ابن العميد علي بن محمد بن الحسين، أبو الفتح ابن العميد: وزير، من الكتاب الشعراء الأذكياء، يلقب بذي الكفايتين. وهو ابن أبي الفضل (ابن العميد) الوزير العالي الشهرة (المتوفي سنة 360هـ) خلف أباه في وزارة ركن الدولة البويهي بالري ونواحيها (سنة 360) ولقبه الخليفة الطائع لله بذي الكفايتين (السيف والقلم) واستمر إلى أيام مؤيد الدولة (ابن ركن الدولة) وأحبته القواد وعساكر الديلم، لكرمه وطيب أخلاقه، فخاف آل بويه العاقبة، فقبض عليه مؤيد الدولة وعذبه ثم قتله. وأخباره كثيرة، على قصر مدته.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 325

أبو الفتح بن العميد اسمه علي بن محمد بن الحسين بن العميد وهو ابن الكاتب الشهير الذي يطلق عليه أي على الأب ابن العميد.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 393

ابن ابن العميد الوزير علي بن محمد بن الحسين بن محمد بن أبي الفضل، هو الوزير أبو الفتح ابن العميد، تقدم ذكر والده. كان وزير ركن الدولة بعد أبيه أبي الفضل، وتولى ذلك وسنه اثنتان وعشرون سنة. وكان ذكيا متوقدا أديبا متوسطا، وله نظم وترسل. لكنه ولد نعمة شديد العجب والدالة. وحمل النفس على ما تدعوه إليه الحداثة. فسد رأي عضد الدولة فيه، فلما توفي ركن الدولة وسار مؤيد الدولة من إصبهان إلى الري، استصحب معه الصاحب بن عباد، كاتبه، وأقرأ أبا الفتح ابن العميد على حملته ورتبه في منزلته وقدمه ومكنه. فاستمر على عادته في الإدلال والاستبداد والمضي على وجهه في كل الأحوال. فاستوحش منه مؤيد الدولة، وترددت بينه وبين عضد الدولة مكاتبات ومراسلات في بابه. فقبض عليه مؤيد الدولة في شهر ربيع الأول سنة ست وستين وثلاث مائة. ولما حبس وعذب لاستخراج الأموال سملت عينه وجزت لحيته وجدع أنفه، ففتق جيب جبته وأخرج منه رقعة تشتمل على ودائع أمواله وذخائره، فألقاها في النار وقال للموكل به: اصنع ما شئت فو الله لا يصل إليكم من أموالي المستورة حبة واحدة. فما زال يعذبه إلى أن مات. وقد ذكر أبو حيان التوحيدي سبب القبض عليه مستوفى، وأورده ياقوت في ترجمة أبي الفتح ابن العميد وأنشد في آخر حاله:

ومن شعره وهو في الحبس:
ووجد على حائط محبس ابن العميد بعد قتله:
وفي بني العميد يقول القائل:
وكان أبوه أبو الفضل قد جعل عليه عيونا يرصدونه ويطالعونه بأخباره ومتجدداته. فقال له بعضهم: إنه الليلة كتب إلى فلان يستدعي منه شرابا. فحمل ذلك إليه ما يحتاجه من نقل ومشموم ومشروب، فدس أبوه إلى ذلك الرجل من يأتيه بالورقة، فأتاه بها وإذا فيها بخطه بعد البسملة:
قد اغتنمت الليلة -أطال الله بقاء سيدي ومولاي- رقدة من عين الدهر، وانتهزت فيها فرصة من فرص العمر، وانتظمت مع أصحابي في سمط الثريا، فإن لم تحفظ علينا النظام بإهداء المدام، عدنا كبنات نعش والسلام.
فاستطير أبوه فرحا وإعجابا بهذه الرقعة البديعة وقال: الآن ظهر لي أثر براعته، ووثقت بجريه في طريقي، ونيابته منابي، ووقع لي بألفي دينار.
فأصغى أبو الفتح وقال في الوقت:
ومن شعره:
ومن شعره:
ومن شعره:
وقال الثعالبي: كنت عند أبي الفتح ابن العميد في يوم شديد الحر، وقد رمت الهاجرة بجمراتها فقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فلم أفطن ما أراد. فلما كان بعد قليل أتى من استدعاني إلى مجلس والده. فلما مثلت بين يديه تبسم وقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فبهت وسكت، وما زلت أفكر حتى تنبهت أنه أراد الخيش، لأنه كان على أبي الفتح من جهة والده من يطالعه بأخباره. فكتب إلى أبيه بتلك اللفظة في تلك الساعة، فدعاني لفرط اهتزازه لها.
ووجد له أبوه يوما رقعة مكتوبة بخطه فيها بيتان وهما:
فغضب وقال: أمثل ولدي يكتب بهذا الفحش والفجور، أما والله لولا ولولا ولولا، ثم أمسك كأنه يشير إلى ما حكم له من سوء العاقبة وقصر العمر.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0

علي بن محمد بن الحسين بن محمد أبو الفتوح

ابن العميد الملقب بذي الكفايتين، كفاية السيف وكفاية القلم، وزير ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه بعد أبيه، وبذل مالا، ثم وزير ابنه مؤيد الدولة بويه بالري وأصفهان وتلك الأعمال، وورد إلى بغداد صحبة عضد الدولة بن ركن الدولة لنصرة عز الدولة بختيار. قتلى على ما يجيء شرحه إن شاء الله تعالى في سنة ست وستين وثلاثمائة ومولده في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، كذا ذكر ابن الصابئ.

كان أديبا فاضلا بليغا قد اقتدى بأبيه في علو الهمة وبعد الشأو في الكرم والفضل:

وكان أبوه قد أدبه فأحسن تأديبه، وهذبه أبو الحسين ابن فارس اللغوي وأحسن تهذيبه، ولما مات أبوه في الوقت الذي ذكرناه في ترجمته، وهو سنة ستين وثلاثمائة، وقال ابن الصابي في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، قام مقامه في وزارة ركن الدولة وذلك قبل الاستكمال وبعد من الاكتهال، وعمره حينئذ اثنتان وعشرون سنة، فألقى ركن الدولة مقاليده إليه، وعول في تدبير السيف والقلم عليه، فلما جرى لعز الدولة

بختيار بن معز الدولة ببغداد ما جرى مع غلامه سبكتكين وأرسل إلى عمه ركن الدولة يستعين به تقدم إلى أبي الفتح بالمضي إلى شيراز والمسير في صحبة ولده عضد الدولة لانجاد عز الدولة، وورد إلى بغداد وجرى ما جرى من موت سبكتكين ومحاربة أصحابه حتى انجلوا عنها، وطمع عضد الدولة فيها ومكاتبة أبيه إياه بمفارقتها وتسليمها إلى عز الدولة، وكتب ركن الدولة إلى أبي الفتح بالقيام بذلك وبالتكفل به حتى يفارق عضد الدولة بغداد في قصة هي مذكورة في التواريخ، فتشدد ابن العميد على عضد الدولة في ذلك، وخاطبه فيه مخاطبات حقدها عضد الدولة عليه، فلما رجع عضد الدولة قال يوما لابن العميد: ما حظيت من ورودي إلى بغداد بفائدة، وقد أطلقت بسببها أموالا صامتة لا تحصى، فقال له أبو الفتح: ما سلم من الأعطيات سلطان، ولا خلا من النفقات مكان، ولو استقصيت بمقدار حالي ما فرقته لكنت مبذرا، فقال له عضد الدولة:

أما أنت فقد شرف قدرك وعلا ذكرك، كناك خليفة الله في أرضه ولقبك، فأنت ذو الكفايتين أبو الفتح، فأعظم بذلك من فخر يبقى بقاء النيرين ويدوم دوام العصرين.

وكان عضد الدولة يقول: خرجت من بغداد وأنا زريق الشارب- لأن سفلة الناس والعامة كانوا يذكرونه بذلك- وخرج ابن العميد مكنى من الخليفة ملقبا بذي الكفايتين. فلما مات ركن الدولة، وقام مقامه بالري وتلك النواحي ابنه مؤيد الدولة بويه كان الصاحب ابن عباد وزيره، فخلع على أبي الفتح واستوزره والصاحب على جملته في الكتابة لمؤيد الدولة، فكره أبو الفتح موضعه، فبعث الجند على الشغب وهموا بقتل الصاحب، فأمره مؤيد الدولة بالعود إلى أصبهان، فأسر مؤيد الدولة ذلك في نفسه إلى أشياء كان ينبسط فيها يحمله عليها نزقة الشباب، وانضاف إلى ذلك تغير عضد الدولة عليه وكثرة ميل القواد والعساكر إليه، فخيفت منه غائلة، فكتب عضد الدولة إلى أخيه مؤيد الدولة يأمره بالقبض عليه واستصفاء أمواله وتعذيبه، فقبض عليه وحمله إلى بعض القلاع، وبدرت منه كلمات في حق عضد الدولة نمت إليه فزادت في استيحاشه منه، فأنهض من حضرته من تكفل بتعذيبه واستخراج أمواله والتنكيل به، فأول ما عمل به أن سمل إحدى عينيه ثم نكل به وجز لحيته وجدع أنفه وعذب

بأنواع من العذاب، فقال:

ووجد على حائط مجلسه بعد قتله:

وفي بني العميد يقول بعضهم:

قال: وكان أبو الفتح قد أغري قبل القبض عليه بانشاد هذين البيتين لا يجف لسانه عن ترديدهما:

فلما حصل في الاعتقال وأيقن أن القوم يريدون دمه وأنه لا ينجو منهم وإن بذل ماله مد يده إلى جيب جبة عليها ففتقه عن رقعة فيها ثبت ما لا يحصى من ودائعه وكنوز أبيه وذخائره، فألقاها في كانون نار بين يديه وقال للموكل به: اصنع ما أنت صانع، فو الله لا يصل من أموالي المستورة إلى صاحبك دينار واحد، فما زال يعرضه على

العذاب إلى أن تلف، ولما أحس بالقتل قال:

وهذا شيء من خبره وشعره:

قال كان أبو الفضل أبوه قد جعل جماعة من ثقات أبي الفتح في صباه يشرفون عليه في منزله ومكتبه وينهون إليه أنفاسه، فرفع إليه بعضهم أن أبا الفتح اشتغل ليلة بما يشتغل به الأحداث من عقد مجلس مسرة واحضار الندماء في خفية شديدة واحتياط من أبيه، وأنه كتب رقعة إلى من سماه يستهديه شرابا، فحمل إليه ما يصلحهم من الشراب والنقل والمشموم، فدس أبوه إلى ذلك الانسان من جاء بالرقعة الصادرة عن أبي الفتح فإذا فيها بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم قد اغتنمت الليلة- أطال الله بقاء سيدي ومولاي- رقدة من عين الدهر، وانتهزت فيها فرصة من فرص العمر، وانتظمت مع أصحابي في سمط الثريا، فإن لم تحفظ علينا النظام باهداء المدام عدنا كبنات نعش والسلام. فاستطير أبوه فرحا وإعجابا بهذه الرقعة البديعة وقال: الآن ظهر لي أثر براعته ووثقت بجريه في طريقي ونيابته منابي، ووقع له بألفي دينار.

وحدث أبو الحسين ابن فارس قال: جرى في بعض أيامنا ذكر أبيات استحسن أبو الفضل ابن العميد وزنها واستحلى رويها، وأنشد جماعة من حضر ما حضرهم على ذلك الروي وهو قول القائل:

فأصغى إليها أبو الفتح ثم أنشدني في الوقت:

قال: فتأمل هذه الطريقة وانظر إلى هذا الطبع فانه أتى بمثل ما أنشده في رشاقته وخفته ولم يعد الجنس ولم يقصر دونه، وبذلك يعرف قدر القادر على الخطابة والبلاغة.

ومن مستحسن شعره:

وله:

وله:

قرأت في كتاب أبي الحسين هلال بن المحسن، حدثني أبو اسحاق إبراهيم بن هلال جدي قال: لما سار عضد الدولة من بغداد عائدا إلى فارس أقام أبو الفتح ابن العميد بعده ووصل إلى حضرة الطائع لله حتى خلع عليه وحمله وكناه ولقبه ذا الكفايتين، وتنجز منه خلعا ولقبا لفخر الدولة أبي الحسن، وأقطع من نواحي السواد ضياعا كثيرة رتب فيها نائبا يستوفي ارتفاعها ويحمله إليه، ودعاه أبو طاهر ابن بقية عدة دعوات، وملأ عينه بالهدايا والملاطفات، وقال في بعض الأيام: لا بد أن أخلع على ابن العميد في مجلسي، ودعاه، فلما قعد وأكل وجلس على الشرب أخذ ابن بقية

بيده فرجية ورداء في غاية الحسن والجلالة ووافى بهما إلى ابن العميد وقال له: قد صرت أيها الأستاذ جامدارك، فانظر هل ترتضيني لخدمتك، وطرح الفرجية عليه وقدم الرداء بين يديه فأخذه ولبسه.

ومن شعره في الحبس:

وله:

قال أبو الحسين، وحدثني أبو الفتح منصور بن محمد بن المقدر الأصبهاني قال، حدث أحد أصحاب أبي الفضل ابن العميد المختصين به قال: كان أبو الفتح ابن أبي الفضل يباكر أباه في كل يوم ويدخل إليه قبل كل أحد، فاتفق أن دخل يوما وأنا جالس عنده، فلما رآه مقبلا في الصحن وشاهد عمته وكانت ديلمية، ومشيته وهو يختال فيها ويسرف في تلويها، عجب من ذاك وقال لي: أما ترى إلى هذه العمة وهذه المشية في مخالفتها لعادتنا ومفارقتها طريقتنا؟! فقلت: قد رأيت، وإن رسم الأستاذ أن أخاطبه فيها وأنهاه عنها فعلت، فقال: لا تفعل فانه قصير العمر وما أحب أن أدخل على قلبه هما ولا أمنعه هوى. وقد روي أن أبا الفضل وجد له رقعة كتبها إلى بعض من ينبسط إليه وفيها:

فلما وقف ابن العميد أبوه على ذلك غضب وقال: أمثل ولدي يكتب مثل هذا الفحش والفجور؟! ثم قال: أما والله لولا ولولا ولولا ثم أمسك كأنه يشير إلى ما حكم له من سوء العاقبة وقصر العمر.

حكى أبو الحسين ابن فارس مما أورده أبو منصور في «اليتيمة» قال: كنت عند الأستاذ أبي الفتح ابن العميد في يوم شديد الحر، فرمت الشمس بجمرات الهاجرة فقال لي: ما قول الشيخ في قلبه، فلم أحر جوابا لأني لم أفطن لما أراد، ولما كان بعد هنيهة أقبل رسول الأستاذ الرئيس يستدعيني إلى مجلسه، فقمت إليه، فلما مثلت بين يديه تبسم ضاحكا إلي وقال: ما قول الشيخ في قلبه؟ فبهت وسكت، وما زلت أفكر حتى انتبهت على أنه أراد الخيش، وكان من يشرف على أبي الفتح من جهة أبيه أتاه بتلك اللفظة في تلك الساعة، فدعاني لفرط اهتزازه لها ما اراد مجاراتي فيها، وقرأت صحيفة السرور من وجهه إعجابا بها، ثم أخذت أتحفه بنكت نثره وملح نظمه، فكان مما أعجب به وتعجب منه واستضحك له حكايتي رقعة وردت له علي وصدرها: وردت رقعة الشيخ أصغر من عنفقة بقة، وأقصر من أنملة نملة.

وقرأت في «تاريخ» أبي المعالي زين الكفاة الوزير أبي سعد منصور بن الحسين الآبي قال: كان عضد الدولة ينقم على أبي الفتح ابن العميد أشياء، وكان من أعظمها في نفسه حديثه ببغداد لما خرج لنجدة بختيار، فإنه جرد القول والفعل في رد عضد الدولة عن بغداد، وأقام لنفسه بذلك ببغداد سوقا تقدم بها عند أهل البلد والخليفة حتى لقبه الخليفة ذا الكفايتين وكناه في كتابه بأبي الفتح. ولما انصرف عضد الدولة عن بغداد وقد ظهرت له مخايل الغدر من بختيار وقيام أهل بغداد عليه وتصريحهم بالشتم له ولقبوه زريقا الشارب، وذلك أن عضد الدولة تقدم باتخاذ مزملة في داره ليشرب منها الجند والعامة، ولم يكن عهد مثل ذلك في دور السلاطين قبل، وكان في نفسه أزرق العين فلقبوه بذلك، فكان يقول: خرجت من بغداد وأنا زريق الشارب، وابن العميد الوزير ذو الكفايتين أبو الفتح. فلما مات ركن الدولة في ست

وستين وثلاثمائة لأربع بقين من المحرم ضبط أبو الفتح ذو الكفايتين الأمر أحسن ضبط وسكن العسكر وفرق فيهم مال البيعة، وكان مطاعا في الديلم محببا إليهم كثير الإفضال عليهم، وبادر بالخبر إلى مؤيد الدولة وهو باصفهان، فورد الري ومعه وزيره الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد يوم السبت لثلاث خلون من صفر وجلس للتعزية ثم انتصب في مكان أبيه، وكانت له هيبة وسياسة وفيه سخاء وسماحة، وخلع على أبي الفتح ابن العميد ذي الكفايتين خلع الوزارة وفوض إليه الأمر يوم الأربعاء لخمس خلون من شهر ربيع الأول، وكان الصاحب يرغب أن يقيم بالري ويخلفه فلم يأمن أبو الفتح جانبه وضرب الحجاب الشديد بينهما، وخوفوه منه لمحله من الصناعة ولمكانه من قلب مؤيد الدولة، فأراد إبعاده عن الحضرة ليتمكن من الايقاع به إن أراد ذلك، وأشار على مؤيد الدولة بأن يرده إلى أصفهان ليدبر أعمالها والمقام بها، فخلع عليه على رسم الوزارة القباء والسيف والمنطقة وما يجري مع ذلك، وخرج يوم الأحد لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ست وستين وثلاثمائة، وأخذ مؤيد الدولة في التدبير على ابن العميد والاحتيال للقبض عليه، ولم يكن يقدم على ذلك لمحل الرجل في قلوب الديلم وانصبابهم بمودتهم إليه وإخلاصهم في الموالاة إليه، وكان ذلك أقوى الدواعي لمحنته وآكد أسباب نكبته، فإنه كان مقتبل الشباب قليل التجارب غير مفكر في العواقب قد ولد في النعمة الضخمة ونشأ فيها، وخلف أباه وله دون خمس عشرة سنة، وتولى الوزارة وله إحدى وعشرون سنة، واعتاد خدمة الأمراء والقواد ومثولهم بين يديه وتنافسهم في خدمته، وكان يركب إلى الصيد وإلى الميدان لضرب الصوالجة فيتبعه أكثر أكابر الحضرة فيترجلون له ويمشون بين يديه، ثم يضيف في أكثر أيامه جماعة منهم فيخلع عليه أنواع الخلع النفسية ويحملهم على الدواب الفره بالمراكب الثقيلة، وكان ركن الدولة يرخص له في ذلك ويعجبه منه، فإنه كان تربيته وابن من طالت له صحبته وخدمته، فلما انتقل الأمر إلى مؤيد الدولة لم يصبر عليه، وكانت الأمور أيضا بعد على غاية من الاضطراب فلم يسكن إليه، وذلك أن فخر الدولة كان مداجيا لأخويه، وكان أحب إلى الديلم منهما فلم يأمناه وكان عز الدولة مكاشفا بالخلاف وبينه وبين ابن العميد ما قدمنا ذكره من المصافاة فاسترابا به، واجتمع إلى هذه الأحوال ما ذكرناه من حنق عضد الدولة عليه مما قدمه في حقه عند كونه ببغداد وامتدت العين إلى ضياعه وأمواله وخزائنه وأسبابه ودوره وعقاره وبساتينه، فإنه كان يملك من ذلك ما يملأ العين ويفوت الوهم، فراسل عضد الدولة أخاه مؤيد الدولة على لسان أبي نصر خواشاذه المجوسي، وكان من ثقاته وأماثل أصحابه، بالقبض عليه، بعد أن يوافق علي بن كامة على أمره، ليؤمن ناحية العسكر وثوبهم بمكانه، وجعلوا يجيلون الرأي أياما، ويركب خواشاذه إلى علي بن كامة ليلا ويجاريه في ذلك إلى أن اتفقوا يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر على القبض عليه عند بكوره من الغد إلى الدار، وكان عشية هذا اليوم خواشاذه عند علي بن كامة ولا بن العميد ضيافة قد اجتمع فيها جماعة من القواد، فارتاب مؤيد الدولة بالأمر وقدر أنه قد أحس بالسر وجمع الديلم لتدبير عليه وامتناع منه، فلما عاد إلى عنده خواشاذه أمره أن يلم بابن العميد ليتفرس فيه وفي المجتمعين عنده ما هو بصدده، فدخل عليه والرجل مشتغل بقصفه متوفر على طربه، فتأمله وعاد، وأراد أن يحبسه عنده فامتنع ورجع إلى الدار، فقال لمؤيد الدولة: الرجل غار غافل فلا يهمنك أمره. وبكر ابن العميد سحرا إلى دار الامارة، وكان الرسم إذ ذاك أن يحضروها بالشموع والمشاعل قبل الصباح، فلما وصل إلى مؤيد الدولة تقدم إليه علي بن كامة وكلمه في حاجة له فوعده بها فقال: قد وعدتني بها غير مرة ولم تقضها، وأخذ بيده فجذبه من مكانه، وكان قد كمن له في الممر جماعة من خواص الديلم وثقات مؤيد الدولة، فعاونوه على إخراجه من ذلك البيت وإدخاله إلى حجرة هناك وتقييده، وذلك في يوم الأحد سابع شهر ربيع الآخر، وأدخلت عليه الشهود فشهدوا عليه ببيع أملاكه جميعها وضياعه ومستغلاته من مؤيد الدولة، فلما حضر العدول أخرج إليهم كتابا كان كتبه بطلاق امرأته ابنة جستان وأشهدهم طائعا على نفسه بذلك، وقيل إنه إنما فعل ذلك خوفا من مؤيد الدولة أن يفضحه فيها، فأراد أن ينفصل منها وتبين منه لئلا يلزمه العار فيها، ولما حضروا للعقد بالبيع كشف للعدول عن قيده وأقر بالبيع، ثم اتفق أن أفرج عن محبوس كان في الدار، فعدا غلام له مستبشرا وقال: قد أفرج عن الأستاذ، يريد أستاذ نفسه، وصكت الكلمة أسماع العامة فتباشروا وظنوا أنه قد أفرج عن أبي الفتح، وصارت البلدة صيحة واحدة، واجتمع من أهل البلد على باب السلطان وميدانه وفي داره ما غصت به الأماكن وامتلأت منهم الشوارع والمساكن، وركب الديلم بأجمعهم

مستبشرين، وتلقوه على زعمهم في الخدمة فرحين، ورأى مؤيد الدولة من ذلك ما هاله وقدر أن العسكر قد ركب لاستنقاذه، فلما عرف حقيقة الحال سكن وأمر بطرد العامة، وأركب الحجاب لطرد القواد والديلم، وأنفذ في تلك الليلة ابن العميد إلى قلعة استوناوند، وقتل فيها بعد أيام ورد رأسه.

قال الوزير أبو سعد: وسمعت الصاحب كافي الكفاة رحمه الله يذكر أمره فقال في أثناء كلامه: إن مؤيد الدولة قال لي عند خروجي إلى أصبهان: إن ورد عليك كتاب بخطي أو جاءك أجل حجابي وثقاتي للاستدعاء فلا تبرح من أصفهان ولا تفارقها إلى أن يجيئك فلان الركابي فإنه إن اتجهت لي حيلة على هذا الرجل وأمكنني الله من القبض عليه بادرت به إليك، وهو العلامة بيني وبينك، قال: فاستعظمت لحداثة سني وغرة الصبا وقلة التجربة ما حكاه الصاحب من قول مؤيد الدولة «ان اتجهت لي حيلة على هذا الرجل» وتعجبت منه، وأردت الغض من أبي الفتح والتقرب بذلك إلى الصاحب فقلت: وكأن لأبي الفتح من القدر أن يصعب حبسه أو يحتاج صاحبه إلى الاحتيال معه؛ فانتهرني الصاحب وقال: يا فلان أنت صبي تحسب أن القبض على الوزراء سهل، ففطنت أنه يريد الرفع من شأن الوزارة وتفخيم أمرها فعدلت عن كلامي الأول إلى غيره.

قال أبو حيان حدثني أبو الطيب الكيمائي قال: قلت لأبي الفضل بعد أن سم الحاجب النيسابوري، وبعد أن خطب على حمد، ودس إلى ابن هند وغيرهم من أهل الكتابة والمروءة والنعم: لو كففت فقد أسرفت، فقال: يا أبا الطيب أنا مضطر، قال فقلت: وأي اضطرار هاهنا، والله إن مخادعتنا لأنفسنا في ضرنا ونفعنا لأعجب من مكابرة غيرنا لنا في خيرنا وشرنا، وهذا والله رين القلوب وصدأ العقل وفساد الاختيار وكدر النفس وسوء العادة وعدم التوفيق، فقال: يا أبا الطيب أنت تتكلم بالظاهر وأنا أحترق في الباطن، قال فقلت: إن كان عذرك في هذه السيرة المخالفة لأهل الديانة وأصحاب الحكمة قد بلغ هذا الوضوح والجلاء فإنك معذور عندنا ولعلك أيضا مأجور عند الله مالك الجزاء، وإن كنت تعلم حقيقة ما تراجعني عليه القول وتناقلني به الحجاج إنك من الخاسرين الذين باءوا بغضب من الله على مذاهب الناس أجمعين، فبكى فقلت له: البكاء لا ينفع إن كان الاقلاع ممكنا، والندم لا يجدي متى كان الإصرار قائما، هذا كله بسبب ابنك أبي الفتح، والله إن أيامه لا تطول، وإن عيشه لا يصفو، وإن حاله لا يستقيم، وله أعداء لا يتخلص منهم، وقد دل مولده على ذلك، وانك لا تدفع عنه قضاء الله وهو لا يغني عنك من الله شيئا، فعليك بخويصة نفسك.

قال أبو حيان وقد ذكر ابن عباد وأبا الفضل بن العميد ثم قال: وأما أبو الفتح ذو الكفايتين فإنه كان شابا ذكيا متحركا حسن الشعر مليح الكتابة كثير المحاسن ولم يظهر كل ما كان في نفسه لقصر أيامه واشتعال دولته وطفئها بسرعة. ومن شعره:

وله كلام كثير نظم ونثر، وله في صفة الفرس ما يوفي على كل منظوم، ولو أبقته الأيام لظهر منه كل فضل كبير. ودخل بغداد فتكلف واحتفل، وعقد مجالس مختلفة للفقهاء يوما وللأدباء يوما وللمتكلمين يوما وللمتفلسفين يوما، وفرق أموالا خطيرة، وتفقد أبا سعيد السيرافي وعلي بن عيسى الرماني وغيرهما، وعرض عليهما المسير معه إلى الري ووعدهم ومناهم وأظهر المباهاة بهم، وكذلك خاطب أبا الحسن ابن كعب الأنصاري وأبا سليمان السجستاني المنطقي وابن البقال الشاعر وابن الأعرج النمري وغيرهم، ودخل شهر رمضان فاحتشد وبالغ ووصل ووهب، فجرت في هذه المجالس غرائب العلم وبدائع الحكمة، وخاصة ما جرى مع أبي الحسن

العامري، ولولا طول الرسالة لرسمت ذلك كله في هذا المكان، فمن طريف ما جرى وفي سماعه فائدة واعتبار خبر أبي سعيد السيرافي مع أبي الحسن العامري (وقد ذكرته في أخبار السيرافي) .

قال أبو حيان: وحضرت المجلس يوما آخر مع أبي سعيد وقد غص بأعلام الدنيا وببرد الآفاق، فجرى حديث أبي إسحاق الصابئ فقال ذو الكفايتين: ذاك رجل له في كل طراز نسج وفي كل حومة رهج وفي كل فلاة ركب، ومن كل غمامة سكب، الكتابة تدعيه بأكثر مما يدعيها والبلاغة تتحلى به بأحسن مما يتحلى هو بها، وما أحلى قوله:

وقوله:

وبلغ المجلس أبا اسحاق فحضر وشكر، وطوى ونشر، وأورد وأصدر، وكان كاتب زمانه لسانا وقلما وشمائل، وكان له مع ذلك يد طولى في العلم الرياضي، وسمعت أبا إسحاق يقول: هو ابن أبيه لله دره، وأخذ في تعظيم ابيه.

قال عبد الله الفقير إليه: وقد ذكر أبو حيان قصة أبي الفتح ابن العميد وسبب القبض عليه مبسوطة مشروحة، وقد نقلتها هاهنا عنه بكمالها فإني لم أجد أحدا ذكرها أكمل منه، قال: لما مات ركن الدولة سنة ست وستين وثلاثمائة اجتمع ذو الكفايتين أبو الفتح وعلي بن كامة أحد أمراء الديلم والأعيان وتعاهدا وتواثقا وتحالفا، وبذل كل واحد منهما الاخلاص لصاحبه في المودة في السر والعلانية والذب والتوقير

عند الصغير والكبير، واجتهدا في الأيمان الغامسة والعقود الموثقة، ودبرا أمر الجيش ووعدا الأولياء وردا النافر وركبا الخطر الحاضر وعانقا الخطب العاقر، وباشر كل ذلك أبو الفتح خاصة بجد من نفسه وصريمة من رأيه وجودة فكره وصحة نيته وتوفيق ربه.

فلما ورد مؤيد الدولة الري من أصبهان وصادف الأمر متسقا ولحق كل فتق مرتتقا بما تقدم من الحزم فيه ونفذ من الرأي الصائب عنده، أنكر الزيادة الموجبة للجند فكرهها ودمدم بذكرها، فقال له أبو الفتح: بها نظمت لك الملك وحفظت لك الدولة وصنت الحريم، فان خالفت هذه الزيادة هواك فأسقطها فاليد الطولى لك، وكان ابن عباد قد ورد وحطبه رطب وتنوره بارد وأمره غير نافذ، هذا في الظاهر، فأما في الباطن فكان يخلو بصاحبه ويوثبه على أبي الفتح بما يجد السبيل إليه من الطعن والقدح، فأحس بذلك ابن العميد. فألب الأولياء على ابن عباد حتى كثر الشغب وعظم الخطب وهم بقتله وقال للأمير: ليس من حق كفايتي في الدولة- وقد انتكث حبلها وقويت أطماع المفسدين فيها- أن أسام الخسف، والأحرار لا يصبرون على نظرات الذل وغمزات الهوان، فقال له في الجواب: كلامك مسموع ورضاك متبوع، فما الذي يبرد فورتك عنه؟ قال: ينصرف إلى اصفهان موفورا، فو الله لو طالبته منصفا برفع الحساب لما نظر فيه ليعرقن جبينه، ولئن أحس الأولياء الذين أصطنعهم بمالي وأفضالي بكلامه في أمري وسعيه في فساد حالي ليكونن هلاكه على أيديهم أسرع من البرق إذا خطف ومن المزن إذا نطف، فقال له: لا مخالف لرأيك والنظر لك والزمام بيدك. وتلطف ابن عباد في خلال ذلك لأبي الفتح وقال له: أنا أتظلم منك إليك، وأتحمل بك عليك، وهذا الاستيحاش سهل الزوال إذا تألفت الشارد من حلمك وعطفت على الشائع من كرمك، ولني ديوان الإنشاء واستخدمني فيه ورتبني بين يديك وأحضرني بين أمرك ونهيك، وسمني برضاك فاني صنيعة والدك، واتخذني بهذا صنيعة لك، وليس يجمل أن تكر على ما بنى ذلك الرئيس فتهدمه وتنقضه، ومتى أجبتني إلى هذا وآمنتني فإني أكون خادمك لحضرتك وكاتبا يطلب الزلفة عندك في صغير أمرك وكبيره، وفي هذا إطفاء النائرة التي قد ثارت بسوء ظنك وتصديقك أعدائي علي، فقال في الجواب:

والله لا تجاورني في بلد السرير وبحضرة التدبير وخلوة الأمير، ولا يكون لك إذن علي ولا عين عندي، وليس لك مني رضى إلا بالعود إلى مكانك من أصبهان والسلو عما تحدث به نفسك. فخرج ابن عباد من الري على صورة قبيحة متنكرا بالليل، وذلك أنه خاف الفتك والغيلة، وبلغ أصبهان وألقى عصاه بها ونفسه تغلي وصدره يفور، والخوف شامل والوسواس غالب، وهم أبو الفتح بانفاذ من يطالبه ويؤذيه ويهينه ويعسفه فأحس هو بالأمر، فحدثني أبو النجم قال: عمل على ركوب المفازة إلى نيسابور لما ضاق عطنه واختلف على نفسه ظنه، وإنه لفي هذا وما أشبهه حتى بلغهم أن خراسان قد أزمعت الدلوف إليهم وتشاورت في الاطلال عليهم، فقال الأمير لأبي الفتح، ما الرأي وقد نمي إلينا ما تعلم من طمع خراسان في هذه الدولة بعد موت ركن الدولة؟

فقال أبو الفتح: ليس الرأي إلي ولا إليك ولا الهم علي ولا عليك، هاهنا من يقول لك: أنت خليفتي، ويقول لي: أنت كاتب خليفتي، يدبر هذا بالمال والرجال، وهو الملك عضد الدولة أخوك، قال: فاكتب إليه وأشعره وأشع ما قد منينا به وأشهره وسله يداوي هذا الداء، فكتب أبو الفتح وتلطف، فصدر في الجواب: إن هذا لأمر عجاب: رجل مات وخلف مالا وله ابن فلم يحمل إليه من ارثه شيء، زويا عنه واستئثارا دونه، ثم يخاطب بأن يغرم شيئا آخر من عنده قد كسبه بجهده وجمعه بسعيه وكدحه؟! هذا والله حديث لم نسمع بمثله، ولئن استفتي الفقهاء في هذا لم يكن عندهم منه بتة إلا التعجب والاستطراف ورحمة هذا الوارث المظلوم من وجهين:

أحدهما أنه حرم ماله بحق الارث، والآخر أنه يطالب باخراج ما ليس عليه، وإن شاء حاكمت كل من سام هذا إلى من يرضى به. فلما سمع مؤيد الدولة هذا قال لأبي الفتح: ما ترى؟ قال: قد قلت وليس لي قول سواه، هذا الرجل هو الملك والمدبر والمال كله ماله، والبلاد بلاده، والجند جنده، والكل له، والاسم والجلالة عنده، وليس هاهنا إرث قد زوي عنه، ولا مال استؤثر به دونه، والنادرة لا وجه لها في أمر الجد وفيما لا تعلق له باللعب، أما خراسان فكانت مذ عشرين سنة تطالبنا بالمال وتهددنا بالمسير والحرب، ونحن مرة نحارب ومرة نسالم، وفي خلال ذلك نفرق

المال بعد المال على وجوه مختلفة، فاحسب أن ركن الدولة حي باق هل كان له إلا أن يدبر بماله ورجاله وذخائره وكنوزه؟ أفليس هذا الحكم لازما لمن قام مقامه وجلس مجلسه وألقي إليه زمام الملك وأصدر عنه كل رأي؟ وهل علينا إلا الخدمة والنصرة والمناصحة بكل ما سهل وصعب كما كان عليه ذلك بالأمس من جهة الماضي؟ فقال مؤيد الدولة: إن الخطب في هذا أراه يطول والكلام يتردد والمناظرة تربو والفريضة تعول والفرصة تفوت والعدو يستمكن، وأرى في الوقت أن نذكر وجها للمال حتى نحتج به ثم نستمد في الثاني منه، ونرضي الجند في الحال، ونتحزم في الأمر ونظهر المرارة والشكيمة بالاهتمام والاستعداد حتى يطير الخبر إلى خراسان بجدنا واجتهادنا وحزمنا واعتمادنا، فيكون ذلك مكسرة لقلوبهم وحسما لأطماعهم وباعثا على تجديد القول في الصلح ورد الحال إلى العادة المألوفة، فقال: نسأل الله بركة هذا الأمر فقد نشيت منه رائحة منكرة، ما أعرف للمال وجها، أما أنا فقد خرجت من جميع ما عندي مرة بما خدمت به الماضي تبرعا حدثان موت أبي، ومرة بما طالبني به سرا وأوعدني بالعزل والاستخفاف من أجله، ومرة بما غرمت في المسير إلى العراق في نصرة الدولة، وهذه وجوه استنفدت قلي وكثري وأتت على ظاهري وباطني، وقد غرمت إلى هذه الغاية ما إن ذكرته كنت كأني ممتن على أولياء نعمتي، وإن سكت كنت كالمتهم عند من يتوقع عثرتي، فهذا هذا، وأما أموال النواحي فأحسن حالنا فيها أنا نرجئها في نواحيها مع النفقة الواسعة في الوظائف والمهمات التي تنوبنا، وأما العامة فلا أحوج الله إليها ولا كانت دولة لا تثبت إلا بها وبأوساخ أموالها، فقال مؤيد الدولة- وكان ملقنا-: هذا ابن كامة وهو صاحب الذخائر والكنوز والجبال والحصون، وبيده بلاد، وقد جمع هذا كله في دولتنا وحازه من مملكتنا وأيامنا وبدولتنا وهو جام ما شيك ومختوم ما فض مذ كان، ما تقول فيه؟ قال: ما لي فيه كلام فإن بيني وبينه عهدا ما أخيس به ولو ذهبت نفسي، فقال: اطلب منه القرض، قال: إنه يستوحش ويراه بابا من الغضاضة، وقدر القرض لا يبلغ قدر الحاجة، فان الحاجة ماسة إلى خمسمائة ألف دينار على التقريب، ونفسه أنفع لنا وأرد علينا وأحصن لنا وإلينا من موقع ذلك المال، وبعد فرأيه وتدبيره واسمه وصيته فوق المطلوب منه. قال: وإذ ليس هاهنا وجه فليس بأس بأن يطالع الملك بهذا الرأي لتكون نتيجته من ثم، قال: أنا لا أكتب بهذا فإنه

غدر، قال: يا هذا فأنت كاتبي وصاحب سري والزمام في جمع أمري ولا سبيل إلى إخراج هذا الحديث إلى أحد من خلق الله، فإن أنت لم تتول حاره وقاره وغثه وسمينه ومحبوبه ومكروهه فمن؟ قال: أيها الأمير لا تسمني الخيانة فإني قد أعطيته عهدا يذر الديار بلاقع، ومع اليوم غد، ولعن الله عاجلة تفسد الآجلة. فقال: إني لست أسومك أن تقبض عليه وأن تسيء إليه، أشر بهذا المعنى إلى الملك عضد الدولة وخلاك ذم، فإن رأى الصواب فيه تولاه دونك، وإن أضرب عنه أعاضنا رأيا غير ما رأيناه، وأنت على حالك لا تنزل عنها ولا تبدلها، وإنما الذي يجب عليك في هذا الوقت بين يدي كتب حرفين: أنه لا وجه لهذا المال إلا من جهة فلان، ولست أتولى مخاطبته عليه ولا مطالبته به وفاء له بالعهد وثباتا على اليمين وجريا على الواجب، ولا أقل من أن تجيب إلى هذا القدر وليس فيه شيء مما يدل على النكث والخلاف والتبديل. وما زال هذا وشبهه يتردد بينهما حتى أخذ خطه بهذا على أن يصدره إلى أخيه عضد الدولة بفارس، فلما حصل هذا الخط عنده وجن عليه الليل أحضر ابن كامة وقال له: أما عندك حديث هذا المخنث فيما أشار به على الملك في بابك، وأورد عليه في حقك وأمرك وإطماعه في مالك ونفسك وتكثيره عنده ما تحت يدك وناحيتك؟! فقال ابن كامة: هذا الفتى يرتفع عن هذا الحديث ولعل عدوا قد كاده به، وبيني وبينه ما لا منفذ للسحر فيه ولا مساغ لظن سيء به، قال: ما قلت لك إلا بعد أن حققت ما قلت، ودع هذا كله في الريح، هذا كتابه إلى الملك بما عرفتك، وخطه بيده فيه، قال علي بن كامة: أنا لا أعرف الخط ولكن هاتوا كاتبي، فأحضر كاتبه الخثعمي فشهد أن الخط خطه، فحال علي بن كامة عن سجيته وخرج من مسكه وقال: ما ظننت بعد الأيمان المغلظة التي بيننا أنه يستجيز مثل هذا، قال الأمير: أيها الرجل إنما أطلعك الملك على سر هذا الغلام فيك لتعرف فساد ضميره لك وما هو عليه من هنات أخر وآفات هي أكبر، فانه هو الذي حرك من بخراسان وكاتب صاحب جرجان وألقى إلى أخينا بهمذان- يعني فخر الدولة- أخبارنا، وهو عين لبختيار هاهنا، وقد اعتقد أنه يعمل في تحصيل هذه البلاد ويكون وزيرا بالعراق، فقد ذاق من بغداد ما لا يخرج من ضرسه إلا بنزع نفسه. وكان أبو نصر المجوسي قد قدم من عند الملك

عضد الدولة وهو يفتل الحبل ويبرم، ويهاب مرة ويقدم، وكان الحديث قد بيت بليل واهتم به قبل وقته بزمان، فقال علي بن كامة: فما الرأي الآن؟ قال: لا أرى أمثل من طاعة الملك في القبض عليه، وقد كنا على ذلك قادرين، ولكن كرهنا أن يظن بنا أنا هجمنا على ناصحنا ومرتب نعمتنا وناشئ دولتنا فمهدنا عندك العذر وأوضحنا لك الأمر، قال فأنا أكفيكموه ثم قبض عليه وكان منه ما كان، واستدعى ابن عباد من أصفهان وولي الوزارة ودبرها برأي وثيق وجد زنيق.

وذكر أبو علي مسكويه في بعض كتبه قال: كان حسنويه بن الحسين الكردي قد قوي واستفحل أمره لما وقع من الشغل عنه بالفتوح الكبار، لأنه كان إذا وقع حرب بين الخراسانية وبين ركن الدولة أظهر عصبية الديلم وصار في جملتهم وخدم خدمة يستحق بها الاحسان، إلا أنه كان مع ما أقطع وأغضي عنه من الأعمال التي تبسط فيها والاضافات التي يستولي عليها ربما تعرض لأطراف الجبل وطالب أصحاب الضياع وأرباب النعم بالخفارة والرسوم التي يبدعها، فيضطر الناس إلى إجابته، ولا يناقشه السلطان، فكان يزيد أمره على الأيام ويتشاغل الولاة عنه، إلى أن وقع بينه وبين سهلان بن مسافر خلاف ومشاحة تلاجا فيها، إلى أن قصده ابن مسافر فهزمه حسنويه، وكان يظن ابن مسافر أنه لا يكاشفه ولا تبلغ الحرب بينهما إلى ما بلغت إليه، فلم تقف الحرب بينهما حيث ظن وانتهى الأمر بينهما إلى أن اجتمع الديلم وأصحاب السلطان بعد الهزيمة إلى موضع شبيه بالحصار، ونزل الأكراد حواليهم ومنعوهم من الميرة وتفرقوا بازائهم، ثم زاد الأمر وبلغ إلى أن أمر حسنويه الأكراد أن يحمل كل فارس منهم على رأس رمحه ما أطاق من الشوك والعرفج ويقرب من معسكر سهلان ما استطاع ويطرحه هناك، ففعلوا ذلك وهم لا يدرون ما يريد بذلك، فلما اجتمع حول عسكر سهلان شيء كثير في أيام كثيرة تقدم بطرح النار فيه من عدة مواضع فالتهب، وكان الوقت صيفا وحميت الشمس عليهم مع حر النار، فأخذ بكظمهم وأشرفوا على التلف، فصاحوا وطلبوا الأمان، فرفق بهم وأمسك عما هم به، وبلغ ذلك ركن الدولة فلم يحتمل ذلك كله، وتقدم إلى وزيره أبي الفضل محمد بن الحسين العميد، وهو

الأستاذ الرئيس، بقصده واستئصال شأفته، وأمره بالاستقصاء والمبالغة، فانتخب الأستاذ الرئيس الرجال وخرج في عدة وزينة، وخرج ركن الدولة مشيعا له، وخلع على القواد، ووقف حتى اجتاز به العسكر وعاد إلى الري، وسار الوزير ومعه ابنه أبو الفتح، وكان شابا قد خلف أباه بحضرة ركن الدولة وعرف تدبير المملكة وسياسة الجند، فهو بذكائه وحدة ذهنه وسرعة حركته قد نفق نفاقا شديدا على ركن الدولة، وهو مع ذلك لقلة حنكته ونزق شبابه وتهوره في الأمور يقدم على ما لا يقدم عليه أبوه، ويحب أن يسير في خواص الديلم ويمشون بين يديه ويختلط بهم اختلاط من يستميل بقلوبهم، ويخلع عليهم خلعا كثيرة، ويحمل رؤساءهم وقوادهم على الخيول الفره بالمراكب الثقال، ويريد بجميع ذلك أن يسلموا له الرئاسة حتى لا يأنف أحد منهم من تقبيل الأرض بين يديه والمشي قدامه إذا ركب، وكان جميع ذلك مما لا يؤثره الأستاذ الرئيس ولا يرضاه لسيرته، وكان يعظه وينهاه عن هذه السيرة ويعلمه أن ذلك لو كان مما يترخص فيه لكان هو بنفسه قد سبق إليه. قال مسكويه: ولقد سمعته في كثير من خلواته يشرح له صورة الديلم في الحسد والجشع وأنه ما ملكهم أحد قط إلا بترك الزينة وبذل ما لا يبطرهم ولا يخرجهم إلى التحاسد ولا يتكبر عليهم ولا يكون إلا في مرتبة أوسطهم حالا، وان من دعاهم واحتشد لهم وحمل على حاله فوق طاقته لم يمنعهم ذلك من حسده على نعمه والسعي في إزالتها وترقب أوقات الغرة في آمن ما يكون الانسان على نفسه منهم فيفتكون به ذلك الوقت، وكان يورد عليه مثل هذا الكلام حتى يظن أنه قد ملأ قلبه رعبا وأنه سيكف عن السيرة التي شرع فيها، فما هو إلا أن يفارق مجلسه ذلك حتى يعاود سيرته تلك، فأشفق الأستاذ في سفرته هذه أن يتركه بحضرة صاحبه فيلج في هذه الأخلاق ويغتر بما يراه من احتمال ركن الدولة حتى ينتهي إلى ما لا يتلافاه، فسيره معه، واستخلف بحضرة ركن الدولة أبا علي محمد بن أحمد المعروف بابن البيع، وكان فاضلا أديبا ركينا حسن الصورة مقبول الجملة حسن المخبر خلقا وأدبا. فلما كان الرئيس في بعض الطريق- وكان يركب العماريات ولا يستقل على ظهور الدواب لإفراط علة النقرس وغيره عليه- التفت حوله فلم ير في موكبه أحدا

وسأل عن الخبر فلم يجد حاجبا يخبره ولا من جرت العادة بمسايرته غيري، فسألني عن الخبر فقلت له: إن الجماعة بأسرها مالت مع أبي الفتح إلى الصيد، فأمسك حتى نزل في معسكره ثم سأل عمن جرت العادة باستدعائه للطعام- وكان يحضره في كل يوم عشرة من القواد على مائدته التي تخصه وعدة من القواد على أطباق توضع لهم وذلك على نوبة معروفة يسعى فيها نقباؤهم- فلما كان في ذلك اليوم لم يحضر أحد واستقصى في السؤال فقيل: إن أبا الفتح أضافهم في الصحراء، فاستشاط من ذلك وساءه أن يجري مثل هذا ولا يستأذن فيه، وقد كان أنكر خلو موكبه وهو في وجه حرب، ولم يأمن أن يستمر هذا التشتت من العسكر فتتم عليه حيلة، فدعا أكبر حجابه ووصاه أن يحجب عنه ابنه أبا الفتح وأن يوصي النقباء بمنع الديلم من مسايرته ومخالطته، وظن أن هذا المبلغ من الانكار سيغض منه وينهى العسكر عن اتباعه على هواه، فلم يؤثر كلامه هذا كبير أثر، وعاد الفتى إلى عادته واتبعه العسكر ومالوا معه إلى اللعب والصيد والأكل والشرب، وكان لا يخليهم من الخلع والألطاف، فشق ذلك على الأستاذ الرئيس جدا ولم يحب أن يخرق هيبة نفسه باظهار ما في قلبه ولا المبالغة في الانكار وهو في مثل هذا الوجه فيفسد عسكره ويطمع فيه عدوه، فدارى أمره وتجرع غيظه وأداه ذلك إلى زيادة في مرضه حتى هلك بهمذان وهو يقول في خلواته:

ما يهلك آل العميد ولا يمحو آثارهم من الأرض إلا هذا الصبي، يعني ابنه، وهو يقول في مرضه: ما قتلني إلا جرع الغيظ التي تجرعتها منه. فلما حصل بهمذان اشتدت علته وتوفي بها رحمه الله في ليلة الخميس السادس من صفر سنة ستين وثلاثمائة وانتصب ابنه أبو الفتح مكان أبيه، وكان العسكر كما ذكرت مائلا إليه، فزاد في بسطهم وتأنيسهم ووعدهم ومناهم وبذل لهم طعامه ومنادمته وأكثر من الخلع عليهم، وراسل حسنويه وأرغبه وأرهبه وحضه على الطاعة وأومأ إلى مصالحته على مال يحمله يقوم بما أنفق على العسكر وتوفر بعد ذلك بقية على خزانة السلطان ويضمن إصلاح حاله إذا فعل ذلك مع ركن الدولة، وكان ذلك يشق على سهلان بن مسافر لما في نفسه من حسنويه لأنه كان يحب الانتقام منه والتشفي به، وكان أبو الفتح يرى مفارقة حسنويه

والعود إلى صاحبه بما به لم يثلم عسكره ولا خاطر بهم وأن يلحق بمكانه من الوزارة قبل أن يطمع فيه أولى وأشبه بالصواب. وقد كان أبو علي محمد بن أحمد بن البيع خليفة أبيه قد تمكن من ركن الدولة وقبل ذلك ما عرفه بالكفاية والسداد وأرجف له بالوزارة، فسفر المتوسطون بينه وبين حسنويه إلى أن تقرر أمره على خمسين ألف دينار، وجبى كورة الجبل وجمع من الدواب والبغال وسائر التحف ما بلغ مقداره مائة ألف دينار، ووردت عليه كتب ركن الدولة بما قوى قلبه وشد منته وأحمد جميع ما دبره وأمره بالعودة إلى الحضرة بالري.

قال: وفي سنة احدى وستين تمكن أبو الفتح ابن العميد من الوزارة بعد أبيه، وفوض إليه ركن الدولة تدبير ممالكه، ومكنه من أعنه الخيل، فصار وزيرا وصاحب جيش على رسم والده، إلا أن والده باشر هذه الأمور في كمال من أدواته وتمام من آلاته فدبره بالحزم والحنكة، وأما أبو الفتح فكان فيه مع رجاحته وفضله في أدب الكتابة وتيقظه وفراسته نزق الحداثة وسكر الشباب وجرأة القدرة، فأجرى أمره على ما تقدم من إظهار الزينة الكثيرة واستخدام الديلم والأتراك والاحتشاد في المواكب والدعوات حتى خرج به عن حد القصد إلى الإسراف، فجلب ذلك عليه ضروب الحسد من ضروب السلاطين وأصحاب السيوف والأقلام. وكان صاحبه ركن الدولة قد شاخ وسئم ملابسة أمور الجند وأحب الراحة والدعة، ففوض إليه الأمور، ورآه شابا قد استقبل الدنيا استقبالا فهو يحب التعب الذي قاساه ركن الدولة ثم مله، ويستلذ فيه الانتصاب للأمر والنهي ومخالطة الجند والركوب إلى الصيد ومشي خواص الديلم وكبار الجند بين يديه، ثم مشاربتهم ومؤانستهم والاحسان إليهم بالخلع والحملان، فأول من أنكر هذا الفعل عليه عضد الدولة ومؤيد الدولة ابنا ركن الدولة وكتابهما ثم سائر مشايخ الدولة، ورأوه يركب في موكب عظيم ويغشى الدار، فإذا خرج تبعه الجميع وخلت دار الإمارة حتى لا يوجد فيها إلا المستخدمون من الاتباع والحاشية، ثم تراقى أمره في قيادة الجيش والتحقق به إلى أن ندب إلى الخروج إلى العراق في جيش كثيف من الري والاجتماع مع عضد الدولة لنصرة بختيار بن معز الدولة في

الخلاف الذي وقع بينه وبين الأتراك المستعصين عليه، فأقام هناك وواطأ بختيار في أمور خالف فيها عضد الدولة، وذاك أن عضد الدولة لما عاد من بغداد إلى فارس شرط على ابن العميد أن لا يقيم ببغداد بعده إلا ثلاثة أيام ثم يلحق بوالده بالري، فلما خرج عضد الدولة طابت لابن العميد بغداد، فاتبع هوى صباه وأحب الخلاعة والدخول مع بختيار في أفانين لهوه ولعبه، ووجد خلو ذرع من أشغاله وراحة من تدبير أمر صاحبه ركن الدولة مدة، وحصلت له زبازب ودور على الشط وستارات غناء محسنات، وتمكن من اللذات، وعرف بختيار له ما صنع من الجميل في بابه لأنه كان قد جرد الفعل والقول في رد عضد الدولة عن بغداد بعد أن نشبت فيها مخالبه وتملكها وقبض على بختيار واستظهر عليه، فلخصه وأعاد ملكه عليه، وصرف عضد الدولة عن بغداد، فكان يراه بختيار بصورة من خلصه من مخاليب الأسد بعد أن افترسه، وإن سعيه بين ركن الدولة وعضد الدولة هو الذي رد عليه ملكه، فبسطه وعرض عليه وزارته وتمكينه من ممالكه على رسمه وألا يعارضه في شيء يدبره ويراه، فلم يجبه إلى ذلك وقال: لي والدة وأهل وولد ونعمة قد رتبت منذ خمسين سنة، وهي كلها في يد ركن الدولة، ولا أستطيع مفارقته ولا يحسن بي أن يتحدث عني بمخالفته ولا يتم أيضا لك مع ما عاملك به من الجميل، ولكني أعاهدك إن قضى الله عز وجل على ركن الدولة ما هو قاض على جميع خلقه أن أصير إليك مع قطعة عظيمة من عسكره فإنهم لا يخالفوني، وركن الدولة مع ذلك هامة اليوم أو غد، وليس يتأخر أمره. واستقر بينهما ذلك سرا لم يطلع عليه إلا محمد بن عمر العلوي فإنه توسط بينهما وأخذ عهد كل واحد منهما على صاحبه، ولم يظهر ذلك لأحد حتى حدثني به محمد بن عمر بعد هلاك أبي الفتح. ولكن الغلط العظيم من أبي الفتح أنه كان أقام ببغداد مدة طويلة وحصل أملاكا اقتناها هناك وإقطاعات اكتتبها وأصولا أصلها على العود إليها، ثم التمس لقبا من السلطان وخلعا وأحوالا لا تشبه ما فارقه عضد الدولة عليها، ثم استخلف ببغداد بعض أولاد التناء بشيراز يعرف بأبي الحسن ابن أبي شجاع الأرجاني من غير اختبار له ولا خلطة قديمة تكشف له أمره، فلما خرج كانت تلك الأسرار التي بينه وبين بختيار والتراجم بينهما تدور كلها على يده ويتوسطها ويهدي إلى عضد الدولة جميعها ويتقرب إليه بها، فلما عرف عضد الدولة حقيقة الأمر ومخالفة أبي الفتح ابن العميد له ودخوله

مع بختيار فيما دخل فيه مع اللقب السلطاني الذي حصله، وهو ذو الكفايتين، ولبسه الخلع وركوبه ببغداد مع ابن بقية في هذه الخلع عرف مكاشفته إياه بالعداوة وكتم ذلك في نفسه إلى أن تمكن منه فأهلكه كما ذكرنا.

قال أبو سعد السمعاني أنشدنا الحسن بن محمد الأصبهاني بها أنشدنا أبو زيد صعلوك بن أميلويه بن أبي طاهر الجيلي قدم علينا قال: أنشدت لعضد الدولة في ابن العميد ومودته:

فأجابه ابن العميد:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 4- ص: 1886