المستظهر بالله أحمد (المستظهر) بن عبد الله (المقتدي) بن محمد بن القائم، أبو العباس، ذخيرة الدين: خليفة عباسي. ولى الخلافة بعد وفاة ابيه سنة 487 هـ ، واتسق له الامر على حداثة سنة. وكان ممدوح السيرة، قال ابن الاثير: كان المستظهر لين الجانب، كريم الاخلاق يحب اصطناع الناس، ويفعل الخير، لا يرد مكرمة تطلب منه. وقال في اخلاقه السياسية: كان كثير الوثوق بمن يوليه، غير مصغ إلى سعاية ساع او ملتفت إلى قول واش، ولم يعرف عنه التلون او انحلال العزم بأقوال اصحاب الاغراض ! ووما يوصف به معرفته بالادب وبأسمه الف الغزالي كتابه (المستظهري - خ) في فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية، نشر قسم منه. وكانت خلافته 24 سنة و 3 اشهر و 20 يوما ومات ببغداد، ودفن في حجرة له كان يألفها. قال ابن تغرى بردى: لم تصف له الخلافة بل كانت ايامه مظطربة كثيرة الحروب. وفي ايامه سنة (492هـ) اخذ الفرنج بيت المقدس عنوة وقتلوا اهله بالمسجد الاقصى.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 158

المستظهر بالله العباسي أحمد بن عبد الله.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 25- ص: 0

المستظهر بالله الإمام، أمير المؤمنين، أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر الهاشمي العباسي، البغدادي.
مولده في شوال، سنة سبعين وأربع مائة، واستخلف عند وفاة أبيه في تاسع عشر المحرم، وله ست عشرة سنة وثلاثة أشهر، وذلك في سبع وثمانين.
قال ابن النجار: كان موصوفا بالسخاء والجود، ومحبة العلماء، وأهل الدين، والتفقد للمساكين، مع الفضل والنبل والبلاغة، وعلو الهمة، وحسن السيرة، وكان رضي الأفعال، سديد الأقوال.
وحكى أبو طالب بن عبد السميع عن أبيه أن المستظهر بالله طلب من يصلي به، ويلقن أولاده، وأن يكون ضريرا، فوقع اختياره على القاضي أبي الحسن المبارك بن محمد بن الدواس مقرئ واسط قبل القلانسي، فكان مكرما له، حتى إنه من كثرة إعجابه به كان أول رمضان قد شرع في التراويح، فقرأ في الركعتين الأوليين آية آية، فلما سلم، قال له المستظهر: زدنا من التلاوة، فتلا آيتين آيتين، فقال له: زدنا، فلم يزل حتى كان يقوم كل ليلة بجزء، وإنه ليلة عطش، فناوله الخليفة الكوز، فقال خادم: ادع لأمير المؤمنين، فإنه شرفك بمناولته إياك، فقال: جزى العمى عني خيرا، ثم نهض إلى الصلاة، ولم يزد على ذلك.
وقال السلفي: قال لي أبو الخطاب ابن الجراح: صليت بالمستظهر في رمضان، فقرأت: {إن ابنك سرق}، رواية رويناها عن الكسائي، فلما سلمت، قال: هذه قراءة حسنة، فيه تنزيه أولاد الأنياء عن الكذب.
قلت: كيف بقولهم: {فأكله الذئب}، {وجاءوا على قميصه بدم كذب}.
قال ابن الجوزي: حدثني محمد بن شاتيل المقرئ، حدثني أبو سعد بن أبي عمامة قال: كنت ليلة جالسا في بيتي، وقد نام الناس، فدق الباب، فإذا بفراش وخادم معه شمعة، فقال: بسم الله، فأدخلت على المستظهر، وعليه أثر غم، فأخذت في الحكايات والمواعظ وتصغير الدنيا، وهو لا يتغير، وأخذت في حكايات الكرام وغير ذلك، فقلت: هذا لا ينام، ولا يدعني أنام، فقلت: يا أمير المؤمنين، لي مسألة، قال: قل، قلت: ولا تكتمني؟ قال: لا، قلت: بالله حل عليك نقدة للبائع، أو انكسر زورقك، أو وقعوا على قافلة لك، وضاق وقتك؟ عندي طبق خلاف أنا أقرضه لك، وتبقى بارزيا في الدروب وما يخلي الله من رزق، فهذا هم عظيم، وقد مرستني الليلة، فضحك حتى استلقى، وقال: قم، فعل الله بك وصنع، فقمت، وتبعني الخادم بدنانير وتخت وثياب.
قيل: إن ابن مقلد العواد غنى المستظهر، فسره، فأعطاه مائتي دينار، وقطعة كافور زنة ثلاثة أرطال مقمعة بذهب.
قال أبو طالب بن عبد السميع: كان من ألفاظ المستظهر:
خير ذخائر المرء لدنياه ذكر جميل، ولآخرته ثواب جزيل.
شح المرء بفلسه من دناءة نفسه.
الصبر على الشدائد ينتج الفوائد.
أدب السائل أنفع من الوسائل.
بضاعة العاقل لا تخسر، وربحها يظهر في المحشر.
وله نظم حسن.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: توفي المستظهر بالله سحر ليلة الخميس، سادس عشرين ربيع الآخر، سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، ومرض ثلاثة عشر يوما من تراقي ظهر به، وبلغ إحدى وأربعين سنة وستة أيام، وكان لين الجانب، كريم الخلائق، مشكور المساعي، إذا سئل مكرمة، أجاب إليها، وإذا ذكر بمثوبة تشوف نحوها.
وقيل: إنه أنشد قبل موته بقليل، وبكى:

وفي أول خلافته، جهز السلطان بركيا روق بن ملكشاه جيشا مع قسيم الدولة جد نور الدين وبوزبان، فالتقاهم تاج الدولة تتش بظاهر حلب، فأسر قسيم الدولة، وذبحه تتش، وأخذ حلب بعد حصار، وذبح بوزبان، وسجن كربوقا، وسار، فتملك الجزيرة، ثم خلاط، ثم أذربيجان كلها، واستفحل أمره، وكبس عسكره بركياروق، فانهزم، وراحت خزائنه، وذهب إلى أصبهان، ففتحوا له خديعة، فأمسكوه، فمات أخوه صاحب أصبهان محمود، وله سبع سنين بالجدري، فملكوا بركياروق ووزر له المؤيد بن نظام الملك، وجمع وحشد، ومات صاحب مصر المستنصر، وأمير الجيوش بدر، ووالي مكة محمد بن أبي هاشم الذي نهب الوفد، ثم التقى بركياروق وعمه تتش، فقتل في المعركة تتش، وتملك بعده دمشق ابنه دقاق شمس الملوك، وقتل صاحب سمرقند أحمد خان، وكان قد حسنوا له الإباحة، وتزندق، فقبض عليه الأمراء، وشهدوا عليه، فأفتى العلماء بقتله، وملكوا ابن عمه.
وقتل سنة تسعين صاحب مرو أرغون أخو السلطان ملكشاه، وكان ظلوما جبارا، قتله مملوك له، وكان حاكما على نيسابور، وبلخ أيضا، تمرد وخرب أسوار بلاده.
وعصى نائب العبيدية بصور، فجاء عسكر، وحاصروها وافتتحوها، وقتلوا بها خلقا، منهم نائبها.
وجهز السلطان بركياروق جيشا مع أخيه سنجر، فبلغهم قتل أرغون، فلحقهم السلطان، فتملك جميع خراسان، وخطب له بسمرقند، ودانت له الأمم، فاستناب أخوه سنجر بخراسان، وكان حدثا، وأمر بركياروق على خوارزم محمد بن نوشتكين مولى السلجوقية، وكان فاضلا أديبا عادلا، ثم قام بعده ولده خوارزم شاه أتسز والد خوارزم شاه علاء الدين.
وفي سنة تسع: كان أول ظهور الفرنج بالشام قدموا في بحر قسطنطينية في جمع كثير، وانزعجت الملوك، وعم الخطب، لا سيما ابن قتلمش صاحب الروم، فالتقاهم، فطحنوه.
وأما ابن الأثير، فقال: ابتداء دولتهم في سنة ’’478’’، فأخذوا طليطلة وغيرها، ثم صقلية، وأخذوا بعض أفريقية، وجمع ملكهم بغدوين جمعا، وبعث يقول لرجار صاحب صقلية: أنا واصل إليك لنفتح إفريقية، فبعث أفريقية، يقول: الأولى فتح القدس، فقصدوا الشام.
وقيل: إن صاحب مصر لما رأى قوة آل سلجوق واستيلائهم على الممالك، كاتب الفرنج، فمروا بسيس، ونازلوا أنطاكية، فخاف صاحبها ياغي بسان، فأخرج النصارى إلى الخندق وحبسهم به، فدام حصارها تسعة أشهر، وفني الفرنج قتلا وموتا، ثم إنهم عاملوا
الزراد المقدم، بذلوا له مالا، فكاشر لهم عن بدنه، ففتحوا شباكا، وطلعوا منه خمس مائة في الليل، ففتح ياغي بسان، وهرب، واستبيح البلد _ فإنا لله _ في سنة إحدى وتسعين، وسقطت قوة ياغي بسان أسفا، وانهزم غلمانه، فذبحم حطاب أرمني. ثم أخذوا المعرة، فقتلوا وسبوا، وتجمعت عساكر الموصل وغيرها، فالتقوا، فانهزم المسلمون، واستشهد ألوف، وصالحهم صاحب حمص، وأقبل ابن أمير الجيوش، فأخذ القدس من ابن أرتق، وانتشرت الباطنية بأصبهان، وتمت حروب مزعجة بين ملوك العجم، وأخذت الفرنج بيت المقدس، نصبوا عليه أربعين منجنيقا، وهدوا سوره، وجدوا في الحصار شهرا ونصفا، ثم ملكوه من شماليه في شعبان سنة اثنتين وتسعين، وقتلوا به نحوا من سبعين ألفا.
قال يوسف ابن الجوزي والعهدة عليه: سارت الفرنج، ومقدمهم كندفري في ألف ألف، منهم خمس مائة ألف مقاتل، وعملوا برجا من خشب ألصقوه بالسور، وحكموا به على البلد، وسار الأفضل أمير الجيوش، من مصر في عشرين ألفا نجدة، فقدم عسقلان وقد استبيحت القدس، ثم كبست الفرنج المصريين، فهزموهم، وانحاز الأفضل إلى عسقلان، وتمزق جيشه، وحوصر، فبذل لهم أموالا، فترحلوا عنه.
وتملك محمد بن ملكشاه، وهزم أخاه بركياروق، ثم حارب عسكر الموصل، وجرت عجائب، ثم فر بركياروق إلى خراسان، وعسف، وعمل مصافا مع أخيه سنجر، فانهزم كل منهما، ثم سار بركياروق على جرجان طالبا أصبهان.
والتقى ابن الدانشهد جيش الفرنج فنقل ابن الأثير أنهم كانوا ثلاث مائة ألف، فلم يفلت أحد منهم سوى ثلاثة آلاف.
وكانت وقعة بين المصريين والفرنج على عسقلان، فقتل مقدم المصريين سعد الدولة، لكن انتصر المسلمون.
قال ابن الأثير: فيقال: قتل من الفرنج ثلاث مائة ألف.
قلت: هذه مجازفة عظيمة.
والتقى السلطان محمد بن ملكشاه وأخوه بركياروق مرات، وغلت الأقطار بالباطنية، وطاغوتهم الحسن بن الصباح المروزي الكاتب، كان داعية لبني عبيد، وتعانوا شغل السكين، وقتلوا غيلة عدة من العلماء والأمراء، وأخذوا القلاع، وحاربوا، وقطعوا الطرق، وظهروا أيضا بالشام، والتف عليهم كل شيطان ومارق، وكل ماكر ومتحيل.
قال الغزالي في ’’سر العالمين’’: شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهد تحت حصن الألموت، فكان أهل الحصن يتمنون صعوده، ويتمنع ويقول: أما ترون المنكر كيف فشا، وفسد الناس، فصبا إليه خلق، وذهب أمير الحصن يتصيد، فوثب على الحصن فتملكه، وبعث إلى الأمير من قتله، وكثرت قلاعهم، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافهم.
ولابن الباقلاني، والغزالي، وعبد الجبار المعتزلي كتب في فضائح هؤلاء.
قال ابن الأثير: وفي سنة ’’494’’ أمر السلطان بركياروق بقتل الباطنية، وهم الإسماعيلية، وهو الذين كانوا قدما يسمون القرامطة.
قال: وتجرد بأصبهان للانتقام منهم الخجندي، وجمع الجم الغفير بالأسلحة، وأمر بحفر أخاديد أوقدت فيها النيران، وجعلوا يأتون بهم، ويلقونهم في النار، إلى أن قتلوا منهم خلقا كثيرا.
قال: وكان ابن صباح شهما، عالما بالهندسة والنجوم والسحر، من تلامذة ابن غطاش الطبيب الذي تملك قلعة أصبهان، وممن دخل بمصر على المستنصر، فأعطاه مالا، وأمر بالدعوة لابنه نزار، وهو الذي بعث من قتل نظام الملك، وقد قتل صاحب كرمان أربعة آلاف لكونهم سنة، واسمه تيرانشاه السلجوقي، حسن له رأي الباطنية أبو زرعة الكاتب، فانسلخ من الدين، وقتل أحمد بن الحسين البلخي شيخ الحنفية، فقام عليه جنده وحاربوه، فذل، وتبعه عسكر، فقتلوه، وقتلوا أبا زرعة، وصارت الأمراء يلازمون لبس الدروع تحت الثياب خوفا من فتك هؤلاء الملاحدة، وركب السلطان بركياروق في تطلبهم، ودوخهم، حتى قتل جماعة برآء، سعى بهم الأعداء، ودخل في ذلك أهل عانة، واتهم إلكيا الهراسي بأنه منهم، وحاشاه، فأمر السلطان محمد بن ملكشاه بأن يؤخذ، حتى شهدوا له بالخير، فأطلق.
وفيها كسر دقاق صاحب دمشق الفرنج، وحاصر صاحب القدس كندفري عكا، فقتل بسهم، وتملك أخوه بغدوين، وأخذت الفرنج سروج بالسيف، وأرسوف وحيفا بالأمان، وقيسارية عنوة.
وفي سنة ’’459’’: مات المستعلي صاحب مصر، وولي الآمر، وكانت حروب بين الأخوين بركياروق ومحمد، وبلاء وحصار، ونازلت الفرنج طرابلس، فسار للكشف عنها جند دمشق وحمص، فانكسروا، ثم التقى العسكر، وبغدوين، فهزموه، وقل من نجا من أبطاله، وظفر ثلاثة من الباطنية على جناح الدولة صاحب حمص، فقتلوه في الجامع،
فنازلتها الفرنج، فصولحوا على مال، وتسلمها شمس الملوك، وقتلت الباطنية الأعز، وزير بركياروق، ومات كربوقا صاحب الموصل بخوي، وقد استولى على أكثر أذربيجان.
وخطب سنجر بخراسان لأخيه محمد، وحارب قدرخان صاحب ما وراء النهر، فأسر سنجر وقتله، وملك ابن بغراجان سمرقند، ونازل المسلمون بلنسية، واسترجعوها من الفرنج بعد أن تملكوها ثمانية أعوام، ثم راحت من المسلمين في سنة ’’636’’.
وفي سنة ست وتسعين: سار شمس الملوك، فحاصر الرحبة، وأخذها، وجاء عسكر مصر، فالتقوا الفرنج بيافا، وخذلت الفرنج، وتصالح بركياروق وأخوه، وملوا من الحرب، وتحالفوا، وطال حصار الفرنج لطرابلس، وأخذوا جبيل، وأخذوا عكا، ونازلوا حران، فجاء العسكر، ووقع المصاف، ونزل النصر، وأبيدت الملاعين، وبلغت قتلاهم اثني عشر ألفا، ومات شمس الملوك دقاق، وتملك ولده بدمشق، وأتابكه طغتكين.
وفي سنة ثمان وتسعين مات بركياروق، وسلطنوا ابنه ملكشاه وهو صبي، والتقى المسلمون والفرنج، فأصيب المسلمون، ثم قدم عسكر مصر، وانضم إليهم عسكر دمشق، فكان المصاف مع بغدوين عند عسقلان، وثبت الفريقان، وقتل من الفرنج فوق الألف، ومن المسلمين مثلهم، ثم تحاجزوا، وفيها تمكن السلطان محمد وبسط العدل.
وفي سنة ’’496’’: كبس الأتابك طغتكين الفرنج بالأردن، فقتل وأسر، وزينت دمشق، وأخذ من الفرنج حصنين.
واستولت الإسماعيلية على فامية، وقتلوا صاحبها ابن ملاعب، وكان جبارا يقطع الطريق.
وفي سنة خمس مائة: مات صاحب المغرب والأندلس يوسف بن تاشفين، وتملك بعده ابنه علي، وكان يخطب لبني العباس، وجاءته خلع السلطنة والألوية، وكان أنشأ مراكش.
وقتل واحد من الإسماعيلية فخر الملك بن نظام الملك، وزر لبركياروق، ثم لسنجر.
وقبض محمد على وزيره سعد الملك، وصلبه بأصبهان، واستوزر أحمد بن نظام الملك.
وعزل المستظهر وزيره أبا القاسم بن جهير، ووزر هبة الله بن المطلب.
وغرق ملك قونية قلج رسلان بن سليمان بن قتلمش السلجوقي.
وفي سنة إحدى وخمسين وخمس مائة مات صاحب الحلة سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي ملك العرب الذي أنشأ الحلة على الرفض، قتل في وقعة بينه وبين السلطان محمد بن ملكشاه.
وفيها سار طغتكين في جند دمشق، فهزم الفرنج، وأسر صاحب طبرية جرماس، وحاصر بغدوين الكلب صور، وبنى بإزائها حصنا، ثم بذل له أهلها سبعة آلاف دينار، فترحل عنهم.
وفي سنة اثنتين: سار طغتكين في ألفين، فالتقى الفرنج، فانهزم جمعه، وثبت هو، ثم تراجعوا إليه، ونصروا، وأسروا قومصا، بذل في نفسه جملة، فأبى طغتكين وذبحه، ثم هادن بغدوين أربعة أعوام.
وفيها تزوج المستظهر بأخت السلطان محمد على مائة ألف دينار.
وفيها أخذت الإسماعيلية شيزر بحيلة، فرجع صاحبها من موكبه، فوجد بلده قد راح منه، فيعمد نساؤه من القلة فدلوا حبالا، واستقوه وأجناده، فوقع القتال، واستحر القتل بالملاحدة، وكانوا مائة، قد خدم أكثرهم حلاجين في شيزر، فما نجا منهم أحد، وقتل من الأجناد عدة.
وفي سنة ثلاث أخذت طرابلس في آخر السنة بعد حصار ست سنين أخذوها بأبراج خشب صنعت وألصقت بسورها، وأخذوا بانياس، وجبيل بالأمان، ثم طرسوس، وحصن الأكراد.
وفي سنة خمس تناحب عساكر العراق والجزيرة، وأقبلوا لغزو الفرنج، وعدوا الفرات، فقل ما نفعوا، ثم رجعوا والأعداء تجول في الشام.
وتمت بالأندلس غزوة كبرى -نصر الله-، وانحطمت الفرنج، وقتل ابن ملكهم.
وفي سنة ست: مات ملك الأرمن، فسار صاحب أنطاكية تنكري ليتملك سيس، فمرض، ومات.
ومات قراجا صاحب حمص، فتملك ابنه خيرخان.
وفي أول سنة سبع أقبل عسكر الجزيرة نجدة لطغتكين، فالتقوا الفرنج بالأردن، وصبر الفريقان، ثم استحر القتل بالفرنج، وأسر طاغيتهم بغدوين، لكن أساء الذي أسره، فشلحه، وأطلقه جريحا، ثم تراجع العدو، وجاءتهم نجدة، فعملوا المصاف من الغد، وحمي القتال، وطاب الموت، وتحصن الكلاب بجبل، فرابط الجيش بإزائهم يترامون بالنشاب ويقتتلون، فدام ذلك كذلك ستة وعشرين صباحا حتى عدمت الأقوات، وتحاجز الجمعان.
وفيها وثب باطني بجامع دمشق على صاحب الموصل مودود بن ألتونتكين فقتله، وهو قد صلى الجمعة مع طغتكين، وأحرق الباطني.
قال ابن القلانسي في ’’تاريخه’’: قام هو وطغتكين حولهما الترك والأحداث بأنواع السلاح من الصوارم والصمصامات والخناجر المجردة، كالأجمة المشتبكة، فوثب رجل لا يؤبه له، ودعا لمودود، وشحذ منه، وقبض بند قبائه، وضربه تحت سرته ضربتين، والسيوف تنزل عليه، ودفن بخانقاه الطواويس، ثم نقل، وكان بطبرية مصحف أرسله عثمان -رضي الله عنه- إليها، فنقله طغتكين إلى جامع دمشق.
وفيها تملك حلب أرسلان بن رضوان السلجوقي بعد أبيه، وقتل أخويه، ورأس الإسماعيلية أبا طاهر الصائغ، وعدة منهم.
وفي سنة ثمان وخمس مائة: هلك بغدوين من جرحه. وقتلت الباطنية صاحب مراغة أحمديل.
وتخنزرت الفرنج في سنة تسع، وعاثوا بالشام، وأخذوا رفنية، فساق طغتكين، واستنقذها، وكان قد عصى على السلطان، وحارب بعض عسكره، فندم، وسار بنفسه على العراق بتحف سنية، فرأى من الاحترام فوق آماله، وكتبوا له تقليدا بإمرة الشام كله.
وفي سنة عشر قدم البرسقي صاحب الموصل إلى الشام غازيا، وسار معه طغتكين، فكبسوا الفرنج، ونزل النصر، فقتل ألوف من الفرنج، واستحكمت المودة بين البرسقي وبين صاحب دمشق.
وفي سنة إحدى عشرة كبست الفرنج حماة، وقتلوا مائة وعشرين رجلا، وبدعوا، وجاء سيل هدم سور سنجار، وغرق خلائق، وأخذ باب المدينة، ثم ظهر تحت الرمل بعد سنين على مسيرة بريد، وسلم مولود في سريره عام به، وتعلق في زيتونة.
وفيها تسلطن السلطان محمود بعد أبيه محمد، وأنفقت خزائن أبيه في العساكر، فقيل: كانت أحد عشر ألف ألف دينار.
وتوفي المستظهر بالله عن سبعة بنين، وصلى عليه ابنه المسترشد بالله.
وبعده ماتت جدته لأبيه أرجوان الأرمنية، وقد رأت ابنها خليفة، وابن ابنها، وابن ابن ابنها، وما اتفق هذا لسواها.
أبو القاسم الأنصاري، صاحب إفريقية:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 14- ص: 307