أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري: شاعر وفيلسوف. ولد ومات في معرة النعمان. كان نحيف الجسم، اصيب بالجدري صغيرا فعمى في السنة الرابعة من عمره. وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة. ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ ، فأقام بها سنة وسبعة اشهر. وهو من بيت كبير في بلده. ولما مات وقف على قبره 84 شاعرا يرثونه. وكان يلعب بالشطرنج والنرد. واذا اراد تأليف املى على كتابه على بن عبد الله بن أبي هاشم. وكان يحرم ايلام الحيوان، ولم يأكل اللحم خمسا واربعين سنة. وكان يلبس خشن الثياب. اما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة اقسام: (لزوم ما لا يلزم - ط) ويعرف باللزوميات، و (سقط الزند - ط) و (ضوء السقط - خ) وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية واما كتبه فكثيرة وفهرسها في معجم الادباء. وقال ابن خلكان: من تصانيفه كتاب (الايك والغصون) في الادب يربى على مئة جزء. وله (تاج الحرة) في النساء واخلاقهن وعظاتهن، اربع مئة كراس، و (عبث الوليد - ط) شرح به ونقد ديوان البحتري، و (رسالة الملائكة - ط) صغيرة، و (رسالة الغفران - ط) من اشهر كتبه، و (ملقى السبيل - ط) رسالة، و (مجموع رسائله - ط) و (خطبة الفصيح) ضمنها كل ما حواه فصيح ثعلب، و (الرسائل الاغريقية - خ) و (الرسالة المنبجية - خ) و (الفصول والغايات - ط) الجزء الاول منه. ولكثير من الباحثين تصانيف في اراء المعري وفلسفته، منها ليوسف البديعي (اوج التحري عن حيثية أبي العلاء المعري - ط) ولكمال الدين ابن العديم (الانصاف والتحري، في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري - ط) ولعبد العزيز الميمني (ابو العلاء وما اليه - ط) ولزكي المحاسني (ابو العلاء المعري ناقد المجتمع - ط) ولسامي الكيالي (أبو العلاء المعري - ط) ولطه حسين (ذكرى أبي العلاء - ط) و (مع أبي العلاء في سجنه - ط) ولأحمد تيمور (ابو العلاء المعري، نسبه واخباره وشعره - ط) رسالة، ولعباس محمود العقاد (رجعة أبي العلاء - ط) ولوزارة المعارف المصرية (آثار أبي العلاء المعري - ط).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 157
أبو العلاء المعري التنوخي أحمد بن عبد الله في معجم الأدباء: ولد بمعرة النعمان سنة 363 وتوفي بها يوم الجمعة (2) ربيع الأول سنة 449 عن 86 سنة.
وفيه: حدث أبو زكريا قال: لما مات أبو العلاء انشد على قبره أربعة وثمانون شاعرا مراث من جملتها أبيات لعلي بن الهمام من قصيدة طويلة:
أن كنت لم ترق الدماء زهادة | فلقد أرقت اليوم من جفني دما |
سيرت ذكرا في البلاد كأنه | مسك مسامعها يضمخ أو فما |
ونرى الحجيج إذا أرادوا ليلة | ذكراك أوجب فدية من أحرما |
وإذا أتتك مذمتي من ناقص | فهي الشهادة لي بأني كامل |
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما | خطط العلا بتناصف وتصافي |
حلفا ندى سبقا وصلى الأطهر | المرضي فيا لثلاثة احلاف |
أن كنت لم ترق الدماء زهادة | فلقد أرقت اليوم من جفني دما |
غدوت مريض العقل والدين فالقني | لتعلم أنباء الأمور الصحائح |
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما | ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح |
وأبيض أمات أرادت صريحه | لأطفالها دون الغواني الصرائح |
فلا تفجعن الطير وهي غوافل | بما وضعت فالظلم شر القبائح |
ودع ضرب النحل الذي بكرت له | كواسب من أزهار نبت فوائح |
وعلى الدهر من دماء الشهيدين | علي ونجله شاهدان |
فهما في أواخر الليل فجران | وفي أولياته شفقان |
ثبتا في قميصه ليجئ الحشر | مستعديا إلى الرحمن |
وجمال الأوان عقب جدود | كل جد منهم جمال أوان |
يا ابن مستعرض الصفوف ببدر | ومبيد الجموع من غطفان |
أحد الخمسة الذين هم الاعراض | في كل منطق والمعاني |
والشخوص التي خلقن ضياء | قبل خلق المريخ والميزان |
قبل أن تخلق السماوات أو تؤمر | أفلاكهن بالدوران |
لو تأتي لنطحها حمل الشهب | تروى عن رأسه الشرطان |
أو أراد السماك طعنا لها عاد | كسير القناة قبل الطعان |
أو رمتها قوس السماء لزال العجر | منها وخانها الأبرهان |
أو عصاها حوت النجوم سقاه | حتفه صائد من الحدثان |
وبهم فضل المليك بني حواء | حتى سموا على الحيوان |
شرفوا بالشراف والسمر عيدان | إذا لم يزن بالخرصان |
أرى الأيام تفعل كل نكر | فما أنا في العجائب مستزيد |
أليس قريشكم قتلت حسينا | وكان على خلافتكم يزيد |
أمر الواحد فافعل ما أمر | واشكر الله أن الفعل أمر |
أضمر الخيفة وأضمر قلما | أدرك الطرف المدى حتى ضمر |
أيها الملحد لا تعص النهى | فلقد صح قياس واشتهر |
أن يعد في الجسم يوما روحه | فهو كالربع خلا ثم عمر |
وهي الدنيا أذاها أبدا | زمر واردة أثر زمر |
يا أبا السبطين لا تحفل بها | أعتيق ساد فيها أم عمر |
ست أن أعياك أمري | فاحمليني زقفونه |
يصول أبو حفص علينا بدرة | رويدك أن المرء يطفو ويرسب |
مكانك لا تتبع حمولة ماقط | لتشبع أن الزاد شيء محبب |
فلو كان موسى صادقا ما ظهرتم | علينا ولكن دولة ثم تذهب |
ونحن سبقناكم إلى المين فاعرفوا | لنا رتبة البادي الذي هو أكذب |
مشيتم على آثارنا في طريقنا | وبغيتكم في أن تسودوا وترهبوا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 16
أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنون بن أسحم بن النعمان -ويقال له ساطع الجمال- بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة -وتيم الله مجتمع تنوخ- المعري التنوخي من أهل معرة النعمان المشهور صاحب التصانيف المشهورة. كان عجبا في الذكاء المفرط والحافظة. قال أبو سعد السمعاني في كتاب ’’النسب’’ ذكر تلميذه أبو زكرياء التبريزي أنه كان قاعدا في مسجده بمعرة النعمان بين يدي أبي العلاء يقرأ شيئا من تصانيفه، قال: وكنت قد أقمت عنده سنين ولم أر أحدا من أهل بلدي فدخل المسجد مغافصة بعض جيراننا للصلاة فرأيته وعرفته فتغيرت من الفرح، فقال لي أبو العلاء: إيش أصابك؟ فحكيت له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من أهل بلدي سنين فقال لي: قم فكلمه، فقلت: حتى أتمم السبق، فقال لي: قم أنا أنتظر لك، فقمت وكلمته بلسان الأذربية شيئا كثيرا إلى أن سألت عن كل ما أردت، فلما رجعت وقعدت بين يديه قال لي: أي لسان هذا؟ قلت: هذا لسان أذربيجان، فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد علي اللفظ بعينه من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه جميع ما قلت وقال جاري، فتعجبت غاية التعجب كيف حفظ ما لم يفهمه.
قلت: وهذا معجز فإنه بلغنا عن جماعة من الحفاظ وما يحكى عن البديع الهمذاني والأنباري وغير هؤلاء، وهو أمر قريب من الإمكان، لأن حفظ ما يفهمه الإنسان ويعرف تراكيبه أو مفرداته سهل، وأما أنه يحفظ ما لم يسمعه ولا يعلم له مفردا ولا مركبا وهو أقل ما يكون أربعمائة سطر من سؤال غائب عن أهل بلده سنين وجوابه، وللناس حكايات يضعونها في عجائب ذكائه وهي مشهورة، أظنها مستحيلة، وكان اطلاعه على اللغة وشواهدها أمرا باهرا.
ولد يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاث مائة بالمعرة وتوفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشره سنة تسع وأربعين وأربع مائة، وجدر من السنة الثالثة من عمره فعمي منه، وكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوبا مصبوغا بالعصفر لا أعقل غير ذلك.
قال الحافظ السلفي: أخبرني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الايادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره فرآه قاعدا على سجادة لبد وهو شيخ فان فدعا لي ومسح على رأسي، قال: وكأني أنظر إليه الساعة وإلى عينيه إحداهما نادرة والأخرى غائرة جدا وهو مجدر الوجه نحيف الجسم، انتهى. وقال أبو منصور الثعالبي: وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي الشاعر وهو ممن لقيته قديما وحديثا في مدة ثلاثين سنة قال: لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب، رأيت أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، انتهى.
وهو من بيت علم وفضل ورياسة، له جماعة من أقاربه قضاة وعلماء وشعراء مثل سليمان بن أحمد بن سليمان جده قاضي المعرة وولي القضاء بحمص ووالده عبد الله بن سليمان كان شاعرا وأخيه محمد بن عبد الله وكان أسن من أبي العلاء وله شعر وأبي الهيثم أخي أبي العلاء وله شعر. وجاء من بعده جماعة من أهل بيته ولوا القضاء وقالوا الشعر ورأسوا، ساقهم الصاحب كمال الدين ابن العديم على الترتيب وذكر أشعارهم وأخبارهم في مصنف له سماه ’’دفع التجري على أبي العلاء المعري’’. وذكرهم ياقوت في ’’معجم الأدباء’’ عند ذكر المعري أبي العلاء. وقال أبو العلاء الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة ورحل إلى بغداذ ثم رجع إلى المعرة. وكان رحيله إليها سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، وأقام ببغداذ سنة وسبعة أشهر وقصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال له: ليصعد الإصطبل، فخرج مغضبا ولم يعد إليه، والإصطبل في لغة أهل الشام الأعمى، كذا قال ياقوت وقال: لعلها معربة. ودخل على المرتضى أبي القاسم فعثر برجل فقال: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما، وسمعت المرتضى وأدناه فاختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالا كثيرا. وكان المعري يتعصب لأبي الطيب ويفضله على بشار وأبي نواس وأبي تمام وكان المرتضى يبغضه ويتعصب عليه، فجرى يوما ذكره فتنقصه المرتضى وجعل يتبع عيوبه، فقال المعري: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله:
#لك يا منازل القلوب منازل
لكفا فضلا، فغضب المرتضى وأمر به فسحب برجله وأخرج من مجلسه وقال لمن بحضرته: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة فإن لأبي الطيب ما هو أجود منها لم يذكرها فقيل: النقيب السيد أعرف، فقال: أراد قوله في هذه القصيدة:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص | فهي الشهادة لي بأني كامل |
قلتم لنا صانع قديم | قلنا صدقتم كذا نقول |
ثم زعمتم بلا زمان | ولا مكان ألا فقولوا |
هذا كلام له خبيء | معناه ليس لنا عقول |
كلب عوى بمعرة النعمان | لما خلا عن ربقة الإيمان |
أمعرة النعمان ما أنجبت إذ | أخرجت منك معرة العميان |
لا أطلب الأرزاق والـ | ـمولى يفيض علي رزقي |
إن أعط بعض القوت أعـ | ـلم أن ذلك فوق حقي |
كأنما غانة لي من غنى | فعد عن معدن أسوان |
سرت برغمي عن زمان الصبا | يعجلني وقتي وأكواني |
صد أبي الطيب لما غدا | منصرفا عن شعب بوان |
حاول إهواني قوم فما | واجهتهم إلا بإهوان |
يحرشوني بسعاياتهم | فغيروا نية إخواني |
لو استطاعوا لوشوا بي إلى الـ | ـمريخ في الشهب وكيوان |
غربت بذمي أمة | وبحمد خالقها غريت |
وعبدت ربي ما استطعـ | ـت ومن بريته بريت |
وفرتني الجهال حا | شدة علي وما فريت |
سعروا علي فلم أحس | وعندهم أني هويت |
وجميع ما فاهوا به | كذب لعمرك حنبريت |
خلق الناس للبقاء فصلت | أمة يحسبونهم للنفاد |
إنما ينقلون من دار أعما | ل إلى دار شقوة أو رشاد |
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة | وحق لسكان البسيطة أن يبكوا |
تحطمنا الأيام حتى كأننا | زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك |
إن كنت لم ترق الدماء زهادة | فلقد أرقت اليوم من عيني دما |
سيرت ذكرك في البلاد كأنه | مسك فسامعة يضمخ أو فما |
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة | ذكراك أوجب فدية من أحرما |
غدوت مريض العقل والرأي فالقني | لتخبر أنباء العقول الصحائح |
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما | ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح |
ولا تفجعن الطير وهي غوافل | بما وضعت فالظلم شر القبائح |
ودع ضرب النحل الذي بكرت له | كواسب من أزهار نبت فوائح |
بعثت شفيعا إلى صالح | وذاك من القوم رأي فسد |
فيسمع مني سجع الحمام | وأسمع منه زئير الأسد |
هذا أبو القاسم أعجوبة | لكل من يدري ولا يدري |
لا ينظم الشعر ولا يحفظ الـ | ـقرآن وهو الشاعر المقري |
يا ظبية علقتني في تصيدها | أشراكها وهي لم تعلم بأشراكي |
رعيت قلبي وما راعيت حرمته | فلم رعيت وما راعيت مرعاك |
أتحرقين فؤادا قد حللت به | بنار حبك عمدا وهو مأواك |
أسكنته حين لم يسكن به سكن | وليس يحسن أن تسخي بسكناك |
ما بال داعي غرامي حين يأمرني | بأن أكابد حر الوجد ينهاك |
ولم غدا القلب ذا يأس وذا طمع | يرجوك أن ترحميه ثم يخشاك |
منك الصدود ومني بالصدود رضى | من ذا علي بهذا في هواك قضى |
بي منك ما لو غدا بالشمس ما طلعت | من الكآبة أو بالبرق ما ومضا |
جريت دهري وأهليه فما تركت | لي التجارب في ود امرئ غرضا |
إذا الفتى ذم عيشا في شبيبته | فما يقول إذا عصر الشباب مضى |
وقد تعوضت عن كل بمشبهه | فما وجدت لأيام الصبا عوضا |
لم يكن الدن غير نكر | سلافة الراح عرفته |
كآدم صيغ من تراب | ونفخة الروح شرفته |
قد أورقت عمد الخيام وأعشبت | قلل الجبال ولون رأسي أغبر |
ولقد سلوت عن الشباب كما سلا | غيري ولكن للحزين تذكر |
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل | عفاف وإقدام وحزم ونائل |
تعد ذنوبي عند قوم كثيرة | ولا ذنب لي إلا العلى والفواضل |
كأني إذا طلت الزمان وأهله | رجعت عندي للأنام طوائل |
وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم | بإخفاء شمس ضوءها متكامل |
يهم الليالي بعض ما أنا مضمر | ويثقل رضوى بعض ما أنا حامل |
وإني وإن كنت الأخير زمانه | لآت بما لم تستطعه الأوائل |
وإن كان في لبس الفتى شرف له | فما السيف إلا غمده والحمائل |
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا | تجاهلت حتى ظن أني جاهل |
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص | ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل |
وكيف تنام الطير في وكناتها | وقد نصبت للفرقدين الحبائل |
ينافس يومي في أمسي تشرفا | وتحسد أسحاري علي الأصائل |
وطال اعترافي بالزمان وأهله | فلست أبالي من تغول الغوائل |
فلو بان عضدي ما تأسف منكبي | ولو مات زندي ما رثته الأنامل |
إذا وصف الطائي بالبخل مارد | وعير قسا بالفهاهة باقل |
وقال السها للشمس: أنت خفية | وقال الدجى: يا صبح لونك حائل |
وطاولت الأرض السماء سفاهة | وفاخرت الشهب الحصى والجنادل |
فيا موت زر إن الحياة ذميمة | ويا نفس جدي إن دهرك هازل |
إذا أنت أعطيت السعادة لم تبل | ولو نظرت شزرا إليك القبائل |
تقتك على أكتاف أبطالها القنا | وهابتك في أغمادهن المناصل |
وإن كنت تهوى العيش فابغ توسطا | فعند التناهي يقصر المتطاول |
توقى البدور النقص وهي أهلة | ويدركها النقصان وهي كوامل |
لاقاك في العام الذي ولى ولم | يسألك إلا قبلة في القابل |
إن البخيل إذا تمد له المدى | في الوعد هان عليه بذل النائل |
وسألت كم بين العقيق إلى الغضا | فجزعت من أمد النوى المتطاول |
وعذرت طيفك في الجفاء لأنه | يسري فيصبح دوننا بمراحل |
فيا وطني إن فاتني بك سابق | من الدهر فلينعم لساكنك البال |
وإن أستطع في الحشر آتك زائرا | وهيهات لي يوم القيامة أشغال |
إلى الله أشكو أنني كل ليلة | إذا نمت لم أعدم خواطر أوهام |
فإن كان شرا فهو لا بد واقع | وإن كان خيرا فهو أضغاث أحلام |
اضرب وليدك تأديبا على رشد | ولا تقل هو طفل غير محتلم |
فرب شق برأس جر منفعة | وقس على شق رأس السهم والقلم |
نثرة من ضمانها للقنا الخطـ | ـي عن اللقا نثر الكعوب |
مثل وشي الوليد وإن كا | نت من الصنع مثل وشي حبيب |
تلك ماذية وما لذباب السيـ | ـف والصيف عندها من نصيب |
وفقيها أفكاره شدن للنعما | ن ما لم يشده شعر زياد |
هزت إليك من القد ابن ذي يزن | ولاحظتك بهاروت على عجل |
أرتك عم رسول الله منتقبا | أبا حذيفة يحكي أو أبا حمل |
نهارهم ابن يعفر في ضحاه | وليلة جارهم بنت المحلق |
أستغفر الله في أمني وأوجالي | من غفلتي وتوالي سوء أعمالي |
قالوا هرمت ولم تطرق تهامة في | مشاة وفد ولا ركبان أجمال |
فقلت إني ضرير والذين لهم | رأي رأوا غير فرض حج أمثالي |
ما حج جدي ولم يحجج أبي وأخي | ولا ابن عمي ولم يعرف منى خالي |
وحج عنهم قضاء بعدما ارتحلوا | قوم سيقضون عني بعد ترحالي |
فإن يفوزوا بغفران أفز معهم | أو لا فإني بنار مثلهم صال |
ولا أروم نعيما لا يكون لهم | فيه نصيب وهم رهطي وأشكالي |
فهل أسر إذا حمت محاسبتي | أم يقتضي الحكم تعتابي وتسآلي |
من لي برضوان أدعوه فيرحمني | ولا أنادي مع الكفار أمثالي |
باتوا وحتفي أمانيهم مصورة | وبت لم يخطروا مني على بال |
وفوقوا لي سهاما من سهامهم | فأصبحت وقعا عني بأميال |
فما ظنونك إذ جندي ملائكة | وجندهم بين طواف وبقال |
لقيتهم بعصا موسى التي منعت | فرعون ملكا ونجت آل إسرال |
أقيم خمسي وصوم الدهر آلفه | وأدمن الذكر أبكارا بآصال |
عيدين أفطر في عامي إذا حضرا | عيد الأضاحي يقفو عيد شوال |
إذا تنافست الجهال في حلل | رأيتني من خسيس القطن سربالي |
لا آكل الحيوان الدهر مأثرة | أخاف من سوء أعمالي وآمالي |
وأعبد الله لا أرجو مثوبته | لكن تعبد إكرام وإجلال |
أصون ديني عن جعل أؤمله | إذا تعبد أقوام بأجعال |
رددت إلى مليك الخلق أمري | فلم أسأل متى يقع الكسوف |
وكم سلم الجهول من المنايا | وعوجل بالحمام الفيلسوف |
يموت راعي الضأن في جهله | ميتة جالينوس في طبه |
وربما زاد على عمره | وزاد في الأمن على سربه |
إذا ما ذكرنا آدما وفعاله | وتزويجه لابنيه بنتيه في الخنا |
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر | وأن جميع الخلق من عنصر الزنا |
لعمرك أما فيك فالقول صادق | وتكذب في الباقين من شط أو دنا |
كذلك إقرار الفتى لازم له | وفي غيره لغو كذا جاء شرعنا |
صرف الزمان مفرق الإلفين | فاحكم إلهي بين ذاك وبيني |
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا | وبعثت تقبضها مع الملكين |
وزعمت أن لها معادا ثانيا | ما كان أغناها عن الحالين |
يد بخمس مئ من عسجد فديت | ما بالها قطعت في ربع دينار |
تحكم ما لنا إلا السكوت له | وأن نعوذ بمولانا من النار |
صيانة العرض أغلاها وأرخصها | صيانة المال فافهم حكمة الباري |
إذا هي غنت لم يشقني غناؤها | فبعدا لها من قينة لم تكرم |
تجمش من لا يبتغي اللهو عندها | وتطرد نوم الناسك المتأثم |
وأحلف لا عانقتها ولقد غدا | لها أثر ما بين كفي ومعصمي |
سمر الرماح وبيض الهند تشتور | في أخذ ثارك والأقدار تعتذر |
والدر فاقد أهل العلم قاطبة | كأنهم بك في ذا القبر قد قبروا |
فهل ترى بك دار العلم عالمة | أن قد تزعزع منها الركن والحجر |
العلم بعدك غمد فات منصله | والفهم بعدك قوس ما لها وتر |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 7- ص: 0
أبو العلاء المعرق اسمه أحمد بن عبد الله
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0
أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء المعري
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنور بن اسحم بن النعمان، ويقال له الساطع لجماله، ابن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وتيم الله مجتمع تنوخ: من أهل معرة النعمان من بلاد الشام، كان غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم، عالما حاذقا بالنحو، جيد الشعر جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته وفضله ينطق بسجيته.
ولد بمعرة النعمان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واعتل علة الجدري التي ذهب فيها بصره سنة سبع وستين وثلاثمائة، وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، أقام ببغداد سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى بلده فأقام به ولزم منزله إلى أن مات يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة في أيام القائم.
وكان في آبائه وأعمامه ومن تقدمه من أهله وتأخر عنه من ولد أبيه ونسله فضلاء وقضاة وشعراء، أنا ذاكر منهم من حضرني لتعرف نسبه في العلم كما عرفت ما أعطيه من الفهم: كان سليمان بن أحمد بن سليمان جده قاضي المعرة، وتولى القضاء بحمص وبها مات في سنة تسعين ومائتين ثم ولي القضاء بعده بها ولده أبو بكر محمد عم والد أبي العلاء وفيه يقول الصنوبري الشاعر:
بأبي يا ابن سليما | ن لقد سدت تنوخا |
وهم السادة شبا | نا لعمري وشيوخا |
أدرك البغية من أض | حى بناديك منيخا |
واردا عندك نيلا | وفراتا وبليخا |
واجدا منك متى | استتصرخ للمجد صريخا |
في زمان غادر | لهمات في الناس مسوخا |
ثم بعده أخوه أبو محمد والد عبد الله والد أبي العلاء، ولعبد الله شعر في مرثية والده:
إن كان أصبح من أهواه مطرحا | بباب حمص فما حزني بمطرح |
لو بان أيسر ما أخفيه من جزع | لمات أكثر أعدائي من الفرح |
وتوفي والد عبد الله بحمص سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
ومنهم أبو المجد محمد بن عبد الله أخو أبي العلاء، وكان أسن من أبي العلاء، وله أيضا شعر في الزهد:
كرم المهيمن منتهى أملي | لا نيتي أرجو ولا عملي |
يا مفضلا جلت فواضله | عن بغيتي حتى انقضى أجلي |
كم قد أفضت علي من نعم | كم قد سترت علي من زلل |
إن لم يكن لي ما ألوذ به | يوم الحساب فإن عفوك لي |
ومنهم عبد الواحد أبو الهيثم أخو أبي العلاء القائل في الشمعة:
وذات لون كلوني في تغيره | وأدمع كدموعي في تحدرها |
سهرت ليلي وباتت بي مسهدة | كأن ناظرها في قلب مسهرها |
وله أيضا:
قالوا تراه سلا لأن جفونه | ضنت عشية بيننا بدموعها |
ومن العجائب أن تفيض مدامع | نار الغرام تشب في ينبوعها |
هؤلاء من حضرني ممن كان قبل أبي العلاء وفي زمانه، وقد تأخر عن زمانه من أهله من كان عالما فاضلا، وأنا ذاكرهم هاهنا ليجيئوا على نسق واحد: فمنهم القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد أبي المجد- وأبو المجد الثاني هو أخو أبي العلاء- وذكره العماد في «الخريدة» فقال: ذكر لي ابن ابنه القاضي أبو اليسر الكاتب أنه كان فاضلا أديبا فقيها على مذهب الشافعي، أريبا مفتيا خطيبا، أدرك عم أبيه أبا العلاء وروى عنه مصنفاته وأشعاره، وولي القضاء بالمعرة إلى أن دخلها الفرنج خذلهم الله في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة فانتقل إلى شيزر وأقام بها مدة، ثم انتقل إلى حماة فأقام بها إلى أن مات في محرم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ومولده سنة أربعين وأربعمائة، وله ديوان ورسائل، ومن شعره:
رأيتك في نومي كأنك معرض | ملالا فداويت الملالة بالترك |
وأصبحت أبغي شاهدا فعدمته | فعدت فغلبت اليقين على الشك |
وعهدي بصحف الود تنشر بيننا | فإن طويت فاجعل ختامك بالمسك |
لئن كانت الأيام أبلى جديدها | جديدي وردت من رحيب إلى ضنك |
فما أنا الا السيف أخلق جفنه | وليس بمأمون الغرار على الفتك |
قال وأنشدني بعض أهل المعرة:
جس الطبيب يدي جهلا فقلت له | إليك عني فإن اليوم بحراني |
فقال لي ما الذي تشكو فقلت له | إني هويت بجهلي بعض جيراني |
فقام يعجب من قولي وقال لهم | إنسان سوء فداووه بانسان |
قال: وأنشدني مؤيد الدولة أسامة بن منقذ، قال أنشدني القاضي أبو المجد المعري لنفسه:
وقائلة رأت شيبا علاني | عهدتك في قميص صبا بديع |
فقلت وهل ترين سوى هشيم | إذا جاوزت أيام الربيع |
قال الأمير أسامة: ولما فارق أهله بالمعرة وبقي منفردا وكان له غلام اسمه شعيا قال:
زمان غاض أهل الفضل فيه | فسقيا للحمام به ورعيا |
أسارى بين أتراك وروم | وفقد أحبة ورفاق شيعا |
قال وقد سبقه إلى هذا المعنى الوزير المغربي، فإنه لما تغيرت عليه الوزارة
وتغرب كان معه غلام اسمه داهر، فقال:
كفى حزنا أني مقيم ببلدة | يعللني بعد الأحبة داهر |
يحدثني مما يجمع عقله | أحاديث منها مستقيم وجائر |
قال الأمير أسامة: لما بليت بفرقة الأهل كتبت إلى أخي أستطرد بغلامي أبي المجد والوزير المغربي اللذين ذكراهما في شعريهما:
أصبحت بعدك يا شقيق النفس في | بحر من الهم المبرح زاخر |
متفردا بالهم من لي ساعة | برفاق شعيا أو علالة داهر |
(الحديث شجون يذكر الشيء بما يتصل به). وأشعار أبي المجد المعري كثيرة منها:
قد أوسع الله البلاد وللفتى | إلى بعضها عن بعضها متزحزح |
فخل الهوينا إنها شر مركب | ودونك صعب الأمر فالصعب أنجح |
فإن نلت ما تهوى فذاك وان تمت | فللموت خير للكريم وأروح |
ومنهم أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد أبي المجد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان، قال العماد: كان كاتب الإنشاء لنور الدين محمود بن زنكي قبلي، فلما استعفى وقعد في بيته توليت الانشاء بعده، ومولده بشيزر في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وأربعمائة وكان قد تولى ديوان الإنشاء سنين كثيرة. قال: وأنشدني لنفسه:
وردت بجهلي مورد الصب فارتوت | عروقي من محض الهوى وعظامي |
ولم تك الا نظرة بعد نظرة | على غرة منها ووضع لثام |
فحلت بقلبي من بثين طماعة | أقرت بها حتى الممات غرامي |
وله أيضا:
سارقته نظرة أطال بها | عذاب قلبي وما له ذنب |
يا جور حكم الهوى ويا عجبا | تسرق عيني ويقطع القلب |
وله:
بأبي عارضان دبا على الخ | د دبيبا من تحت عقرب صدغ |
قعد القلب منهما في بلاء | وعذاب ما بين قرص ولدغ |
وله:
غريت بهم نوب الليالي فاغتدوا | ما يستقر لهم بأرض دار |
حتى كأنهم طريف بضائع | وكأن أحداث الزمان تجار |
وله:
تعمم رأسي بالمشيب فساءني | وما سرني تفتيح نور بياضه |
وقد أبصرت عيني خطوبا كثيرة | فلم أر خطبا أسودا كبياضه |
ومنهم القاضي أبو مسلم وادع بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان: كان أبو العلاء عم أبيه تولى القضاء بمعرة النعمان وكفر طاب وحماة، وكان مشهورا بالكرم، مولده سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وله رسائل حسنة وشعر بديع منه:
وقائلة ما بال حبك أرمدا | فقلت وفي الأحشاء من قولها لدغ |
لئن سرقت عيناه من لون خده | فغير بديع ربما نفض الصبغ |
ومن شعره أيضا:
ولما تلاقينا وهذا بناره | حريق وهذا بالدموع غريق |
تقلدت الدر الذي فاض جفنها | فرصعه من مقلتي عقيق |
ومنهم أبو عدي النعمان بن أبي مسلم وادع من أهل العلم والفضل وهو القائل:
يا أيها الملاك لا تبرحوا ال | أملاك وارجوها إلى قابل |
فالعام قد صحت ولكنها | للعدل والمشرف والعامل |
ومات أبو عدي بعد سنة خمسين وخمسمائة.
ومنهم أبو مرشد سليمان بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان: ولي القضاء بمعرة النعمان وانتقل إلى شيزر بعد أخذ الفرنج المعرة، وتوفي بها، وله رسائل وشعر منه قصيدة التزم في كل كلمة منها حرف النون، أولها:
نزه لسانك عن نفاق منافق | وانصح فإن الدين نصح المؤمن |
وتجنب المن المنكد للندى | وأعن بنيلك من أعانك وامنن |
ومنهم أبو سهل عبد الرحمن بن مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان: مولده ومنشؤه بشيزر وحماة، وتوفي في الزلزلة التي كانت بحماة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وكان شاعرا مطبوع الشعر ومنه:
جرحت بلحظي خد الحبيب | فما طالب المقلة الفاعله |
ولكنه اقتص من مهجتي | كذاك الديات على العاقله |
ومن شعره أيضا:
ولما سألت القلب صبرا عن الهوى | وطالبته بالصدق وهو يروغ |
تيقنت منه أنه غير صابر | وأن سلوا عنه ليس يسوغ |
فإن قال لا أسلوه قلت صدقتني | وان قال أسلو عنه قلت دروغ |
(هذه كلمة عجمية معناها كذب) .
ومنهم أخوه أبو المعالي صاعد بن مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان: مولده ومنشؤه شيزر وحماة، ومات بمعرة النعمان، ومن شعره:
ألا أيا أيها الوادي المنيني هل لنا | تلاق فنشكو فيه صنع التفرق |
أبثك ما بي من غرام ولوعة | وفرط جوى يضني وطول تشوق |
عسى أن ترقي حين ملكت رقه | وترثي له مما بهجرك قد لقي |
بوصل يروي غلة الوجد والأسى | ويطفى به حر الجوى والتحرق |
وغير هؤلاء حذفت أسماءهم اختصارا، وإنما قصدت الإخبار عن إعراق أبي العلاء في بيت العلم.
ونقلت من بعض الكتب أن أبا العلاء لما ورد إلى بغداد قصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه، فلما دخل إليه قال علي بن عيسى: ليصعد الاصطيل، فخرج مغضبا ولم يعد إليه. والاصطيل في لغة أهل الشام الأعمى، ولعلها معربة.
ودخل على المرتضى أبي القاسم فعثر برجل فقال: من هذا الكلب؟ فقال المعري: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما. وسمعه المرتضى فاستدناه واختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالا كثيرا.
وكان أبو العلاء يتعصب للمتنبي ويزعم أنه أشعر المحدثين ويفضله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام، وكان المرتضى يبغض المتنبي ويتعصب عليه، فجرى يوما بحضرته ذكر المتنبي فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه، فقال المعري:
لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله:
لك يا منازل في القلوب منازل
لكفاه فضلا، فغضب المرتضى وأمر فسحب برجله وأخرج من مجلسه، وقال لمن بحضرته: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكرها، فقيل: النقيب السيد أعرف، فقال: أراد قوله في هذه القصيدة:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص | فهي الشهادة لي بأني كامل |
ولما رجع إلى المعرة لزم بيته فلم يخرج منه، وسمى نفسه رهين المحبسين- يعني حبس نفسه في المنزل وترك الخروج منه وحبسه عن النظر إلى الدنيا بالعمى-.
وكان متهما في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى إفساد الصورة، ولا يأكل لحما، ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور، وعاش شيئا وثمانين سنة لم يأكل اللحم منها خمسا وأربعين سنة. وحدثت أنه مرض مرة فوصف الطبيب له الفروج، فلما جيء به لمسه بيده وقال: استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد؟! وقيل إنه قال: ما أريد إصلاح نفسي بإفساد هذا، ولم يتناوله. وقد أوردنا من شعره ما يستدل به على سوء معتقده، ويخبرك بنحلته ومستنده.
وحدث غرس النعمة أبو الحسن الصابي أنه بقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ويحرم إيلام الحيوان، ويقتصر على ما تنبت الأرض، ويلبس خشن الثياب، ويظهر دوام الصوم. قال: ولقيه رجل فقال له: لم لا تأكل اللحم؟ قال: ارحم الحيوان، قال: فما تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان، فإن كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه، وإن كانت الطبائع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها ولا أتقن علما، فسكت.
قال ابن الجوزي: وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة، وأما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة بقيت؟.
قال: وقد حدثنا عن أبي زكرياء أنه قال، قال لي المعري: ما الذي تعتقد؟ فقلت في نفسي: اليوم أقف على اعتقاده، فقلت له: ما أنا إلا شاك، فقال: وهكذا شيخك.
قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني، قال لي المعري: لم أهج أحدا قط، فقلت له: صدقت إلا الأنبياء عليهم السلام، فتغير وجهه.
وحدث أبو زكرياء قال: لما مات أبو العلاء أنشد على قبره بعد موته أربعة
وثمانون شاعرا مراثي من جملتها أبيات لعلي بن الهمام من قصيدة طويلة:
إن كنت لم ترق الدماء زهادة | فلقد أرقت اليوم من جفني دما |
سيرت ذكرا في البلاد كأنه | مسك مسامعها يضمخ أو فما |
وترى الحجيج إذا أرادوا ليلة | ذكراك أوجب فدية من أحرما |
كأنه يقول: ان ذكرك طيب، والطيب لا يحل للمحرم فيجب عليه فدية. وختم في أسبوع واحد عند القبر مائتا ختمة، وهذا مما لم يشارك فيه. وكانت الفتاوي في بيتهم على مذهب الشافعي من أكثر من مائتي سنة بالمعرة.
ومن شعره في الزهد:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة | وحق لسكان البسيطة أن يبكوا |
يحطمنا صرف الزمان كأننا | زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك |
ومن شعره في الزهد:
فلا تشرف بدينا عنك معرضة | فما التشرف بالدنيا هو الشرف |
واصرف فؤادك عنها مثلما انصرفت | فكلنا عن مغانيها سينصرف |
يا أم دفر لحاك الله والدة | فيك الخناء وفيك البؤس والسرف |
لو أنك العرس أوقعت الطلاق بها | لكنك الأم مالي عنك منصرف |
وله: حدث السلفي بإسناده عن القاضي أبي المهذب عبد المنعم بن أبي الروس السروجي قال: سمعت أخي القاضي أبا الفتح يقول: دخلت على الشيخ أبي العلاء التنوخي بالمعرة، وكنت أتردد إليه وأقرأ عليه في بعض خلواته، بغير علم منه، فسمعته وهو ينشد من قوله:
كم غودرت غادة كعاب | وعمرت أمها العجوز |
أحرزها الوالدان خوفا | والقبر حرز لها حريز |
يجوز أن تبطئ المنايا | والخلد في الدهر لا يجوز |
ثم تأوه ثلاث مرات وتلا قوله تعالى: {إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} ثم صاح وبكى بكاء شديدا، وطرح وجهه على الأرض زمانا، ثم رفع رأسه ومسح وجهه وقال: سبحان من تكلم بهذا الكلام في القدم، سبحان من هذا كلامه، وسكت وسكن، فصبرت عليه ساعة ثم سلمت عليه فرد علي السلام، فقال لي: يا أبا الفتح متى أتيت؟ فقلت: الساعة، فأمرني بالجلوس فجلست وقلت: يا سيدي أرى في وجهك أثر غيظ، فقال: لا يا أبا الفتح، بل أنشدت شيئا من كلام المخلوق، وتلوت شيئا من كلام الخالق فلحقني ما ترى. فتحققت صحة دينه وقوة يقينه.
قال السلفي: وسألت أبا زكريا التبريزي إمام عصره في اللغة ببغداد، فقلت له: قد رأيت أبا العلاء بالمعرة وعلي بن عثمان بن جني الموصلي بصور والقصابي بالبصرة وابن برهان ببغداد وغيرهم من الأدباء فمن المفضل من بينهم؟ قال: هؤلاء أئمة لا يقال لهم أدباء، وأفضل من رأيته ممن قرأت عليه أبو العلاء.
قال السلفي: حكي عن أبي العلاء المعري في الكتاب الذي أملاه وترجمه ب «الفصول والغايات»، وكأنه معارضة منه للسور والآيات، فقيل له: أين هذا من القرآن؟ فقال: لم تصقله المحاريب أربعمائة سنة.
قال السلفي: كان أبو نصر المنازي أحد وزراء نصير الدولة ابن مروان بديار بكر، فأرسله إلى مصر رسولا، فوصل إلى المعرة ودخل إلى أبي العلاء مسلما مناشدا، وانبسط أحدهما إلى الآخر، وتذكر أبو العلاء ما يقاسي من الناس وكلامهم فيه، فقال له أبو نصر: ماذا يريدون منك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة، فقال:
والآخرة أيضا؟ قال: والآخرة أيضا، والآخرة أيضا. فأطرق ولم يكلمه إلى أن قام.
أنشد له السلفي:
أبا العلاء ابن سليمانا | إن العمى أولاك إحسانا |
لو أبصرت عيناك هذا الورى | لم ير إنسانك إنسانا |
حدث هبة الله بن موسى المؤيد في الدين، وكان بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلات، قال: كنت أسمع من أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في علم اللسان ما يكثر تعجبي منه، فلما وصلت المعرة داخلا إلى الديار المصرية لم أقدم شيئا على لقائه، فحضرت إليه واتفق حضور أخي معي، وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها المسافر، فلم أسمح بمفارقته والاشتغال بها.
فتحدث أخي معي حديثا باللسان الفارسي فأرشدته إلى ما يعمله فيها ثم عدت إلى مذاكرة أبي العلاء، فتجارينا الحديث إلى أن ذكرت ما وصف به في سرعة الحفظ وسألته أن يريني من ذلك شيئا أحكيه عنه، فقال لي: خذ كتابا من هذه الخزانة- لخزانة قريبة منه- واذكر أوله فإني أورده عليك حفظا، فقلت: كتابك ليس بغريب إن حفظته، فقال: قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية إن شئت أعدته، قلت: فأعده، فأعاد الحديث أجمع ما أخل بحرف منه، ولم يكن يعرف اللغة الفارسية.
وهذا الخبر من العجائب.
قال السلفي بإسناده: عرض على أبي العلاء التنوخي كف من اللوبياء، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده وقال: ما أدري ما هي، إلا أني أشبهه بالكلية، فتعجبوا منه ومن فطنته وإصابته في حديثه .
وحدث أبو الكرم خميس بن علي الحوزي النحوي حدثنا القاضي أبو يوسف القزويني، قال قال لي ملحد المعرة: ما سمعت في أمر الحسين بن علي رضي الله عنهما شيئا يجب أن يحفظ، فقلت له: قد قال سوادي من أهل بلادنا أبياتا لا يقول مثلها تنوخ جدك الأكبر:
رأس ابن بنت محمد ووصيه | للمسلمين على قناة يرفع |
والمسلمون بمنظر وبمشهد | لا جازع فيهم ولا متفجع |
كحلت بمنظرك العيون عماية | وأصم رزؤك كل أذن تسمع |
أيقظت أجفانا وكنت لها كرى | وأنمت عينا لم تكن بك تهجع |
ما روضة إلا تمنت أنها | لك تربة ولخط قبرك مضجع |
قال: ولم يسم لنا قائلا.
وقال أبو منصور الثعالبي في « تتمة يتيمة الدهر» وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي الشاعر، وهو من لقيته قديما وحديثا في مدة ثلاثين سنة، قال: لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب، رأيت شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل، يكنى أبا العلاء، وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، قال: وحضرته يوما وهو يملي في جواب كتاب ورد عليه من بعض الرؤساء:
وافى الكتاب فأوجب الشكرا | فضممته ولثمته عشرا |
وفضضته وقرأته فاذا | أجلى كتاب في الورى يقرا |
فمحاه دمعي من تحدره | شوقا إليك فلم يدع سطرا |
قال: وأنشدني لنفسه:
لست أدري ولا المنجم يدري | ما يريد القضاء بالانسان |
غير أني أقول قول محق | قد يرى الغيب فيه مثل العيان |
إن من كان محسنا قابلته | بجميل عواقب الإحسان |
حدث أبو سعد السمعاني في «كتاب النسب» وقد ذكر المعري، فقال بعد وصفه: وذكر تلميذه أبو زكريا التبريزي أنه كان قاعدا في مسجده بمعرة النعمان بين
يدي أبي العلاء يقرأ عليه شيئا من تصانيفه، قال: وكنت قد أقمت عنده سنين، ولم أر أحدا من أهل بلدي، فدخل المسجد مغافصة بعض جيراننا للصلاة، فرأيته وعرفته فتغيرت من الفرج، فقال لي أبو العلاء: أيش أصابك؟ فحكيت له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من أهل بلدي سنتين، فقال لي: قم وكلمه، فقلت حتى أتمم السبق، فقال: قم أنا أنتظر لك، فقمت وكلمته بلسان الأذربية شيئا كثيرا إلى أن سألت عن كل ما أردت، فلما رجعت وقعدت بين يديه قال لي: أي لسان هذا؟ قلت: هذا لسان أهل أذربيجان، فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته، غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد علي اللفظ بعينه من غير أن ينقص عنه أو يزيد عليه جميع ما قلت وقال جاري، فتعجبت غاية التعجب كيف حفظ ما لم يفهمه. قال المؤلف: وهذا غاية ليس بعدها شيء في حسن الحفظ.
وقال المؤلف: وأنا كثير الاستحسان لقول أبي العلاء:
أسالت أبي الدمع فوق أسيل | ومالت لظل بالعراق ظليل |
أيا جارة البيت الممنع أهله | غدوت ومن لي عندكم بمقيل |
لغيري زكاة من جمال فإن تكن | زكاة جمال فاذكري ابن سبيل |
وأرسلت طيفا خان لما بعثته | فلا تثقي من بعده برسول |
خيالا أرانا نفسه متجنبا | وقد زار من صافي الوداد وصول |
نسيت مكان العقد من دهش النوى | فعلقته من وجنة بمسيل |
وكنت لأجل السن شمس غدية | ولكنها للبين شمس أصيل |
أسرت أخانا بالخداع وانه | يعد إذا اشتد الوغى بقبيل |
فإن تطلقيه تملكي شكر قومه | وإن تقتليه تؤخذي بقتيل |
وان عاش لاقى ذلة واختياره | وفاة عزيز لا حياة ذليل |
وكيف يجر الجيش يطلب غارة | أسير بمجرور الذيول كحيل |
ومن شعره لزوم ما لا يلزم:
يا محلي عليك مني سلام | سوف أمضي وينجز الموعود |
فلجسمي إلى التراب هبوط | ولروحي إلى الهواء صعود |
وعلى حالها تدوم الليالي | فنحوس لمعشر وسعود |
أترجون أن أعود إليكم | لا ترجوا فإنني لا أعود |
قرأت بخط أبي سعد، أنشدنا الوكيل باصبهان، أنشدنا عبيد الله القشيري، أنشدنا أبو الوليد الدربندي قال: أنشدني أبو العلاء التنوخي في داره عند وداعي إياه:
كم بلدة فارقتها ومعاشر | يذرون من أسف علي دموعا |
وإذا أضاعتني الخطوب فلن أرى | لعهود إخوان الصفاء مضيعا |
خاللت توديع الأصادق للنوى | فمتى أودع خلي التوديعا |
قال ابن الهبارية: أنشدني أبو زكريا الخطيب التبريزي قال، أنشدني أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه:
أرى جيل التصوف شر جيل | فقل لهم وأهون بالحلول |
أقال الله حين عبدتموه | كلوا أكل البهائم وارقصوا لي |
وكتب إلى خاله أبي القاسم علي بن سبيكة، عند طلوعه من العراق، ووجد أمه قد توفيت، ولم يعلم قبل مقدمه بذلك: كتابي- أطال الله بقاء سيدي ما طلع صبير، ورسا ثبير - من معرة النعمان، ولكل نبأ مستقر. وردتها بعد سآمة، ورود كعب بن مامة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وله الحمد ممزوجا به الدمع، مستكا له من الوجد السمع. وصلى الله على سيدنا محمد وعترته، صلاة يثقل بها لساني حزنا، وترجح في المحشر قدرا ووزنا. ثم أذكر قصصي بعد ذلك:
ألا يا ليتني والمرء ميت | وما تغني من الحدثان ليت |
...
يا ليت عمرا- وليت ضلة سفه | لم يغز فهما ولم يحلل بواديها |
...
لو أن صدور الأمر يبدون للفتى | كأعقابه لم تلفه يتندم |
رحمك الله من ساكنة رمس، أصبحت حياتك كأمس.
فإن ينقطع منك الرجاء فإنه | سيبقى عليك الحزن ما بقي الدهر |
لا آمل بعدها خيرا، ولا أزيد في | المحن إلا إيضاعا وسيرا. |
صلى الإله عليك من مفقودة | إذ لا يلائمك المكان البلقع |
أنى حللت وكنت جد فروقة | بلدا يمر به الشجاع فيفزع |
لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت | أسباب دنياك من أسباب دنيانا |
يا سلوة الأيام موعدك الحشر. موعد والله بعيد، لا سلوة حتى يؤوب عنزي القرظة، ويرجع النعمان إلى الحيرة، ويبعث نبي من مكة. لو لم تكن الآجال ذبرا، لوجب أن أقتل بها صبرا. على أني والله قد أعلمتها أني مرتحل، وأن عزمي على ذلك جاد مزمع، فأذنت فيه، وأحسبها ظنته مذقة الشارب، ووميض الخالب، ولكل أجل كتاب. وحزني لفقدها كنعيم أهل الجنة، كلما نفد جدد؛ وشرحه إملال سامع، وإفناء زمان. والله يجعلها وإياي فداءي مولاي من كل رزية، ويصيره المخصوص عني بالمزية. ورب سامع خبري، لم يسمع عذري.
والمعاذر مكاذب، غير أن الرائد لا يكذب أهله فإن قال أدام الله عزه: يأبى الحقين العذرة، وإذا سمعت بسرى القين فآعلم أنه مصبح، وفي النوى يكذبك الصادق - فوالذي أخرج الجذع من الجريمة، والنار من الوثيمة، ما نكبت حلب في الإبداء والانكفاء، إلا كما تنكب خريدة المحار، لما دونها من أهوال البحار. وأنا كما علم- أدام الله تأييده- وحشي الغريزة، إنسي الولادة. وكل أزب نفور .
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى | وصوت إنسان فكدت أطير |
يرى الوحشة الانس الأنيس ويهتدي | بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك |
يود بجدع الأنف لو أن ظهرها | من الناس أعرى من سراة أديم |
لو وردت حلب لتعينت علي حقوق إن قضيتها نصبت، وإن تخلفت عنها عوتبت وقصبت. ومن لم يهبط نعمان الأراك، لم يعتب عليه في إهداء المسواك. ويطلب من راكب هجر الفرض، ومن مسافر البحرين الحساس. وشوقي إلى مشاهدته شوق اليفن إلى الشباب، والشارف إلى السقاب ؛ لو أوسقته الحمائل أضعفها عن الذميل، أو طوقته الحمائم لأغصها بالهديل. كيف تزيد الحمامة الخطباء، على الحامة الخطباء. الرياش أفضل من الريش المكر، والمنزل أشرف من الوكر؛ وطوق الذهب، خير من طوق الغيهب. وأين الشارف، من اللبيب العارف! ليس أم الفصيل، من ذوات التحصيل. إنما هي حنين بعده سلو، واشتغال لب ثم خلو.
وأسفي على فائت قربه كأسف وحشية ترب طلا في صفاصف وفلا؛ اتخذت بيتا كالخدر، في ظل الفاردة من السدر؛ ثم هكعت في الهجير فدرج الطفل، وهو لأبي جعدة نصيب وكفل ؛ فلما قضت الرقاد، نظرت فإذا بقية أجلاد؛ فهي بين وله وعله. والله سبحانه يسهل اجتماعا يكون به شملنا كنجوم ذات العرش، لا ترهب فرقة ولا نقص أرش .
وقد كنت كاتبته كتابا من الرقة أشرح له فيه ما حملني على النزول. فإن كان وصل فهو الغرض، وإن تخلف فالإعادة لمعناه جرض. ولكل مقام مقال، ولكل أوان ثمرة، وفي كل واد سمرة. وجدت بغداذ كجناح الأخيل، حسن وليس فيه ما حمل:
إن العراق لأهلي لم يكن وطنا | والباب دون أبي غسان مسدود |
فانم القتود على عيرانة أجد | مهرية مخطتها غرسها العيد |
...
كم دون مية من مستعمل قذف | ومن فلاة بها تستودع العيس |
حنت إلى نخلة القصوى فقلت لها | بسل حرام ألا تلك الدهاريس |
أمي شآمية إذ لا عراق لنا | قوما نودهم إذ قومنا شوس |
...
فإن يك في كيل اليمامة عسرة | فما كيل ميافارقين بأعسرا |
لنفسي أقول: أعييتني بأشر، فكيف بدردر. وعصيتني من شب إلى دب.
ليس بعشك فادرجي. هذا أحق منزل بترك. الصيف ضيعت اللبن. الربيع أغفلت الكمأة. وعلى المفازة أرقت السقاء. عودي إلى مباركك، ألحقك الشر بأهلك.
فمن أناس ما أنت. ليس النيق بموطن الظليم، ولا الهجل بمرتع الغفر .
لكل أناس من معد عمارة | عروض إليها يلجؤون وجانب |
وكنت ظننت أن الأيام تسمح لي بالإقامة هناك، فإذا الضارية أحجأ بعراقها، والأمة أبخل بصربتها، والعبد أشح بكراعه، والغراب أضن بتمرته. ووجدت العلم ببغداد أكثر من الحصى عند جمرة العقبة، وأرخص من الصيحاني بالجابرة وأمكن من الماء بخضارة، وأقرب من الجريد باليمامة. ولكن على كل خير مانع، ودون كل درة خرساء موحية، أو خضراء طامية .
إذا لم تستطع أمرا فذره | وجاوزه إلى ما تستطيع |
يكفيك ما بلغك المحل. إن عجز ظل عن شخصك فلا يعجزن عن عضو منك. فلما زبنت الضروس الحالب، ونزت العنود تحت الراكب، ومنعت القلوع النازع، ولم تعم الفلوت شاكي الأريز، وغشى الثول وجه المشتار، وخيب رائدا سحاب، وكذب شائما برق، وأخلف رويعيا مظنة - عادت لعترها لميس، وذكر وجاره ثعالة، وطرب لوكنته ابن دأية. وما هبطت في طريقي واديا، ولا فرعت جبلا، ولا حملتني سفينة، ولا ذلت لي مطية، إلا بمن الله سبحانه ومنة سيدي وعنايته وجاهه. وأياديه أكبر من الشكر، وأوسع من إحاطة الذكر. وقد علمت أنه يعمل ذلك معي لا يريد جزاء ولا شكورا. ولكن لما كان السكوت غباوة عند الجماعة، والشكر أذية لمسدي الصنيعة، كان احتمال ملامة واحدة، أيسر من احتمال ملاوم كثيرة.
وأما سيدي أبو طاهر فقد حملني من الإنعام أوقا لا آمل النهوض بجزء منه وما ورث بري عن كلالة، ولا أخذ تفقدي من دار غربة: شنشنة من أخزم، ونشنشة من أخشن. إنما تقيل أباه، والشكير نابت من العضة، والبرم من السلم، ومن أشبه أباه فما ظلم. ما زالت كتبه تطرق أصدقاءه، محافظة على المكارم، ومراعاة لأمر غير لازم، حتى جعلهم إلي كعرف الفرس، أو قوى المرس.
وكلما عرضوا قضاء حاجة أعرضت عن تكليف المشقة، لأني أعتقد حكمة زهير في قوله:
ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه | ولا يعفها يوما من الذل يسأم |
ولو علمت أني أرجع على قروائي، لم أتوجه لهذه الجهة، ولكن البلاء موكل بالمنطق، والخيرة مغيبة، والخطوب مثل دوك النوفل، يفتح بعضه عن مثل نبات الغمق، وبعضه عن ذوات النسق. لا يدري الرجل بم يولع هرمه، ولا إلى أي أجمة يسوقه جده. {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء}. وجد في لوح:
يا أيها المضمر هما لا تهم | إنك إن تقدر لك الحمى تحم |
ورعاية الله شاملة لمن عرفته ببغداد؛ فلقد أفردوني بحسن المعاملة، وأثنوا علي في الغيبة، وأكرموني دون النظراء والطبقة. ولما آنسوا تشميري للرحيل، وأحسوا بتأهبي للظعن، أظهروا كسوف بال، وقالوا من جميل كل مقال، وتلفعوا من الأسف ببرد قشيب، وذرفت عيون أشياخ شيب. فلا إله إلا الله! أي نابتة ليست لها راعية! لا تخلو فاغية من سائفة، ولا تعدم الخرقاء ثلة، ولا الثقال سائقة، ولا السمجة قائنة .
وأمروني لرغبتهم في صقبي منهم بأمور تنهى عنها القناعة، وتكف دونها العادة. وما أبعد نضاد من جبال الضريب، وأشد اختلاف الغائر والمنجدين!
شتان ما يومي على كورها | ويوم حيان أخي جابر |
...
على حين أن ذكيت وابيض مفرقي | أسام الذي أعيبت إذ أنا أمرد |
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى | إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر |
والله يحسن جزاءهم: إن كان ما فعلوه حفاظا فهو منة عظيمة، وإن كان نفاقا فهو عشرة جميلة. وانصرفت وماء وجهي في سقاء غير سرب، ما أرقت منه قطرة في طلب أدب ولا مال. ومنذ فارقت العشرين من العمر ما حدثت نفسي باجتداء علم من عراقي ولا شآم. {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا}.
والذي أقدمني تلك البلاد مكان دار الكتب بها.
ولست وإن أحببت من يسكن الغضا | بأول راج حاجة لا ينالها |
شرفا لذلك المنزل منزلا، وللساكنين به نفرا، ولماء دجلة واديا ومشربا.
وإني وتهيامي بعزة بعد ما | تخليت من حبل الهوى وتخلت |
لكالمبتغي ظل الغمامة كلما | تبوأ منها للمقيل اضمحلت |
وكنت إذا خبرت رجلا بمسيري بانت فيه كآبة، وبدت عليه كبوة، فكتمت ذلك عنهم كتمان المرأة ضرتها بالغيب، ما في جسدها من سوء وعيب. فلما علق حرباء البين تنضبته، ووقف صرد الفراق موقفه، كنت وإياهم كأبي قابوس وبني رواحة:
قال لهم خيرا وأثنى عليهم | وودعهم وداع أن لا تلاقيا |
وسرت عن بغداد لست بقين من شهر رمضان، سيرا تنحط إبله، وتئط نسوعه، وتوقع الغرق سفنه، يود الماشي الرجيل فيه أنه بعض الركب، ولو كانوا ركبان الجذوع ؛ وأنه انتعل ولو بأديم الوجه والجبين، واضطجع ولو على القصد والشبهان. عند الصباح يحمد القوم السرى. الغمرات ثم ينجلين .
ومررت بطرف الشهباء؛ لأني سلكت طريق الموصل وميافارقين، وفيها أمواه كأمواه الطثرة والعذيب فسبحان الله القديم!
وردت مياها ملحة فكرهتها | فسقيا لأهلي الأولين ومائيا |
كلما شحجت النواعب قلت خيرا أيتها الطير، لا علم لك بما كان ولا علم لك بما يكون. وراءك وراءك! فغيري من تهيبين. طالما نزل نازلك على النبيلة
فهاض جناحه الوليد.
من مبلغ عمرو بن لأ | ي حيث كان من الأقاوم |
لا يمنعنك من بغا | ء الخير تعقاد التمائم |
فلقد غدوت وكنت لا | أغدو على واق وحاتم |
فإذا الأشائم كالأيا | من والأيامن كالأشائم |
وكذاك لا خير ولا | شر على أحد بدائم |
ولما نزلنا بالحنية، تساوى حامل المال وحامل الرمال، وقل بلاء الغادي أين قال، والرائح أين عرس وبات. فلم نزل كذلك حتى بلغنا آمد، ثم عادت السبيل إلى غوائلها، وسدكت الرفاق بمخاوفها.
فما بلغتنا إلا جريضا | بلا نقي العظام ولا سنام |
ولما فاتني المقام بحيث اخترت، أجمعت على انفراد يجعلني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس، إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد.
وأنا أحمل إلى مولاي، أدام الله عزه، وإلى مولاي أبي طاهر، عضدني الله ببقائه، سلاما له نضرة الألاء. وصفاء الماء، وعذوبة الأري، وتتابع القطر، وخلود النجوم، وأرج العرار، وتألق الوميض. والسلام.
وكتب إلى أهل معرة النعمان مقدمه من بغداد ولم يصل إليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم*
هذا كتاب إلى السكن المقيم بالمعرة، شملهم الله بالسعادة، من أحمد بن عبد الله بن سليمان، خص به من عرفه وداناه، سلم الله الجماعة ولا أسلمها، ولم شعثها ولا آلمها.
أما الآن فهذه مناجاتي إياهم منصرفي عن العراق، مجتمع أهل الجدال، وموطن بقية السلف، بعد أن قضيت الحداثة فانقضت، وودعت الشبيبة فمضت، وحلبت الدهر أشطره، وجربت خيره وشره، فوجدت أوفق ما أصنعه في أيام الحياة، عزلة تجعلني من الناس كبارح الأروى من سانح النعام. وما ألوت نصيحة لنفسي، ولا قصرت في اجتذاب المنفعة إلى حيزي. فأجمعت على ذلك، واستخرت الله فيه، بعد جلائه على نفر يوثق بخصائلهم، فكلهم رآه حزما، وعده إذا تم رشدا.
وهو أمر سري عليه بليل، قضي ببقة، وخبت به النعامة، ليس بنتيج الساعة، ولا ربيب الشهر والسنة، ولكنه غذي الحقب المتقادمة، وسليل الفكر الطويل. وبادرت إعلامهم ذلك، مخافة أن يتفضل منهم متفضل بالنهوض إلى المنزل الجارية عادتي بسكناه ليلقاني فيه، فيتعذر ذلك عليه، فأكون قد جمعت بين سمجين: سوء الأدب وسوء القطيعة. ورب ملوم لا ذنب له. والمثل السائر: خل امرأ وما اختار. وما سمحت القرون بالإياب، حتى وعدتها أشياء ثلاثة: نبذة كنبذة فتيق النجوم، وانقضابا من العالم كانقضاب القائبة من القوب، وثباتا في البلد إن حال أهله من خوف الروم. فإن أبى من يشفق علي أو يظهر الشفق إلا النفرة مع السواد، كانت نفرة الأعفر أو الأدماء. وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب، ولا أتكثر بلقاء الرجال ولكن آثرت الإقامة بدار العلم، فشاهدت أنفس مكان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه.
والجاهل مغالب القدر. فلهيت عما استأثر به الزمان. والله يجعلهم أحلاس الأوطان، لا أحلاس الخيل والركاب؛ ويسبغ عليهم النعمة سبوغ القمراء الطلقة على الظبي الغرير، ويحسن جزاء البغداديين؛ فلقد وصفوني بما لا أستحق، وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم، وعرضوا علي أموالهم عرض الجد، فصادفوني غير جذل بالصفات، ولا هش إلى معروف الأقوام. ورحلت وهم لرحيلي كارهون. وحسبي الله وعليه يتوكل المتوكلون.
وكتب إلى أبي طاهر المشرف بن سبيكة وهو ببغداد، يذكر له أمر شرح السيرافي وما جرى فيه من التعب:
بسم الله الرحمن الرحيم*
لله الحمد، ما أحصي خطأ وعمد؛ وصلى الله على محمد ما التأم شعب، وعلا كعبا كعب.
شوقي إلى سيدي الشيخ شوق البلاد الممحلة، إلى السحابة المسحلة .
وانتفاعي بقربه انتفاع الأرض الأريضة، بالأمواه الغريضة. وتشوفي لأخباره تشوف راعي أنعام، أجدب في عام بعد عام؛ لبارق يمان، هو له مرتقب ممان. وأسفي لفقده أسف وحشية، رادت بالعشية، فخالفها السرحان إلى طلا راد فحار؛ فهي تطوف حول أميل، وترى صبرها ليس بجميل. وتذكري لأوقاته تذكر الفطيم ثدي الوالدة، والمقسم بالملح لبني خالدة. وانتظاري لقدومه انتظار تاجر مكة وفد الأعاجم، ورب الماشية ظهور النبت الناجم. وفزعي إلى نجدته فزع الغرق إلى سيف دان؛ والفرق إلى سيف ليس بددان ؛ واعتذاري من التثقيل عليه اعتذار الورقاء من الغدر، وأبي جهل من حضور بدر. وثقتي بمكارمه ثقة راكب الماء بالعامة، والحارث بالنعامة. وشكري على أياديه حبيس ليس بمحتبس، يتجدد مع النفس.
وفي هذا اليوم، وهو يوم كذا، وصل كتابه فسررت به سرور الظمآن ورد نميرا، والساهر صادف سميرا. وكان ما ضمنه من ذكر سلامته بشرى لها تخف الأحلام، خفة القائل ولا يلام: يا بشراي هذا غلام. والله يمن باجتماع، ليس بعده من إزماع .
وفهمت ما ذكره من أمر النسخة المحصلة. وهو، أدام الله عزه، الكريم المتكرم، وأنا المثقل المبرم، جرى في التفضل على الرسم، وألححت إلحاح الوسم. فإما الشرح إن سمح القدر، وإلا فهو هدر. وقد كنت قلت في بعض كتبي إلى سيدي: إن كانت الخطوط مختلفة، والأبواب مؤتلفة، فلا بأس. يغني عن لبس السرق، ثوب جمع من شتى خرق. ما عدا خط علي بن عيسى؛ فإنه رجل اتكل على ما في صدره، فتهاون بإحكام سطره. وإنما رجوت ببركته أن يرتفق أناس كما قال الله تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين} فأما أنا فلا أقول: {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}.
وأما ما ذكره من فساد الناس فأحلف ما حلم أديم: إن ذلك لداء قديم؛ النمرة بنت النمرة، والقتادة أخت السمرة. وهو- أدام الله تأييده- من الملامة، في أحصن لامة ؛ فلا يبعثه تعذر الحاجة، على اللجاجة. أهو الكتاب المكنون، الذي {لا يمسه إلا المطهرون} إنما هو أباطيل أتياه، وتعليل في أيام الحياة. {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} فأما سيدي الشيخ أبو عمرو، فإن اسمه وافق آية، بلغت بفألها النهاية؛ وهي قوله جل اسمه: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء} وأنا والجماعة نهدي إلى سيدي الشيخ وإلى جميع أصدقائه، سلاما تأرج الكتب بحمله، وتروض المجدبة من سبله. وحسبي الله.
وكتب إلى أبي عمرو الاستراباذي، في أمر شرح السيرافي:
بسم الله الرحمن الرحيم*
سلام كالعترة الهندية، والروضة النجدية؛ يتصل بسحاب غمر، إلى الشيخ الفاضل أبي عمرو، أطال الله بقاءه ما سكنت ألف، وافتقر إلى جواب حلف، وقرنه الله بسعد دان، كما تقارن الفرقدان؛ لا يرهب منهما فراق، ما تبع الشروق إشراق.
فشوقي إليه لو تذرى جبلا أتعبه، أو سلك في واد لرعبه؛ جمع الله بيننا في دار مقام، سالمة من الانتقام.
وورد كتابه فأبهجني ابتهاج الطائر المحتبس بالتسريح، والأسير المصفد بفكاك مريح، وسررت بخبر سلامته سرور الداريين، أحدهما بنسكه، والآخر بمسكه.
أدامهما الله له حتى يصير سهيل قمرا، والدر في العضاه ثمرا. وقد أثنيت وشكرت، وفي إملال الصديق ابتكرت. أو غلت كل الإيغال، وقطعت عن مهم الأشغال. إذ
كانت عند طلاب العلم بمدينة السلام كشجر العرى لا يسقط ورقه، والماء الصرى لا يؤمن شرقه. لا سيما من جمع نور الآداب، من كل هضب وعداب .
كان أيسر من عنائه في ذلك قذف الشرح في سيح ؛ حتى يعشب خد شريح. فهو فيما روي ثط، ما أشعر وجهه قط، كفاني الله وله الحباء، أن تبدل من الشين الباء، فيصير الشرح من الشقاء، البرح على الأصدقاء. أهو المصدر من قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} أم من قوله عز سلطانه: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} إنما هو أفانين كلام أصبح وهو مجموع، المقيس فيه والمسموع؛ لا يخلد من رواه، قد عاش الناس بسواه. إني وحياته الكريمة قد خفت أن يجعلني الإخوان لأجله فيمن شرح بالكفر صدرا، ولن أخاف منهم غدرا؛ لا الصارم صقلت، ولا في الشامخ توقلت. والكريم المبرز كجواد بعيد الشأو، كلف شأوا بعد شأو، فجاء محمود الآثار، منزها عن كل عثار، دالا على اليمن بغرة زاهرة، ودائرة سمامة ظاهرة. ولن أقول لمن غاب: ريش سهمه اللغاب؛ ولا أقرأ لكتاب أبي سعيد: {أولئك ينادون من مكان بعيد} بل أنا من التثقيل حذر، مشفق من ذلك معتذر. وإنما سألت أن يستسعد برائه، لقلة نظرائه. وهو عندي أجل، والكتاب أيسر وأقل، من أن يكلف خطوات، ولو كن كدبيب القطوات.
وأنا أسأل الشيخ الأديب الفاضل، أن يسعفني بكتاب منه يشتمل على أسطر، كأن فيه ريح القطر؛ يضمن طيب خبر، هو أذكى من العنبر، وأوامر منه ونواه، ما أنا إن امتثلتها بواه، وأستودعه الله وديعة ضنين، عند ثقة أمين.
ومن شعر أبي العلاء في الغزل:
يا ظبية علقتني في تصيدها | أشراكها وهي لم تعلق بأشراكي |
رعيت قلبي وما راعيت حرمته | فلم رعيت ولا راعيت مرعاك |
أتحرقين فؤادا قد حللت به | بنار حبك عمدا وهو واراك |
أسكنته حين لم يسكن به سكن | وليس يحسن أن تسخي بسكناك |
ما بال داعي غرامي حين يأمرني | بأن أكابد حر الوجد ينهاك |
ولم غدا القلب ذا يأس وذا طمع | يرجوك أن ترحميه ثم يخشاك |
ومن خط ابن العصار، قال أبو العلاء في رجل اسمه أبو القاسم:
هذا أبو القاسم أعجوبة | لكل من بدري ولا يدري |
لا ينظم الشعر ولا يحفظ | القرآن وهو الشاعر المقري |
قرأت بخط أبي سعد قال، سمعت المبارك بن أحمد بن الاخوة مذاكرة:
خرج رجل على سبيل الفرجة فقعد على الجسر فأقبلت امرأة من جانب الرصافة متوجهة إلى الجانب الغربي فاستقبلها شاب فقال لها: رحم الله علي بن الجهم، فقالت المرأة في الحال: رحم الله أبا العلاء المعري، ولم يقفا ومرا مشرقا ومغربة، فتتبعت المرأة وقلت لها: أخبريني عافاك الله عما قال لك وعما أجبتيه، فقالت: نعم رحم الله علي بن الجهم، أراد قوله:
عيون المها بين الرصافة والجسر | جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري |
وأردت بترحمي على أبي العلاء قوله:
فيا دارها بالحزن إن مزارها | قريب ولكن دون ذلك أهوال |
قال أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي: أنشدني ابو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه:
منك الصدود ومني بالصدود رضى | من ذا علي بهذا في هواك قضى |
بي منك ما لو غدا بالشمس ما طلعت | من الكآبة أو بالبرق ما ومضا |
جربت دهري وأهليه فما تركت | لي التجارب في ود امرئ غرضا |
إذا الفتى ذم عيشا في شبيبته | ماذا يقول إذا عصر الشباب مضى |
وقد تعوضت عن كل بمشبهه | فما وجدت لأيام الصبا عوضا |
وله أيضا:
غدوت مريض العقل والدين فالقنى | لتعلم أنباء الأمور الصحائح |
... الأبيات.
قرأت بخط عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الشاعر في كتاب له ألفه في الصرفة زعم فيه أن القرآن لم يخرق العادة بالفصاحة حتى صار معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن كل فصيح بليغ قادر على الاتيان بمثله، إلا أنهم صرفوا عن ذلك، لا أن يكون القرآن في نفسه معجز الفصاحة، وهو مذهب الجماعة من المتكلمين والرافضة، منهم بشر المريسي والمرتضى أبو القاسم، قال في تضاعيفه: وقد حمل جماعة من الأدباء قول أصحابنا أنه لا يمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدي على أن نظموا على أسلوب القرآن، وأظهر ذلك قوم وأخفاه آخرون، ومما ظهر منه قول أبي العلاء في بعض كلامه: أقسم بخالق الخيل، والريح الهابة بليل، بين الشرط ومطلع سهيل، إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر لمكفوف الذيل، اتق مدارج السيل، وطالع التوبة من قبيل، تنج وما إخالك بناج. وقوله: أذلت العائذة أباها، وأضاءت الوهدة رباها، والله بكرمه اجتباها، أولاها الشرف بما حباها، أرسل الشمال وصباها، ولا يخاف عقباها.
وقال:
ما جار شماسك في كلمة | ولا يهوديك بالطامع |
والطيلسان اشتق في لفظه | من طلسة المبتكر الخامع |
والقس خير لك فيما أرى | من خاطب يخطب في جامع |
وله أيضا:
قالوا فلان جيد فأجبتهم | لا تكذبوا ما في البرية جيد |
فغنيهم نال الغناء ببخله | وفقيرهم بصلاته يتصيد |
والناس في أبي العلاء مختلفون، فمنهم من يقول إنه كان زنديقا وينسبون إليه أشياء مما ذكرناها، ومنهم من يقول كان زاهدا عابدا متقللا يأخذ نفسه بالرياضة والخشونة والقناعة باليسير والإعراض عن أعراض الدنيا. قال كمال الدين أبو القاسم عمر بن أبي جرادة: قرأت بخط أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن سليمان المعري أن المستنصر صاحب مصر بذل لأبي العلاء ما في بيت المال بالمعرة من الحلال فلم يقبل منه شيئا، وقال:
كأنما غانة لي من غنى | فعد عن معدن أسوان |
سرت برغمي عن زمان الصبا | يعجلني وقتي وأكواني |
صد أبي الطيب لما غدا | منصرفا عن شعب بوان |
وقال أيضا:
لا أطلب الأرزاق والمولى يفيض علي رزقي | إن أعط بعض القوت أعلم أن ذلك ضعف حقي |
قال: وقرأت بخط أبي اليسر المعري في ذكره: وكان رضي الله عنه يرمى من أهل الحسد له بالتعطيل، وتعمل تلامذته وغيرهم على لسانه الأشعار يضمنونها أقاويل الملحدة قصدا لهلاكه وإيثارا لاتلاف نفسه، فقال رضي الله عنه:
حاول إهواني قوم فما | واجهتهم إلا باهوان |
يحرشوني بسعاياتهم | فغيروا نية إخواني |
لو استطاعوا لوشوا بي إلى المريخ في الشهب وكيوان وقال أيضا:
غريت بذمي أمة | وبحمد خالقها غريت |
وعبدت ربي ما استطعت | ومن بريته بريت |
وفرتني الجهال حا | سدة علي وما فريت |
سعروا علي فلم أحس وعندهم أني هريت
فهرست كتبه على ما نقلته من خط أحد مستملي أبي العلاء، فقال: الذي أملاه أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي تجاوز الله عنه من الكتب على ضروب منها ما هو في الزهد؛ وقرأت في نسخة أخرى: فهرست كتبه ما صورته، قال الشيخ أبو العلاء رضي الله عنه: لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أتوفر على تسبيح الله وتحميده إلا أن اضطر إلى غير ذلك، فأمليت أشياء وتولى نسخها الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم- أحسن الله معونته- فألزمني بذلك حقوقا جمة وأيادي بيضا، لأنه أفنى في زمنه ولم يأخذ عما صنع ثمنه، فالله يحسن له الجزاء، ويكفيه حوادث الزمن والأرزاء، وهي على ضروب مختلفة فمنها ما هو في الزهد والعظات وتمجيد الله سبحانه وتعالى من المنظوم والمنثور، فمن ذلك: الكتاب المعروف بالفصول والغايات، والمراد بالغايات القوافي لأن القافية غاية البيت أي منتهاه، وهو كتاب موضوع على حروف المعجم ما خلا الألف، لأن فواصله مبنية على أن يكون ما قبل الحرف المعتمد فيها ألف، ومن المحال أن يجمع بين ألفين ولكن تجيء الهمزة وقبلها ألف مثل العطاء والكساء، وكذلك الشراب والسراب في الباء، ثم على هذا الترتيب، ولم يعتمد فيه أن تكون الحروف التي يبنى عليها مستوية الإعراب بل تجيء مختلفة، وفي الكتاب قواف تجيء على نسق واحد وليست الملقبة بالغايات، ومجيئها على قري واحد مثل أن يقال عمامها وغلامها وغمامها، وأمرا وتمرا، وما أشبهه، وفيه فنون كثيرة من هذا النوع (وقيل إنه بدأ بهذا الكتاب قبل رحلته إلى بغداد وأتمه بعد عوده إلى معرة النعمان، وهو سبعة أجزاء، وفي نسخة: مقداره مائة كراسة). وكتاب السادن أنشأه في ذكر غريب هذا الكتاب وما فيه من اللغز، مقداره عشرون كراسة. وكتاب إقليد الغايات، لطيف مقصور على تفسير اللغز مقداره عشر كراريس.
الكتاب المعروف بالأيك والغصون، وهو كتاب الهمزة والردف ومن خطه:
يبنى على إحدى عشرة حالة: الهمزة في حال إفرادها وإضافتها، ومثال ذلك السماء بالرفع، السماء بالنصب، السماء بالخفض، سماء يتبع الهمزة التنوين، سماؤه مرفوع مضاف، سماءه منصوب مضاف، سمائه مخفوض مضاف، ثم يجيء سماؤها وسماءها وسمائها على التأنيث، ثم همزة بعدها هاء ساكنة مثل عباءه وملاءه، فإذا ضربت في حروف المعجم الثمانية والعشرين خرج من ذلك ثلاثمائة فصل وثمانية فصول وهي مستوفاة في كتاب الهمزة والردف. وذكرت فيه الأرداف الأربعة بعد ذكر الألف: وهي الواو المضموم ما قبلها، والواو التي قبلها فتحة والياء المكسور ما قبلها، والياء التي قبلها فتحة ويذكر لكل جنس من هذه أحد عشر وجها كما ذكر للألف.
ومن غير خطه: وهو في العظات وذم الدنيا، وهو اثنان وتسعون جزءا نسخة أخرى. ويكون مقدار هذا الكتاب ألف ومائتا كراسة.
ومن خطه: والكتاب المعروف بتضمين الآي، وهو كتاب مختلف الفصول؛ فمنه طائفة على حروف المعجم، وقبل الحرف المعتمد ألف، مثل أن يقال في الهمزة بناء ونساء، وفي الباء ثياب وعباب ثم على هذا إلى آخر الحروف. ومنه فصول كثيرة على فاعلين مثل باسطين وقاسطين، وعلى فاعلون مثل حامدون وعابدون، وفيه ما هو على غير هذا الفن، والغرض أن يأتي بعد انقضاء الكلام آية من الكتاب العزيز مثل قوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}
وربما اقتصر على بعض الآية أو جيء بآيتين وأكثر منهما إذا كانت الآيات من ذوات القصر كآيات عبس ونحوها، ومقدار هذا الكتاب أربعمائة كراسة. وكان السبب في تأليف هذا الكتاب أن بعض الأمراء سأله أن يؤلف كتابا برسمه، ولم يؤثر أن يؤلف شيئا في غير العظات والحث على تقوى الله فأملى هذا الكتاب.
كتاب تفسير الهمزة والردف جزء.
كتاب سيف الخطبة جزءان يشتمل على خطب السنة، فيه خطب للجمع والعيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء وعقد النكاح، وهي مؤلفة على حروف من حروف المعجم فيها خطب عمادها الهمزة، وخطب بنيت على الباء، وخطب على الدال وعلى الراء وعلى اللام وعلى الميم وعلى النون، وتركت الجيم والحاء وما يجري مجراها لأن الكلام المقول في الجماعات ينبغي أن يكون سجسجا سهلا، ومقداره أربعون كراسة، وكان سأله في هذا الكتاب رجل من المتظاهرين بالديانة فصنف له.
كتاب نشر شواهد الجمهرة ولم يتم، ثلاثة أجزاء. كتاب دعاء وحرز الخيل.
كتاب مجد الأنصار في القوافي.
كتاب تاج الحرة في عظات النساء خاصة، وتختلف فصوله: فمنها ما يجيء بعد حرفه الذي يثبت ثبات الروي ياء التأنيث، كقوله: شائي وتشائي وتسائي وهابي وترابي، ومنه ما هو مبني على الكاف نحو غلامك وكلامك، وفيها ما يجيء على تفعلين مثل ترغبين وتذهبين، وأنواعه كثيرة فيكون هذا الكتاب نحو أربعمائة كراسة.
كتاب يعرف بدعاء ساعة. وكتاب آخر يعرف بوقفة الواعظ.
كتاب يعرف بسجع الحمائم يتكلم فيه على ألسن حمائم أربع، وكان بعض الرؤساء سأله أن يصنف له تصنيفا يذكره فيه فأنشأ هذا الكتاب وجعل ما يقوله على لسان الحمامة في العظة والحث على الزهد، قال غيره: هو أربعة أجزاء مقداره ثلاثون كراسة.
كتاب يعرف بلزوم ما لا يلزم، وهو في المنظوم بني على حروف المعجم يذكر كل حرف سوى الألف بوجوهه الأربعة وهي الضمة والفتحة والكسرة والوقف.
ومعنى لزوم ما لا يلزم أن القافية يردد فيها حرف لو غير لم يكن مخلا بالنظم، كما قال كثير:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا | قلوصيكما ثم انزلا حيث حلت |
فلزم اللام قبل التاء، وذلك لا يلزمه، ولم يفعل كما فعل الشنفرى في قصيدته التي على التاء لأنه لم يلزم فيها إلا حرفا واحدا، ولكنه خالف بين الحروف التي قبل الروي فقال:
أرى أم عمرو أزمعت فاستقلت | وما ودعت جيرانها يوم ولت |
وقال فيها:
بريحانة من نبت حلية نورت | لها أرج ما حولها غير مسنت |
وقال فيها:
لها وفضة فيها ثلاثون سيحفا | إذا آنست أولى العدي اقشعرت |
ومن غير خطه: وهو ثلاثة أجزاء أو أربعمائة وعشرون كراسة، يحتوي على أحد عشر ألف بيت من الشعر.
وكتاب زجر النابح يتعلق بلزوم ما لا يلزم، وذلك أن بعض الجهال تكلم على أبيات من لزوم ما لا يلزم يريد بها التشرير والأذية، فألزم أبا العلاء أصدقاؤه أن ينشيء هذا، فأنشأ هذا الكتاب وهو كاره.
ومن غير خطه: وهو شرح اللزوم، وهو جزء واحد مقداره أربعون كراسة.
كتاب يتعلق بزجر النابح سماه نجر الزجر. كتاب ملقى السبيل صغير فيه نظم ونثر. كتاب الجلي والحلي، سأله فيه صديق له من أهل حلب يعرف بابن الحلي مجلد واحد أو عشرون كراسة.
ومن غير هذا الجنس: كتاب لطيف فيه شعر قيل في الدهر الأول يعرف بكتاب سقط الزند وأبياته ثلاثة آلاف بيت.
كتاب يعرف بجامع الأوزان، فيه شعر منظوم على معنى اللغز يعم به الأوزان الخمسة عشر التي ذكرها الخليل بجميع ضروبها ويذكر قوافي كل ضرب من ذلك.
مثاله أن يقال للضرب الأولى من الطويل أربع قواف: المطلقة المجردة مثل قول القائل:
ألا يا أسلمي يا هند بني بدر | وإن كان حيانا عدى آخر الدهر |
والقافية المردفة مثل قول امرئ القيس:
ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي
والمقيدة المجردة وذلك مفقود في الشعر القديم والمحدث، وربما جاء به المحدثون على النحو الذي يسمى مقصورا كما قال بعض الناس وهو في السجن، هو صالح بن عبد القدوس:
إلى الله أشكو إنه موضع الشكوى | وفي يده كشف المصيبة والبلوى |
خرجنا من الدنيا ونحن من اهلها | فما نحن بالأحياء فيها ولا الموتى |
إذا ما أتانا مخبر عن حديثها | فرحنا وقلنا جاء هذا من الدنيا |
وتعجبنا الرؤيا فجل حديثنا | إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا |
فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطأت | وان قبحت لم تحتبس وأتت عجلى |
والقافية المقيدة المؤسسة مثل أن يكون العادل والقائل، وذلك مرفوض متروك، ثم على هذا النحو إلى آخر الكتاب، ومقداره ستون كراسة، ويكون عدد أبيات شعره نحو تسعة الآف بيت، وهو ثلاثة أجزاء.
كتاب يعرف بالسجع السلطاني يشتمل على مخاطبات للجنود والوزراء وغيرهم من الولاة، وكان بعض من خدم السلطان وارتفعت طبقته ولا قدم له في الكتبة فسأل أن ينشأ له كتاب مسجوع من أوله إلى آخره، وهو لا يشعر بما يريد لقلة خبرته بالأدب فألف له هذا الكتاب، وهو أربعة أجزاء.
وكتاب يعرف بسجع الفقيه جزء، ثلاثون كراسة.
وكتاب لطيف يعرف بسجع المضطرين عمله لرجل مسافر يستعين به على أمور دنياه.
وكتاب مختصر يعرف بذكرى حبيب، في غريب شعر أبي تمام، سأل فيه صديق لأبي العلاء من الكتاب، وهو أربعة أجزاء، ستون كراسة.
وهذه الكتب المسؤول في تأليفها إنما تكلفها مؤلفها من فرط الحياء، وهو لتأليفها كاره.
وكتاب عبث الوليد فيما يتصل بشعر البحتري، وكان سبب إنشائه أن بعض الرؤساء أنفذ نسخة ليقابل له بها، فأثبت ما جرى من الغلط ليعرض ذلك عليه، وهو جزء واحد، عشرون كراسة.
وكتاب يعرف بالرياشي المصطنعي في شرح مواضع من الحماسة الرياشية عمل لرجل يلقب بمصطنع الدولة ويخاطب بالإمرة، واسمه كليب بن علي، ويكنى أبا غالب، أنفذ نسخة من الحماسة الرياشية وسأل أن يخرج في حواشيها أشياء لم يذكرها أبو رياش مما يحتاج إلى تفسيره، فخشي أن تضيق الحواشي عن ذلك، فصنع هذا الكتاب، وجمع فيه ما سنح مما لم يفسره أبو رياش، أربعون كراسة.
وكتاب يعرف بشرف السيف، عمل للرجل الذي كان مقيما بدمشق، وهو المعروف بنشتكين الدزبري، وكان السبب في عمله أنه كان يوجه إلى أبي العلاء بالسلام ويحفي المسألة عنه، فأراد جزاءه على ما فعل، جزءان.
وكتاب يعرف بتعليق الجليس مما يتصل بكتاب أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المعروف بالجمل، جزء.
وكتاب إسعاف الصديق ثلاثة أجزاء يتعلق بالجمل أيضا.
وكتاب قاضي الحق يتصل بالكتاب المعروف بالكافي الذي ألفه أبو جعفر النحاس.
وكتاب الحقير النافع مختصر في النحو خمس كراريس. وكتاب يتصل به، يعرف بالطل الطاهري، أنشئ لرجل يعرف بأبي طاهر، حلبي.
وكتاب المختصر الفتحي يتصل بكتاب محمد بن سعدان، صنعه لرجل يكنى أبا الفتح محمد بن علي بن أبي هاشم، وكان أبو هذا الرجل تولى إثبات ما ألفه أبو العلاء من جميع هذه الكتب، فألزمه بذلك حقوقا جمة وأيادي بيضا.
وكتاب في الرسائل الطوال فيها رسالة الغفران .
وكتاب سميته «خطب الخيل» يتكلم على ألسنتها، ومقداره عشر كراريس.
كتاب يعرف بخطبة الفصيح يتكلم فيه على أبواب الفصيح مقداره خمس عشرة كراسة. وكتاب شرح فيه ما جاء في الذي قبله من الغريب يعرف بتفسير خطبة الفصيح.
وكتاب رسيل الراموز نحو ثلاثين كراسة. وكتاب راحة اللزوم ويشرح فيه ما في كتاب لزوم ما لا يلزم من الغريب نحو مائة كراسة.
وكتاب لطيف يعرف بخماسية الراح في ذم الخمر، ومعنى هذا الوسم أنه بني على حروف المعجم، فذكر لكل حرف تمكن حركته خمس سجعات مضمومات، وخمسا مفتوحات، وخمسا مكسورات، وخمسا موقوفات، يكون مقداره عشر كراريس.
وكتاب المواعظ الست، وهو لطيف، ومعنى هذا التلقيب أن الفصل الأول منه في خطاب رجل، والثاني في خطاب اثنين، والثالث في خطاب جماعة، والرابع في خطاب امرأة، والخامس في خطاب امرأتين، والسادس في خطاب نسوة، نحو خمس عشرة كراسة.
كتاب ضوء السقط، تفسير غريب سقط الزند، مقداره عشرون كراسة.
وكتاب الصاهل والشاحج يتكلم فيه على لسان فرس وبغل، مقداره أربعون كراسة، صنفه لأبي شجاع فاتك الملقب بعزيز الدولة والي حلب من قبل المصريين وكان روميا.
كتاب لسان الصاهل والشاحج في تفسير الكتاب الذي قبله.
كتاب القائف على معنى كليلة ودمنة، ألفت منه أربعة أجزاء ثم انقطع تأليفه لموت من أمر بعمله وهو عزيز الدولة فاتك المقدم ذكره، ومقداره ستون كراسة.
وكتاب منار القائف في تفسير الكتاب الذي قبله فيما جاء فيه من اللغز والغريب، عشر كراريس. كتاب دعاء الأيام السبعة.
وكتاب رسالة على لسان ملك الموت عليه السلام.
وكتاب بعض فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وكتاب رسالة العصفورين.
وكتاب السجعات العشر، موضوع على كل حرف من حروف المعجم عشر سجعات في المواعظ.
كتاب شرح سيبويه لم يتم، مقداره خمسون كراسة.
كتاب يتصل بكتاب الزجاجي يعرف بعون الجمل، عمل أيضا لابي الفتح محمد بن علي بن أبي هاشم المذكور آنفا، وهو آخر شيء أملاه.
وكتاب في النحو يتصل بالكتاب المعروف بالعضدي ولقبه «ظهير العضدي» .
وكتاب ديوان الرسائل وهو ثلاثة أقسام: الأول رسائل طوال تجري مجرى الكتب المصنفة مثل كتاب «رسالة الملائكة» وكتاب «الرسالة السندية» جزء، وكتاب «رسالة الغفران» جزء، وكتاب «رسالة الفرض» جزء ونحو ذلك. والثاني: رسائل دون هذه في الطول مثل كتاب رسالة المنيح. وكتاب رسالة الأغريض. والثالث: كتاب الرسائل القصار كنحو ما تجري به العادة في المكاتبة، قيل إنه أربعون جزءا، وقيل إنه ثمانمائة كراسة.
وكتاب خادم الرسائل في تفسير ما تضمنته هذه الرسائل مما يحتاج إليه المبتدئون في الأدب.
كتاب تظلم السور. وكتاب عظات السور. وكتاب الراحلة ثلاثة أجزاء في تفسير كتاب لزوم ما لا يلزم.
وكتاب في المنظوم يعرف بكتاب استغفر واستغفري، مقداره مائة وعشرون كراسة، فيه نحو من عشرة آلاف بيت.
وكتاب يعرف بالرسالة الحضية. وكتاب رسائل المعونة وهي ما كتبت على ألسن قوم. وكتاب مثقال النظم في العروض، جزء.
وكتاب اللامع العزيزي في تفسير شعر المتنبي عمل للأمير عزيز الدولة وغرسها ابن تاج الأمراء أبي الدوام ثابت بن ثمال بن صالح بن مرداس بن إدريس بن نصر بن حميد بن شداد بن عبد قيس بن ربيعة بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ويقال له أيضا «الثابتي العزيزي» مقداره مائة وعشرون كراسة.
هذا ما وجدناه وأثبتناه عن جماعة من أصحاب أبي العلاء. قالوا: وله بعض كتب في العروض والشعر بدأ بها ولم تتم أو تمت وشذ عنا أسماؤها.
ومن شعره الدال على سوء عقيدته من لزوم ما لا يلزم:
ألا فانعموا واحذروا في الحياة | ملما يسمى زوال النعم |
أتوكم بأقوالهم والحسام | فشد به زاعم ما زعم |
تلوا باطلا وجلوا صارما | وقالوا صدقنا فقلنا نعم |
زخارف ما ثبتت في القلوب | عمى عليكم بهن المعم |
ومن ذلك أيضا:
فقد طال العناء فكم تعاني | سطورا عاد كاتبها بطمس |
دعا موسى وزال وقام عيسى | وجاء محمد بصلاة خمس |
وقيل يجيء دين غير هذا | فأودى الناس بين غد وأمس |
إذا قلت المحال رفعت صوتي | وان قلت اليقين أطلت همسي |
ومن ذلك أيضا:
وجدت الشرع تخلقه الليالي | كما خلق الرداء الشرعبي |
هي العادات يجري الشيخ منها | على شيم تعودها الصبي |
وأشوى الحق غاو مشرقي | ولم يرزقه آخر مغربي |
فذا عمر يقول وذا سواه | كلا الرجلين في الدعوى غبي |
ومن ذلك أيضا:
إذا ما ذكرنا آدما وفعاله | وتزويجه بنتيه لابنيه في الدنا |
علمنا بأن الخلق من أصل ريبة | وأن جميع الناس من عنصر الزنا |
وقال في «رسالة الغفران» ولما أجلى عمر بن الخطاب أهل الذمة عن جزيرة العرب شق ذلك على الجالين، فيقال إن رجلا من يهود خيبر يعرف بسمير بن أدكن قال في ذلك:
يصول أبو حفص علينا بدرة | رويدك إن المرء يطفو ويرسب |
كأنك لم تتبع حمولة مأقط | لتشبع إن الزاد شيء محبب |
فلو كان موسى صادقا ما ظهرتم | علينا ولكن دولة ثم تذهب |
ونحن سبقناكم إلى المين فاعرفوا | لنا رتبة البادي الذي هو أكذب |
مشيتم على آثارنا في طريقنا | وبغيتكم في أن تسودوا وترهبوا |
وهذا يشبه أن يكون شعره قد نحله هذا اليهودي، أو أن إيراده لمثل هذا واستلذاذه به من أمارات سوء عقيدته وقبح مذهبه.
ومن أشعاره الدالة على سوء اعتقاده قوله في لزوم ما لا يلزم أيضا:
وهيهات البرية في ضلال | وقد نظر اللبيب لما اعتراها |
تقدم صاحب التوراة موسى | وأوقع في الخسار من اقتراها |
فقال رجاله وحي أتاه | وقال الناظرون بل افتراها |
وما حجي إلى أحجار بيت | كؤوس الخمر تشرب في ذراها |
إذا رجع الحليم إلى حجاه | تهاون بالمذاهب وازدراها |
ومنها أيضا:
خذ المرآة واستخبر نجوما | تمر بمطعم الأري المشور |
تدل على الممات بلا ارتياب | ولكن لا تدل على النشور |
ومنها أيضا:
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدوا | ويهود حارت والمجوس مضلله |
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا | دين وآخر دين لا عقل له |
ومنها أيضا:
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا | وأورثتنا أفانين العداوات |
وما أبيحت نساء الروم عن عرض | للعرب إلا بأحكام النبوات |
ومنها أيضا:
تناقض مالنا إلا السكوت له | وأن نعوذ بمولانا من النار |
يد بخمس مئين عسجدا فديت | ما بالها قطعت في ربع دينار |
قال المؤلف: كأن المعري حمار لا يفقه شيئا، وإلا فالمراد بهذا بين: لو كانت اليد لا تقطع إلا في سرقة خمسمائة دينار لكثر سرقة ما دونها طمعا في النجاة، ولو كانت اليد تفدى بربع دينار لكثر من يقطعها ويؤدي ربع دينار دية عنها، نعوذ بالله من الضلال.
ومنها أيضا:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة | وحق لسكان البسيطة أن يبكوا |
تحطمنا الأيام حتى كأننا | زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك |
ومما يدل على كفره تصريحا قوله:
عقول يستخف بها سطور | ولا يدري الفتى لمن الثبور |
كتاب محمد وكتاب موسى | وإنجيل ابن مريم والزبور |
ومن ذلك أيضا:
صرف الزمان مفرق الإلفين | فاحكم إلهي بين ذاك وبيني |
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا | وبعثت أنت لقتلها ملكين |
وزعمت أن لها معادا ثانيا | ما كان أغناها عن الحالين |
ومن ذلك أيضا:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل | وترزق مجنونا وترزق أحمقا |
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ | رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا |
ومن ذلك أيضا قوله:
في كل أمرك تقليد تدين به | حتى مقالك ربي واحد أحد |
وقد أمرنا بفكر في بدائعه | فان تفكر فيه معشر لحدوا |
ومن ذلك أيضا:
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت | كتب التناظر لا المغني ولا العمد |
ومن ذلك أيضا قوله:
قلتم لنا خالق قديم | صدقتم هكذا نقول |
زعمتموه بلا زمان | ولا مكان ألا فقولوا |
هذا كلام له خبيء | معناه ليست لكم عقول |
ومن ذلك أيضا قوله:
دين وكفر وأنباء تقال وفر | قان ينص وتوراة وإنجيل |
في كل جيل أباطيل ملفقة | فهل تفرد يوما بالهدى جيل |
ومن ذلك أيضا:
الحمد لله قد أصبحت في لجج | مكابدا من هموم الدهر قاموسا |
قالت معاشر لم يبعث إلاهكم | إلى البرية عيساها ولا موسى |
وإنما جعلوا الرحمن مأكلة | وصيروا دينهم للملك ناموسا |
ولو قدرت لعاقبت الذين بغوا | حتى يعود حليف الغي مرموسا |
ومن ذلك أيضا قوله:
ولا تحسب مقال الرسل حقا | ولكن قول زور سطروه |
وكان الناس في عيش رغيد | فجاؤوا بالمحال فكدروه |
قال المؤلف: نقلت هذا كله من تاريخ غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن الصابي، وحمدت الله تعالى على ما ألهم من صحة الدين وصلاح اليقين، واستعذت به من استيلاء الشيطان على العقول.
قرأت في كتاب «فلك المعاني»: إن كثيرا من الجهال يعد الموت ظلما من البارئ عز وجل ويستقبحه بما فيه من النعمة والحكمة والراحة والمصلحة، وقد قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري مع تحذلقه ودعواه الطويلة العريضة وشهرة نفسه بالحكمة ومظاهرته:
ونهيت عن قتل النفوس تعمدا | وبعثت أنت لقتلها ملكين |
وزعمت أن لنا معادا ثانيا | ما كان أغناها عن الحالين |
وهذا كلام مجنون معتوه يعتقد أن القتل كالموت والموت كالقتل، فليت هذا الجاهل لما حرم الشرع وبرده، والحق وحلاوته، والهدى ونوره، واليقين وراحته، لم يدع ما هو بريء منه بعيد عنه، ولم يقل:
غدوت مريض العقل والرأي فالقني | لتخبر أنباء العقول الصحائح |
حتى سلط الله عليه أبا نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر فقال له: أنا ذلك المريض رأيا وعقلا، وقد أتيتك مستشفيا فاشفني، وجرت بينهما مكاتبات كثيرة أمر في آخرها بإحضاره حلب، ووعده على الإسلام خيرا من بيت المال، فلما علم أبو العلاء أنه يحمل للقتل أو الإسلام سم نفسه ومات، وليته لما ادعى العقل خرس ولم يقل مثل هذه الترهات التي يخلد إليها من لا حاجة لله تعالى فيه.
قال المؤلف: لما وقفت على هذه القصة اشتهيت أن أقف على صورة ما دار بينهما على وجهه حتى ظفرت بمجلد لطيف وفيه عدة رسائل من أبي نصر هبة الله بن موسى بن أبي عمران إلى المعري في هذا المعنى، انقطع الخطاب بينهما على المساكتة، ولم يذكر فيها ما يدل على ما ذهب إليه ابن الهبارية من سم المعري نفسه.
ونقلها على الوجه يطول فلخصت منها الغرض دون تفاصح المعري وتشدقه.
1- كتب ابن أبي عمران إليه:
الشيخ- أحسن الله توفيقه- الناطق بلسان الفضل والأدب، الذي ترك من عداه صامتا، مشهود له بهذه الفضيلة من كل من هو فوق البسيطة. غير أن الأدب الذي هو جالينوس طبه، وعنده مفاتح غيبه، ليس مما يفيده كبير فائدة في معاشه أو معاده سوى الذكر السائر به الركبان، مما هو إذا تسامع المذكور به علم أنه له بمكانه الجمال والزينة ما دام حيا، فإذا رمت به يد المنون من ظهر الأرض إلى بطنها فلا بحسن ذكره ينتفع، ولا بقبحه يستضر. وإذ كانت الصورة هذه كان مستحيلا منه- أيده الله- مع وفور عقله أن جعل مواده كلها منصبة إلى إحكام اللغة العربية والتقعر فيها، واستيفاء أقسام ألفاظها ومعانيها، ووفر عمره على ما لا نتيجة لها منها، وترك نفسه المتوقدة نار ذكائها خلوا من النظر في شأن معاده وأن يمتار من علمه ما هو أنفع، فيمكث إذا ذهب الزبد جفاء من غيره، فإذا هو حرسه الله بمقتضى هذا الحكم مرتو من عذب مشرب هذا العلم، وإنما ليس يبوح به لضرب من ضروب السياسة.
والدليل على كونه ناظرا لمعاده سلوكه سبيل شظف العيش والتزهد، وعدوله عن الملاذ من المأكول والمشروب والملبوس، وتعففه عن أن يجعل جوفه للحيوان مدفنا، أو أن يذوق من درها لبنا، أو يستطعم من طعام استكدت عليه في حرثه وإنشائه، وهذه طريقة من يعتقد أنه إذا آلمها جوزي بألمها، وهذا غاية في الزهد.
ولما رأيت ذلك وسمعت داعية البيت الذي يعزى إليه وهو:
غدوت مريض الدين والعقل فالقني | لتعلم أنباء الأمور الصحائح |
شددت إليه راحلة العليل في دينه وعقله إلى الصحيح الذي ينبئني أنباء الأمور الصحائح. وأنا أول ملب لدعوته معترف بخبرته، وهو حقيق أن لا يوطئني العشوة فيسلك بي في المجاهل، ولا يعتمد فيما يورده تلبيس الحق بالباطل.
وأول سؤالي عن أمر خفيف فإن استنشقت نسيم الشفاء سقت السؤال إلى المهم: أسأله عن العلة في تحريمه على نفسه اللحم واللبن وكل ما صدر إلى الوجود من منافع الحيوان فأقول: أليس النبات موضوعا للحيوان يمتار منه، وبوجوده وجوده، وبقوة في الحيوان حساسة ما استولى على الانتفاع بالنبات؟ ولو لم يكن الحيوان لكان موضوع النبات باطلا لا معنى له، وعلى هذه القضية فإن القوة الإنسانية مستولية على الحيوان استيلاء الحيوان على النبات لرجحانها عليه بالنطق والعقل، فهي مسخرة له على أنواع من التسخير ولولا ذلك لكان موضوع الحيوان باطلا. فتجافي الشيخ- وفقه الله- عن الانتفاع بما هو موضوع له مخلوق لأجله إبطال لتركيب الخلقة. ثم امتناعه من أكل الحيوان ليس يخلو القصد به من أحد أمرين. إما أنه تأخذه رأفة بها فلا يرى تناولها بالمكروه، وما ينبغي له أن يكون أرأف بها من خالقها، فإذا ادعى أن تحليلها وتحريمها إنما كان من بعض البشر، يعني به أصحاب الشرائع، وأن الله لم يبح إراقة دم حيوان وأكله، كان الدليل على بطلان قوله وقوع المشاهدة لجنس السباع وجوارح الطير التي خلقها الله سبحانه على صيغة لا تصلح إلا لنتش اللحوم وفسخها، وتمزيق الحيوانات وأكلها. وإذا كان هذا الشكل قائم العين في الفطرة كان جنس البشر وسيع العذر في أكل اللحوم، وكان من أحل لهم ذلك محقا. والثاني أنه يرى سفك دماء الحيوان خارجا عن أوضاع الحكمة، وذلك اعتراض منه على خالقه الذي أوجده، وإذا أنعم الشيخ وساق إلي حجة أعتمدها رجوت كشف المرض الذي وقع اعترافي به.
2- الجواب من أبي العلاء المعري إليه:
قال العبد الضعيف العاجز أحمد بن عبد الله بن سليمان: أول ما أبدأ به أني أعد سيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين- أطال الله بقاءه- ممن ورث حكمة الأنبياء، وأعد نفسي الخاطئة من الأغبياء. وهو بكتابه إلي متواضع، ومن أنا حتى يكتب مثله إلى مثلي؟! مثله في ذلك مثل الثريا كتبت إلى الثرى. وقد علم الله أن سمعي ثقيل، وبصري عن الابصار نقيل. قضي علي وأنا ابن أربع، لا أفرق بين البازل والربع، ثم توالت محني، فأشبه شخصي العود المنحني، ومنيت في آخر عمري بالإقعاد، وعداني عن النهضة عاد.
وأما ما ذكره سيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين فالعبد الضعيف العاجز يذكر له مما عاناه طرفا فأقول: إن الله جلت عظمته حكم علي بالإزهاد، فطفقت من العدم في جهاد. وأما قول العبد الضعيف العاجز:
غدوت مريض العقل والدين فالقني
فإنما خاطب به من هو في غمرة الجهل، لا من هو للرياسة علم وأصل، وقد علم أن الحيوان كله حساس يقع به الألم، وقد سمع العبد الضعيف شيئا من اختلاف القدماء، وأول ما يبدأ به لو أن قائلا من البشر قال: إذا بنينا القضية البتية المركبة من المسند والمسند إليه، ولها واسطتان إحداهما نافية والأخرى استثنائية، فقلنا: الله لا يفعل إلا الخير، أفهذه القضية كاذبة أم صادقة؟ فإن قيل إنها صادقة فقد رأينا الشرور غالبة، فعلمنا أن ذلك أمر خفي. ولم يزل من ينسب إلى الدين يرغب في هجران اللحوم لأنها لم يوصل إليها إلا بإيلام حيوان، يفر منه في كل أوان، وأن الضائنة تكون في محل القوم وهي حامل، فإذا وضعت وبلغ ولدها شهرا أو نحوه اعتبطوه فأكلوه، ورغبوا في اللبن، وباتت أمه ثاغية، لو تقدر سعت له باغية. وقد
تردد في كلام العرب ما يلحق الوحشية من الوجد والناقة إذا فقدت الفصيل، فقال قائلهم:
فما وجدت كوجدي أم سقب | أضلته فرجعت الحنينا |
وللسائل أن يقول: إن كان الخير لا يريد ربنا سواه، فالشر لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون قد علم به أولا، فإن كان عالما به فلا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون مريدا له أولا، فإن كان مريدا له فكأنه الفاعل، كما أن القائل يقول: قطع الأمير يد السارق، وإن لم يباشر ذلك بنفسه، وإن كان غير مريد فقد جاز عليه ما لا يجوز على أمير مثله في الأرض إنه إذا فعل في ولايته شيء لا يرضاه أنكره وأمر بزواله، وهذه عقدة قد اجتهد المتكلمون في انحلالها فأعوزهم.
وقد ذكرت الأنبياء أن البارئ جلت عظمته رؤوف رحيم، ولو رأف ببني آدم وجب أن يرأف بغيرهم من أصناف الحيوان الذي يجد الألم بأدنى شيء، وقد علم أن الوحش الراتعة يبكر إليها الفارس فيطعن العير أو الأتان، وهن ما أسدين إليه ذنبا.
ولأي حال استوجب من يفعل بها هذا الرأفة وهي لم تشرب من الماء بذنوب، ولم تجن ما يكتب من الذنوب. وقد رأيت الجيشين المنتسب كل واحد منهما إلى الشرع المنفرد، يلتقيان وكلاهما في مدد، ويقتل بينهما آلاف عددا. فهذا محسوب من أي الوجهين؟ فليس عند النظر بهين.
فلما بلغ العبد الضعيف العاجز اختلاف الأقوال وبلغ ثلاثين عاما، سأل ربه إنعاما، ورزقه صوم الدهر، فلم يفطر في السنة ولا الشهر، إلا في العيدين، وصبر على توالي الجديدين، وظن اقتناعه بالنبات يثبت له جميل العافية.
وقد علم سيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين ولا ريب أنه قد نظر في الكتب المتقدمة ما حكي عن جالينوس وغيره من اعتقاد يدل على الحيرة، وإذا قيل إن البارئ رؤوف رحيم فلم سلط الأسد على افتراس نسمة إنسية، ليست بالمفسدة ولا القسية؟ وكم مات بلدغ الحيات جماعة مشهورة، وسلط على الطير الراضية بلقط الحبة البازي والصقر، وإن القطاة لتدع فراخها ظماء وتبتكر لترد ماء تحمله إليها في
حوصلتها، فيصادفها دونهن أجدل فيأكلها فيهلك فراخها عطشا، وذكر أشياء من هذا الباب ثم قال: وأعوذ بالله وأتبرأ من قول الكافر:
ألمت بالتحية أم بكر | فحيوا أم بكر بالسلام |
وكائن بالطوي طوي بدر | من الأحساب والقوم الكرام |
وكائن بالطوي طوي بدر | من الشيزى تكلل بالسنام |
ألا يا أم بكر لا تكري | علي الكاس بعد أخي هشام |
وبعد أخي أبيه وكان قرما | من الأقرام شراب المدام |
ألا من مبلغ الرحمن عني | بأني تارك شهر الصيام |
إذا ما الرأس زايل منكبيه | فقد شبع الأنيس من الطعام |
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا | وكيف حياة أصداء وهام |
أيترك أن يرد الموت عني | ويحييني إذا بليت عظامي |
ولعن الله القائل، ويقال إنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك:
أدنيا مني خليلي | عند لا دون الإزار |
فلقد أيقنت أني | غير مبعوث لنار |
سأروض الناس حتى | يركبوا دين الحمار |
وأرى من يطلب | الجنة يسعى في خسار |
وويل لابن رغبان إن كان قال:
هي الأولى وقد نعموا بأخرى | وتسويف الظنون من السواف |
فإن يك بعض ما قالوه حقا | فإن المبتليك هو المعافي |
ومما حثني على ترك أكل الحيوان أن الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارا، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب، بقي لي ما لا يعجب؛ فاقتصرت على فول وبلسن، وما لا يعذب على الألسن. فأما الآن فإذا صار إلى من يخدمني كبير عندي وعنده هين، فما حظي إلا اليسير المتعين. ولست أريد في رزقي زيادة، ولا أوثر لسقمي عيادة، والسلام.
3- الجواب من ابن أبي عمران:
حوشي الشيخ- أدام الله سلامته- من أن يكون ممن فطن في مرض دينه وعقله لعلته، وأجاب دعوة الداعي منه، بالبيت الشائع عنه لينال شفاء علته، جوابا يزيده إلى غلته غلة، إذا يكون كما قال المتنبي:
أظمتني الدنيا فلما جئتها | مستسقيا مطرت علي مصائبا |
كان سؤالي له- حرسه الله- في شيء يختص بنفسه في هجره ما يشد الجسم من اللحم الذي ينبت اللحم، فأجاب بما أقول في جوابه: أهذه أنباء الأمور الصحائح؟
وهل زاد السقيم بدوائه هذا إلا سقما، والأعمى الأصم في دينه وعقله بما قال إلا عمى وصمما، على أن جميع ما ذكره بنجوة عن سؤالي الأول ومعزل عنه، ولا مناسبة بينها وبينه.
وأما القول بأن اللحوم لا يوصل إليها إلا بإيلام الحيوان فقد سبق الجواب: لا يكونن الشيخ أرأف بها من خالقها، فليس يخلو من كونه عادلا أو جائرا، فإن كان عادلا فإنه سبحانه يقبض أرواح الآكل والمأكول جميعا، وذلك مسلم له، وإن كان جائرا لم ينبغ أن نرجح على خالقنا بعدلنا وجوره.
وأما قوله: وللسائل أن يقول إن كان الخير هو الذي لا يريد ربنا سواه فالشر لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون قد علم به أولا إلى آخره، فأقول: قيل إن إنسانا ضاع له مصحف فقيل له اقرأ: {والشمس وضحاها} فإنك تجده، فقال وهذه السورة أيضا فيه. فأقول أيضا إن هذا أيضا من ذلك، وجميعه ظلمات فأين النور؟ وإنما قصدنا أن نعرف أنباء الأمور الصحائح كما قاله.
وأما قوله لما رأى اختلاف الأقوال، وأيقن بنفاد وزوال، سأل ربه أن يرزقه صوم الدهر، واقتنع بالنبات، فما صح لي أن الرب الذي سأله هو الذي يريد الخير وحده، أو الذي يريد الشر وحده، أو الذي يريدهما جميعا. والصوم فرع على أصل من شرع يأتي به رسول، والرسول يتعلق بمرسل، وقصتنا في المرسل مشتبهة: يبعث رسولا يريد أن يطاع أم لا يطاع؛ فإن كان يريد أن يطاع فهو مغلوب على إرادته لأن من لا يطيعه أكثر، وإن كان يريد أن لا يطاع فإرساله إياه محال وطلبه حجة على الضعفاء ليعذبهم. فإن كان موضوع صومه على هذا فلم يفعل شيئا، وإن كان على غيره مما هو أجلى وأوضح فهو الذي أطلبه.
وأما حكايته قول بعض الملحدين واستعاذته بالله أن يكون من المعترضين في قوله تعالى: {وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى} الآيات: إن كان البارئ سبحانه خلقهم وهو يعلم أنهم مجرمون، وللتوبة والإنابة يحرمون فكان الأولى به- وهو الرؤوف الرحيم- أن لا يخلقهم لئلا يعذبهم، وإن كان لا يعلم فهو كأمثالنا ولا يدري ما يكون منه.
وقول الشيخ بعده: معاذ الله أن نقول ذلك بل نسلم ونتلو الآية: {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} فليس الملحد إذا قال: إن السكر حلو والخل حامض لا يقبل منه لكونه ملحدا، وقوله يقتضي جوابا.
فإن كان عند الشيخ جواب فهو الذي نبغي، وإلا فما التسليم في هذا الموضع إلا التسليم للملحد لا شيء غيره. وأما إنشاده:
ألمت بالتحية أم عمرو
وما بعده من الأشعار وذمه من قال ولعنه، فمن الذي اتهمه بشيء من ذلك حاشاه؟ وما الذي أوجب الإذكار بكفريات شعرهم؟ وأما ختمه الرسالة بقوله: إن الذي حثه على ترك أكل الحيوان أن الذي له في السنة نيف وعشرون دينارا يصير إلى خادمه معظمها ويبقى له أيسرها، فمحمل مؤونة القدر الذي يطعمه لو كان ثقيلا لوجب
تحمله، فكيف وهو الخفيف محمله؟ وقد كاتبت مولاي تاج الأمراء - حرس الله عزه- أن يتقدم بازاحة العلة فيما هو بلغة مثله من ألذ الطعام، ومراعاته به على الإدرار والدوام، ليتكشف عنه غاشية هذه الضرورة، ويجري أمره في معيشته على أحسن ما يكون من الصورة. ثم إن قام من الشيخ نشطة لجواب أعفاني فيه عن قصد الأسجاع ولزوم ما لا يلزم فإن ملتمسي فيه المعاني لا الألفاظ.
4- الجواب من أبي العلاء:
سيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين عصمة المؤمنين، هدى الله الأمم بهدايته، وسلك بهم طريق الخير على يده: قد بدأ المعترف بجهله المقر بحيرته، والداعي إلى الله سبحانه أن يرزقه ما قل من رحمته في أول ما خاطبه به أن ذكر اعتقاده في سيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين، ضوأ الله الظلم ببصيرته، وأذهب شكوك الأفئدة برأيه وحكمته، وما نفسه عليه من الذلة والحقرية عنده، وأنه يحسبها ساكنة في بعض السوام. وعجب أن مثله يطلب الرشد ممن لا رشد عنده، فيكون كالقمر الذي هو دائب في خدمة ربه ليلا ونهارا، يطلب الحقيقة من أقمر بفلاة يرد الماء على الصائد ويصيب قلبه بسهم.
وقد ذكر- أيد الله الحق بحياته- بيتا من أبيات على الحاء، ذكر وليه ليعلم غيره ما هو عليه من الاجتهاد في التدين، وما حيلته في الآية المنزلة التي هي قوله: {من يهد الله فهو المهتدي} وأولها:
غدوت مريض العقل والدين فالقني | لتعلم أنباء الأمور الصحائح |
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما | ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح |
ولا يقدر أحد يدفع أن الحيوان البحري لا يخرج من الماء إلا وهو كاره، وإذا سئل المعقول عن ذلك لم يقبح ترك أكله وإن كان حلالا، لأن المتدينين لم يزالوا يتركون ما هو لهم حلال مطلق:
وأبيض أمات أرادت صريحه | لأطفالها دون الغواني الصرائح |
والمراد بالأبيض اللبن، ومشهور أن الأم إذا ذبح ولدها وجدت عليه وجدا عظيما، وسهرت لذلك ليالي، وقد أخذ لحمه وتوفر على أصحاب أمه ما كان يرضع من لبنها، فأي ذنب لمن تحرج عن ذبح السليل، ولم يرغب في استعمال اللبن، ولا يزعم أنه محرم، وإنما تركه اجتهادا في التعبد ورحمة للمذبوح رغبة أن يجازى عن ذلك بغفران خالق السماوات والأرض؟! وإذا قيل إن الله سبحانه يساوي بين عباده في الأقسام فأي شيء أسلفته الذبائح من الخطأ حتى تمنع حظها من الرأفة والرفق؟
فلا تفجعن الطير وهي غوافل | بما وضعت فالظلم شر القبائح |
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد الليل، وذلك أحد القولين في قوله عليه الصلاة والسلام: «أقروا الطير في وكناتها»، وفي الكتاب العزيز: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} إلى غيرها من الآي في المعنى، فإذا سمع من له أدنى حس هذا القول فلا لوم عليه إذا طلب التقرب إلى رب السموات والأرضين بأن يجعل صيد الحل كصيد الحرم، وإن كان ذلك ليس بمحظور.
ودع ضرب النحل الذي بكرت له | كواسب من أزهار نبت فوائح |
لما كانت النحل تحارب الشائر عن العسل بما تقدر عليه، وتجتهد أن ترده عن ذلك، فلا غرو إن أعرض عن استعماله رغبة في أن تجعل النحل كغيرها مما يكره فيه ذبح الأكيل وأخذ ما كان يعيش به لتشربه النساء كي يبدن، وغيرها من بني آدم. وقد وصفت الشعراء ذلك فقال أبو ذؤيب يصف مشتار العسل:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها | وخالفها في بيت نوب عواسل |
وروي عن علي عليه السلام حكاية معناها أنه كان له دقيق شعير في وعاء يختم
عليه، فإذا كان صائما لم يختم على شيء من ذلك الدقيق، وقد كان عليه السلام يصل إلى غلة كثيرة، ولكنه كان يتصدق بها ويقتنع أشد اقتناع. وروي عن بعض أهل العلم أنه قال في بعض خطبه إن غلته تبلغ في السنة خمسين ألف دينار. وهذا يدل على أن الأنبياء والمجتهدين من الأئمة يقصرون نفوسهم ويؤثرون بما يفضل منهم أهل الحاجة.
وقد عدل سيدنا الرئيس إلى الإيماء بأن من ترك أكل اللحم ذميم، ولو أخذ بهذا المذهب لوجب على الإنسان أن لا يصلي صلاة إلا ما افترض عليه، لأن ما زاد على ذلك أداه إلى كلفة، والله تبارك وتعالى لا يريد ذلك، ولوجب أن الذي له مال كثير، إذا أخرج عن الذهب ربع العشر، لا يحسن به أن يزيد على ذلك، وقد حث الناس على النفقات في غير موضع من الكتاب الأشرف. والعبد الضعيف العاجز قد افتقر الى مثل ذلك، ولو مثل بحضرته السامية لعلم أنه لم يبق فيه بقية لأن يسأل ولا أن يجيب لأن أعضاءه متخاذلة، وقد عجز عن القيام في الصلاة، فإنما يصلي قاعدا، والله المستعان. وكيف له أن يكون يصل إلا أن يدب على عكاز (ثم استشهد على عجزه بأشعار العرب) وإني لأعجز إذا اضطجعت عن القعود، فربما استعنت بانسان، فإذا هم بإعانتي وبسط يديه لنهضتي ضربت عظامي لأنهن عاريات من كسوة كانت عليهن.
وأما استشهاده ببيت أبي الطيب فمن استرشد بمثل العبد الضعيف العاجز مثله مثل من طلب في القتادة ثمر النخلة، وإنما حمل سائله على ذلك حسن الظن الذي هو دليل على كرم الطبع وشرف النفس وطهارة المولد وخالص الخيم.
وأما ما ذكره من المكاتبة في توسيع الرزق علي فيدل على إفضال ورثه عن أب فأب وجد في إثر جد حتى يصل النسب إلى التراب، فالعبد الضعيف العاجز ما له رغبة في التوسع ومعاودة الأطعمة، وتركها صار له طبعا ثانيا، وأنه ما أكل شيئا من حيوان خمسا وأربعين سنة:
والشيخ لا يترك أخلاقه | حتى يوارى في ثرى رمسه |
وقد علم أن السيد الأجل تاج الأمراء فخر الملك عمدة الإمامة وعدة الدولة ومجدها ذا الفخرين نصيف أولاد سام وحام ويافث. وود العبد الضعيف العاجز لو أن قلعة حلب وجميع جبال الشام جعلها الله ذهبا لينفقه تاج الأمراء نصير الدولة النبوية- على إمامها السلام وكذلك على الأئمة الطاهرين من آبائه- من غير أن يصير إلى العبد الضعيف من ذلك قيراط، وهو يستحيي من حضرة تاج الأمراء أن ينظر إليه بعين من رغب في العاجلة بعدما ذهب، وهو رضي أن يلقى الله- جلت قدرته- وهو لا يطالب إلا بما فعل من اجتناب اللحوم، فإن وصل إلى هذه الرتبة فقد سعد (ثم اعتذر عن السجع بأخبار أوردها واحتجاجات ذكرها). وسيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين- لا زالت حجته باهرة ودولته عالية- كما قال ثعلبة بن صعير:
ولرب قوم ظالمين ذوي شذى | تغلي صدورهم بهتر هاتر |
لد ظأرتهم على ما ساءهم | وخسأت باطلهم بحق ظاهر |
ولو ناظر أرسطاليس لجاز أن يفحمه، أو أفلاطون لنبذ حججه خلفه، والله يجمل بحياته الشريعة، وينصر بحججه الملة، وحسبي الله ونعم الوكيل.
5- الجواب من ابن أبي عمران:
ما فاتحت الشيخ- أحسن الله توفيقه- بالقول إلا مفاتحة متناكر عليه فيه، مؤثر لأن يخفى من أين جاء السؤال، فيكون الجواب عنه باسترسال ورفض حشمة وحذف تكلف للخطاب بسيدنا والرئيس وما يجري هذا المجرى، إذ كان حكم ما يتجارى فيه موجبا أن لا يتخلله شيء من زخارف الدنيا، ولأنني أعتقد أن سيدي بالحقيقة من تستفل دون يده يداي أخذا منه للدنيا، أو تمتار نفسي من نفسه استفادة من معالم الأخرى. فما أدري كيف انعكست الحال حتى صار الشيخ- أدام الله تأييده- يخاطبني بسيدنا والرئيس، ولست مفضلا عليه في دنيا ولا دين، بل شاد راحلتي إليه لاستفادة إن وردت موردها أو صادفت نهلا أو علا منها قابلتها بالشكر لنعمته والإسجال على نفسي بأستاذيته.
وبعد، فإني أعلمه- أدام الله سلامته- أني شققت جيب الأرض من أقصى دياري إلى مصر، وشاهدت الناس بين رجلين: إما منتحل لشريعة صبا إليها ولهج بها إلى الحد الذي إن قيل له من أخبار شرعه: إن فيلا طار أو جملا باض لما قابله إلا بالقبول والتصديق، ولكان يكفر من يرى غير رأيه فيه ويسفهه ويلعنه، والعقل عند من هذه سبيله في مهواة وفي مضيعة، فليس يكاد ينبعث لأن يعلم ان هذه الشريعة التي هو منتحلها لم يطوق طوقها ولم يسور سوارها الا بعد لموع نور العقل منه، فكيف يصح توليه أولا وعزله آخرا؟ أو منتحل للعقل يقول إنه حجة لله تعالى على عباده، مبطل لجميع ما للناس فيه، مستخف بأوضاع الشرائع...
فلما رمت بي المرامي إلى الشام وسمعت أن الشيخ- وفقه الله- بفضل في الأدب والعلم قد اتفقت عليه الأقاويل، ووضح به البرهان والدليل، ورأيت الناس في ما يتعلق بدينه مختلفين، وفي أمره متبلبلين، فكل يذهب فيه مذهبا، وحضرت مجلسا جليلا أجري فيه ذكره، فقال الحاضرون فيه غثا وسمينا فحفظته في الغيب، وقلت: إن المعلوم من صلابته في زهده يحميه من الظنة والريب، وقام في نفسي أن عنده من حقائق دين الله سرا قد أسبل عليه من
البقية سترا، وأمرا يميز به عن قوم يكفر بعضهم بعضا، ولما سمعت البيت: غدوت مريض العقل | توثقت من خلدي فيما حدثت عقوده، وتأكدت عهوده، وقلت: إن لسانا يستطيع بمثل هذه الدعوى نطقا، ويفتق من هذا الفخر العظيم رتقا، للسان صامت عنده كل ناطق، من ذروة جبل للعلم شاهق، فقصدته قصد موسى للطور أقتبس منه نارا، وأحاول أن أرفع بالفخر منارا، لمعرفة ما تخلف عن معرفته المتخلفون، واختلف في حقيقته المختلفون، فأدليت دلوي بالمسألة الخفيفة التي سألت عنها ترقيا من دون إلى فوق، وتدرجا من صغير إلى كبير، فكان جوابه أنه يصغر عن أن يكون للاسترشاد محلا، فقلت: هذه زيادة في فضله، وما يجوز صدور مثله عن مثله. ثم انتهى إلى الإحالة على كون الناس ممن تقدم أو تأخر في وادي الحيرة تائهين، وفي أذيالها متعثرين، من قائل يقول إن الخير والشر من الله، ومجيب يجيبه هل كان ما كان يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم من وعث السفر وكل مستعاذ منه خيرا أو شرا؟ فإن كان خيرا فالاستعاذة منه باطلة، وان كان شرا والله مريده فالاستعاذة منه كذلك فضول وزيادة في المعنى. وسؤال من يسأل هل كان سم الحسن وقتل الحسين عليهما السلام خيرا أو شرا؟ فإن كان خيرا فاللعنة على القاتل من أي جهة، وان كان شرا والله مريده زال اللوم عن القاتل. وقائل يقول: إن الخير من الله والشر من غيره، ومجيب يجيب بالجواب الذي يقطع به الأسباب، وغير ذلك مما أطال به الخطاب من أشعار الملحدة وأقوالهم، فكان جوابي- أدام الله سلامته- أنني من هؤلاء الذين ذكرتهم تبريت اليك، وتطارحت عليك، وان كلامهم عندي قبل أن عللته عليل، وهو على مسامع القبول مني ثقيل، فافتح لي إلى ما عندك بابا، وافسح لي من لدنك جنابا، فلم يفعل. |
ثم خاطبته على امتناعه من أكل اللحوم فاحتج بكونه متحرجا من قصدها- أعني البهائم- بالمضرة والايلام، متعففا عنها لهذه الجهة، فقطعت لسان حجته بعد تناهيها وقلت: إذا كان الله تعالى سلط بعضها ليأكل بعضا، وهو أعرف بوجوه الحكمة وأرأف بالخليقة، فلا يكن أرأف بها من ربها ولا أعدل فيها من خالقها.
ثم عدل إلى قصور يد الاستطاعة دون ذلك، إذ كان القدر الذي هو له في السنة منصرفا إلى من يتولى خدمته أكثره وخالصا له أقله، فقطعت الحجة في هذا الباب أيضا، وعينت له على جهة كريمة من الذين لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى من يقوم بقدر كفايته من أطيب ما يأكلون، وأزكى ما في البيوت يدخرون؛ فتجافت نفسه- وقاها الله السوء- عن هذا الباب أيضا، وكتب في الجواب الثاني بأنه لا يؤثر ذلك ولا يرغب فيه ولا يخرق عادته المستمرة في الترك، وابتدأ يقول إني طلبت الرشد ممن لا رشد عنده وان البيت الذي قاله مما تعلقت به وجعلته محجة إلى استقراء طريقته ومذهبه، إنما أراد الإعلام باجتهاده في التدين، وما حيلته في الآية المنزلة {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} فجمع بين المتضادين في كلمة واحدة. إنه إن كانت الآية حقا كان الاجتهاد باطلا، وقال: إن لله سبحانه أسرارا لا يقف عليها إلا الأولياء، فنحن على ذلك السر ندور، وعلى باب من هو عنده نطوف. فإن قلنا إنه- حرسه الله- من أصحابه بدعوى صحته في دينه وعقله ومرض الناس على موجب قوله، قال: لا رشد عندي، فنظمه في هذا المعنى يناقض نثره، ونثره يخالف نظمه، فكيف الحيلة؟ ثم قال إن البيت المقول:
غدوت مريض العقل والدين فالقني | لتعلم أنباء العقول الصحائح |
يؤدي معناه البيت الثاني:
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما | ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح |
فكان مرض الدين والعقل من جهة أكل اللحوم وشرب الألبان وتناول العسل، فمن ترك هذه المطاعم كان صحيحا دينه وعقله، وهو يعلم أن مصحة الأديان والعقول لا تقوم بذلك، ولا يجوز أن يكون هذا البيت الثاني ناسخا لحكم الأول، فيكون محصول دعواه في فقر الناس إلى أن يصح دينهم وعقلهم هو أن يقول لهم: لا تأكلوا اللحم واللبن.
وأما قوله: إن الحيوان البحري كاره أن يخرج إلى البر وأنه ليس يقبح في العقول ترك أكله، وإن كان حلالا، لأن المتدينين لم يزالوا يتركون ما لهم طلق، فما من حيوان بحري ولا بري هو أجل من هذا الانسان الحي العاقل، وهو كاره للموت، فيموت، وكاره لأن يأكله شيء، والدود تأكله في قبره، فإن كان ذلك صادرا عن موضع حكمة كان ما ذكره من الحيوان البري والبحري جاريا في مضمار هذا مثلا بمثل، وان كان معدولا به عن وجه الحكمة كان محالا أن يكون صانعي سفيها، وأكون وأنا مصنوعه حكيما.
وأما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى أن تقرحت قدماه، فقيل له فيه فقال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا، فما هذا مما نحن عليه في شيء، والانسان له أن يصلي ما شاء من الصلوات في الأوقات التي تجوز فيها الصلاة على أن لا يزيد في الفرائض ولا ينقص منها، وهذا الكلام شرعي، وكانت النصبة للتكلم على العقليات.
وأما قوله إنه عليه السلام حرم صيد الحرم، وان لغيره أن يحرم صيد الحل تقربا
إلى الله سبحانه، فليس لأحد أن يحلل أو يحرم غيره.
وأما قوله إن عليا عليه السلام لما قدم الخبيص سأل: هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم منه؟ فلما قالوا: لا، رفعه ولم يأكله، فهذه الحجة عليه لا له، فإن الناس مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق أكل اللحم، وهو يهجره دهره، وذلك بالضد سواء، ولو أنه حرسه الله لم يستظهر علي بالشريعة ولم يتجاوز نصبة العقل لصنته عن هذا الجواب الذي عسى أن يشغل سره، ويعز علي ذلك.
وأما ما شكاه من ضعفه وقصور حركته وأنه لم يبق فيه بقية لأن نسأل ولا أن يجيب، فما هو- حرسه الله- على علاته من الضعف والقوة إلا من محاسن الزمان، وممن سارت بذكر فضله الركبان، إلا أنه على عدوان الدهر عليه عدا على نفسه بحرمانها ملاذ دنياها، فإن وثقت نفسه بملاذ تعتاض عنها مما هو خير وأبقى منها فما خسرت صفقته وقام مصداق قوله بالبيت المقدم ذكره، وان كان يوسم بميسم الشح بمنع المنتجعين ورد السائلين. وان كان شق على نفسه من غير بصيرة، كما يدعيه الآن، خوضا مع الخائضين، وتحيرا مع أمثالنا من المتحيرين، فقد أضاعها وجنى عليها وادعى في البيت المقدم ذكره ما لا برهان له. والغرض في السؤال والجواب الفائدة، وإذا عدمت فقد خفف الله عنه أن يتكلف جوابا.
واما الأسجاع ومسألتي التخلي عنها فما كانت إلا شحا بالمعاني ان نضل بتتبعها، ولأنني إذا تتبعت فضله بصناعته في الأدب والشعر وجدت في أرضه مراغما كثيرا وسعة، ومن أين لي أن أظهر على مكنون جواهر علوم دينه كظهوري على مصنفات أدبه وشعره.
وقبل وبعد فأنا أعتذر عن سر له أدام الله حراسته أذعته، وزمان منه بالقراءة والاجابة شغلته، لأنني من حيث ما نفعته ضررته، والله تعالى يعلم أني ما قصدت به غير الاستفادة من علمه، والاغتراف من بحره، والسلام.
وكنا بحضرة القاضي الأكرم الوزير جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني- حرس الله مجده- وفيه جماعة من أهل الفضل والأدب، فقال أبو الحسن علي بن عدلان النحوي الموصلي: حضرت بدمشق عند محمد بن نصر بن عنين الشاعر وزير المعظم، فجاءته رقعة طويلة عريضة خالية من معنى، فارغة من
فائدة فألقاها إلي قائلا: هل رأيت قط رقعة أسقط أو أدبر من هذه، مع طول وعرض، فتناولتها فوجدتها كما قال، وشرعت أخاطبه فأومأ إلي بالسكوت وهو مفكر، ثم أنشدني لنفسه:
وردت منك رقعة أسأمتني | وثنت صدري الحمول ملولا |
كنهار المصيف ثقلا وكربا | وليالي الشتاء بردا وطولا |
فاستحسن أهل المجلس هذه البديهة وعجبوا من حسن المعنى، فقال القاضي الأكرم: ما زلت أستحسن كلاما وجدته على ظهر كتاب ديوان الأعشى في مدينة قفط في سنة خمس وثمانين يتضمن لأبي العلاء المعري شعرا يشبه ما في هذين البيتين من المقابلة ضدا بضد في موضعين، ولعل هذين البيتين يفضلان على ذلك، فقلنا له: وما ذلك الكلام؟ فقال: حكي أن صالح بن مرداس صاحب حلب نزل على معرة النعمان محاصرا ونصب عليها المناجيق، واشتد في الحصار لأهلها، فجاء أهل المدينة إلى الشيخ أبي العلاء لعجزهم عن مقاومته، لأنه جاءهم بما لا قبل لهم به، وسألوا أبا العلاء تلافي الأمر بالخروج إليه بنفسه، وتدبير الأمر برأيه، إما بأموال يبذلونها أو طاعة يعطونها، فخرج ويده في يد قائده، وفتح له بابا من أبواب معرة النعمان وخرج منه شيخ قصير يقوده رجل، فقال صالح: هو أبو العلاء فجيئوني به، فلما مثل بين يديه سلم عليه ثم قال: الأمير أطال الله بقاءه كالنهار الماتع قاظ وسطه وطاب أبرداه، وكالسيف القاطع لان متنه وخشن حداه، {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} فقال صالح (لا تثريب عليكم اليوم) قد وهبت لك المعرة وأهلها وأمر بتقويض الخيام والمناجيق فنقضت ورحل، ورجع أبو العلاء وهو يقول:
نجى المعرة من براثن صالح | رب يعافي كل داء معضل |
ما كان لي فيها جناح بعوضة | الله ألحفهم جناح تفضل |
قال أبو غالب ابن مهذب المعري في تاريخه: في سنة سبع عشرة وأربعمائة صاحت امرأة يوم الجمعة في جامع المعرة، وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغتصبها نفسها، فنفر كل من في الجامع وهدموا الماخور، وأخذوا خشبه، ونهبوه.
وكان أسد الدولة في نواحي صيدا، فوصل الأمير أسد الدولة فاعتقل من أعيانها سبعين رجلا، وذلك برأي وزيره تادرس بن الحسن الأستاذ، وأوهمه أن في ذلك إقامة للهيبة. قال: ولقد بلغني أنه دعي لهؤلاء المعتقلين بآمد وميافارقين على المنابر، وقطع تادرس عليهم ألف دينار، وخرج الشيخ أبو العلاء المعري إلى أسد الدولة صالح وهو بظاهر المعرة، وقال له الشيخ أبو العلاء: مولانا السيد الأجل أسد الدولة ومقدمها وناصحها كالنهار الماتع اشتد هجيره وطاب أبراده، وكالسيف القاطع لان صفحه وخشن حداه، {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} فقال صالح: قد وهبتهم لك أيها الشيخ، ولم يعلم أبو العلاء أن المال قد قطع عليهم، والا كان قد سأل فيه، ثم قال الشيخ أبو العلاء بعد ذلك شعرا وهو:
تغيبت في منزلي برهة | ستير العيون فقيد الحسد |
فلما مضى العمر إلا الأقل | وحم لروحي فراق الجسد |
بعثت شفيعا إلى صالح | وذاك من القوم رأي فسد |
فيسمع مني سجع الحمام | وأسمع منه زئير الأسد |
فلا يعجبني هذا النفاق | فكم نفقت محنة ما كسد |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 295
أبو العلاء هو الشيخ العلامة شيخ الآداب أبو العلاء؛ أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن مطهر بن زياد ابن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن النعمان ويلقب بالساطع لجماله ابن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله؛ الذي هو مجتمع تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عامر؛ وهو هود عليه السلام القحطاني ثم التنوخي المعري الأعمى اللغوي الشاعر صاحب التصانيف السائرة والمتهم في نحلته.
ولد في سنة ثلاث وستين وثلاث مائة.
وأضر بالجدري وله أربع سنين وشهر؛ سالت واحدة وابيضت اليمنى فكان لا يذكر من الألوان إلا الأحمر لثوب أحمر ألبسوه إياه وقد جدر وبقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا فلسفيا.
وكان قنوعا متعففا له وقف يقوم بأمره ولا يقبل من أحد شيئا ولو تكسب بالمديح لحصل مالا ودنيا فإن نظمه في الذروة يعد مع المتنبي والبحتري.
سمع: جزءا من يحيى بن مسعر رواه عن، أبي عروبة الحراني.
وأخذ الأدب عن، بني كوثر، وأصحاب ابن خالويه وكان يتوقد ذكاء.
ومن أردأ تواليفه ’’رسالة الغفران’’ في مجلد قد احتوت على مزدكة وفراغ ورسالة الملائكة ورسالة الطير على ذلك الأنموذج وديوانه سقط الزند مشهور وله لزوم ما لا يلزم من نظمه وكان إليه المنتهى في حفظ اللغات.
ارتحل في حدود الأربع مائة إلى طرابلس وبها كتب كثيرة واجتاز باللاذقية فنزل ديرا به راهب متفلسف فدخل كلامه في مسامع أبي العلاء وحصلت له شكوك لم يكن له نور يدفعها فحصل له نوع انحلال دل عليه ما ينظمه ويلهج به. ويقال: تاب من ذلك وارعوى.
وقد سارت الفضلاء إلى بابه وأخذوا عنه.
وكان أخذ اللغة عن، أبيه وبحلب عن، محمد بن عبد الله بن سعد النحوي.
وكانت غلته في العام نحو ثلاثين دينارا أفرز منها نصفها لمن يخدمه.
وكان غذاؤه العدس ونحوه وحلواه التين وثيابه القطن وفراشه لباد وحصير بردي وفيه قوة نفس وترك للمنن عورض في وقفه فسافر إلى بغداد يتظلم في سنة تسع وتسعين وحدث بها بسقط الزند.
يقال: كان يحفظ كل ما مر بسمع: هـ ويلازم بيته وسمى نفسه رهن المحبسين؛ للزومه منزله وللعمى وقال الشعر في حداثته وكان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره.
خرج صالح بن مرداس ملك حلب فنازل المعرة يحاصرها ورماها بالمجانيق فخرج إليه أبو العلاء يتشفع فأكرمه وقال: ألك حاجة؟ قال: الأمير أطال الله بقاءه كالسيف القاطع لامن مسه وخشن حده وكالنهار الماتع1 قاظ2 وسطه وطاب أبرداه3 {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} فقال: قد وهبتك المعرة فأنشدنا من شعرك. فأنشده على البديه أبياتا وترحل صالح.
كان لأبي العلاء خلوة يدخلها للأكل ويقول: الأعمى عورة والواجب استتاره. فأكل مرة دبسا فنقط على صدره منه فلما خرج للإفادة؛ قيل له: أكلتم دبسا؟ فأسرع بيده إلى صدره فمسحه وقال: نعم لعن الله النهم. فعجبوا من ذكائه وكان يعتذر إلى من يرحل إليه ويتأوه لعدم صلته.
قال الباخرزي: أبو العلاء ضرير ماله ضريب ومكفوف في قميص الفضل ملفوف ومحجوب خصمه الألد محجوج قد طال في ظل الإسلام آناؤه ورشح بالإلحاد إناؤه وعندنا خبر بصره والله العالم ببصيرته والمطلع على سريرته وإنما تحدثت الألسن بإساءته بكتابه الذي عارض به القرآن وعنوانه بـ ’’الفصول والغايات في محاذاة السور والآيات’’.
وقال غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن: له شعر كثير وأدب غزير ويرمى بالإلحاد وأشعاره دالة على ما يزن به ولم يأكل لحما ولا بيضا ولا لبنا بل يقتصر على النبات ويحرم إيلام الحيوان ويظهر الصوم دائما. قال: ونحن نذكر مما رمي به فمنه:
قران المشتري زحلا يرجى | لإيقاظ النواظر من كراها |
تقضى الناس جيلا بعد جيل | وخلفت النجوم كما تراها |
تقدم صاحب التوراة موسى | وأوقع بالخسار من اقتراها |
فقال رجاله: وحي أتاه | وقال الآخرون: بل افتراها |
وما حجي إلى أحجار بيت | كؤوس الخمر تشرب في ذراها |
إذا رجع الحكيم إلى حجاه | تهاون بالمذاهب وازدراها |
صرف الزمان مفرق الإلفين | فاحكم إلهي بين ذاك وبيني |
أنهيت عن، قتل النفوس تعمدا | وبعثت أنت لقبضها ملكين |
وزعمت أن لها معادا ثانيا | ما كان أغناها عن، الحالين |
عقول تستخف بها سطور | ولا يدري الفتى لمن الثبور |
كتاب محمد وكتاب موسى | وإنجيل ابن مريم والزبور |
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت | ويهود حارت والمجوس مضلله |
رجلان أهل الأرض: هذا عاقل | لا دين فيه ودين لا عقل له |
قلتم لنا خالق قديم | صدقتم هكذا نقول |
زعمتموه بلا زمان | ولا مكان إلا فقولوا |
هذا كلام له خبيء | معناه ليست لكم عقول |
دين وكفر وأنباء تقال وفر | قان ينص وتوراة وإنجيل |
في كل جيل أباطيل يدان بها | فهل تفرد يوما بالهدى جيل |
نعم أبو القاسم الهادي وأمته | فزادك الله ذلا يا دجيجيل |
فلا تحسب مقال الرسل حقا | ولكن قول زور سطروه |
وكان الناس في عيش رغيد | فجاؤوا بالمحال فكدروه |
وإنما حمل التوراة قارئها | كسب الفوائد لا حب التلاوات |
وهل أبيحت نساء الروم عن، عرض | للعرب إلا بأحكام النبوات |
تناقض ما لنا إلا السكوت له | وأن نعوذ بمولانا من النار |
يد بخمس مئ من عسجد وديت | ما بالها قطعت في ربع دينا ؟ |
أقروا بالإله وأثبتوه | وقالوا: لا نبي ولا كتاب |
ووطء بناتنا حل مباح | رويدكم فقد طال العتاب |
تمادوا في الضلال فلم يتوبوا | ولو سمع: وا صليل السيف تابوا |
أتتني من الإيمان ستون حجة | وما أمسكت كفي بثني عنان |
ولا كان لي دار ولا ربع منزل | وما مسني من ذاك روع جنان |
تذكرت أني هالك وابن هالك | فهانت علي الأرض والثقلان |
كم غودرت غادة كعاب | وعمرت أمها العجوز |
أحرزها الوالدان خوفا | والقبر حرز لها حريز |
يجوز أن تخطئ المنايا | والخلد في الدهر لا يجوز |
لا تجلسن حرة موفقة | مع ابن زوج لها ولا ختن |
فذاك خير لها وأسلم للـ | إنسان إن الفتى من الفتن |
رغبت إلى الدنيا زمانا فلم تجد | بغير عناء والحياة بلاغ |
وألقى ابنه اليأس الكريم وبنته | لدي فعندي راحة وفراغ |
وزاد فساد الناس في كل بلدة | أحاديث مين1 تفترى وتصاغ |
ومن شر ما أسرجت في الصبح والدجى | كميت لها2 بالشاربين مراغ |
أوحى المليك إلى من في بسيطته | من البرية جوسوا الأرض أو حوسوا1 |
فأنتم قوم سوء لا صلاح لكم | مسعودكم عند أهل الرأي منحوس |
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر2 | لعل بالجزع3 أعوانا على السهر |
وإن بخلت على الأحياء كلهم | فاسق المواطر4 حيا من بني مطر |
ويا أسيرة حجليها5 أرى سفها | حمل الحلي لمن أعيى عن، النظر |
ما سرت إلا وطيف منك يطرحني | يسري أمامي وتأويبا6 على أثري |
لو حط رحلي فوق النجم رافعه | ألفيت ثم خيالا منك منتظري |
يود أن ظلام الليل دام له | وزيد فيه سواد القلب والبصر |
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم | والعذب يهجر للإفراط في الخصر |
هذا جناه أبي علي | وما جنيت على أحد |
أتى عيسى فبطل شرع موسى | وجاء محمد بصلاة خمس |
وقالوا: لا نبي بعد هذا | فضل القوم بين غد وأمس |
ومهما عشت من دنياك هذي | فما تخليك من قمر وشمس |
إذا قلت المحال رفعت صوتي | وإن قلت الصحيح أطلت همسي |
إن كنت لم ترق الدماء زهادة | فلقد أرقت اليوم من جفني دما |
سيرت ذكرك في البلاد كأنه | مسك فسامعة يضمخ أو فما |
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة | ذكراك أخرج فدية من أحرما |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 291
أحمد بن عبد الله بن سليمان، أبو العلاء المعرى اللغوي الشاعر. روى جزءا عن يحيى بن مسعر، عن أبي عروبة الحراني.
له شعر يدل على الزندقة، سقت أخباره في تاريخي الكبير.
دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 1- ص: 112
أحمد بن عبد الله بن سليمان، أبو العلاء المعري: روى عن يحيى بن مسعر، عن أبي عروبة الحراني، متهم في دينه، يتفلسف.
مكتبة النهضة الحديثة - مكة-ط 2( 1967) , ج: 1- ص: 6
أبو العلاء المعري
وأما أبو العلاء أحمد بن سليمان التنوخي المعروف بالمعري، فإنه كان غزير الفضل، وافر الأدب، عالماً باللغة، حسن الشعر، جزل الكلام، وكان ضريراً أعمى، ولم يكن أكمه؛ كما توهمه من لا علم له.
وصنف تصانيف كثيرة، وأشعاراً جمة؛ كسقط الزند، ولزوم ما لا يلزم، إلى غير ذلك.
قال أبو القاسم التنوخي: ورد بغداد، وقرأت عليه شعره.
وذكر أنه لما قدم بغداد دخل عليه علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه شيئاً من النحو، قال له الربعي: ليصعد الإصطبل فخرج مغضباً، ولم يعد إليه.
ويروى أنه أدخل يوماً إلى مجلس المرتضى، فعثر بإنسان، فقال له: من هذا الكلب؟ فقال له: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً!
ويحكى عنه أنه كان برهمياً، وأنه وصف لمريض فروج، فقال: استضعفوك فوصفوك.
وأخذ عنه أبو زكرياء يحيى بن علي الخطيب التبريزي.
وذكر أن مولد أبي العلاء يوم الجمعة مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وعمي من الجدري، وجدر أول سنة سبع وستين وثلاثمائة فغشى يمنى حدقتيه بياض، وأذهب اليسرى.
وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة - أو اثنتي عشرة.
ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين، ودخلها سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وتسعة أشهر، ولزم منزله بعد منصرفه من بغداد سنة أربعمائة، وسمى نفسه رهن المحبسين.
وكان عمره ستاً وثمانين سنة، لم يأكل اللحم منها خمساً وأربعين سنة. ويحكى عنه كلمات وأشعار موهمة، توجب في حقه التهمة؛ والله أعلم.
وتوفي يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، سنة تسع وتسعين وأربعمائة، في خلافة القائم بأمر الله تعالى.
مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن-ط 3( 1985) , ج: 1- ص: 257
دار الفكر العربي-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 305
مطبعة المعارف - بغداد-ط 1( 1959) , ج: 1- ص: 241
أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد التنوخي، أبو العلاء المعري
أحد أفراد الدهر: له كتاب ’’الأيك والغصون’’ في مائة سفر، لم ينسخ على منواله ناسخ، وكفى به فضلا له. وله كتاب ’’اللامع العزيزي’’ وشرح ديوان المتنبي وديوان أبي تمام وديوان البحتري، وسمي شرح المتنبي ’’معجز أحمد’’، وشرح أبي تمام ’’ذكرى حبيب’’، وشرح البحتري ’’عبث الوليد’’ وكتاب ’’الصاهل والشاحج’’ و’’رسالة الغفران’’، و’’رسالة الملائكة’’.
وقال محمد بن مرادة اللغوي: كان بالمشرق لغوي، وبالمغرب لغوي في عصر واحد، لم يكن لهما ثالث، وهما ضريران: فالمشرقي أبو العلاء، والمغربي ابن سيده بالأندلس، وابن سيده أعلم، وكفاه أنه أملى ’’المحكم’’ و’’المخصص’’ من صدره.
سمي المعري نفسه رهين المحبسين، لنزوله منزله، وذهاب بصره. والناس فيه فرقتان، فمنهم من يكفره ويزعم أنه كان زنديقا ومنهم من هو بضد ذلك وفي ظاهر أشعاره زندقة كثيرة، كقوله:
أأترك لذة الصهباء صرفا | بما وعدوك من لبن وخمر |
حياة ثم موت ثم نشر | حديث خرافة يا أم عمرو |
خلق الناس للبقاء فضلت | أمة يحسبونهم للنفاد |
إنما ينقلون من دار أعمال | إلى دار شقوة أو رشاد |
جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 6
دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 75
أحمد بن عبد الله بن سليمان المعريّ، أبو العلاء التّنوخيّ، من أهل معرة النّعمان من بلاد الشام.
كان غزير الفضل، شائع الذّكر، وافر العلم، غاية في الفهم، عالما باللّغة، حاذقا بالنّحو، جيّد الشّعر، جزل الكلام، وشهرته تغني عن وصفه، وفضله ينطق بسجيّته.
ولد بمعرة النّعمان في سنة ثلاث وستين وثلاث مائة، وذهبت عيناه في الجدريّ في سنة سبع وستين وثلاث مائة، وقال الشّعر وهو ابن إحدى عشرة سنة.
ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، فأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى بلده ولزم منزله إلى أن مات في يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأوّل من سنة تسع وأربعين وأربع مائة، في أيام القائم بأمر الله، وقد كان في أهله وسلفه ومن تأخّر عنه فضلاء وقضاة.
ذكر فهرست كتبه نقلا من خطّ كاتبه عليّ بن عبيد الله بن أبي هاشم، قال: كتاب الفصول والغايات، وأراد بالغايات: القوافي، وكتاب الشاذن في ذكر غريب هذا الكتاب، وكتاب إقليد الغايات في تفسير ما فيه من اللّغز، وكتاب الأيك والغصون، وهو كتاب الهمزة والرّدف، بناه على إحدى عشرة حالة، الهمزة في حال إفرادها وإضافتها، وهذا الكتاب رأيته مائة مجلّد، وهو في الخزانة العتيقة بالنّظامية، وكتاب الآي، وهو كتاب مختلف الفصول، وكتاب تفسير الهمزة والرّدف، وكتاب سيف الخطبة، وكتاب تعاليق في فنون شتّى، وكتاب تفسير أمثلة سيبويه، وكتاب محدّ الأبصار: في القوافي، وكتاب تاج الحرّة: في عظات النّساء، وكتاب دعاء ساعة، وكتاب وقفة الواعظ، وكتاب سجع الحمائم، وكتاب لزوم ما لا يلزم، وكتاب زجر النابح، وكتاب دعاء وحرز الخيل، وكتاب ملقى السبيل، وكتاب الجلي والحلّي، وكتاب سقط الزّند، وكتاب جامع الأوزان، وكتاب السّجع السّلطاني، وكتاب سجع الفقيه، وكتاب سجع المضطرّين، وكتاب ذكرى حبيب: في غريب شعر أبي تمّام، وكتاب الرّياشيّ المصطنعي، وكتاب عبث الوليد في شعر البحتري، وكتاب شرف السّيف، وكتاب تعليق الجليس، وكتاب إسفاف الصّديق، وكتاب قاضي الحق، وكتاب المختصر الفتحي، وكتاب خطبة الفصيح، وكتاب خطب الخيل، وكتاب سيل الراموز، وكتاب راحة اللزوم، وكتاب المواعظ، وكتاب خماسية الراح، وكتاب ضوء السّقط، وكتاب الصاهل والشاحج، وكتاب لسان الصاهل والشاحج، وكتاب القائف: على معنى كليلة ودمنة، وكتاب منار القائف: وهو تفسيره، وكتاب الأيام السبعة، وكتاب رسالة على لسان ملك الموت، وكتاب بعض فضائل عليّ عليه السلام، وكتاب رسالة العصفورين، وكتاب السّجعات العشر، وكتاب شرح «سيبويه» لم يتمّه، وكتاب الرسالة الإغريضية، وكتاب رسالة الملائكة: في التصريف، وكتاب في النّحو متّصل بجمل الزجّاجي، وكتاب متّصل بالإيضاح، وكتاب الرسالة السّندية، وكتاب رسالة الغفران، وكتاب رسالة الفرض، وكتاب ديوان رسائله، وكتاب رسالة المنيح، وكتاب خادم الرسائل، وكتاب ما يحتاج إليه المبتدئ بعلم الأدب، وكتاب نظم السّور. وكتاب عظات السّور، وكتاب استغفر واستغفري: يشتمل على عشرة آلاف بيت، وكتاب الرسالة الحضية، وكتاب رسائل المعونة، وكتاب مثقال النّظم: في العروض، وكتاب اللامع العزيزي: في تفسير شعر المتنبّي.
وله أخبار عريبة مستحسنة، وأشعار مليحة تدلّ على زهده وحكمته، وأشعار تدلّ على سوء عقيدته، وقد جمعت مختار أخباره وأشعاره في كتاب مفرد سمّيته كتاب التبرّي من عقيدة المعرّي.
دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 264