاصر الميرزا حسين بن محمد تقي النوري في خاتمة مستدركات الوسائل منها 31 شرحا ونحن قد وقفنا من أسماء شروحه على 37 شرحا فنذكر أولا ما ذكره هو ثم ما عثرنا عليه زيادة على ما ذكره.

1-شرح أبي الحسن البيهقي علي بن زيد الشهير بفريد خرأسان وهو أول من شرحه بعد علي بن الناصر الأتى

2-شرح الإمام فخر الدين الزاري صاحب التفسير إلا انه لم يتم صرح بذلك الوزير جمال الدين القفطي في تاريخ الحكماء

3-منهاج البراعة للقطب الراوندي سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه في مجلدين

4-شرح القاضي عبد الجبار المردد بين ثلاثة لا يعلم أيهم هو إلا انه قريب العصر من الشيخ الطوسي

5-شرح الإمام أفضل الدين الحسن بن علي بن أحمد المهابادي شيخ منتجب الدين صاحب الفهرست

6-المعراج لرجل مجهول أشار إليه الكيدري في كلامه الأتي

7-شرح لأبي الحسين محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي الكندري أو الكيذري فرع منه سنة 576 وقال في أوله انه استمد من كتابي المنهاج والمعراج المقدم ذكرهما فالمنهاج للراوندي والمعراج لا يعرف مؤلفه. قال الفاضل النوري المقدم ذكره وصاحب كشف الحجب فيما حكي عنه أن اسم هذا الشرح الإصباح ولكن الموجود في رجال بحر العلوم أن قطب الدين الكيدري له الإصباح في الفقه وشرح نهج البلاغة وفي الذريعة أن شرحه على النهج اسمه حدائق الحقائق ولكنه في مقام آخر نسب حدائق الحقائق للسيد علاء الدين محمد بن أبي تراب الأصفهاني من سادات كلستانه وان له بهجة الحدائق مختصر من هذا الشرح وحينئذ فيكون تسمية شرحه بالاصباح من سهو القلم. قال الفاضل النوري: وهذه الشروح كلها قبل شرح ابن أبي الحديد بزمان طويل ومع ذلك يقول إنه لم يشرح هذا الكتاب قبلي فيما اعلم إلا القطب الراوندي أقول واسبق من الجميع شرح علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي كما يأتي

8-شرح عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي طبع مرتين في إيران ومرة في مصر

9-مختصر شرح ابن أبي الحديد للمولى سلطان محمود بن غلام علي الطبسي ثم المشهدي القاضي في المشهد الرضوي

10-شرح الشيخ كمال الدين ميثم البحراني الكبير يقارب شرح ابن أبي الحديد مطبوع بإيران

11-شرحه المتوسط

12-شرحه الصغير

13-شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم العتائقي الحلي من علماء المائة الثامنة في أربع مجلدات اختاره من شرح ابن ميثم الكبير وشروح الكندري والقاضي عبد الجبار وابن أبي ‹ صفحة 545 › الحديد

14-منهج الفصاحة في شرح نهج البلاغة لجلال الدين الحسين بن شرف الدين عبد الحق الأردبيلي المعروف بالإلاهي المتوفي سنة 905 ألفه للشاه إسماعيل الصفوي بألفارسية منه نسخة في خزانة أسعد أفندي بالآستانة

15-تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين لفتح الله بن شكر الله القاشاني فارسي

16-شرح علي بن الحسن الزوارئي المفسر المعروف أستاذ فتح الله المذكور فارسي هو أحسن الشروح ألفارسية

17-شرح الشيخ حسين بن شهاب الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين بن الجنيدر العاملي الكركي المتوفي سنة 1077 عد في الأمل من كتبه شرح نهج البلاغة كبير

18-اعلام نهج البلاغة للسيد علي بن الناصر وهو معاصر للسيد الرضي جامع النهج فإذا شرحه أقدم الشروح وعن كشف الحجب: وأوثقها وأتقنها وأخصرها

19-أنوار الفصاحة واسرار البراعة لنظام الدين الجيلاني فرع من بعض مجلداته سنة 1053

20-شرح السيد ماجد البحراني. في أمل الآمل: لم يتم

21-شرح السيد رضي الدين علي بن طاوس نسبه إليه صاحب كشف الحجب

22-شرح عبد الباقي الخطاط الصوفي التبريزي المعاصر للشاه عباس الأول فارسي مبسوط كما في الرياض

23-شرح عز الدين الآملي شريك المحقق الشيخ علي الكركي في الدرس عند الشيخ علي بن هلال الجزائري كما في الرياض

24-حاشية عماد الدين علي القاري الاسترآبادي

25-شرح السيد نعمة الله الجزائري كما في رياض العلماء

26-شرح قال رأيته في مشهد الرضا (ع) وقد سقط من أوله أوراق وهو مختصر لم اعرف مؤلفه لكن النسخة عتيقة جدا

27-بهجة الحدائق للسيد علاء الدين كلستانه وفي الذريعة بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة هو الشرح الصغير والشرح الكبير يسمى حدائق الحقائق كلاهما للسيد علاء الدين محمد بن أبي تراب من سادات كلستانه الأصفهاني المتوفي سنة 1110 ومر انه نسب حدائق الحقائق إلى شخ صلى الله عليه وسلم آخر

28-شرح آخر له كبير إلا إنه لم يتجاوز الخطبة الشقشقية إلا يسيرا

29-شرح السيد عبد الله بن السيد رضا شبر الحسيني

30-شرح آخر له

31-شرح الميرزا إبراهيم الخوئي المعاصر، هذا ما ذكره العلامة النوري قال ولعل المسرح طرفه في أكناف التراجم يقف على إضعاف ذلك. وأما ما عثرنا عليه زيادة على ذلك فهو

32-التحفة العلية في شرح نهج البلاغة الحيدرية لأفصح الدين محمد بن حبيب الله بن أحمد الحسني الحسيني توجد نسخته في النجف بخط مؤلفه فرع منه 29 صفر سنة 881 ذكره صاحب الذريعة

33-شرح المولى قوام الدين يوسف بن حسن الشهير بقاضي بغداد المتوفي سنة 922 كما في كشف الظنون وذكر هذا الشرح أيضا صاحب شذرات الذهب ج 8 صلى الله عليه وسلم 85

34-شرح الشيخ إبراهيم البحراني نزيل كازرون المدفون فيها ذكره السيد شهاب الدين التبريزي نزيل قم فيما كتبه إلينا

35-شرح علي المعروف بالحكيم الصوفي بألفارسية فرع منه سنة 1016 رأيت منه نسخة بهمذان ولا يبعد أن يكون شرح الزوارئي المتقدم فقد قيل عن الزوارئي انه يميل إلى التصوف ولعل الطبقة لا تنافيه فان فتح الله بن شكر الله القاشاني تلميذ الزوارئي توفي سنة 988

36-شرح السيد يحيى بن إبراهيم ابن يحيى بن المهدي بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد جحاف الحبوري اليماني ذكره السيد محمد بن زبارة الحسني اليماني الصنعاني في ملحق البدر الطائع.

عهده للأشتر حين ولاه مصر

قال الشريف الرضي: وهو أطول عهد كتبه واجمعه للمحاسن وقد احتوى على جميع ما يحتاج إليه الوالي بل كل أحد من الأمور الاجتماعية وسياسة الرعية فلذلك أوردناه بطوله نقلا من نهج البلاغة فإنه كنز ثمين ومر بعض الكلام عليه عند ذكر توليته الأشتر مصر وأوله:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح لها وعمارة بلادها

ما وصاه به في ذات نفسه من التقوى

أمره بتقوى الله وإيثار طاعته وأتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا بأتباعها ولا يشقى إلا من جحودها وإضاعتها وان ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات وينزعها عند الجمحات فان النفس إمارة بالسوء إلا ما رحم الله.

ترغيبه في حسن الذكر

ثم اعلم يا مالك إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقوله فيهم وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.

أمره بالرحمة والمحبة للرعية واللطف بهم والعفو عنهم

وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان أما أخ لك في الدين وأما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ. فأعطاهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم فلا تنصبن نفسك لحرب له، فإنه لا يدمي لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر أمر فأطاع فان ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين، وتقرب من الغير.

نهيه عن الكبر

وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فان ذلك يطامن إليك من طماحك ويكف عنك من غربك ويفئ إليك بما عزب عنك من عقلك إياك ومس أماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته فان الله يذل كل جبار ويهين كل مختال.

أمره بالأنصاف ونهيه عن الظلم

أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة لك ومن لك هوى فيه من رعيتك فإنك أن لا تفعل تظلم. ومن ظلم عبدا لله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله ادحض حجته وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم. فان الله يسمع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد.

أمره بتقديم رضى العامة مع العدل على رضى الخاصة

قال: وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل واجمعها لرضى الرعية. فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقل معونة له في البلاء وأكره للإنصاف وأسال بالالحاف وأقل شكرا عند الاعطاء وأبطا عذرا عند المنع واضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صفيك لهم وميلك معهم.

نهيه عن قبول قول النمام والواشي

وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك اطلبهم لمعايب الناس فان في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك أطلق عن الناس عقدة كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل ما لا يصلح لك، ولا تعجلن على تصديق ساع فان الساعي عاش وان تشبه بالناصحين.

نهيه عن استشارة البخيل والجبان والحريص.

ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور فان البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.

من الذي ينبغي أن يستوزره

إن شر وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيرا، ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان آثمة واخوان ظلمة وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم وآثامهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه أولئك أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفا وأقل لغيرك ألفا، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع.

من ينبغي أن يجالسهم

وألصق بأهل الورع والصدق، ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من العزة.

إيصاؤه بعدم التسوية بين المحسن والمسيء

ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة والزم كلا منهم ما ألزم نفسه.

أمره بالاحسان إلى الرعية

أعلم أنه ليس شيء بادعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم وتخفيف المؤنات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك فان حسن الظن يقطع عنك نسبا طويلا فان أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده.

أمره بأتباع السنة الصالحة

ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضتها.

أمره بمدارسة العلماء والحكماء

وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك.

تقسيمه الرعية إلى طبقات وبيان ما يجب لكل طبقة منهم

واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمال الإنصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة. وكل قد سمى الله له سهمه ووضع على حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم عهدا منه محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم. ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاء والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويأتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم وفي الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه.

أمره بالاستعانة بالله لقضاء هذه الحقوق

وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.

شروط أمراء الجيوش

فول من جنودك انصحهم في نفسك لله ولرسوله وأمامك وأنقاهم جيبا وأفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم ألصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم وشعب من العرف.

تفقد أمور الجند وما يلزم عمله معهم

ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وان قل فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه.

ما يلزم عمله مع رؤساء الجند

وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته. وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم من وراءهم من خلوف ليهم حتى يكون همهم هما وأحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك وان أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية وانه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في أمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل أن شاء الله تعالى ثم اعرف لكل أمرئ منهم ما أبلى ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية بلائه ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ولا ضعة امرئ إلى أن تصغر من بلائه ما كان عظيما.

أمره بالرجوع فيما يشتبه عليه إلى الكتاب والسنة

واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه وتعالى أحب إرشادهم {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

اختيار القضاة

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه. ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات وأخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه وأفسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس. وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى ويطلب به الدنيا.

اختيار العمال والولاة

ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة. وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة فإنهم أكرم أخلاقا وأصح أعراضا وأقل في المطامع إشرافا وأبلغ في عواقب الأمور نظرا ثم أسبغ عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم أن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان.

ما يلزم أن يفعله مع من خان من العمال

فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.

إصلاح الخراج ومالية الدولة وعمارة البلاد

وتفقد أمر الخراج بما يصلح له فان في إصلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فان شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من اجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد اجتملوه طيبة أنفسهم به فان العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز لها وإنما يعوز لها لأشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر.

الكتاب وأصحاب الديوان

ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم وأخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك وإصدار جواباتها على الصواب عنك وفيما يأخذ لك ويعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك فان الرجال يتعرفون لفرأسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا وأعرفهم بال أمانة وجها. فان ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره.

أمره بتوزيع فنون الكتابة وضروبها بينهم

واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها ولا يتشتت عليه كثيرها. ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.

الوصاية بالتجار وذوي الصناعات وعيوب التجار ومنع الاحتكار

ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيرا المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجلابها من المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترؤون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيفا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منه وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع. فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه من غير إسراف.

الوصاية بفقراء الرعية وأيتامهم وشيوخهم

ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمني فان في هذه الطبقة قانعا ومعترا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فان للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه ولا يشغلنك عنهم بطر فإنك لا تعذر بتضييع التافه لأحكامك الكثير المهم. فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحتقره الرجال ففرع لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالأعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فان هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكل فاعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه وذلك على الولاة ثقيل والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العافية فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم.

أصحاب الحاجات والمصالح

واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرع لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا ع أما فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من إحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح عنهم الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته.

الإعطاء والمنع

واعط ما أعطيت هنيئا وامنع في إجمال وأعذار.

ما يجب أن يباشره بنفسه

ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك.

عدم إدخال عمل يوم في يوم

وامض لكل يوم عمله، فان لكل يوم ما فيه.

إيصاؤه له بأداء الفرائض

واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الأقسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية، وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ووف ما تقربت به إلى الله سبحانه من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فان في الناس من به العلة وله الحاجة وقد سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم فقال "صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما".

نهيه عن الاحتجاب عن الرعية

وأما بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب وإنما أنت أحد رجلين أما أمرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه أو مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

ما يلزم أن يعمله مع خاصته وبطانته

ثم أن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعة ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شروعمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنا ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة والزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة ذلك محمودة.

أبداء عذره للرعية إذا ظنوا به الجور

وإن ظنت الرعية بك حيفا فاحصر لهم بعذرك وأعدل عنك ظنونهم بإصحارك فان في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك واعذرا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

أمره بقبول الصلح والحذر بعده من العدو والوفاء بالعهد

ولا تدفن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى فان في الصلح دعة لجنودك وإراحة من همومك وأمنا لبلادك ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فان العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن النية وإن عقدت بينك وبين عدو لك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بال أما نة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق وائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر فلا تغدرن بذمتك ولا تخيسن بعهدك ولا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته وحريما يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل ولا تعولن على لحن القول بعد التأكيد والتوثقة ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وان تحيطه بك من الله طلبة لا تستقبل فيها دنياك ولا آخرتك.

نهيه عن سفك الدماء الحرام

إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فان ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن وإن ابتليت بخطأ وإفراط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فان في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم.

وصاياه بآداب عامة والنهي عن أخلاق

وأفعال سيئة العجب وحب المدح

وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فان ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.

المن والتزيد وخلف الوعد

وإياك والمن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فان المن يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور الحق والخلف يوجب المقت عند الله والناس. قال الله سبحانه وتعالى {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

العجلة والتهاون واللجاجة والوهن

وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند إمكانها أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه.

الاستئثار والتغابي

وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة والتغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون فإنه مأخوذ منك لغيرك وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ينتصف منك للمظلوم.

الحلم والأناء والخوف من الله والاقتداء بصالح السلف

أملك حمية انفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو اثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها وتجتهد لنفسك في أتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكي لا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها.

آخر العهد

وأنا أسال الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه من حسن الثناء في العباد وجميل الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة أنا إلى الله راغبون والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بعض الأمثال في كلامه (ع)

في الفائق: علي (ع) شرعك ما بلغك المحلا أي حسبك وأشرعني كذا أي احسبني وكان معناه الكفاية الظاهرة المكشوفة من شرع الدين شرعا إذا أظهره وبينه وفي النهاية في حديث علي شرعك ما بلغك المحلا أي حسبك وكافيك وهو مثل يضرب في التبليغ باليسير وشرعك بكسر الشين وسكون الراء.

الشعر المأثور عن أمير المؤمنين

عليه السلام

عن الجاحظ في كتابي البيان والتبيين وفضائل بني هاشم والبلاذري في أنساب الأشراف أن عليا أشعر الصحابة وأفصحهم وأخطبهم وأكتبهم، وعن تاريخ البلاذري كان أبو بكر يقول الشعر وعمر يقول الشعر وعثمان يقول الشعر وكان علي أشعر الثلاثة. وعن الشعبي كان أبو بكر شاعرا وعمر شاعرا وعثمان شاعرا وكان علي أشعر الثلاثة. وعن سعيد بن المسيب كان أبو بكر وعمر وعلي يجيدون الشعر وعلي أشعر الثلاثة. وقد ذكر له (ع) في الكتب أشعار كثيرة اشتهرت نسبتها إليه ورواها الثقات ودلت بلاغتها على صحة نسبتها، وقال المرزباني في معجم الشعراء يروى له شعر كثير فما يحكى عن المازني وصوبه الزمخشري من أنه لم بصح أنه تكلم بشيء من الشعر غير هذين أهل بيتين:

وما يحكى عن يونس النحوي: ما صح عندنا ولا بلغنا أنه قال شعرا إلا هذين أهل بيتين ليس بصواب.

جامعوا ديوانه

وقد جمع شعر أمير المؤمنين (ع) جماعة فجعلوه ديوانا كسائر الدواوين الأول أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفي بعد 330 الثاني علي بن أحمد النيسابوري الفنجكردي القريب عصره من عصر السيد الرضي الثالث القطب الكيدري المتوفى بعد سنة 576 جمعه مرتين مرة اقتصر على الآداب والحكم وسماه الحديقة الأنيقة ومرة سماه أنوار العقول من أشعار وصي الرسول الرابع أبو عبد الله المرزباني المتوفي سنة 384 ذكر ذلك صاحب مجموعة شعرية في الأمثال موجودة في الخزانة الرضوية الخامس أبو البركات هبة الله بن علي بن محمد المعروف بابن الشجري السادس بعض القدماء استخرجه من كتاب محمد بن إسحاق السابع القاضي القضاعي محمد بن سلامة المغربي صاحب كتاب الشهاب المجموع من كلمات النبي صلى الله عليه وسلم المتوفي سنة 454 لكنه لم يجعله ديوانا مستقلا بل جمع ما اتصل إليه بالرواية منه وجعله بابا سابعا لكتابه دستور معالم الحكم المجموع من الكلمات أمير المؤمنين (ع) نظير كتاب الشهاب الثامن سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص حيث قال قد ذكرنا ما وقع عليه اختيارنا من اللؤلؤ المنثور في فنون العلوم فنذكر ما وصل إلينا من الدر المنظوم فنقول: أخبرنا بما نسب إلى أمير المؤمنين من الشعر جماعة منهم إبراهيم بن محمد العلوي وأبو القاسم الخطيب الموصلي وعمر بن صافي وغيرهم بإسنادهم إلى مشايخهم وذلك في فنون من إبكار الفضائل والعيون التاسع الفقير مؤلف هذا الكتاب جمع ديوان أمير المؤمنين على الرواية الصحيحة وقد طبع. ولكن هذه الدواوين التي جمعها من ذكرناهم من شعره (ع) لا يوجد منها بأيدينا اليوم سوى نسخة واحدة طبعت مرارا في عدة أما كن والظاهر إنها هي التي جمعها علي بن أحمد النيسابوري وشرحها بألفارسية القاضي حسين بن معين الدين الميبدي المتوفي سنة 870 من علماء أهل السنة ولم يأل جامعها جهدا في جمع ما صحت نسبته إلا مولانا أمير المؤمنين (ع) فجمع جله وفاته شيء كثير عثرنا عليه أثناء تتبعاتنا لكنه أضاف إليه ما علم أنه ليس له وما يحتمل كونه له ولا إمارة تنفي ذلك وما يظن أنه ليس له ف أما أن يكون هذا الديوان تناولته أيدي الزيادة والتحريف من الناس أو يكون جامعه قليل البصيرة لبعده عن اللسان العربي وعدم اقتصاره على المصادر الصحيحة فخلط الدر بالحصباء فمما أورده مما علم أنه ليس له هذين أهل بيتين:

مع إنهما لأبي تمام الطائي من قصيدة في ديوانه والذي أوقعه في الاشتباه البيت الذي قبلهما وهو:

وأشار به أبو تمام إلى كلام منثور قاله (ع) للأشعث يعزيه عن ابن له وأورده الرضي في الباب الأخير من نهج البلاغة وهو: يا أشعث أن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور وان جزعت جرى عليك القدر وأنت مازور. وهذا التوهم لا يصدر ممن له أدنى معرفة ومنه إيراده هذا البيت:

مع أنه أحد بيتين ثانيهما:

وقد ذكرهما صاحب قطر النداء وذكر صاحب شرح شواهده المسمى بمعالم الاهتداء أن قائلهما عذري الغساني. ومنه إيراده هذا البيت:

وهو لعمرو بن معد يكرب تمثل به أمير المؤمنين (ع) ومنه إيراده هذا البيت:

مع أنه تمثل به مصرحا بذلك بقوله: أو أكون كما قال القائل ومنه إيراده هذين أهل بيتين:

مع إنهما لأبي العلاء المعري في ديوانه لزوم ما لا يلزم إلى غير ذلك ونحن نورد هنا طرفا مما صحت روايته أو وجد في الكتب المعتمدة ورتبناها على حروف المعجم.

حرف الألف

قال (ع) أورده القاضي القضاعي في دستور معالم الحكم وفي الديوان قال يوم بدر:

حرف الباء

وقال (ع) أورده الخطيب البغدادي في تاريخه:

وقال (ع) أورده جامع الديوان وصاحب جواهر المطالب عدى الأخير:

وقال (ع) لما قتل عمرو بن عبد ود أورده المفيد في الإرشاد وابن اسحق في المغازي:

وأوردها الحاكم في المستدرك هكذا:

وقال (ع) في يوم أحد كما عن تاريخ الطبري والأغاني حين خرج طلحة بن أبي طلحة العبدري صاحب لواء قريش وطلب المبارزة قال قتادة فخرج إليه علي وهو يقول:

#أوفي بميعادي واحمي عن حسب

وقال (ع) ذكره الرضي في نهج البلاغة بعد ذكر قوله (ع) واعجبا أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة فقال: وقد روي له في هذا المعنى:

وقد أوما الكميت إلى هذا المعنى بقوله:

وقال (ع) وهو بصفين رواه نصر في كتاب صفين:

وقال (ع) كما في تذكرة الخواص:

حرف التاء

وقال (ع) في بعض أيام صفين حين ندب أصحابه فانتدب له من بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا فتقدمهم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول رواه نصر في كتاب صفين:

#بل ما يريد المحيي المميت

وقال (ع) في تذكرة الخواص:

حرف الجيم

في جواهر المطالب للباغندي مما ينسب إليه (ع):

حرف الدال

وقال (ع) في مهاجرته من مكة إلى المدينة حين أدركه الطلب وهم ثمانية فوارس فشد عليهم شدة ضيغم وهو يقول:

حرف الراء

قال (ع) كما في الديوان حين برز إليه مرحب فقال:

#أبناء حرب ليس فينا غدره

فأجابه أمير المؤمنين (ع):

وقال (ع) أورده صاحب مجموعة الأمثال الشعرية:

قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص والمرزباني في ديوان شعر أمير المؤمنين (ع) قال له رجل قد عيل صبري فاعطني قال فأنشدك شيئا أم أعطيك فقال كلامك أحب إلي من عطائك فقال:

وقال (ع) في ذم الناس قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص رأيت في كتاب سر العالمين للغزالي رحمه الله نسبتها إليه (ع):

وقال (ع) في القدر أورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:

وقال (ع) يذكر مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الغار رواه الشيخ الطوسي في الأمالي عن عبد الله بن أبي رافع عنه (ع) ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين (ع) عدى البيت الأخير مع بعض التغيير:

وقال (ع) ذكره جامع الديوان وصاحب جواهر المطالب:

حرف الزاي

وقال عمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق:

فبرز إليه أمير المؤمنين (ع) وهو يقول أورده خلق كثير:

حرف العين

قال (ع) ذكر ابن أبي الحديد انه من الشعر المنسوب إليه:

حرف اللام

وقال (ع) في شكوى الزمان أورده القاضي القضاعي في دستور معالم الحكم:

وقال (ع) يوم صفين لرجل من أصحابه اسمه عبد العزيز بن الحارث أمره أن يذهب إلى جماعة من أصحابه أقتطعهم أهل الشام ويبلغهم رسالته فأجاب رواه نصر في كتاب صفين:

وقال (ع) في بعض أيام صفين أورده نصر:

#بصارم ليس بذي فلول

وقال (ع) أورده صاحب جواهر المطالب وسبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:

وقال (ع) أورده صاحب جواهر المطالب فقال مما أنشده الصولي للإمام علي (ع) سوى البيت الثالث فذكره جامع الديوان:

حرف الميم

قال للحضين بن المنذر الرقاشي أورده ابن العديم في تاريخ حلب مسندا إليه (ع) وأورده نصر في كتاب صفين وغيرهما من الرواة:

وقال علي (ع) بعد ما قتل حريثا مولى معاوية وبرز إليه عمرو بن حصين السكسكي فنادى يا أبا حسن هلم إلى المبارزة فأنشا علي (ع) يقول رواه نصر في كتاب صفين:

وقال (ع) بعد رجوعه من أحد وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة (ع) وقال خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم وأنشأ يقول رواه المفيد في الإرشاد:

وأورد الطبري في تاريخه هذه الأبيات هكذا:

وقال (ع) لما كتب معاوية في سهم ورماه في عسكر علي (ع) يوم صفين أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فخاف أهل العراق وارتحلوا ونهاهم علي (ع) فلم يقبلوا:

وقال (ع) يوم صفين وقد بالغت في نصره همدان ذلك اليوم قال ابن أبي الحديد في شرح النهج وهو من الشعر الذي لا يشك أن قائله علي (ع) لكثرة الرواة له أقول ولكن الروايات فيه مختلفة زيادة ونقيصة فننقله مقتبسا من مجموعها:

قال نصر وفي حديث عمر بن سعد:

وقال (ع) في قتله عمرو بن عبد ود وأورده ابن شهراشوب في المناقب عن أما لي النيسابوري:

إلى قوله:

وأوردها جامع الديوان وزاد بعد الأول:

وبعد الثاني:

وقال (ع) لما قتل عمرو بن عبد ود أورده المرتضى في الفصول المختارة من المجالس والعيون والمحاسن للمفيد وأورده ابن شهراشوب في المناقب:

#أنت الذي بعدي له الإمامة

وقال (ع) أورده ابن الصباغ في الفصول المهمة:

وقال (ع) أورده ابن الصباغ في الفصول المهمة أيضا:

وقال (ع) كما في تذكرة الخواص:

وقال (ع) كما في ألفائق للزمخشري أن سعد بن أبي وقاص قال رأيت عليا يوم بدر وهو يقول:

قال ويروى: سمعمع كأنني من جن وقال (ع) في القدر أورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:

وقال (ع) أورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:

وقال (ع) في ذم الدنيا أورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:

حرف الواو

قال (ع) أورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:

شيء من مدائحه

ما من شخصية في العالم شغلت الشعر بمثل ما شغلته شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فقد وجد شعراء العصور في شخصيته من المناقب أعظم ما يثير شاعرياتهم ويحرك عواطفهم ويلهم أقلامهم، ولا بدع فان سيرته المثلى وما انطوى عليه من ألمعيات وأريحيات وبطولات، وما مني به من ظلم واهتضام وحرمان، وما اجتمع على حربه من لؤم وعقوق وفجور، كل ذلك جعل منه لدى المنصفين المخلصين أروع صورة إنسانية توحي الشعر وتلهم النثر. والنفوس التي لم تدنسها الأغراض والأهواء ولم يلوثها التقليد والتعصب، والنفوس البريئة لا بد أن تهيم أبدا بشخصية علي بن أبي طالب. وليس مستطاعا إحصاء ما نظمه الشعراء على كل العصور تغنيا به ورثاء له بجميع اللغات الإسلامية من عربية وفارسية وتركية وأوردية، وإننا لنأخذ لهذا الجزء هذه القصائد التالية نماذج لغيرها. ولا بد من الإشارة إلى أمر خطير في تاريخ الأدب العربي مل ذكره أو لم ينتبه له مؤرخو هذا الأدب، ذلك أن الشعراء الذين نظموا في علي بن أبي طالب قد أوجدوا إلى حد ما الملحمة العربية التي يفتقدها مؤرخو الأدب فلا يجدونها في حين أن نواتها على الأقل موجودة في الشعر العلوي.

قصيدة السيد الحميري المتوفي سنة 173:

قصيدة الحاج هاشم الكعبي المتوفى سنة 1221:

قصيدة الشيخ كاظم الآزري المتوفى سنة 1201 وهذه القصيدة تبلغ ألف بيت أكلت الأرضة منها أكثر من أربعمائة بيت بعد أن احتفظ بها صاحبها في طومار ولم يبق منها إلا 578 بيتا نأخذ منها ما يلي:

قصيدة الشيخ عبد المهدي مطر انشدها يوم الاحتفال بافتتاح الباب الذهبي الذي داه بعض الإيرانيين لمقام أمير المؤمنين في النجف سنة 1373:

قصيدة الشاعر المصري الشيخ محمد بن عبد المطلب المتوفى سنة 1350:

من قصيدة لسفيان بن مصعب العبدي المتوفى حدود سنة 120:

من قصيدة لعبد الباقي العمري المتوفى سنة 1278:

من قصيدة لأبي تمام الطائي المتوفى سنة 231:

استدراك

مما يستدرك على أخباره (ع) أيام خلافته ما ذكره المؤرخون ومنهم ابن خلكان انه أصاب أهل الكوفة مجاعة وبها غالب أبو الفرزدق الشاعر فخرج أكثر الناس إلى البوادي وكان غالب ممن خرج وهو رئيس قومه، وخرج سحيم بن وثيل الرياحي وهو رئيس قومه، واجتمعوا بمكان يقال له صوار بوزن جعفر على مسيرة يوم من الكوفة فعقر غالب لأهله ناقة وصنع منها طعاما واهدى إلى قوم من بني تميم لهم جفانا من ثريد ووجه إلى سحيم جفنة فكفاها وض الذي أتاه بها وقال: أنا مفتقر إلى طعام غالب؟ إذا نحر هو ناقة نحرت أنا أخرى، فوقعت المنافرة بينهما وكان ينبغي لسحيم لو عقل أن يقبل الهدية والكرامة وينحر ويهدي لغالب كما دى له وعقر سحيم لأهله ناقة، فعقر غالب من الغد ناقتين، فعقر سحيم ناقتين، فعقر غالب في اليوم الثالث ثلاثا، فعقر سحيم ثلاثا، فعقر غالب في اليوم الرابع مائة ناقة فلم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئا، فلما عاد الناس إلى الكوفة قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر هلا نحرت مثلما نحر وكنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين، فاعتذر بغياب ابله وعقر ثلثمائة ناقة وقال للناس شأنكم بها، وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فاستفتي في حل الأكل منها فقضى بحرمتها وقال: هذه ذبحت لغير مأكلة ولم يكن المقصود منها إلا المفاخرة والمباهاة فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلتها الكلاب والعقبان والرخم هكذا وردت هذه الرواية والذي يلوح لي انه (ع) نهى عن الأكل منها لا لأن لحمها كان بمنزلة الميتة بل لتقبيح هذا الفعل والمبالغة في النهي عن مثله قطعا لمادة المفاخرة التي تجر إلى أسوأ العواقب فان من ذبح للمباهاة والمفاخرة وسمى على الذبيحة لم تحرم، نعم هو بقصده ذلك مراء مأثوم.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 1- ص: 324

(ب د ع) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الهاشمي. ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبي طالب عبد مناف. وقيل: اسمه كنيته، واسم هاشم: عمرو. وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم.

وكنيته: أبو الحسن أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، وأبو السبطين، وهو أول هاشمي ولد بين هاشميين، وأول خليفة من بني هاشم، وكان علي أصغر من جعفر وعقيل وطالب.

وهو أول الناس إسلاما في قول كثير من العلماء على ما نذكره.. وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وأحدا، والخندق، وبيعه الرضوان، وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبوك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على أهله، وله في الجميع بلاء عظيم وأثر حسن، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة بيده، منها يوم بدر- وفيه خلاف- ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده، دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي. وآخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، فإن رسول الله آخى بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعلي في كل واحدة منهما: أنت أخى في الدنيا والآخرة.

إسلامه رضي الله عنه

أنبأنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك بيوم- يعني بعد إسلام خديجة وصلاتها معه- قال: فوجدهما يصليان، فقال علي: يا محمد، ما هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دين الله الذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وإلى عبادته وكفر باللات والعزى. فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث أبا طالب. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا علي، إن لم تسلم فاكتم. فمكث علي تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب علي الإسلام، فأصبح غاديا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال: ماذا عرضت علي يا محمد؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد. ففعل علي وأسلم، ومكث علي يأتيه سرا خوفا من أبي طالب، وكتم علي إسلامه. وكان مما أنعم الله به على علي أنه ربي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام.

قال يونس عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح قال: رواه عن مجاهد قال: أسلم علي وهو ابن عشر سنين.

أنبأنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي عن محمد بن حميد عن إبراهيم بن المختار، عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس، قال: «أول من أسلم علي ومثله روى مقسم عن ابن عباس واسم أبي بلج: يحيى بن أبي سليم.

قال: وحدثنا أبو عيسى، حدثنا إسماعيل بن موسى، حدثنا علي بن عابس، عن سلم الملائي، عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين. وأسلم علي يوم الثلاثاء.

قال: وحدثنا محمد بن عيسى، حدثنا محمد بن بشار وابن مثنى قالا: حدثنا محمد ابن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي حمزة رجل من الأنصار، عن زيد ابن أرقم قال: «أول من أسلم علي» - قال عمرو بن مرة: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فأنكره وقال: «أول من أسلم أبو بكر». وأبو حمزة اسمه: طلحة بن يزيد.

أنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد الله المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي: حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الأجلح، عن سلمة بن كهيل، عن حبة ابن جوين، عن علي قال: لم أعلم أحدا من هذه الأمة عبد الله قبلي، لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين، أو سبع سنين.

رواه إسماعيل بن إبراهيم بن بسام، عن شعيب بن صفوان، عن الأجلح، نحوه. أنبأنا عبد الله بن أحمد الطوسي الخطيب بإسناده عن أبي داود الطيالسي: حدثنا شعبة، حدثنا سلمة بن كهيل عن حبة العرني قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنبأنا أبو الطيب محمد بن أبي بكر بن أحمد المعروف بكلي الأصبهاني كتابة، وحدثني به عثمان بن أبي بكر بن جلدك الموصلي، عنه، أخبرنا أبو علي الحداد، أنبأنا أحمد بن عبد الله ابن إسحاق، أنبأنا سليمان بن أحمد بن أيوب، حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها أولها إسلاما، علي بن أبي طالب.

رواه الدبري عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن قيس بن مسلم.

أنبأنا ذاكر بن كامل الخفاف، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الباقرحي أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف المقري العلاف، أنبأنا أبو علي مخلد بن جعفر ابن مخلد الباقرحي، حدثنا محمد بن جرير الطبري، حدثنا عبد الأعلى بن واصل، حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن ابن مسلم، عن أبيه، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، وذاك أنه لم يصل معي رجل غيره. أنبأنا يحيى بن محمود بن سعد، حدثنا الحسن بن أحمد قراءة عليه وأنا حاضر أسمع أنبأنا أحمد بن عبد الله أبو نعيم أنبأنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا العباس بن الفضل الاسقاطى، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا علي بن غراب، عن يوسف بن صهيب، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خديجة أول من أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم علي.

وقال أبو ذر والمقداد، وخباب، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم: إن عليا أول من أسلم بعد خديجة، وفضله هؤلاء على غيره. قاله أبو عمر وروى معمر، عن قتادة، عن الحسن وغيره قال: أول من أسلم علي بعد خديجة، وهو ابن خمس عشرة سنة.

وسئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم: علي أو أبو بكر؟ قال: سبحان الله! علي أولهما إسلاما، وإنما اشتبه على الناس لأن عليا أخفى إسلامه عن أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه..

وقد ذكرنا حديث عفيف الكندي في أن أول من أسلم علي في ترجمته.

وقال أبو الأسود تيم بن عروة: إن عليا والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين.

قال أبو عمر: ولا أعلم أحدا يقول بقوله هذا وقد قال جماعة غير من ذكرنا: إن عليا أول من أسلم، وقيل: أبو بكر، والله أعلم

هجرته رضي الله عنه

أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة- ينتظر مجيء جبريل عليه السلام وأمره له أن يخرج من مكة بإذن الله له في الهجرة إلى المدينة، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي، وأرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرادوا، أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه، ويتسجى يبرد له أخضر، ففعل، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه.

قال ابن إسحاق: وتتابع الناس في الهجرة، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتن في دينه علي بن أبي طالب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخره بمكة، وأمره أن ينام على فراشه وأجله ثلاثا، وأمره أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه ففعل. ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم. أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي إجازة: أنبأنا أبي أنبأنا أبو الأغر قراتكين بن الأسعد، حدثنا أبو محمد الجوهري، حدثنا أبو حفص بن شاهين، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا أحمد بن يزيد النخعي، حدثنا عبيد الله بن الحسن، حدثنا معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده عن أبي رافع (ح) قال عبيد الله بن الحسن: وحدثني محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، عن أبي رافع في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم- يعني خلف عليا- يخرج إليه بأهله، وأمره أن يؤدي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدى علي أمانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: إن قريشا لم يفقدوني ما رأوك. فاضطجع على فراشه، وكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلى الله عليه وسلم فيرون عليه عليا، فيظنونه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليا، فقالوا: لو خرج محمد لخرج بعلي معه، فحبسهم الله بذلك عن طلب النبي حين رأوا عليا، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يلحقه بالمدينة، فخرج علي في طلبه بعد ما أخرج إليه أهله يمشي الليل ويكمن النهار، حتى قدم المدينة. فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قدومه قال: ادعوا لي عليا. قيل: يا رسول الله، لا يقدر أن يمشي. فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه اعتنقه وبكى، رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دما، فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في يديه، ومسح بهما رجليه، ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد رضي الله تعالى عنه.

شهوده رضي الله عنه بدرا وغيرها

أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن أبي إسحاق، في تسمية من شهد بدرا من قريش، ثم من بني هاشم قال. «وعلي بن أبي طالب، وهو أول من آمن به» وأجمع أهل التاريخ والسند على أنه شهد بدرا وغيرها من المشاهد، وأنه لم يشهد غزوة تبوك لا غير، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على أهله.

أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا الفقيه وغير واحد بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل: حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا إسحاق بن منصور السلولى، حدثنا إبراهيم ابن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق قال: سأل رجل البراء وأنا أسمع: أشهد علي بدرا؟

قال: بارز وظاهر.

أخبرنا يحيى بن محمود، أنبأنا عم جدي أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي، أنبأنا أبو طاهر عم والدي وأبو الفتح، قالا: به أنبأنا أبو بكر بن زاذان، حدثنا أبو عروبة، حدثنا أبو رفاعة، حدثنا محمد بن الحسن- يعرف بالهجيمي حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: لقد رأيته- يعني عليا- يخطر بالسيف هام المشركين يقول: سنحنح الليل كأني جني أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن صرون، وأبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني كلاهما إجازة قالا: أنبأنا أبو الحسن بن أحمد بن شاذان، قال: قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال جدي أبو الحسين يحيي بن الحسن بن جعفر قال: كتب إلي محمد بن علي ومحمد بن يحيى يخبراني، عن محمد بن الجنيد، حدثنا حصن بن جنادة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: لقد أصابت عليا يوم أحد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض، فما كان يرفعه إلا جبريل عليه السلام.

قال: وحدثا جدي حدثنا بكر بن عبد الوهاب، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي، عن يحيى بن سعيد، عن ثعلبة بن أبي مالك قال: كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواطن كلها فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب.

أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ. أنبأنا أبي، أنبأنا أبو الحسين بن الفراء وأبو غالب وأبو عبد الله، أنبأنا البناء قالوا: حدثنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أحمد بن سليمان، حدثنا الزبير بن بكار قال: وله يعني لعلي بن أبي طالب- يقول أسيد بن أبي أناس بن زنيم، وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويعيرهم:

أنبأنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن المديني بإسناده عن أحمد بن علي بن المثنى: حدثنا أبو موسى، حدثنا محمد بن مروان العقيلي، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة قال: قال علي: لما تخلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد نظرت في القتلى فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى، ولكن الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه، فما في خير من أن قاتل حتى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم. أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي، أنبأنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت، حدثنا يحيى بن أبي طالب، أنبأنا زيد بن الخباب، حدثنا الحسين بن وافد عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء، فلما كان من الغد أخذه عمر- وقيل: محمد بن مسلمة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأدفعن لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، ثم دعا باللواء، فدعا عليا وهو يشتكي عينيه، فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح- قال: فسمعت عبد الله بن بريدة يقول: حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب- يعني عليا.

وأخباره في حروبه كثيرة لا نطول بذكرها.

علمه رضي الله عنه

روى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر، وروى عنه بنوه الحسن والحسين ومحمد وعمر، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وأبو سعيد الخدري، وأبو رافع، وصهيب، وزيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله، وأبو أمامة، وأبو سريحة حذيفة بن أسيد وأبو هريرة، وسفينة، وأبو حجيفة السوائي، وجابر بن سمرة، وعمرو بن حريث وأبو ليلى والبراء بن عازب، وعمارة بن رويبة، وبشر بن سحيم، وأبو الطفيل، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، وجرير بن عبد الله، وعبد الرحمن بن أشيم، وغيرهم من الصحابة.

وروى عنه من التابعين: سعيد بن المسيب، ومسعود بن الحكم الزرقي، وقيس بن أبي حازم، وعبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والأحنف ابن قيس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الديلي، وزر بن حبيش، وشريح بن هانئ، والشعبي وشقيق، وخلق كثير غيرهم.

أنبأنا يحيى بن محمود، أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس، أنبأنا أبو الوليد محمد بن إدريس الشامي، حدثنا سويد بن سعيد، أنبأنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن عمرو بن مر، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني إلى اليمن، ويسألوني عن القضاء ولا علم لي به! قال: ادن. فدنوت، فضرب بيده على صدري، ثم قال: «اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه». فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين بعد. أنبأنا زيد بن الحسن بن زيد أبو اليمن الكندي وغيره كتابة قالوا: أنبأنا أبو منصور زريق، أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت، أنبأنا محمد بن أحمد بن زريق، أنبأنا أبو بكر بن مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فيمن أراد العلم فليأت بابه: رواه غير أبي معاوية عن الأعمش. كان أبو معاوية يحدث به قديما ثم تركه.

وروى شعبة عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.

وقال سعيد بن المسيب: ما كان أحد من الناس يقول: «سلوني»، غير علي بن أبي طالب. وروى يحيى بن معين، عن عبدة بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد أعلم من علي؟ قال: لا، والله لا أعلمه وقال ابن عباس: لقد أعطى علي تسعة أعشار العلم، وايم الله لقد شاركهم في العشر العاشر وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: يا عم، لم كان ضغو الناس إلى علي؟ قال: يا ابن أخي، إن عليا كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة، والقدم في الإسلام، والصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والفقه في السنة والنجدة في الحرب، والجود بالماعون.

وروى ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا ثبت لنا الشيء عن على، لم نعدل عنه إلى غيره.

وروى يزيد بن هارون، عن فطر، عن أبي الطفيل قال: قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كان لعلي من السوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيرا.

وله في هذا أخبار كثيرة نقتصر على هذا منها، ولو ذكرنا ما سأله الصحابه- مثل عمر وغيره رضي الله عنهم- لأطلنا.

زهده وعدله رضي الله عنه

أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد، أنبأنا أبو طالب بن غيلان، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي، حدثنا محمد بن المسيب قال: سمعت عبد الله بن حنيف يقول: قال يوسف بن أسباط: الدنيا دار نعيم الظالمين- قال: وقال علي بن أبي طالب: الدنيا جيفة، فمن أراد منها شيئا، فليصبر على مخالطة الكلاب. أخبرنا أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله، أنبأنا أبو غالب بن البناء، أنبأنا محمد بن أحمد ابن محمد بن حسنون النرسي، حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس إملاء، حدثنا أحمد بن علي الرقي، أخبرنا القاسم بن علي بن أبان، حدثنا سهيل بن صقير، حدثنا يحيى بن هاشم الغساني، عن علي بن جزء قال: سمعت أبا مريم السلولي يقول: سمعت عمار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي، إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها: الزهد في الدنيا، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا، ولا تنال الدنيا منك شيئا. ووهب لك حب المساكين، ورضوا بك إماما، ورضيت بهم أتباعا، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك، فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك، فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة أنبأنا عمر بن محمد بن المعمر بن طبرزد، أنبأنا أبو غالب بن البناء، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، حدثنا حمزة بن القاسم الإمام حدثنا الحسين بن عبيد الله، حدثني إبراهيم- يعني الجوهري- حدثنا المأمون- هو أمير المؤمنين- حدثنا الرشيد، حدثنا شريك بن عبد الله، عن عاصم بن كليب، عن محمد ابن كعب القرظي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار ورواه حجاج الأصبهاني وأسود عن شريك، فقالا: أربعين ألف دينار.

ورواه حجاج، عن شريك فقال: أربعين ألفا. لم يرد بقوله: «أربعين ألفا» زكاة ماله، وإنما أراد الوقوف التي جعلها صدقة كان الحاصل من دخلها صدقة هذا العدد، فإن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه لم يدخر مالا، ودليله ما نذكره من كلام ابنه الحسن رضي الله عنهما في مقتله أنه لم يترك إلا ستمائة درهم، اشترى بها خادما. أخبرني أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو محمد هبة الله بن سهل الفقيه، أنبأنا جدي أبو المعالي عمر بن محمد بن الحسين- قال: وأنبأنا أبي، وأنبأنا زاهر، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين- قالا: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو قتيبة سالم ابن الفضل الآدمي بمكة، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه قال: سمعت أبا نعيم قال: سمعت سفيان يقول: ما بني علي لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وإن كان ليؤتى بحبوته من المدينة في جراب.

أنبأنا السيد أبو الفتوح حيدر بن محمد بن زيد العلوي الحسيني، أنبأنا أبو محمد عبد الله ابن جعفر الدورسى بالموصل، أنبأنا النقيب الطاهر أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر الحسيني، أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار، أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف أنبأنا أبو بكر بن مالك، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن أبي بحر، عن شيخ لهم قال: رأيت على علي، عليه السلام إزارا غليظا، قال: اشتريته بخمسة دراهم، فمن أربحني فيه درهما بعته. قال: ورأيت معه دراهم مصرورة، فقال: هذه بقية نفقتنا من ينبع.

قال: وحدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا الوليد بن القاسم حدثنا مطير بن ثعلبة التميمي، حدثنا أبو النوار بياع الكرابيس قال: أتاني علي بن أبي طالب ومعه غلام له، فاشترى مني قميصي كرابيس، فقال لغلامه: اختر أيهما شئت، فأخذ أحدهما، وأخذ علي الآخر، فلبسه، ثم مد يده فقال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي. فقطعه وكفه، ولبسه وذهب. أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب، أنبأنا أبو الحسين بن طلحة النعال، إجازة إن لم يكن سماعا، أنبأنا أبو الحسين بن بشران حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا جعفر بن زياد الأحمر، عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب على مدرج سابور، فقال: لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم، ولا تتبعن لهم رزقا ولا كسوة شتاء ولا صيفا، ولا دابة يعتملون عليها، ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم. قلت: يا أمير المؤمنين، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال: وإن رجعت ويحك! إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو- يعني الفضل. وزهده وعدله رضي الله عنه لا يمكن استقصاء ذكرهما، فلنقتصر على هذا.

فضائله رضي الله عنه

أنبأنا أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي الزرزاري بإسناده إلى الأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المفسر قال: رأيت في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة، خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار، أن ينام على فراشه، وقال له: اتشح ببردي الحضرمي الأخضر، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله تعالى. ففعل ذلك، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام أني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟! آخيت بينه وبين نبيي محمد، فبات على فراشه، يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا، فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادى: بخ بخ! من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة!!؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}.

أنبأنا أبو محمد عبد الله بن علي بن سويد التكريتي، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن أبي الخير الميهني قراءة عليه قال: أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه- قال أبو محمد: وأنبأنا أبو القاسم بن أبي الخير الميهني والحسين بن الفرحان السمناني قالا: أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا أبو بكر التميمي، أنبأنا أبو محمد بن حبان، حدثنا محمد بن يحيى بن مالك الضبي، حدثنا محمد بن سهل الجرجاني، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: نزلت في علي بن أبي طالب، كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحدا، وبالنهار واحدا، وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا.

ورواه عفان بن مسلم، عن وهيب، عن أيوب، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.

أنبأنا إسماعيل بن علي وإبراهيم بن محمد وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن عيسى بن سورة قال: حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت، ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي وخلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان؟! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟ وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليا. فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. وأنزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم}، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي». قال: وحدثنا محمد بن عيسى حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبي، عن شريك، عن منصور، عن ربعي بن حراش حدثنا علي بن أبي طالب بالرحبة، قال: «لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين، فيهم: سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس بهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن قلبه على الإيمان. قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: خاصف النعل، وكان قد أعطى عليا نعلا يخصفها- قال: ثم التفت إلينا علي فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». قال: وحدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عيسى بن عثمان بن أخي يحيى بن عيسى الرملي أخبرنا يحيى بن عيسى الرملي حدثنا الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر ابن حبيش، عن علي قال: لقد عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم-النبي الأمي- أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.

قال: وحدثنا محمد بن عيسى، حدثنا محمد بن بشار ويعقوب بن إبراهيم وغير واحد قالوا: حدثنا أبو عاصم، عن أبي الجراح قال: حدثني جابر بن صبح قال: حدثتني أم شراحيل، عن أم عطية قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم علي، قالت: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم، لا تمتني حتى تريني عليا». أنبأنا أبو منصور مسلم بن علي بن محمد بن السيحي، أنبأنا أبو البركات بن خميس، أنبأنا أبو نصر بن طوق أنبأنا أبو القاسم بن المرجي، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا سعيد بن مطرف الباهلي، حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون، عن أبي المنذر، عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد، عن سعد أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. قال سعيد: فأحببت أن أشافه- بذلك سعدا، فلقيته فذكرت له ما ذكر لي عامر، فقلت: أنت سمعته؟ فأدخل يده في أذنيه وقال: نعم وإلا فاستكتا.

أنبأنا أبو بكر مسمار بن عمر بن العويس البغدادي، أنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن الطلاية، أنبأنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الحسين الأنماطي، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا محمد بن هارون الحضرمي أبو حامد، حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة، حدثنا محمد بن فضل، حدثنا الأعمش، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما كان يوم الطائف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فناجاه طويلا، فقال بعض أصحابه: لقد أطال نجوى ابن عمه قال- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه. أنبأنا إبراهيم بن محمد وغير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه. فتعاقد أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي. وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم. فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله. ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟

إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن من بعدي. أنبأنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: إنما وجد جيش علي الذين كانوا معه باليمن عليه، لأنهم حين أقبلوا خلف عليهم رجلا، وتعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر. فعمد الرجل فكسا كل رجل منهم حلة، فلما دنوا خرج علي يستقبلهم، فإذا عليهم الحلل، فقال علي: ما هذا؟ قالوا: كسانا فلان. قال: فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله فيصنع ما شاء؟ فنزع الحلل منهم. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه لذلك. وكان أهل اليمن قد صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما بعث عليا على جزية موضوعة.

أنبأنا أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز الواسطي، وأبو عبد الله الحسين ابن أبي صالح بن فناخسرو الديلي التكريتي وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله- قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. ف قال: أين علي بن أبي طالب؟

قالوا: يا رسول الله، يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: لتغد على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم. أنبأنا أبو الفضل ابن أبي عبد الله الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى أحمد بن علي: أنبأنا القواريري حدثنا يونس بن أرقم، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس: أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام. قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدريا كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل، فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وقد روي مثل هذا عن البراء بن عازب، وزاد: فقال عمر بن الخطاب: يا ابن أبي طالب، أصبحت اليوم ولي كل مؤمن. أنبأنا الحسن بن محمد بن هبة الله، أنبأنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن ابن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، حدثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة أبو الحسن الأطرابلسي، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن ابن ظالم قال: جاء رجل إلى سعيد بن زيد- يعني ابن عمرو بن نفيل- فقال: إني أحببت عليا حبا لم أحبه أحدا. قال: أحببت رجلا من أهل الجنة. ثم إنه حدثنا قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء، فذكر عشرة في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وعبد الله ابن مسعود.

قال: وحدثنا خيثمة، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى، حدثنا قبيصة حدثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سور بالمدينة، فقال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة. فجاء أبو بكر فهنيناه، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة: فجاء عمر فهنيناه، ثم قال: يطلع عليكم- رجل من أهل الجنة.

قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي رأسه من تحت السعف ويقول: اللهم إن شئت جعلته عليا. فجاء علي فهنيناه. أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد وغيره قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي: حدثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، حدثنا علي بن قادم، حدثنا علي بن صالح بن حي، عن حكيم بن جبير عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فجاء علي فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

أنبأنا أبو الفضل الفقيه المخزومي بإسناده إلى أحمد بن علي، أنبأنا أبو خيثمة حدثنا محمد ابن عبد الله الأسدي، حدثنا سفيان، عن زبيد، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل عليا وفاطمة والحسن والحسين كساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة، قلت: يا رسول الله، أنا منهم.

قال: إنك إلى خير. وأنبأنا غير واحد بإسنادهم إلى محمد بن عيسى حدثنا خلاد بن أسلم البغدادي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا عوف، عن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي قال: قال علي: كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني، وإذا سكت ابتدأني قال: وحدثنا محمد بن عيسى: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا علي بن جعفر بن محمد، أخبرني أخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة قال: وحدثنا محمد بن عيسى، حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعرف المنافقين- نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب.

أنبأنا المنصور بن أبي الحسن الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى: حدثنا الحسن بن حماد، حدثنا مسهر بن عبد الملك، ثقة، حدثنا عيسى بن عمر، عن السدي، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر.

فجاء أبو بكر فرده ثم جاء عثمان فرده، فجاء علي فأذن له. ذكر أبي بكر وعثمان في هذا الحديث غريب جدا. وقد روي من غير وجه عن أنس، ورواه غير أنس من الصحابة: أنبأنا أبو الفرج الثقفي، حدثنا الحسن بن أحمد، وأنا حاضر أسمع، أنبأنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي، حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا الحسن بن السميدع، حدثنا موسى بن أيوب، عن شعيب بن إسحاق، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن أنس قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طير، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك. فجاء علي، فأكل معه.

تفرد به شعيب، عن أبي حنيفة. أنبأنا محمد بن أبي الفتح بن الحسن النقاش الواسطي، حدثنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل البزاز محمد بن، أنبأنا زاهر بن طاهر الشحامي، أنبأنا أبو سعيد الكنجرودي، أنبأنا الحاكم أبو أحمد، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عمرو بن الحسين الأشعري بحمص، حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا حفص بن عمر العدني، حدثنا موسى بن سعيد البصري قال: سمعت الحسن يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير، فقال: اللهم ائتني برجل يحبه الله ويحبه رسوله. قال أنس: فأتى علي فقرع الباب، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول، وكنت أحب أن يكون رجلا من الأنصار، ثم إن عليا فعل مثل ذلك، ثم أتى الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس، أدخله فقد عنيته. فلما أقبل قال اللهم وال، اللهم وال. وقد رواه عن أنس غير من ذكرنا حميد الطويل وأبو الهندي، ويغنم بن سالم.

يغنم: بالياء تحتها نقطتان، والغين المعجمة والنون، وآخره ميم. وهو اسم مفرد.

خلافته رضي الله عنه: أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بإسناده إلى عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا أسود ابن عامر، حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر- يعني الفراء- عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي قال: قيل: يا رسول الله، من يؤمر بعدك؟ قال: «إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا، لا يخاف في الله لومة لائم. وإن تؤمروا عليا- ولا أراكم فاعلين- تجدوه هاديا مهديا، يأخذ بكم الصراط المستقيم». أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاني، إجازة أنبأنا أبو علي بن شاذان، أنبأنا عبد الباقي بن قانع، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي حدثنا العباس بن بكار، عن شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت بمنزلة الكعبة، تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك- يعني الخلافة- فأقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك» أنبأنا يحيى بن محمود، أنبأنا الحسن بن أحمد قراءة عليه وأنا حاضر، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي عن يحيى بن عروة المرادي قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر، فاجتمع المسلمون على أبي بكر، فسمعت وأطلعت، ثم إن أبا بكر أصيب، فظننت أنه لا يعدلها عني، فجعلها في عمر، فسمعت وأطعت ثم إن عمر أصيب، فظننت أنه لا يعدلها عني، فجعلها في ستة أنا أحدهم، فولوها عثمان، فسمعت وأطعت. ثم إن عثمان قتل، فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين، ثم خلعوا بيعتي، فو الله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم. أخبرنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف وغيره إجازة قالوا: أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد الأبنوسي، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى بن حنيقا، أنبأنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي قال: استخلف أمير المؤمنين علي كرم الله وجهة، وبويع له بالمدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل عثمان، في ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين.

قال: وحدثنا إسماعيل الخطبي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع القرشي، حدثنا محمد بن ابن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن الزهري، عن ابن المسيب قال: لما قتل عثمان جاء الناس كلهم إلى علي يهرعون، أصحاب محمد وغيرهم، كلهم يقول: «أمير المؤمنين علي»، حتى دخلوا عليه داره، فقالوا: نبايعك فمد يدك، فأنت أحق بها. فقال علي: ليس ذاك إليكم، وإنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة. فلم يبق أحد إلا أتى عليا، فقالوا: ما نرى أحدا أحق بها منك، فمد يدك نبايعك. فقال: أين طلحة والزبير؟ فكان أول من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، فلما رأى علي ذلك خرج إلى المسجد، فصعد المنبر، فكان أول من صعد إليه، فبايعه طلحة، وتابعه الزبير، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين.

أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، عن رشأ بن نظيف، حدثنا الحسن بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن مروان، حدثنا محمد بن موسى ابن حماد، حدثنا محمد بن الحارث، عن المدائني قال: لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة، دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها.

أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا، قبيصة. عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل قال قلت لعبد الرحمن ابن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا؟، فقال: ما ذنبي؟ قد بدأت بعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. قال فقال: فيما استطعت. قال: ثم عرضتها على عثمان فقبلها. ولما بايعه الناس تخلف عن بيعته جماعة من الصحابة، منهم: ابن عمر، وسعد، وأسامة، وغيرهم. فلم يلزمهم بالبيعة، وسئل علي عمن تخلف عن بيعته، فقال: أولئك قعدوا عن الحق، ولم ينصروا الباطل. وتخلف عنه أهل الشام مع معاوية فلم يبايعوه، وقاتلوه.

أنبأنا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن بوش، كتابة، أنبأنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يوسف، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ، أنبأنا محمد بن الحسن بن طازاد الموصلي، حدثنا علي ابن الحسين الخواص، عن عفيف بن سالم عن فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن أبي سعيد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطع شسعه، فأخذها علي يصلحها، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن منكم رجلا يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله. فاستشرف لها القوم، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: لكنه خاصف النعل. فجاء فبشرناه بذلك، فلم يرفع به رأسا، كأنه شيء قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. أنبأنا أرسلان بن بعان الصوفي، حدثنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن أبي سعيد الميهني، أنبأنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازي، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، حدثنا الحسين بن الحكم الحيري، حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ فقال: مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر. قال: وأخبر الحاكم، أنبأنا أبو الحسن علي بن حمشاد العدل، حدثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل حدثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا محمد بن كثير، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري، فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئت تقاتل المسلمين؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وأنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن بإسناده عن أبي يعلى: حدثنا: إسماعيل بن موسى، حدثنا الربيع بن سهل، عن سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا على منبركم هذا يقول: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. أنبأنا أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة الحلبي. قال: حدثني عمي أبو المجد عبد الله بن محمد بن أبي جرادة. أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي عبد الله بن محمد بن أبي جرادة، حدثنا أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن سعيد بحلب، حدثنا الأستاذ أبو النمر الحارث بن عبد السلام بن رغبان الحمصي، حدثنا أبو عبد الله الحسين ابن خالويه، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزاز، حدثنا محمد بن الحسن ابن موسى الكوفي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن حبيب، أخبرني أبي قال: قال ابن عمر حين حضره الموت: ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية.

وقال أبو عمر: روى من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر أنه قال: ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي بن أبي طالب الفئة الباغية.

وقال الشعبي: ما مات مسروق حتى تاب إلى الله تعالى من تخلفه عن القتال مع علي.

ولعلي رضي الله عنه في قتال الخوارج وغيرها آيات مذكورة في التواريخ، فقد أتينا على ذكرها في الكامل في التاريخ.

مقتله وإعلامه أنه مقتول رضي الله عنه

أنبأنا نصر الله بن سلامة بن سالم الهيتي، أنبأنا القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي، أنبأنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي المأمون، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن يحيى بن زاهر بن يحيى الرازي بالبصرة، حدثني أحمد بن محمد بن زياد القطان الرازي، حدثنا عبد الله بن زاهر بن يحيى، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن زيد بن أسلم، عن أبي سنان الدؤلي، عن علي قال: حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: لا تموت حتى تضرب ضربة على هذه فتخضب هذه- وأومأ إلى لحيته وهامته- ويقتلك أشقاها، كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود- نسبه إلى جده الأدنى.

قال علي بن عمر: هذا حديث غريب من حديث الأعمش، عن زيد بن أسلم، عن أبي سنان، عن علي تفرد به عبد الله بن زاهر عن أبيه.

قلت: قد رواه عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، أنبأنا أبو الفضل الطبري بإسناده إلى أبي يعلى، عن القواريري، عن عبد الله بن جعفر، عن زيد، عن أبي سنان أتم من هذا أنبأنا أبو الفضل المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، عن سنان، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام- وقد وضعت رجلي في الغرز- فقال لي: لا تقدم العراق، فإني أخشى أن يصيبك فيها ذباب السيف. قال علي: وأيم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محارب يخبر بذا عن نفسه.

قال: وأنبأنا أحمد بن علي، أنبأنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن سلمة ابن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه- يعني لحيته من دم رأسه- فقال رجل: والله لا يقول ذلك أحد إلا أبرنا عترته! فقال اذكر الله، وأنشد أن يقتل مني إلا قاتلي أنبأنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أنبأنا أبو الخير المبارك بن الحسين بن أحمد الغسال المقرئ الشافعي، حدثنا أبو محمد الخلال، حدثنا أبو الطيب محمد ابن الحسين النحاس بالكوفة، حدثنا علي بن العباس البجلي، حدثنا عبد العزيز بن منيب المروزي، حدثنا إسحاق- يعني ابن عبد الملك بن كيسان- حدثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال علي- يعني للنبي صلى الله عليه وسلم-: إنك قلت لي يوم أحد، حين أخرت عني الشهادة، واستشهد من استشهد: إن الشهادة من وراءك، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه بدم وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه، فقال، علي: يا رسول الله، إما أن تثبت لي ما أثبت، فليس ذلك من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والكرامة. وأنبأنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن بإسناده إلى أحمد بن علي بن المثنى: أنبأنا سويد بن سعيد، حدثنا رشدين بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عثمان بن صهيب، عن أبيه قال: قال علي: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أشقى الأولين؟

قلت: عاقر الناقة. قال: صدقت. قال: فمن أشقى الآخرين؟ قلت: لا علم لي يا رسول الله قال: الذي يضربك على هذا- وأشار بيده إلى يافوخه- وكان يقول: وددت أنه قد انبعث أشقاكم، فخضب هذه من هذه- يعني لحيته من دم رأسه. أنبأنا أبو ياسر ابن أبي حبة، أنبأنا أبو غالب بن البناء، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ابن حسنون، أنبأنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد الله السراج، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل: أن عليا جمع الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي، فرده مرتين، ثم قال: علام يحبس أشقاها؟ فو الله ليخضبن هذه من هذه، ثم تمثل:

وأنبأنا أبو ياسر إجازة، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمرو بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن قهم، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا خالد بن مخلد ومحمد بن الصلت، حدثنا الربيع بن المنذر، عن أبيه أن محمد بن الحنفية قال: دخل علينا ابن ملجم الحمام، وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمام، فلما دخل كأنهما اشمأزا منه وقالا: ما جرأك تدخل علينا؟ قال، فقلت لهما: دعاه عنكما: فلعمري ما يريد منكما أحشم من هذا، فلما كان يوم أتي به أسيرا قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام! فقال علي: إنه أسير فأحسنوا نزله، وأكرموا، مثواه فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين. أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين وغير واحد، إجازة قالوا: أنبأنا أبو الفتح محمد ابن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني، كلاهما إجازة قالا: أنبأنا أبو علي بن شاذان قال: قرئ على أبي محمد الحسن ابن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن على ابن أبي طالب قال: حدثنا جدي أبو الحسين يحيى بن الحسن، حدثنا سعيد بن نوح، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا عبد الجبار بن العباس، عن عثمان بن المغيرة قال: لما دخل شهر رمضان جعل علي يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله ابن جعفر، لا يزيد على ثلاث لقم، ويقول: يأتي أمر الله وأنا خميص، وإنما هي ليلة أو ليلتان. قال: وأنبأنا جدي، حدثنا زيد بن علي، عن عبيد الله بن موسى، حدثنا الحسن بن كثير، عن أبيه قال: خرج علي لصلاة الفجر، فاستقبله الأوز يصحن في وجهه- قال: فجعلنا نطردهن عنه فقال: دعوهن فإنهن نوائح. وخرج فأصيب.

وهذا يدل على أنه علم السنة والشهر والليلة التي يقتل فيها، والله أعلم.

أنبأنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد، أنبأنا النقيب طراد بن محمد إجازة إن لم يكن سماعا، أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا الحسين بن صفوان، أنبأنا عبد الله بن أبي الدنيا، حدثني عبد الرحمن بن صالح، حدثنا عمرو بن هاشم الحسيني عن حكاب، عن أبي عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال لي الحسين بن علي: قال لي علي: سنح لي الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي، فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد؟

قال: ادع عليهم. قلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني فخرج، فضربه الرجل. كذا في هذه الرواية «الحسين بن علي»، وإنما هو «الحسن».

أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بن عبد الوهاب إذنا، أخبرنا أبو بكر الأنصاري، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين ابن قهم، أنبأنا محمد بن سعد قال: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وهو من حمير، وعداده في بني مراد، وهو حليف بني جبلة من كندة. والبرك ابن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي. فاجتمعوا بمكة، وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم. فقال ابن ملجم: أنا لكم بعلي، وقال البرك: أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكر: أنا كافيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا عليه، وتواثقوا أن لا ينكص منهم رجل عن صاحبه الذي سمي له، ويتوجه له حتى يقتله أو يموت دونه. فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد. وكان يزورهم ويزرونه، فزار يوما نفرا من بني تيم الرباب، فرأى امرأة منهم يقال لها: قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها بالنهروان، فأعجبته فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي. فقال: لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك. فقالت: ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب. فقال. والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي، وقد أعطيتك ما سألت. ولقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي. فأعلمه ما يريد، ودعاه إلى أن يكون معه، فأجابه إلى ذلك.

وظل ابن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح. فقام ابن ملجم، وشبيب بن بجرة، فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي- قال الحسن بن علي: فأتيته سحيرا، فجلست إليه فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي، فملكتني، عيناي وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد فقال لي: ادع الله عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا لهم مني. ودخل ابن التياح المؤذن على ذلك فقال: «الصلاة»، فقام يمشي ابن التياح بين يديه وأنا خلفه، فلما خرج من الباب نادى: «أيها الناس، الصلاة الصلاة»، كذلك كان يصنع كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس فاعترضه الرجلان. فقال بعض من حضر: ذلك بريق السيف، وسمعت قائلا: «يقول الله الحكم يا علي لا لك» ثم رأيت سيفا ثانيا فضربا جميعا، فأما سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، فسمع علي يقول: «لا يفوتنكم الرجل». وشد الناس عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ ابن ملجم فأدخل على علي، فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولي دمي: عفو أو قصاص، وإن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين. فقالت أم كلثوم بنت علي: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين! قال: ما قتلت إلا أباك. قالت: والله إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس. قال: فلم تبكين إذا ثم قال: والله لقد سممته شهرا- يعني سيفه- فإن أخلفني أبعده الله وأسحقه.

وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي، فقال: أي بني، انظر كيف أصبح أمير المؤمنين؟ فذهب فنظر إليه، ثم رجع فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه.

فقال الأشعث: عيني دميغ ورب الكعبة.

قال: ومكث علي يوم الجمعة ويوم السبت وبقي ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من شهر رمضان من سنة أربعين، وتوفي رضوان الله عليه، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص.

قالوا: وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن، فلما مات علي ودفن بعث الحسن بن علي إلى ابن ملجم، فأخرجه من السجن ليقتله، فاجتمع الناس وجاءوا بالنفط، والبواري والنار، وقالوا: نحرقه. فقال: عبد الله بن جعفر، وحسين بن على، ومحمد بن الحنفية، دعونا حتى نشفي أنفسنا منه فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه بمسمار محمي، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك بمملول ممض، وجعل يقرأ {اقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى أتى على آخر السورة، وإن عينيه لتسيلان. ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه، فجزع، فقيل له: قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله، فلم تجزع، فلما صرنا إلى لسانك جزعت. قال ما ذاك من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقا لا أذكر الله فقطعوا لسانه، ثم جعلوه في قوصرة فأحرقوه بالنار، والعباس ابن علي يومئذ صغير، فلم يستأن به بلوغه.

وكان ابن ملجم أسمر أبلج، في جبهته أثر السجود.

أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر ابن الطبري، أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا أبو علي بن صفوان، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثني هارون بن أبي يحيى، عن شيخ من قريش أن عليا لما ضربه ابن ملجم قال: «فزت ورب الكعبة». أنبأنا عبد الوهاب بن أبي منصور بن سكينة، أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي ابن سلمان، أنبأنا أحمد بن الحسين بن خيرون وأحمد بن الحسن الباقلاني، كلاهما إجازة قالا: أنبأنا أبو علي بن شاذان قال: قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، حدثني جدي، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، حدثني إسماعيل بن أبان الأزدي، حدثني فضيل بن الزبير، عن عمرو ذي مر قال: لما أصيب علي بالضربة، دخلت عليه وقد عصب رأسه، قال قلت: يا أمير المؤمنين، أرني ضربتك. قال: فحلها، فقلت: خدش وليس بشيء. قال: إني مفارقكم. فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب، فقال لها: اسكتي، فلو ترين ما أرى لما بكيت. قال فقلت: يا أمير المؤمنين، ماذا ترى؟ قال: هذه الملائكة وفود، والنبيون، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي، أبشر، فما تصير إليه خير مما أنت فيه. هذه أم كلثوم هي ابنة علي زوج عمر بن الخطاب.

البرك: بضم الباء الموحدة، وفتح الراء. وبجرة. بفتح الباء والجيم قاله ابن ماكولا.

والذي ضبطه أبو عمر بضم الباء وسكون الجيم.

أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر الخطيب، أنبأنا أبو سعد المطرز وأبو علي الحداد إجازة قالا: أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد ابن عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن بشر- أخى خطاب- حدثنا عمر بن زرارة الحدثي، حدثنا الفياض بن محمد الرقي، حدثنا عمرو بن عبس الأنصاري، عن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الله، عن أبيه قال: لما فرغ علي من وصيته قال: اقرا عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ثم لم يتكلم إلا ب «لا إله إلا الله» حتى قبضه الله، رحمة الله ورضوانه عليه. وغسله ابناه، وعبد الله بن جعفر. وصلى عليه الحسن ابنه، وكبر عليه أربعا. وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص. ودفن في السحر.

قيل: إن عليا كان عنده مسك فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصي أن يحنط به.

واختلفوا في عمره، فقال محمد بن الحنفية سنة الحجاف، حين دخلت سنة إحدى وثمانين: هذه لي خمس وستون سنة، وقد جاوزت سن أبي. قال: وكان سنة يوم قتل ثلاثا وستين سنة. قال الواقدي: وهذا أثبت عندنا.

وقال أبو بكر البرقي: توفي علي وهو ابن سبع وخمسين سنة. وقيل: توفي ابن ثمان وخمسين سنة.

وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر. وقيل: أربع سنين، وتسعة أشهر، وستة أيام. وقيل: ثلاثة أيام.

قال محمد بن علي الباقر: كان علي آدم، مقبل العينين عظيمهما ذا بطن، أصلع، ربعه، لا يخضب.

وقال أبو إسحاق السبيعي: رأيته أبيض الرأس واللحية، وكان ربما خضب لحيته.

وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت عليا ربعة، ضخم البطن، كبير اللحية قد ملأت صدره، أصلع شديد الصلع.

وقال محمد بن سعد، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن رزام بن سعيد الضبي قال: سمعت أبي ينعت عليا قال: كان رجلا فوق الربعة، ضخم المنكبين طويل اللحية- وإن شئت قلت: إذا نظرت إليه قلت: آدم، وإن تبينته من قريب قلت: أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم وقال محمد بن سعد: حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن قدامة بن عتاب قال: كان علي ضخم البطن، ضخم مشاش المنكب، ضخم عضلة الذراع، دقيق مستدقها، ضخم عضلة الساق، دقيق مستدقها- قال: ورأيته يخطب في يوم من الشتاء، عليه قميص وإزار قطريان معتم بشيء مما ينسج في سوادكم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو هريرة، حدثنا عبد الله بن داود، حدثنا مدرك أبو الحجاج قال: رأيت عليا يخطب، وكان من أحسن الناس وجها.

وقيل: كان كأنما كسر ثم جبر، لا يغير شيبه، خفيف المشي، ضحوك السن.

وبالجملة فمناقبه عظيمة كثيرة، فلنقتصر على هذا القدر منها، ومن يريد أكثر من هذا فقد جمعنا مناقبه في كتاب جامع لها، والحمد لله رب العالمين.

ورثاه الناس فأكثروا، فمن ذلك ما قاله أبو الأسود الدولي، وبعضهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية:

وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب فيه أيضا:

وقال إسماعيل بن محمد الحميري:

ومدائحه ومراثيه كثيرة، رضي الله عنه. فلنقتصر على هذا، ففيه كفاية، والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.

  • دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 871

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 4- ص: 87

  • دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 3- ص: 588

علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن.
أول الناس إسلاما في قول كثير من أهل العلم. ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى».
وزوجه بنته فاطمة.
وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال له: أنت أخي.
ومناقبة كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي. وقال غيره: وكان سبب ذلك بغض بني أمية له، فكان كل من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يثبته، وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث بمناقبه لا يزداد إلا انتشارا.
وقد ولد له الرافضة مناقب موضوعة هو غني عنها، وتتبع النسائي ما خص به من دون الصحابة، فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد أكثرها جياد.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا.
وروى عنه من الصحابة ولداه: الحسن والحسين، وابن مسعود، وأبو موسى، وابن عباس، وأبو رافع، وابن عمر، وأبو سعيد، وصهيب، وزيد بن أرقم، وجرير، وأبو أمامة، وأبو جحيفة، والبراء بن عازب، وأبو الطفيل، وآخرون.
ومن التابعين من المخضرمين، أو من له رؤية: عبد الله بن شداد بن الهاد، وطارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، ومسعود بن الحكم، ومروان بن الحكم، وآخرون.
ومن بقية التابعين عدد كثير من أجلهم أولاده: محمد، وعمر، والعباس.
وكان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام حتى قال فيه أسيد بن أبي إياس بن زنيم الكناني قبل أن يسلم يحرض عليه قريشا ويعيرهم به:

وكان أحد الشورى الذين نص عليهم عمر، فعرضها عليه عبد الرحمن بن عوف، وشرط عليه شروطا امتنع من بعضها، فعدل عنه إلى عثمان فقبلها، فولاه وسلم علي وبايع عثمان، ولم يزل بعد النبي صلى الله عليه وسلم متصديا لنصر العلم والفتيا.
فلما قتل عثمان بايعه الناس، ثم كان من قيام جماعة من الصحابة منهم طلحة والزبير وعائشة في طلب دم عثمان، فكان من وقعة الجمل ما اشتهر.
ثم قام معاوية في أهل الشام، وكان أميرها لعثمان ولعمر من قبله، فدعا إلى الطلب بدم عثمان، فكان من وقعة صفين ما كان.
وكان رأي علي أنهم يدخلون في الطاعة ثم يقوم ولي دم عثمان فيدعي به عنده، ثم يعمل معه ما يوجبه حكم الشريعة المطهرة، وكان من خالفه يقول له: تتبعهم واقتلهم، فيرى أن القصاص بغير دعوى ولا إقامة بينة لا يتجه. وكل من الفريقين مجتهد.
وكان من الصحابة فريق لم يدخلوا في شيء من القتال، وظهر بقتل عمار أن الصواب كان مع علي. واتفق على ذلك أهل السنة بعد اختلاف كان في القديم، ولله الحمد.
ومن خصائص علي قوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه». فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا كلهم يرجو أن يعطاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين علي بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يشتكي عينيه، فأتي به فبصق في عينيه، فدعا له فبرأ، فأعطاه الراية.
أخرجاه في «الصحيحين» من حديث سهل بن سعد، ومن حديث سلمة بن الأكوع نحوه باختصار، وفيه: «يفتح الله على يديه».
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم نحوه، وفيه: فقال عمر: ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم.
وفي حديث بريرة عند أحمد نحو حديث سهل، وفيه زيادة في أوله، وفي آخره قصة مرحب، وقتل علي له فضربه على هامته ضربة حتى عض السيف منه بيضة رأسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته، فما قام آخر الناس حتى فتح الله لهم.
وفي المسند لعبد الله بن أحمد بن حنبل، من حديث جابر- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع الراية لعلي يوم خيبر أسرع، فجعلوا يقولون له: ارفق، حتى انتهى إلى الحصن، فاجتذب بابه فألقاه على الأرض، ثم اجتمع عليه سبعون رجلا حتى أعادوه.
وفي سنده حرام بن عثمان متروك. وجاءت قصة الباب من حديث أبي رافع، لكن ذكر دون هذا العدد.
وأخرج أحمد، والنسائي، من طريق عمرو بن ميمون: إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه سبعة رهط... فذكر قصة فيها: قد جاء ينفض ثوبه، فقال: وقعوا في رجل له عز. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأبعثن رجلا لا يخزيه الله، يحب الله ورسوله». فجاء وهو أرمد فبزق في
عينيه، ثم هز الراية ثلاثا فأعطاه، فجاء بصفية بنت حيي، وبعثه يقرأ براءة على قريش، وقال: «لا يذهب إلا رجل مني وأنا منه».
وقال لبني عمه: «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟» فأبوا، فقال علي: أنا. فقال: «إنه وليي في الدنيا والآخرة». وأخذ رداءه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين، وقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}.
ولبس ثوبه، ونام مكانه، وكان المشركون قصدوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا رأوه، فقالوا: أين صاحبك؟ وقال له في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي»، أي لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. وقال له: «أنت ولي كل مؤمن من بعدي».
وسد الأبواب إلا باب علي، فيدخل المسجد جنبا، وهو طريقه، ليس له طريق غيره.
وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وأخبر الله أنه رضي عن أصحاب الشجرة، فهل حدثنا أنه سخط عليهم بعد.
وقال صلى الله عليه وسلم: «يا عمر، ما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم».
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن.
وقال سعيد بن جبير: كان ابن عباس يقول: إذا جاءنا الثبت- عن علي- لم نعدل به.
وقال وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل: كان علي يقول: سلوني سلوني، وسلوني عن كتاب الله تعالى، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار.
وأخرج الترمذي بسند قوي، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية سعدا فقال له: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم، فلن أسبه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وقد خلفه في بعض المغازي، فقال له علي: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان. فقال له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي». وسمعته يقول يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، فتطاولنا لها فقال: «ادعوا لي عليا فأتاه، وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه».
وأنزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم}، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي».
وأخرج أيضا- وأصله في مسلم- عن علي، قال: لقد عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم: «أن لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق».
وأخرج الترمذي بإسناد قوي، عن عمران بن حصين في قصة قال فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تريدون من علي! إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي».
وفي مسند أحمد بسند جيد، عن علي، قال: قيل يا رسول الله: من تؤمر بعدك؟ قال: «إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا، وما أراكم فاعلين، تجدوه هاديا مهديا، يأخذ بكم الطريق المستقيم.
وكان قتل علي في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، ومدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ونصف شهر، لأنه بويع بعد قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت وقعة الجمل في جمادى سنة ست وثلاثين، ووقعة صفين في سنة سبع وثلاثين، ووقعة النهروان مع الخوارج في سنة ثمان وثلاثين ثم أقام سنتين يحرض على قتال البغاة، فلم يتهيأ ذلك إلى أن مات.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 4- ص: 464

أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي. تقدم في الأسماء.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 7- ص: 76

أبو تراب كنية علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0

علي بن أبي طالب أمير المؤمنين كرم الله وجهه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين كرم الله وجهه، يأتي ذكره في علي بن عبد مناف في مكانه إن شاء الله تعالى.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0

أمير المؤمنين ابن أبي طالب علي بن عبد مناف أبي طالب بن عامر عبد المطلب بن هاشم، عمرو بن عبد مناف المغيرة بن قصي زيد، أمير المؤمنين أبو الحسن ابن أبي طالب القرشي الهاشمي كرم الله وجهه. أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا، توفيت مسلمة قبل الهجرة، وقيل أنها هاجرت، وسيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى في حرف الفاء-.
كان علي أصغر ولد أبيه، كان جعفر أكبر منه بعشر سنين. وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين. وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وزيد بن أسلم أن عليا أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره. وعن ابن عباس أنه قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان معه لواؤه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر غيره عنه، وهو الذي غسله وأدخله في قبره. وعن سلمان الفارسي قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما: علي بن أبي طالب.
قال ابن عبد البر: ورفعه أولى لأنه لا يدرى بالرأي. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنت ولي كل مؤمن بعدي. وعن قتادة عن الحسن قال: أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة، وقيل: ابن عشر وقيل: ابن ثلاث عشرة، وقيل: ابن اثني عشرة، وقيل: ابن ثمان. وكان علي وطلحة والزبير في سن واحد، وأجمعوا على أنه صلى القبلتين، وهاجر وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد وقام قيامها مقام الكريم. ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة إلا تبوك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على المدينة وعلى عياله بعده، وقال له: أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. قال ابن عبد البر: وقد روى أنت مني بمنزلة هرون من موسى جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الأخبار وأصحها.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت أخي وصاحبي. وعن أبي الطفيل: لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد فقال علي: أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينه إذ آخى بين المسلمين غيري؟ فقالوا: اللهم لا. قال ابن عبد البر: وروينا من وجوه عن علي أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلا كذاب. وكان معه على حراء حين تحرك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. وكان عليه يومئذ العشرة المشهود لهم بالجنة.
وروى بريدة وأبو هريرة وجابر والبراء بن عازب وزيد بن أرقم، كل واحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعمران بن الحصين وسلمة بن الأكوع كلهم بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار، يفتح الله على يديه. ثم دعا بعلي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح الله عليه.. قال ابن عبد البر: وهي كلها آثار ثابتة.
وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم، فقال: يا رسول الله إني لا أدري ما القضاء. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده صدره وقال: اللهم اهد قلبه وسدد لسانه. قال علي: فو الله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين. ولما نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا وحسنا وحسينا في بيت أم سلمة وقال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وروت طائفة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وقال صلى الله عليه وسلم: يهلك فيك رجلان، محب مطر وكذاب مفتر. وقال له: تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى. وقال: من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد آذى الله عز وجل. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا مدينة العلم وبابها علي، فمن أراد العلم فليأت من بابه. وقال في أصحابه: أقضاكم علي بن أبي طالب. وقال عمر: علي أقضانا وأبي أقرأنا، وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي. وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت: للشعبي: أن مغيرة حلف بالله ما أخطأ علي في قضاء قضى به، فقال: لقد أفرط. وعن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ من قضية معضلة ليس لها أبو حسن. وقال في المجنونة التي أمر برجمها، وفي التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها فقال له علي: إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} الحديث. وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون... الحديث. وكان عمر يقول: لولا علي هلك عمر. وقد روي مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس، وعن علي أخذها ابن عباس، والله أعلم. وعن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب. وعن قليب بن جسرة قال: قالت عائشة: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة. وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغديان، مع أحدهما خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة أرغفة. فلما وضعا الغداء بين أيديهما مر بهما رجل فسلم، فقالا له: الغداء، فجلس وأكل معهما، واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم وقال: خذا هذا عوضا مما أكلت لكما، ونلته من طعامكما. فتنازعا، فقال صاحب الأرغفة الخمسة: لي خمسة دراهم ولك ثلاثة دراهم، فقال صاحب الثلاثة: لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين، فارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقصا عليه قصتهما، فقال لصاحب الثلاثة:
قد عرض لك صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك، فارض بالثلاثة، قال: لا والله لا رضيت منه ألا بمر الحق. فقال له علي: ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد وله سبعة. قال الرجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين، هو يعرض علي ثلاثة ولم أرض، فأشرت علي بأخذها فلم أرض، وتقول لي الآن: لا يجب لك في مر الحق إلا درهم واحد. فقال له علي: عرض عليك صاحبك أن تأخذ الثلاثة صلحا، فقلت: لا أرضى إلا بمر الحق، ولا يجب لك في مر الحق إلا واحد. فقال له الرجل: فعرفني في مر الحق حتى أقبله، فقال علي: أليس الثمانية الأرغفة أربعة وعشرين ثلثا؟ أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس، ولا نعلم الأكثر منكم أكلا ولا الأقل، فتحملون في أكلكم على السواء؟ قال: بلى، قال: فأكلت أنت ثمانية أثلاث وإنما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة عشر ثلثا، أكل منها ثمانية وبقي له سبعة، وأكل لك واحدا من تسعة، فلك واحد بواحدك وله سبعة بسبعته فقال الرجل: رضيت الآن.
وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل به علي بن أبي طالب عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقال له عتبة أخوه: لا يسمع هذا أهل الشام، فقال: دعني عنك. وكان يأخذ في الجزية من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده، يأخذ من أهل الإبر الإبر والمساك والخيوط والحبال ويقسمها بين الناس. وكان لا يدع في بيت المال مالا يبيت حتى يقسمه إلا أن يغلبه شغل فيصبح إليه وهو يقول: يا دنيا لا تغريني غري غيري، هذا جناي وخياره فيه، وكل جان يده إلى فيه. وعن مجمع التيمي أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكنس ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة.
وثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال: لم يترك أبي إلا ثمانماية درهم فضل من عطائه كان يعدها لخادمة يشتريها لأهله. وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليا خرج علينا وعليه قميص غليظ رازي إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر، وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد، وكان يطوف في الأسواق ومعه درة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء في الكيل والميزان. وقال هرون بن إسحق: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة، ومن قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة. فذكرت له هؤلاء الذين يذكرون أبا بكر وعمر وعثمان ويسكتون، فتكلم فيهم بكلام غليظ.
قال ابن عبد البر: وقف جماعة من أئمة أهل السنة في علي وعثمان فلم يفضل واحدا منهما على صاحبه، منهم: مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان. وأما اختلاف السلف في تفضيل علي فقد ذكر ابن خيثمة في كتابه من ذلك ما فيه كفاية. وأهل السنة اليوم على تقديم أبي بكر على عمر وتقديم عمر على عثمان وتقديم عثمان على علي، وعلى هذا عامة أهل الحديث من زمن أحمد بن حنبل إلا خواص من جلة الفقهاء وأئمة العلماء، فإنهم على ما ذكرنا عن مالك ويحيى القطان وابن معين. وكان بنو أمية ينالون منه وينتقصونه، فما زاده الله بذلك إلا سموا وعلوا ومحبة عند العلماء.
وكان رضي الله عنه رجلا آدم شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن أصلع ربعة إلى القصر لا يخضب. وقال أبو إسحق السبيعي: رأيت عليا أبيض الرأس واللحية، وقد روي أنه ربما خضب وصفر لحيته. وبويع رضي الله عنه بالخلافة يوم قتل عثمان، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلف منهم نفر لم يهجهم ولم يكرههم، وسئل عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل. وتخلف عنها معاوية ومن معه من أهل الشام، وكان منهم في صفين بعد الجمل ما كان، تغمدهم الله برحمته وغفرانه جميعا. ثم خرجت عليه الخوارج وكفروه، وكل من معه إذ رضي التحكيم بينه وبين أهل الشام. وقالوا له: حكمت الرجال في دين الله، والله يقول: {إن الحكم إلا لله}. ثم اجتمعوا وشقوا عصا الإسلام ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل، فخرج إليهم بمن معه ورام رجعتهم فأبوا إلا القتال. فقاتلهم بالنهروان، وقتلهم واستأصل جمعهم أو جمهورهم، ولم ينج منهم إلا اليسير. وانتدب له من بقاياهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي فقتله، وقد مر ذلك في ترجمة عبد الرحمن المذكور. وكانت قتلته ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، ضربه بسيف مسموم وهو خارج إلى صلاة الصبح سنة أربعين من الهجرة. واختلف في ليلة قتله وفي سنه، فقيل: لثلاث عشرة ليلة الجمعة، وقيل: لثمان عشرة، وقيل: أول ليلة من العشر الأواخر. وقيل: عمره سبع وخمسون سنة، وقيل: ثمان وخمسون، وقيل: ثلاث وستون، وقيل: ابن خمس وستين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع وستون وتسعة أشهر وستة أيام، وقيل: ثلاثة أيام، وقيل: أربعة عشر يوما. واختلف في موضع دفنه، فقيل: في مصر الإمارة بالكوفة، وقيل: في رحبة الكوفة، وقيل: بنجف الحيرة، وقيل: إنه وضع في صندوق وكثر عليه من الكافور وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلما كانوا ببلاد طيء أضلوا البعير ليلا فأخذته طيء ودفنوه ونحروا البعير. وقال المبرد عن محمد بن حبيب: أول من حول من قبر إلى قبر علي بن أبي طالب. وقالت عائشة لما بلغها قتله: لتضع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها. واختلف في ضرب ابن ملحم له هل كان في الصلاة أو قبل الدخول فيها؟ وهل استخلف من أتم بهم الصلاة، أو هو أتمها؟ فالأكثرون على أنه استخلف جعدة بن هبيرة فصلى بهم تلك الصلاة، والله أعلم.
وقال الحسن بن علي أنه سمع أباه في ذلك السحر يوم قتل يقول: يا بني، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومة نمتها فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت في أمتك من الأولاد واللدد؟ فقال: أدع الله عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي من هو شر لهم مني. وجاءه مؤذنه بالصلاة فخرج فاعتوره الرجلان فقتلاه. وجمع الأطباء له -وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمر السكوني، وكان صاحب كسرى يتطبب له، وهو الذي تنسب إليه صحراء أثير- فأخذ أثير رئة شاة حارة فتتبع عرقا منها فاستخرجه، فأدخله في جراحة علي ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض دماغ، وإذا الضربة قد وصلت إلى أم رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإنك ميت. وقال أبو الأسود الدؤلي -وأكثرهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية-:

وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:
وقال السيد الحميري:
وقال محمد بن عبد السلام الحسيني:
وفي ترجمة عبد الرحمن بن ملجم المرادي أبيات قالها بكر بن حماد التاهرتي فيها رثاء لعلي أبي طالب، ورد على عمران بن حطان فلتطلب هناك. وكانت خلافته رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر، وروى له الجماعة. وفي تهذيب اللغة للأزهري قال أبو عثمان المازني: لم يصح عندنا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تكلم من الشعر بشيء غير هذين البيتين:
يقال: داهية ذات روقين وذات ودقين إذا كان عظيمة. وقال الحافظ فتح الدين محمد بن سيد الناس: ومما روينا من شعر علي عليه السلام يوم بدر:
في أبيات ذكرها. ومما ذكر له يذكر إجلاء بني النضير وما تقدم ذلك من قتل كعب بن الأشرف.
وقال ياقوت في معجم الأدباء. ومما أن معاوية كتب إلى علي بن أبي طالب: إن لي فضائل، كان أبي سيدا في الجاهلية وصرت ملكا في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخال المؤمنين وكاتب الوحي. فقال علي: أبا الفضائل يفتخر علي ابن آكلة الأكباد، أكتب إليه يا غلام:
فقال معاوية: اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلون إليه. وعدة من قتل في وقته الجمل ثمانية آلاف، منهم الأزد خاصة أربعة آلاف، ومن ضبة ألف ومائة، وباقيهم من سائر الناس. هؤلاء أصحاب الذين كانوا مع عائشة، وقتل من أصحاب علي نحو ألف. وكانت الوقعة لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، ثم إنه التقى بعد ذلك مع معاوية بصفين غرة صفر سنة سبع وثلاثين، وقيل: كان علي في تسعين ألفا وكان معاوية في مائة وعشرين ألفا وقيل العكس، وقتل من أصحاب علي خمسة وعشرون ألفا ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا، وقيل غير ذلك.
وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام، وكانت الوقائع بينهما تسعين وقعة، ثم كانت واقعة الحكمين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل بعد ذلك بخمسة أشهر وأربعة وعشرين يوما. ثم كان خروج علي إلى الخوارج بالنهروان بعد سنة وشهرين. وللشيخ شمس الدين كتاب سماه: فتح المطالب في فضل علي بن أبي طالب، قرأته عليه من أوله إلى آخره، ذكر فيه أن أولاده رضي الله عنه تسعة وثلاثون ولدا، أما الذكور فالحسن والحسين ومحمد وعمر الأكبر والعباس الأكبر، وهؤلاء الخمسة هم الذين أعقبوا، والمحسن طرح، ومحمد الأصغر قتل بالطف والعباس الأصغر وعمر الأصغر، وعثمان قتل بالطف وعثمان طفل، وجعفر قتل بالطف وجعفر مات طفلا، وعبد الله الأكبر قتل بالطف، وعبد الله درج طفلا، وعبد الله أبو علي ويقال قتل بالطف، وعبد الرحمن وحمزة درجا، وأبو بكر عتيق يقال بالطف، وعون درج، ويحيى مات طفلا.
وأما البنات فزينب الكبرى وزينب الصغرى وأم كلثوم، وأم كلثوم الصغرى ورقية ورقية الصغرى وفاطمة وفاطمة الصغرى وفاختة وأمة الله جمانة ورملة وأم سلمة وأم الحسن ونفيسة وأم الكرام وميمونة خديجة وأمامة. قال ياقوت: والعقب للحسن من زيد والحسن. والعقب لزيد من الحسن بن زيد، والعقب للحسن بن الحسن من جعفر وداود وعبد الله والحسن وإبراهيم. والعقب للحسين من علي الأصغر بن الحسين، والعقب لعلي بن الحسين من محمد وعبد الله وعمر وزيد والحسين بني علي. والعقب لمحمد بن الحنفية من جعفر وعلي وعون وإبراهيم، والعقب لجعفر بن محمد من عبد الله، ولعلي بن محمد من عون، ولعون بن محمد ولإبراهيم بن محمد. وأما أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية -وهو أكبر ولده- فقد ظن قوم أنه لا عقب له وليس كذلك. والعقب لعمر بن علي بن أبي طالب من محمد بن عمر. والعقب لمحمد بن عمر من عمر وعبد الله وجعفر. والعقب للعباس من عبيد الله بن العباس، والعقب لعبيد الله من الحسين وعبد الله. قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الألقاب: ومما يمتحن به الحفاظ أن يقال: أتعرفون في الصحابة رجلا يقال له أسد بن عبد مناف بن شيبة بن عمرو بن المغيرة بن زيد؟ وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لقبه حيدرة والحيدرة الأسد، وعبد مناف هو أبو طالب، وشيبة اسمه عبد المطلب، وعمرو اسمه هاشم، والمغيرة اسمه عبد مناف، وزيد إسم قصي.
علي بن عبد المؤمن بن عبد العزيز بن الح
المسند نور الدين الشافعي، سمع من جده لأبيه ومن جده لأمه إسماعيل بن أبي اليسر، وأجاز لي بالقاهرة في سنة ثمان وعشرين وسبع مائة بخطه.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0

علي بن أبي طالب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب عامر وهو شيبة الحمد لقب له، ابن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف وهو المغيرة، ابن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف: أخباره عليه السلام كثيرة وفضائله شهيرة إن تصدينا لاستيعابها وانتخاب مستحسنها كانت أكبر حجما من جميع كتابنا هذا. مات صلوات الله عليه يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، ومدة عمره فيها خلاف على ما نذكره فيما بعد، ولا بد من ذكر جمل من أمره على سبيل التاريخ يستدل بها على مجاري أموره، ونتبعها بذكر ولده ومن أعقب منهم ومن لم يعقب، وذكر شيء مما صح من شعره وحكمه.
وكان عليه السلام أول من وضع النحو وسن العربية، وذلك أنه مر برجل يقرأ إن الله بريء من المشركين ورسوله بكسر اللام، فوضع النحو وألقاه إلى أبي الأسود الدئلي، وقد استوفينا خبر ذلك في باب أبي الأسود.
قرأت بخط أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري اللغوي في «كتاب التهذيب» له قال أبو عثمان المازني: لم يصح عندنا أن علي بن أبي طالب عليه السلام تكلم من الشعر بشيء غير هذين البيتين:

قال ويقال داهية ذات روقين وذات ودقين إذا كانت عظيمة.
كان قد بويع له يوم قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم كانت وقعة الجمل بعد ذلك بخمسة أشهر وأحد وعشرين يوما، وعدة من قتل في وقعة الجمل ثمانية آلاف، منهم من الأزد خاصة أربعة آلاف، ومن ضبة الف ومائة، وباقيهم من سائر الناس، وقيل أقل من ذلك، ومن أصحاب علي صلوات الله عليه نحو الف، وكانت الوقعة لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وكان بين وقعة الجمل والتقائه مع معاوية بصفين سبعة أشهر وثلاثة عشر يوما، وكان أول يوم وقعت الحرب بينهم بصفين غرة صفر سنة سبع وثلاثين، واختلف في عدة أصحابهما فقيل كان علي في تسعين ألفا وكان معاوية في مائة وعشرين ألفا، وقيل كان معاوية في تسعين ألفا وعلي عليه السلام في مائة وعشرين ألفا، وهذا أولى بالصحة. وقتل بصفين سبعون ألفا من أصحاب علي عليه السلام: خمسة وعشرون ألفا منهم خمسة وعشرون من الصحابة، وقتل من أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا، وقيل غير ذلك. وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام، وكانت الوقائع تسعين وقعة. وبين وقعة صفين والتقاء الحكمين وهما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل خمسة أشهر وأربعة وعشرون يوما، وبين التقائهما وخروج علي عليه السلام إلى الخوارج بنهروان وقتله إياهم سنة وشهران، وكان الخوارج أربعة آلاف عليهم عبد الله بن وهب الراسبي من الأزد، وليس براسب بن جرم بن زبان، وليس في العرب غيرهما. فلما نزل علي عليه السلام
تفرقوا فبقي منهم ألف وثمانمائة، وقيل ألف وخمسمائة، فقتلوا إلا نفرا يسيرا. وكان سبب تفرق الخوارج عنه أنهم تنازعوا عند الاحاطة بهم فقالوا: أسرعوا الروحة إلى الجنة، فقال عبد الله بن وهب: ولعلها إلى النار، فقال من فارقه: ترانا نقاتل مع رجل شاك؟! وبين خروجه إلى الخوارج وقتل ابن ملجم لعنه الله تعالى له سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام.
واختلف في مدة عمره فقال قوم: إنه استشهد وله ثمان وستون سنة في قول من يذهب إلى أنه أسلم وله خمس عشرة سنة، وقيل ست وستون، وهو قول من يذهب إلى أنه أسلم وله ثلاث عشرة سنة، وقيل ثلاث وستون وهو قول من يرى أنه أسلم وله عشر سنين، وقيل ثمان وخمسون وهو قول من زعم أنه أسلم وله خمس سنين، وهذا أقل ما قيل في مقدار عمره.
واختلف في موضع قبره فقيل بالغري، وهو الموضع المشهور اليوم، وقيل بمسجد الكوفة، وقيل برحبة القصر بها، وقيل حمل إلى المدينة فدفن مع فاطمة صلوات الله عليهما وسلامه.
وكان أسمر عظيم البطن أصلع أبيض الرأس واللحية أدعج عظيم العينين، ليس بالطويل ولا القصير، تملأ لحيته صدره لا يغير شيبه، وكان له من البنين أحد عشر:
الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية، وأمه خولة بنت جعفر سبية، وعمر، أمه أم حبيب الصهباء بنت ربيعة تغلبية، والعباس، أمه أم البنين بنت حزام بن خالد من بني عامر بن صعصعة، وعبد الله يكنى أبا بكر، وعثمان وجعفر ومحمد الأصغر، وقيل هو الذي يكنى أبا بكر، وعبيد الله ويحيى. المعقبون منهم خمسة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر والعباس عليهم السلام. وله من البنات ست عشرة منهن زينب وأم كلثوم التي تزوجها عمر بن الخطاب، وأمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالعقب للحسن بن علي عليهما السلام من زيد والحسن، والعقب لزيد من الحسن بن زيد، والعقب للحسن بن الحسن من جعفر وداود وعبد الله والحسن وإبراهيم، والعقب للحسين عليه السلام من علي الأصغر بن الحسين والعقب لعلي بن الحسين من محمد وعبد الله وعمر وزيد والحسين بني علي عليهم السلام. والعقب لمحمد بن الحنفية من جعفر وعلي وعون وإبراهيم، والعقب لجعفر بن محمد من عبد الله، ولعلي بن محمد من عون، ولعون بن محمد ولإبراهيم بن محمد. فأما أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وهو أكبر ولده، فقد ظن قوم أنه أعقب وليس الأمر كذلك. والعقب لعمر بن علي بن أبي طالب من محمد بن عمر، والعقب لمحمد بن عمر لعمر ولعبد الله وجعفر. والعقب للعباس من عبيد الله بن العباس، والعقب لعبيد الله من الحسين وعبد الله عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
ومما يروى أن معاوية كتب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
إن لي فضائل، كان أبي سيدا في الجاهلية، وصرت ملكا في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخال المؤمنين وكاتب الوحي. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أبا الفضائل تفتخر علي يا ابن آكلة الأكباد؟! اكتب إليه يا غلام:
فقال معاوية: اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب.
قرأت في «كتاب الأمالي» لأبي القاسم الزجاجي قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري صاحب أبي عثمان المازني قال حدثنا أبو حاتم
السجستاني عن يعقوب بن إسحاق الحصرمي قال حدثنا سعيد بن سلم الباهلي قال حدثني أبي عن جدي عن أبي الأسود الدئلي، أو قال عن جدي عن ابن أبي الأسود الدئلي عن أبيه قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فرأيته مطرقا مفكرا فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر. قال: فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه، وكان من ذلك حروف النصب فكان منها إن وأن وليت ولعل وكأن ولم أذكر لكن، فقال لي: لم تركتها؟
فقلت: لم أحسبها منها فقال: بل هي منها فزدها فيها.
قال أبو القاسم قوله عليه السلام الأشياء ثلاثة ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر فالظاهر رجل وفرس وزيد وعمرو وما أشبهه، والمضمر نحو أنا وأنت والتاء في فعلت والياء في غلامي والكاف في ثوبك وما أشبه ذلك، وأما الشيء الذي ليس بظاهر ولا مضمر فالمبهم نحو هذا وهذه وهاتا وتا ومن وما والذي وأي وكم ومتى وأين وما أشبه ذلك.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 4- ص: 1809

سيرة أبي الحسنين علي رضي الله عنه:

علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمير المؤمنين، أبو الحسن القرشي الهاشمي.

وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب. كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

قال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: قلت لأمي اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن. وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة.

روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن وأقرأه.

عرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفة من الصحابة، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، ومسروق، وأبو رجاء العطاردي، وخلق كثير.

وكان من السابقين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضا.

قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، أن رجلا من آل مروان استعمل على المدينة، فدعاني وأمرني أن أشتم عليا فأبيت، فقال: أما إذا أبيت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: "أين ابن عمك"؟ قالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: "اذهب انظر أين هو". فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عنه التراب ويقول: "قم أبا تراب قم أبا تراب". أخرجه مسلم.

قال أبو رجاء العطاردي: رأيت عليا شيخا أصلع كثير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية.

وقال سوادة بن حنظلة: رأيت عليا أصفر اللحية.

وعن محمد ابن الحنفية، قال: اختضب علي بالحناء مرة ثم تركه.

وعن الشعبي قال: رأيت عليا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنهما قطن.

وقال الشعبي: رأيت عليا أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحية منه، وفي رأسه زغيبات.

وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية.

وعن أبي جعفر الباقر قال: كان علي آدم شديد الأدمة ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب.

قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان.

وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع.

وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة رواه جرير عنه.

وثبت عن ابن عباس، قال: أول من أسلم علي.

وعن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر.

وقال قتادة: إن عليا كان صاحب لواء رسول الله صلى الله يوم بدر، وفي كل مشهد.

وقال أبو هريرة وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلا يحب

الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه". قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ قال: فدعا عليا فدفعها إليه، وذكر الحديث، كما تقدم في غزوة خيبر بطرقه.

وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الله بن أبي ليلى، قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته فسأله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، وقال: "اللهم أذهب عنه الحر والبرد". فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ.

وقال جرير، عن مغيرة عن أم موسى: سمعت عليا يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني.

وقال المطلب بن زياد، عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله، أن عليا حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلا. تفرد به إسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب.

وقال ابن إسحاق في "المغازي": حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي بابا عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، ثم ألقاه، فلقد رأيتنا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.

وقال غندر: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء، وزيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "انت مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي".

ميمون صدوق.

وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدا منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وخلف عليا في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان!؟ قال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". أخرجه الترمذي وقال: صحيح غريب.

وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم}، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، وحسنا وحسينا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي". بكير احتج به مسلم.

وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم، وأخذ بضبعيه: "أيها الناس من مولاكم"؟ قالوا: الله ورسوله. قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"... الحديث إبراهيم هذا قال النسائي: ضعيف.

ويروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: "قد زوجتك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما وأكثرهم علما". وروى نحوه جابر الجعفي -وهو متروك- عن ابن بريدة عن أبيه.

وقال الأجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي".

وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كنت وليه فعلي وليه".

وقال غندر: حدثنا شعبة عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه". هذا حديث صحيح.

وقال أبو الجواب: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنبتين على إحداهما علي، وعلى الآخرة خالد بن الوليد، وقال: "إذا كان قتال فعلي على الناس". فافتتح علي حصنا، فأخذ جارية لنفسه، فكتب خالد في ذلك، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، قال: "ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"؟.

قلت: أعوذ بالله من غضب الله.

أبو الجواب ثقة، أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.

قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق: أخبركم الفتح بن عبد الله بن محمد.

"ح" وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وجماعة إجازة، قالوا: أخبرنا أبو الفتوح محمد بن علي بن الجلاجلي؛ قالا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين الحاسب، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي بن الجراح إملاء سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، قال: حدثنا أبوالقاسم عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو". رواه ابن ماجه عن سويد ورواه الترمذي، عن إسماعيل بن موسى عن شريك وقال: صحيح غريب.

ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن جده، أخرجه النسائي في الخصائص.

وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم عليا، وكان المسلمون إذ قدموا من سفر أو غزو أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتو رحالهم، فأخبروه بمسيرهم، فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبرنه، قال: فقدمت السرية فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بمسيرهم، فقام إليه أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب علي جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني، فقال: صنع كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم الثالث كذلك، ثم الرابع، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مغضبا، فقال: "ما تريدون من علي، علي مني وأنامنه، هو ولي كل مؤمن بعدي". أخرجه أحمد في "المسند" والترمذي وحسنه والنسائي.

وقالت زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس عليا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فقال: "لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله -أو في سبيل الله". رواه سعد بن إسحاق، وابن عمه سليمان بن محمد بنا كعب، عن عمتهما.

ويروى عن عمرو بن شاس الأسلمي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من آذى عليا فقد آذاني".

وقال فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال: جمع علي -رضي الله عنه- الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام. فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: "من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه"، ثم قال لي زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.

قال شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة -أو زيد بن أرقم، شك شعبة- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه". حسنه الترمذي، ولم يصححه؛ لأن شعبة رواه عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم نحوه، والظاهر أنه عند شعبة من طريقين، والأول رواه بندار، عن غندر، عنه.

وقال كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم غدير خم: "من كنت مولاه فعلي مولاه".

وروى نحوه يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه سمع عليا ينشد الناس في الرحبة. وروى نحوه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، من حديث سماك بن عبيد، عن ابن أبي ليلى. وله طرق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي يصدق بعضها بعضا.

وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم كسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، ونودي في الناس: "الصلاة جامعة"، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فأخذ بيده، وأقامه عن يمينه، فقال: "ألست أولى بكل مؤمن من نفسه"؟. قالوا: بلى فقال: "فإن هذا

مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". فلقيه عمر بن الخطاب، فقال: هنيئا لك يا علي، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن علي بن زيد.

وقال عبيد الله بن موسى، وغيره، عن عيسى بن عمر القارئ عن السدي قال: حدثنا أنس بن مالك قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيار، فقسمها، وترك طيرا فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك"، فجاء علي، وذكر حديث الطير. وله طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها، وبعضها على شرط السنن، من أجودها حديث قطن بن نسير شيخ مسلم، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أنس، قال: أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي، فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي". وذكر الحديث.

وقال جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي، أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على أم سلمة، فقالت لي: أيسب فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! قلت: معاذ الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سب عليا فقد سبني". رواه أحمد في "مسنده".

وقال الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن علي، قال: إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي إنه: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق". أخرجه مسلم، والترمذي وصححه.

وقال أبو صالح السمان، وغيره، عن أبي سعيد، قال: إن كنا لنعرف المنافقين ببغضهم عليا.

وقال أبو الزبير، عن جابر، قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليا.

قال المختار بن نافع -أحد الضعفاء-: حدثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرا، تركه الحق وماله من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة، رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار". أخرجه الترمذي، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن الحارث، عن علي، قال: يهلك في رجلان، مبغض مفتر، ومحب مطر.

وقال يحيى الحماني: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، قالت: كنت قاعدة مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل علي فقال: "يا عائشة هذا سيد العرب". قلت: يا رسول الله، ألست سيد العرب؟ قال: "أنا سيد ولد آدم، وهذا سيد العرب". وروي من وجهين مثله عن عائشة. وهو غريب.

وقال أبو الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، وإن كان ما علمت صواما قواما. أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب.

قلت: جميع كذبه غير واحد.

وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخيل امرأة من الأنصار، فقال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة". فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة". فطلع عمر فبشرناه، ثم قال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة"، وجعل ينظر من النخل ويقول: "اللهم إن شئت جعلته عليا". فطلع علي رضي الله عنه. حديث حسن.

وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"، وعليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وذكر بقية العشرة.

وقال محمد بن كعب القرظي: قال علي: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفا رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عنه. أخرجه أحمد في "مسنده".

وعن الشعبي: قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية، وتعجن فاطمة على ناحية. يعني: ننام على وجه، وتعجن على وجه.

وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري، وقال: "اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك". قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد.

وقال الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبي، قال: خطبنا علي، فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وفيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات، فقد كذب.

وعن سليمان الأحمسي، عن أبيه، قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا ناطقا.

وقال محمد بن سيرين: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ علي عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر، فقال: أكهت إمارتي؟! فقال: لا، ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة، حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم.

وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: "سلوني" إلا علي.

وقال ابن عباس: قال عمر: علي أقضانا، وأبى أقرؤنا.

وقال ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي.

وقال ابن المسيب، عن عمر، قال: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.

وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة بفتيا عن علي لم نتجاوزها.

وقال سفيان، عن كليب، عن جسرة، قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء، فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة.

وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وعلي، وعبد الله.

وقال محمد بن منصور الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه.

وقال أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: شهدت عمر يوم طعن، فذكر قصة الشورى، فلما خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق المستقيم.

فقال له ابنه عبد الله: فما يمنعك؟! -يعني أن توليه- قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا.

وقال سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، قال: خطبنا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا، ولكن رأي رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواما طلبوا الدنيا، فمن شاء الله أن يعذب منهم عذب، ومن شاء أن يرحم رحم.

وقال علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال: سمعت عليا يقول: والله ما عهد إلي رسول الله عهدا إلا شيئا عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا في عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالا وفعلا مني، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا.

قرأ على أبي الفهم بن أحمد السلمي: أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة سبع عشرة وست مائة، قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا مالك بن أحمد سنة أربع وثمانين وأربع مائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل إملاء سنة ست وأربع مائة، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة، قال: حدثنا عبد الله بن روح قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن، قال: لما قدم علي رضي الله عنه- البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد، فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله عهده إليك، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت. فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا، والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخا بني تيم بن مرة، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا، ولم يمت فجاءة، مكث في مرضه أياما وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، هو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب، وقال: "أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس".

فلما قبض الله نبيه، نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي عظم الأمر، قوام الدين. فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلا، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزوا إذا أغزاني، وأضرب بين يديه بسوطي، فلما قبض، ولاها عمر، فأخذ بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة. فأديت إلى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.

فلا قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة، أنا أحدهم.

فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.

فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق، قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المصرين.

روى إسحاق بن راهويه نحوه، عن عبده سليمان، قال: حدثنا أبو العلاء سالم المرادي، سمعت الحسن، روى نحوه وزاد في آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه.

قالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين -يعنيان: طلحة والزبير- قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر وعمر خلعه لقاتلناه.

وروى نحوه الجريري، عن أبي نضرة.

وقال أبو عتاب الدلال: حدثنا مختار بن نافع التيمي، قال: حدثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه عن علي -رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرا، تركه الحق وماله من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله عليا، اللهم أدر الحق معه حيث دار".

وقال إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله". فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: "لا". قال عمر: أنا هو؟ قال: "لا، ولكنه خاصف النعل"، وكان أعطى عليا نعله يخصفها.

قلت: فقاتل الخوارج الذين أولوا القرآن برأيهم وجهلهم.

وقال خارجة بن مصعب، عن سلام بن أبي القاسم، عن عثمان بن أبي عثمان، قال: جاء أناس إلى علي، فقالوا: أنت هو، قال: من أنا! قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا، قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار، وقال:

وقال أبو حيان التيمي: حدثني مجمع، أن عليا -رضي الله عنه- كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.

وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه، قال: خطب علي -رضي الله عنه- فقال: أيها الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا، إلا هذه القارورة، وأخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان.

وقال ابن لهيعة: حدثنا عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي، قال: دخلت على علي يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة، فقلت: لو قربت إلينا من هذا الوز، فإن الله قد أكثر الخير قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل للخيفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس".

وقال سفيان الثوري: إذا جاءك عن علي شيء فخذ به، ما بنى لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولقد كان يجاء بجيوبه في جراب.

وقال عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على علي بالخورنق، وعليه سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا، وأنت تفعل هذا بنفسك! فقال: إني والله ما أرزؤكم شيئا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي.

وعن علي أنه اشترى قميصا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم.

عن جرموز، قال: رأيت عليا وهو يخرج من القصر، وعليه إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق، وأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللحم.

وقال الحسن بن صالح بن حي: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.

وعن رجل أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى جليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.

وقال هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن عمار الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أن رجلا حدث عليا بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني. قال: لم أفعل. قال: إن كنت كذبت أدعو عليك. قال: ادع. فدعا، فما برح حتى عمي.

وقال عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي، قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.

وقال خيثمة بن عبد الرحمن: قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه.

وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: جاء رجل إلى علي فأثنى عليه، وكان قد بلغه عنه أمر، فقال: إني لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.

وقال محمد بن بشر الأسدي -وهو صدوق-: حدثنا موسى بن مطير -وهو واه- عن

أبيه، عن صعصعة بن صوحان، قال: لا ضرب علي أتيناه، فقلنا: استخلف، قال: إن يرد الله بكم خيرا استعمل عليكم خيركم، كما أراد بنا خيرا واستعمل علينا أبا بكر.

وروى الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن أبي وائل، قال: قيل لعلي: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا سيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.

وروي بإسناد آخر، عن الشعبي، عن أبي وائل.

وروى عبد الملك بن سلع الهمداني، عن عبد خير، عن علي، قال: استخلف أبو بكر، فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ... الحديث.

وقال الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع، سمع عليا يقول: لتخضبن هذه من هذه، فما ينتظرني إلا شقي. قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا عنه لنبيرن عترته، قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي. قالوا: فاستخلف علينا قال: لا، ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك، وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم.

وقال الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: سمعت عليا يقول: أشهد أنه كان يسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم: "لتخضبن هذه من هذه -يعني لحيته من رأسه- فما يحبس أشقاها".

وقال شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب، قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن بعجة: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال علي: بل مقتول؛ ضربة على هذه تخضب هذه، عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى.

قال: وعاتبه في لباسه، فقال: ما لكم ولباسي، هو أبعد من الكثير، وأجدر أن يقتدى بي المسلم.

وقال فطر، عن أبي الطفيل؛ أن عليا -رضي الله عنه- تمثل:

وقال ابن عيينة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، عن علي، قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز، فقال لي، لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف. قلت: وايم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن نفسه.

قال ابن عيينة: كان عبد الملك رافضيا.

وقال يونس بن بكير: حدثني علي بن أبي فاطمة قال: حدثني الأصبغ الحنظلي، قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي -رضي الله عنه- أتاه ابن النباح حين طلع الفجر، يؤذنه بالصلاة، فقام يشمي، فلما بلغ الباب الصغير، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الصبح، قتل زوجي عمر صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة.

وقال أبو جناب الكلبي: حدثني أبو عون الثقفي، عن ليلة قتل علي، قال: قال الحسن بن علي: خرجت البارحة أمير المؤمنين يصلي، فقال لي: يا بني إني بت البارحة أوقظ أهلي؛ لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ ! فقال: "ادع عليهم". فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان: أما أحدها فوقعت ضربته في السدة، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.

وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا -رضي الله عنه- كان يخرج إلى الصلاة، وفي يده درة يوقظ الناس بها، فضربه ابن ملجم، فقال علي: أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي.

رواه غيره، وزاد: فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه قتلتي، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.

وقال محمد بن سعد: لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه بما عزم عليه من قتل علي، فوافقه، قال: وجلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي. قال الحسن: وأتيته سحرا فجلست إليه، فقال: إني ملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر المنام المذكور قال: وخرج وأنا خلفه، وابن النباح بن يديه، فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس

الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع في كل يوم، ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فضربه ابن ملجم على دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع الناس عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وأخذ عبد الرحمن، وكان سم سيفه.

ومكث علي يوم الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان. فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاؤوا بالنفط والبواري، فقال محمد ابن الحنفية والحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك.

فقال: ما ذاك بجزع، ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقا لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم أحرقوه في قوصرة. وكان أسمر، حسن الوجه، أفلج، شعره مع شحمة أذنيه، وفي جبهته أثر السجود.

ويروى أن عليا -رضي الله عنه- أمرهم أن يحرقوه بعد القتل.

وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: صلى الحسن على علي، ودفن بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره.

وعن أبي بكر بن عياش، قال: عموه لئلا تنبشه الخوارج.

وقال شريك، وغيره: نقله الحسن بن علي إلى المدينة.

وذكر المبرد، عن محمد بن حبيب، قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي.

وقال صالح بن أحد النحوي: حدثنا صالح بن شعيب، عن الحسن بن شعيب الفروي، أن عليا -رضي الله عنه- صير في صندوق، وكثروا عليه الكافور، وحمل على بعير، يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيئ، أضلوا البعير ليلا، فأخذته طيئ وهم يظنون أن في الصندوق مالا، فلما رأوه خافوا أن يطلبوا، فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه.

وقال مطين: لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته، هذا قبر المغيرة بن شعبة.

قال أبو جعفر الباقر: قتل علي -رضي الله عنه- هو ابن ثمان وخمسين.

وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وكذا روي عن ابن الحنفية، وقاله أبو إسحاق السبيعي، وأبو بكر بن عياش، وينصر ذلك ما رواه ابن جريج، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، أنه أخبره أن عليا توفي لثلاث أو أربع وستين سنة.

وعن جعفر الصادق، عن أبيه، قال: كان لعلي سبع عشرة سرية.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هبيرة بن يريم، قال: خطبنا الحسن بن علي، فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه إلا الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، ما ترك بيضاء ولا صفراء، إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه، كان أرصدها، لا خادم لأهله.

وقال أبو إسحاق، عن عمرو الأصم، قال: قلت للحسن بن علي: إن الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة. فقال: كذبوا والله ما هؤلاء بشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه. ورواه شريك عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، بدل عمرو.

ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين -رضي الله عنه- لطال الكتاب.

الحوادث في خلافة علي رضي الله عنه:

سنة ست وثلاثين وقعة الجمل:

لما قتل عثمان صبرا، سقط في أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوا عليا، ثم إن طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأم المؤمنين عائشة، ومن تبعهم رأوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة عثمان، إلا أن يقوموا في الطلب بدمه، والأخذ بثأره من قتلته، فساروا من المدينة بغير مشورة من أمير المؤمنين علي، وطلبوا البصرة.

قال خليفة: قدم طلحة، والزبر، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حنيف الأنصاري واليا لعلي، فخاف وخرج عنها. ثم سار علي من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حنيف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران الناس، ثم إنه وصل إلى البصرة.

وكان قد خرج منها قبل قدومه إليها حكيم بن جبلة العبدي في سبع مائة، وهو أحد الرؤوس الذن خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلحة والزبير، فقتل الله حكيما في طائفة من قومه، وقتل مقدم جيش الآخرين أيضا مجاشع بن مسعود السلمي.

ثم اصطلحت الفئتان، وكفوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصرة، حتى يقدم علي رضي الله عنه.

وقال عمار لأهل الكوفة: أما والله إني لأعمل أنها -يعني عائشة- زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر أتتبعونه أو إياها.

قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم، قال: كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة.

وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمان مائة من الأنصار، وأربع مائة ممن شهد بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد.

وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرا وسبع مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفا، لم تكن مقتلة أعظم منها.

وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلى علي، وعمار، وطلحة، والزبير من الصحابة.

وقال سلمة بن كهيل: فخرج من الكوفة ستة آلاف، فقدموا على علي بذي قار، فسار في نحو عشرة آلاف، حتى أتى البصرة.

وقال أبو عبيدة: كان على خيل علي يوم الجمل عمار، وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق، وعلى الميمنة علباء بن الهيثم السدوسي، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحسن بن علي، وعلى الميسرة الحسين بن علي، وعلى المقدمة عبد الله بن عباس، ودفع اللواء إلى ابنه محمد ابن الحنفية. وكان لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم. وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد.

قال الليث بن سعد، وغيره: كانت وقعة الجمل في جمادى الأولى.

وقال أبو اليقظان: خرج يومئذ كعب بن سور الأزدي في عنقه المصحف، ومعه ترس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله.

قال محمد بن سعد: وكان كعب قد طين عليه بيتا، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة، فقيل لعائشة: إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد، فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها، فقالت: ألست أمك؟ ولي عليك حق، فكلمها، فقالت: إنما أريد أن اصلح بين الناس، ذلك حين خرج ونشر المصحف، ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله.

وقال حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحفا بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم فما زال حتى قتل.

وقال غيره: اصطف الفريقان، وليس لطلحة ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنبل، وشبت نار الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يقول: "أيها الناس أنصتوا"، والفتنة تغلي، فقال: أف فراش النار، وذئاب طمع، وقال: اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى، إنا داهنا في أمر عثمان، كنا أمس يدا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلا بسفك دمي، وبطلب دمه.

فروى قتادة، عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي، قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة يوم الجمل، فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم، فرمى طلحة بسهم فقتله.

وقال قيس بن أبي حازم: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال يسح حتى مات. وفي بعض طرقه: رماه بسهم، وقال: هذا ممن أعان على عثمان.

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أن مروان رمى طلحة، والتفت إلى أبان بن عثمان وقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.

وروى زيد بن أبي أنيسة، عن رجل، أن عليا قال: بشروا قاتل طلحة بالنار.

وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ست مائة رجل، فسلكنا على طريق الربذة، فقام إليه ابنه الحسن، فبكى بين يديه وقال: ائذ لي فأتكلم، فقال: تكلم، ودع عنك أن تحن حنين الجارية قال: لقد كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشيره عليك الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها غوازب أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر الضب. فقال علي: أتراني لا أبا لك كنت منتظر كما ينتظر الضبع اللدم. وروى نحوه من وجهين آخرين.

روح بن عبادة، قال: حدثنا أبو نعامة العدوي، قال: حدثنا حميد بن هلال، عن حجيز بن الربيع أن عمران بن حصين أرسله إلى بني عدي أن ائتهم، فأتاه فقال: يقرأ عليكم السلام، ويقول: إني لكم ناصح، ويحلف بالله لأن يكون بعدا مجدعا يرعى في رأس جبل حتى يموت أحب إليه من أن يرمى في واحد من الفريقين بسهم، فأمسكوا فداكم أبي وأمي.

فقالوا: دعنا منك، فإنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فغزوا يوم الجمل، فقتل خلق حول عائشة يومئذ سبعون كلهم قد جمعوا القرآن، ومن لم يجمع القرآن أكثر.

روى الواقدي عن رجاله، قال: كان يعلى بن منية التميمي حليف بني نوفل بن عبد مناف عاملا لعثمان على الجند، فوافى الموسم عام قتل عثمان.

وعن ابن أبي مليكة، قال: جاء يعلى بن أمية إلى عائشة وهي في الحج، فقال: قد قتل خليفتك الذي كنت تحرضين عليه. قالت: برئت إلى الله من قاتله.

وعن الواقدي، عن الوليد بن عبد الله، قال: قال يعلى بن أمية: أيها الناس، من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه.

وعن علي بن أبي سارة، قال: قدم يعلى بأربع مائة ألف فأنفقها في جهازهم إلى البصرة.

وعن غيره، قال: حمل يعلى بن أمية عائشة على جملة عسكر، وقال: هذه عشرة آلاف دينار من غر مالي أقوي بها من طلب بدم عثمان. فبلغ عليا، فقال: من أين له؟ سرق اليمن ثم جاء! والله لئن قدرت عليه لآخذن ما أقر به.

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عم له، قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحدا بسهم، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح فيه، فلح يوم القيامة، قال: فتوافينا حتى أتانا حر الحديد، ثم إن القوم نادوا بأجعهم: "يا لثارات عثمان"، قال: وابن الحنفية أمامنا رتوة معه اللواء، فمد علي يديه، وقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم. ثم إن الزبير قال لأساورة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال. فلما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه.

وعن أبي جرو المازني، قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك تقاتلني وأنت ظالم لي"؟ قال: نعم ولم أذك إلا في موقفي هذا، ثم انصرف.

وقال الحسن البصري، عن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، ليت أباك مات منذ عشرين سنة. فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.

وقال ابن سعد: إن محمد بن طلحة تقدم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم "حم" فطعنه فقتله، ثم قال في محمد:

فسار علي ليلته في القتلى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلا، فقال: يا حسن، محمد السجاد ورب الكعبة، ثم قال: أبوه صرعه هذا المصرع، ولولا بره بأبيه ما خرج. فقال الحسن: ما كان أغناك عن هذا! فقال: ما لي وما لك يا حسن.

وقال شريك، عن الأسود بن قيس: حدثني من رأى الزبير يوم الجمل، وناداه علي: يا أبا عبد الله، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما، فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "تناجيه فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم". قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه دابته وانصرف.

وقال هلال بن خباب، فيما رواه عنه أبو شهاب الحناط، وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال يوم الجمل للزبير: يا ابن صفية، هذه عائشة تملك طلحة، فأنت على ماذا تقاتل قريبك عليا؟ فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز فقتله.

وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، وهم في المصاف، فقال له ابنه عبد الله: جبنا جبنا، فقال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال:

وكيع، عن عصام بن قدامة -وهو ثقة- عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حواليها قتلى كثيرون، وتنجوا بعد ما كادت".

وقيل: إن أول قتيل كان يومئذ مسلم الجهني، أمره علي فحمل مصحفا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقتل. وقطعت يومئذ سبعون يدا من بني ضبة بالسيوف، صار كلما أخذ رجل بخطام الجمل الذي لعائشة، قطعت يده، فيقوم آخر مكانه ويرتجز، إلى أن صرخ صارخ اعقروا الجمل، فعقره رجل مختلف في اسمه، وبقي الجمل والهودج الذي عليه، كأنه قنفذ من النبل، وكان الهودج ملبسا بالدروع، وداخله أم المؤمنين، وهي تشجع الذين حول الجمل، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ثم إنها -رضي الله عنها- ندمت، وندم علي -رضي الله عنه- لأجل ما وقع.

سنة سبع وثلاثين وقعة صفين:

قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: لما قتل عثمان -رضي الله عنه، كتبت نائلة زوجته إلى الشام إلى معاوية كتابا تصف فيه كيف دخل على عثمان -رضي الله عنه- وقتل، وبعثت إليه بقميصه بالدماء، فقرأ معاوية الكتاب على أهل الشام، وطيف بالقميص في أجناد الشام، وحرضهم على الطلب بدمه، فبايعوا معاوية على الطلب بدمه.

ولما بويع علي بالخلافة قال له ابنه الحسن وابن عباس: اكتب إلى معاوية فأقره على الشام، وأطمعه فإنه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته، فإذا بايع لك الناس أقررته أو عزلته، قال: فإنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أن لا أعزله قالا: لا تعطه ذلك وبلغ ذلك معاوية. فقال: والله لا ألي له شيئا ولا أبايعه، وأظهر بالشام أن الزبير بن العوام قادم عليهم، وأنه مبايع له، فلما بلغه أمر الجمل أمسك، فلما بلغه قتل الزبير ترحم عليه، وقال: لو قدم علينا لبايعناه وكان أهلا.

فلما انصرف علي من البصرة، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، فكلم معاوية، وعظم أمر علي ومبايعته واجتماع الناس عليه، فأبى أن يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي فأخبره، فأجمع على المسير إلى الشام، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل.

ثم سار كل منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفين لسبع بقين من المحرم، وشبت الحرب بينهم في أول صفر، فاقتتلوا أياما.

فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: استعملني عثمان على الحج، فأقمت للناس الحج، ثم قدمت وقد قتل وبويع لعلي، فقال: سر إلى الشام فقد وليتكها. قلت: ما هذا برأي، معاوية ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، وأدنى ما هو صانع أن يحبسني. قال علي: ولم؟ قلت: لقرابتي منك، وأن كل من حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده. فأبى علي وقال: لا والله لا كان هذا أبدا.

روى أبو عبيد القاسم بن سلام، عمن حدثه، عن أبي سنان العجلي، قال: قال ابن

عباس لعلي: ابعثني إلى معاوية، فوالله لأفتلن له حبلا لا ينقطع وسطه، قال: لست من مكرك ومكره في شيء، ولا أعطيه إلا السيف، حتى يغلب الحق الباطل، فقال ابن عباس: أو غير هذا؟ قال: كيف؟ قال: لأنه يطاع ولا يعصى، وأنت عن قليل تعصى ولا تطاع. قال: فلما جعل أهل العراق يختلفون على علي -رضي الله عنه- قال: لله در ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق.

وقال مجالد، عن الشعبي، قال: لما قتل عثمان، أرسلت أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضرجا بالدم، وخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير، فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها، فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص عليهم، وذكر ما صنع بعثمان، ودعا إلى الطلب بدمه. فقام أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه، وبايعوا له.

وقال يونس، عن الزهري قال: لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميرا غير خليفة.

وذكر يحيى الجعفي في "كتاب صفين" بإسناد أن معاوية قال لجرير بن عبد الله: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عقبة إليه يقول:

وحدثني يعلى بن عبيد، قال: حدثنا أبي، قال: قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أنت تنازع عليا! أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا عليا فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له. فأتوا عليا فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه.

وحدثني خلاد بن يزيد الجعفي قال: حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الشعبي -أو أبي جعفر الباقر شك خلاد- قال: لما ظهر أمر معاوية دعا علي -رضي الله عنه- رجلا، أمره أن يسير إلى دمشق، فيعقل راحلته على باب المسجد، ويدخل بهيئة السفر، ففعل الرجل، وكان قد وصاه بما يقول، فسألوه: من أين جئت؟ قال: من العراق، قالوا: ما

وراءك؟ قال: تركت عليا قد حشد إليكم، ونهد في أهل العراق. فبلغ معاوية، فأرسل أبا الأعور السلمي يحقق أمره، فأتاه فسأله، فأخبره بالأمر الذي شاع، فنودي: الصلاة جامعة.

وامتلأ الناس في المسجد، فصعد معاوية المنبر وتشهد، ثم قال: إن عليا قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفع إليه أحد طرفه، فقام ذو الكلاع الحميري، فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال -يعني الفعال- فنزل معاوية ونودي في الناس: اخرجوا إلى معسكركم، ومن تخلف بعد ثلاث أحل بنفسه. فخرج رسول علي حتى وافاه، فأخبره بذلك، فأمر علي فنودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم علي، وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل الشام، فما الرأي؟ قال: فأضب أهل المسجد يقولون: يا أمير المؤمنين الرأي كذا، الرأي كذا، فلم يفهم علي كلامهم من كثرة من تكلم، وكثر اللغط، فنزل وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب بها ابن أكالة الأكباد، يعني معاوية.

وقال الأعمش: حدثني من رأى عليا يوم صفين يصفق بيديه، ويعض عليها، ويقول: واعجبا! أعصى ويطاع معاوية.

وقال الواقدي: اقتتلوا أياما حتى قتل خلق وضجروا، فرفع أهل الشام المصاحف، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه. وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، يعني لما رأى ظهور جيش علي، فاصطلحوا كما يأتي.

وقال الزهري: اقتتلوا قتالا لم تقتتل هذه الأمة مثله قط، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص، وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية، وكان على ميمنة علي الأشعث بن قيس الكندي، وعلى الميسرة عبد الله بن عباس، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فقتل يومئذ. ومن أمراء علي يومئذ: الأحنف بن قيس التميمي، وعمار بن ياسر العنسي، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعدي بن حاتم الطائي، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وشبث بن ربعي الرياحي، وسعيد بن قيس الهمداني، وكان رئيس همدان المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، وقيس بن مكشوح المرادي، وخزيمة بن ثابت الأنصاري، وغيرهم.

وكان علي في خمسين ألفا، وقيل: في تسعين ألفا، وقيل: كانوا مائة ألف.

وكان معاوية في سبعين ألفا، وكان لواؤه مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي، وعلى ميمنته عمرو بن العاص، وقيل: ابنه عبد الله بن عمرو، وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة

الفهري، وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ: أبو الأعور السلمي، وزفر بن الحارث، وذو الكلاع الحميري، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أرطأة العامري، وحابس بن سعد الطائي، ويزيد بن هبيرة السكوي، وغيرهم.

قال عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر بصفين، ورأى راية معاوية، فقال: إن هذه راية قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات ثم قاتل حتى قتل.

وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أبو الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه.

ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثم يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، ثم رفع أهل الشام لما رأوا الكسرة المصاحف بإشارة عمرو، ودعوا إلى الصلح والتحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم الحكمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة، لا حكم إلا لله. وخرجوا عليه فهم "الخوارج".

وقال ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، قال: قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا.

ثوير متروك.

قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل يوم صفين عليه درعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهل الشام ويقول:

فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحاب معاوية يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه وقتل، فأقبل إليه معاوية، وألقى عبد الله بن عامر عليه عمامته غطاه بها وترحم عليه، فقال معاوية لعبد الله: قد وهبناه لك، هذا كبش القوم ورب الكعبة، اللهم أظفر بالأشتر والأشعث، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر:

ثم قال: لو قدرت نساء خزاعة أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت.

وفي "الطبقات" لابن سعد، من حديث عمرو بن شراحيل، عن حنش بن عبد الله

الصنعاني، عن عبد الله بن زرير الغافقي، قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت أنه لا يبقى أحد، فأسمع صائحا يصيح: معشر الناس، الله الله في النساء والولدان، من للروم ومن للترك، الله الله، والتقينا، فأسمع حركة من خلفي، فإذا علي يعدو بالراية حتى أقامها، ولحقه ابنه محمد ابن الحنفية، فسمعته يقول: يا بني الزم رايتك، فإني متقدم في القوم، فأنظر إليه يضرب بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم.

وقال خليفة: شهد مع علي من البدريين: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه. قال: وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد بدرا، خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل بن سعد الساعدي، وقرظة بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي.

وعن ابن سيرين، قال: قتل يوم صفين سبعون ألفا يعدون بالقصب.

وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستين ألف قتيل، وقيل: عن سبعين ألفا، منهم خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام.

وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن جعفر -أظنه ابن أبي المغيرة- عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: شهدنا مع علي ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا، منهم عمار.

وقال أبو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكان على الخيل عمار بن ياسر.

وقال غيره: حيل بين علي وبين الفرات؛ لأن معاوية سبق إلى الماء، فأزالهم الأشعث عن الماء.

قلت: ثم افترقوا وتواعدوا ليوم الحكمين.

وقتل مع علي: خزيمة بن ثابت، وعمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل، وعبد الله بن كعب المرادي، وعبد الرحمن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح المرادي، وأبي بن قيس النخعي أخو علقمة، وسعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري، وجندب بن زهير الغامدي، وأبو ليلى الأنصاري.

وقتل مع معاوية: ذو الكلاع، وحوشب ذو ظليم، وحابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وعمرو بن الحضرمي، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، وعروة بن داود، وكريب بن الصباح الحميري أحد الأبطال، قتل يومئذ جماعة، ثم بارزه علي فقتله.

قال نصر بن مزاحم الكوفي الرافضي: حدثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، أن ولد ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس يقول: إن ذا الكلاع قد أصيب، وهو في الميسرة، أفتأذن لنا في دفنه؟ فقال: الأشعث لرسوله أقرئه السلام، وقل إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره، فقال: ما عسيت أن أصنع، وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر، فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها؛ لأن ذا الكلاع كان يعرض لمعاوية في أشياء كان يأمر بها، فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له، فحملوه على بغل وقد انتفخ.

وشهد صفين مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص السهمي، وابنه عبد الله، وفضالة بن عبيد الأنصاري، ومسلمة بن مخلد، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حديج الكندي، وأبو غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب بن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، وبسر بن أرطأة العامري.

تحكيم الحكمين:

عن عكرمة قال: حكم معاوية عمرو بن العاص، فقال الأحنف بن قيس لعلي: حكم أنت ابن عباس، فإنه رجل مجرب. قال: أفعل. فأبت اليمانية، وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل. فجاء ابن عباس إلى علي لما رآه قد هم أن يحكم أبا موسى الأشعري، فقال له: علام تحكم أبا موسى، فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذاك، فإذ أبيت أن تجعلني مع عمرو، فاجعل الأحنف بن قيس، فإنه مجرب من العرب، وهو، قرن لعمرو. فقال علي: أفعل. فأبت اليمانية أيضا. فلما غلب جعل أبا موسى، فسمعت ابن عباس يقول: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم أبا موسى، فإن معه رجلا حذرا مرسا قارحا، فلزني إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها ولا يعقد عقدة إلا حللتها. قال: يا ابن عباس ما أصنع؟ إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت نيتهم وكلوا في الحرب، هذا الاشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبدا حتى يكون أحدهما يمان، قال: فعذرته وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم.

وقال أبو صالح السمان: قال علي لأبي موسى: احكم ولو على حز عنقي.

وقال غيره: حكم معاوية عمرا، وحكم علي أبا موسى، على أن من ولياه الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقا على خلعه خلع. وتواعدا أن يأتيا في رمضان، وأن يأتي مع كل واحد جمع من وجوه العرب. فلما كان الموعد سار هذا من الشام، وسار هذا من العراق، إلى أن التقى الطائفتان بدومة الجندل، وهي طرف الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق.

فعن عمر بن الحكم، قال: قال ابن عباس لأبي موسى الأشعري: احذر عمرا، فإنما يريد أن يقدمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسن مني فتكلم حتى أتكلم، وإنما يريد أن يقدمك في الكلام لتخلع عليا. قال: فاجتمعا على إمرة، فأدار عمرو أبا موسى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو موسى: بل عبد الله بن عمر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك؟ فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا قال عمرو: الرأي ما رأيت.

قال: فأقبلا على الناس وهم مجتمعون بدومة الجندل، فقال عمرو: يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اجتمع، فقال: نعم، إن رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمة.

فقال عمرو: صدق وبر، ونعم الناظر للإسلام وأهله، فتكلم يا أبا موسى. فأتاه ابن عباس، فخلا به، فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقبه، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا، ثم ينزع عنه على ملأ من الناس، فقال: لا تخش ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا.

ثم قام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد نظرنا في هذا الأمر وأمر هذه الأمة، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أن لا نثير أمرها ولا بعضه، حتى يكون ذلك عن رضا منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد: على خلع علي ومعاوية، وتستقيل الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فولوا أمركم من رأيتم. ثم تأخر.

وأقبل عمرو فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وإني خلعت صاحبه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه، فقال سعد بن أبي وقاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده، قال: ما أصنع به، جامعني على أمر، ثم نزع عنه. فقال ابن عباس: لا ذنب لك، الذنب للذي قدمك، فقال: رحمك الله غدر بي، فما أصنع؟ وقال أبو موسى: يا عمرو إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث. أو تتركه يلهث. فقال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل

أسفارا. فقال ابن عمر: إلى ما صير أمر هذه الأمة! إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف.

قال المسعودي في "المروج": كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان، سنة ثمان وثلاثين، فقال عمرو لأبي موسى: تكلم. فقال: بل تكلم أنت فقال: ما كنت لأفعل، ولك حقوق كلها واجبة. فحمد الله أبو موسى وأثنى عليه، ثم قال: هلم يا عمرو إلى أمر يجمع الله به الأمة، ودعا عمرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتب وهو غلام لعمرو، وقال: إن للكلام أولا وآخرا، ومتى تنازعنا الكلام لم نبلغ آخره حتى ينسى أوله، فاكتب ما نقول.

قال: لا تكتب شيئا يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتب، فكتب: هذا ما تقاضي عليه فلان وفلان. إلى أن قال عمرو: وإن عثمان كان مؤمنا، فقال أبو موسى: ليس لهذا قعدنا. قال عمرو: لا بد أن يكون مؤمنا أو كافرا. قال: بل كان مؤمنا. قال: فمر أن يكتب، فكتب. قال عمرو: ظالما قتل أو مظلوما؟ قال أبو موسى: بل قتل مظلوما. قال عمرو: أفليس قد جعل الله لوليه سلطانا يطلب بدمه؟ قال أبو موسى: نعم قال عمرو: فعلى قاتله القتل، قال: بلى قال: أفليس لمعاوية أن يطلب بدمه حتى يعجز؟ قال: بلى قال عمرو: فإنا نقيم البينة على أن عليا قتله.

قال أبو موسى: إنما اجتمعنا لله، فهلم إلى ما يصلح الله به أمر الأمة. قال: وما هو؟ قال: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبدا، وأهل الشام لا يحبون عليا أبدا، فهلم نخلعهما معا، ونستخلف ابن عمر -وكان ابن عمر على بنت أبي موسى- قال عمرو: أيفعل ذلك عبد الله؟ قال: نعم إذا حمله الناس على ذلك. فصوبه عمرو، وقال: فهل لك في سعد؟ وعدد له جماعة، وأبو موسى يأبى إلا ابن عمر، ثم قال: قم حتى نخلع صاحبينا جميعا، واذكر اسم من تستخلف، فقام أبو موسى وخطب وقال: إنا نظرنا في أمرنا، فرأينا أقرب ما نحقن به الدماء، ونلم به الشعث خلعنا معاوية وعليا، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه، واستخلفنا رجلا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وله سابقة: عبد الله بن عمر، فأطراه ورغب الناس فيه.

ثم قام عمرو فقال: أيها الناس، إن أبا موسى قد خلع عليا، وهو أعلم، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أبا موسى كتب في هذه الصحيفة أن عثمان قتل مظلوما، وأن لوليه أن يطلب بدمه، فقام أبو موسى، فقال: كذب عمرو، ولم نستخلف معاوية، ولكنا خلعنا معاوية وعليا معا.

قال المسعودي: ووجدت في رواية أنهما اتفقا وخلعا عليا ومعاوية، وجعلا الأمر شورى، فقام عمرو بعده، فوافقه على خلع علي، وعلى إثبات معاوية، فقال له: لا وفقك الله، غدرت وقنع شريح بن هانئ الهمداني عمرا بالسوط. وانخذل أبو موسى، فلحق بمكة، ولم يعد إلى الكوفة، وحلف لا ينظر في وجه علي ما بقي. ولحق سعد بن أبي وقاص وابن عمر ببيت المقدس فأحرما، وانصرف عمرو، فلم يأت معاوية، فأتاه وهيأ طعاما كثيرا، وجرى بينهما كلام كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عبيد عمرو، ثم قاموا ليأكل عبيد معاوية، وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده، فقال عمرو: فعلتها؟ قال: إي والله بايع وإلا قتلتك.

قال: فمصر، قال: هي لك ما عشت.

وقال الواقدي: رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتابا على أن يوافوا رأس الحول أذرح ويحكموا حكمين، ففعلوا ذلك فلم يقع اتفاق، ورجع علي بالاختلاف والدغل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه، وقالوا: لا حكم إلا لله، ورجع معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ثم بايع أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين. كذا قال.

وقال خليفة وغيره: إنهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وهو أشبه؛ لأن ذلك كان إثر رجوع عمرو بن العاص من التحكيم.

وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه، قال: قام علي على منبر الكوفة، فقال، حين اختلف الحكمان: لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فعصيتموني. فقام إليه شاب آدم، فقال: إنك والله ما نهيتنا ولكن أمرتا ودمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك ونحلتنا ذنبك. فقال علي: ما أنت وهذا الكلام قبحك الله، والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملا، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثم قال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنبا إنه لصغير مغفور، وإن كان حسنا إنه لعظيم مشكور.

قلت: ما أحسنها لولا أنها منقطعة السند.

وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: دخلت على حفصة، فقلت: قد كان بين الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء. قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فذهب.

فلما تفرق الحكمان خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلي قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أبيه -يعرض بابن عمر- قال ابن عمر: فحللت

حبوتي وهممت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان.

قال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع، قال: قال أبو موسى: لا أرى لها غير ابن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك. فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر. عن الزهري.

وفيها أخرج علي سهل بن حنيف على أهل فارس، فمانعوه، فوجه علي زيادا، فصالحوه وأدوا الخراج.

وفيها قال أبو عبيدة: خرج أهل حروراء في عشرين ألفا، عليهم شبث بن ربعي، فكلمهم علي فحاجهم، فرجعوا.

وقال سليمان التيمي، عن أنس، قال: قال شبث بن ربعي: أنا أول من حرر الحرورية، فقال رجل: ما في هذا ما تمتدح به.

وعن مغيرة قال: أول من حكم ابن الكواء، وشبث.

قلت: معنى قوله: "حكم" هذه كلمة قد صارت سمة للخوارج، يقال: "حكم" إذا خرج وقال: لا حكم إلا الله.

وتوفي فيها:

جهجاه بن قيس -وقيل بن سعيد- الغفاري، مدني، له صحبة شهد بيعة الرضوان، وكان في غزوة المريسع أجيرا لعمر، ووقع بينه وبين سنان الجهني، فنادى: يا للمهاجرين: ونادى سنا: يا للأنصار.

وعن عطاء بن يسار، عن جهجاه أنه هو الذي شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم، فلما أسلم لم يتم حلاب شاة.

وقال ابن عبد البر: هو الذي تناول العصا من يد عثمان -رضي الله عنه- وهو يخطب، فكسرها على ركبته، فوقعت فيها الآكلة، وكانت عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي بعد عثمان بسنة.

حابس بن سعد الطائي: ولي قضاء حمص زمن عمر، وكان أبو بكر قد وجهه إلى الشام، وكان من العباد. روى عنه: جبير بن نفير. قتل يوم صفين مع معاوية.

ذو الكلاع الحميري، اسمه السميفع، ويقال: سميفع بن ناكور. وقيل: اسمه أيفح، كنيته أبو شرحبيل.

أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: له صحبة، فروى ابن لهيعة، عن كعب بن علقمة، عن حسان بن كليب، سمع ذا الكلاع، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اتركوا الترك ما تركوكم".

كان ذو الكلاع سيد قومه، شهد يوم اليرموك، وفتح دمشق، وكان على ميمنة معاوية يوم صفين. روى عن: عمر، وغير واحد روى عنه: أبو أزهر بن سعيد، وزامل بن عمرو، وأبو نوح الحميري.

والدليل على أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: كنت باليمن، فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم، فقالوا: قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر. الحديث رواه مسلم.

وروى علوان بن داود، عن رجل، قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع، فلبثت على بابه حولا لا أصل إليه، ثم إنه أشرف من القصر، فلم يبق حوله أحد إلا سجد له، فأمر بهديتي فقبلت، ثم رأيته بعد في الإسلام، وقد اشترى لحما بدرهم فسمطه على فرسه.

وروى أن ذا الكلاع لما قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتتن أحد بحسنه. وكان عظيم الخطر عند معاوية، وربما كان يعارض معاوية، فيطيعه معاوية.

عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي، كنيته أبو عمرو.

روى البخاري في "تاريخه" أنه ممن دخل على عثمان، فطعن عثمان في ودجه، وعلا التنوخي عثمان بالسيف.

أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد الفتح وما بعدها، وكان شريفا وجليلا. قتل هو وأخوه عبد الرحمن يوم صفين مع علي، وكان على الرجالة.

قال الشعبي: كان على عبد الله يومئذ درعان وسيفان، فأقبل يضرب أهل الشام حتى انتهى إلى معاوية، فتكاثروا عليه فقتلوه، فلما رآه معاوية صريعا قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلا عن رجالها.

عبد الله بن كعب المرادي، من كبار عسكر علي. قتل يوم صفين، ويقال: إن له صحبة.

عبيد الله ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني.

ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع أباه، وعثمان، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. كنيته أبو عيسى، غزا في أيام أبيه. وأمه أم كلثوم الخزاعية.

وعن أسلم، أن عمر ضرب ابنه عبيد الله بالدرة، وقال: أتكتني بأبي عيسى، أو كان لعيسى أب!

وقد ذكرنا أن عبيد الله لما قتل عمر أخذ سيفه وشد على الهرمزان فقتله، وقتل جفينة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما بويع عثمان هم بقتله، ثم عفا عنه. وكان قد أشار علي على عثمان بقتله، فلما بويع ذهب عبيد الله هاربا منه إلى الشام. وكان مقدم جيش معاوية يوم صفين، فقتل يومئذ. ويقال: قتله عمار بن ياسر، وقيل: رجل من همدان، ورثاه بعضهم بقصيدة مليحة.

أبو فضالة الأنصاري، بدري، قتل مع علي يوم صفين انفرد بهذا القول محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وليسا بحجة.

أبو عمرة الأنصاري، بشير بن عمرو بن محصن الخزرجي النجاري، وقيل اسم أبي عمرة: بشير، وقيل: ثعلبة، وقيل: عمرو.

بدري كبير، له رواية في النسائي، روى عنه: ابنه عبد الرحمن بن أبي عمرة، ومحمد ابن الحنفية، وقتل يوم صفين مع علي، قاله ابن سعد.

سنة ثمان وثلاثين:

فيها: وجه معاوية من الشام عبد الله بن الحضرمي في جيش إلى البصرة ليأخذها، وبها زياد بن أبيه من جهة علي، فنزل ابن الحضرمي في بني تميم، وتحول زياد إلى الأزد، فنزل على صبرة بن شيمان الحداني، وكتب إلى علي فوجه علي أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل أعين غيلة على فراشه. فندب علي جارية بن قدامة السعدي، فحاصر ابن الحضرمي في الدار التي هو فيها، ثم حرق عليه.

أمر الخوارج:

وفي شعبان: ثارت الخوارج وخرجوا على علي رضي الله عنه، وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين، وقالوا: حكمت في دين الله الرجال، والله يقول: {إن الحكم إلا لله}، وكفروه، واحتجوا بقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، فناظرهم، ثم أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فبين لهم فساد شبههم، وفسر لهم، واحتج بقوله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم}، وبقوله: {فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها}، فرجع إلى الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عبد الله بن خباب بن الأرت، ومعه امرأته، فقالوا: من أنت؟ فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حبلى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة.

وفيها: سارت الخوارج لحرب علي، فكانت بينهم "وقعة النهروان"، وكان على الخوارج عبد الله بن وهب السبئي، فهزمهم علي وقتل أكثرهم، وقتل ابن وهب. وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلا.

وقيل في تسميتهم "الحرورية"؛ لأنهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريب من الكوفة يقال لها: "حروراء"، واستحل علي قتلهم لما فعلوا بابن خباب وزوجته.

وكانت الوقعة في شعبان سنة ثمان، وقيل: في صفر.

قال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل أن ابن عباس قال: لما اجتمعت الخوارج في دارها، وهم ستة آلاف أو نحوها، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء، فإني أخافهم عليك، قال: كلا. قال: فلبس ابن عباس حلتين من أحسن الحلل، وكان جهيرا جميلا، قال: فأتيت القوم، فلما رأوني، قالوا: مرحبا بابن عباس وما هذه الحلة؟ قلت: وما تنكرون من ذلك؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}.

قالوا: فما جاء بك؟ قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى فيكم أحدا منهم، ولأبلغنكم ما قالوا، ولأبلغنهم ما تقولون، فما تنقمون من ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره؟ فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: لا تكلموه فإن الله يقول: {بل هم قوم خصمون} وقال بعضهم: ما يمنعنا من كلامه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعونا إلى كتاب الله. قال: فقالوا: ننقم عليه ثلاث خلال: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله، وما للرجال ولحكم الله، والثانية: أنه قاتل فلم يسب ولم يغنم، فإن كان قد حل قتالهم فقد حل سبيهم، وإلا فلا، والثالثة: محا نفسه من "أمير المؤمنين"، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير المشركين. قلت: هل غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا.

قلت: أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم؟ قالوا: وما يمنعنا، قلت: أما قولكم أما قولكم إنه حكم الرجال في أمر الله، فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابه: {يحكم به ذوا عدل منكم}، وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوض الله الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم، وقال: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله}، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

قلت: وأما قولكم: قاتل فلم يسب، فغنه قاتل أمكم؛ لأن الله يقول: {وأزواجه أمهاتهم}، فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها، فأنتم بين ضلالتين، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

قلت: وأما قولكم: إنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإني أنبئكم عن ذلك: أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية جرى الكتاب بينه وبين سهيل بن عمرو، فقال: "يا علي اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الل هـ -صلى الله عليه وسلم "، فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال: "اللهم إنك تعلم أني رسولك"، ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: "يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"، فوالله ما أخرجه ذلك من النبوة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم، وقتل سائرهم على ضلالة.

قال عوف: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي فرقتين، تمرق بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق". وكذا رواه قتادة، وسليمان التيمي، عن أبي نضرة.

وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، أن الحرورية لما خرجت على علي، قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء الذين يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم -وأشار إلى حلقه- من أبغ خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قاتلهم علي، قال: انظروا فلم يجدوا شيئا، قال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم.

وقال يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبيد الله بن عياض، أن عبد الله بن شداد بن الهاد دخل على عائشة ونحن عندها ليالي قتل علي، فقالت: حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم علي، قال: إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس -يعني عبادهم- فنزلوا بأرض حروراء من جانب الكوفة، وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله. فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه، جمع أهل القرآن، ثم دعا بالمصحف إماما عظيما، فوضع بين يديه، فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس. فناداه الناس ما تسأل؟ إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم با روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله تعالى، يقول في كتابه: {فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها}، فأمة محمد أعظم حقا وحرمة من رجل وامرأة، وذكر الحديث شبه ما تقدم، قال: فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، ومضى الآخرون. قالت عائشة: فلم قتلهم؟ قال قطعوا السبيل، واستحلوا أهل الذمة، وسفكوا الدم.

سنة تسع وثلاثين:

فيها: كانت وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة، قاتلهم علي -رضي الله عنه- فكسرهم، وقتل رؤوسهم، وسجد شكرا لله تعالى لما أتى بالمخدج إليه مقتولا. وكان رؤوس الخوارج زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السبئي، وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير.

وفيها: بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم الحج، فنازعه قثم بن العباس ومانعه،

وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان العبدري حاجب الكعبة.

وقيل: توفي فيها أم المؤمنين ميمونة، وحسان بن ثابت الأنصاري، وسيأتيان.

وكان علي قد تجهز يريد معاوية، فرد من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحرورية، وهم العباد والقراء من أصحاب علي الذين مرقوا من الإسلام، وأوقعهم الغلو في الدين إلى تكفير العصاة بالذنوب، وإلى قتل النساء والرجال، إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه.

ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع محمد ابن الحنفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثم يحلف لا يحله حتى يسير فيأبى عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم، ويجبنون فيحله ويكفر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني، فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وقلت: ألا تكلمه أين يسير بقوم لا والله ما أرى عندهم طائلا. قال: يا أبا القاسم يسير لأمر قد حم، قد كلمته فرأيته يأبى إلا المسير. قال ابن الحنفية: فلما رأى منهم ما رأى، قال: اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني.

سنة أربعين:

فيهاك بعث معاوية إلى اليمن بسر بن أبي أرطاة القرشي العامري في جنود، فتنحى عنها عامل علي عبيد الله بن عباس، وبلغ عليا فجهز إلى اليمن جارية بن قدامة السعدي فوثب بسر على ولدي عبيد الله بن عباس صبيين، فذبحهما بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن.

قال ابن سعد: قالوا: انتدب ثلاثة من الخوارج، وهم: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لكم لمعاوية، وقال الآخر: أنا أكفيكم عمرا. فتواثقوا أن لا ينكصوا، واتعدوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى بلد بها صاحبه، فقدم ابن ملجم الكوفة،

فاجتمع بأصحابه من الخوارج، فأسر إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قطام بنت شجنة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فأعجبته، فقالت: لا أتزوجك حتى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل عليا، فقال: لك ذلك. ولقي شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه، فأجابه.

وبقي ابن ملجم في الليلة التي عزم فيها على قتل علي يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح، فقام هو وشبيب، فأخذوا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فذكر مقتل علي رضي الله عنه، فلما قتل أخذوا عبد الرحمن بن ملجم، وعذبوه وقتلوه.

وقال حجاج بن أبي منيع: حدثنا جدي، عن الزهري، عن أنس قال: تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية، وعمرو بن العاص، وحبيب بن مسلمة، وأقبلوا بعد ما بويع معاوية.

من توفي فيها: الحارث بن خزمة بن عدي، أبو بشير الأنصاري الأشهلي.

شهد بدرا والمشاهد كلها، وهو من حلفاء بني عبد الأشهل. توفي بالمدينة سنة أربعين وله سبع وستون سنة. وخزمة: بفتحتين، قيده ابن ماكولا.

خارجة بن حذافة بن غانم.

قال ابن ماكولا: له صحبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، وكان على شرطة مصر في خلافة عمر، وفي خلافة معاوية، قتله عمرو بن بكير الخارجي بمصر، وهو يعتقد أنه عمر بن العاص.

روى عنه عبد الله بن أبي مرة حديثا.

شرحبيل بن السمط بن الأسود الكندي، أبو يزيد، ويقال: أبو السمط.

له صحبة ورواية. وروى أيضا عن عمر، وسلمان الفارسي. وعنه: جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وجماعة.

قال البخاري: كان على حمص، وهو الذي افتتحها وكان فارسا بطلا شجاعا، قيل: إنه شهد القادسية. وكان قد غلب الأشعث بن قيس على شرف كندة، واستقدمه معاوية قبل صفين يستشيره.

وقد قال الشعبي: إن عمر استعمل شرحبيل بن السمط على المدائن، واستعمل أباه بالشام، فكتب إلى عمر: إنك تأمر أن لا يفرق بين السبايا وأولادهن، فإنك قد فرقت بيني وبين ابني، قال: فألحقه بابنه.

قال يزيد بن عبد ربه الحمصي: توفي شرحبيل سنة أربعين.

عبد الرحمن بن ملجم المرادي، قاتل علي رضي الله عنه.

خارجي مفتر، ذكره ابن يونس في "تاريخ مصر" فقال: شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف، وكان ممن قرأ القرآن، والفقه، وهوأحد بني تدول وكان فارسهم بمصر. قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من العباد، ويقال: هو الذي أرسل صبيغا التميمي إلى عمر، فسأله عما سأله من مستعجم القرآن.

وقيل: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه، فوسع له مكان داره، وكانت إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس البلوي، يعني أحد من أعان على قتل عثمان. ثم كان ابن ملجم من شيعة علي بالكوفة سار إليه إلى الكوفة، وشهد معه صفين.

قلت: ثم أدركه الكتاب، وفعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وكذلك تعظمه النصيرية.

قال الفقيه أبو محمد بن حزم: يقولون: إن ابن ملجم أفضل أهل الأرض، خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره.

فاعجبوا يا مسلمون لهذا الجنون.

وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي.

وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة. وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه، وحكمه حكم قاتل عثمان، وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل.

المتوفون في خلافة علي تحديدا وتقريبا على الحروف:

رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، أبو معاذ الأنصاري الزرقي، أخو مالك وخلاد.

شهد بدرا هو وأخوه خلاد، وكان أبوه من نقباء الأنصار، له أحاديث. روى عنه ابناه: عبيد ومعاذ، وابن أخيه يحيى بن خلاد، وغيرهم. وله عقب كثير بالمدينة، وبغداد.

توفي في حدود سنة أربعين.

وقال ابن سعد: توفي في أول خلافة معاوية.

صفوان بن عسال المرادي: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وله أحاديث. روى عنه: زر بن حبيش، وعبد الله بن مسلمة المرادي، وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وسكن الكوفة.

قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي: أحد فقهاء الصحابة، وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر إلى الكوفة ليعلموا الناس، ثم شهد فتح الري زمن عمر، وولاه علي على الكوفة، ثم سار إلى الجمل مع علي، ثم شهد صفين.

توفي بالكوفة، وصلى عليه علي على الصحيح، وهو أول من نيح عليه بالكوفة، وقيل: توفي بعد علي.

القعقاع بن عمرو التميمي: قيل: إنه شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها، وكان أحد الأبطال المذكورين، يقال: إن أبا بكر قال: صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل. وشهد الجمل مع علي وكان الرسول في الصلح يومئذ بين الفريقين، وسكن الكوفة.

سحيم عبد بني الحسحاس: شاعر مفلق، بديع القول، لا صحبة له.

روى معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن السائب، قال: قيل لعمر -رضي الله عنه: هذا عبد بني الحسحاس يقول الشعر، دعاه فقال: كيف قلت؟ فقال:

قال: حسبك، صدقت صدقت. هذا حديث صحيح.

وهذه قصيدة طنانة يقول بها:

وله من قصيدة:

وقيل: إن سحيما لما أكثر التشبيب بنساء الحي عزموا على قتله، فبكت امرأة كان يرمى بها فقال:

ثم قتل عفا الله عنه.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 2- ص: 495

علي بن أبي طالب

وسيد القوم، محب المشهود، ومحبوب المعبود، باب مدينة العلم والعلوم ورأس المخاطبات، ومستنبط الإشارات، راية المهتدين، ونور المطيعين، وولي المتقين، وإمام العادلين، أقدمهم إجابة وإيمانا، وأقومهم قضية وإيقانا وأعظمهم حلما، وأوقرهم علما، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. قدوة المتقين، وزينة العارفين، المنبئ عن حقائق التوحيد، المشير إلى لوامع علم التفريد، صاحب القلب العقول، واللسان السؤول، والأذن الواعي، والعهد الوافي، فقاء عيون الفتن، ووقى من فنون المحن، فدفع الناكثين، ووضع القاسطين، ودمغ المارقين، الأخيشن في دين الله، الممسوس في ذات الله.

وقد قيل: إن التوصف مرامقة الموعود، ومصارمة المحدود.

حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟. فقالوا: يارسول الله يشتكي عينه، قال: فأرسلوا إليه، قال: فأتي به، قال: فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، وأعطاه الراية. فقال علي: يارسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".

رواه سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وسلمة بن الأكوع نحوه في المحبة. ولسلمة طرق فمن أغربها ما: حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا داود، وعمرو حدثنا المثنى بن زرعة أبو راشد، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا بريدة بن سفيان الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته إلى حصون خيبر يقاتل، فرجع ولم يكن فتح، وقد جهد. ثم بعث عمر الغد فقاتل، فرجع ولم يكن فتح وقد جهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله علي يديه، ليس بفرار ". قال سلمة: فدعا بعلي رضي الله عنه وهو أرمد، فتفل في عينيه، فقال: "هذه الراية امض بها حتى يفتح الله علي يديك ". قال سلمة: فخرج بها والله يهرول هرولة وأنا خلفه نتبع آثره، حتى ركز رايته في رضم من الحجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ فقال: علي بن أبي طالب، قال: يقول اليهودي: غلبتم، وما نزل على موسى أو كما قال فما رجع حتى فتح الله على يديه.

قال الشيخ رحمه الله تعالى: هذا حديث غريب من حديث بريدة، عن أبيه فيه زيادات ألفاظ لم يتابع عليها، وصحيحة من حديث يزيد بن أبي عبيدة عن سلمة بن الأكوع.

حدثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان المعدل، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الضبي، حدثنا قيس بن الربيع، عن ليث بن أبي سليم، عن بن أبي ليلى، عن الحسن بن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لي سيد العرب ". يعني علي بن أبي طالب، فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: "أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب. فلما جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه. فقال لهم: "يامعشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل.

رواه أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة نحوه في السؤدد مختصرا.

حدثنا محمد بن أحمد بن علي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا علي بن عياش، عن الحارث بن حصيرة، عن القاسم بن جندب، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أنس اسكب لي وضوا ". ثم قام فصلى ركعتين. ثم قال:، يا أنس من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين "

قال أنس: قلت: اللهم أجعله رجلا من الأنصار وكتمته، إذ جاء علي فقال: "من هنا يا أنس؟ فقلت: علي، فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق علي بوجهه. قال علي: يارسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل؟ قال: "وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي".

رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه.

حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا عبد الحميد بن بحر، حدثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا دار الحكمة وعلي بابها ". رواه الأصبغ بن نباته والحارث عن علي نحوه. ومجاهد عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

حدثنا محمد بن عمر بن غالب، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن الأعمش عن مجاهد، عن بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنزل الله أية فيها يا أيها الذين آمنوا الا وعلي رأسها وأميرها".

قال الشيخ رحمه الله: لم نكتبه مرفوعا إلا من حديث بن أبي خيثمة والناس رووه موقوفا.

حدثنا جعفر بن محمد بن عمر، حدثنا أبو حصين الوادعي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا شريك عن أبي اليقظان، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال: قالوا: يارسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تستخلف عليا؟ قال: "إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم".

رواه النعمان بن أبي شيبة الجندي، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة ونحوه.

حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبد الله بن وهيب الغزي، حدثنا بن أبي السري، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا النعمان بن أبي شيبة الجندي، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، " إن تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين، تجدوه هاديا مهديا يحملكم علي المحجة البيضاء".

رواه إبراهيم بن هراسة، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثبع، عن علي رضي الله تعالى عنه.

حدثنا نذير بن جناح القاضي، حدثنا إسحاق بن محمد بن مهران، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن هراسة، عن بن إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا أبو الحسن بن أبي مقاتل، حدثنا محمد بن عبيد بن عتبة، حدثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي، حدثنا أحمد بن عمران بن سلمة، وكان ثقة عدلا مرضيا، حدثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي فقال: "قسمت الحكم عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا".

حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا محمد بن يونس الكديمي، حدثنا عبد الله بن داود الخريي، حدثني هرمز بن حوران، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي رضي الله عنه، قال: قلت: يارسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني، قال: "قل ربي الله ثم استقم " قال: قلت: الله ربي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، فقال: "ليهنك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شربا، ونهلته نهلا".

حدثنا أبو القاسم نذير بن جناح القاضي، حدثنا إسحاق بن محمد بن مروان، حدثنا أبي، حدثنا عباس بن عبيد الله، حدثنا غالب بن عثمان الهمداني، أبو مالك، عن عبيدة، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود، قال: "أن القرأن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وأن علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن".

حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن، حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم ان الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قام وخطب الناس وقال: "لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون بعلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فيعطه الراية فلا يرتد حتي يفتح الله عز وجل عليه، جبريل عن يمينه، وميكيائيل عن يساره، ماترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما".

حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم، حدثنا جعفر بن محمد الصايغ، حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن بن عباس، قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرؤنا".

حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا خلف بن خالد العبدي البصري، حدثنا بشر بن إبراهيم الأنصاري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ياعلي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش، أنت أولهم إيمانا با لله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية.

حدثنا محمد بن المظفر، حدثنا عبد الله بن إسحاق، حدثنا إبراهيم الأنماطي، حدثنا القاسم بن معاوية الأنصاري، حدثني عصمة بن محمد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم لعلي، وضرب بين كتفيه: "يا علي لك سبع خصال لا يحاجك فيهن أحد يوم القيامة: أنت أول المؤمنين بالله إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية يوم القيامة.

حدثنا عمر بن أحمد بن عمر القاضي القصباني، حدثنا علي بن العباس البجلي، حدثنا أحمد بن يحيى، حدثنا الحسن بن الحسين، حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن الشعي، قال: قال علي: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرحبا بسيد المسلمين، وإمام المتقين ". فقيل لعلي: فأي شئ من شكرك. قال: حمدت الله تعالى على ما أتاني، وسألته الشكر على ما أولاني، وأن يزيدني مما أعطاني".

حدثنا محمد بن حميد، حدثنا علي بن سراج المصري، حدثنا محمد بن فيروز، حدثنا أبو عمرو لاهز بن عبد الله، حدثنا معمر بن سليمان، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي برزة الأسلمي، فقال له، وأنا أسعع: "يا أبا برزة أن رب العالمين عهد إلى عهدا في علي بن أبي طالب: فقال أنه راية الهدى، ومنار الايمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعتي، يا أبا برزة علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، علي مفاتيح خزائن رحمة ربي".

حدثنا أبو بكر الطلحي، حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا عباد بن سعيد بن عباد الجعفي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي البهلول، حدثني صالح بن أبي الأسود، عن أبي المطهر الرازي، عن الأعشى الثقفي، عن سلام الجعفي، عن أبي برزة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،: "أن الله تعالى عهد إلي عهدا في علي فقلت: يارب بينه لي، فقال: اسعع، فقلت: سععت، فقال: إن عليا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك. فجاء علي فبشرته، فقال: يارسول الله أنا عبد الله، وفي قبضته فإن يعذبني فبذنبي، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولي بي. قال: قلت: اللهم أجل قلبه واجعل ربيعه الايمان، فقال الله: قد فعلت به ذلك. ثم أنه رفع إلى أنه سيخصه من البلاء يشئ لم يخص به أحدا من أصحابي. فقلت يارب أخي وصاحبي، فقال: إن هذا شئ قد سبق، أنه مبتلى ومبتلى به " حدثنا سعد بن محمد الصيرفي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد خير، عن علي، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اقسمت، أوحلفت، أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي عن ظهري حتى جمعت القرأن.

حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا محمد بن يونس السامي، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نمشي مع النبي صلى ن يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ". قال أبو سعيد: فخرجت فبشرته. مما قال رالله عليه وسلم فانقطع شسع نعله، فتناولها علي يصلحها ثم مشي فقال: "يا أيها الناس إن منكم مسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكترث به فرحا، كأنه قد سمعه.

حدثنا محمد بن عمر بن سلم، حدثني أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، جعفر، عن أبيه محمد بن عبد الله، عن أبيه محمد، عن أبيه عمر، عن أبيه علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ياعلي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي، وأنزلت هذه الآية وتعيها أذن واعية فأنت أذن واعية لعلمي".

حدثنا الحسن بن علي بن الخطاب، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن نصير، عن سليمان الأحمسي، عن أبيه، عن علي قال: "والله ما نزلت أية إلا وقد علمت فيما أنزلت، وأين أنزلت، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا سؤولا".

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا خلاد، حدثنا مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: سئل علي عن نفسه، فقال: كنت إذا سئلت أعطت، وإذا سكت ابتديت.

حدثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان العدل، حدثنا محمد بن الحسين بن حميد، حدثنا محمد بن تسنيم، حدثنا علي بن الحسين بن عيسي بن زيد، عن جده عيسي بن زيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن ذر، عن علي، قال: أنا فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ماقوتل فلان وفلان.

حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا أحمد بن علي الخراز، حدثنا عبد الرحمن بن حفص الطنافسي، حدثنا زياد بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن سليمان، يعني بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينت بنت كعب وكانت عند أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: شكي الناس عليا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبا فقال: "يأيها الناس لا تشكوا عليا، فوالله أنه لأخيشن في ذات الله عز وجل".

حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا هارون بن سليمان المصري، حدثنا سعد بن بشر الكوفي، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله تعالى".

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أحمد بن محمد الحمال، حدثنا أبو مسعود، حدثنا سهل بن عبد ربه، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن مطرف، عن المنهال بن عمرو، عن التميمي، عن بن عباس، قال: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي سبعين عهدا، ولم يعهد إلى غيره.

كان عليه السلام الاستسلام والانقياد شأنه، والتبرؤ من الحول والقوة مكانه.

وقد قيل: إن التصوف إسلام الغيوب إلى مقلب القلوب.

حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل، وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا إسماعيل بن أبي كريمة، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه قال: سمعت عليا يقول: "أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم وفاطمة وذلك من السحر، حتي قام علي باب البيت. فقال: ألا تصلون. فقلت مجيبا له: يارسول الله إنما نفوسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، قال: فرجع رسول صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إلى الكلام، قال: فسمعته حين ولي يقول، وضرب بيده علي فخذه: "وكان إلانسان أكثر شيء جدلا " الكهف.

رواه حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، وصالح بن كيسان، وشعيب بن حمزة والناس عن الزهري. أخرجه البخاري ومسلم عن قتيبة بن سعيد.

وكان رضوان الله عليه وسلامه علي الأوراد مواظبا، وللأزواد مناحبا.

وقد قيل: إن التصوف الرغبة إلى المحبوب، في درك المطلوب.

حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا أحمد بن إبراهيم، عن ملحان، حدثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن كعب القرظي، عن شبث بن ربعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسي فقال علي لفاطمة: ائتي أباك فسليه خادما تقي به العمل، فأتت أباها حين أمست، فقال لها: "مالك يا بنية، قالت: "لا شي جئت لأسلم عليك واستحيت أن تسأل شيئا، فلما رجعت قال لها علي: ما فعلت. قالت: لم أساله شيئا واستحييت منه حتي إذا كانت الليلة القابلة، قال لها: ائتي أباك فسليه خادما تتقين به العمل، فأتت أباها فاستحيت أن تسأله شيئا حتى إذا كانت الليلة الثالثة مساء خرجنا جميعنا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أتي بكما، فقال علي: يارسول الله شق علينا العمل فأردنا أن تعطينا خادما نتقي به العمل، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، " هل أدلكما علي خير لكما من حمر النعم ". قال علي: يارسول الله نعم؟ قال " تكبيرات وتسبيحات وتحميدات مائة حين تريدان تناما فتبيتا علي ألف حسنة، ومثلها حين تصبحان فتقومان علي ألف حسنة، فقال علي: فما فاتتني منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليلة صفين، فإني نسيتها حتي ذكرتها من أخر الليل فقلتها.

حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام بن حوشب، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن علي، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتي وضع رجليه بيني وبين فاطمة فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا: ثلاثا وثلانين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة، وأربعا وثلائين تكبيرة، قال علي: فما تركتها بعد، فقال له رجل: ولا ليلة صفين. قال: ولا ليلة صفين.

رواه الحكم ومجاهد عن بن أبي ليلي ونحوه.

حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الجريري، عن أبي الورد، عن بن أعبد، قال: قال لي علي: يا بن أعبد هل تدري ما حق الطعام. قال: وما حقه يا بن أبي طالب قال: تقول بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، ثم قال: اتدري ما شكره إذا فرغت؟ قلت: وما شكره؟ قال: تقول الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا. ثم قال: ألا أخبرك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أكرم أهله عليه وكانت زوجتي فجرت بالرحي بيدها، واشقت بالقربة حتي أثرت القربة بنحرها، وقمت البيت حتي اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، فأصابها من ذلك ضر، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي، أو خدم، فقلت لها: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه خادما يقيك ضر ما أنت فيه. فذكر نحو حديث شبث بن ربعي عن علي.

وكان عليه السلام: اذا لزمه في العيش الضيق والجهد، أعرض عن الخلق فأقبل على الكسب والكد.

وقد قيل: إن التصوف الإتقاء في الأسباب، إلى المقدرات من الأبواب.

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي، حدثنا إسماعيل بن علية، وحدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن علي بن المثني، حدثنا أبو الربيع، حدثنا حماد، قالا: حدثنا أيوب السختياني، مجاهد قال: خرج علينا علي بن أبي طالب يوما معتجرا. فقال: جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا تريد يله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب علي تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيت الماء فأصبت منه ثم أتيتها، فقلت: يكفي هكذا بين يديها، وبسط إسماعيل يديه وجمعهما، فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها.

وقال حماد بن زيد في حديثه: فاستقيت ستة عشر أو سبعة عشر ثم غسلت يدي فذهبت بالتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي خيرا ودعا لي.

ورواه موسى الطحان عن مجاهد نحوه.

حدثنا أحمد ين جعفر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني علي ين حكيم الأودي، حدثنا شريك، عن موسى الطحان، عن مجاهد عن علي، قال: جئت إلى حائط أو بستان، فقال لي صاحبه دلوا وتمرة، فدلوت دلوا بتمرة فملأت كفي ثم شربت من الماء ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بملء كفي فأكل بعضه وأكلت بعضه.

وكان مزينا من بين العباد، متحققا بزينة الأبرار والزهاد.

حدثنا أبو الفرج أحمد بن جعفر النسائي، حدثنا محمد بن جرير، حدثنا عبد الأعلي بن واصل، حدثنا مخول بن إبراهيم، حدثنا علي بن جزور، عن الأصبغ بن نباته، قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ياعلي إن الله تعالى قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا تزرأ الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضي بهم أتباعا ويرضون بك إماما.

حدثنا أبو بكر الطلحي، حدثنا أبو حصين القاضي، حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسي بن عبد الله العكبري، حدثنا بن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن علي بن الحسين، قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: إذا كان يوم القيامة أتت الدنيا بأحسن زينتها ثم قالت: يارب هبني لبعض أوليائك، فيقول الله تعالى: "أذهبي فأنت لاشي، أنت أهون علي أن أهبك لبعض أوليائي، فتطوي كما يطوي الثوب الخلق فتلقي في النار".

وكان زهد في الدنيا فكشف له الغطا، وهدي وبصر فأزيل عنه العمى.

حدثنا أبو ذر محمد بن الحسين بن يوسف الوراق، حدثنا بن الحسين بن حفص، حدثنا علي بن حفص العبسي، حدثنا نصير بن حمزة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زهد في الدنيا علمه الله تعالى بلا تعلم، وهداه بلا هداية، وجعله بصيرا وكشف عنه العمى".

وكان بذات الله عليما، وعرفان الله في صدره عظيما.

وقد قيل: إن التصوف البروز من الحجاب إلى رفع الحجاب.

حدثنا أحمد بنا إبراهيم بن جعفر، حدثنا محمد بن يونس السامي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا حبان بن علي، عن مجاهد، عن الشعبي، عن بن عباس: أن علي بن أبي طالب أرسله إلى زيد بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين إني ما علمتك لبذات الله عليم، وإن الله لفي صدرك عظيم.

حدثنا أبو بكر بن محمد بن الحارث، حدثنا الفضل بن الحباب الجمحي، حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن إسحاق عن النعمان بن سعد، قال: كنت بالكوفة في دار الإمارة دار علي بن أبي طالب، إذ دخل علينا نوف بن عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين، بالباب أربعون رجلا من اليهود، فقال علي: علي بهم. فلما وقفوا بين يديه قالوا له: يا علي صف لنا ربك هذا الذي في السماء كيف هو. وكيف كان. ومتي كان. وعلي أي شئ هو؟ فاستوي علي جالسا، وقال: معشر اليهود، اسمعوا مني ولا تبالوا أن لا تسألوا أحدا غيري: إن ربي عز وجل هو الأول لم يبد مما، ولا ممازج معما، ولا حال وهما، ولا شبح يتقصي، ولا محجوب فيحوى، ولا كان بعد أن لم يكن فيقال حادث بل جل أن يكيف المكيف للأشياء كيف كان، بل لم يزل ولا يزول لاختلاف الأزمان، ولا لتقلب شأن بعد شأن، وكيف يوصف بالأشباح، وكيف ينعت. بالألسن الفصاح، من لم يكن في الأشياء فيقال كائن، ولم يبن عنها فيقال كائن، بل هو بلا كيفية، وهو أقرب من حبل الوريد، وأبعد في الشبه من كل بعيد، لا يخفي عليه من عباده شخوص لحظة، ولا كرور لفظة، ولا ازدلاف رقوة، ولا انبساط خطوة، في غسق ليل داج، ولا ادلاج، لايتغشى عليه القمر المنير، ولا انبساط الشمس ذات النور بضوئها في الكرور، ولا اقبال ليل مقبل، ولا ادبار نهار مدبر، إلا وهو محيط. مما يريد من تكوينه، فهو العالم بكل مكان وكل حين وآوان، وكل نهاية ومدة، والأمد إلى الخلق مضروب، والحد إلى غيره منسوب، لم يخلق الأشياء من أصول أولية، ولا بأوائل كانت قبله بدية، بل خلق ما خلق فأقام خلقه، وصور ما صور فأحسن صورته، توحد في علوه فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة شئ من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة في السموات والأرضين له مطيعة، علمه بالأموات البائدين كعلمه بالأحياء المتقبلين، وعلمه. مما في السموات العلي كعلمه بما في الأرض السفلى، وعلمه بكل شيء، لا تحيره الأصوات، ولا تشغله اللغات، سميع للأصوات المختلفة، بلا جوارح له مؤتلفة، مدبر بصير، عالم بالأمور، حي قيوم. سبحانه كلم موسى تكليما بلا جوارح ولا أدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن تكييف الصفات، من يزعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، ومن ذكر أن الأماكن به تحيط، لزمته الحيرة والتخليط، بل هو المحيط بكل مكان، فإن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف الرحمن، بخلاف التنزيل والبرهان، فصف لي جبريل وميكائيل وإسرافيل هيهات. أتعجز عن صفة مخلوق مثلك، وتصف الخالق المعبود، وأنت تدرك صفة رب الهيئة والأدوات، فكيف من لم تأخذه سنة ولا نوم؟ له ما في الأرضين والسموات وما بينهما وهو رب العرش العظيم.

هذا حديث غريب من حديث النعمان، كذا رواه بن إسحاق عنه مرسلا.

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبا الفرج يقول: قال علي بن أبي طالب: ما يسرني لومت طفلا وأدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي عز وجل.

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا علي بن هاشم بن البريد، عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن عمر. بن علي بن الحسين، عن أبيه عن علي، قال: أنصح الناس وأعلمهم بالله، أشد الناس حبا وتعظيما لحرمة أهل لا إله إلا الله.

حدثنا أحمد بن السندي، حدثنا الحسن بن علوية القطان، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار، حدثنا اسحاق بن بشر، أخبرنا مقاتل، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو،، قال: كنا جلوسا عند علي بن أبي طالب إذ أتاه رجل من خزاعة، فقال: يا أمير المؤمنين، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينعت الإسلام. قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول: "بني الإسلام علي أربعة أركان: علي الصبر، واليقين، والجهاد، والعدل. وللصبر أربع، شعب: الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب. فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات. ولليقين أربع شعب: تبصره الفطنة، وتأويل الحكمة، ومعرفة العبرة، واتباع السنة. فمن أبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة اتبع السنة، ومن اتبع السنة فكأنما كان في الأولين، وللجهاد أربع شعب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهي عن المنكر أرغم أنف المنافق. ومن صدق في المواطن قضي الذي عليه وأحرز دينه، ومن شنأ الفاسقين فقد غضب لله، ومن غضب لله يغضب الله له. وللعدل أربع شعب: غوص الفهم، وزهرة العلم، وشرائع الحكم، وروضة الحلم. فمن غاص الفهم فسر جمل العلم، ومن رعي زهرة العلم عرف شرائع الحكم، ومن عرف شرائع الحكم ورد روضة الحلم، ومن ورد روضة الحلم لم يفرط في أمره، وعاش في الناس وهم في راحة.

كذا رواه خلاس بن عمرو مرفوعا. وخالف الرواة عن علي فقال: الإسلام، ورواه الأصبع بن نباتة عن علي مرفوعا فقال: الإيمان. ورواه الحارث عن علي مرفوعا مختصرا. ورواه قبيصة بن جابر عن علي من قوله. ورواه العلاء بن عبد الرحمن عن علي من قوله.

حدثنا أبو الحسن أحمد بن يعقوب بن المهرجان، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا يحيى بن عبد الله، حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير وغيره، قال: قيل لعلي: ألا نحرسك؟ فقال: حرس امرأ أجله.

قال أبو نعيم: وما حفظ عنه من وثيق العبارات ودقيق إلاشارات.

حدثناعلي بن محمد بن إسماعيل الطوسي، وإبراهيم بن إسحاق، قالا: حدثنا أبو بكر بن خزيمة، حدثنا علي بن حجر، حدثنا يوسف بن زياد، عن يوسف بن أبي المتئد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قال علي عليه السلام: كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، فإنه لن يقل عمل مع التقوي وكيف يقل عمل يتقبل.

حدثنا عمر بن محمد بن عبد الصمد، حدثنا الحسن بن محمد بن غفير، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا خلف بن تميم، حدثنا عمر بن الرحال، عن العلاء بن المسيب، عن عبد خير، عن علي، قال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك، ويعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله. ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين؟ رجل أذنب ذنبا فهو تدارك ذلك بتوبة. أو رجل يسارع في الخيرات، ولا يقل عمل في تقوي وكيف يقل ما يتقبل.

حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن بن طاووس، عن عكرمة بن خالد، قال: قال علي بن أبي طالب. وثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سوار، حدثنا عون بن سلام، حدثنا عيسى بن مسلم الطهوي، عن ثابت بن أبي صفية، عن أبي الزغل، قال: قال علي بن أبي طالب: احفظوا عني خمسا فلو ركبتم الإبل في طلبهن لأنضيتموهن قبل أن تدركوهن، لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم، ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم. والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.

حدثنا أبو بكر الطلحي، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عون بن سلام، حدثنا أبو مريم، عن زبيد، عن مهاجر بن عمير، قال: قال علي بن أبي طالب: إن أخوف ما أخاف اتباع الهوي وطول الأمل. فأما اتباع الهوي فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. الآخرة وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون. فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.

رواه الثوري وجماعة عن زبيد مثله عن علي مرسلا. ولم يذكروا مهاجر بن عمير.

قال أبو نعيم: أفادني هذا الحديث الدارقطني عن شيخي، لم أكتبه إلا من هذا الوجه.

حدثنا محمد بن جعفر، وعلي بن أحمد، قالا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام، حدثنا المحاربي، عن مالك بن مغول، عن رجل من جعفي، عن السدي، عن أبي أراكة، قال: صلي علي الغداة ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح كأن عليه كآبة، ثم قال: لقد رأيت أثرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أري أحدا يشبههم، والله إن كانوا ليصبحون شعثا غبرا صفرا، بين أعينهم مثل ركب المعزي، قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة فى يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين.

حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا هناد، حدثنا بن فضيل، عن ليث، عن الحسن، عن علي، قال: طوبى لكل عبد نؤمة، عرف الناس ولم يعرفه الناس، عرفه الله رضوان، أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة، سيدخلهم الله في رحمة منه، ليس بالمذاييع البذر ولا الجفاه المرائين.

حدثنا أبي، حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحكم، حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا شجاع بن الوليد، عن زياد بن خيثمة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: ألا إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمه الله، ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لافهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها.

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، حدثنا عمي أحمد بن حش، حدثنا المخزومي، حدثنا محمد بن كثير، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة، عن علي، قال: كونوا ينابيع العلم، مصابيح الليل، خلق الثياب، جدد القلوب، تعرفوا به في السماء، وتذكروا به في الأرض.

حدثنا أبو محمد بن حبان، حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا سهل بن عاصم، حدثنا عبدة، حدثنا إبراهيم بن مجاشع، عن عمرو بن عبد الله، عن أبي محمد اليماني، عن بكر بن خليفة، قال: قال علي بن أبي طالب: أيها الناس إنكم والله لو حننتم حنين الوله العجال، ودعوتم دعاء الحمام، وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان، ثم خرجتم إلى الله من الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة أحصاها كتبته، لكان قليلا فيما أرجو لكم من جزيل ثوابه، وأتخوف عليكم من أليم عقابه، فبالله بالله بالله لو سالت عيونكم رهبة منه، ورغبة إليه، ثم عمرتم في الدنيا، ما الدنيا باقية ولو لم تبقوا شيئا من جهدكم لأنعمه العظام عليكم، بهدايته إياكم للإسلام، ما كنتم تستحقون به، الدهر ما الدهر قائم بأعمالكم، جنته، ولكن برحمته ترحمون، وإلى جنته يصير منكم المقسطون، جعلنا الله وإياكم من التائبين العابدين.

حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: كتب إلى أحمد بن إبراهيم بن هشام الدمشفي، حدثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة، عن بن حارث، عن بن عجلان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: أن عليا شيع جنازة، فلما وضعت في لحدها عج أهلها وبكوا، فقال: ما تبكون. أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم، لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم، وإن له فيهم لعوده ثم عودة حتى لا يبقى منهم أحدا. ثم قام، فقال: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال، ووقت لكم الآجال، وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها، وأبصارا لتجلو عن غشاها، وأفئدة تفهم ما دهاها، في تركيب صورها وما أعمرها، فإن الله لم يخلقكم عبثا، ولم يضرب عنكم الذكر صفحا، بل أكرمكم بالنعم السوابغ، وأرفدكم بأوفر الروافد، وأحاط بكم الإحصاء، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء، فاتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب، وبادروا بالعمل، مقطع النهمات، وهادم اللذات. فإن الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجائعها، غرور حائل، وشبح فالل، وسناد مائل، يمضي مستطرفا ويردي مستردفا، بائعاب شهواتها، وختل تراضعها. اتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بالآيات والأئر، وازدجروا بالنذر، وانتفعوا بالمواعظ، فكأن قد علقتكم مخالب المنية، وضمكم بيت التراب، ودهمتكم مقطعات الأمور بنفخة الصور، وبعثرة القبور، وسياقة المحشر، وموقف الحساب، بإحاطة قدرة الجبار. كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها. " وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون " الزمر، فارتجت لذلك اليوم البلاد، ونادى المناد، وكان يوم التلاق، وكشف عن ساق، وكسفت الشمس، وحشرت الوحوش، مكان مواطن الحشر، وبدت الأسرار، وهلكت الأشرار، وارتجت الأفئدة، فنزلت بأهل النار من الله سطوة مجيخة، وعقوبة منيحة، وبرزت الجحيم لها كلب ولجب، وقصيف رعد، وتغيظ ووعيد تأجج جحيمها، وغلا حميمها، وتوقد حمومها، فلا ينفس خالدها، ولا تنقطع حسراتها، ولا يقصم كبولها، معهم ملائكة يبشرون بنزل من حميم، وتصلية جحيم، عن الله محجوبون، ولأوليائه مفارقون، وإلى النار منطلقون. عباد الله اتقوا الله تقية من كنع فخنع، ووجل فرحل، وحفر فأبصر فازدجر. فاحتث طلبا، ونجا هربا، وقدم للمعاد، واستظهر بالزاد، وكفي بالله منتقما وبصيرا، وكفي بالكتاب خصما وحجيجا، وكفي بالجنة ثوابا وكفي بالنار وبالا وعقابا، وأستغفر الله لي ولكم.

حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أبو مسلم الكثي، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا سهل بن شعيب، عن أبي علي الصيقل، عن عبد الأعلى، عن نوف البكالي، قال: رأيت علي بن أبي طالب خرج فنظر إلى النجوم، فقال: يا نوف أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير المؤمنين، فقال: يا نوف طوبي للزاهدين فى الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآ ن والدعاء دثارا وشعارا. قرضوا الدنيا علي منهاج المسيح عليه السلام. يا نوف إن الله تعالى أوحي إلى عيسي أن مر بني إسرائيل أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأيد نقية، فإني لا أستجيب لأحد منهم ولأحد من خلقي عنده مظلمة. يا نوف لا تكن شاعرا، ولا عريفا، ولا شرطيا، ولا جابيا، ولا عشارا. فإن داود عليه السلام قام في ساعة من الليل، فقال: إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها، إلا أن يكون عريفا أو شرطيا أو جابيا أو عشارا أو صاحب عرطبة، وهو الطنبور، أو صاحب كوبة، وهو الطبل.

حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا أبو نعيم ضرار بن صرد، وحدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ، حدثنا محمد بن الحسين الخثعمي، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قالا: حدثنا عاصم بن حميد الخياط، حدثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد، قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال:

يا كميل بن زياد، القلوب أوعية فخيرها أوعاها، واحفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم علي سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق. العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو علي العمل والمال تنقصه النفقة. ومحبة العالم دين يدان بها. العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله. مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه، إن ههنا، وأشار بيده إلى صدره، علما لو أصبت له حملة، بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه. يستعمل آلة الدين للدنيا، يستظهر بحجج الله علي كتابه، وبنعمه علي عباده، أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه، يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لاذا ولا ذاك، أو منهوم باللذات، سلس القياد للشهوات، أو مغزي بجمع الأموال والإدخار، وليسا من دعاة الدين، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم. بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم علي حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأنسوا. مما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إلى دينه. هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك. إذا شئت فقم.

قال الشيخ رحمه الله: ذكر بعض ما نقل عنه من التقلل والتزهد، واشتهر به من الترهب والتعبد.

قيل: إن التصوف السلو عن الأعراض، بالسمو إلى الأغراض.

حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا وهب بن إسماعيل، حدثنا محمد بن قيس، عن علي بن ربيعة الوالي، عن علي بن أبي طالب، قال: جاءه بن النباج، فقال: يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء فقال: الله أكبر! فقام متوكئا علي بن النباج حتى قام علي بيت مال المسلمين، فقال:

يا بن النباج: علي بأشباع الكوفة، قال: فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين، وهو يقول: يا صفراء ويا بيضاء غري غيري. ها وها. حتى ما بقي منه دينار ولادرهم، ثم أمره بنضحه وصلي فيه ركعتين.

حدثنا أبو حامد بن جبلة حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا عمر حدثنا بن نمير حدثنا أبو حيان التيمي عن مجمع التيمي. قال: كان علي يكنس بيت المال ويصلي فيه، يتخذه مسجدا رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا مسدد، وحدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، قالا: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن أبي عمرو بن العلاء، عن أبيه: أن علي بن أبي طالب خطب الناس، فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما رزأت من فيئكم الا هذه، وأخرج قارورة من كم قميصة، فقال: أهداها إلى مولاي دهقان.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي، حدثني سفيان بن وكيع، حدثنا أبو غسان، عن أبي داود المكفوف، عن عبد الله بن شريك، عن جده، عن علي بن أبي طالب: أنه أتي بفالوذج فوضع قدامه بين يديه، فقال: إنك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم، لكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده.

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم، حدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن قيس الملائي، عن علي بن ثابت: أن عليا أتي بفالوذج فلم يأكل.

حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمران، وهو القطان، عن زياد بن مليح: أن عليا أتي بشيء من خبيص فوضعه بين أيديهم فجعلوا يأكلون، فقال علي: إن الإسلام ليس ببكر ضال ولكن قريش رأت هذا فتناجزت عليه.

حدثنا الحسن بن علي الوراق، حدثنا محمد بن أحمد بن عيسى، حدثنا عمرو بن تميم، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبد الملك بن عمير، يقول: حدثني رجل من ثقيف أن عليا استعمله علي عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون وقال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلي، فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحبسني عنه دونه، فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بطينة، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلى جوهرا، ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فاخرج منها فصب في القدح فصب عليه ماء فضرب وسقاني فلم أصبر، فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك، قال: أما والله ما أختم عليه بخلا عليه ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره، وإنما حفظي لذلك،، وأكره أن أدخله بطني إلا طيبا.

حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو معمر، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن الأعمش، قال: كان علي يغدي ويعشي ويأكل هو من شيء يجيئه من المدينة.

حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا أحمد بن أبي الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن يوسف الرقي، حدثنا عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال وأنت تصنع بنفسك ما تصنع، فقال: والله ما أرزأكم من مالكم شيئا وإنها لقيطفتي التي خرجت بها من منزلي، أو قال من المدينة.

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن حكيم، وحدثنا محمد بن علي، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، قالا: حدثنا شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب، قال: قدم على علي وفد من أهل البصرة فيهم رجل من أهل الخوارج يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا في لبوسه، فقال علي: مالك ولبوسي إن لبوسي أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدى بي المسلم.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو عبد الله السلمي، حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن قيس، قال: قيل لعلي يا أمير المؤمنين: لم ترقع قميصك. قال: يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن.

حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن مطيع، حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي سعيد الأزدي، وكان إماما بن أئمة الأزد، قال: رأيت عليا أتى السوق وقال: من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم؟ فقال رجل: عندي، فجاء به فأعجبه، قال: لعله خير من ذلك، قال: لا ذاك ثمنه، قال: فرأيت عليا يقرض رباط الدراهم من ثوبه فأعطاه فلبسه، فإذا هو بفضل عن أطراف أصابعه، فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف أصابعه.

حدثنا محمد بن عمر سلم، حدثنا موسى بن عيسي، حدثنا أحمد بن محمد القمي، حدثنا بشر بن إبراهيم، حدثنا مالك بن مغول، وشريك، عن علي بن الأرقم، عن أبيه، قال: رأيت عليا وهو يبيع سيفا له في السوق، ويقول: من يشتري مني هذا السيف فوالذي فلق الحبة لطالما كشف به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته.

حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن حمويه الأهوازي، حدثنا الحسن بن سنان الحنظلي، حدثنا سليمان بن الحكم، عن شريك بن عبد الله، عن علي بن الأرقم، عن أبيه. قال: رأيت عليا فذكر نحوه.

حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني زكريا ين يحيى الكسائي، حدثنا بن فضيل عن الأعمش، عن مجمع التيمي، عن يزيد بن محجن، قال: كنت مع علي وهو بالرحبة فدعي بسيف فسله، فقال: من يشتري سيفي هذا. فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته.

حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا عبد الله بن نمير، وأبو أسامة، قالا: حدثنا أبو حيان التيمي، عن مجمع التيمي، عن أبي رجاء، قال: رأيت علي بن أبي طالب خرج بسيف، فقال: من يشتري هذا. لو كان عندي ثمن إزار لم أبعه، فقلت: يا أمير المؤمنين أنا أبيعك وأنسئك إلى العطاء، زاد أبو أسامة، فلما خرج عطاؤه أعطاني.

حدثنا محمد بن الحسن اليقطيني، حدثنا الحسين بن عبد الله الرقي، حدثنا محمد بن عوف، حدثنا محمد بن خالد البصري، حدثنا الحسن بن زكرياء الثقفي، عن عنبسة النحوي، قال: شهدت الحسن بن أبي الحسن وأتاه رجل من بني ناجية، قال: يا أبا سعيد بلغنا أنك تقول: لو كان علي يأكل من خشف المدينة لكان خيرا له مما صنع. فقال الحسن: يا بن أخي كلمة باطل حقنت بها دما والله لقد فقدوه سهما من مرامز طيب والله ليس بسروقة لمال الله، ولا بنؤمة عن أمر الله، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، أحل حلاله وحرم حرامه، حتى أورده ذلك على حياض غدقة، ورياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب يالكع.

حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا العباس، عن بكار الضبي، حدثنا عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، قال: دخل ضرار بن ضمرة الكناني علي معاوية فقال له: صف لي عليا. فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين، قال: لا أعفيك، قال: أما إذ لا بد فإنه كان والله بعيد المدي، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، وكان والله غزير العبرة طويل الفكرة، يقلب كف ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله، وغارت نجومة بميل في محرابه قابضا علي لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا: إلى تغررت، إلى تشوفت، هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية علي لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء. فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله كيف وجدك عليه يا ضرار. قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترفأ دمعتها ولا يسكن حزنها. ثم قام فخرج.

حدثنا أحمد بن محمد بن موسى، حدثنا عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، حدثنا أبي، حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد عن أبيه علي، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، عن علي، قال: أشد الأعمال ثلاثة، إعطاء الحق من نفسك، وذكر الله علي كل حال، ومواساة الأخ في المال.

حدثنا أحمد بن محمد بن موسى، حدثنا علي بن أبي قربة، حدثنا نصر بن مزاحم، حدثنا أبي، حدثنا عمرو، يعني بن شمر، عن محمد بن سوقة، عن عبد الواحد الدمشقي، قال: نادى حوشب الخيري عليا يوم صفين، فقال: انصرف عنا يا بن إبي طالب فإنا ننشدك الله في دمائنا ودمك، نخلي بينك وبين عراقك، وتخلي بيننا وبين شامنا، وتحقن دماء المسلمين. فقال علي: هيهات يا بن أم ظليم! والله لو علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت ولكان أهون علي في المؤونة ولكن الله لم يرض من أهل القرآن بالإدهان والسكوت، والله يعصى.

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، حدثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن محمد بن كعب، قال: سمعت عليا يقول: لقد رأيتني أربط الحجر علي بطني من شدة الجوع علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن صدقتي اليوم لأربعون ألف دينار.

حدثنا أحمد بن علي بن محمد المرهبي، حدثنا سلمة بن إبراهيم، حدثنا إسماعيل الحضرمي الكهيلي، حدثنا أبي علي، عن أبيه، عن جده، عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد، قال: شيعة علي الحلماء العلماء الذبل الشفاه الأخيار الذين يعرفون بالرهبانية من أثر العبادة.

حدثنا محمد بن عمرو بن سلم، حدثنا علي بن العباس البجلي، حدثنا بكار بن أحمد، عن حسن بن الحسين، عن محمد بن عيسي بن زيد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين، قال: شيعنا الذبل الشفاه، والامام منا من دعا إلى طاعة الله.

حدثنا فهد بن إبراهيم بن فهد، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا بشر بن مهران، حدثنا شريك، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت، فليتول علي بن أبي طالب من بعدي " رواه شريك أيضا عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم. ورواه السدي عن زيد بن أرقم. ورواه بن عباس وهو غريب.

حدثنا محمد بن المظفر، حدثنا محمد بن جعفر بن عبد الرحيم، حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم، حدثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلي، أخو محمد بن عمران، حدثنا يعقوب بن موسى الهاشمي، عن بن أبي رواد، عن إسماعيل بن أمية، عن عكرمة، عن بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما. وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، للقاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي".

قال أبو نعيم: فالمحققون. بموالاة العترة الطيبة هم الذبل الشفاه، المفترشو الجباه، الأذلاء في نفوسهم الفناة، المفارقون لموثري الدنيا من الطغاة، هم الذين خلعوا الراحات، وزهدوا في لذيذ الشهوات، وأنواع الأطعمة، وألوان الأشربة، فدرجوا علي مناهج المرسلين، والأولياء من الصديقين، ورفضوا الزائل الفاني، ورغبوا في الزائد الباقي، في جوار المنعم المفضال، ومولى الأيادي والنوال.

  • دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 61

  • السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 61

علي بن أبي طالب رضي الله عنه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي القرشي الهاشمي،

يكنى أبا الحسن. واسم أبيه- أبا طالب- عبد مناف وقيل: اسمه كنيته. والأول أصح، وكان يقال لعبد المطلب شيبة الحمد، واسم هاشم عمرو، واسم عبد مناف المغيرة، واسم قصي زيد وأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، توفيت مسلمة قبل الهجرة، وقيل: إنها هاجرت، وسيأتي ذكرها في بابها من كتاب النساء إن شاء الله تعالى.

كان علي أصغر ولد أبي طالب، وكان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين، وروى- عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم- أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره.

وقال ابن إسحاق: أول من آمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الرجال علي بن أبي طالب. وهو قول ابن شهاب، إلا انه قال: من الرجال بعد خديجة، وهو قول الجميع في خديجة.

حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير. قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الدقاق، قال حدثنا مفضل بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره.

وقد مضى في باب أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر من قال: إن أبا بكر أول من أسلم.

وروي عن سلمان الفارسي أنه قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها عليه الصلاة والسلام الحوض، أولها إسلاما: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقد روى هذا الحديث مرفوعا، عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول هذه الأمة ورودا على الحوض أولها إسلاما: علي بن أبي طالب. ورفعه أولى، لأن مثله لا يدرك بالرأي.

حدثنا أحمد بن قاسم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا يحيى بن هشام، حدثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما: علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وروى أبو داود الطيالسي، قال أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو ابن ميمون. عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: أنت ولي كل مؤمن بعدي. وبه عن ابن عباس قال: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال. حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، قال: حدثنا الحسن بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، قال: كان علي بن أبي طالب أول من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنهما.

قال أبو عمر رحمه الله: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته، وهو يعارض ما ذكرناه عن ابن عباس في باب أبي بكر رضي الله عنه.

والصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر إسلامه، كذلك قال مجاهد وغيره، قالوا: ومنعه قومه. وقال ابن شهاب، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقتادة وأبو إسحاق: أول من اسلم من الرجال علي. واتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به ثم علي بعدها.

وروي في ذلك عن أبي رافع مثل ذلك، حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد السلام بن صالح، قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد الدراوردي، قال حدثنا عمرو مولى عفرة، قال: سئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم: على أو أبو بكر رضي الله عنهما؟ قال: سبحان الله! علي أولهما إسلاما، وإنما شبه على الناس لأن عليا أخفى إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، ولا شك أن عليا عندنا أولهما إسلاما.

وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة له، قال: حدثنا عبد الله ابن صالح، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن- أنه بلغه أن علي بن أبي طالب والزبير رضي الله عنهما أسلما، وهما ابنا ثماني سنين.

هكذا يقول أبو الأسود يتيم عروة. وذكره أيضا ابن أبي خيثمة، عن قتيبة ابن سعيد، عن الليث بن سعد، عن أبي الأسود. وذكره عمر بن شبة، عن

الخزاعي، عن ابن وهب، عن الليث، عن أبي الأسود، قال الليث: وهاجرا وهما ابنا ثمان عشرة سنة، ولا أعلم أحدا قال بقول أبي الأسود هذا.

قال الحسن الحلواني: وحدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، قال: أسلم علي رضي الله عنه وهو ابن خمس عشرة سنة.

وأخبرنا خلف بن قاسم بن سهل، قال: حدثنا أبو الحسن على بن محمد ابن إسماعيل الطوسي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، قال: أسلم علي- وهو أول من أسلم- وهو ابن خمس أو ست عشرة سنة. قال ابن وضاح: ما رأيت أحدا قط أعلم بالحديث من محمد ابن مسعود، ولا أعلم بالرأي من سحنون.

وقال ابن إسحاق: أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين.

قال أبو عمر: قيل: أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن اثنتي عشرة سنة. وقيل: ابن خمس عشرة. وقيل: ابن ست عشرة، وقيل ابن عشر. وقيل ابن ثمان.

ذكر عمر بن شبة، عن المدائني، عن ابن جعدبة، عن نافع، عن ابن عمر.

قال: أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

قال: وأخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا محمد بن طلحة، قال: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى بن طلحة، قال: كان علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم عدادا واحدا.

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا هجين أبو عمرو، قال: حدثنا حبان، عن معروف، عن أبي جعفر، قال: كان علي وطلحة والزبير في سن واحدة قال: وأخبرنا الحزامي، قال ابن وهب: أخبرني الليث بن سعد، عن أبي الأسود، قال: أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان عشرة سنة.

وذكر عبد الرزاق، عن معمر في جامعه، عن قتادة، عن الحسن وغيره قالوا: أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة. وحدثنا معمر، عن عثمان الخوزي، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أول من أسلم علي رضي الله عنه.

وذكر أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا سريج بن النعمان، قال: حدثنا الفرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.

قال أبو عمر رحمه الله: هذا أصح ما قيل في ذلك.

وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين. وروي عن ابن فضيل، عن الأجلح، عن سلمة بن كهيل، عن حبة بن الجوين العرني، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين. وروى شعبة عن سلمة بن كهيل، عن حبة العرني قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال سالم بن أنى الجعد: قلت لابن الحنفية: أبو بكر كان أولهم إسلاما؟ قال: لا.

وروى مسلم الملائي، عن أنس بن مالك، قال: استنبئ النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين وصلى على يوم الثلاثاء.

وقال زيد بن أرقم: أول من آمن بالله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. وروى حديث زيد بن أرقم من وجوه ذكرها النسائي، وأسد بن موسى، وغيرهما، منها ما حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد ابن زهير، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شعبة، قال: أخبرني عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا حمزة الأنصاري قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أول من صلى مع رسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدثنا أبي، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق

قال: حدثنا يحيى بن الأشعث، عن إسماعيل بن إياس، عن عفيف الكندي، عن أبيه، عن جده، قال لي: كنت امرأ تاجرا، فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرأ تاجرا، فو الله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خبء قريب منه، فنظر إلى الشمس، فلما رآها قد مالت قام يصلي. قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخبء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخبء، فقام معهما يصلي، فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. قلت: من هذا المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد. قلت: من هذا الفتى؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه. قلت: ما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي، وهو يزعم أنه نبي ولم يتبعه فيما ادعى إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام، وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. وكان عفيف يقول: إنه قد أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي. وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في باب عفيف الكندي من هذا الكتاب، والحمد لله.

وقال علي رضي الله عنه صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا لا يصلي معه غيري إلا خديجة، واجمعوا على أنه صلى القبلتين، وهاجر، وشهد بدرا والحديبية، وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق

وبخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام السكريم. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة، وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك. ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد، وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه.

وقال محمد بن إسحاق: شهد علي بن أبي طالب بدرا، وهو ابن خمس وعشرين سنة وروى ابن الحجاج بن أرطأة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة. ذكره السراج في تاريخه. ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مد قدم المدينة، إلا تبوك، فإنه خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك، وقال له. أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. وروى قوله صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحها، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص. وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، ورواه ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وجابر بن عبد الله، وجماعة يطول ذكرهم. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن المفسر، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عثمان بن معاوية الفزاري، عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي، قالت: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي. حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال حدثنا أبي، قال حدثنا نمير، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت أخي وصاحبي. وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن معروف ابن خربوذ، عن زياد بن المنذر، عن سعيد بن محمد الأزدي، عن أبي الطفيل، قال: لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي، وعثمان. وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، فقال لهم علي: أنشدكم الله، هل فيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينه- إذ آخى بين المسلمين- غيري! قالوا: اللهم لا. قال: وروينا من وجوه عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: أنا عبد الله، وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلا كذاب. قال أبو عمر: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بمكة، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة، وقال في كل واحدة منهما

لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة، وآخى بينه وبين نفسه، فلذلك كان هذا القول وما أشبه من علي رضي الله عنه، وكان معه على حراء حين تحرك، فقال له: أثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. وكان عليه يومئذ العشرة المشهود لهم بالجنة، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة اثنتين من الهجرة ابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ما خلا مريم بنت عمران. وقال لها: زوجك سيد في الدنيا والآخرة، وإنه أول أصحابي إسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما. قالت أسماء بنت عميس: فرمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اجتمعا جعل يدعو لهما، ولا يشرك في دعائهما أحدا غيرهما، وجعل يدعو له كما دعا لها. وروى بريدة، وأبو هريرة، وجابر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، كل واحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال- يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وبعضهم لا يزيد على «من كنت مولاه فعلي مولاه». وروى سعد بن أبي وقاص، وسهل بن سعد، وأبو هريرة، وبريدة الأسلمي، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وعمران بن الحصين، وسلمة ابن الأكوع، كلهم بمعنى واحد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار،

يفتح الله على يديه، ثم دعا بعلي وهو أرمد، فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح الله عليه. وهذه كلها آثار ثابتة. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم، فقال: يا رسول الله، إني لا أدري ما القضاء، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده صدره، وقال: اللهم اهد قلبه، وسدد لسانه، قال علي رضي الله عنه: فو الله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين. ولما نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، وعليا، وحسنا، وحسينا رضي الله عنهم في بيت أم سلمة وقال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وروى طائفة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. وكان علي رضي الله عنه يقول: والله إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق. وقال له رسول الله صلى الله وسلم: يا علي، ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك، مع أنك مغفور لك؟ قال: قلت: بلى. قال: لا إله إلا الله الحليم العليم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش

الكريم. وقال صلى الله عليه وسلم: يهلك فيك رجلان: محب مفرط، وكذاب مفتر. وقال له: تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى. وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب عليا فقد أحبني. ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله. حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن النعمان، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا معن بن عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي، قال: قيل لأبي بكر وعلي يوم بدر: مع أحدكما جبرئيل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل، ملك يشهد القتال ويقف في الصف، وقد روى أن جبرئيل، وميكائيل عليهما السلام مع علي رضي الله عنه. والأول أصح إن شاء الله تعالى.

روى قاسم وابن الأعرابي جميعا، قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن البرتي القاضي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا أبو معشر، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة بن رافع الأنصاري، عن أبيه، عن جده، قال: أقبلنا من بدر ففقدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادت الرفاق بعضها بعضا: أفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فوقفوا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالوا: يا رسول الله، فقدناك! فقال: إن أبا الحسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت عليه.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه. وقال صلى الله عليه وسلم في أصحابه: أقضاهم علي بن أبي طالب. وقال عمر بن الخطاب: علي أقضانا، وأبي أقرؤنا، وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي.

حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد، حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي، حدثنا عمر بن ابن حفص بن غياث، حدثني أبي عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: قلت للشعبي: إن المغيرة حلف بالله ما أخطأ علي في قضاء قضى به قط. فقال الشعبي: لقد أفرط.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أبو بكر أحمد ابن زهير، قال حدثنا أبو خيثمة، حدثنا أبو سلمة التبوذكي، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا أبو فروة، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال قال عمر رضي الله عنه: علي أقضانا.

وقال أحمد بن زهير، حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال قال عمر: علي أقضانا. قال أحمد ابن زهير: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. وقال في المجنونة التي أمر برجمها وفي التي وضعت لستة أشهر، فأراد عمر رجمها- فقال له علي: إن الله تعالى يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ... الحديث. وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون ... الحديث، فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر. وقد روى مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس، وعن على أخذها ابن عباس، والله أعلم وروى عبد الرحمن بن أذينة الغنوي، عن أبيه أذينة بن مسلمة، قال: أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته: من أين أعتمر؟ فقال: إيت عليا فسله، فذكر الحديث ... وفيه قال عمر: ما أجد لك إلا ما قال علي.

وسأل شريح بن هانئ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن المسح على الخفين، فقالت: إيت عليا فسله.

وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا مسلم بن إبراهيم. حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.

قال أحمد بن زهير: وأخبرنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير على بن طالب رضي الله تعالى عنه.

قال: وأخبرنا يحيى بن معين، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبد الملك ابن أبي سليمان، قال قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد أعلم من علي، قال: لا والله ما أعلمه.

قال أحمد بن زهير: وحدثنا محمد بن سعيد الأصفهاني، قال: حدثنا معاوية ابن هشام، عن سفيان، عن قليب، عن جبير، قال: قالت عائشة: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي. قالت: أما إنه لأعلم الناس بالسنة.

قال: وحدثنا فضيل، عن عبد الوهاب، قال: حدثنا شريك، عن ميسرة، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.

حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، قال: حدثنا محمد بن السري إملاء بمصر سنة أربع وعشرين ومائتين، قال: حدثنا عمرو بن هاشم الجنبي، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك بن مزاحم. عن عبد الله بن عباس، قال: والله لقد أعطى علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وايم الله لقد شارككم في العشر العاشر.

وقال الحسن الحلواني: حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن حبيب ابن الشهيد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، عن عمر أنه قال: أقضانا علي، وأقرؤنا أبي. وحدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: قال ابن مسعود: إن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.

قال: وحدثنا يحيى بن آدم، وأبو زبيد، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: قال: عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب.

وقال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة، قال: ليس أحد منهم أقوى قولا في الفرائض من علي. قال: وكان المغيرة صاحب الفرائض.

وفيما أخبرنا شيخنا أبو الأصبع عيسى بن سعد بن سعيد المقرئ أحد معلمى القرآن رحمه الله، قال: أنبأنا الحسن بن أحمد بن محمد بن قاسم المقرئ، قراءة عليه في منزله ببغداد، حدثنا أبو بكر أحمد بن يحيى بن موسى بن العباس بن مجاهد المقري في مسجده، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال: جاس رجلان يتغديان، مع أحدهما خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فلما وضعا الغداء بين أيديهما مر بهما رجل فسلم، فقالا: اجلس للغداء، فجلس، وأكل معهما، واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم، وقال: خذا هذا عوضا مما أكلت لكما ونلته من طعامكما، فتنازعا، وقال صاحب الخمسة الأرغفة: لي خمسة دراهم، ولك ثلاث. فقال صاحب الثلاثة الأرغفة: لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين. وارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقصا عليه قصتهما، فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة: قد عرض عليك صاحبك ما عرض، وخبزه أكثر من خبزك، فارض بثلاثة. فقال: لا والله، لا رضيت منه إلا بمر الحق، فقال علي رضي الله عنه: ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد وله سبعة. فقال الرجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين! وهو يعرض علي ثلاثة فلم أرض، وأشرت علي بأخذها فلم أرض، وتقول لي الآن: إنه لا يجب في مر الحق إلا درهم واحد. فقال له علي: عرض عليك صاحبك الثلاثة صلحا، فقلت: لم أرض إلا بمر الحق، ولا يجب لك بمر الحق إلا واحد. فقال له الرجل: فعرفني بالوجه في مر الحق حتى أقبله، فقال علي رضي الله عنه: أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرون ثلثا أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس، ولا يعلم الأكثر منكم أكلا، ولا الأقل، فتجعلون في أكلكم على السواء! قال: بلى. قال: فأكلت أنت ثمانية أثلاث، وإنما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث، وله خمسة عشر ثلثا، أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة، وأكل لك واحدا من تسعة، فلك واحد بواحدك، وله سبعة بسبعته. فقال له الرجل: رضيت الآن. روى عبد الرحمن بن أذينة العبدي، عن أبيه أذينة بن سلمة العبدي، قال:

أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسألته: من أين أعتمر؟ فقال: إيت عليا فاسأله... وذكر الحديث. وفيه وقال عمر: ما أجد لك إلا ما قال علي.

وسأل شريح ابن هانئ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن المسح على الخفين، فقالت: إيت عليا فاسأله ... وذكر الحديث.

وروى معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، قال: شهدت عليا يخطب، وهو يقول: سلوني، فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل. وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: قلت لعبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة: يا عم، لو كان صغو الناس إلى علي! فقال: يا بن أخي، إن عليا عليه السلام كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة، والقدم في الإسلام، والصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والفقه في المسألة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون.

حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا يحيى بن مالك بن عابد، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي بمصر، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا العكلي، عن الحرمازي، عن رجل من همدان، قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي عليا.

قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتصفنه. قال: أما إذ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه. ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه. ونحن والله- مع تقريبه إيانا وقربه منا- لا نكاد نكلمه هيبا له. يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله. وأشهد أنه لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، ألي تعرضت أم إلى تشوفت! هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل. آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. فبكى.

معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها. وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب. فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام. فقال له: دعني عنك.

وروى أبو سعيد الخدري وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تمرق مارقة في حين اختلاف من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق وقال

طاوس: قيل لابن عباس: أخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا عن أبي بكر. قال: كان والله خيرا كله مع حدة كانت فيه. قلنا: فعمر؟

قال: كان والله كيسا حذرا، كالطير الحذر الذي قد نصب له الشرك، فهو يراه، ويخشى أن يقع فيه، مع العنف وشدة السير. قلنا: فعثمان؟ قال: كان والله صواما قواما من رجل غلبته رقدته. قلنا: فعلي؟ قال: كان والله قد مليء علما وحلما من رجل غرته سابقته وقرابته، فقلما أشرف على شيء من الدنيا إلا فاته. فقيل: إنهم يقولون: كان محدودا. فقال: أتم تقولون ذلك.

وروى الحكم بن عتيبة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: ما رأيت أحدا أقرأ من علي، صلينا خلفه، فقرأ برزخا، فأسقط حرفا، ثم رجع فقرأه، ثم عاد إلى مكانه.

فسر أهل اللغة البرزخ هذا بأنه كان بين الموضع الذي كان يقرأ فيه وبين الموضع الذي كان أسقط منه الحرف، ورجع إليه- قرآن كثير. قالوا والبرزخ: ما بين الشيئين، وجمعه برازخ. والبرزخ: ما بين الدنيا والآخرة.

وسئل ابن مسعود عن الوسوسة فقال: هي برزخ بين الشك واليقين. وقد ذكرنا في باب أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه إنما كان تأخر علي عنه تلك الأيام، لجمعه القرآن.

وروى معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد ثقيف حين جاءه: لتسلمن أو لأبعثن رجلا مني- أو قال: مثل نفسي- فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم. قال عمر: فو الله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا. قال: فالتفت إلى علي رضي الله عنه فأخذ بيده ثم قال: هو هذا، هو هذا. وروى عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وسئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: كان علي والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا لكع.

وسئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن صفة علي رضي الله عنه

فقال: كان رجلا آدم شديد الأدمة، مقبل العينين عظيمهما، دا بطن، أصلع، ربعة إلى القصر، لا يخضب.

وقال أبو إسحاق السبيعي: رأيت عليا أبيض الرأس واللحية. وقد روي أنه ربما خضب وصفر لحيته. وكان علي رضي الله عنه يسير في الفيء مسيرة أبي بكر الصديق في القسم، إذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئا إلا قسمه، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك. ويقول: يا دنيا غري غيري. ولم يكن يستأثر من الفيء بشيء، ولا يخص به حميما، ولا قريبا، ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات، وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه: {قد جاءتكم موعظة من ربكم}، {فأوفوا الكيل والميزان} بالقسط، {ولا تبخسوا الناس أشياءهم}، {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} {بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين} {وما أنا عليكم بحفيظ} إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك، ثم يرفع طرفه إلى السماء، فيقول: اللهم إنك تعلم إني لم أمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك. وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذ كان يخرجهم إلى أعماله كثيرة مشهورة، لم أر التعرض لذكرها، لئلا يطول الكتاب، وهي حسان كلها.

وقد ثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال: لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه، كان يعدها لخادم يشتريها لأهله.

وأما تقشفه في لباسه ومطعمه فأشهر من هذا كله، وبالله التوفيق والعصمة. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد بن محمد ابن الحجاج، حدثنا يحيى بن سليمان. قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، قال: حدثنا أجلح بن عبد الله الكندي، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ دارس إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر، وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد.

قال: وأخبرنا يحيى بن سليمان، قال: حدثنا خالد بن عبد الله الخراساني أبو الهيثم، قال: حدثنا أبحر بن جرموز. عن أبيه، قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخرج من الكوفة وعليه قطريتان متزرا بالواحدة مترديا بالأخرى، وإزاره إلى نصف الساق، وهو يطوف في الأسواق، ومعه درة، يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان.

وبه عن يحيى بن سليمان، قال: حدثني يعلى بن عبيد، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، قال: حدثنا أبو حيان التيمي، عن مجمع التيمي،

أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكلس ثم صلى فيه، رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

قال: وأخبرني يحيى بن سليمان، وحامد بن يحيى، قالا: حدثنا سفيان قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه قال: قدم على علي مال من أصبهان، فقسمه سبعة أسباع، ووجد فيه رغيفا، فقسمه سبع كسر، فجعل على كل جزء كسرة، ثم أقرع بينهم أيهم يعطي أولا. وأخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط بها كتاب.

حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد ابن عبد السلام الخشني، قال: حدثنا أبو الفضل العباس ابن فرج الرياشي، قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ومعاذ بن العلاء أخى عمرو بن العلاء عن أبيه، عن جده، قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إلي الدهقان، ثم نزل إلى بيت المال، ففرق كل ما فيه، ثم جعل يقول:

حدثنا خلف بن قاسم، قال حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا يحيى بن سليمان. حدثنا وكيع، حدثنا أبو سنان، عن عنترة الشيباني، قال: كان علي يأخذ في الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل

يده حتى يأخذ من أهل الإبر الإبر والمسال والخيوط والحبال، ثم يقسمه بين الناس، وكان لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه حتى يقسمه، إلا أن يغلبه فيه شغل، فيصبح إليه وكان يقول: يا دنيا لا تغريني، غري غيري، وينشد:

وذكر عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي حيان التيمي، عن أبيه، قال: رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته، فقام إليه رجل فقال: نسلفك ثمن إزار. قال عبد الرزاق: وكانت بيده الدنيا كلها إلا ما كان من الشام. وذكر عبد الرزاق عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ولوا عليا فهاديا مهديا. قيل لعبد الرزاق: سمعت هذا من الثوري؟ فقال: حدثنا النعمان عن ابن أبي شيبة، ويحيى بن العلاء، عن الثوري، حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، قال: حدثنا سفيان ابن بشر، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن يزيد بن زياد، عن إسحاق ابن كعب بن عجرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مخشوشن في ذات الله.

وروى وكيع، عن علي بن صالح، عن عطاء، قال: رأيت على علي قميص كرابيس غير غسيل.

حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأجلح، عن ابن أبي الهذيل، قال: رأيت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه قميصا رازيا إذا أرخى كمه بلغ أطراف أصابعه، وإذا أطلقه صار إلى الرسغ وفضائله لا يحيط بها كتاب، وقد أكثر الناس من جمعها، فرأيت الاختصار منها على النكت التي تحسن المذاكرة بها، وتدل على ما سواها من أخلاقه وأحواله وسيرته رضي الله عنه حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا أحمد بن محمد ابن الحجاج، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا الثوري، عن أبي قيس الأودي، قال: أدركت الناس وهم ثلاث طبقات: أهل دين يحبون عليا، وأهل دنيا يحبون معاوية، وخوارج.

وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. وكذلك قال أحمد بن شعيب بن علي النسائي رحمه الله. وأخبرنا أحمد بن زكريا، ويحيى بن عبد الرحيم، وعبد الرحمن بن يحيى، قالوا: أخبرنا أحمد بن سعيد بن حزم، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا مروان بن عبد الملك، قال: سمعت هارون ابن إسحاق يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة، ومن قال أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة، فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ويسكتون، فتكلم فيهم بكلام غليظ.

روى الأصم، عن عباس الدوري، عن يحيى بن معين أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر وعمر، ثم عثمان، ثم علي، هذا مذهبنا وقول أئمتنا.

وكان يحيى بن معين يقول: أبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان.

قال أبو عمر: من قال بحديث ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ثم نسكت- يعني فلا نفاضل- وهو الذي أنكر ابن معين، وتكلم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن عليا أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه، وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان.

واختلف السلف أيضا في تفضيل علي وأبى بكر، وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط، وأنه لا يصح معناه، وإن كان إسناده صحيحا، ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر وحديث أبي سعيد: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يقولون بذلك، فقد ناقضوا، وبالله التوفيق.

ويروى من وجوه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر أنه قال: ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل مع على الفئة الباغية.

وقال الشعبي: ما مات مسروق حتى تاب إلى الله عن تخلفه عن القتال مع علي. ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها. وروى من حديث علي، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيوب الأنصاري أنه أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وروى عنه أنه قال: ما وجدت إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله، يعني- والله أعلم- قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} وما كان مثله. وذكر أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني في المؤتلف والمختلف، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا عفان بن سيار، حدثنا أبو حنيفة، عن عطاء، قال قال ابن عمر: ما آسى على شيء، إلا على ألا أكون قاتلت الفئة الباغية على صوم الهواجر.

قال أبو عمر: وقف جماعة من أئمة أهل السنة والسلف في علي وعثمان رضي الله عنهما فلم يفضلوا أحدا منهما على صاحبه، منهم مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، وأما اختلاف السلف في تفضيل علي فقد ذكر ابن أبي خيثمة في كتابه من ذلك ما فيه كفاية، وأهل السنة اليوم على ما ذكرت لك من

تقديم أبي بكر في الفضل على عمر، وتقديم عمر على عثمان، وتقديم عثمان على علي رضي الله عنهم، وعلى هذا عامة أهل الحديث من زمن أحمد بن حنبل إلا خواص من جلة الفقهاء وأئمة العلماء، فإنهم على ما ذكرنا عن مالك ويحيى القطان، وابن معين، فهذا ما بين أهل الفقه والحديث في هذه المسألة، وهم أهل السنة. وأما اختلاف سائر المسلمين في ذلك فيطول ذكره، وقد جمعه قوم، وقد كان بنو أمية ينالون منه، وينقصونه، فما زاده الله بذلك إلا سموا وعلوا ومحبة عند العلماء.

وذكر الطبري، قال حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه، قال: قيل لسهل بن سعد: إن أمير المدينة يريد أن يبعث إليك لتسب عليا عند المنبر. قال: كيف أقول؟ قال: تقول أبا تراب.

فقال: والله ما سماه بذلك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: وكيف ذلك يا أبا العباس؟ قال: دخل علي على فاطمة، ثم خرج من عندها فاضطجع في صحن المسجد، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة رضي الله عنها، فقال: أين ابن عمك؟ قالت: هو ذاك مضطجع في المسجد، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول: اجلس أبا تراب، فو الله ما سماه به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما كان اسم أحب إليه منه. وروى ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أنه سمع ابنا له يتنقص عليا، فقال: إياك والعودة إلى ذلك، فإن بنى مروان شتموه ستين سنة، فلم بزده الله بذلك إلا رفعة، وإن الدين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا.

وأن الدنيا لم تبن شيئا إلى عاودت على ما بنت فهدمته.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه من كتابي، وهو ينظر في كتابه، قال: حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ، حدثنا أبو عبيد بن عبد الواحد البزار، حدثنا محمد بن أحمد بن أيوب، قال قاسم: وحدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ، حدثنا سليمان بن داود، قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: بينا أنا أمشي مع عمر يوما إذ تنفس نفسا ظننت أنه قد قضبت أضلاعه، فقلت: سبحان الله! والله ما أخرج منك هذا يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم.

فقال: ويحك يا بن عباس! ما أدري ما أصنع بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

قلت: ولم وأنت بحمد الله قادر أن تضع ذلك مكان الثقة؟ قال: إني أرك تقول: إن صاحبك أولى الناس بها- يعني عليا رضي الله عنه. قلت: أجل، والله إني لأقول ذلك في سابقته وعلمه وقرابته وصهره. قال: إنه كما ذكرت، ولكنه كثير الدعابة. فقلت: فعثمان؟ قال: فو الله لو فعلت لجعل بني أبي معيط على رقاب الناس، يعملون فيهم بمعصية الله، والله لو فعلت لفعل، ولو فعل لفعلوه، فوثب الناس عليه فقتلوه. فقلت: طلحة بن عبيد الله؟ قال: الأكيسع! هو أزهى من ذلك، ما كان الله ليراني، أوليه أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو على ما هو عليه من الزهو. قلت: الزبير بن العوام؟ قال: إذا يلاطم الناس في الصاع والمد. قلت: سعد بن أبي وقاص؟ قال: ليس بصاحب ذلك، ذاك صاحب مقنب يقاتل به. قلت: عبد الرحمن بن عوف؟ قال: نعم الرجل ذكرت، ولكنه ضعيف عن ذلك، والله، يا بن عباس، ما يصلح لهذا الأمر

إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل. قال ابن عباس: كان عمر والله كذلك.

وفي حديث آخر، عن ابن عباس- أن عمر ذكر له أمر الخلافة واهتمامه بها، فقال له ابن عباس: أين أنت عن علي؟ قال: فيه دعابة. قال: فأين أنت والزبير؟ قال: كثير الغضب يسير الرضا. فقال: طلحة؟ قال: فيه نخوة- يعني كبرا. قال: سعد؟ قال: صاحب مقنب خيل. قال: فعثمان؟ قال: كلف بأقاربه. قال: عبد الرحمن بن عوف؟ قال: ذلك رجل لين- أو قال ضعيف. وفي رواية أخرى، قال في عبد الرحمن: ذلك الرجل لو وليته جعل خاتمه في إصبع امرأته.

وروى سفيان، وشعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن زيد بن صوحان، قال قال عمر: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخزن أعراض الناس أن تعرفوني به؟ قالوا: نخاف سفهه وشره. قال: ذلك أدنى ألا تكونوا شهداء.

أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا أبو بكر أحمد بن الفضل بن العباس الدينوري، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، حدثنا أبو كريب محمد ابن العلاء ومحمد بن هياج، قالا: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأزدي، حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فكنت فيمن سار معه، فأقام عليهم ستة أشهر، لا يجيبونه إلى شيء، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالد ومن اتبعه إلا من أراد البقاء مع علي رضي الله عنه فيتركه، قال البراء: فكنت فيمن قعد مع علي، فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر، فجمعوا له، فصلى بنا علي الفجر، فلما فرغ صففنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ كتابه خر ساجدا، ثم جلس، فقال السلام على همدان، وتتابع أهل اليمن على الإسلام. بويع لعلي رضي الله عنه بالخلافة يوم قتل عثمان رضي الله عنه، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلف عن بيعته منهم نفر، فلم يهجهم، ولم يكرههم وسئل عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل. وفي رواية أخرى: أولئك قوم خذلوا الحق، ولم ينصروا الباطل. وتخلف أيضا عن بيعته معاوية، ومن معه في جماعة أهل الشام، فكان منهم في صفين بعد الجمل ما كان، تغمد الله جميعهم بالغفران، ثم خرجت عليه الخوارج وكفروه، وكل من كان معه، إذ رضي بالتحكيم بينه وبين أهل الشام، وقالوا له: حكمت الرجال في دين الله، والله تعالى يقول: {إن الحكم إلا لله}، ثم اجتمعوا، وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبل، فخرج إليهم بمن معه، ورام مراجعتهم، فأبوا إلا القتال.

فقاتلهم بالنهروان، فقتلهم، واستأصل جمهورهم، ولم ينج إلا اليسير منهم، فانتدب له من بقاياهم عبد الرحمن بن ملجم، قيل التجوبي، وقيل السكوني، وقيل الحميري. قال الزبير: تجوب رجل من حمير، كان أصاب دما في قومه، فلجأ إلى مراد فقال لهم: جئت إليكم أجوب البلاد، فقيل له: أنت تجوب.

فسمي به فهو اليوم في مراد، وهو رهط بعد الرحمن بن ملجم المرادي ثم التجوبي، وأصله من حمير، ولم يختلفوا أنه حليف لمراد وعداده فيهم، وكان فاتكا ملعونا، فقتله ليلة الجمعة لثلاث عشرة. وقيل لإحدى عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل: بل بقيت من رمضان سنة أربعين.

وقال شاعرهم:

وقال أبو الطفيل، وزيد بن وهب، والشعبي: قتل علي رضي الله عنه لثمان عشرة ليلة مضت من رمضان. وقيل: في أول ليلة من العشر الأواخر.

واختلف في موضع دفنه، فقيل: دفن في قصر الإمارة بالكوفة. وقيل:

بل دفن في رحبة الكوفة. وقيل: دفن بنجف الحيرة: موضع بطريق الحيرة وروى عن أبي جعفر أن قبر على رضي الله عنه جهل موضعه.

واختلف أيضا في مبلغ سنة يوم مات، فقيل: سبع وخمسون. وقيل: عثمان وخمسون وقيل: ثلاث وستون، قاله أبو نعيم وغيره. واختلفت الرواية في ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، فروي عنه أن عليا قتل وهو ابن ثلاث وستين.

وروى عنه ابن خمس وستين، وروي عنه ابن ثمان وخمسين. وروى ابن جريج، قال: أخبرني محمد بن عمر بن علي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قتل وهو ابن ثلاث أو أربع وستين سنة. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وستة أيام. وقيل: ثلاثة أيام. وقيل: أربعة عشر يوما. وقالت عائشة رضي الله عنها، لما بلغها قتل علي: لتصنع العرب ما شاءت، فليس لها أحد ينهاها.

وأحسن ما رأيت في صفة علي رضي الله عنه أنه كان ربعة من الرجال إلى القصر ما هو، أدعج العينين، حسن الوجه، كأنه القمر ليلة البدر حسنا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شئن الكفين عتدا أغيد، كأن عنقه إبريق فضة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، كبير اللحية، لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري، لا يتبين عضده من ساعده، قد أدمجت إدماجا، إذا مشى تكفأ، وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس، وهو إلى السمن ما هو، شديد الساعد واليد، وإذا مشى للحرب هرول، ثبت الجنان، قوي شجاع، منصور على من لاقاه.

وكان سبب قتل ابن ملجم له أنه خطب امرأة من بني عجل بن لجيم يقال لها قطام، كانت ترى رأي الخوارج، وكان علي رضي الله عنه قد قتل أباها وإخوتها بالنهروان، فلما تعاقد الخوارج على قتل علي وعمرو بن العاص ومعاوية ابن أبي سفيان، وخرج منهم ثلاثة نفر لذلك كان عبد الرحمن بن ملجم هو الذي اشترط قتل علي رضي الله عنه، فدخل الكوفة عازما على ذلك، واشترى لذلك سيفا بألف، وسقاه السم فيما زعموا حتى لفظه، وكان في خلال ذلك يأتى

عليا رضي الله عنه يسأله ويستحمله، فيحمله، إلى أن وقعت عينه على قطام، وكانت امرأة رائعة جميلة، فأعجبته ووقعت بنفسه فخطبها، فقالت: آليت ألا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه. فقال: وما هو؟ فقالت: ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب. فقال: والله لقد قصدت لقتل علي بن أبي طالب والفتك به، وما أقدمني هذا المصر غير ذلك، ولكني لما رأيتك آثرت تزويجك. فقالت: ليس إلا الذي قلت لك. فقال لها: وما يغنيك أو ما يغنيني منك قتل علي وأنا أعلم إني إن قتلته لم أفلت؟ فقالت: إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت، تبلغ شفاء نفسي ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. فقال لها: لك ما اشترطت. فقالت له: إني سألتمس من يشد ظهرك. فبعثت إلى ابن عم لها يقال له وردان بن مجالد، فأجابها، ولقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فقال: يا شبيب، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما هو؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، قال له: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئا إدا! كيف نقدر على ذلك؟ قال: إنه رجل لا حرس له، يخرج إلى المسجد منفردا ليس له من يحرسه فنكمن له في المسجد، فإذا خرج إلى الصلاة قتلناه، فإن نجونا نجونا، وإن قتلنا سعدنا بالذكر في الدنيا وبالجنة في الآخرة. فقال: ويلك! إن عليا ذو سابقة في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم، والله ما تنشرح نفسي لقتله. فقال: ويحك، إنه حكم الرجال في دين الله عز وجل، وقتل إخواننا الصالحين، فنقتله ببعض من قتل، فلا تشكن في دينك.

فأجابه، وأقبلا حتى دخلا على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم في قبة ضربتها لنفسها، فدعت لهم، وأخذوا سيوفهم، وجلسوا قبالة السدة التي يخرج منها علي رضي الله عنه، فخرج علي لصلاة الصبح فبدره شبيب فضربه فأخطأه، وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه، وقال: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، فقال علي رضي الله عنه، فزت ورب الكعبة، لا يفوتنكم الكلب. فشد الناس عليه من كل جانب، فأخذوه، وهرب شبيب خارجا من باب كندة.

وقد اختلف في صفة أخذ ابن ملجم، فلما أخذ قال علي رضي الله عنه: أجلسوه، فإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به، وإن لم أمت فالأمر إلي في العفو أو القصاص. واختلفوا أيضا هل ضربه في الصلاة أو قبل الدخول فيها؟ وهل استخلف من أتم بهم الصلاة أو هو أتمها؟ والأكثر أنه استخلف جعدة بن هبيرة، فصلى بهم تلك الصلاة، والله أعلم.

وروى ابن الهادي، عن عثمان بن صهيب، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: من أشقى الأولين؟ قال: الذي عقر الناقة- يعني ناقة صالح.

قال: صدقت، فمن أشقى الآخرين؟ قال: لا أدري. قال: الذي يضربك على هذا- يعني يافوخه. ويخضب هذه- يعني لحيته. روى الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة الحماني أنه سمع على

بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لتخضبن هذه- يعني لحيته، من دم هذا- يعني رأسه. وذكر النسائي، من حديث عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا- ووضع يده على رأسه حتى يخضب هذه- يعني لحيته. وذكره الطبري وغيره أيضا، وذكره ابن إسحاق في السير وهو معروف من رواية محمد بن كعب القرظي، عن يزيد بن جشم، عن عمار بن ياسر.

وذكره ابن أبي خيثمة من طرق، وكان قتادة يقول: قتل علي رضي الله عنه على غير مال احتجبه، ولا دنيا أصابها.

حدثنا خلف بن سعيد الشيخ الصالح رحمه الله، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: كان علي رضي الله عنه إذا رأى ابن ملجم قال:

وكان علي رضي الله عنه كثيرا ما يقول: ما يمنع أشقاها، أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا، يقول: والله ليخضبن هذه من دم هذا- ويشير إلى لحيته ورأسه- خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير.

وذكر عمر بن شبة، عن أبي عاصم النبيل وموسى بن إسماعيل، عن سكين ابن عبد العزيز العبدي أنه سمع أباه يقول: جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليا فحمله، ثم قال:

أما إن هذا قاتلي. قيل: فما يمنعك منه؟ قال: إنه لم يقتلني بعد.

وأتى علي رضي الله عنه فقيل له: إن ابن ملجم يسم سيفه. ويقول: إنه سيفتك بك فتكة يتحدث بها العرب. فبعث إليه، فقال له: لم تسم سيفك؟ قال: لعدوي وعدوك. فخلى عنه، وقال: ما قتلني بعد. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: أتيت الحسن بن علي في قصر أبيه، وكان يقرأ علي، وذلك في اليوم الذي قتل فيه علي، فقال لي: إنه سمع أباه في ذلك السحر يقول له: يا بنى، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة في نومة نمتها، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ قال: ادع الله عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني، ثم أتيته وجاء مؤذنه يؤذنه بالصلاة، فخرج فاعتوره الرجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فضربه في رأسه، وذلك في صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان صبيحة بدر.

أخبرنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا علي بن عمر، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن سعيد، حدثنا الحسن بن همدان بن ثابت، حدثنا على بن إبراهيم بن المعلى،

حدثنا زيد بن عمرو بن البختري، حدثنا غياث بن إبراهيم، حدثنا أبو روق، عن عبد الله بن مالك، قال: جمع الأطباء لعلي رضي الله عنه يوم جرح، وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمرو السكوني، وكان يقال له أثير بن عمريا، وكان صاحب كسرى يتطبب، وهو الذي ينسب إليه صحراء أثير، فأخذ أثير رئة شاة حارة، فتتبع عرقا منها، فاستخرجه فأدخله في جراحة علي، ثم نفخ العرق فاستخرجه، فإذا عليه بياض الدماغ، وإذا الضربة قد وصلت إلى أم رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك فإنك ميت. وفي ذلك يقول عمران ابن حطان الخارجي:

وقال بكر بن حماد التاهرتي معارضا له في ذلك:

أخبرنا خلف بن قاسم، إجازة، قال: حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف، قال: حدثنا حصين بن عمر، عن مخارق، عن طارق، قال: جاء ناس إلى ابن عباس، فقالوا: جئناك نسألك. فقال: سلوا عما شئتم. فقالوا. أي رجل كان أبو بكر؟ فقال: كان خيرا كله- أو قال: كان كالخير كله، على حدة كانت فيه. قالوا، فأي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركا. قالوا: فأي رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا: فأي رجل كان علي؟ قال: كان قد مليء جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يظن ألا يمد يده إلى شيء إلا ناله، فما مد يده إلى شيء فناله.

قال: وأخبرنا محمد بن الصباح، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عمر مولى عفرة، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن عمر، قال: قال عمر لأهل الشورى: لله درهم إن ولوها الأصيلع ! كيف يحملهم على الحق، ولو كان السيف على عنقه. فقلت: أتعلم ذلك منه ولا توليه؟ قال: إن لم أستخلف فأتركهم فقد تركهم من هو خير مني.

وروى ربيعة بن عثمان، عن محمد بن كعب القرظي، قال: كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حي عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود من المهاجرين، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مولى لهم ليس من المهاجرين.

وروى أبو أحمد الزبيري وغيره، عن مالك بن مغول، عن أكيل، عن الشعبي، قال: قال لي علقمة: تدري ما مثل علي في هذه الأمة؟ قلت: ما مثله؟

قال: مثل عيسى ابن مريم، أحبه قوم حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه.

قال أبو عمر: أكيل هذا هو أكيل أبو حكيم، كوفي، مؤذن مسجد إبراهيم النخعي.

روى عن سويد بن غفلة، والشعبي، والنخعي، وإبراهيم التيمي. وجواب التيمي. روى عنه إسماعيل بن خالد وجماعة من الجلة.

وقال قاسم بن ثابت صاحب كتاب الدلائل: أنشدني محمد بن عبد السلام الحسيني في قتل علي عليه السلام:

ومما قيل في ابن ملجم وقطام:

وقال بكر بن حماد:

وقال أبو الأسود الدؤلي- وأكثرهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية، أولها:

وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:

وزاد أبو الفتح:

ومن أبيات لخزيمة بن ثابت بصفين:

وقال إسماعيل بن محمد الحميري من شعر له:

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 3- ص: 1089

علي بن أبي طالب

رضي الله عنه. واسم أبي طالب عبد مناف

ابن عبد المطلب. واسمه شيبة بن هاشم. واسمه عمرو بن عبد مناف. واسمه المغيرة ابن قصي. واسمه زيد ويكنى علي أبا الحسن. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. وكان له من الولد الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى. وأمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمد بن علي الأكبر وهو ابن الحنفية وأمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وعبيد الله بن علي قتله المختار ابن أبي عبيد بالمذار. وأبو بكر بن علي قتل مع الحسين ولا عقب لهما. وأمهما ليلى بنت مسعود بن خالد بن ثابت بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. والعباس الأكبر بن علي وعثمان وجعفر الأكبر وعبد الله قتلوا مع الحسين بن علي ولا بقية لهم. وأمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة بن الوحيد بن عامر بن كعب بن كلاب. ومحمد الأصغر بن علي قتل مع الحسين. وأمه أم ولد. ويحيى وعون ابنا علي وأمهما أسماء بنت عميس الخثعمية. وعمر الأكبر بن علي ورقية بنت علي وأمهما الصهباء. وهي أم حبيب بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل. وكانت سبية أصابها خالد ابن الوليد حين أغار على بني تغلب بناحية عين التمر. ومحمد الأوسط بن علي وأمه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف. وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وأم الحسن بنت علي ورملة الكبرى. وأمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي. وأم هانئ بنت علي. وميمونه. وزينب الصغرى. ورملة الصغرى. وأم كلثوم الصغرى. وفاطمة. وأمامة. وخديجة. وأم الكرام. وأم سلمة.

وأم جعفر. وجمانة. ونفيسة. بنات علي وهن لأمهات أولاد شتى. وابنة لعلي لم تسم لنا. هلكت وهي جارية لم تبرز. وأمها محياة بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب. وكانت تخرج إلى المسجد وهي جارية فيقال لها: من أخوالك؟ فتقول وه وه تعني كلبا. فجميع ولد علي بن أبي طالب لصلبه أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة امرأة. وكان النسل من ولده لخمسة: الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية والعباس ابن الكلابية وعمر ابن التغلبية. قال محمد بن سعد: لم يصح لنا من ولد علي. رضي الله عنه. غير هؤلاء.

ذكر إسلام علي وصلاته:

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار عن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قال عفان بن مسلم: أول من صلى.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع وإسحاق بن حازم عن أبي نجيح عن مجاهد قال: أول من صلى علي وهو ابن عشر سنين.

قال: أخبرنا محمد بن عمر. حدثني عمرو بن عبد الله بن عتبة عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة قال: أسلم علي وهو ابن تسع سنين.

قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس. حدثني عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب حين دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام كان ابن تسع سنين. قال الحسن بن زيد: ويقال دون التسع سنين. ولم يعبد الأوثان قط لصغره.

[قال: أخبرنا يزيد بن هارون وسليمان أبو داود الطيالسي قالا: قال أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى. قال يزيد: أو أسلم].

قال: أخبرنا يحيى بن حماد البصري قال: قال أخبرنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال: أول من أسلم من الناس بعد خديجة علي. قال محمد بن عمر: وأصحابنا مجمعون أن أول أهل القبلة الذي استجاب لرسول الله ص. خديجة بنت خويلد ثم اختلف عندنا في ثلاثة نفر أيهم أسلم أولا. في أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة. وما نجد إسلام علي صحيحا إلا وهو ابن إحدى عشرة سنة.

[قال: أخبرنا ابن عمر. حدثني عبد الله بن محمد عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس. لذا كان يسمى الأمين. فأقمت ثلاثا فكنت أظهر. ما تغيبت يوما واحدا. ثم خرجت فجعلت أتبع طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت بني عمرو بن عوف ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم فنزلت على كلثوم بن الهدم وهنالك منزل رسول الله. ص].

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عاصم بن سويد من بني عمرو بن عوف عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: قدم علي للنصف من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء لم يرم بعد.

قال: أخبرنا محمد بن عمر. حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين بعضهم فبعض. وآخى بين المهاجرين والأنصار. فلم تكن مؤاخاة إلا قبل بدر. آخى بينهم على الحق والمؤاساة. فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي بن أبي طالب.

قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين آخى بين أصحابه وضع يده على منكب علي ثم قال: أنت أخي ترثني وأرثك. فلما نزلت آية الميراث قطعت ذاك.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه.

قال محمد بن عمر: وأخبرنا عبد الله بن جعفر عن أبي عون وسعد بن إبراهيم. قال محمد بن عمر: وأخبرنا محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قالوا: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب وسهل بن حنيف.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: كان علي بن أبي طالب يوم بدر معلما بصوفة بيضاء.

قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن علي بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وفي كل مشهد.

ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ قال: قال محمد بن عمر: وكان علي ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس. وبايعه على الموت. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني سعد بفدك في مائة رجل. وكان معه إحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة. وبعثه سرية إلى الفلس إلى طيئ. وبعثه إلى اليمن ولم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك خلفه في أهله.

[قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا فضل بن مرزوق عن عطية. حدثني أبو سعيد قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وخلف عليا في أهله. فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج به إلا أنه كره صحبته. فبلغ ذلك عليا فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيا ابن أبي طالب أما ترضى أن تنزل مني بمنزلة هارون من موسى؟].

[قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا فطر بن خليفة عن عبد الله بن شريك قال: سمعت عبد الله بن رقيم الكناني قال: قدمنا المدينة فلقينا سعد بن مالك فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وخلف عليا. فقال له: يا رسول الله خرجت وخلفتني؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟].

[قال: أخبرنا عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة قال: أخبرنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: قلت لسعد بن مالك إني أريد أن أسألك عن حديث وأنا أهابك أن أسألك عنه. قال: لا تفعل يا ابن أخي. إذا علمت أن عندي علما فسلني عنه ولا تهبني. فقلت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي حين خلفه بالمدينة في غزوة تبوك. قال قال: أتخلفني في الخالفة في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ فأدبر علي مسرعا كأني أنظر إلى غبار قدميه يسطع. وقد قال حماد: فرجع علي مسرعا].

[قال: وأخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا عون عن ميمون عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم. فخلفه. فلما فصل رسول الله ص. غازيا قال ناس: ما خلف عليا إلا لشيء. كرهه منه. فبلغ ذلك عليا فاتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليه. فقال له: ما جاء بك يا علي؟ قال: لا يا رسول الله إلا أني سمعت ناسا يزعمون أنك إنما خلفتني لشيء كرهته مني. فتضاحك رسول الله ص. وقال: يا علي أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: فإنه كذلك].

أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا بسطام بن مسلم عن مالك بن دينار قال: قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله. ص؟ قال: إنك لرخو اللبب. فقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك. كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي فإذا كان القتال أخذها علي بن أبي طالب. رضي الله عنه.

ذكر صفة علي بن أبي طالب. ع:

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: رأيت عليا وكان عريض اللحية وقد أخذت ما بين منكبيه. أصلع على رأسه زغيبات.

أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه أبي إسحاق قال: رأيت عليا فقال لي أبي قم يا عمرو فانظر إلى أمير المؤمنين. فقمت إليه فلم أره يخضب لحيته. ضخم اللحية.

قال: أخبرنا مؤمل بن إسماعيل وقبيصة بن عقبة قالا: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق قال: رأيت عليا أبيض الرأس واللحية.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا شريك عن أبي إسحاق قال: رأيت عليا أصلع أبيض اللحية. رفعني أبي.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا شريك عن جابر عن عامر قال: كان علي يطردنا من الرحبة ونحن صبيان. أبيض الرأس واللحية.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا زهير عن أبي إسحاق أنه صلى مع علي الجمعة حين مالت الشمس. قال: فرأيته أبيض اللحية أجلح.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا الثوري وإسرائيل وشيبان وقيس عن أبي إسحاق قال: رأيت عليا أبيض اللحية والرأس.

أخبرنا شهاب بن عباد العبدي قال: أخبرنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل عن عامر قال: ما رأيت رجلا قط أعرض لحية من علي. قد ملأت ما بين منكبيه. بيضاء.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين وعفان بن مسلم وسليمان بن حرب قالوا: أخبرنا أبو هلال قال: حدثني سوادة بن حنظلة القشيري قال: رأيت عليا أصفر اللحية.

قال: أخبرنا عبد الله بن نمير وأسباط بن محمد عن إسماعيل بن سلمان الأزرق عن أبي عمر البزاز عن محمد ابن الحنفية قال: خضب علي بالحناء مرة ثم تركه.

قال: أخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال: أخبرنا أبي قال: سمعت أبا رجاء قال: رأيت عليا أصلع. كثير الشعر. كأنما اجتاب إهاب شاة.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة عن قدامة بن عتاب قال: كان علي ضخم البطن. ضخم مشاشة المنكب. ضخم عضلة الذراع. دقيق مستدقها. ضخم عضلة الساق. دقيق مستدقها. قال رأيته يخطب في يوم من أيام الشتاء. عليه قميص قهز وإزاران قطريان. معتما بسب كتان مما ينسج في سوادكم.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا رزام بن سعد الضبي قال: سمعت أبي ينعت عليا قال: كان رجلا فوق الربعة. ضخم المنكبين. طويل اللحية. وإن شئت قلت إذا نظرت إليه هو آدم. وإن تبينته من قريب قلت أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم.

[قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي قلت: ما كانت صفة علي؟ قال: رجل آدم شديد الأدمة. ثقيل العينين. عظيمهما. ذو بطن. أصلع. إلى القصر أقرب].

[قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا همام بن يحيى عن محمد بن جحادة قال: حدثني أبو سعيد بياع الكرابيس: أن عليا كان يأتي السوق في الأيام فيسلم عليهم. فإذا رأوه قالوا بوذا شكنب أمذ. قيل له إنهم يقولون إنك ضخم البطن. فقال: إن أعلاه علم وأسفله طعام].

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن جابر عن عامر قال: رأيت عليا ورأسه ولحيته بيضاوان كأنهما قطن.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سلمة بن رجاء التيمي عن مدرك أبي الحجاج قال: رأيت في عيني علي أثر الكحل.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان قال: أخبرنا أبو الرضي القيسي قال: ربما رأيت عليا يخطبنا وعليه إزار ورداء مرتديا به. غير ملتحف. وعمامة. فينظر إلى شعر صدره وبطنه.

ذكر لباس علي. ع:

قال: أخبرنا وكيع عن أبي مكين عن خالد أبي أمية قال: رأيت عليا وقد لحق إزاره بركبتيه.

قال: أخبرنا يعلى بن عبيد وعبد الله بن نمير عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليا عليه قميص رازي إذا مد كمه بلغ الظفر فإذا أرخاه. بلغ نصف ساعده. وقال عبد الله بن نمير: بلغ نصف الذراع.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن علي بن صالح عن عطاء أبي محمد قال: رأيت على علي قميصا من هذه الكرابيس غير غسيل.

قال: أخبرنا أنس بن عياض أبو ضمرة الليثي قال: حدثني محمد بن أبي يحيى عن أبي العلاء مولى الأسلميين قال: رأيت عليا يأتزر فوق السرة.

[قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن عمرو بن قيس أن عليا رئي عليه إزار مرقوع فقيل له فقال: يخشع القلب ويقتدي به المؤمن.]

[قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا الحر بن جرموز عن أبيه قال: رأيت عليا وهو يخرج من القصر وعليه قطريتان إزار إلى نصف الساق ورداء مشمر قريب منه ومعه درة له يمشي بها في الأسواق ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ويقول أوفوا الكيل والميزان. ويقول لا تنفخوا اللحم].

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سعيد بن عبيد عن علي بن ربيعة أنه رأى على علي بردين قطريين.

[قال: أخبرنا الفضل بن كدين قال: أخبرنا حميد بن عبد الله الأصم قال: سمعت فروخ مولى لبني الأشتر قال رأيت عليا في بني ديوار وأنا غلام فقال: أتعرفني؟ فقلت: نعم أنت أمير المؤمنين. ثم أتى آخر فقال: أتعرفني؟ فقال: لا. فاشترى منه قميصا زابيا فلبسه فمدكم القميص فإذا هو مع أصابعه فقال له: كفه. فلما كفه قال: الحمد لله الذي كسا علي بن أبي طالب].

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا أيوب بن دينار أبو سليمان المكتب قال: حدثني والدي أنه رأى عليا يمشي في السوق وعليه إزار إلى نصف ساقيه وبردة على ظهره. قال: ورأيت عليه بردين نجرانيين.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا عبد الجبار بن المغيرة الأزدي حدثتني أم كثيرة: أنها رأت عليا ومعه مخففة وعليه رداء سنبلاني وقميص كرابيس

وإزار كرابيس إلى نصف ساقيه الإزار والقميص.

قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: أخبرنا سليمان بن بلال قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان علي بن أبي طالب يطوف في السوق بيده درة فأتي بقميص له سنبلاني فلبسه فخرج كماه على يديه فأمر بهما فقطعا حتى استويا بيديه ثم أخذ درته فذهب يطوف.

قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ابتاع علي قميصا سنبلانيا بأربعة دراهم فجاء الخياط فمدكم القميص فأمره أن يقطعه مما خلف أصابعه.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا زهير بن معاوية عن جابر عن هرمز قال: رأيت عليا متعصبا بعصابة سوداء ما أدري أي طرفيها أطول الذي قدامه أو الذي خلفه. يعني عمامة.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا شريك عن جابر عن مولى لجعفر فقال له هرمز قال: رأيت عليا عليه عمامة سوداء قد أرخاها من بين يديه ومن خلفه.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن أبي العنبس عمرو بن مروان عن أبيه قال: رأيت على علي عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه.

أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن أبي جعفر الأنصاري قال: رأيت على علي عمامة سوداء يوم قتل عثمان. قال ورأيته جالسا في [ظلة النساء وسمعته يومئذ يوم قتل عثمان يقول: تبا لكم سائر الدهر!].

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا علي بن صالح عن عطاء أبي محمد قال: رأيت عليا خرج من الباب الصغير فصلى ركعتين حين ارتفعت الشمس وعليه قميص كرابيس كسكري فوق الكعبين وكماه إلى الأصابع وأصل الأصابع غير مغسول.

ذكر قلنسوة علي بن أبي طالب. ع. وخاتمه وتختمه له وما كان نقشه: [قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن ابن عباس عن علي قال: قال لي رسول الله. ص: إذا كان إزارك واسعا فتوشح به. وإذا كان ضيقا فأتزر به].

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا حسن بن صالح عن أبي حيان قال: كانت قلنسوة علي لطيفة.

قال: أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي عن كيسان بن أبي عمر عن يزيد بن الحارث بن بلال الفزاري قال: رأيت على علي قلنسوة بيضاء مصرية.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا أبان بن قطن عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن علي بن أبي طالب تختم في يساره.

قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن علي عن أبيه: أن عليا تختم في اليسار.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا معتمر عن أبيه عن أبي إسحاق الشيباني قال: قرأت نقش خاتم علي بن أبي طالب في صلح أهل الشام: محمد رسول الله.

[قال: أخبرنا الحسن بن موسى الأشيب وعمرو بن خالد المصري قالا: أخبرنا زهير عن جابر الجعفي عن محمد بن علي قال: كان نقش خاتم علي: الله الملك].

[قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن جابر عن محمد بن علي قال: كان نقش خاتم علي: الله الملك].

أخبرنا مالك بن إسماعيل النهدي قال: أخبرنا جعفر بن زياد عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: خرج علينا علي في إزار أصفر وخميصة سوداء. الخميصة شبه البرنكان.

ذكر قتل عثمان بن عفان وبيعة علي بن أبي طالب. رضي الله عنهما:

قال: قالوا لما قتل عثمان. رحمه الله. يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وبويع لعلي بن أبي طالب. رحمه الله. بالمدينة.

الغد من يوم قتل عثمان. بالخلافة بايعه طلحة. والزبير. وسعد بن أبي وقاص.

وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وعمار بن ياسر. وأسامة بن زيد. وسهل بن حنيف. وأبو أيوب الأنصاري. ومحمد بن مسلمة. وزيد بن ثابت. وخزيمة بن ثابت.

وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم. ثم ذكر طلحة والزبير أنهما بايعا كارهين غير طائعين وخرجا إلى مكة وبها عائشة. ثم خرجا من مكة ومعهما عائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان. وبلغ عليا. ع. ذلك فخرج من المدينة إلى العراق. وخلف على المدينة سهل بن حنيف. ثم كتب إليه أن يقدم عليه. وولي المدينة أبا الحسن المازني. فنزل ذا قار وبعث عمار بن ياسر والحسن بن علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم للمسير معه. فقدموا عليه فسار بهم إلى البصرة. فلقي طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم من أهل البصرة وغيرهم يوم الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين. وظفر بهم وقتل يومئذ طلحة والزبير وغيرهما. وبلغت القتلى ثلاثة عشر ألف قتيل. وأقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ثم انصرف إلى الكوفة.

ذكر علي ومعاوية وتحكيم الحكمين:

ثم خرج يريد معاوية بن أبي سفيان ومن معه بالشام. فبلغ ذلك معاوية فخرج فيمن معه من أهل الشام والتقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين. فلم يزالوا يقتتلون بها أياما. وقتل بصفين عمار بن ياسر. وخزيمة بن ثابت. وأبو عمرة المازني. وكانوا مع علي. ورفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها مكيدة من عمرو بن العاص أشار بذلك على معاوية وهو معه. فكره الناس الحرب وتداعوا إلى الصلح. وحكموا الحكمين فحكم علي أبا موسى الأشعري. وحكم معاوية عمرو بن العاص. وكتبوا بينهم كتابا أن يوافوا رأس الحول بأذرح فينظروا في أمر هذه الأمة. فافترق الناس فرجع معاوية بالألفة من أهل الشام وانصرف علي إلى الكوفة بالاختلاف والدغل.

فخرجت عليه الخوارج من أصحابه ومن كان معه وقالوا: لا حكم إلا الله. وعسكروا بحروراء. فبذلك سموا الحرورية. فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس وغيره فخاصمهم وحاجهم فرجع منهم قوم كثير وثبت قوم على رأيهم وساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت. فسار إليهم علي فقتلهم بالنهروان وقتل منهم ذا الثدية. وذلك سنة ثمان وثلاثين. ثم انصرف علي إلى الكوفة فلم يزل بها يخافون عليه الخوارج من يومئذ إلى أن قتل رحمه الله. واجتمع الناس بأذرح في شعبان سنة ثمان وثلاثين. وحضرها سعد بن أبي وقاص وابن عمر وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عمرو أبا موسى فتكلم فخلع عليا. وتكلم عمرو فأقر معاوية وبايع له. فتفرق الناس على هذا.

ذكر عبد الرحمن بن ملجم المرادي وبيعة علي ورده إياه

وقوله: لتخضبن هذه من هذه. وتمثله بالشعر وقتله عليا. ع. وكيف قتله عبد الله بن جعفر والحسين بن علي ومحمد ابن الحنفية: [أخبرنا الفضل بن دكين أبو نعيم. أخبرنا فطر بن خليفة قال: حدثني أبو الطفيل قال: دعا علي الناس إلى البيعة. فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين.

ثم أتاه فقال: ما يحبس أشقاها. لتخضبن أو لتصبغن هذه من هذا. يعني لحيته من رأسه. ثم تمثل بهذين البيتين].

[قال محمد بن سعد: وزادني غير أبي نعيم في هذا الحديث بهذا الإسناد عن علي بن أبي طالب والله إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي].

أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة عن يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين. قال علي بن أبي طالب للمرادي:

[أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن عمارة بن أبي حفصة عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مراد إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال: احترس فإن ناسا من مراد يريدون قتلك. فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه. وإن الأجل جنة حصينة].

[قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان عن محمد عن عبيدة قال: قال علي: ما يحبس أشقاكم أن يجيء فيقتلني؟ اللهم قد سئمتهم وسئموني فأرحهم مني وأرحني منهم].

[قال: أخبرنا وكيع بن الجراح. قال أخبرنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليا يقول: لتخضبن هذه من هذه فما ينتظر بالأشقى.

قالوا: يا أمير المؤمنين فأخبرنا به نبير عترته. فقال: إذا والله تقتلوا بي غير قاتلي.

قالوا: فاستخلف علينا. فقال: لا ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

قالوا: ما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول اللهم تركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم].

[قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن سنان بن حبيب عن نبل بنت بدر عن زوجها قال: سمعت عليا يقول: لتخضبن هذه من هذا. يعني لحيته من رأسه].

[قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى. قال أخبرنا موسى بن عبيدة عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس أو أيوب بن خالد أو كليهما. أخبرنا عبيد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: يا علي من أشقى الأولين والآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أشقى الأولين عاقر الناقة. وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي. وأشار إلى حيث يطعن].

[قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سليمان بن القاسم الثقفي قال: حدثتني أمي عن أم جعفر سرية علي قالت: إني لأصب على يديه الماء إذ رفع رأسه فأخذ بلحيته فرفعها إلى أنفه فقال: واها لك لتخضبن بدم! قالت فأصيب يوم الجمعة].

[قال: أخبرنا خالد بن مخلد ومحمد بن الصلت قالا: أخبرنا الربيع بن المنذر عن أبيه عن ابن الحنفية قال: دخل علينا ابن ملجم الحمام وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمام. فلما دخل كأنهما اشمأزا منه وقالا: ما أجرأك تدخل علينا! قال فقلت لهما: دعاه عنكما فلعمري ما يريد بكما أحشم من هذا. فلما كان يوم أتي به أسيرا قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام. فقال علي: إنه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه فإن بقيت قتلت أو عفوت وإن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين].

قال: أخبرنا جرير عن مغيرة عن قثم مولى لابن عباس قال: كتب علي في وصيته إلى أكبر ولدي غير طاعن عليه في بطن ولا فرج.

قالوا: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم المرادي. وهو من حمير. وعداده في مراد. وهو حليف بني جبلة من كندة. والبرك بن عبد الله التميمي. وعمرو بن بكير التميمي. فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ويريحن العباد منهم. فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لكم بعلي بن أبي طالب. وقال البرك: وأنا لكم بمعاوية. وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا وتواثقوا لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذي سمى ويتوجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه. فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من شهر رمضان. ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه. فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريد. وكان يزورهم ويزورونه. فزار يوما نفرا من تيم الرباب فرأى امرأة منهم يقال لها قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب. وكان علي قتل أباها وأخاها يوم نهروان فأعجبته فخطبها. فقالت: لا أتزوجك حتى تسمي لي. فقال: لا تسألينني شيئا إلا أعطيتك.

فقالت: ثلاثة آلاف وقتل علي بن أبي طالب. فقال: والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب وقد آتيتك ما سألت. ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك. وبات عبد الرحمن بن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى كاد أن يطلع الفجر. فقال له الأشعث: فضحك الصبح فقم. فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي. [قال الحسن بن علي: وأتيته سحرا فجلست إليه فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيناي وأنا جالس فسنح لي رسول الله فقلت: يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود واللدد.

فقال لي: ادع الله عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم وأبدلهم شرا لهم مني. ودخل ابن النباح المؤذن على ذلك فقال: الصلاة. فأخذت بيده فقام يمشي وابن النباح بين يديه وأنا خلفه. فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة. كذلك كان يفعل في كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس.] فاعترضه الرجلان. فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول: لله الحكم يا علي لا لك! ثم رأيت سيفا ثانيا فضربا جميعا فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل دماغه. وأما سيف شبيب فوقع في الطاق.

وسمعت عليا يقول: [لا يفوتنكم الرجل. وشد الناس عليهما من كل جانب. فأما شبيب فأفلت. وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على علي. فقال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن أعش فأنا أولى بدمه عفوا وقصاصا وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين.] فقالت أم كلثوم بنت علي: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين! قال: ما قتلت إلا أباك. قالت: فو الله إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس. قال: فلم تبكين إذا؟ ثم قال: والله لقد سممته شهرا. يعني سيفه. فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه. وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي. عليه السلام. فقال: أي بني انظر كيف أصبح أمير المؤمنين: فذهب فنظر إليه ثم رجع فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه. فقال الأشعث: عيني دميغ ورب الكعبة. قال ومكث علي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي. رحمة الله عليه وبركاته. ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين. وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر. وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن يحيى بن مسلم أبي الضحاك عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: وأخبرنا عبد الله بن نمير عن عبد السلام رجل من بني مسيلمة عن بيان عن عامر الشعبي قال: وأخبرنا عبد الله بن نمير عن سفيان عن أبي روق عن رجل قال: وأخبرنا الفضل بن دكين قال أخبرنا خالد بن إلياس عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال وأخبرنا شبابة بن سوار الفزاري قال: أخبرنا قيس بن الربيع عن بيان عن الشعبي أن الحسن بن علي صلى على علي بن أبي طالب فكبر عليه أربع تكبيرات. ودفن علي بالكوفة عند مسجد الجماعة في الرحبة مما يلي أبواب كندة قبل أن ينصرف الناس من صلاة الفجر. ثم انصرف الحسن بن علي من دفنه فدعا الناس إلى بيعته فبايعوه.

وكانت خلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين عن شريك عن أبي إسحاق قال: توفي علي وهو يومئذ ابن ثلاث وستين سنة.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا علي بن عمر وأبو بكر بن أبي سبرة عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: سمعت محمد ابن الحنفية يقول سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانون: هذه لي خمس وستون سنة وقد جاوزت سن أبي. قلت: وكم كانت سنه يوم قتل. يرحمه الله؟ قال: ثلاثا وستين سنة. قال محمد بن عمر: وهو الثبت عندنا.

قال: أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي عن طلق الأعمى عن جدته قالت: كنت أنوح أنا وأم كلثوم بنت علي على علي. ع.

قال: أخبرنا عبد الله بن نمير وعبيد الله بن موسى قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال: سمعت الحسن بن علي قام يخطب الناس فقال: يا أيها الناس لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه المبعث فيعطيه الراية فما يرد حتى يفتح الله عليه. إن جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره. ما ترك صفراء ولا بيضاء. إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما.

قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال: لما توفي علي بن أبي طالب قام الحسن بن علي فصعد المنبر فقال: أيها الناس. قد قبض الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون. قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه المبعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينثني حتى يفتح الله له. وما ترك إلا سبعمائة درهم أراد أن يشتري بها خادما. ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى ابن مريم ليلة سبع وعشرين من رمضان.

[قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير عن حجاج عن أبي إسحاق عن عمرو بن الأصم قال: قيل للحسن بن علي إن ناسا من شيعة أبي الحسن علي. ع. يزعمون أنه دابة الأرض وأنه سيبعث قبل يوم القيامة. فقال: كذبوا ليس أولئك شيعته. أولئك أعداؤه. لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه ولا أنكحنا نساءه. قال ابن سعد: هكذا قال عن عمرو بن الأصم].

[قال: أخبرنا أسباط بن محمد عن مطرف عن أبي إسحاق عن عمرو بن الأصم قال: دخلت على الحسن بن علي وهو في دار عمرو بن حريث فقلت له: إن ناسا يزعمون أن عليا يرجع قبل يوم القيامة. فضحك وقال: سبحان الله! لو علمنا ذلك ما زوجنا نساءه ولا ساهمنا ميراثه. قالوا] وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن. فلما مات علي. رضوان الله عليه ورحمته وبركاته. ودفن بعث الحسن بن علي إلى عبد الرحمن بن ملجم فأخرجه من السجن ليقتله. فاجتمع الناس وجاؤوه بالنفط والبواري والنار فقالوا نحرقه. فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن علي ومحمد ابن الحنفية: دعونا حتى نشفي أنفسنا منه. فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم.

فكحل عينيه بمسمار محمى فلم يجزع وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك بملمول مض. وجعل يقول: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق} العلق: 1 - 2. حتى أتى على آخر السورة كلها وإن عينيه لتسيلان. ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه فجزع. فقيل له: قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله فلم تجزع فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟ فقال: ما ذاك مني من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقا لا أذكر الله. فقطعوا لسانه ثم جعلوه في قوصرة وأحرقوه بالنار. والعباس بن علي يومئذ صغير فلم يستأن به بلوغه. وكان عبد الرحمن بن ملجم رجلا أسمر حسن الوجه أفلج شعره مع شحمة أذنيه. في جبهته أثر السجود.

قالوا وذهب بقتل علي. ع. إلى الحجاز سفيان بن أمية بن أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس فبلغ ذلك عائشة فقالت:

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 3- ص: 13

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.
ويكنى أبا الحسن وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. وقد شهد بدرا ثم نزل الكوفة في الرحبة التي يقال لها رحبة علي في أخصاص كانت فيها ولم ينزل القصر الذي كانت تنزله الولاة قبله. فقتل. رحمه الله. صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة. ودفن بالكوفة عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة. والذي ولي قتله عبد الرحمن بن ملجم
المرادي. وكان خارجيا. لعنة الله عليه وعلى والديه. وقد روى علي. رضي الله عنه.
عن أبي بكر الصديق. رحمه الله. وقد كتبنا خبره فيمن شهد بدرا.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 6- ص: 91

علي بن أبي طالب رضي الله عنه واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قتله عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان سنة أربعين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقيل ابن ثلاث وستين سنة؛ وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وأياما.
وكان من جلاء فقهاء الصحابة. روي عنه أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله أتبعثني وأنا شاب وهم كهول ولا علم لي بالقضاء، قال: انطلق فإن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك؛ قال علي: فوالله ما تعاييت في شيء بعد. وروي أنه قال: اللهم اهد قلبه؛ قال: فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا. وروى ابن عباس قال: خطبنا عمر رضي الله عنه فقال: علي أقضانا وأبي أقرأنا وإنا لنترك أشياء من قول أبي. وروى الحسن قال: جمع عمر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليستشيرهم وفيهم علي فقال: قل فأنت أعلمهم وأفضلهم. وروى سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن. وقال عبد الله: إن أعلم أهل المدينة بالفرائض ابن أبي طالب؛ وقال ابن عباس: أعطي علي تسعة أعشار العلم وأنه لأعلمهم بالعشر الباقي. وقالت عائشة رضي الله عنها: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ فقيل علي بن أبي طالب، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة، وروي أنها قالت: أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق؛ فعالم المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعالم العراق عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهما. وقال عبد الملك بن أبي سليمان، قلت لعطاء: أكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد علم من علي؟ قال: لا والله ما أعلمه.

  • دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 41

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو الحسن الهاشمي وأم على فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهاشم أخو هشام فاستخلف على رضه الله عنه بعد دفن عثمان وبايعه الناس في السر والاعلان فجرد على أسباب الدين تجريدا واغضى عن التمويه والتبديل ولزم الطريقة الواضحة ورام رد الناس عن تمكنهم من الدنيا وتمتعهم بنزهتها وطيباتها على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم فالتاثت عليه الأمور حتى كان من أمره ما كان من الحوادث على حسب ما ذكرنا تفصيل الأيام في خلافته في كتاب الخلفاء وهو مصر في ذلك كله على إظهار الدين والعزوف عن هذه الفانية القذرة على ما كان فيه ما كان من غير أن تأخذه في الله لومة لائم إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي في مسجد الكوفة بسيف مسموم عند قيامه إلى الصلاة وذلك ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ومات رضه غداة يوم الجمعة وله يوم مات اثنتان وستون سنة وكانت خلافته خمس سنين وثلاثة أشهر إلا أربعة عشر يوما واختلفوا في قبره وليس عندي فيه شيء صحيح فاذكره

  • دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 24

علي بن أبي طالب
..

  • دار الوعي - حلب-ط 1( 1950) , ج: 1- ص: 128

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الحسن، القرشي، رضي الله عنه.
قتل في رمضان بالكوفة، سنة أربعين.
قال يحيى بن بكير، عن ليث، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أسلم علي، رضي الله عنه، وهو ابن ثمان سنين.
وقال محمد بن الصلت، عن ابن عيينة، عن جعفر، عن أبيه، قال: قتل علي، وهو ابن ثمان وخمسين، رضي الله عنه، رضى الأبرار.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 6- ص: 1

علي بن أبي طالب
...

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 14

علي بن أبي طالب أمير المؤمنين
عنه أولاده الحسن والحسين ومحمد وعمر وفاطمة وابن أخيه عبد الله بن جعفر وكاتبه عبيد الله بن أبي رافع وزر وخلق قتل في رمضان سنة 4 وقد نيف على الستين ع

  • دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 1

علي بن أبي طالب
وأبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب وعبد المطلب اسمه شيبة بن هاشم وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف وعبد مناف اسمه المغيرة وقيل الحارث بن قصي وقصي اسمه يزيد وإنما سمي قصيا لأنه كان قاصيا عن قومه في قضاعة ثم قدم وقريش متفرقة في القبائل فجمعهم حول الكعبة وسمي أيضا مجمع بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر القرشي الهاشمي وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف توفيت مسلمة قبل الهجرة وقد زعم قوم أنها هاجرت وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنها وبكى عليها وأنها كانت بدرية قيمة بأمره وكان علي رضوان الله عليه أصغر بني أبي طالب كان أصغر من جعفر بعشر سنين وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين كان علي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون بن موسى وصلى القبلتين جميعاً وهاجر في الهجرة الأولى وشهد المشاهد كلها إلا تبوك رده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اخلفني في أهلي ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون بن موسى وقال صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لأعطن الراية رجلا يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاول لها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم ادعو إلى عليا فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع إليه الراية ففتح الله عليه ولما نزلت {ندع أبناءنا وأبناءكم} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال اللهم هؤلاء أهلي وقال صلى الله عليه وسلم إنه أقضى الأمه كان ابن عم نبي الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته وأبو سبطيه
شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ومات وهو عنه راض وقتل في رمضان بالكوفة سنة أربعين قال أبو عيسى الترمذي وقال عمرو بن علي سمعت بعض العلماء يقول ضرب لتسع عشرة ليلة ومات إحدى وعشرين وقال بعضهم ضرب ليلة إحدى وعشرين ومات ليلة أربع وعشرين سنة أربعين واختلفوا في سنة فسمعتهم يحدثون عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قبض وهو ابن ثمان وخمسين وقال بعض أهل العلم ابن ثلاث وستين
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المقداد بن الأسود في الوضوء
روى عنه زر بن حبيش في الإيمان وشريح بن هانئ في الوضوء ومحمد بن الحنفية في النكاح وعبد الله بن عباس في الوضوء والصلاة والفضائل ووصف مطرف بن الشخير تكبيره في الصلاة وصلاته مع عمران بن حصين خلفه وعبد الله بن حنين في الصلاة وعبيدة السلماني ويحيى بن الجزار شتير بن شكل وعبيد الله بن أبي رافع في الصلاة والزكاة وابنه الحسين بن علي ومسعود بن الحكم الأنصاري وأبو هياج الأسدي في الجنائز وسويد بن غفلة في الزكاة وزيد بن وهب في الزكاة وعبد الله بن شقيق وسعيد بن المسيب في الحج وأبو عبد الرحمن السلمي في النكاح وحضين بن المنذر أبو ساسان وعمير بن سعيد ومالك بن أوس وأبو عبيد سعد مولى ابن أزهر وأبو الطفيل والحارث بن سويد وأبو صالح الحنفي وعبد الرحمن بن قيس وأبو بردة بن أبي موسى وعبد الله بن شداد وعبد الله بن جعفر

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 2- ص: 1

أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 17

(ع) علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم أبو الحسن ابن عم سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -.
ويكنى أبا تراب، وهو لقب لقبه به النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه غاضب فاطمة فنام في المسجد فتترب، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ’’ قم أبا تراب ’’.
وعند ابن إسحاق: كان علي إذا عتب على فاطمة أخذ ترابا ووضعه على رأسه، فإذا رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما لك أبا تراب؟ فيقول: إن فاطمة غاضبته، وذكر أيضا ابن إسحاق أنه في غزوة العشيرة، وأنهما تغاضبا فجاءهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ترب علي فقال: قم أبا تراب ’’ وكناه أيضا أبا القصم وابن هشام بالفاء أبو الفرات وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكره البخاري ترجمه أحمد بن عبد الله بن يزيد قاتل الفجرة.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه: روى عنه: أبو أسماء مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأبو حفصة مولى علي بن أبي طالب وأبو إسماعيل بن أبي خالد، وحجار بن أبجر، والحارث الحضرمي، وهو أبو عبد الملك بن الحارث، وأبو الكنود عبد الرحمن بن عبد الله، والوليد بن عتبة أبو [ق 146 / ب] إدريس الأزدي، وأذينة أبو عبد الرحمن بن أذينة، وأبو الجعد أبو سالم بن أبي الجعد، وحزمه بن خبيب، وعمرو بن نعمة، وقبيصة أبو حصين ابن قبيصة، وعرفجة، وكليب الأودي وهو غير الجرمي، وعاصم بن سريب، وعبد الرحمن بن أبان، وكريب بن أبي كريب، وهزيل بن شراحيل، ومجمع أخو أبي رهيما الغفاري، وحبيب بن جمان – روى عنه سماك بن حرب، وشيبة بن ربعي، وعمر بن سلمة بن الحارث، والسائب بن مالك، وإياس بن عدي الطائي، والحارث بن أبي الحارث، ورجل من بني رؤاس كوفي، ويثيع العبدي، وأبو نضرة يسمى كثير ابن مر، وخال سلمة بن كهيل، وأبو الزعراء، ومعاوية بن حباب، وثابت أبو عدي بن ثابت، ويزيد بن عبد الرحمن الوادعي، وعبد الرحمن بن زيد القابسي، وزياد بن عبيد
الأنصاري، وحرملة مولى أم سلمة، وأبو كبير عوف الأنصاري، والأغر بن سليك الغطفاني، وحجر بن عابس، وعبد الله بن أبي مجالد، وشراحيل بن سعد، وعبيد بن سفيان أبو عبيد بن عبد الله بن نهيك، وزيد بن ثور، والنعمان بن فائد، وربيعة بن الأبيض أبو كهيل، وأبو مرثد الهجري مالك بن []، وأبو مسلم عبد الله بن أبي ليلى روى عنه شعبة، وعوف بن مالك روى عنه كليب الجرمي، وعنترة أبو هارون، وأبو خالد الوالبي بن أبي يعيش وعمرو بن مروان وميسرة، وجميلة، وأبو حكيمة العبدي، وأبو الحسناء عثمان بن أبي صفية وإبراهيم بن عبد الأعلى وخالد بن عرعرة. وحريث بن سليم أبو [] وأبو عمرو الأعرج وخيثم بن عقال وزهير بن الأرقم ومكين بن الأغر المصري وربيع أبو كثيرة المصري وحريث بن مخش.
بصري [] وعنه ابنه غير [ق 147 / أ] أم الحكم، وأم محمد بن قيس وجدة عبد الرحمن بن عجلان وحمانة سريته، وأم عبد الله ابنة عبد الله، ومن ولده زيادة على ما ذكره المزي فيما ذكر محمد بن سعد: محمد الأوسط ورملة الكبرى وابنة لم تسم لنا هلكت وهي جارية وأمها محياة بنت امرئ القيس الكلبية، وكانت تخرج إلى المسجد وهي صغيرة فيقال لها: من أخوالك؟ فتقول: وه وه – تعني كلبا.
وزعم المزي أن عبيد الله قتل بكربلاء وابن سعد والزبير قالا: إن المختار قتله في حربه مع مصعب بن الزبير.
وزعم المزي أن اسم أبي طالب عبد مناف انتهى. قال الحاكم في ’’ المستدرك ’’: قد تواترت الأخبار أن اسم أبي طالب كنيته، قال: ووجد بخط علي الذي لا يشك فيه وكتب علي بن [أبو] طالب.
وبنحوه ذكره عمرو بن بحر الجاحظ في ’’ الهاشميات ’’ وذكر زفر بن معاوية أن عليا - رضي الله عنه - كان يكنى أبا قصم.
وكذا ذكره ابن إسحاق. قال ابن هشام: ويقال: أبو القسم.
وفي المستدرك لما ولد سمته أمه حيدرة، فأبى أبوه وسماه عليا.
وفي بعض المجاميع: سمته أسدا باسم أبيها، فلذلك قال علي يوم خيبر: أنا الذي سمتني أمي حيدرة ولم يقل سماني أبي.
وفي ’’ المستدرك ’’: أسلم وعمره أربع عشرة سنة، والمزي ذكره من رواية الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، وعن أبي نعيم الدكيني تسع سنين، وعن محمد بن عثمان ابن أبي شيبة سبع سنين. وفي كتاب ابن أبي حاتم: ثماني سنين وقال أحمد أيضا: وصحح الحاكم أخذه الراية يوم بدر وله عشرون سنة، وقال أيضا لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن عليا أولهم إسلاما.
وفي كتاب الترمذي: ثنا إسماعيل بن موسى، ثنا علي بن عابس عن مسلم الملائي عن أنس بن مالك بعث - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء.
وذكر القضاعي في كتاب ’’ ما صح من شعر علي ’’ أنه قال بمحضرة الصحابة ولم ينكره أحد منهم: سبقتكم إلى الإسلام طرا صغيرا ما بلغت أوان حلمي.
وفي كتاب ’’ التنبيه والإسرار ’’ للمسعودي قيل: كان سنه إذ أسلم خمس عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل: إحدى عشرة وقيل: تسع وقيل: ست، وقيل: خمس، وأنكر هذا ورده.
وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين – فيما أنشده المرزباني – وأما أبو عمر فأنشدهما للفضل بن عباس بن عتبة:

وقال المقداد بن الأسود الكندي من أبيات يمدح عليا – فيما ذكره الكلبي في كتاب ’’ الشورى ’’ تأليفه: -
وقال السيد الحميري من أبيات يذكره:
وقال بكر بن حماد التاهرتي:
وقال عبد الله بن المعتز وكان يتهم بالنصب من أبيات ذكرها الفرغاني:
في الذيل يذكر عليا وسابقته والفضل ما شهدت به الأعداء
وذكر أبو عمر أن هذا القول محكي عن سلمان الفارسي، وخباب، وجابر، وأبي سعيد، زاد ابن عساكر: أنس بن مالك، وعفيفا الكندي، وابن عباس، وأبا أيوب، ويعلى بن مرة، وليلى الغفارية، ومحمد بن كعب القرظي، وعند العسكري أبي أحمد: وعائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -، وفي ’’ معجم البغوي ’’ وقاله علي عن نفسه.
وقال أبو بكر محمد بن الحسن الشافعي في إملائه على حديث الغار:
من روى سبق علي لم يخبر عن مشاهدة ولا حضور وابن عباس قد روى عنه أن أبا بكر - رضي الله عنه - أول الناس إسلاما مستشهدا بقول حسان:
(وأول الناس منهم صدق الرسلا)
وهو قول إبراهيم النخعي وغيره. انتهى لقائل أن يقول: قد تقدم ذكر من أخبر عن إسلام علي عن مشاهدة وهو خزيمة وغيره.
وذكر عمر بن شبة في كتابه ’’ أخبار محمد بن سلام الجمحي ’’، وغيره أن خالد بن سعيد بن العاصي أسلم قبل علي بن أبي طالب. قال: ولكني كنت أفرق أبا أحيحة وكان علي لا يخاف أبا طالب. وقيل: عن الزهري، ورده وسليمان بن يسار في آخرين أن زيدا أسلم قبله.
وفي كتاب ’’ التنبيه والإشراف ’’ لابن أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي وقال قوم: أولهم إسلاما: خباب بن الأرت، من سعد بن زيد مناة، وقال آخرون بلال بن حمامة وقد كشف قناع هذه [ق 148 / أ] المسألة فقال: اتفق العلماء على أن أول من أسلم خديجة – رضي الله عنها – وأن اختلافهم إنما هو في من أسلم بعدها، فمن الرجال أبو بكر ومن الصبيان علي ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال – رضي الله عنهم أجمعين – وكأنه لمح لما قال الواقدي وأصحابنا مجمعون: إن أول أهل القبلة إسلاما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة، ثم اختلف في ثلاثة في أيهم أسلم أولا؟ أبي بكر، وعلي، وزيد وما نجد إسلام علي صحيحا إلا وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وآخا النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سهل بن حنيف.
وقال الخطيب في ’’ المتفق والمفترق ’’ هو أول من صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم، انتهى. هذا كلام لا غبار عليه ولا ريب، وتأول بعضهم الأشعار المذكورة على أن قائلها أراد الصحابة الذين هو بين ظهرانيهم إذ كان أبو بكر - رضي الله عنه - قد قبض، والباقون منهم لا ينازع عليا في هذه المنقبة، والله تعالى أعلم.
وذكر المزي عن: بريدة، وأبي هريرة، وجابر، والبراء، وزيد بن أرقم حديث الموالاة وكأنه لم ير ما ألفه أبو العباس، فإنه ذكر فيه كتابا ضخما ذكر فيه نيفا وسبعين صحابيا، وذكر المزي الصحابة الذين رووا حديث ’’ لأعطين الراية يوم خيبر ’’ وممن لم يذكره الزبير بن العوام وعلي نفسه والحسن ابنه وعبد الله
بن عمرو بن العاصي، وأبو ليلى الأنصاري، وعامر بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله. قال الحاكم: رواه جماعة كبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي كتاب العسكري: ولد بمكة في الشعب، قبل الوحي باثني عشرة سنة وعبد الرحمن بن ملجم نخعي حليف لمراد، ضربه لسبع عشرة خلت من رمضان، ومات - رضي الله عنه - ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت منه.
وفي الطبقات عن الشعبي قال: ما رأيت رجلا قط أعرض لحيته من علي قد ملأت ما بين منكبيه، بيضاء أصلع، على رأسه زغيبات، وعن أبي رجاء: كثير الشعر كأنما اجتاب إهاب شاة، وعن قدامه بن عتاب كان ضخم البطن، ضخم مشاشة المنكب، ضخم عضلة الذراع، دقيق مستدقها، ضخم عضلة الساق، دقيق مستدقها. وعن سعد الضبي: كان فوق الربعة، ضخم المنكبين، طويل اللحية وإن شئت قلت: إذا نظرت إليه آدم، وإن تبينته من قريب قلت: إن يكن أسمر أقرب من أن يكون آدم.
وابن ملجم حليف بني جبلة من كندة.
قال محمد بن عمر: والثابت عندنا أنه مات وله ثلاث وستون سنة.
وعند أبي عمر من حديث أبي ليلى الأنصاري يرفعه:
علي فاروق هذه الأمة ’’ يفرق بين الحق والباطل ’’ [يعسوب المؤمنين]، وفي سنده ضعف.
وفي كتاب البرقي: قيل أن عليا كان أحمر ضخم المنكبين، وضرب [ق 148 / ب] ليلة سبع عشرة مضت من رمضان، وقيل: لتسع عشرة، ومات ليلة الأحد لتسع بقين، وحفظ لنا عنه نحو مائتي حديث.
وفي الطبقات لخليفة: ضرب لست بقين من رمضان.
وفي ’’ مسند بقي بن مخلد ’’ فيما ذكره أبو محمد بن حزم: له خمس مائة حديث وسبعة وثمانون حديثا.
وفي كتاب ’’ الطبقات ’’ لإبراهيم بن المنذر الحزامي عن الحارث قال: كان علي قصيرا دقيق الذراعين. وعن الشعبي آدم شديد الأدمة، عظيم البطن ليس على رأسه شعر إلا كهيئة الخط حول القلعة من مؤخره. وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن بعض أهله: أنه كان ضخم الهامة عريض ما بين المنكبين إذا مشى لا يسرع، وهو في ذلك يقطع أصحابه، أصلع له إكليل من شعر، أبيض الرأس واللحية أشعر الجسد، عظيم البطن بسام، أخشن من الحجر في الله تعالى قال الحزامي: قتل وهو ابن ثلاث وستين، وهو أثبت عندنا.
وقال أبو نعيم الحافظ في كتاب ’’ الصحابة ’’: ذكر بعض المتأخرين أنه قتل بالكوفة سنة أربع وثلاثين، وهو وهم شنيع، لا يشتبه على العوام والجهال، أنه قتل سنة أربعين، وإنما استكمل بخلافته حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الخلافة بعده ثلاثون سنة، وهم المتأخر فجعل سنة ولايته للخلافة سنة وفاته، انتهى كلامه. وفيه نظر من حيث أن ولايته لم يقل أحد أنها سنة أربع، والله أعلم، وأما قوله استكمل قول النبي: ’’ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ’’ فغير جيد؛ لأن استكمالها إنما هو بولاية ابنه الحسن على ذلك أصحاب التواريخ قاطبة.
وذكر أبو هلال العسكري في كتاب ’’ الأوائل ’’: لما شكى المشركون النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر - رضي الله عنه - لما قدم من سفره، فقال: على مخالفة دينكم أحد، قالوا: ابن أبي طالب. قال أبو هلال: وهذا يدل على أن عليا إذ ذاك كان بالغا، ولو كان صبيا صغيرا لما اعتد به المشركون تابعا.
وفي ’’ أخبار الكوفة ’’ للتاريخي من حديث مجالد عن الشعبي: أمر الحجاج ببناء القبة التي بين يدي المسجد بالكوفة، فلما حفر الأساس هجموا على جسد طري فيه ضربة على رأسه فقال الحجاج: من يخبرني بهذا فجاء عدة من المشيخة، فلما نظروا إليه قالوا: هو علي بن أبي طالب، فقال: لعنه الله أبو تراب
والله لأخلينه فرده عن ذاك ابن أم الحكم، فأمر الحجاج بحفائر فحفرت من النهار، ثم أمر بجسد علي فطرح ليلا في واحدة منها بحيث لا يعلمون، وعن الواقدي دفن عند مسجد الجماعة في قميص الإمارة، وعن منجل بن غضبان قال: دخلني خالد بن عبد الله بدار يزيد فحدث قومه [] كبير البطن أبيض الرأس واللحية.
وذكر السلابي في ’’ تاريخ خراسان ’’ أن عليا دفن بالسدة، ويقال: بالكناسة، ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لعلي عشر وقيل تسع وقيل سبع فرباه على دينه، وكان أبوه ضمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمونه ويصونه؛ فلذلك قال قوم: هو أول من أسلم، وقيل أول من آمن: زيد ثم. [ق 149 / أ] أو بكر، وقال ثبيت خادم علي: لما أصيب علي سال الدم على الحصى، قال: فحملنا الدم والحصى، فدفناه مع علي، وفي كتاب ’’ النساء المهبرات ’’: كان له تسع عشرة وليدة، ومنهن من معها ولدها ومنهن من هي حبلى، ومنهن من قد مات ولدها، وفي ’’ شرح الكامل ’’ لابن السيد ثبت في الحديث أن عليا قال: وافقني ربي في ثلاث قلت: من لانت كلمته وجبت محبته، وقال جل وعز: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقلت: المرء مخبوء تحت لسانه. وقال جل وعز: {ولتعرفنهم في لحن القول} وقلت: القتل ليبقى القتيل. وقال جل وعز: {ولكم في القصاص حياة}.
وذكر الراغب في ’’ المفردات ’’ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ’’ يا علي، أنا وأنت أبوا المؤمنين ’’ ولقبه النبي بأنه مدينة العلم.
وذكر أبو الشيماء محمود بن محمد القزويني في كتابه ’’ خاصيات العشرة ’’ أنه ذو الأذن الواعية، وسماه النبي ذر الأرض قال: وقد رويت هذه اللفظة مهموزة، وملينة من همز أراد الصوت، والصوت كمال الإنسان كأنه قال: أنت جمال الأرض والملين المتفرد والوحيد كأنه قال: أنت وحيد الأرض تقول: زررت السكنى إذا رسخته في الأرض بالوتد فكأنه قال: أنت وتد الأرض.
وفي القرنيين قال بعض الصحابة: كان علي ديان هذه الأمة وكناه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا الريحانتين.
وكناه الداودي في ’’ شرح البخاري ’’ أبا الحسين وأبا الحسن.
وأنشد له أبو بكر بن يحيى الصولي في كتابه ’’ أشعار الخلفاء ’’ شعرا كثيرا منها قوله يوم الخندق لما قتل عمرو بن عبد ود:
وزعم المدائني أن أول شعر قاله:
وغير المدائني يزعم أن هذا الشعر قاله، لما قالت له الخوارج: تب من التحكيم وقال أيضا:
وقال - رضي الله عنه - أيضا يرثي سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
وقال أيضا:
وفي تاريخ ابن أبي عاصم: توفي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - سنة تسع وثلاثين.
وفي ’’ الكامل ’’ لأبي العباس المبرد: وقيل: يقولون فيه: الوصي ذلك. قال الكميت:...
وقال أحمد بن حنبل: لم يرو لأحد من الصحابة من الفضائل ما روي عنه فلنقتصر على هذا والحمد لله تعالى. وفي الرواة خمسة آخرين يسمون علي بن
أبي طالب ذكرهم الخطيب في ’’ المتفق والمفترق ’’. [ق 150 / أ].

  • الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 9- ص: 1

علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قتل بالكوفة قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وقتله الحسن بن علي ودفن علي بالكوفة ليلاً فلا يعلم أين موضع قبره ثم بايع الحسن بن علي بعد وفاة أبيه على سبعون ألفاً فزهد في الخلافة فلم يردها وسلمها لمعاوية وقال لا يهراق على يدي محجمة من دم قال علي بن أبي طالب بليت بأربعة اطوع الناس في الناس عائشة أم المؤمنين وأشد الناس الزبير واعبد الناس محمد بن طلحة بن عبيد الله وأسخى الناس يعلى بن منية كان يعلى يعطي الرجل ثلاثين دينارا وفرسا يقول اخرج قاتل علياً قال العجلي يعلى بن أمية أمية أبوه ومنية أمه قال وقتل محمد بن طلحة يوم الجمل وكان علي عليه السلام يقول ما قتله إلا طاعة أبيه قال وطلحة والزبير لم يقتلهما أصحاب علي رضي الله عنه طلحة قتله مروان بن الحكم والزبير قتله بن جرموز وهو منصرف

  • دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
حدثنا بشر بن موسى، نا خلاد بن يحيى، نا إسماعيل بن عبد الملك، عن علي بن ربيعة، عن علي رضي الله عنه قال: ’’ حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار بي، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: «اغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب غيرك»، ثم التفت إلي فضحك، فقلت: يا رسول الله، ما أضحكك؟ قال: «يضحك ربي عز وجل، يعجبه لعبده أنه لا يغفر الذنوب غيره»
حدثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار، نا أبو نعيم، نا فطر بن خليفة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ لبعث الله عز وجل رجلاً من أهلي، يملؤها عدلاً، كما ملئت جوراً»

  • مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 2- ص: 1

علي بن أبي طالب (ع)
أمير المؤمنين، أبو الحسن الهاشمي، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفارس الإسلام.
استشهد في سابع عشر رمضان سنة أربعين، وله بضع وستون سنة. رضي الله عنه.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 1- ص: 1

علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب، عبد مناف - على الأصح فيما قال ابن عبد البر، والمشهور على ما قال النووي وقيل اسمه كنيته - بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب القرشي:
أمير المؤمنين أبو الحسن، ويكنى أبا تراب، كناه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك إليه أحب ما يدعى به صهر النبي صلى الله عليه وسلم ومؤاخيه، وأحد الخلفاء الأربعة الراشدين، والستة
الذين جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم الخلافة فيهم شورى، وأحد العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفى وهو عنهم راض.
وأول من أسلم وآمن بالله ورسوله، على ما روى عن سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفارى، والمقداد بن الأسود، وخباب بن الأرت، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد ابن أرقم، وأبي سعيد الخدرى، رضي الله عنهم على ما نقل عنهم ابن عبد البر، قال: وفضله هؤلاء على غيره.
وقد اختلف في كونه أول من أسلم، فروى سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أول هذه الأمة ورودا على الحوض، أولها إسلاما: علي بن أبي طالب» وروى هذا موقوفا على سلمان رضي الله عنه، قال ابن عبد البر: ورفعه أولى، لأن مثله لا يذكر بالرأي.
وقال ابن عباس: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أول من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنها، وساقه ابن عبد البر بسنده إلى ابن عباس: وقال: لا مطعن فيه لأحد، لصحته وثقة نقلته، وهو يعارض ما ذكرناه عن ابن عباس في باب أبي بكر، والصحيح في أمر أبي بكر، أنه أول من أظهر إسلامه، كذلك قال مجاهد وغيره. وقال ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقتادة، وابن إسحاق: أول من أسلم من الرجال على، واتفقوا على أن إسلامه بعد خديجة، وروى ابن عبد البر بسنده إلى محمد ابن كعب القرظى، أنه سئل عن على وأبي بكر: أيهما أسلم أولا؟، فقال: سبحان الله! على أولهم إسلاما، وإنما شبه على الناس، لأن عليا أخفى إسلامه من أبيه أبي طالب، وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه، قال: ولا شك عندي أن عليا أولهم إسلاما. انتهى.
قال النووي: قال العلماء: والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار: أبو بكر، ومن الصبيان: على، ومن النساء: خديجة، ومن الموالي: زيد بن حارثة، ومن العبيد: بلال. انتهى.
واختلف في سنه وقت أسلم، فقيل ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل ابن خمس عشرة سنة، وقيل ابن ستة عشرة سنة، وقيل ابن عشرين سنة، وقيل ابن ثمان سنين. والقول بأنه كان ابن ثلاث عشرة سنة، يروى عن ابن عمر من وجهين جيدين، على ما قال ابن عبد البر. وقال: هذا أصح ما قيل في ذلك.
واختلف في أفضليته على غيره، فقال ابن عبد البر: واختلف السلف أيضا في تفضيل على وأبي بكر. وحديث ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، ثم نسكت - يعنى فلا نفاضل - وهم وغلط، وأنه لا يصح، وإن كان إسناده صحيحا، لأن أهل السنة من السلف والخلف، من أهل الفقه والأثر، مجمعون على أن عليا أفضل الناس بعد عثمان، قال: وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل على وعثمان، قال: ووقف في تفضيل كل منهما على الآخر: مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وذكر أن ابن معين: تكلم بكلام غليظ في الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان، ويسكتون عن تفضيل على.
وقد جاء في فضل على رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبار صحيحة، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلى رضي الله عنه، لما خلفه في غزوة تبوك، على المدينة وعلى عياله: «أنت منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبى بعدي» .
رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة، منهم سعد بن أبي وقاص - من طرق كثيرة جدا - وابن عباس، وأبو سعيد الخدرى، وجابر، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، رضي الله عنهم، وهو مخرج في الصحيحين.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم غدير خم عند الجحفة: «من كنت مولاه، فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» .
يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: بريدة، وأبو هريرة، وجابر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وبعضهم لا يزيد علي: «من كنت مولاه، فعلى مولاه». وأخرجه الترمذي من حديث أبي شريحة، أو زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: حسن، والشك في غير الصحابى، لا يقطع في صحة الحديث، لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، ليس بفرار، يفتح الله على يديه» ثم دعا بعلي رضي الله عنه وهو أرمد، فتفل في عينيه، وأعطاه الراية، ففتح الله على يديه. وهذا الحديث في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما آخى بين الصحابة رضي الله عنهم، وجاءه على رضي الله عنه تدمع عيناه، يقول له: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بينى وبين أحد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أخى في الدنيا والآخرة» أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، عهد إلى على رضي الله عنه، أنه «لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق»، وهذا الحديث في صحيح مسلم، من رواية زر بن حبيش، عن على رضي الله عنه.
ومنها أن الله تعالى، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحب على، كما في الترمذي، من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كثيرة مشهورة، وإنما أوردنا ذلك للتبرك.
وأما الحديث المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أنا دار العلم وعلى بابها». وفي رواية: «أنا مدينة العلم» فهو حديث منكر على ما قال الترمذي. وفي بعض نسخ الترمذي: غريب. ولا ريب في أن عليا رضي الله عنه في العلم بالمكان الأعلى. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أعطى على رضي الله عنه، تسعة أعشار العلم، وو الله لقد شاركهم في العشر الباقي. انتهى.
وكان رضي الله عنه أقضى الصحابة، على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يتعوذ من معضلة ليس هو فيها. وقالت عائشة رضي الله عنها، لما أخبرت أن عليا أفتى الناس بصوم عاشوراء: أما إنه لأعلم الناس بالسنة.
وقال معاوية، لما بلغه موت على رضي الله عنه: ذهب الفقه والعلم، بموت ابن أبي طالب. وكان معاوية رضي الله عنه، يكتب إليه فيما ينزل به، يسأله عنه، وسئل عطاء ابن أبي رباح: كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من على؟ قال: لا والله، ما أعلمه.
قال ابن المسيب: ما كان أحد يقول: سلونى، غير علي بن أبي طالب. انتهى. وفضائله رضي الله عنه كثيرة.
وهاجر رضي الله عنه، بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بمدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة، أمره أن يقيم بمكة بعده أياما، حتى يؤدى عنه أمانته. والودائع والوصايا التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلحقه بأهله، ففعل. وشهد بدرا والحديبية، وسائر المشاهد، إلا تبوك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خلفه على المدينة وعلى عياله، وأبلى ببدر وأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم.
وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، في يده في مواطن كثيرة، منها يوم بدر، على اختلاف في ذلك، ومنها يوم أحد، بعد قتل مصعب بن عمير.
وبويع رضي الله عنه بالخلافة بعد عثمان، يوم قتل عثمان رضي الله عنه، سعي الناس إليه وهو في داره. فأخرجوه منها، وقالوا: لابد للناس من إمام، وحضر طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص والأعيان فبايعوه، وأول من بايعه طلحة، ثم سائر الناس من المهاجرين والأنصار، وتخلف عن بيعته نفر، فلم يهجهم ولم يكرههم، وسئل عنهم فقال: هؤلاء قوم قعدوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل. وفي رواية أخرى،: أولئك قوم خذلوا الحق، ولم ينصروا الباطل. وتخلف عن بيعته رضي الله عنه، معاوية بن أبي سفيان، ومن معه من أهل الشام، غضبا لعثمان، ونعاه معاوية لأهل الشام، فتعاونوا على الطلب بدمه، ونصب ثوب عثمان رضي الله عنه، وهو مضرج بالدم على منبر دمشق، ثم إن طلحة والزبير رضي الله عنهما، فارقا عليا، ولحقا بمكة، واجتمعا فيها مع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم، وساروا إلى البصرة للطلب بدم عثمان، لأن قتلته التفوا على على رضي الله عنه، وصاروا معه من رءوس الملأ، وخاف على رضي الله عنه من أن ينتقض الناس، فسار بمن معه من الناس إلى العراق، فجرى بينه وبين عائشة ومن معهما، الوقعة المعروفة بوقعة الجمل، أثارها سفهاء الفريقين، وخرج الأمر عن على وعن طلحة والزبير، وقتل من الفريقين نحو عشرين ألفا، منهم طلحة والزبير، وظفر على رضي الله عنه بعائشة، فأكرمها ورعى لها حرمتها، وجهز معها من أوصلها إلى المدينة. وكانت وقعة الجمل في سنة ست وثلاثين من الهجرة، في عاشر جمادى الأولى، وقيل في عاشر جمادى الأخرى، والله أعلم.
ثم ثار الحرب بينه وبين أهل الشام، لا متناعهم من مبايعته، فسار على نحوهم من العراق في تسعين ألفا، وقيل في مائة ألف، وقيل في خمسين ألفا، والتقى مع معاوية وأهل الشام، وكانوا سبعين ألفا، وقيل ستين، على أرض صفين بناحية العراق، في صفر سنة سبع وثلاثين من الهجرة، ودام الحرب والغارة بين الفريقين أياما وليالى، وقتل من الفريقين ستون ألفا، وقيل سبعون ألفا، وغلب أصحاب على رضي الله عنه على الماء، وأزالوا عنه أهل الشام. ولما خاف أهل الشام الكسرة، رفعوا المصاحف بإشارة عمرو بن العاص رضي الله عنه، ودعوا إلى الحكم بما في كتاب الله، فأجاب على رضي الله عنه إلى تحكيم الحكمين، حكما من جهة على، وحكما من جهة معاوية، على أن من اتفق الحكمان على توليته الخلافة، فهو الخليفة.
واختلف على على رضي الله عنه أصحابه، لإجابته إلى ذلك، وخرجت عليه الخوارج، وهم أزيد من عشرة آلاف، وقالوا: لا حكم إلا الله، وكفروا عليا رضي الله عنه بفعله، واعتزلوه، وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبل، فخرج عليهم على رضي الله عنه بمن معه، ورام رجعتهم، فأبوا إلا القتال، فقاتلهم واستأصل جمهورهم، ولم ينج منهم إلا اليسير. وجملة من قتل منهم أربعة آلاف، على ما قيل. فلما كان شهر رمضان من سنة ثمان وثلاثين، اجتمع الحكمان، وهما أبو موسى الأشعرى، من جهة على رضي الله عنه، فيمن معه من وجوه أصحاب على رضي الله عنه، وعمرو بن العاص، من جهة معاوية، فيمن معه من وجوه أصحاب معاوية، بدومة الجندل، وهي مسيرة عشر أيام من دمشق، وعشرة من المدينة، وعشرة أيام من الكوفة، فلم ينبرم أمر، لأن عمرا رضي الله عنه، خلا بأبى موسى فخدعه، فقال له: نخلع الرجلين - يعنى عليا ومعاوية - ونولى من يختاره المسلمون، فأذعن لذلك أبو موسى، وقال له عمرو: تكلم قبلى، فأنت أفضل منى وأكبر سابقة. فلما خرجا إلى الناس، تكلم أبو موسى، وخلع عليا ومعاوية، ثم قام عمرو، فقام وقال: أما بعد، فإن أبا موسى قد خلع عليا كما سمعتم، وقد واقفته على خلع على، ووليت معاوية.
وسار الشاميون وقد بنوا في الظاهر على هذه الصورة، وود أصحاب على الكوفة، على أن الذي فعل عمرو حيلة وخديعة لا يعبأ بها، وكانت مصر مرة يستولى عليها أصحاب على، ومرة يستولى عليها أصحاب معاوية، وقد ندم على التخلف عن على رضي الله عنه في حروبه، غير واحد من كبار السلف، كما روى من وجوه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر، أنه قال: ما آسى على شيء إلا أنى لم أقاتل مع أهلى مع على أهل الفئة الباغية.
قال الشعبي: ما مات مسروق، حتى تاب إلى الله تعالى عن تخلفه عن القتال مع على. قال ابن عبد البر: ولهذه الأخبار طرق صحاح، ذكرناها في موضعها، قال: وكان على رضي الله عنه يسير في الفيئ سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في القسم، وإذا ورد عليه مال، لم يبق منه شيئا، إلا قسمه، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه. ويقول: يا دنيا غرى غيرى. ولم يكن يستأثر من الفئ بشيء، ولا يخص به حميما ولا قريبا، ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات.
وروى بسنده عن مجمع التميمي، أن عليا رضي الله عنه، قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكنس، وصلى فيه، ورجاء أن يشهد له يوم القيامة.
روى بسنده عن عاصم بن كليب عن أبيه، قال: قدم على على رضي الله عنه، مال من أصبهان، فقسمه سبعة أقسام، ووجد فيه رغيفا، فقسمه سبع كسر، وجعل على كل جزء كسرة، ثم أقرع بينهم، أيهم يعطى أولا. وثبت عن ابنه الحسن بن علي بن أبي طالب من وجوه، أنه قال: لم يترك إلا ثمانمائة درهم، أو سبعمائة درهم، فضلت من عطائه، كان يعدها لخادم كان يشتريها لأهله. وروى عن عبد الله بن الهذيل قال: رأيت عليا رضي الله عنه، يخرج وعليه قميص غليظ، إذا مد كم قميصه بلغ الظفر، وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد.
وروى عن الحسن بن [ ...... ] عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يخرج من مسجد الكوفة، وعليه قطريتان، متزرا بالواحدة، مترديا بالأخرى، وإزاره إلى نصف الساق، وهو يطوف بالأسواق، وبيده الدرة، يأمرهم بتقوى الله تعالى، وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان. انتهى.
ولعلى رضي الله عنه في الزهد، والتقشف في المعيشة، والمواعظ البليغة لعماله، والأجوبة النفيسة عن مشكلات المسائل، أخبار كثيرة مشهورة. ومن كلامه رضى الله
عنه في الزهد: الدنيا جيفة، فمن أراد منها شيئا، فليصبر على مخالطة الكلاب. انتهى.
وتوفى رضي الله عنه، وهو أفضل الأمة شهيدا مقتولا، قتله رجل من حمير، عداده في مراد، وهو عبد الرحمن بن ملجم، أشقى الناس على ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، كما في سنن النسائي وغيره، وهو من الخوارج الذين قتلهم يوم النهروان، وكان واثنان مثله من الخوارج، تعاقدوا على قتل على، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأن لا يرجع أحد منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه. واتعدوا لذلك ليلة معينة، وذهب كل منهم إلى المصر الذي فيه مراده، فرأي ابن ملجم بالكوفة امرأة من بنى عجل، يقال لها قطام، رائعة الجمال، فأعجبته ووقعت في نفسه، فخطبها فقالت له: آليت ألا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه، فقال لها: ما هو؟، فقالت له: ثلاثة آلاف، وقتل على، فأجابها إلى ذلك، وأخبرها بقصده له، فوعدته بمن يشد ظهره، وهو ابن عمها، وكلمته في ذلك فأجابها، وتكلم هو مع شبيب بن بجرة الأشجعى في ذلك، فوافقوه، واتفقوا على أن يكمنوا لعلى في المسجد، فإذا خرج إلى الصلاة قتلوه.
فلما خرج ضربه شبيب فأخطأه، وضربه ابن ملجم على رأسه بسيف اشتراه بألف، وسقاه السم، حتى زعموا أنه لفظه، وقيل إنه ضرب عليا بخنجر كان معه، وقال لعلي: الحكم لله يا على لا لك ولا لأصحابك، فقال على رضي الله عنه: فزت ورب الكعبة، لا يفوتكم الكلب، فشد الناس عليه من كل جانب وأخذوه، فأمر به فحبس وقال: إن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به، وإن لم أمت، فالأمر إلى في العفو والقصاص.
وروى أن عليا رضي الله عنه، كان إذا رأي ابن ملجم قال: [من الوافر]:

أما إن هذا قاتلى، قيل له: فما يمنعك من قتله؟ فقال: إنه لم يقتلنى بعد.
ونقل عن على رضي الله عنه أخبار كثيرة، تدل على أنه كان عنده علم السنة والشهر والليلة التي يقتل فيها، وأنه لما خرج لصلاة الصبح، صاحت الأوز في وجهه، فطردن عنه، فقال: دعوهن فإنهن نوائح. انتهى.
واختلف في قتل ابن ملجم لعلى رضي الله عنه، فقيل وهو في الصلاة، وقيل قبل دخوله فيها.
واختلف على القول بأنه فتك فيه وهو يصلى، هل استخلف على من أتم الصلاة بالناس، أو أتمها بنفسه؟، والأكثر على أنه استخلف جعدة بن هبيرة، فصلى بالناس تلك الصلاة، والله أعلم.
ومات على رضي الله عنه بعد الفتك فيه بيومين، وكان الفتك به على ما ذكر ابن عبد البر: في ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة، وقيل لإحدى عشرة ليلة، خلت، وقيل بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة.
وقال أبو الطفيل، وزيد بن وهب، والشعبي: قتل على رضي الله عنه، لثمان عشرة ليلة بقيت من رمضان، وقبض في أول ليلة من العشر الأواخر منه. انتهى بالمعنى.
وقيل إن عليا رضي الله عنه، قتل ليلة الأحد تاسع عشرى شهر رمضان سنة أربعين. وقيل إنه قتل ليلة الجمعة، سابع عشر شهر رمضان سنة أربعين، وغسله ابناه الحسن والحسين، وابن أخيه عبد الله بن جعفر، رضي الله عنهما، وكفن في ثلاثة أثواب، ليس فيما قميص ولا عمامة، وحنط رضي الله عنه على ما قيل، بحنوط فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان معه بوصية منه في ذلك، ودفن في السحر، وصلى عليه ابنه الحسن رضي الله عنه.
واختلف في موضع قبره رضي الله عنه، فقيل في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل في رحبة الكوفة، وقيل في نجف الحيرة، موضع بطريق الحيرة، وقبره رضي الله عنه مجهول.
واختلف في مبلغ سنه، فقيل سبع وخمسون سنة، وقيل ثمان وخمسون، وقيل ثلاث وستون، قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر، وأبو نعيم، وغيرهما: وقيل خمس وستون. وقيل ثلاث وستون، أو أربع وستون، ذكر هذه الأقوال ابن عبد البر، وصحح القول بأن مبلغ سنه، ثلاث وستون من غير زيادة، وذكر أن خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وستة أيام، وقيل وثلاثة، وقيل أربعة عشر يوما. انتهى.
وقيل إن خلافته خمس سنين إلا شهرا. وسئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن صفة على رضي الله عنه، فقال: كان رجلا آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، أصلع، ربعة إلى القصر ما هو، لا يخضب.
وقال أبو إسحاق السبيعي: رأيت عليا رضي الله عنه، أبيض الرأس واللحية، وقد روى أنه ما خضب وصفر لحيته. وقال ابن عبد البر: وأحسن ما رأيت في صفته رضي الله عنه، أنه كان ربعة من الرجال، إلى القصر ما هو، أدعج العينين، حسن الوجه، كأنه القمر ليلة البدر حسنا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن الكفين، أغيد، كأن عنقه إبريق فضة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، كبير اللحية، ولمنكبه مشاش كمشاش السبع الضارى، لا يبين عضده من ساعده، قد أدمجت إدماجا، إذا مشى
تكفأ، وإن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطيع أن يتنفس، وهو إلى السمن ما هو، شديد الساعد واليد، إذا مشى إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قويا شجاعا، منصورا على من لاقاه. انتهى.
وذكر خبرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكر فيه أن عليا رضي الله عنه، كان كثير الدعابة، وأنه زوى عنه الخلافة لذلك.
وقال غيره: كان أبيض اللون، أصلع، ربعة، أبيض الرأس واللحية، وربما خضب لحيته، وكانت كثة طويلة، حسن الوجه، ضحوك السن. انتهى.
وقد أكثر الناس في قتل على رضي الله عنه من المراثى، فمما قيل في ذلك، قول بكر بن حماد [من البسيط]:
وثناء السلف على على رضي الله عنه لا يحصى كثرة، وذلك ما رويناه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: قال عمر رضي الله عنه لأهل الشوري: إن ولوها الأصيلع، كيف يحملهم على الحق! ولو كان السيف على عنقه؟ فقلت: أتعلم ذلك منه ولا توليه؟ فقال: إن لم أستخلف وأتركهم، فقد تركهم من هو خير منى.
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن عمر رضي الله عنه، ذكر له أمر الخلافة بعده، فقال له عمر رضي الله عنه: إنى أراك تقول: إن صاحبك أولى الناس بها - يعنى عليا - فقال له ابن العباس: أجل والله، إنى لأقول ذلك في سابقته وعلمه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، فقال له عمر رضي الله عنه: إنه كما ذكرت، ولكنه كثير الدعابة. انتهى بالمعنى.
وسئل عنه ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كان قد ملئ جوفه حكما وعلما، وبأسا ونجدة، مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يظن أنه لا يمد يده إلى شيء إلا ناله، فما مد يده لشيء فناله. انتهى.
ولما دخل رضي الله عنه الكوفة، قال له بعض حكماء العرب: لقد زينت الخلافة وما زانتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها. انتهى.
وفضائل على رضي الله عنه كثيرة، وأخباره شهيرة، وقد أتينا على عيون منها.
وقد رأيت أن أذكر أولاده رضي الله عنهم، لما في ذلك من الفائدة. قال ابن قتيبة: ولعلى رضي الله عنه من الولد: الحسن، والحسين، ومحسنا، وأم كلثوم، وزينب الكبرى، كلهم من فاطمة، ومحمد بن الحنفية، وعبيد الله، وأبو بكر، وعمر، ورقية، ويحيى، أمهم أسماء بنت عميس، وجعفر، والعباس، وعبد الله، ورملة، وأم الحسن، وأم كلثوم الصغرى، وحمامة، وميمونة، وخديجة، وفاطمة، وأم الكرام، ونفيسة، وأم علقمة، وأمامة، وأم أبيها، رضي الله عنهم. انتهى.
وذكر المزي في التهذيب: أنه كان لعلى من الولد الذكور، أحد وعشرون: الحسن، والحسين، ومحمد الأكبر، وهو ابن الحنفية، وعمر الأطرف، وهو الأكبر، والعباس الأكبر أبو الفضل، قتل بالطف، ويقال له السقاء أبو قربة، أعقبوا. والذين لم يعقبوا: محسن، درج سقطا، ومحمد الأصغر، قتل بالطف، والعباس الأصغر، يقال إنه قتل بالطف، وعمر الأصغر، درج، وعثمان الأكبر، قتل بالطف، وعثمان الأصغر، درج، وجعفر الأكبر، قتل بالطف، وجعفر الأصغر، درج، وعبد الله الأكبر، يكنى أبا محمد، قتل بالطف، وعبد الله الأصغر، درج، وعبيد الله، يكنى أبا على، يقال إنه قتل بكربلاء، وعبد الرحمن درج، وحمزة درج، وأبو بكر عتيق، يقال إنه قتل بالطف، وعوف درج، ويحيى، يكنى أبا الحسن، توفى صغيرا في حياة أبيه. انتهى.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 5- ص: 1

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب
قتل في شهر رمضان الكوفة سنة أربعين واسم أبي طالب عبد مناف وكان من المهاجرين الأولين أسلم وهو ابن ثمان سنين ويقال بن سبع سنين روى عنه بنوه الحسن والحسين ومحمد وعمرو وابن أخيه عبد الله بن جعفر وابن عمه عبد الله بن عباس وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن الزبير وأبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو سعيد الخدري وصهيب بن سنان وزيد بن أرقم وأبو موسى الأشعري وجرير بن عبد الله البجلي وأبو أمامة الباهلى وجابر بن عبد الله وحذيفة بن أسيد وسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة وأبو جحيفة وأبو ليلى وجابر بن سمرة وعمرو بن حريث وعمارة بن رويبة وبشر بن سحيم وأبو الطفيل عامر بن واثلة وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وطارق بن شهاب نا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري نا إسحاق يعني بن راهويه قال أنا عبد الرزاق أنا معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال شهدت علياً رضي الله تعالى عنه يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلي يوم القيامة إلا حدثتكم وسلوني عن كتاب الله عز وجل فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 6- ص: 1