عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو حفص: ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنين، الصحابي الجليل، الشجاع الحازم، صاحب الفتوحات، يضرب بعدله المثل. كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، وله السفارة فيهم، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. وهو أحد العمرين اللذين كان النبي (ص) يدعو ربه أن يعز الاسلام بأحدهما. أسلم قبل الهجرة بخمس سنين، وشهد الوقائع. قال ابن مسعود: ماكنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر. وكانت له تجارة بين الشام والحجاز. وبويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة 13 هـ) بعد منه. وفي أيامه تم فتح الشام والعراق، وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة. حتى قيل: انتصب في مدته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام. وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري، وكانوا يؤرخون بالوقائع. واتخذ بيت مال للمسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة فبنيتا. وأول من دون الدواوين في الأسلام، جعلها على الطريقة الفارسية، لإحصار أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات عليهم. وكان يطوف في الأسواق منفردا. ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم. وكتب إلى عماله: إذا كتبتم لي فابدأوا بأنفسكم. وروى الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم. وله كلمات وخطب ورسائل غاية في البلاغة. وكان لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر. وكان أول ما فعله لما ولى، أن رد سبايا أهل الردة إلى عشائرهن وقال: كرهت أن يصير السبي سبة على العرب. وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية، وزاد في بعضها (الحمد لله) وفي بعضها (محمد رسول الله). له في كتب الحديث 537 حديثا. وكان نقش خاتمه: (كفى بالموت واعظا ياعمر) وفي الحديث: اتقوا غضب عمر، فان الله يغضب لغضبه. لقبه النبي (ص) بالفاروق، وكناه بأبي حفص. وكان يقضى على عهد رسول الله (ص). قالوا في صفته: كان أبيض عاجي اللون، طوالا مشرفا على الناس، كث اللحية، أنزع (منحسر الشعر من جانبي الجبهة) يصبغ لحيته بالحناء والكتم. قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي (غلام المغيرة بن شعبة) غيلة، بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح. وعاش بعد الطعنة ثلاث ليال. أفرد صاحب (أشهر مشاهير الإسلام- ط) نحو ثلاث مئة صفحة، لترجمته. ولابن الجوزي (عمر بن الخطاب- ط) ولعباس محمود العقاد (عبقرية عمر- ط) ولبشير يموت (تاريخ عمر بن الخطاب- ط) وللشيخ على الطنطاوي وناجي الطنطاوي (عمر بن الخطاب- ط) ولمحمد حسين هيكل (الفاروق عمر- ط) ولشبلي النعماني كتاب عنه باللغة الأردية نقله ظفر علي خان إلى الإنكليزية وسماه Al- Faroq Omar the great وطبع معه خريطة للفتوحات الإسلامية.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 45
(ب د ع) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، أبو حفص.
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة، فعلى هذا تكون أخت أبي جهل، وعلى الأول تكون ابنة عمه- قال أبو عمر: ومن قال ذلك- يعني بنت هشام- فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام، وليس كذلك وإنما هي ابنة عمهما، لأن هشاما وهاشما ابني المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة، وهشام والد الحارث، وأبي جهل، وكان يقال لهاشم جد عمر: ذو الرمحين.
وقال ابن منده: أم عمر أخت أبي جهل. وقال أبو نعيم: هي بنت هشام أخت أبي جهل، وأبو جهل خاله. ورواه عن ابن إسحاق.
وقال الزبير: حنتمة بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل- كما قال أبو عمر- وكان لهاشم أولاد فلم يعقبوا.
يجتمع عمر وسعيد بن زيد - رضي الله عنهما- في نفيل.
ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة. روي عن عمر أنه قال: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين.
وكان من أشرف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشا كانوا إذا وقع.
بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيرا، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر، رضوا به، بعثوه منافرا ومفاخرا.
إسلامه رضي الله عنه
لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، كان عمر شديدا عليه وعلى المسلمين. ثم أسلم بعد رجال سبقوه- قال هلال بن يساف: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة. وقيل: أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلا وعشرين امرأة، فكمل الرجال به أربعين رجلا.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي بإسناده إلى أبي الحسن علي بن أحمد ابن متويه قال: أنبأنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني، أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا صفوان بن المغلس، حدثنا إسحاق بن بشر.
حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرماني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا وامرأة. ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}.
وقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير: أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة.
وقال سعيد بن المسيب: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة.
وقال الزبير: أسلم عمر بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وبعد أربعين أو نيف وأربعين بين رجال ونساء.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام- يعني أبا جهل: أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة «الحاقة» فجعلت أعجب من تأليف القرآن- قال، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأ إنه لقول رسول كريم. {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون}. قال. قلت: كاهن. قال: {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين} ... إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.
أنبأنا العدل أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الدمشقي، أنبأنا الشريف النقيب أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني، وأبو القاسم الحسين ابن الحسن بن محمد قراءة عليهما وأنا أسمع، قالا: أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة، أنبأنا محمد بن عوف، أنبأنا سفيان الطائي قال: قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنفي قال: ذكره أسامة بن زيد، عن أبيه، عن جده أسلم قال: قال لنا عمر بن الخطاب: أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي؟ قلنا، نعم. قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا يوما في يوم حار شديد الحر بالهاجرة، في بعض طرق مكة، إذ لقيني رجل من قريش فقال: أين تذهب يا ابن الخطاب؟
أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك؟! قال قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد صبأت. قال: فرجعت مغضبا- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة، فيكونان معه، ويصيبان من طعامه. وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين- قال: فجئت حتى قرعت الباب، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب- قال: وكان القوم جلوسا يقرءون القرآن في صحيفة معهم- فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا، وتركوا- أو: نسوا الصحيفة من أيديهم. قال: فقامت المرأة ففتحت لي، فقلت: يا عدوة نفسها، قد بلغني أنك صبوت ! قال: فأرفع شيئا في يدي فأضربها به، قال: فسال الدم. قال: فلما رأت المرأة الدم بكت، ثم قالت: يا ابن الخطاب، ما كنت فاعلا فافعل، فقد أسلمت. قال: فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت، فقلت: ما هذا الكتاب؟
أعطينيه. فقالت لا أعطيك، لست من أهله، أنت لا تغتسل من الجنابة، ولا تطهر، وهذا لا يمسه إلا المطهرون! قال: فلم أزل بها حتى أعطتنيه، فإذا فيه: {بسم الله الرحمن الرحيم} فلما مررت بـ {الرحمن الرحيم}، ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي- قال: ثم رجعت إلى نفسي، فإذا فيها: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} - قال: فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت، ثم ترجع إلي نفسي، حتى بلغت: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} حتى بلغت إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين} - قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله- قال: فخرج القوم يتبادرون بالتكبير، استبشارا بما سمعوه مني، وحمدوا الله عز وجل، ثم قالوا: يا ابن الخطاب، أبشر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الإثنين فقال: اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين: إما عمرو بن هشام، وإما عمر بن الخطاب، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله لك. فأبشر- قال: فلما عرفوا مني الصدق قلت لهم: أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: هو في بيت في أسفل الصفا- وصفوه- قال: فخرجت حتى قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب. قال: وقد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يعلموا بإسلامي- قال: فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب! قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افتحوا له، فإنه إن يرد الله به خيرا يهده».
قال: ففتحوا لي، وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال: أرسلوه قال: فأرسلوني، فجلست بين يديه، قال: فأخذ بمجمع قميصي فجبذني إليه، ثم قال: في دار في أصل الصفا، فلقيه النحام- وهو نعيم بن عبد الله بن أسيد، وهو أخو بنى عدي ابن كعب، قد أسلم قيل ذلك، وعمر متقلد سيفه- فقال: يا عمر، أين تريد؟ فقال: أعمد إلى محمد الذي سفه أحلام قريش، وشتم آلهتهم، وخالف جماعتهم. فقال النحام: والله لبئس الممشى مشيت يا عمر! ولقد فرطت وأردت هلكة عدي بن كعب! أو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما، فقال له عمر: إني لأظنك قد صبوت، ولو أعلم ذلك لبدأت بك! فلما رأى النحام أنه غير منته قال: فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا، وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك يقولها قال: وأيهم؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك. فانطلق عمر حتى أتى أخته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته طائفة من أصحابه من ذوي الحاجة، نظر إلى أولي السعة، فيقول: عندك فلان. فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه- زوج أخته- سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت، وقد أنزل الله تعالى: {طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وذكر نحو ما تقدم، وفيه زيادة ونقصان. قال ابن إسحاق: فقال عمر عند ذلك- يعني إسلامه: والله لنحن بالإسلام أحق أن نبادي منا بالكفر، فليظهرن بمكة دين الله، فإن أراد قومنا بغيا علينا ناجزناهم، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم. فخرج عمر وأصحابه فجلسوا في المسجد، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم.
وقال ابن إسحاق: حدثني نافع، عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب قال: أي أهل مكة أنقل للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر. فخرج عمر وخرجت وراء أبي، وأنا غليم أعقل كل ما رأيت، حتى أتاه فقال: يا جميل هل علمت أنى أسلمت؟ فو الله ما راجعه الكلام حتى قام يجر رداءه، وخرج عمر يتبعه، وأنا مع أبي، حتى إذا قام على باب مسجد الكعبة، صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، إن عمر قد صبأ. فقال عمر: كذبت! ولكني أسلمت.
أسلم يا ابن الخطاب، اللهم اهده. قال قلت: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فكبر المسلمون تكبيرة، سمعت بطرق مكة- قال: وقد كان استخفى- قال: ثم خرجت فكنت لا أشاء إن أرى رجلا قد أسلم يضرب إلا رأيته- قال: فلما رأيت ذلك قلت: لا أحب إلا أن يصيبني ما يصيب المسلمين، قال: فذهبت إلى خالي- وكان شريفا فيهم- فقرعت الباب عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب. قال: فخرج إلي، فقلت له: أشعرت أني قد صبوت؟ قال: فعلت؟ فقلت: نعم. قال: لا تفعل! قال، فقلت: بلى، قد فعلت.
قال: لا تفعل! وأجاف الباب دوني وتركني. قال قلت: ما هذا بشيء! قال: فخرجت حتى جئت رجلا من عظماء قريش، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: عمر ابن الخطاب. قال: فخرج إلي، فقلت له: أشعرت أني قد صبوت؟ قال: فعلت؟ فقلت: نعم. قال: فلا تفعل! قلت: قد فعلت. قال: لا تفعل! قال: ثم قام فدخل، وأجاف الباب دوني. قال: فلما رأيت ذلك انصرفت. فقال لي رجل: تحب أن يعلم إسلامك؟ قال قلت: نعم. قال: فإذا جلس الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلانا- رجلا لم يكن يكتم السر- فاصغ إليه، وقل له- فيما بينك وبينه-: «إني قد صبوت»، فإنه سوف يظهر عليك ويصيح ويعلنه. قال: فاجتمع الناس في الحجر، فجئت الرجل فدنوت منه، فأصغيت إليه فيما بيني وبينه، فقلت: «أعلمت أني قد صبوت؟» فقال: «ألا إن عمر بن الخطاب قد صبا».
قال: فما زال الناس يضربونني وأضربهم، قال: فقال خالي: ما هذا؟ فقيل: ابن الخطاب! قال: فقام على الحجر فأشار بمكة فقال: «ألا إني قد أجرت ابن أختي». قال: فانكشف الناس عني، وكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب. قال فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين؟ قال: فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر، وصلت إلى خالي فقلت: اسمع. فقال: ما أسمع؟ قال قلت: جوارك عليك رد.
قال: فقال: لا تفعل يا ابن أختي. قال قلت: بل هو ذاك. فقال: ما شئت! قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام.
أنبأنا أبو جعفر بن أحمد بن علي بإسناده، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: ثم إن قريشا بعثت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ مشرك، في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله فثاوروه، فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رءوسهم، فطلح وعرشوا على رأسه قياما وهو يقول: «اصنعوا ما بدا لكم، فأقسم بالله لو كنا ثلاثمائة رجل تركتموها لنا، أو تركناها لكم. وذكر ابن إسحاق إن الذي أجار عمر هو «العاص بن وائل» أبو «عمرو بن العاص السهمي» وإنما قال عمر إنه خاله لأن حنتمة أم عمر هي بنت هاشم بن المغيرة، وأمها الشفاء بنت عبد قيس ابن عدي بن سعد بن سهم السهمية، فلهذا جعله خاله، وأهل الأم كلهم أخوال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «هذا خالي» لأنه زهري، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم زهرية.
وكذلك القول في خاله الآخر الذي أغلق الباب في وجهه أنه أبو جهل، فعلى قول من يجعل أم عمر أخت أبي جهل، فهو خال حقيقة، وعلى قول من يجعلها ابنة عم أبي جهل، يكون مثل هذا. وكان إسلام عمر في السنة السادسة، قاله محمد بن سعد أخبرنا غير واحد إجازة قالوا: أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا أبو علي بن القهم أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا أبو حرزة يعقوب بن مجاهد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان قال، قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم حزرة: بفتح الحاء المهملة، وتسكين الزاي، وبعدها راء، ثم هاء.
قال وأنبأنا محمد بن سعد أنبأنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي، حدثنا عبد الرحمن بن حسن، عن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق: فرق الله به بين الحق والباطل» وقال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق.
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري الدمشقي، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا: أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ابن حيدرة، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى بن أخي هناد بن السري بالكوفة، حدثنا شعيث ابن إبراهيم، حدثنا سيف بن عمر، عن وائل بن داود، عن يزيد البهي قال: قال الزبير بن العوام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب». أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أبو بكر أحمد ابن موسى بن مردويه، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا جعفر بن عون ويعلى بن عبيد والفضل بن دكين قالوا: حدثنا مسعر، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحا. وكانت هجرته نصرا، وكانت إمارته رحمة. ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
قال: وحدثنا ابن مردويه، حدثنا أحمد بن كامل، حدثنا الحسن بن علي المعمري، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن عمر بن سعيد، عن مسروق، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة قال: لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل، لا يزداد إلا قربا. فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر، لا يزداد إلا بعدا.
هجرته رضي الله عنه
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إذنا، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الحافظ، حدثنا أبو روق أحمد ابن محمد بن بكر الهزاني بالبصرة، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين، حدثنا عبد الله بن القاسم الأبلي، عن أبيه، عن عقيل بن خالد، عن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهما، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا متمكنا، ثم أتى المقام فصلى متمكنا، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه. أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، قلنا: الميعاد بيننا «التناضب» من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فليمض صاحباه. فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن. وقدمنا المدينة.
قال ابن إسحاق: نزل عمر بن الخطاب، وزيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة، وحنيس بن حذافة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله، وخولي بن أبي خولي، وهلال بن أبي خولي، وعياش بن أبي ربيعة، وخالد وإياس وعاقل بنو البكير- نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر، في بني عمرو بن عوف.
أنبأنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الفارسي، أنبأنا أبو بكر القطيعي، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء ابن عازب قال: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى، أخو بني فهر. ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أثري. ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه
شهوده رضي الله عنه بدرا وغيرها من المشاهد: شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا، وأحدا، والخندق وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنينا، وغيرها من المشاهد، وكان أشد الناس على الكفار. وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية، فقال: «يا رسول الله، قد علمت قريش شدة عداوتي لها، وإن ظفروا بي قتلوني». فتركه، وأرسل عثمان.
أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق- في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر- قال: وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال: «ذفران»، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعضه نزل. وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فقال أبو بكر فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن.
وذكر تمام الخبر.
وهو الذي أشار بقتل أسارى المشركين ببدر، والقصة مشهورة.
وقال ابن إسحاق وغيره من أهل السير: ممن شهد بدرا من بنى عدي بن كعب: عمر ابن الخطاب بن نفيل، لم يختلفوا فيه.
وشهد أيضا أحدا، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة قالا: لما أراد أبو سفيان الانصراف أشرف على الجبل، ثم نادى بأعلى صوته: إن الحرب سجال يوم بيوم بدر، اعل هبل- أي: أظهر دينك- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: قم فأجبه. فقال: الله أعلى وأجل، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فلما أجاب عمر أبا سفيان قال أبو سفيان. هلم إلي يا عمر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائته، فانظر ما يقول. فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشدك بالله يا عمر، أقتلنا محمدا؟
قال: لا، وإنه ليسمع كلامك الآن. فقال أبو سفيان: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر- لقول ابن قمئة لهم: قد قتلت محمدا.
علمه رضي الله عنه
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ابن محمد بن سعيد، حدثنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أبو بكر ابن مردويه، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عبد العزيز بن أبان، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: قال ابن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم الناس في كفة ميزان لرجح علم عمر. فذكرته لإبراهيم فقال: قد والله، قال عبد الله أفضل من هذا. قلت: ماذا قال؟ قال: لما مات عمر ذهب تسعة أعشار العلم.
أنبأنا إسماعيل بن علي بن عبيد وغيره بإسنادهم إلى محمد بن عيسى: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت كأني أتيت بقدح لبن، فشربت منه، وأعطيت فضلي عمر ابن الخطاب. فقالوا: ما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم. أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الحافظ إجازة أنبأنا أبي، أنبأنا أبو الأغر قراتكين ابن الأسعد، حدثنا أبو محمد الجوهري، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل بن الجراح، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله النيري، حدثنا أبو السائب قال: سمعت شيخا من قريش يذكر عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: والله ما رأيت أحدا أرأف برعيته، ولا خيرا من أبي بكر الصديق. ولم أر أحدا أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أقوم بحدود الله، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب. ولا رأيت أحدا أشد حياء من عثمان بن عفان.
زهده وتواضعه رضي الله عنه
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو بكر بن المزرفي، حدثنا أبو الحسين بن المهتدي، أنبأنا علي بن عمر بن محمد الحربي، حدثنا أبو سعيد حاتم ابن الحسن الشاشي، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قال طلحة بن عبيد الله: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاما ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة.
قال: وأنبأنا أبي، حدثنا أبو علي المقرئ كتابة- وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه- أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد بن جرير، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قال: قال سعد بن أبي وقاص: والله ما كان عمر بأقدمنا هجرة، وقد عرفت بأي شيء فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا.
أنبأنا ابن أبي حبة وغيره، أنبأنا أبو غالب بن البناء، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس قالا: حدثنا يحيى بن محمد ابن صاعد، أنبأنا الحسين بن الحسن، حدثنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت: أن عمر استسقى، فأتى بإناء من عسل فوضعه على كفه- قال: فجعل يقول: «أشربها فتذهب حلاوتها وتبقى نقمتها»، قالها ثلاثا، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه.
أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي، أنبأنا أبي، أنبأنا إسماعيل بن أحمد أبو القاسم، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا داود بن عمرو، أنبأنا ابن أبي غنية، هو يحيى بن عبد الملك، حدثنا سلامة ابن صبيح التميمي قال: قال الأحنف: كنت مع عمر بن الخطاب، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني. قال: فرفع الدرة فخفق بها رأسه فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه: أعدني أعدني! قال: فانصرف الرجل وهو يتذمر- قال: علي الرجل. فألقى إليه المخفقة وقال: امتثل. فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده أو تدعها لي، فأعلم ذلك. قال: أدعها لله. قال: فانصرف. ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه، فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب، كنت وضيعا فرفعك الله، وكنت ضالا فهداك الله، وكنت ذليلا فأعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غدا إذا أتيته؟ قال: فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أنه خير أهل الأرض.
قال: وحدثنا أبي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن، أنبأنا أبو الحسين المهتدي، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن ابن بن مليكة قال: بينما عمر قد وضع بين يديه طعاما إذ جاء الغلام فقال: هذا عتبة بن فرقد بالباب، قال: وما أقدم عتبة؟ ائذن له. فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه: خبز وزيت. قال: اقترب يا عتبة فأصب من هذا. قال: فذهب يأكل فإذا هو طعام جشب لا يستطيع أن يسيغه. قال: يا أمير المؤمنين، هل لك في طعام يقال له: الحواري ؟ قال: ويلك، ويسع ذلك المسلمين كلهم؟ قال: لا والله. قال: ويلك يا عتبة، أفأردت أن آكل طيبا في حياتي الدنيا وأستمتع؟.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا الوليد بن الأغر المكي، حدثنا عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم قال: دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته، فقدمت إليه مرقا باردا وخبزا وصبت في المرق زيتا، فقال: أدمان في إناء واحد! لا أذوقه حتى ألقى الله عز وجل.
أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد، أنبأنا أبو غالب بن البناء، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه وأبو بكر بن إسماعيل قالا: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا الحسين بن الحسن، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس قال: لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه.
وأنبأنا غير واحد إجازة، أنبأنا أبو غالب بن البناء، أنبأنا أبو محمد، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي، حدثني أبي، حدثنا شعبة، عن سعيد الجريري، عن أبي عثمان قال: رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب.
فضائله رضي الله عنه
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا بن علي الفقيه، وأبو الفرج محمد بن عبد الرحمن ابن أبي العز، وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو التكريتي وعيرهم بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل الجعفي: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب رضي الله عنه: أن أبا هريرة قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالت: لعمر. فذكرت غيرته، فوليت مدبرا. فبكى عمر وقال.
أعليك أغار يا رسول الله ؟!.
قال: وحدثنا محمد بن إسماعيل: حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم فمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين. أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب الدري في الأفق من آفاق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما. أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي، أنبأنا أبو العشائر محمد ابن خليل بن فارس القيسي، أنبأنا الفقيه أبو القاسم على بن محمد ابن علي المصيصي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ابن حيدرة الأطرابلسي، حدثنا أبو قلابة الرقاشي، حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل ابن زكريا، عن النضر أبي عمر الخزاز، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتفض حراء قال: اسكن حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد. وكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وسعيد بن زيد. قال: وأنبأنا أبو الحسن خيثمة: حدثنا محمد بن عوف الطائي وأبو يحيى بن أبي سبرة قالا: حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك، حدثنا المعلى بن هلال، حدثنا ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر.
قال: وأنبأنا خيثمة، أنبأنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي، حدثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر وعمر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين، ثم قال لي: يا علي، لا تخبرهما. أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم عن أبي عيسى الترمذي: حدثنا محمد ابن بشار، حدثنا أبو عامر هو العقدي، حدثنا خارجة بن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه». قال: وقال ابن عمر: «ما نزل بالناس أمر قط. فقالوا فيه، وقال فيه عمر- أو: قال ابن الخطاب- شك خارجة- إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر».
وذلك نحو ما قال في أسارى بدر، فإنه أشار بقتلهم، وأشار غيره بمفاداتهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} . وقوله في الحجاب، فأنزله الله تعالى، وقوله في الخمر.
قال: وأنبأنا أبو عيسى، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي أبو محمد، حدثني عبد الرحمن بن أخي محمد بن المنكدر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر ابن عبد الله قال: قال عمر لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.
قال: وأنبأنا أبو عيسى، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا المقرئ، عن حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب. قال: وأنبأنا أبو عيسى، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب. قال: وأنبأنا أبو عيسى، حدثنا الحسين بن حريث، أنبأنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن بريدة قال: سمعت بريدة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. قال: إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا. فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها، وقعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالسا وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخلت أنت يا عمر فألقت الدف. قال: وحدثنا أبو عيسى: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان يكون في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب. أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم، أنبأنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه، حدثنا محمد ابن سفيان بن إبراهيم، حدثنا مسلم بن سعيد، أنبأنا مجاشع بن عمرو، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن: أن عمر بن الخطاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردوه، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة، فزوجوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ردوا رجلا ما في الأرض رجل خيرا منه. قال: وأنبأنا أبو بكر قال: أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي: حدثنا عيسى بن هارون ابن الفرج، حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا إسحاق بن بشر، حدثنا يعقوب، عن جعفر ابن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: أكثروا ذكر عمر، فإنكم إذا ذكرتموه. ذكرتم العدل، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله تبارك وتعالى.
قال: وأنبأنا أبو بكر، حدثنا عبد الله بن إسحاق، حدثنا جعفر الصائغ، حدثنا حسين بن محمد المرودي، حدثنا فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، عن أبيه: أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له في خطبته أن قال: «يا سارية ابن حصن، الجبل الجبل- من استرعى الذئب ظلم». فتلفت الناس بعضهم إلى بعض، فقال علي: صدق، والله ليخرجن مما قال. فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: «يا سارية، الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم» قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم، وجميع أهل المسجد قد سمعوه. قال: إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا، فركبوا أكتافهم، وأنهم ممرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا، وإن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر، فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر، يقول: «يا سارية بن حصن، الجبل الجبل» قال: فعدلنا إليه، ففتح الله علينا.
قال: وحدثنا أبو بكر، حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد، حدثنا المختار بن نافع، عن أبي حيان التيمي، عن أبيه، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا من ماله، رحم الله عمر، يقول الحق وإن كان مرا، تركه الحق وما له من صديق. قال: وحدثنا أبو بكر حدثنا أحمد بن كامل، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، حدثنا إسحاق ابن سعيد الدمشقي، حدثنا سعيد بن بشير، عن حرب بن الخطاب، عن روح، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ركب رجل بقرة فقالت البقرة: «إنا والله ما لهذا خلقنا! ما خلقنا إلا للحراثة». فقال القوم: سبحان الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم؟ أنا أشهد، وأبو بكر وعمر يشهدان، وليسا ثم»، قال: وحدثنا أبو بكر: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عبد الغني بن سعيد، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يباهي بالناس يوم عرفة عامة، ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة.
أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب، أنبأنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج، أنبأنا الحسن بن أحمد بن شاذان، أنبأنا عثمان بن أحمد بن السماك، حدثنا أحمد بن الخليل البرجلاني، حدثنا أبو النضر المسعودي، عن أبي نهشل، عن أبي وائل قال: قال عبد الله بن مسعود: فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع: بذكر الأسرى يوم بدر، أمر بقتلهم، فأنزل الله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} وبذكر الحجاب، أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن، فقالت زينب: إنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا، فأنزل الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب} وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم أيد الإسلام بعمر»، وبرأيه في أبي بكر.
أنبأنا أبو محمد، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين، أنبأنا أبو محمد بن النحاس، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا الغلابي- وهو محمد بن زكريا- حدثنا بشر بن حجر السامي، حدثنا حفص بن عمر الدارمي، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سويد بن غفلة قال: مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر، وينتقصونهما، فأتيت علي بن أبي طالب فقلت: يا أمير المؤمنين إني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر وينتقصونهما، ولولا أنهم يعلمون أنك تضمر لهما على ذلك لما اجترءوا عليه! فقال علي: معاذ الله أن أضمر لهما إلا على الجميل! ألا لعنة الله على من يضمر لهما إلا الحسن! ثم نهض دامع العين يبكي، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وإنه لعلى المنبر جالس، وإن دموعه لتتحادر على لحيته، وهي بيضاء، ثم قام فخطب خطبة بليغة موجزة، ثم قال: «ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه ومما يقولون بريء، وعلى ما يقولون معاقب، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا كل مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا كل فاجر غوي، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه... » الحديث.
قال. وأنبأنا أبي، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الفقيه، حدثنا أبو بكر الخطيب، حدثنا محمد بن أحمد بن رزق، حدثنا أحمد بن علي بن عبد الجبار بن خيرويه أبو سهل الكلوذاني، حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا روح بن عبادة، عن عوف عن قسامة بن زهير قال: وقف أعرابي على عمر بن الخطاب فقال:
يا عمر الخير جزيت الجنه | جهز بنياتي واكسهنه |
أقسم بالله لتفعلنه
قال: فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابي؟ قال: أقسم بالله لأمضينه. قال: فإن مضيت يكون ماذا يا أعرابي؟ قال:
والله عن حالي لتسألنه | ثم تكون المسألات عنه |
والواقف المسئول بينهنه | إما إلى نار وإما جنه |
قال: فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام، أعطه قميصي هذا، لذلك اليوم لا لشعره، والله ما أملك قميصا غيره!.
وروى زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أمة الله، أيش بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالت: بكاؤهم من الجوع. قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماء أعللهم بها حتى يناموا، أوهمهم أن فيها شيئا من دقيق وسمن. فجلس عمر فبكى، ثم جاء إلى دار الصدقة فأخذ غرارة، وجعل فيها شيئا من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم، احمل علي.
فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك! فقال لي: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله لأني أنا المسئول عنهم في الآخرة- قال: فحمله على عنقه، حتى أتي به منزل المرأة- قال: وأخذ القدر، فجعل فيها شيئا من دقيق وشيئا من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر- قال أسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم؟
قلت: لا، يا أمير المؤمنين! قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي
خلافته رضي الله عنه وسيرته
أنبأنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإسنادهم، عن محمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد الله، حدثني أبو بكر ابن سالم، عن سالم عن عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا، فلم أر عبقريا يفري فريه، حتى روي الناس، وضربوا بعطن. وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد، وحمل من الأموال، وما غنمه المسلمون من الكفار.
وقد ورد في حديث آخر: «وإن وليتموها- يعني الخلافة- تجدوه قويا في الدنيا، قويا في أمر الله»، وقد تقدم.
قال أحمد بن عثمان: أنبأنا أبو رشيد، أنبأنا أبو مسعود سليمان، أنبأنا أبو بكر بن مردويه الحافظ قال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا هاشم بن مرثد، حدثنا أبو صالح الفراء، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء- أو: عن زيد ابن وهب- أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على علي بن أبي طالب في إمارته فقال: يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما أهل له من الإسلام... وذكر الحديث، قال: فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس، وهو يرى مكاني، فصلى بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض الله نبيه ارتد الناس عن الإسلام، فقالوا: نصلي ولا نعطي الزكاة، فرضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أبو بكر منفردا برأيه، فرجح برأيه رأيهم جميعا، وقال: «والله لو منعوني عقالا مما فرض الله الله ورسوله لجاهدتهم عليه، كما أجاهدهم على الصلاة». فأعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة، فخرج منها سليما، فسار فينا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ننكر من أمره شيئا، حتى حضرته الوفاة، فرأى أن عمر أقوى عليها، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده، واستشار المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، وقالوا: أتؤمر علينا من كان عنانا وأنت حي؟ فماذا تقول لربك إذا قدمت عليه؟ قال: أقول لربي إذا قدمت عليه: إلهي أمرت عليهم خير أهلك، فأمر علينا عمر، فقام فينا بأمر صاحبيه، لا ننكر منه شيئا، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا، فتح الله به الأرضين، ومصر به الأمصار، لا تأخذه في الله لومة لائم، البعيد والقريب سواء في العدل والحق، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه، حتى إن كنا لنظن أن السكينة تنطق على لسانه، وأن ملكا بين عينيه يسدده ويوفقه.. الحديث.
قال: وأنبأنا ابن مردويه، حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن القاسم البزار، حدثنا يحيى بن مسعود، حدثني عبد الله بن محمد بن أيوب، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب قال: إن الله جعل أبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة، فسبقا والله سبقا بعيدا، وأتعبا والله من بعدهما إتعابا شديدا، فذكرهما حزن للأمة، وطعن على الأئمة. أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله إذنا، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن ابن علي، أنبأنا أبو عمر، أنبأنا أبو الحسن، أنبأنا الحسين بن القهم، حدثنا محمد ابن سعد، حدثنا محمد بن عمر، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن عبد المجيد ابن سهيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (ح) قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، قال: وأنبأنا عمرو بن عبد الله بن عنبسة، عن أبي النضر، عن عبد الله البهي- دخل حديث بعضهم في بعض- أن أبا بكر الصديق لما مرض دعا عبد الرحمن- يعني ابن عوف- فقال له: أخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني! قال أبو بكر: وإن! فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أخبرني عن عمر. فقال: أنت أخبرنا به! فقال: على ذلك يا أبا عبد الله. فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله! فقال أبو بكر: يرحمك الله! والله لو تركته ما عدوتك. وشاور معهما سعيد ابن زيد أبا الأعور، وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: «اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه»، وسمع بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكر، فقال له قائل منهم: «ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟» فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفونني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: «اللهم، استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت لك من وراءك» ثم اضطجع، ودعا عثمان بن عفان فقال: اكتب: {بسم الله الرحمن الرحيم}، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، أنني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله». ثم أمر بالكتاب فختمه، ثم أمره فخرج بالكتاب مختوما ومعه عمر بن الخطاب، وأسد بن سعية القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به- قال ابن سعد: على القائل- وهو عمر، فأقروا بذلك جميعا ورضوا به وبايعوا، ثم دعا أبو بكر عمر خاليا فأوصى بما أوصاه به، ثم خرج فرفع أبو بكر يديه مدا، ثم قال: اللهم، إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم ما أنت أعلم به، واجتهدت لهم رأيي، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم، وأحرصهم على على ما فيه رشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضرني، فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، وأصلح لهم ولاتهم، واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته.
وروى صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه: أنه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مفيقا، فقال له عبد الرحمن: أصبحت بحمد الله بارئا. فقال أبو بكر: تراه؟ قال: نعم. قال: إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد علي من وجعي، إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، قد رأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل، وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألموا من الاضطجاع على الصوف الأذربي، كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان.
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا أبو القاسم البغوي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن الصلت بن بهرام، عن يسار قال: لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال: يا أيها الناس، إني قد عهدت عهدا أفترضون به؟ فقال الناس: قد رضينا يا خليفة رسول الله. فقال علي: لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب.
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا: أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن ابن عثمان بن القاسم، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة، حدثنا سليمان بن عبد الحميد المهراني، أنبأنا عبد الغفار بن داود الحراني، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سليمان بن أبي خيثمة، عن جدته الشفاء- وكانت من المهاجرات الأول- وكان عمر إذا دخل السوق أتاها، قال: سألتها من أول من كتب: «عمر أمير المؤمنين» ؟ قالت: كتب عمر إلى عامله على العراقين: «أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن أمر الناس»، قال: فبعث إليه بعدي بن حاتم، ولبيد ابن ربيعة، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فاستقبلا عمرو بن العاص، فقالا: استأذن لنا على أمير المؤمنين. فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، وهو الأمير، ونحن المؤمنون. فانطلقت حتى دخلت على عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين. فقال: لتخرجن مما قلت أو لأفعلن! قلت: يا أمير المؤمنين، بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم استقبلاني فقالا: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما، اسمه هو الأمير، ونحن المؤمنون.
وكان قبل ذلك يكتب: «من عمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فجرى الكتاب «من عمر أمير المؤمنين» من ذلك اليوم.
وقيل: إن عمر قال: إن أبا بكر كان يقال له «يا خليفة رسول الله»، ويقال لي: يا خليفة خليفة رسول الله، وهذا بطول، أنتم المؤمنون وأنا أميركم.
وقيل. إن المغيرة بن شعبة قال له ذلك، والله أعلم.
سيرته
وأما سيرته فإنه فتح الفتوح ومصر الأمصار، ففتح العراق، والشام، ومصر، والجزيرة، وديار بكر، وأرمينية، وأذربيجان، وأرانيه، وبلاد الجبال، وبلاد فارس، وخوزستان وغيرها.
وقد اختلف في خراسان، فقال بعضهم: فتحها عمر، ثم انتقضت بعده ففتحها عثمان.
وقيل: إنه لم يفتحها، وإنما فتحت أيام عثمان. وهو الصحيح.
وأدر العطاء على الناس، ونزل نفسه بمنزلة الأجير وكآحاد المسلمين في بيت المال، ودون الدواوين، ورتب الناس على سابقتهم في العطاء والإذن والإكرام، فكان أهل بدر أول الناس دخولا عليه، وكان على أولهم. وكذلك فعل بالعطاء، وأثبت أسماءهم في الديوان على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ ببني هاشم، والأقرب فالأقرب.
أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن إجازة، أنبأنا أبي، أنبأتنا فاطمة بنت الحسين بن الحسن ابن فضلويه قالت: أنبأنا أبو بكر أحمد بن الخطيب، أنبأنا أبو بكر الحيري، أنبأنا أبو العباس الأصم، أنبأنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرنى عمى محمد بن على بن شافع، عن الثقة- أحسبه محمد بن علي بن الحسن أو غيره- عن مولى لعثمان بن عفان قال: بينا أنا مع عثمان في مال له بالعالية في يوم صائف، إذ رأى رجلا يسوق بكرين، وعلى الأرض مثل الفراش من الحر، فقال: ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح. ثم دنا الرجل فقال: انظر من هذا؟ فنظرت فقلت: أرى رجلا معتما بردائه، يسوق بكرين. ثم دنا الرجل فقال: انظر. فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقلت: هذا أمير المؤمنين. فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا نفح السموم، فأعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: بكران من إبل الصدقة تخلفا، وقد مضي بإبل الصدقة، فأردت أن ألحقهما بالحمى، وخشيت أن يضيعا، فيسألني الله عنهما. فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، هلم إلى الماء والظل ونكفيك.
فقال: عد إلى ظلك. فقلت: عندنا من يكفيك! فقال: عد إلى ظلك. فمضى، فقال عثمان: من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا! فعاد إلينا فألقى نفسه.
روى السري بن يحيى، حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي، حدثنا عمر بن نافع الثقفي، عن أبي بكر العبسي قال: دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، فجلس عثمان في الظل، وقام علي على رأسه يملى على ما يقول عمر، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر، عليه بردتان سوداوان، متزر بواحد وقد وضع الأخرى على رأسه، وهو يتفقد إبل الصدقة، فيكتب ألوانها وأسنانها. فقال علي لعثمان: أما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}، وأشار علي بيده إلى عمر، فقال: هذا هو القوي الأمين.
أنبأنا غير واحد إجازة، عن أبي غالب بن البناء، أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن فهد العلاف، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حماد الموصلي، حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام، حدثنا موسى بن داود الضبي، أنبأنا محمد بن صبيح، عن إسماعيل بن زياد قال: مر علي بن أبي طالب على المساجد في شهر رمضان، وفيها القناديل، فقال: نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا. وروى حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى مكة، فما ضرب فسطاطا ولا خباء حتى رجع. وكان إذا نزل يلقى له كساء أو نطع على الشجر، فيستظل به وروى موسى بن إبراهيم المروزي، عن فضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد قال: أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهما من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، قال: ثم جعل يتأسف ويضرب بيده على الأخرى، ويقول: ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا في مال الله تعالى.
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم إذنا، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو غالب بن البناء، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه وأبو بكر بن إسماعيل قالا: أنبأنا يحيى بن محمد أنبأنا الحسين بن الحسن، أنبأنا ابن المبارك، عن مالك بن مغول: أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون- أو قال: أيسر- لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}.
وله في سيرته أشياء عجيبة عظيمة، لا يستطيعها إلا من وفقه الله تعالى، فرضي الله عنه وأرضاه، بمنه وكرمه.
مقتله رضي الله عنه
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الشافعي، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان، حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف، فضربه برجله وقال: اثبت أحد، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان. أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن كتابة، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو محمد بن طاوس، أنبأنا طراد بن محمد- وأنبأنا به عاليا أبو الفضل عبد الله بن أحمد، أنبأنا طراد بن محمد إجازة إن لم يكن سماعا، أنبأنا الحسين بن بشران، أنبأنا أبو علي بن صفوان، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب لما نفر من منى، أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من البطحاء، فألقى عليها طرف ردائه، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم، كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط! فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات.
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم، أنبأنا أبي، أنبأني أبو محمد بن الأكفاني، أنبأنا عبد العزيز الكناني، أنبأنا تمام بن محمد، وعبد الرحمن بن عثمان، وعقيل بن عبد الله- قال: وأخبرني أبو محمد بن الأكفاني، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عقيل بن الكريزي، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر التميمي، أنبأنا أحمد بن القاسم بن معروف، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن الزهري، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم، عن جبير بن مطعم، قال: حججت مع عمر آخر حجة حجها، فبينا نحن واقفون على جبل عرفة، صرح رجل فقال: يا خليفة. فقال رجل من لهب- وهو حى من أزد شنوءة يعتافون -: مالك؟ قطع الله لهجتك - وقال عقيل: لهاتك- والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أبدا. قال جبير: فوقعت بالرجل اللهبي فشتمته، حتى إذا كان الغد وقف عمر وهو يرمي الجمار، فجاءت عمر حصاة عائرة من الحصى الذي يرمي به الناس، فوقعت في رأسه، ففصدت عرقا من رأسه، فقال رجل: أشعر أمير المؤمنين ورب الكعبة، لا يقف عمر على هذا الموقف أبدا بعد هذا العام- قال جبير: فذهبت ألتفت إلى الرجل الذي قال ذلك، فإذا هو اللهبي، الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال.
لهب: بكسر اللام، وسكون الهاء.
أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن الفقيه بإسناده عن أبي يعلى، حدثنا أحمد بن إبراهيم البكري، حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان ابن أبي طلحة اليعمري قال: خطب عمر الناس، فقال: رأيت كأن ديكا نقرني نقرة أو نقرتين، ولا أدري ذلك إلا لحضور أجلي، فإن عجل بي أمر فإن الخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
وأنبأنا أحمد بن عثمان، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم، أنبأنا أبو بكر بن مردويه، حدثنا عبد الله بن إسحاق، حدثنا محمد ابن الجهم السمري، حدثنا جعفر بن عون، أنبانا محمد بن بشر، عن مسعر بن كدام، عن عبد الملك بن عمير، عن الصقر بن عبد الله، عن عروة، عن عائشة قالت: بكت الجن على عمر قبل أن يموت بثلاث، فقالت:
أبعد قتيل بالمدينة أصبحت | له الأرض تهتز العضاه بأسوق |
جزى الله خيرا من أمير وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بوائق في أكمامها لم تفتق |
فما كنت أخشى أن يكون مماته | بكفي سبنتى أخضر العين مطرق |
قيل: إن هذه الأبيات للشماخ، أو لأخيه مزرد.
أنبأنا مسمار بن عمر بن العويس النيار وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل: حدثنا موسى بن إسماعيل، أنبأنا أبو عوانة، عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام بالمدينة، وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حملناها أمرا هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل. قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق: قالا: لا. فقال عمر: لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا- قال: فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب- قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا، حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم فكبر، وربما قرأ بسورة «يوسف» أو «النحل» أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني- أو: أكلني الكلب- حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمر على أحد يمينا وشمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: «سبحان الله، سبحان الله» فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا بن عباس، انظر من قتلني. فجال ساعة، ثم جاء المسجد فقال: غلام المغيرة بن شعبة. قال: الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله! لقد أمرت به معروفا! الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة- وكان العباس أكثرهم رقيقا- فقال: إن شئت فعلت؟ أي: إن شئت قتلنا فقال: كذبت! بعد ما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم. واحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس وقائل يقول: أخاف عليه. فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه. ثم أتي بلبن فشربه، فخرج من جوفه. فعرفوا أنه ميت.
فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه، وجاء غلام شاب فقال: أبشر- يا أمير المؤمنين- ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أن ذلك كفافا، لا علي ولا لي. فلما أدبرا إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا علي الغلام، قال: يا بن أخي، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك، يا عبد الله ابن عمر، انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه- قال: إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها: يقرأ عليك عمر السلام- ولا تقل «أمير المؤمنين» فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا- وقل: يستأذن عمر ابن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فسلم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرن به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء.
قال: ارفعوني. فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال. الذي تحب، قد أذنت.
قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قبضت فاحملوني، ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة، والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجت داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر- أو: الرهط- الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. فسمى: عليا، وعثمان، والزبير، طلحة، وسعدا، وعبد الرحمن ابن عوف، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له - فإذا أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة... وذكر الحديث وقد تقدم في ترجمة عثمان بن عفان.
وروى سماك بن حرب، عن ابن عباس أن عمر قال لابنه عبد الله: خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب، لعل الله يرحمني! وويل لي وويل لأمي إن لم يرحمني الله عز وجل! فإذا أنا مت فأغمض عيني، واقصدوا في كفني، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، وأنشد:
ظلوم لنفسي غير أني مسلم | أصلي الصلاة كلها وأصوم |
أنبأنا أبو محمد، أخبرنا أبي، أنبأتنا أم المجتبى العلوية، قالت: قرأ علي إبراهيم بن منصور، أخبرنا أبو محمد بن المقري، أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا أبو عباد قطن بن نسير الغبري، أنبأنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أبي رافع قال: كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأرحاء وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل علي غلتي، فكلمه يخفف عني. فقال له عمر: اتق الله، وأحسن إلى مولاك- ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه، فغضب العبد وقال: وسع الناس كلهم عدله غيري. فأضمر على قتله، فاصطنع له خنجرا له رأسان، وشحذه وسمه، ثم أتى به الهرمزان فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أرى، أنك لا تضرب به أحدا إلا قتلته.
قال: فتحين أبو لؤلؤة عمر، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر- وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يقول: «أقيموا صفوفكم»، فقال كما كان يقول، فلما كبر ووجأه أبو لؤلؤة في كتفه، ووجأه في خاصرته، وقيل: ضربه ست ضربات، فسقط عمر، وطعن بخنجره ثلاثة عشرة رجلا، فهلك منهم سبعة وأفرق منهم ستة، وحمل عمر فذهب به. وقيل: إن عمر قال لأبى لؤلؤة: ألا تصنع لنا رحى؟ قال: بلى، أصنع لك رحى يتحدث بها أهل الأمصار. ففزع عمر من كلمته، وعلي معه، فقال علي: إنه يتوعدك يا أمير المؤمنين.
قال: وأنبأنا أبي، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن محمد، حدثنا محمد بن سعد، أنبأنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن كثير النواء، عن أبي عبيد، مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت مع علي فسمعنا الصيحة على عمر، قال: فقام وقمت معه، حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه فقال: ما هذا الصوت؟ فقالت له امرأة: سقاه الطبيب نبيذا فخرج، وسقاه لبنا فخرج، وقال: لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلا فافعل. فقالت أم كلثوم: وا عمراه! وكان معها نسوة فبكين معها، وارتج البيت بكاء، فقال عمر: والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع. فقال ابن عباس: والله إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}، إن كنت- ما علمنا- لأمير المؤمنين، وأمين المؤمنين، وسيد المؤمنين، تقضي بكتاب الله، وتقسم بالسوية.
فأعجبه قولي، فاستوى جالسا فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عباس؟ قال: فكففت، فضرب على كتفي فقال: اشهد. فقلت: نعم، أنا أشهد.
ولما قضى عمر رضي الله عنه، صلى عليه صهيب، وكبر عليه أربعا.
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي، أنبأنا علي بن إسحاق، أنبأنا عبد الله، أنبأنا عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة: أنه سمع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني، إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت فإذا هو على ابن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله، إن كنت لأظن ليجعلنك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر. وإن كنت أظن ليجعلنك الله معهما. ولما توفي عمر صلي عليه في المسجد، وحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، غسله ابنه عبد الله، ونزل في قبره ابنه عبد الله، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.
روى أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه أنه قال: طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين، وخمسة أشهر، وأحدا وعشرين يوما وقال عثمان بن محمد الأخنسي: هذا وهم، توفي عمر لأربع ليال بقين من ذي الحجة، وبويع عثمان يوم الأثنين لليلة بقيت من ذي الحجة.
وقال ابن قتيبة: ضربه أبو لؤلؤة يوم الأثنين لأربع بقين من ذي الحجة، ومكث ثلاثا، وتوفي، فصلى عليه صهيب، وقبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر.
وكانت خلافته عشر سنين، وستة أشهر، وخمس ليال، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: كان عمره خمسا وخمسين سنة، والأول أصح ما قيل في عمر: أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، والحسين بن يوحن بن أتويه بن النعمان الباوردي قالا: حدثنا الفضل بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن البيلي الأصبهاني، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن منصور الخليلي البلخي، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي، أنبأنا أبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح بن معقل الشاشي، أنبأنا أبو عيسى الترمذي، قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عامر بن ابن سعد، عن جرير، عن معاوية أنه سمعه يخطب قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وأبو بكر وعمر وأنا ابن ثلاث وستين سنة.
وقال قتادة: طعن عمر يوم الأربعاء، ومات يوم الخميس.
وكان عمر أعسر يسر: يعمل بيديه. وكان أصلع طويلا، قد فرع الناس، كأنه على دابة.
قال الواقدي: كان عمر أبيض أمهق، تعلوه حمرة، يصفر لحيته، وإنما تغير لونه عام الرمادة لأنه أكثر أكل الزيت، لأنه حرم على نفسه السمن واللبن حتى يخصب الناس فتغير لونه.
وقال سماك: كان عمر أروح كأنه راكب، وكأنه من رجال بنى سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى.
وقال زر بن حبيش: كان عمر أعسر يسر، آدم.
وقال الواقدي: لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم إلا أن يكون رآه عام الرمادة.
قال أبو عمر: وصفه زر بن حبيش وغيره أنه كان آدم شديد الآدمة، وهو الأكثر عند أهل العلم.
وقال أنس: كان عمر يخضب بالحناء بحتا.
وهو أول من اتخذ الدرة، وأول من جمع الناس على قيام رمضان، وهو أول من سمي «أمير المؤمنين» وأكثر الشعراء مراثيه، فمن ذلك قول حسان بن ثابت الأنصاري.
ثلاثة برزوا بفضلهم | نضرهم ربهم إذا نشروا |
فليس من مؤمن له بصر | ينكر تفضيلهم إذا ذكروا |
عاشوا بلا فرقة ثلاثتهم | واجتمعوا في الممات إذ قبروا |
وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت زوج عمر بن الخطاب:
عين جودي بعبرة ونحيب | لا تملي على الإمام النجيب |
فجعتني المنون بالفارس المعلم | يوم الهياج والتلبيب |
عصمة الناس والمعين على الدهر | وغيث المنتاب والمحروب |
رزاح: بفتح الراء، والزاي.
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 897
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 4- ص: 137
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 3- ص: 642
عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي رضي الله عنه ابن عبد العزى بن رياح، بالتحتانية، ابن عبد الله بن قرط بن رزاح، بمهملة ومعجمة وآخره مهملة، ابن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي. أبو حفص أمير المؤمنين.
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية، كذا قال ابن الزبير.
وروى أبو نعيم، من طريق ابن إسحاق أنها بنت هشام أخت أبي جهل جاء عنه أنه ولد بعد الفجار الأعظم بأربع سنين، وذلك قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، وقيل بدون ذكر خليفة بسند له: إنه ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان إليه السفارة في الجاهلية، وكان عند المبعث شديدا على المسلمين، ثم أسلم، فكان إسلامه فتحا على المسلمين، وفرجا لهم من الضيق.
قال عبد الله بن مسعود: وما عبدنا الله جهرة حتى أسلم عمر، أخرجه...
وأخرج ابن أبي الدنيا بسند صحيح، عن أبي رجاء العطاردي، قال: كان عمر طويلا جسيما، أصلع أشعر شديد الحمرة، كثير السبلة في أطرافها صهوبة، وفي عارضيه خفة.
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند جيد إلى زر بن حبيش، قال: رأيت عمر أعسر أصلع آدم، قد فرع الناس، كأنه على دابة، قال: فذكرت هذه القصة لبعض ولد عمر، فقال: سمعنا أشياخنا يذكرون أن عمر كان أبيض، فلما كان عام الرمادة وهي سنة المجاعة ترك أكل اللحم والسمن وأدمن أكل الزيت حتى تغير لونه، وكان قد احمر فشحب لونه.
وروى الدينوري في «المجالسة» عن الأصمعي، عن شعبة، عن سماك: كان عمر أروح، كأنه راكب والناس يمشون، قال: والأروح الذي يتدانى عقباه إذا مشى.
وأخرج ابن سعد بسند جيد، من طريق سماك بن حرب، أخبرني هلال بن عبد الله، قال: رأيت عمر جسيما كأنه من رجال بني سدوس.
وبسند فيه الواقدي: كان عمر يأخذ أذنه اليسرى بيده اليمنى، ويجمع جراميزه، ويثب على فرسه، فكأنما خلق على ظهره.
وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي، عن أبي عمر الجزار، عن عكرمة، عن ابن عباس- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب».
فأصبح عمر فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو يعلى، من طريق أبي عامر العقدي، عن خارجة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام».
وكان أحبهما إلى الله عمر بن الخطاب.
وأخرجه عبد بن حميد، عن أبي عامر، عن خارجة بن عبد الله الأنصاري به.
ورويناه في الكنجروديات من طريق القاسم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عامر، بلفظ اللهم اشدد الدين. وفي آخره: فشد بعمر.
وأخرج ابن سعد بسند حسن، عن سعيد بن المسيب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر أو أبا جهل قال: «اللهم اشدد دينك بأحبهما إليك».
وأخرج الدارقطني من رواية القاسم عن عثمان، عن أنس- رفعه: «اللهم أعز الدين بعمر أو بعمرو بن هشام» - في حديث طويل.
وروينا في أمالي ابن شمعون، من طريق المسعودي، عن القاسم، عن أبي وائل، عن عبد الله- يعني ابن مسعود- رفعه: «اللهم أيد الإسلام بعمر».
ورويناه في الخلعيات، من حديث ابن عباس كذلك و لم يذكر أبا جهل.
وفي كامل ابن عدي من رواية مسلم بن خالد، عن هشام، عن أبيه- أن عائشة- مثله، لكن لفظه: أعز. وزاد في آخره: خاصة و
وقال في فوائد عبد العزيز الجرمي، من رواية أم عمر بنت حسان الثقفية عن زوجها سعيد بن يحيى بن قيس، عن أبيه، عن عمر، فذكر قصة. وفيها: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اشدد الدين بعمر، اللهم اشدد الدين بعمر» و، اللهم اشدد الدين بعمر».
وأخرج أحمد، من رواية صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، قال: قال عمر: خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال: فقرأ: {إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون}، فقلت: كاهن، قال: {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون} حتى ختم السورة، قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.
وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحاق بن أبي فروة، عن ابن عباس أنه سأل عمر عن إسلامه، فذكر قصته بطولها، وفيها أنه خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة وأصحابه الذي كانوا اختلفوا في دار الأرقم، فعلمت قريش أنه امتنع فلم تصبهم كآبة مثلها، قال: فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق.
وسيأتي في ترجمة أخته فاطمة بنت الخطاب شيء منها.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 4- ص: 484
أبو حفص: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه. تقدم.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 7- ص: 78
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، أمير المؤمنين، أبو حفص القرشي العدوي. أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومن قال بنت هشام بن المغيرة فقد أخطأ، لأنها لو كانت كذلك، لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام بن المغيرة، وإنما هي بنت عمهما.
ولد عمر، رضي الله عنه، بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، في قول. وكان من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية؛ لأنه كان إذا وقعت بين قريش وبين غيرهم حرب أو منافرة أو مفاخرة، بعثوه سفيرا ومنافرا ومفاخرا، ورضوا به. ثم أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، وكان إسلامه عزا ظهر به الإسلام بدعوة النبي، صلى الله عليه وسلم. وهو من المهاجرين الأولين، وشهد بيعة الرضوان وكل مشهد شهده رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وتوفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو عنه راض.
ولي الخلافة بعد أبي بكر؛ بويع له يوم مات أبو بكر، باستخلافه، سنة ثلاث عشرة، فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله منزلة رجل من الناس. وفتح الله له الفتوح بالشام والعراق ومصر، ودون الدواوين في العطاء، ورتب الناس فيه على سوابقهم، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، وهو الذي نور شعر الصوم بصلاة الإشفاع فيه، وأرخ التاريخ من الهجرة الذي بأيدي الناس إلى اليوم. وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين، وأول من اتخذ الدرة. وكان نقش خاتمه: كفى بالموت واعظا يا عمر.
وكان آدم شديد الأدمة، طوالا، كث اللحية، أصلع، أعسر يسر، يخضب بالحناء والكتم. كان يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى، ويثب على فرسه، كأنما خلق على ظهره. وقال أبو رجاء العطاردي: كان طويلا، جسيما، أصلع شديد الصلع، أبيض، شديد حمرة العينين، في عارضه خفة، سبلته كثيرة الشعر، في أطرافها صهبة.
قال ابن عبد البر: وقد ذكر الواقدي من حديث عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، قال: إنما جاءتنا الأدمة من قبل أخوالي بني مظعون، وكان أبيض، لا يتزوج لشهوة، إلا لطلب الولد. وعاصم بن عبيد الله لا يحتج بحديثه، ولا بأحاديث الواقدي. وزعم الواقدي أن سمرة عمر وأدمته إنما جاءت من أكله الزيت عام الرمادة؛ وهذا منكر من القول. وأصح ما في هذا الباب، والله أعلم، حديث سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش، قال: رأيت عمر آدم شديد الأدمة. قال أنس: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر يخضب بالحناء بحتا، قال ابن عبد البر؟ والأكثر أنهما، رضي الله عنهما، كانا يخضبان.
وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، ونزل القرآن بموافقته في أسارى بدر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم. وفي حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لو كان بعدي نبي لكان عمر.
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ’’قد كان في الأمم قبلكم محدثون. فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر بن الخطاب’’.
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ’’بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى رأيت الري يخرج بين أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر’’. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: ’’العلم’’.
وعن جابر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ’’دخلت الجنة، فرأيت فيها دارا - أو قال قصرا - وسمعت فيها ضوضأة، فقلت: لمن هذه؟ فقالوا: لرجل من قريش فظننت أني أنا هو، فقلت: من هو؟ فقيل: عمر بن الخطاب؛ فلولا غيرتك يا أبا حفص لدخلته’’. فبكى عمر بن الخطاب، فقال: أعليك يغار، أو قال: أغار، يا رسول الله؟!
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ’’رأيتني في المنام، والناس يعرضون علي، عليهم قمصهم، قمص منها إلى كذا ومنها إلى كذا، ومر علي عمر بن الخطاب يجر قميصه، فقيل: يا رسول الله، ما أولت ذلك؟ قال: ’’الدين’’.
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: خير الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر، ثم عمر. وقال أيضا: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
وقال حذيفة: كان علم الناس كلهم قد دس في جحر مع علم عمر. وقال ابن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووضع علم عمر في كفة، لرجح علم عمر. ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه مع عمر أوثق في نفسي من عمل سنة. وقال عمر، رضي الله عنه: ما سبقت أبا بكر قط إلى خير، إلا سبقني إليه، ولوددت أني شعرة في صدر أبي بكر.
وذكر الزبير، قال: قال عمر لما ولي: كان أبو بكر يقال له خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال لي خليفة خليفة، يطول هذا؟! فقال له المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين. قال: فذاك إذن.
وتزوج عمر، رضي الله عنه، زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله وحفصة وعبد الرحمن. وتزوج مليكة الخزاعية، فولدت له عبيد الله، وقيل أمه وأم زيد الأصغر أم كلثوم بنت جرول. وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية، فولدت له فاطمة. وتزوج جميلة بنت عاصم بنت ثابت، فولدت له عاصما. وتزوج أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، فولدت له زيدا ورقية. وتزوج لهية، امرأة من اليمن، فولدت له عبد الرحمن الأصغر. وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل التي تزوجها بعده الزبير.
واستشهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مصدرا من الحج في آخر سنة ثلاث وعشرين للهجرة؛ طعنه أبو لؤلؤة، غلام المغيرة بن شعبة، بخنجر ذي رأسين، نصابه في وسطه، وهو كامن له في زوايا المسجد، بغلس. وطعن معه اثني عشر رجلا، مات منهم ستة. وألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا، فلما اغتم قتل نفسه.
قال سعيد بن المسيب: قبض عمر، رضي الله عنه، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقال الواقدي: ستين. وقال قتادة: إحدى وستين.
وكان إسلام عمر، رضي الله عنه، في السنة السادسة من البعثة، وروى له الجماعة. وصلى عمر على أبي بكر حين مات، وصلى صهيب على عمر. وروي عن عمر، رضي الله عنه، أنه قال في انصرافه من حجته التي لم يحج بعدها:
الحمد لله، ولا إله إلا الله، يعطي من يشاء ما يشاء. لقد كنت بهذا الوادي - يعني ضجنان - أرعى غنما للخطاب، وكان فظا غليظا يتعبني إذا عملت، ويعذبني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت، وليس بيني وبين الله أحد أخشاه. ثم تمثل:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته | يبقى الإله ويودي المال والولد |
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه | والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا |
ولا سليمان إذ تجري الرياح له | والإنس والجن فيما بينها برد |
أين الملوك التي كانت لعزتها | من كل أوب إليها وافد يفد؟ |
حوض هنالك مورود بلا كذب | لا بد من ورده يوما كما وردوا |
ظلوم لنفسي غير أني مسلم | أصلي الصلاة كلها وأصوم |
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت | له الأرض تهتز الغضاة بأسؤق |
جزى الله خيرا من إمام وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس تسبق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بوائق في أكمامها لم تفتق |
وما كنت أخشى أن تكون وفاته | بكف سبنتى أزرق العين مطرق |
قد قلت لما مر بي | مقرطق يحكي القمر |
هذا أبو لؤلؤة | منه خذوا ثأر عمر |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 22- ص: 0
سيرة عمر الفاروق رضي الله عنه:
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمير المؤمنين، أبو حفص القرشي العدوي، الفاروق رضي الله عنه.
استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. وأمه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة.
روى عنه: علي، وابن مسعود، وابن عباس وأبو هريرة، وعدة من الصحابة، وعلقمة بن وقاص، وقيس بن أبي حازم، وطارق بن شهاب، ومولاه أسلم، وزر بن حبيش، وخلق سواهم.
وعن عبد الله بن عمر، قال: كان أبي أبيض تعلوه حمرة، طوالا، أصلع، أشيب.
وقال غيره: كان أمهق طوالا، أصلع آدم، أعسر يسر.
وقال أبو رجاء العطاردي: كان طويلا جسيما، شديد الصلع، شديد الحمرة، وفي عارضيه خفة وسبلته كبيرة وفي أطرافها صهبة، إذا حزبه أمر فتلها.
وقال سماك بن حرب: كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى.
وقال أنس: كان يخضب بالحناء.
وقال سماك: كان عمر يسرع في مشيته.
ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: كان عمر يأخذ بيده اليمني أذنه اليسرى، ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره.
وعن ابن عمر وغيره -من وجوه جيدة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب". وقد ذكرنا إسلامه في "الترجمة النبوية".
وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.
وقال سعيد بن جبير: {وصالح المؤمنين}، نزلت في عمر خاصة.
وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
وقال شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصا على الإسلام أن يروا عليك زيا حسنا من الدنيا فقال: "أفعل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا".
وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر". وروى نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري.
قال الترمذي في حديث أبي سعيد: حديث حسن.
قلت: وكذلك حديث ان عباس حسن.
وعن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس نحوه.
وفي "مسند أبي يعلى" من حديث أبي ذر يرفعه: "إن لكل نبي وزيرين، ووزيراي أبو بكر وعمر".
وعن أبي سلمة، عن أبي أروى الدوسي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر، فقال: "الحمد لله الذي أيدني بكما". تفرد به عاصم بن عمر، وهو ضعيف.
وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة"... الحديث.
وروى الترمذي من حديث ابن عمر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر معه وهو آخذ بأيديهما فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة". إسناده ضعيف.
وقال زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر".
ورواه سالم أبو العلاء -وهو ضعيف- عن عمرو بن هرم، عن ربعي. وحديث زائدة حسن. وروى عبد العزيز بن المطلب بن حنطب، عن أبيه، عن جده، قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: "هذان السمع والبصر". ويروى نحوه من حديث ابن عمر وغيره.
وقال يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرئ عمر السلام وأخبره أن غضبه عز ورضاه حكم". المرسل أصح، وبعضهم يصله عن ابن عباس.
وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك".
وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يفرق من عمر". رواه مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة.
وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زفن الحبشة لما أتى عمر: "إن لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر". صححه الترمذي.
وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمه سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من غزاة، فقالت: إني نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف، قال: "إن كنت نذرت فافعلي". فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقعية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليفرق منك يا عمر".
وقال يحيى بن يمان، عن الثوري، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله، قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى الأشعري، فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزرا وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه، الملك بين عينيه وروح القدس ينطق بلسانه.
وقال زر: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثا فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه.
وقال عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب". رواه مسلم".
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه".
رواه جماعة عن نافع عنه. وروى نحوه عن جماعة من الصحابة.
وقال الشعبي: قال علي -رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر.
وقال أنس: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله: {عسى ربه إن طلقكن}.
وقال حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر".
وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله باهى بأهل عرفة عامة وباهى بعمر خاصة".
ويروى مثله عن ابن عمر، وعقبة بن عامر.
وقال معن القزاز: حدثنا الحارث بن عبد الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباسن عن أخيه الفضل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحق بعدي مع عمر حيث كان".
وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر". قالوا: فما أولت ذلك؟ قال: "العلم".
وقال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر علي عمر عليه قميص يجره".
قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين".
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر".
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لشاب من قريش فظننت أني أنا هو، فقيل: لعمر بن الخطاب".
وفي الصحيح أيضا من حديث جابر مثله.
وقال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى "جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرا".
قال: فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار؟.
وقا الشعبي وغيره: قال علي -رضي الله عنه-: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين لا تخبرهما يا علي".
هذا الحديث سمعه الشعبي من الحارث الأعور، وله طرق حسنة عن علي، منها: عاصم، عن زر، وأبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال الحافظ ابن عساكر: والحديث محفوظ عن علي رضي الله عنه.
قلت: وروى نحوه من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، وجابر.
وقال مجالد عن أبي الوداك، وقاله جماعة عن عطية، كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما".
وعن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة". تفرد به سعيد بن مسلمة الأموي وهو ضعيف عن إسماعيل.
وقال علي -رضي الله عنه- بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد ابي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته.
وهذا متواتر عن علي -رضي الله عنه، فقبح الله الرافضة.
وقال الثوري، عن أبي هاشم القاسم بن كثير، عن قيس الخارفي، قال: سمعت عليا يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله.
ورواه شريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن علي مثله.
وقال ابن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عميرة، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".
وكذا رواه سفيان بن حسين الواسطي عن عبد الملك. وكان سفيان ربما دلسه وأسقط منه زائدة. ورواه سفيان الثوري، عن عبد الملك، عن هلال مولى ربعي، عن ربعي.
وقالت عائشة: قال أبو بكر: ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر.
وقالت عائشة: دخل ناس على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يسعك أن تولي علينا عمر وأنت ذاهب إلى ربك فماذا تقول له؟ قال: أقول: وليت عليهم خيرهم.
وقال الزهري: أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة.
وقال القاسم بن محمد: قال عمر: ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيريده عنه القريب والبعيد، أني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا، ولو علمت أن أحدا أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أليه.
وعن ابن عباس، قال: لما ولي عمر قيل له: لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك. قال: وما ذاك؟ قال: يزعمون أنك فظ غليظ. قال: الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رحما وملأ قلوبهم لي رعبا.
وقال الأحنف بن قيس: سمعت عمر يقول: لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء وحلة للصيف، وما حج به واعتمر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم، ثم أنا رجل من المسلمين.
وقال عروة: حج عمر بالناس إمارته كلها.
وقال ابن عمر: ما رأيت أحدا قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض أجد ولا أجود من عمر.
وقال الزهري: فتح الله الشام كله على عمر، والجزيرة ومصر والعراق كله، ودون الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسم على الناس فيئهم.
وقال عاصم بن أبي النجود، عن رجل من الأنصار، عن خزيمة بن ثابت: أن عمر كان إذا استعمل عاملا كتب له، واشترط عليه أن لا يركب برذونا، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة.
وقال طارق بن شهاب: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه، فيقول له: كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.
وقال ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر؛ إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله.
وقال ابن مسعودك لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم.
وقال شمر، عن حذيفة، قال: كأن علم الناس كان مدسوسا في جحر مع عمر.
وقال ابن عمر: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما تعلمها نحر جزورا.
وقال العوام بن حوشب: قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن.
وقال عكرمة بن خالد، وغيره: إن حفصة وعبد الله وغيرهما كلموا عمر، فقالوا: لو أكلت طعاما طيبا كان أقوى لك على الحق. قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم قال: قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبي على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل.
قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمنا ولا سمينا.
وقال ابن أبي مليكة: كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه، فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها؟!
وقال مبارك، عن الحسن: دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل لحما فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه. قال: أوكلما قرمت إلى شيء أكلته! كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال عمر: لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري، قال: ورحل يرفأ راحلته وسار أربعا مقبلا ومدبرا، واشترى مكتلا فجاء به، وعمد إلى راحلته فغسلها فأتى عمر فقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر وقال: نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذبت بهيمة في شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك.
وقال قتادة: كان عمر يلبس، وهو خليفة، جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنكث والنوى فيلقطه في منازل الناس لينتفعوا به.
قال أنس: رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه.
وقال أبو عثمان النهدي: رأيت على عمر إزارا مرقوعا بأدم.
وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطا ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحته.
وقال عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن أبي الغادية الشامي، قال: قدم عمر الجابية على جمل أورق تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، قد طبق رجليه بين شعبتي الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كساء أنبجاني من صوف، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته محشوة ليفا، وهي إذا نزل وساده، وعليه قميص من كرابيس قد دسم وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوه له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصا، فأتى بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قيل: كتان قال: وما الكتان؟ فأخبروه فنزع قميصه فغسلوه ورقعوه ولبسه، فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب وهذ بلاد لا تصلح فيها الإبل. فأتى ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار هنيهة قال: احبسوا، ما كانت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي.
وقال المطلب بن زياد، عن عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء.
وعن الحسن، قال: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أياما.
وقال أنس: خرجت مع عمر فدخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك.
وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض، فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئا، ليت أمي لم تلدني.
وقال عبيد الله بن عمر بن حفص: إن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه، فقيل له في ذلك فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها.
وقال الصلت بن بهرام، عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر، قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفا، فلما قدمت على عمر، قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدي به؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسئول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم. قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربع مائة ألف درهم، فدفع إلى ثمانين ألفا وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه.
وقال الحسن: رأى عمر جارية تطيش هزالا، فقال: من هذه؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك قال: وأي بناتي هذه؟ قال: بنتي قال: ما بلغ بها ما أرى؟ قال: عملك! لا تنفق عليها قال: إني والله ما أعول ولدك فاسع علهم أيها الرجل.
وقال محمد بن سيرين: قدم صهر لعمر عليه، فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر، وقال: أردت أن ألقى الله ملكا خائنا!؟ فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.
قال حذيفة: والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر.
وقال حذيفة: كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت: أنا قال: إنك لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عنها أسألك، ولكن الفتنة التي تموج موج البحر. قلت: ليس عليك منها بأس، إن بينك وبينها بابا مغلقا قال: أيكسر أم يفتح؟ قلت: بل يكسر قال: إذا لا يغلق أبدا قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فسأله مسروق: من الباب؟ قال: الباب عمر. أخرجه البخاري.
وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أتى عمر بكنوز كسرى، فقال عبد الله بن الأرقم: أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟ فقال عمر: لا والله لا آويها إلى سقف حتى أمضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلما أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ، فبكى فقال له أبي: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا ليوم شكر ويوم سرور! فقال: ويحك إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء.
وقال أسلم مولى عمر: استعمل عمر مولى له على الحمى، فقال: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن تهلك ما شيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين! أفتاركهم أنا لا أبا لك! فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والفضة، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا. أخرجه البخاري.
وقال أبو هريرة: دون عمر الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، وأمهات المؤمنين اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا.
وقال إبراهيم النخعي: كان عمر يتجر وهو خليفة.
وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار، قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر فجاء رجل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق الله لأمتك، فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال: ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم مسقون وقل له: عليك الكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبر عمر فبكى، وقال: يا رب ما آلو ما عجزت عنه.
وقال أنس: تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة؛ كان قد حرم نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بإصبعه، وقال: إنه ليس عندنا غيره حتى يحيا الناس.
وقال الواقدي: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لما كان عام الرمادة جاءت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة، فكان عمر قد أمر رجالا يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلة: "احصوا من يتعشى عندنا". فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأحصوا الرجال المرضى والعيالات فكانوا أربعين ألفا، ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفا، فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فلما مطرت رأيت عمر قد وكل بهم يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتا وحملانا إلى باديتهم، وكان قد وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم، وكانت قدور عمر يقوم إليها المال من السحر يعملون الكركور ويعملون العصائد.
وعن أسلم، قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت.
وقال سفيان الثوري: من زعم أن عليا كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار.
وقال شريك: ليس يقدم عليا على أبي بكر وعمر أحد فيه خير.
وقال أبو أسامة: تدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه.
وقال الحسن بن صالح بن حيي: سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.
ذكر نسائه وأولاده:
تزوج زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله وحفصة، وعبد الرحمن.
وتزوج مليكة الخزاعية، فولدت له عبيد الله، وقيل: أمه وأم زيد الأصغر أم كلثوم بنت جرول.
وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية، فولدت له فاطمة.
وتزوج جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصما.
وتزوج أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء وأصدقها أربعين ألفا، فولدت له زيدا ورقية.
وتزوج لهية امرأة من المن فولدت له عبد الرحمن الأصغر.
وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل التي تزوجها بعد موته الزبير.
الفتوح في عهده:
وقال الليث بن سعد: استخلف عمر فكان فتح دمشق، ثم كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية سنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ثم كانت جلولاء سنة تسع عشرة، ثم كان فتح باب ليون وقيسارية بالشام، وموت هرقل سنة عشرين؛ وفيها فتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فتحت نهاوند، وفتحت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين؛ وفيها فتحت إصطخر وهمذان؛ ثم غزا عمرو بن العاص أطرابلس المغرب؛ وغزوة عمورية، وأمير مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين. ثم قتل عمر مصدر الحاج في آخر السنة.
قال خليفة: وقعة جلولاء سنة سبع عشرة.
استشهاده:
وقال سعيد بن المسيب: إن عمر لما نفر من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء واستلقى ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: "اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط". فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات.
وقال أبو صالح السمان: قال كعب لعمر: أجدك في التوراة تقتل شهيدا، قال: وأنى لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب؟.
وقال أسلم، عن عمر أنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاري.
وقال معدان بن أبي طلحة اليعمري: خطب عمر يوم جمعة وذكر نبي الله وأبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكا نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا لحضور أجلي، وإن قوما يأمروني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
وقال الزهري: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول: إن عنده أعمالا كثيرا فيها منافع للناس: إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، قال: ما خراجك بكثير، فانصرف ساخطا يتذمر، فلبث عمر ليالي، ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إلى عمر عابسا، وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها. فلما ولى قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفا. ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس.
وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن أبا لؤلؤ عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان طعن معه اثنا عشر رجلا، مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا، فلما اغتم فيه قتل نفسه.
وقال عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ علي، فمر بنا أبو لؤلؤة، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنه لولا مكاني بطش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإني لبين النائم واليقظان، إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب، فماج الناس ساعة، ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف.
وقال ثابت البناني، عن أبي رافع: كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي عمر، فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله واتخذ خنجرا وشحذه وسمه، وكان عمر يقول:
"أقيموا صفوفكم" قبل أن يكبر، فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته، فسقط عمر، وطعن ثلاث عشر رجلا معه، فمات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله، وكادت الشمس أن تطلع، فصلى ابن عوف بالناس بأقصر سورتين، وأتى عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين، فسقوه لبنا فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت. فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما والله وددت أني خرجت منها كفافا لا علي ولا لي وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي.
وأثنى عليه ابن عباس، فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صهيبا أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثا.
وعن عمرو بن ميمون أن عمر قال: "الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام". ثم قال لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقا.
ثم قال: يا عبد الله! انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش؛ اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه. فذهب إليها فقالت: كنت أريده -تعني المكان- لنفسي ولأؤثرنه اليوم على نفسي.
قال: فأتى عبد الله، فقال: قد أذنت لك، فحمد الله.
ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها، فلما رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعة، ثم استأذن الرجال فولجت داخلا ثم سمعنا بكاءها. وقيل له: أوص يا أمير المؤمنين واستخلف.
قال: ما أرى أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى الستة، وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس لهم من الأمر شيء -كهيئة التعزية له- فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، في مثل ذلك من الوصية.
فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر، وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة: أدخلوه فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه.
فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلا ثلاثة منكم. فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن وقال طلحة: قد أمري إلى عثمان. قال: فخلا هؤلاء الثلاثة فقال عبد الرحمن: أنا لا أريدها فأيكما يبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه، والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه وليحرصن على صلاح الأمة. قال: فسكت الشيخان علي وعثمان، فقال عبد الرحمن: اجعلوه إلي والله علي لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم، فخلا بعلي وقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، الله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن، قال: ثم خلا بالآخر فقال له كذلك، فلما أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه علي.
وقال المسور بن مخرمة: لما أصبح عمر بالصلاة من الغد، وهو مطعون، فزعوه فقالوا: الصلاة ففزع وقال: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى وجرحه يثعب دما.
وقال النضر بن شميل: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: لما طعن عمر جاء كعب فقال: والله لئن دعا أمير المؤمنين ليبعثنه الله وليرفعنه لهذه الأمة حتى يفعل كذا وكذا. حتى ذكر المنافقين فيمن ذكر، قال: قلت: أبلغه ما تقول؟ قال: ما قلت إلا وأنا أريد أن تبلغه، فقمت وتخطيت الناس حتى جلست عند رأسه فقلت: يا أمير المؤمنين، فرفع رأسه فقلت: إن كعبا يحلف بالله لئن دعا أمير المؤمنين ليبقينه الله وليرفعنه لهذه الأمة.
قال: ادعوا كعبا فدعوه، فقال: ما تقول؟ قال: أقول كذا وكذا، فقال: لا والله لا أدعو الله ولكن شقي عمر إن لم يغفر الله له. قال: وجاء صهيب، فقال: وا صفياه وا خليلاه وا عمراه.
فقال: مهلا يا صهيب أو ما بلغك أن المعول عليه يعذب ببعض بكاء أهله عليه.
وعن ابن عباس قال: كان أبو لؤلؤة مجوسيا.
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: قال ابن عمر: يا أمير المؤمنين ما عليك لو أجهدت نفسك ثم أمرت عليهم رجلا؟ فقال عم: أقعدوني. قال عبد الله: فتمنيت أن بيني وبينه عرض المدينة فرقا منه حين قال: أقعدوني، ثم قال: من أمرتم بأفواهكم؟ قلت: فلانا قال: إن تؤمروه فإنه ذو شيبتكم، ثم أقبل على عبد الله، فقال: ثكلتك أمك أرأيت الوليد ينشأ مع الوليد وليدا وينشأ معه كهلا، أتراه يعرف من خلقه؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين قال: فما أنا قائل لله إذا سألني عمن أمرت عليهم فقلت: فلانا، وأنا أعلم منه ما أعلم! فلا والذي نفسي بيده لأرددنها إلى الذي دفعها إلي أول مرة، ولوددت أن عليها من هو خير مني لا ينقضي ذلك مما أعطاني الله شيئا.
وقال سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: دخل على عمر عثمان، وعلى والزبير وابن عوف، وسعد -وكان طلحة غائبا- فنظر إليهم ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا إلا أن يكون فيكم، ثم قال: إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عثمان فلا تحملن أقاربك على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا وأمروا أحدكم، فقاموا يتشاورون.
قال ابن عمر: فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمني عمر، ولا والله ما أحب أني كنت معهم علما منه بأنه سيكون من أمرهم ما قال أبي، والله لقل ما سمعته حول شفتيه بشيء قط إلا كان حقا، فلما أكثر عثمان دعائي قلت: ألا تعقلون! تؤمرون وأمير المؤمنين حي! فوالله لكأنما أيقظتهم فقال عمر: أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل للناس صهيب ثلاثا ثم أجمعوا في اليوم الثالث أشراف الناس، وأمراء الأجناد فأمروا أحدكم، فمن تأمر عن غير مشورة فاضربوا عنقه.
وقال ابن عمر: كان رأس عمر في حجري، فقال: ضع خدي على الأرض، فوضعته، فقال: ويل لي وويل أمي إن لم يرحمني ربي.
وعن أبي الحويرث، قال: لما مات عمر ووضع ليصلى عليه أقبل علي وعثمان أيهما يصلي عليه، فقال عبد الرحمن: إن هذا لهو الحرص على الإمارة، لقد علمتما ما هذا إليكما ولقد أمر به غيركما، تقدم يا صهيب فصل عليه. فصلى عليه.
وقال أبو معشر، عن نافع عن ابن عمر قال: وضع عمر بين القبر والمنبر، فجاء علي حتى قام بين الصفوف، فقال: رحمة الله عليك ما من خلق أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفته بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسجى عليه ثوبه. وقد روي نحوه من عدة وجوه عن علي.
وقال معدان بن أبي طلحة: أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة. وكذا قال زيد بن أسلم وغير واحد.
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: إنه دفن يوم الأحد مستهل المحرم.
وقال سعيد بن المسيب: توفي عمر وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، كذا رواه الزهري عنه.
وقال أيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: مات عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة. وكذا قال سالم بن عبد الله، وأبو الأسود يتيم عروة، وابن شهاب.
وروى أبو عاصم، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه: سمعت عمر قبل أن يموت بعامين أو نحوهما يقول: أنا ابن سبع أو ثمان وخمسين. تفرد به أبو عاصم.
وقال الواقدي: أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: توفي عمر وله ستون سنة. قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل، وكذا قال مالك.
وقال قتادة: قتل عمر وهو ابن إحدى وستين سنة.
وقال عامر بن سعد البجلي، عن جرير بن عبد الله أنه سمع معاوية يخطب ويقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين.
وقال يحى بن سعيد: سمعت سعيد بن المسيب، قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثا وستين. قد تقدم لابن المسيب قول آخر.
وقال الشعبي مثل قول معاوية.
وأكثر ما قيل قول ابن جريج، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس: قبض عمر وهو ابن ست وستين سنة، والله أعلم.
الحوادث في خلافة عمر الفاروق:
سنة أربع عشرة:
فيها فتحت دمشق، وحمص، وبعلبك، والبصرة، والأبلة، ووقعة جسر أبي عبيد بأرض نجران، ووقعة فحل بالشام، في قول ابن الكلبي.
فأما دمشق فقال الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده، قال: كان خالد على الناس فصالح أهل دمشق، فلم يفرغ من الصلح حتى عزل وولي أبو عبيدة، فأمضى صلح خالد ولم يغير الكتاب.
وهذا غلظ؛ لأن عمر عزل خالدا حين ولي. قاله خليفة بن خياط، وقال: حدثني عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم.
وقال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنصف من رجب سنة أربع عشرة، صالحهم أبو عبيدة.
وقال ابن إسحاق: صالحهم أبو عبيدة في رجب.
وقال ابن جرير: سار أبو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة الناس، وقد اجتمعت الروم على رجل يقال له: باهان بدمشق، وكان عمر عزل خالدا واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فتحت، وأعطوا الجزية. وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالدا الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكتب الكتاب باسمه فلما صالحت دمشق لحق باهان بصاحب الروم هرقل. وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر.
وقال محمد بن إسحاق: إن عمر كان واجدا على خالد بن الوليد لقتله ابن نويرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن انزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره، قال: ما أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع ما بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة.
وقال ابن جرير: كان أول محصور بالشام أهل فحل ثم أهل دمشق، وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص ردءا، وحصروا دمشق، فكان أبو عبيدة على ناحية، ويزيد بن أبي سفيان على ناحية، وعمرو بن العاص على ناحية، وهرقل يومئذ على حمص، فحاصروا أهل دمشق نحوا من سبعين ليلة حصارا شديدا بالمجانيق، وجاءت جنود هرقل نجدة لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا.
وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاما واشتغل يومئذ، وخالد بن الوليد لا ينام ولا ينيم قد هيأ حبالا كهيئة السلالم، فلما أمسى هيأ أصحابه، وتقدم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا وانهدوا الباب قال: فلما انتهى خالد ورفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أحبولة إلا أثبتاها في الشرف، وكان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عنوة، وقد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح والمشاطرة فأبوا، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذاك الباب، فدخل أهل كل باب بصلح ما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضا ونهبا، وهؤلاء صلحا، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عمر بالفتح.
وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشا إلى العراق نجدة لسعد بن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة، وبقي بدمشق يزيد بن أبي سفيان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دحية بن خليفة الكلبي في خيل إلى تدمر، وأبا الأزهر إلى البثنية وحوران.
فصالحهم، وسار طائفة إلى بيسان فصالحوا.
وفيها كان سعد بن أبي قاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عمر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إني قد انتخبت لك ألف فارس، ثم قدم عليه فأمره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضهم إلا المسير إلى الشام، فجهزهم عمر إلى الشام.
ثم إن عمر أمد سعدا بعد مسيره بألف نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزرود، وكان المثنى بن حارثة على المسلمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عبيدة، فاستخلف المثنى على الناس بشير بن الخصاصية، وسعد يومئذ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق، ثم سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بن قيس في ألف وسبع مائة من اليمانيين.
وقعة الجسر:
كان عمر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشا، عليهم أبو عبيد الثقفي -رضي الله عنه- فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة وقيل: في أول سنة أربع عشرة بين الحيرة والقادسية.
فهزم الله المجوس، وأسر جابان، وقتل مردانشاه، ثم إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لا يعرف أنه المقدم، ثم سار أبو عبيد إلى كسكر فالتقى هو ونرسى فهزمه، ثم لقي جالينوس فهزمه.
ثم إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفا، ودفع إليه سلاحا عظيما، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عبيد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قس الناطف، وبينه وبين أبي عبيد الفرات، فأرسل إلى أبي عبيد: إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فقال أبو عبيد: نعبر إليكم، فعقد له ابن صلوبا الجسر، وعبر فالتقوا في مضيق في شوال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل فاقتتلوا أشد قتال، وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، وضرب أبو محجن عرقوبه.
ويقال: إن أبا عبيد لما رأى الفيل قال:
يا لك من ذي أربع ما أكبرك | لأضربن بالحسام مشفرك |
وقال: إن قتلت فعليكم ابني جبر، فإن قتل فعليكم حبيب بن ربيعة أخو أبي محجن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله، فقتل جميع الأمراء، واستحر القتل في المسلمين فطلبوا الجسر، وأخذ الراية المثنى بن حارثة فحماهم في جماعة ثبتوا معه. وسبقهم إلى الجسر عبد الله بن يزيد فقطعه، وقال: قاتلوا عن دينكم، فاقتحم الناس الفرات، فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر وعبره الناس.
واستشهد يومئذ فيما قال خليفة: ألف وثمان مائة، وقال سيف: أربعة آلاف ما بين قتيل وغريق.
وعن الشعبي، قال: قتل أبو عبيد في ثمان مائة من المسلمين.
وقال غيره: بقي المثنى بن حارثة الشيباني على الناس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على الناس ابن الخصاصية كما ذكرنا.
حمص:
وقال أبو مسهر: حدثني عبد الله بن سالم، قال: سار أبو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفا، منهم من السكون ستة آلاف فافتتحها.
وعن أبي عثمان الصنعاني، قال: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة برزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص.
وورد أن حمص وبعلبك فتحتا صلحا في أواخر سنة أربع عشرة، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطينية.
وقيل: إن حمص فتحت سنة خمس عشرة.
البصرة:
وقال علي المدائني عن أشياخه: بعث عمر في سنة أربع عشرة شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر إلى البصرة، وكان ردءا للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقتل بدارس، فبعث عمر عتبة بن غزوان المازني في السنة، فمكث أشهرا لا يغزو.
وقال خالد بن عمير العدوي: غزونا مع عتبة الأبلة فافتتحناها ثم عبرنا إلى الفرات، ثم مر عتبة بموضع المربد، فوجد الكذان الغليظ، فقال: هذه البصرة انزلوها باسم الله.
وقال الحسن: افتتح عتبة الأبلة فقتل من المسلمين سبعون رجلا في موضع مسجد الأبلة، ثم عبر إلى الفرات فأخذها عنوة.
وقال شعبة عن عقيل بن طلحة، عن قبيصة، قال: كنا مع عتبة بالخريبة.
وفيها: أمر عتبة بن غزوان محجن بن الأدرع فخط مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثم خرج عتبة حاجا وخلف مجاشع بن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فمات عتبة في طريق.
وأمر عمر المغيرة على البصرة، وبعث جرير بن عبد الله على السواد، فلقي جرير مهران، فقتل مهران، ثم بعث عمر سعدا فأمر جريرا أن يطيعه.
وفيها: ولد عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو أول من ولد بالبصرة.
وفيها استشهد جماعة عظيمة، ومات طائفة "منهم":
أوس بن أوس بن عتيك، استشهد يوم جسر أبي عبيد، على يومين من الكوفة بينها وبين نجران.
بشير بن عنبس بن يزد الظفري، شهد أحدا وهو ابن عم قتادة بن النعمان، وكان يعرف بفارس الحواء وهم اسم فرسه، قتل يومئذ.
ثابت بن عتيك من بني عمرو بن مبذول، أنصاري له صحبة، قتل يومئذ.
ثعلبة بن عمرو بن محصن، قتل يوم الجسر، وهو أحد بني مالك بن النجار، وكان بدريا رضي الله عنه.
الحارث بن عتيك بن النعمان، أبو أخزم، قتل يومئذ، وهو من بني النجار، شهدا أحدا، وهو أخو سهل الذي شهد بدرا.
الحارث بن مسعود بن عبدة، له صحبة، وقتل يومئذ.
الحارث بن عدي بن مالك، قتل يومئذ، وقد شهد أحدا، وكلاهما من الأنصار.
خالد بن سعيد بن العاص الأموي، قيل: استشهد يوم مرج الصفر، وأن يوم مرج الصفر كان في المحرم سنة أربع عشرة، وقد ذكر.
خزيمة بن أوس بن خزيمة الأشهلي، يوم الجسر.
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ورخه ابن قانع.
زيد بن سراقة، يوم الجسر.
سعد بن سلامة بن وقش الأشهلي.
سعد بن عبادة الأنصاري، يقال: مات فيها.
سلمة بن أسلم بن حريش، يوم الجسر.
سلمة بن هشام، يوم مرج الصفر، وقد تقدم.
سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري، يوم الجسر.
ضمرة بن غزية، يوم الجسر.
عبد الله، وعبد الرحمن، وعباد، بنو مربع بن قيظي بن عمرو، قتلوا يومئذ.
عقبة، وعبد الله، ابنا قيظي بن قيس. حضرا مع أبيهما يوم جسر أبي عبيد، وقتلا يومئذ.
عمر بن أبي اليسر، يوم الحسر.
قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، أبو زيد الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته. شهد بدرا، واستشهد يوم جسر أبي عبيد فيما ذكر موسى بن عقبة.
قال الواقدي وابن الكلبي: هو أحد من جع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليله قول أنس؛ لأنه قال: أحد عمومتي، وكلاهما يجتمعان في حرام. وكذا ساق الكلبي نسب أبي زيد، لكنه جعل عوض زعوراء زيدا، ولا عبرة بقول من قال: إن الذي جمع القرآن أبو زيد سعد بن عبيد الأوسي، فإن قول أنس بن مالك: أحد عمومتي، ينفي قول من قال: هو سعد بن عبيد، لكونه أوسيا. ويؤيده أيضا ما روى قتادة عن أنس، قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر: عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
المثنى بن حارثة الشيباني، الذي أخذ الراية وتحيز بالمسلمين يوم الجسر.
نافع بن غيلان، يومئذ.
نوفل بن الحارث يقال: توفي فيها، وكان أسن من عمه العباس.
واقد بن عبد الله، يوم.
هند بنت عتبة بنت ربيعة بن عبد شمس، أم معاوية بن أبي سفيان، توفيت في أول العام.
يزيد بن قيس بن الخطيم -بفتح الخاء المعجمة- الأنصاري الظفري. صحابي شهدا أحدا والمشاهد وجرح يوم أحد عدة جراحات، وأبوه من الشعراء الكبار، قتل يزيد يوم الجسر.
أبو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي، والد المختار وصفية زوجة ابن عمر.
أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر وسيره على جيش كثيف إلى العراق، وإليه ينسب جسر أبي عبيد، وكانت الواقعة عند هذا الجسر كما ذكرنا، وقتل يومئذ أبو عبيد -رحمه الله، والجسر بين القادسية والحيرة، ولم يذكره أحد في الصحابة إلا ابن عبد البر، ولا يبعد أن يكون له رؤية وإسلام.
أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي، في المحرم عن بضع وتسعين سنة، وقد أسلم يوم الفتح فأتى به ابنه أبو بكر الصديق يقوده لكبره وضرره ورأسه كالثغامة فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا تركت الشيخ حتى نأتيه"، إكراما لأبي بكر، وقال: "غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد".
عبد الله بن صعصعة بن وهب الأنصاري، أحد بني عدي بن النجار، شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم جسر أبي عبيد، قاله ابن الأثير.
سنة خمس عشرة:
في أولها افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة.
يوم اليرموك:
كانت وقعة مشهودة، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة، وقيل: سنة ثلاث عشرة وأراه وهما، فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفا، وأمراء الإسلام أبو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلا يفروا، فلما هزمهم الله جعل الواحد يقع في وادي اليرموك، فيجذب من معه في السلسلة حتى ردموا الوادي، واستووا فيما قيل بحافتيه، فداستهم الخيل، وهلك خلق لا يحصون. واستشد يومئذ جماعة من أمراء المسلمين.
وقال محمد بن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب، خصي لهرقل.
وقال ابن الكلبي: كانت الروم ثلاث مائة ألف، عليهم ماهان، رجل من أبناء فراس تنصر ولحق بالروم، قال: وضم أبو عبيدة إليه أطرافه، وأمده عمر بسعيد بن عامر بن حذيم، فهزم الله المشركين بعد قتال شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة.
وقال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين -يعني يوم اليرموك- كانوا أربعة وعشرين ألفا، وعليهم أبو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب.
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن المسيب، عن أبيه، قال: خمدت الأصوات يوم اليرموك، والمسلمون يقاتلون الروم إلا صوت رجل يقول: "يا نصر الله اقترب، يا نصر الله اقترب"، فرفعت رأسي فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان.
الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه عن ابن المسيب عن جبير بن الحويرث، قال: حضرت اليرموك فلا أسمع إلا نقف الحديد إلا أني سمعت صائحا يقول: يا معشر المسلمين يوم من أيام الله أبلوا الله فيه بلاء حسنا، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه.
قال سويد بن عبد العزيز، عن حصين، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة، قال: لما هزمنا العدو يوم اليرموك أصبنا يلامق ديباج فلبسناها فقدمنا على عمر ونحن نرى أنه يعجبه ذلك، فاستقبلناه وسلمنا عليه، فشتمنا ورجمنا بالحجارة حتى سبقناه نعدو، فقال بعضنا: لقد بلغه عنكم شر، وقال بعض القوم: لعله في زيكم هذا، فضعوه، فوضعنا تلك الثياب وسلمنا عليه، فرحب وساءلنا وقال: إنكم جئتم في زي أهل الكفر، وإنكم الآن في زي أهل الإيمان وإنه لا يصلح من الديباج والحرير إلا هكذا، وأشار بأربع أصابعه.
وعن مالك بن عبد الله، قال: ما رأيت أشرف من رجل رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علج فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم انهزموا وتبعهم وتبعته، ثم انصرف إلى خباء عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا من حوله، قلت: من هذا؟ قالوا: عمرو بن معدي كرب.
وعن عروة: قتل يومئذ النضر بن الحارث بن علقمة العبدري، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي.
وقال ابن سعد: قتل يومئذ نعيم بن عبد الله النحام العدوي قلت: وقد ذكر.
وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث بن أشيم الكناني الليثي.
ويقال: قتل يومئذ عكرمة بن أبي جهل، وعبد الرحمن بن العوام، وعياش بن أبي ربيعة، وعامر بن أبي وقاص الزهري.
وقعة القادسية:
كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بلغنا، وكان على الناس سعد بن أبي وقاص، وعلى المشركين رستم ومعه الجالينوي، وذو الحاجب.
قال أبو وائل: كان المسلمون ما بين السبعة إلى الثمانية آلاف. ورستم في ستين ألفا، وقيل: كانوا أربعين ألفا، وكان معهم سبعون فيلا.
وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل: في رمضان، فقتل رستم وانهزموا، وقيل: إن رستم مات عطشا، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم ما بين الخرار إلى السيلحين إلى النجف، حتى ألجؤوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلو الكلاب، ثم خرجوا على حامية بعيال فساروا حتى نزلوا جلولاء.
قال أبو وائل: اتبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتبعناهم إلى الصراة فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن.
وعن أبي وائل قال: رأيتني أعبر الخندق مشيا على الرجال، قتل بعضهم بعضا.
وعن حبيب بن صهبان، قال: أصبنا يومئذ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يقول: صفراء ببيضاء، يعني ذهبا بفضة.
وقال المدائني: ثم سار سعد من القادسية يتبعهم. فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه. وقطع سعد الفرات، فلقي جمعا عليهم بصبهرا؛ فقتله زهرة بن حوية، ثم لقوا جمعا بكوثا عليهم الفيرزان فهزموهم، ثم لقوا جمعا كثيرا بدير كعب عليهم الفرخان فهزموهم، ثم سار سعد بالناس حتى نزل المدائن فافتتحها.
وأما محمد بن جرير فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مصر سعد الكوفة؛ وأن فيها فرض عمر الفروض ودون الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة.
قال: ولما فتح الله على المسلمين غنائم رستم، وقدمت على عمر الفتوح من الشام والعراق جمع المسلمين، فقال: ما يحل للوالي من هذا المال؟ قالوا: أما لخاصته ففوته وقوت عياله لا وكس ولا شطط، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمالته إلى حجة وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطي أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرم أمور المسلمين ويتعاهدهم. وفي القوم علي -رضي الله عنه- ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف.
وقيل: إن عمر قعد على رزق أبي بكر حتى اشتدت حاجته، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم.
وكان عماله في هذه السنة: عتاب بن أسيد، كذا قال ابن جرير، وقد قدمنا موت عتاب،
قال: وعلى الطائف يعلى بن منية، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أبو قرة، وعلى البصرة المغيرة بن شعبة، وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص، وعلى عمان حذيفة بن محصن، وعلى ثغور الشام أبو عبيدة بن الجراح.
المتوفون فيها:
سعد بن عبيد بن النعمان، أبو زيد الأنصاري الأوسي.
أحد القراء الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشهد بوقعة القادسية، وقيل: إنه ولد عمير بن سعد الزاهد أمير حمص لعمر. شهد سعد بدرا وغيرها، وكان يقال له: سعد القارئ.
وذكر محمد بن سعد أن القادسية سنة ست عشرة، وأنه قتل بها وله أربع وستون سنة.
وقال قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سعد بن عبيد أنه خطبهم، فقال: إنا لاقو العدو غدا وإنا مستشهدون غدا، فلا تغسلوا عنا دما ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا.
سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي القرشي السهمي، هو وإخوته: الحجاج، ومعبد، وتميم، وأبو قيس، وعبد الله، والسائب، كلهم من مهاجرة الحبشة، ذكرهم ابن سعد.
استشهد أكثرهم يوم اليرموك، ويوم أجنادين رضي الله عنه.
عبد الله بن سفيان.
هذا ابن أخي أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي. له صحبة وهجرة إلى الحبشة ورواية، روى عنه: عمرو بن دينار منقطعا، واستشهد باليرموك.
عمرو بن أم مكتوم الضرير.
كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه على المدينة في غير غزوة، قيل: كان اللواء معه يوم القادسية، واستشهد يومئذ.
وقال ابن سعد: رجع إلى المدينة بعد القادسية، ولم نسمع له بذكر بعد عمر.
قلت: روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو رزين الأسدي، وله ترجمة طويلة في كتاب ابن سعد.
عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف، قتل باليرموك.
عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عياش المخزومي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماه في القنوت ودعا له بالنجاة.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه ابنه عبد الله وغيره. وهو أخو أبي جهل لأمه، كنيته: أبو عبد الله. استشهد يوم اليرموك.
فراس بن النضر بن الحارث، يقال: استشهد باليرموك.
قيس بن عدي بن سعد بن سهم، من مهاجرة الحبشة، قتل باليرموك.
قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري المازني.
شهد العقبة وبدرا، وورد له حديث من طريق ابن لهيعة عن حبان بن واسع بن حبان، عن أبيه، عنه، قلت: في كم أقرأ القرآن يا رسول الله؟ قال: "في خمس عشرة"، قلت: أجدني أقوى من ذلك. وفيه دليل على أنه جمع القرآن. وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك.
نضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العبدري القرشي.
من مسلمة الفتح ومن حلماء قريش، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل من غنائم حنين، تألفه بذلك. فتوقف في أخذها وقال: لا أرتشي على الإسلام ثم قال: والله ما طلبتها ولا سألتها وهي عطية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها، وحسن إسلامه، واستشهد يوم اليرموك، وأخوه النضر قتل كافرا في نوبة بدر.
سنة ست عشرة:
قيل: كانت وقعة القادسية في أولها، واستشهد يومئذ مائتان، وقيل: عشرون ومائة رجل.
قال خليفة: فيها فتحت الأهواز ثم كفروا، فحدثني الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده، قال: سار المغيرة بن شعبة إلى الأهواز فصالحه البيروان على الفي ألف درهم وثماني مائة ألف درهم، ثم غزاهم الأشعري بعده.
وقال الطبري: فيها دخل المسلمون مدينة بهرشير وافتتحوا المدائن، فهرب منها يزدجرد ابن شهريار.
فلما نزل سعد بن أبي وقاص بهرشير- وهي المدينة التي فيها نزل كسرى- طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى، فلم يقدر على شيء منها، وجدهم قد ضموا السفن، فبقي أياما حتى أتاه أعلاج فدلوه على مخاضة، فأبى، ثم إنه عزم له أن يقتحم دجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزبد، ففجئ أهل فارس أمر لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعة ثم انهزموا وتركوا جمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كله، ثم أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصنوا ثم صالحوا.
وقيل: إن الفرس لما رأوا اقتحام المسلمين الماء تحيروا، وقالوا: والله ما نقاتل الإنس ولا نقاتل إلا الجن، فانهزموا.
ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وإن فيه لتماثيل جص فما حركها.
ولما انتهى إلى مكان كسرى أخذ يقرأ: {كم تركوا من جنات وعيون، وزروع}.
قالوا: وأتم سعد الصلاة يوم دخلها، وذلك أنه أراد المقام بها، وكانت أول جمعة جمعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة.
قال الطبري: قسم سعد الفيء بعدما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفا، وكل الجيش كانوا فرسانا.
وقسم سعد دور المدائن بين الناس وأوطنوها، وجمع سعد الخمس وأدخل فيه كل شيء من ثياب كسرى وحليه وسيفه، وقال للمسلمين: هل لكم أن تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا القطف فنبعث به إلى عمر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعا؟ قالوا: نعم، فبعثه على هيئته. وكان ستين ذراعا في ستين ذراعا بساطا واحدا مقدار جريب، فيه طرق كالصور، وفصوص كالنهار، وخلال ذلك كالدر، في حافاته كالأرض المزروعة، والأرض كالمبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات الذهب. ونواره بالذهب والفضة ونحوه. فقطعه عمر وقسمه بين الناس، فأصاب عليا قطعة منه فباعها بعشرين ألفا.
واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام علي كرسي مملكة كسرى، وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلى أمي بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن، والقصور. فسبحان الله العظيم الفتاح.
وكان لكسرى وقيصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهر طويل؛ فأما الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحوا من خمس مائة سنة، فأول ملوكهم دارا، وطال عمره فيقال: إنه بقي في الملك مائتي سنة، وعدة ملوكهم خمسة وعشرون نفسا، منهم
امرأتان، وكان آخر القوم يزدجر الذي هلك في زم عثمان، وممن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، عقد له بالأمر وهو في بطن أمه؛ لأن أباه مات وهذا حمل، فقال الكهان: هذا يملك الأرض، فوضع التاج على بطن الأم، وكتب منه إلى الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيء لم يسمع بمثله قط، وإنما لقب بذي الأكتاف؛ لأنه كان ينتزع أكتاف من غضب عليه، وهو الذي بنى الإيوان الأعظم، وبنى نيسابور وبنى سجستان.
ومن متأخري ملوكهم أنوشروان، كان حازما عاقلا، كان له اثنتا عشرة ألف امرأة وسرية، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدا، وولد نبينا صلى الله عليه وسلم في زمان، ثم مات أنوشروان وقت موت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف ألف مثقال ذهبا.
وقعة جلولاء:
في هذه السنة قال ابن جرير الطبري: فقتل الله من الفرس مائة ألف، جللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء. وقال غيره: كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قال: سميت جلولاء لما تجللها من الشر قال سيف: كانت سنة سبع عشرة.
وقال خليفة بن خياط: هرب يزدجرد بن كسرى من المدائن إلى حلوان، فكتب إلى الجبال، وجمع العساكر ووجههم إلى جلولاء، فاجتمع له جمع عظيم، عليهم خرزاد بن جرمهر، فكتب سعد إلى عمر يخبره، فكتب إليه: أقم مكانك ووجه إليهم جيشا، فإن الله ناصرك ومتمم وعده، فعقد لابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فالتقوا، فجال المسلمون جولة، ثم هزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالا عظيمة وسبايا، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف. وجاء عن الشعبي أن فيء جلولاء قسم على ثلاثين ألف ألف. وقال أبو وائل: سميت جلولاء "فتح الفتوح".
وقال ابن جرير: أقام هاشم بن عتبة بجلولاء، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين، فقتل من أدرك منهم، وقتل مهران، وأفلت الفيرزان، فلما بلغ ذلك يزدجرد تقهقر إلى الري.
وفيها: جهز سعد جندا فاتتحوا تكريت واقتسموها، وخمسوا الغنائم، فأصاب الفارس منها ثلاثة آلاف درهم.
وفيها: سار عمر -رضي الله عنهم- إلى الشام وافتتح البيت المقدس، وقدم إلى الجابية - وهي قصبة حوران- فخطب بهاخطبة مشهورة متواترة عنه. قال زهير بن محمد المروزي: حدثني عبد الله بن مسلم بن هرمز أنه سمع أبا الغادية المزني، قال: قدم علينا عمر الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، وطاؤه فرو كبش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شملة أو نمرة محشوة ليفا وهي وسادته، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جيبه. رواه إسماعيل المؤدب. عن ابن هرمز، فقال: عن أبي العالية الشامي.
قنسرين:
وفيها: بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص -بعد فراغه من اليرموك- إلى قنسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة.
وفيها: افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم.
وفيا قاله ابن الكلبي: سار أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصر أهل إيلياء فسألوه الصلح على أن يكون عمر هو الذي يعطيهم ذلك ويكتب لهم أمانا، فكتب أبو عبيدة إلى عمر، فقدم عمر إلى الأرض المقدسة فصالحهم وأقام أياما ثم شخص إلى المدينة.
وفيها: كانت وقعة قرقيسياء، وحاصرها الحارث بن يزيد العامري، وفتحت صلحا.
وفيها: كتب التاريخ في شهر ربيع الأول، فعن ابن المسيب، قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي رضي الله عنه.
وفيها ندب لحرب أهل الموصل ربعي بن الأفكل.
سنة سبع عشرة:
يقال: كانت فيها وقعة جلولاء المذكورة.
وفيا: خرج عمر -رضي الله عنه- إلى سرغ، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت، فوجد الطاعون بالشام، فرجع لما حدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطاعون.
وفيها: زاد عمر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمله كما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها: كان القحط بالحجاز، وسمي عام المرادة، واستسقى عمر للناس بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بإمرة البصرة، وبأن يسير إلى كور الأهواز، فسار واستخلف على البصرة عمران بن حصين، فافتتح أبو موسى الأهواز صلحا وعنوة، فوظف عمر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربع مائة وجهد زياد في إمرته أن يخلص العنوة من الصلح فما قدر.
قال خليفة: وفيها شهد أبو بكرة، ونافع ابنا الحارث، وشبل بن معبد، وزياد على المغيرة بالزنى ثم نكل بعضهم، فعزله عمر عن البصرة وولاها أبا موسى.
وقال خليفة: حدثنا ريحان بن عصمة، قال: حدثنا عمر بن مرزوق، عن أبي فرقد، قال: كنا مع أبي موسى الأشعري بالأهواز، وعلى خيله تجافيف الديباج.
وفيها: تزوج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل.
سنة ثماني عشرة:
فيها قال ابن إسحاق: استسقى عمر للناس وخرج ومعه العباس، فقال: "اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك".
وفيها: افتتح أبو موسى جنديسابور والسوس صلحا، ثم رجع إلى الأهواز.
وفيا: وجه سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان بعد جلولاء، فافتتحها عنوة. ويقال: بل وجه هاشم بن عتبة، ثم انتقضوا حتى ساروا إلى نهاوند، ثم سار هاشم إلى ماه فأجلاهم إلى أذربيجان، ثم صالحوا.
ويقال: فيها افتتح أبو موسى رامهرمز، ثم سار إلى تستر فنازلها.
وقال أبو عبيدة بن المثنى: فيها حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها من الجوع، فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرما على أن خلى لهم المدينة.
وفيها: نزل الناس الكوفة، وبناها سعد باللبن، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل.
وفيها: كان طاعون عمواس بناحية الأردن، فاستشهد فيه خلق من المسلمين. ويقال: إنه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون.
وفيها: افتتح أبو موسى الأشعري الرها وسميساط عنوة.
وفي أوئلها: وجه أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا
موسى قد قدم من البصرة، فمضيا فافتتحا حران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل: صلحا.
وفيها: سار عياض بن غنم إلى الموصل فافتتحها ونواحيها عنوة.
وفيها: بني سعد جامع الكوفة.
سنة تسع عشرة:
قال خليفة: فيها فتحت قيسارية، وأمير العسكر معاوية بن أبي سفيان وسعد بن عامر بن حذيم، كل أمير على جنده، فهزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ورخها ابن الكلبي.
وأما ابن إسحاق فقال: سنة عشرين.
وفيها: كانت وقعة صهاب -بأرض فارس- في ذي الحجة، وعلى المسلمين الحكم بن أبي العاص، فقتل سهرك مقدم المشركين.
قال خليفة: وفيها أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي.
وقيل: فيها فتحت تكريت.
ويقال: فيها كانت جلولاء، وهي وقعة أخرى كانت بالعجم أو بفارس.
وفيها: وجه عمر عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة، فكان عندها شيء من قتال، أصيب فيه: صفوان بن المعطل بن رحضة السلمي الذكواني.
وفيها: توفي يزيد بن أبي سفيان في قول، وقد تقدم.
سنة عشرين: فتح مصر:
فيها: فتحت مصر.
روى خليفة -عن غير واحد- وغيره أن فيها كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عمر الزبير بن العوام مددا له، ومعه بسر بن أرطأة، وعمير بن وهب الجمحي، وخارجة بن حذافة العدوي، حتى أتى باب أليون فتحصنوا، فافتتحها عنوة وصالحه أهل الحصن، وكان الزبير أول من ارتقى سور المدينة ثم تبعه الناس، فكلم الزبير عمرا أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عمر، فكتب عمر: أكلة، وأكلات خير من أكلة، أقروها.
وعن عمرو بن العاص أنه قال على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد، إن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمست إلا أهل أنطابلس، فإن لهم عهدا نفي به.
وعن علي بن رباح، قال: المغرب كله عنوة.
وعن ابن عمر قال: افتتحت مصر بغير عهد وكذا قال جماعة.
وقال يزيد بن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية.
غزوة تستر:
قال الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه وعمه أن أبا موسى لما فرغ من الأهواز، ونهر تيرى، وجنديسابور، ورامهرمز، توجه إلى تستر، فنزل باب الشرقي، وكتب يستمد عمر، فكتب إلى عمار بن ياسر أن أمده، فكتب إلى جرير وهو بحلوان أن سر إلى أبي موسى، فسار في ألف فأقاموا شهرا، ثم كتب أبو موسى إلى عمر: إنهم لم يغنوا شيئا فكتب عمر إلى عمار أن سر بنفسك، وأمده عمر من المدينة.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: أقاموا سنة أو نحوها، فجاء رجل من تستر فقال لأبي موسى: أسألك أن تحقن دمي وأهل بيتي ومالي، على أن أدلك على المدخل، فأعطاه، قال: فابغني إنسانا سابحا ذا عقل يأتيك بأمر بين، فأرسل معه مجزأة بن ثور السدوسي، فأدخل من مدخل الماء ينبطح على بطنه أحيانا ويحبو حتى دخل المدينة وعرف طرقها، وأراه العلج الهرمزان صاحبها، فهم بقتله ثم ذكر قول أبي موسى: "لا تسبقني بأمر". ورجع إلى أبي موسى، ثم إنه دخل بخمسة وثلاثين رجلا كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السور وكبروا، واقتتلوا هم ومن عندهم على السور، فقتل مجزأة وفتح أولئك البلد، فتحصن الهرمزان في برج.
وقال قتادة، عن أنس: لم نصل يومئذ الغداة حتى انتصف النهار فما يسرني بتلك الصلاة الدنيا كلها.
وقال ابن سيرين: قتل يومئذ البراء بن مالك.
وقيل: أول من دخل تستر عبد الله بن مغفل المزني.
وعن الحسن، قال: حوصرت تستر سنتين.
وعن الشعبي قال: حاصرهم أبو موسى ثمانية عشر شهرا، ثم نزل الهرمزان على حكم عمر.
فقال حميد، عن أنس: نزل الهرمزان على حكم عمر. فلما انتهينا إليه -يعني إلى عمر- بالهرمزان قال: تكلم قال: كلام حي أو كلام ميت؟ قال: تكلم فلا بأس، قال: إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم، كنا نغصبكم ونقتلكم ونفعل، فلما كان الله معم لم تكن لنا بكم يدان. قال: يا أنس ما تقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عددا كثيرا وشوكة شديدة، فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم، قال: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بن ثور!؟ فلما أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم فلا بأس، قال: لتأتيني بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزبير فشهد معي، فأمسك عنه عمر، وأسلم الهرمزان، وفرض له عمر، وأقام بالمدينة.
وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنه قسطنطين.
وفيها قسم عمر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسم وادي القرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قاله محمد بن جرير الطبري.
سنة إحدى وعشرين:
قيل: فيها فتح عمرو بن العاص الإسكندرية. وقد مرت.
وفيها شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وتعنتوه، فصرفه عمر وولى عمار بن ياسر على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة أرض السواد.
وفيها: سار عثمان بن أبي العاص فنزل توج ومصرها.
وبعث سوار بن المثنى العبدي إلى سابور، فاستشهد، فأغار عثمان بن أبي العاص على سيف البحر والسواحل، وبعث الجارود بن المعلى فقتل الجارود أيضا.
عن المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، وعن غير واحد أن عمرا سار من فلسطين بالجيش من غير أمر عمر إلى مصر فافتتحها، فعتب عمر عليه إذ لم يعلمه، فكتب يستأذن عمر بمناهضة أهل الإسكندرية، فسار عمرو في سنة إحدى وعشرين، وخلف على الفسطاط خارجة بن حذافة العدوي، فالتقى القبط فهزمهم بعد قتال شديد، ثم التقاهم عند الكريون فقاتلوا قتالا شديدا، ثم انتهى إلى الإسكندرية، فأرسل إليه المقوقس يطلب الصلح
والهدنة منه، فأبى عليه، ثم جد في القتال حتى دخلها بالسيف، وغنم ما فيها من الروم، وجعل فيها عسكرا عليهم عبد الله بن حذافة السهمي، وبعث إلى عمر بالفتح، وبلغ الخبر قسنطين بن هرقل فبعث خصيا له يقال له: منويل في ثلاث مائة مركب حتى دخلوا الإسكندرية، فقتلوا بها المسلمين ونجا من هرب، ونقض أهلها، فزحف إليها عمرو في خمسة عشر ألفا، ونصب عليها المجانيق، وجد في القتال حتى فتحها عنوة، وخرب جدرها. رؤي عمرو يخرب بيده. رواه حماد بن سلمة عن أبي عمران، عن علقمة.
نهاوند:
وقال النهاس بن قهم، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن السائب بن الأقرع، قال: زحف للمسلمين زحف لم ير مثله قط، زحف لهم أهل ماه وأهل أصبهان وأهل همذان والري وقومس ونهاوند وأذربيجان، قال: فبلغ ذلك عمر -رضي الله عنه- فشاور المسلمين، فقال علي -رضي الله عنه-: أنت أفضلنا رأيا وأعلمنا بأهلك. فقال: لأستعملن على الناس رجلا يكون لأول أسنة يلقاها، يا سائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مقرن، فليسر بثلثي أهل الكوفة، وليبعث إلى أهل البصرة، وأنت على ما أصابوا من غنيمة، فإن قتل النعمان فحذيفة الأمير، فإن قتل حذيفة فجرير بن عبد الله، إن قتل ذلك الجيش فلا أراك.
وروى علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان، وفارس وأذربيجان فأيتهن يبدأ، فقال: يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، إن قطعت أحد الجناحين مال الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عمر المسجد فوجد النعمان بن مقرن يصلي فسرحه وسرح مع الزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معد يكرب، والأشعث بن قيس، وعبد الله بن عمر، فسار حتى أتى نهاوند، فذكر الحديث إلى أن قال النعمان لما التقى الجمعان: إن قتلت فلا يلوي علي أحد، وإني داعي الله بدعوة فأمنوا ثم دعا: اللهم ارزقني الشهادة بنصر المسلمين والفتح عليهم، فأمن القوم وحملوا فكان النعمان أول صريع.
وروى خليفة بإسناد، قال: التقوا بنهاوند يوم الأربعاء فانكشفت مجنبة المسلمين اليمنى شيئا، ثم التقوا يوم الخميس فثبتت الميمنة وانكشف أهل الميسرة، ثم التقوا يوم الجمعة فأقبل النعمان يخطبهم ويحضهم على الحملة، ففتح الله عليهم.
وقال زياد الأعجم: قدم علينا أبو موسى بكتاب عمر إلى عثمان بن أبي العاص: أما بعد، فإني قد أمددتك بأبي موسى، وأنت الأمير فتطاوعا والسلام، فلما طال حصار إصطخر بعث عثمان بن أبي العاص عدة أمراء فأغاروا على الرساتيق.
وقال ابن جرير في وقعة نهاوند: لما انتهى النعمان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حسك الحديد، فبعث عيونا فساروا لا يعلمون، فزجر بعضهم فرسه وقد دخل في حافره حسكة، فلم يبرح فنزل فإذا الحسك فأقبل بها، وأخبر النعمان فقال النعمان: ما ترون؟ فقالوا: تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك فتأخ النعمان وكنست الأعاجم الحسك، وخرجوا فعطف عليهم النعمان وعبأ كتائبه وخطب الناس، وقال: إن أصبت فعليكم حذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بن مكشوح، فوجد المغيرة في نفسه إذ لم يستخلفه، قال: وخرجت الأعاجم وقد شدوا أنفسهم في السلاسل لئلا يفروا، وحمل عليهم المسلمون، فرمي النعمان بسهم فقتل، ولفه أخوه سويد بن مقرن ف ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله عليهم، ودفع الراية إلى حذيفة.
وقتل الله ذا الحاجب، يعني مقدمهم، وافتتحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة.
وبعث عمر السائب بن الأقرع مولى ثقيف -وكان كاتبا حاسبا- فقال: إن فتح الله على الناس فاقسم عليهم فيئهم واعزل الخمس. قال السائب: فإني لأقسم بين الناس إذ جاءني أعجمي، فقال: أتؤمنني على نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يكون لك ولصاحبك؟ قلت: نعم، وبعثت معه رجلا، فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا الدر والزبرجد واليواقيت، قال: فاحتملتهما معي، وقدمت على عمر بهما فقال: أدخلهما بيت المال، ففعلت ورجعت إلى الكوفة سريعا، فما أدركني رسول عمر إلا بالكوفة، أناخ بعيره على عرقوب بعيري، فقال: الحق بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال: ما لي ولابن أم السائب، وما لابن أم السائب ولي، قلت: وما ذاك؟ قال: والله ما هو إلا أن نمت، فباتت ملائكة تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارا يقول: "لنكوينك بهما"، فأقول: "إني سأقسمهما بين المسلمين"، فخذهم عني لا أبا لك فالحق بهما فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم، قال: فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغشيني التجار، فابتاعهما مني عمرو بن حريث بألف ألف درهم، ثم خرج بهما إلى أرض العجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهل الكوفة مالا.
وفيها: سار عمرو بن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالحهم على ثلاث عشر ألف دينار.
وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وملقية، وغير ذلك.
وأبو هاشم من مسلمة الفتح، حسن إسلامه، وله حديث في سنن النسائي وغيرها. روى عنه: أبو هريرة، وسمرة بن سهم وهو خال معاوية. شهد فتوح الشام.
سنة اثنتين وعشرين:
فيها: فتحت أذربيجان على يد المغيرة بن شعبة، قاله ابن إسحاق فيقال: إنه صالحهم على ثمان مائة ألف درهم.
وقال أبو عبيدة: افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة ومعه أهل الكوفة، وفيهم حذيفة فافتتحها بعد قتال شديد. فالله أعلم.
وفيها: غزا حذيفة مدينة الدينور فافتتحها عنوة، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت.
ثم غزا حذيفة ماه سندان فافتتحها عنوة، على خلف في ماه وقيل: افتتحها سعد، فانتقضوا.
وقال طارق بن شهاب: غزا أهل البصرة ماه فأمدهم أهل الكوفة، عليهم عمار بن ياسر، فأرادوا أن يشركوا في الغنائم، فأبى أهل البصرة، ثم كتب إليهم عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة.
وقال أبو عبيدة: ثم غزا حذيفة همذان، فافتتحها عنوة ولم تكن فتحت. وإليها انتهى فتوح حذيفة. وكل هذا في سنة اثنتين.
قال: ويقال: همذان افتتحها المغيرة بن شعبة سنة أربع وعشرين، ويقال: افتتحها جرير بن عبد الله بأمر المغيرة.
وقال خليفة بن خياط: فيها افتتح عمرو بن العاص أطرابلس المغرب ويقال: في السنة التي بعدها.
وفيها: عزل عمار عن الكوفة.
وفيها: افتتحت جرجان.
وفيها: فتح سويد بن مقرن الري، ثم عسكر وسار إلى قومس فافتتحها.
وولد فيها يزيد بن معاوية.
وقال محمد بن جرير: إن عمر أقر على فرج الباب عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وأمره
بغزو الترك، فسار بالناس حتى قطع الباب، فقال له شهريران: ما تريد أن تصنع؟ قال: أناجزهم في ديارهم، وبالله إن معي لأقواما لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم السد.
ولما دخل عبد الرحمن على الترك حال الله بينهم وبين الخروج عليه، وقالوا: ما اجترأ على هذا الأمر إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، ثم هربوا وتحصنوا، فرجع بالظفر والغنيمة. ثم إنه غزاهم مرتين في خلافة عثمان فيسلم ويغنم، ثم قاتلهم فاستشهد -أعني عبد الرحمن بن ربيعة -رحمه الله تعالى- فأخذ أخوه سلمان بن ربيعة الراية، وتحيز بالناس، قال: فهم -يعني الترك- يستسقون بجسد عبد الرحمن حتى الآن.
خبر السد:
الوليد: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة قال: أخبرني رجلان، عن أبي بكرة الثقفي، أن رجلا أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت السد، قال: كيف رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مرسلا، وزاد: طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأيته، قلت: يريد حمرة النحاس وسواد الحديد.
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم، حتى إذا كادوا أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفروه غدا، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا، حتى إذا كادوا أن يروا الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غدا، فيعودن إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه، فيخرجون على الناس، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع فيها كهيئة الدماء، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا فيقتلهم بها".
ذكر ابن جرير في "تاريخه" من حديث عمرو بن معد يكرب عن مطر بن بلج التميمي، قال: دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهريران عنده، فأقبل رجل عليه شحوبة حتى دخل على عبد الرحمن فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمنى أرضه حمراء ووشيه أسود. فتساءلا، ثم إن شهريران، قال: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل؟ هذا رجل بعثته نحو السد منذ سنتين ينظر ما حاله ومن دونه، وزودته مالا عظيما، وكتبت له إلى من يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى من وراء، وزودته لكل ملك هدية، ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه، حتى انتهى إلى ذلك السد في ظهره، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بأزياره ومعه عقابه وأعطاه حريرة، فلما انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السد خندقا أشد سوادا من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثم ذهبت لأنصرف، فقال لي البازيار: على رسلك أكافك؛ لأنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قال: فشرح بضعة لحم معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضت عليها العقاب، وقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتة فأعطانيا وها هي ذه، فتناولها شهريران فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثم ردها، فقال شهريران: إن هذا لخير من هذا -يعني الباب- وأيم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني، وأيم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أو وفى ملككم الأكبر.
فأقبل عبد الرحمن على الرسول وقال: ما حال السد وما شبهه؟ فقال: مثل هذا الثوب الذي على مطر، فقال مطر: صدق والله الرجل لقد بعد ورأى ووصف صفة الحديد والصفر.
فقال عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك؟ قال: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلا ألف في تلك البلدان.
وحدث سلام الترجمان قال: لما رأى الواثق بالله كأن السد الذي بناه ذو القرنين قد فتح وجهني وقال لي: عاينه وجئني بخبره، وضم إلي خمسين رجلان، وزودنا، وأعطانا مائتي بغل تحمل الزاد، فشخصنا من سامراء بكتابه إلى إسحاق وهو بتفليس، فكتب لا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللان، وكتب لنا ملك اللان إلى فيلانشاه، وكتب لنا إلى ملك الخزر، فوجه معنا خمسة أدلاء، فسرنا من عنده ستة وعشرين يوما، ثم صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنا نشتم الخل، فسرنا فيها عشرة أيام، ثم صرنا إلى مدائن خراب ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعة وعشرين يوما فسألنا الأدلاء عن تلك المدن، فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثم صرنا إلى حصون عند السد بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية، مسلمون يقرؤون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب فسألونا، فقلنا: نحن رسل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين! فنقول: نعم، فقالوا: أشيخ هو أم شاب؟ قلنا: شاب، قالوا: أين يكون؟ فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها سر من رأى، فقالوا: ما سمعنا بهذا قط.
ثم صرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة ذراع، فرأينا عضادتين مبنيتين مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وكله بناء بلبن من حديد مغيب في نحاس، في سمك خمسين ذراعا، قد ركب على العضادتين على كل واحد بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة، وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مدى البصر، وفوق ذلك شرف حديد لها قرنان يلج كل واحد منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديد له مصراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ضراع في ثخانة خمسة أذرع وعليه قفل طول سبعة أذرع في غلظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلق طوله أكثر من طول القفل، وقفيزاه كل واحد منهما ذراعان، وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف، في سلسلة طولها ثمانية أذرع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق.
ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس، مع كل فارس مرزبة من حديد فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يتسمعون، فيسمعون دويا كالرعد.
وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحد منهما مائتا ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كل حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آلة بناء السد من قدور ومغارف وفضلة اللبن قد التصق بعضه ببعض من الصدإ، وطول اللبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة أعدادا منهم فوق الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبرا ونصفا، فلما انصرفنا أخذ بنا الأدلاء، إلى ناحية خراسان، فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا.
ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر، قال سلام الترجمان: فأخبرته خبرنا، فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كل رجل معي بخمس مائة درهم، ووصلنا إلى سر من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرا. قال مصنف كتاب "المسالك والممالك": هكذا أملى علي سلام الترجمان.
سنة ثلاث وعشرين:
فيها: بينما عمر -رضي الله عنه- يخطب إذ قال: "يا سارية الجبل"، وكان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدئلي إلى فسا ودارابجرد فحاصرهم، ثم إنهم تداعوا وجاؤوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد،
فلجؤوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها سفط جوهر، فبعث به إلى عمر فرده وأمره أن يقسمه بين المسلمين، وسأل النجاب أهل المدنة عن الفتح وهل سمعوا شيئا، فقال: نعم "يا سارية الجبل الجبل" وقد كدنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النصر. ويروى أن عمر -رضي الله عنه- سئل فيما بعد عن كلامه "يا سارية الجبل" فلم يذكره.
وفيها: كان فتح كرمان، وكان أميرها سهيل بن عدي.
وفيها: فتحت سجستان، وأميرها عاصم بن عمرو.
وفيا: فتحت مكران، وأميرها الحكم بن عثمان، وهي من بلاد الجبل.
وفيها: رجع أبو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها.
وفيها: غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية.
ذكر من توفي في خلافة عمر -رضي الله عنه- مجملا:
الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي.
أحد المؤلفة قلوبهم وأحد الأشراف أقطعه أبو بكر، له ولعيينة بن بدر، فعطل عليهما عمر ومحا الكتاب الذي كتب لهما أبو بكر، وكانا من كبار قومهما، وشهد الأقرع مع خالد حرب أهل العراق وكان على المقدمة.
وقيل: إن عبد الله بن عامر استعمله على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بالجوزجان وذلك في خلافة عثمان.
وقال ابن دريد: اسمه فراس بن حابس بن عقال، ولقب الأقرع لقرع برأسه.
الحباب بن المنذر بن الجموح، أبو عمرو الأنصاري، أحد بني سلمة بن سعد، وقيل: كنيته أبو عمر، وكان يقال له: ذو الرأي.
أشار يوم بدر على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل على آخر ماء ببدر ليبقى المشركون على غير ماء، وهو الذي قال يوم سقيفة بني ساعدة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير. والجذل: هو عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به. والعذق: النخلة، والمرجب: أن تدعم النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لكثرة حملها أن تقع، يقال: رجبتها فهي مرجبة. روى عنه: أبو الطفيل، وتوفي بالمدينة في خلافة عمر.
علقمة بن علاثة بن عوف العامري، الكلابي، من المؤلفة قلوبهم.
أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشراف قومه، وكان يكون بتهامة، وقد قدم دمشق قبل فتحها في طلب ميراث له، ووفد على عمر في خلافته. روى عنه: أنس.
علقمة بن مجزز بن الأعور المدلجي.
استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض جيوشه، وولاه الصديق حرب فلسطين، وحضر الجابية مع عمر، ثم سيره عمر في جيش إلى الحبشة في ثلاثة مائة، فغرقوا كلهم، وقيل: كان ذلك في أيام عثمان بن عفان. وأبوه مجزز هو المعروف بالقيافة.
عمرو بن عوف، حليف بني عامر من لؤي من مولدي مكة، سماه ابن إسحاق عمرا، وسماه موسى بن عقبة عميرا. شهد بدرا وأحدا. وروى عنه المسور بن مخرمة حديث قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين. أخرجه البخاري، وصلى عليه عمر رضي الله عنه.
عمارة بن الوليد، أخو خالد بن الوليد، المخزومي.
قال الوقادي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، قال: لما كان من أمر عمرو بن العاص ما كان بالحبشة، وصنع النجاشي، بعمارة بن الوليد ما صنع، وأمر السواحر فنفخن في إحليله، فهام مع الوحش، فخرج إليه في خلافة عمر عبد الله بن أبي ربيعة ابن عمه فرصده على ماء بأرض الحبشة كان يرده فأقبل في حمر الوحش، فلما وجد ريح الإنس هرب حتى إذا جهده العطش ورد فشرب، قال عبد الله: فالتزمته فجعل يقول: يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكوني. وكان عبد الله يسمى بحيرا، قال: فضبطته فمات في يدي مكانه، فواريته ثم انصرفت، وكان شعره قد غطى كل شيء منه.
غيلان بن سلمة الثقفي: له صحبة ورواية، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة، وكان شاعرا محسنا وفد قبل الإسلام على كسرى فسأله أن يبني له حصنا في الطائف. أسلم زمن الفتح. روى عنه: ابنه عروة، وبشر بن عاصم.
معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب الجمحي، أخو حاطب وخطاب، وأمهم قيلة أخت عثمان بن مظعون.
أسلم معمر قبل دخول دار الأرقم، وهاجر، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن عفراء وشهد بدرا.
ميسرة بن مسروق العنسي: شيخ صالح يقال: له صحبة شهد اليرموك، وروى عن أبي عبيدة. وعنه أسلم مولى عمر، ودخل الروم أميرا على ستة آلاف، فوغل فيها وقتل وسبى وغنم فجمعت له الروم، وذلك في سنة عشرين، فواقعهم ونصره الله عليهم، وكانت وقعة عظيمة.
الهرمزان صاحب تستر: قد مر من شأنه في سنة عشرين، وهو من جملة الملوك الذين تحت يد يزدجرد.
قال ابن سعد: بعثه أبو موسى الأشعري إلى عمر ومعه اثنا عشر نفسا من العجم، عليهم ثياب الديباج، ومناطق الذه وأساورة الذهب، فقدموا بهم المدينة، فعجب الناس من هيئتهم، فدخلوا فوجدو عمر في المسجد نائما متوسدا رداءه، فقال الهرمزان: هذا ملككم؟
قالوا: نعم قال: أما له حاجب ولا حارس؟ قالوا: الله حارسه حتى يأتيه أجله، قال: هذا الملك الهني.
فقال عمر: الحمد لله الذي أذل هذا وشيعته بالإسلام، ثم قال للوفد: تكلموا. فقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي أنجز وعده وأعز دينه وخذل من حاده، وأورثنا أرضهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم. فبكى عمر ثم قال للهرمزان: كيف رأيت صنيع الله بكم؟ فلم يجبه، قال: مالك لا تتكلم؟ قال: أكلام حي أم كلام ميت؟ قال: أولست حيا! فاستسقى الهرمزان، فقال عمر: لا يجمع عليك القتل والعطش، فأتوه بماء فأمسكه، فقال عمر: اشرب لا بأس عليك، فرمى بالإناء وقال: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نتعبدكم ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالا، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة.
فأمر عمر بقتله، فقال: أولم تؤمني! قال: كيف؟ قال: قلت لي: تكلم لا بأس عليك، وقلت: اشرب لا أقتلك حتى تشربه، فقال الزبير وأنس: صدق قال عمر: قاتله الله أخذ أمانا وأنا لا أشعر، فنزع ما كان عليه، فقال عمر لسراقة بن مالك بن جعشم وكان أسود نحيفا: ألبس سواري الهرمزان، فلبسهما ولبس كسوته.
فقال عمر: الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم وألبسها سراقة، ثم دعا الهرمزان إلى الإسلام فأبى، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين فرق بين هؤلاء. فحمل عمر الهرمزان وجفينة وغيرهما في البحر، وقال: اللهم اكسر بهم، وأراد أن يسير بهم إلى الشام فكسر بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عمر في ألفين ألفين، وسمى الهرمزان عرفطة.
قال المسور بن مخرمة: رأيت الهرمزان بالروحاء مهلا بالحج مع عمر.
وروى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت الهرمزان مهلا بالحج مع عمر، وعليه حلة حبرة.
وقال علي بن زيد بن جدعان عن أنس قال: ما رأيت رجلا أخمص بطنا ولا أبعد ما بين المنكبين من الهرمزان.
عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر -ولم تجرب عليه كذبة قط- قال: انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجى فتبعتهم، وسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا بما قتل عمر، فنظروا بما قتل عمر، فنظروا فوجدوه خنجرا على تلك الصفة، فخرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني ننظر فرسا لي -وكان بصيرا بالخيل- فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حد السيف قال: لا إله إلا الله فقتله. ثم أتى جفينة وكان نصرانيا، فلما أشرف له علاه بالسيف فصلب بين عينيه. ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، وأظلمت الأرض يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول: والله لا أترك المدينة سبيا إلا قتلته وغيرهم، كأنه يعرض بناس من المهاجرين، فجعلوا يقولون له: ألق السيف فأبى ويهابونه أن يقربوا منه حتى أتاه عمرو بن العاص فقال: أعطني السيف يا ابن أخي. فأعطاه إياه، ثم ثار إليه عثمان فأخذ برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما، فملا ولي عثمان، قال: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فأشار المهاجرون بقتله، وقال جماعة الناس: قتل عمر بالأمس ويتبعونه ابنه اليوم! أبعد الله الهرمزان وجفينة، فقال عمرو: إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر في ولايتك فاصفح عنه، فتفرق الناس على قولم عمرو، وودى عثمان الرجلين والجارية.
رواه ابن سعد عن الواقدي عن معمر، وزاد فيه: كان جفينة من نصارى الحيرة وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص يعلم الناس الخط بالمدينة، وقال فيه: وما أحسب عمرا كان يومئذ بالمدينة بل بمصر إلا أن يكون قد حج، قال: وأظلمت الأرض فعظم ذلك في النفوس وأشفقوا أن تكون عقوبة.
وعن أبي وجزة، عن أبيه قال: رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان، وعثمان يقول له: قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة وآخر له ذمة، ما في الحق تركك. وبقى عبيد الله بن عمر وقتل يوم صفين مع معاوية.
معمر، عن الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أن أباه قال: يرحم الله حفصة إن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة.
قال معمر: بلغنا أن عثمان قال: أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية، وإني قد جعلتها دية.
وذكر محمد بن جرير الطبري بإسناد له أن عثمان أقاد ولد الهرمزان من عبيد الله، فعفا ولد الهرمزان عنه.
هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمية، أم معاوية بن أبي سفيان.
أسلمت زمن الفتح وشهدت اليرموك، وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطي ما يكفيني وولدي، قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
وكان زوجها قبل أبي سفيان حفص بن المغيرة عم خالد بن الوليد، وكان من الجاهلية.
وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهن، ثم إن أبا سفيان طلقا في آخر الأمر، فاستقرضت من عمر من بيت المال أربعة آلاف درهم، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت. وأتت ابنها معاوية وهو أمير على الشام لعمر، فقالت: أي بني إنه عمر وإنما يعمل لله ولها شعر جيد.
واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز الحنظلي اليربوعي، حليف بني عدي.
من السابقين الأولين، أسلم قبل دار الأرقم، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء بن معرور، وكان واقد في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة، فقتل واقد عمرو بن الحضرمي، فكانا أول قاتل ومقتول في الإسلام. وتوفي واقد في خلافة عمر.
أبو خراش الهذلي الشاعر، اسمه خويلد بن مرة، من بني قرد بن عمرو الهذلي.
وكان أبو خراش ممن يعدو على قدميه فيسبق الخيل، وكان في الجاهلية من فتاك العرب ثم أسلم.
قال ابن عبد البر: لم يبق عربي بعد حنين والطائف إلا أسلم، فمنهم من قدم ومنهم من لم يقدم، وأسلم أبو خراش وحسن إسلامه. وتوفي زمن عمر، أتاه حجاج فمشى إلى الماء ليملأ لهم فنهشته حية، أقبل مسرعا فأعطاهم الماء وشاة وقدرا ولم يعلمهم بما تم له، ثم أصبح وهو في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه.
أبو ليلى المازني، واسمه عبد الرحمن بن كعب بن عمرو.
شهد أحدا وما بعدها، وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم: {تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون}.
أبو محجن الثقفي: في اسمه أقوال قدم مع وفد ثقيف فأسلم، ولا رواية له، وكان فارس ثقيف في زمانه إلا أنه كان يدمن الخمر زمان وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يستعين به وقد جلد مرارا، وحتى إن عمر نفاه إلى جزيرة، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية، فكتب عمر إلى سعد فحبسه. فلما كان يوم قس الناطف، والتحم القتال سأل أبو محجن من امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرسا لسعد، وعاهدها إن سلم أن يعود إلى القيد، فحلته وأعطته فرسا فقاتل وأبلى بلاء جميلا ثم عاد إلى قيده.
قال ابن جرير: بلغني أنه حد في الخمر سبع مرات.
وقال أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر سجنوه، فلماكان يوم القادسية رآهم فكلم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرسا وسلاحا، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فبقي يتعجب ويقول: من الفارس؟ فلم يلبثوا أن هزمهم ورجع أبو محجن وتقيد، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائله قالت: والله إنه لأبو محجن، وحكت له، فدعا به وحل قيوده، وقال: لا نجلدك على خمر أبدا فقال: وأنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها لجلدكم، فلم يشربها بعد.
روى نحوه أبو معاوية الضرير، عن عمرو بن مهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم القادسية أتى بأبي محجن سكران فقيده سعد، وذكر الحديث.
ونقل أهل الأخبار أن أبا محجن هو القائل:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة | تروي عظامي بعد موتي عروقها |
ولا تدفنني بالفلاة فإنني | أخاف إذا ما مت ألا أذوقها |
فزعم الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان -أو قال: في نواحي جرجان- وقد نبتت عليه كرمة وظللت وأثمرت، فعجب الرجل وتذكر شعره.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 2- ص: 397
عمر بن الخطاب قال الشيخ رحمه الله تعالى: وثاني القوم عمر الفاروق ذو المقام الثابت المأنوق، أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق، وفرق به بين الفصل والهزل، وأيد بما قواه به من لوامع الطول، ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد، وبدد به مواد التنديد، فظهرت الدعوة، ورسخت الكلمة، فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة ما نشأت لهم من الدولة، فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت، وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت، غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين، لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم، ولا يكترث لممانعتهم وتعاطيهم، اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم، واستنصارا بمن هو قاصمهم وشانيهم، محتملا لما احتمل الرسول، ومصطبرا على المكاره لما يؤمل من الوصول، ومفارقا لمن اختار التنعيم والترفيه، ومعانقا لما كلف من التشمر والتوجيه، المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين، والموافقة في الأحكام لرب العالمين، السكينة تنطق على لسانه، والحق يجري الحكمة عن بيانه، كان للحق مائلا، وبالحق صائلا، وللأثقال حاملا، ولم يخف دون الله طائلا. وقد قيل: إن التصوف ركوب الصعب في جلال الكرب
حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لما كان يوم أحد جاء أبو سفيان بن حرب فقال: أفيكم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه»، ثم قال: أفيكم [ص:39] محمد؟ فلم يجيبوه، ثم قال الثالثة: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه، ثم قال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه، قالها ثلاثا، ثم قال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ قالها ثلاثا، فلم يجيبوه، فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأنا، أحياء ولك منا يوم سوء، فقال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وقال: اعل هبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: قولوا: «الله أعلى وأجل»، قال: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: قولوا: «الله مولانا، ولا مولى لكم»
حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب، ثنا أبو معشر الدارمي، ثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة عن البناني، عن عكرمة، " أن أبا سفيان بن حرب، لما قال: اعل هبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: " قل: الله أعلى وأجل "، فقال أبو سفيان: لنا عزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: " قل: الله مولانا، والكافرون لا مولى لهم "
حدثنا فاروق الخطابي، ثنا زياد الخليلي، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا محمد بن فليح، ثنا هارون، ثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري، قال: لما كان يوم أحد قال أبو سفيان: اعل هبل، يفخر بآلهته، فقال عمر: اسمع يا رسول الله ما يقول عدو الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناده: الله أعلى وأجل " قال الشيخ رحمه الله: أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالمجاوبة من بين أصحابه لما اختص به من الصولة والمهابة، وما عهد منه في ملازمته للتفريد، ومحاماته على معارضة التوحيد، وأنه لا ينهنهه عن مصاولتهم العدة والعديد قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه للدين معلنا، ولأعمال البر مبطنا. وقد قيل: إن التصوف الوصول بما علن إلى ظهور ما بطن
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عمي أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر، قال [ص:40]: قال عمر بن الخطاب: " كان أول إسلامي أن ضرب، أختي المخاض، فأخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قارة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر وعليه نعلاه فصلى ما شاء الله ثم انصرف، قال: فسمعت شيئا لم أسمع مثله، قال: فخرجت فاتبعته فقال: «من هذا؟» قلت: عمر، قال: «يا عمر ما تتركني ليلا ولا نهارا»، فخشيت أن يدعو علي فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، قال: فقال: «يا عمر استره»، قال: فقلت: والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك "
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الحميد بن صالح، ثنا محمد بن أبان، عن إسحاق بن عبد الله عن بن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: سألت عمر رضي الله تعالى عنه: " لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: الله لا إله إلا هو، له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قالت أختي: هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته فقال: «ما أنت بمنته يا عمر؟» قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال: فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: «بلى والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم»، قال: فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلي قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق، وفرق الله بين الحق والباطل "
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا أبو حصين القاضي الوادعي، ثنا يحيى بن [ص:41] عبد الحميد، ثنا حصين بن عمرو، ثنا مخارق، عن طارق، عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه قال: «لقد رأيتني وما أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا تسعة وثلاثون رجلا، وكنت رابع أربعين رجلا، فأظهر الله دينه، ونصر نبيه، وأعز الإسلام» قال يحيى: وحدثني أبي، عن عمه عبد الرحمن بن صفوان، عن طارق، عن عمر رضي الله تعالى عنه مثله
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا علي بن ميمون العطار، والحسن البزاز، قالا: ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني، ثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال: قال لنا عمر رضي الله تعالى عنه: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس عداوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصفا، فجلست بين يديه فأخذ بمجمع قميصي ثم قال: «أسلم يا ابن الخطاب، اللهم اهده»، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، قال: فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرق مكة، قال: وقد كانوا مستخفين، وكان الرجل إذا أسلم تعلق الرجال به فيضربونه ويضربهم، فجئت إلى خالي فأعلمته، فدخل البيت وأجاف الباب، قال: وذهبت إلى رجل من كبار قريش فأعلمته فدخل البيت، فقلت في نفسي: ما هذا بشيء، الناس يضربون وأنا لا يضربني أحد، فقال رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم، قال: إذا جلس الناس في الحجر فائت فلانا وقل له: صبوت، فإنه قل ما يكتم سرا، فجئته فقلت: تعلم أني قد صبوت؟ فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ، فما زالوا يضربونني وأضربهم، فقال خالي: يا قوم إني قد أجرت ابن أختي، فلا يمسه أحد، فانكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته فقلت: الناس يضربون ولا أضرب، فلما جلس الناس في الحجر أتيت خالي، قال: قلت: تسمع؟ قال: ما أسمع؟ قلت: جوارك رد عليك، قال: لا تفعل، قال: فأبيت، قال: فما شئت، قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله تعالى الإسلام " قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه مخصصا بالسكينة في [ص:42] الإنطاق، ومحرزا من القطيعة والفراق، ومشهرا في الأحكام بالإصابة والوفاق. وقد قيل: إن التصوف الموافقة للحق، والمفارقة للخلق
حدثنا محمد بن أحمد بن مخلد، ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا عثمان بن عمر، ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قال علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - «كنا نتحدث أن ملكا ينطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا الحسن بن علي بن الوليد، ثنا عبد الرحمن بن نافع، ثنا مروان بن معاوية، عن يحيى بن أيوب البجلي، عن الشعبي، عن أبي حجيفة، قال: قال علي - كرم الله وجهه - «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه» حدثنا سعد بن محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا طاهر بن أبي أحمد، ثنا أبي أحمد، ثنا أبو إسرائيل، عن الوليد بن العيزار، عن عمرو بن ميمون، عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه قال: ما كنا ننكر - ونحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون - أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله تعالى عنه
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عمرو بن أبي الطاهر، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا عبد الله بن عمر، عن جهم بن أبي الجهم، عن مسور بن مخرمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى عز وجل جعل الحق على لسان عمر وقلبه»
حدثنا محمد بن علي بن مسلم، ثنا محمد بن يحيى بن المنذر، ثنا سعيد بن عامر، ثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، رضي الله تعالى عنهما قال: " وافقت ربي عز وجل في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر " رواه حميد وعلي بن زيد والزهري، عن أنس، مثله
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا أبو نوح قراد، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا سماك أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما قال: لما كان يوم بدر فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا رضوان الله عليهم. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» [ص:43]، قال: فقلت: أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه، حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وقادتهم، فلم يهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، فأخذ منهم الفداء، قال عمر: فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قاعد وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة» لشجرة قريبة، فأنزل الله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [الأنفال: 67] إلى قوله تعالى: {لمسكم فيما أخذتم} [الأنفال: 68]- من الفداء - {عذاب عظيم} [الأنفال: 68]، ثم أحل لهم الغنائم، فلما كان يوم أحد من العام المقبل، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله عز وجل: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم - بأخذكم الفداء - إن الله على كل شيء قدير} "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن شعيب الأصبهاني، ثنا أحمد بن أبي سريج الرازي، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر الأسرى يوم بدر استشار أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال: قومك وعترتك، فخل سبيلهم، فاستشار عمر رضي الله تعالى عنه فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} [الأنفال: 67] الآية، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: «كاد أن يصيبنا في خلافك شر»
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك، ثنا إسماعيل بن عياش، قال: سمعت عمر، رضي الله تعالى عنه يقول: " لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:44] إلى الصلاة عليه، فلما قام يريد الصلاة عليه تحولت فقلت: يا رسول الله أتصلي على عدو الله ابن أبي ابن سلول القائل يوم كذا وكذا، فجعلت أعدد أيامه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، حتى أكثرت فقال: " أخر عني يا عمر، إني خيرت فاخترت، قد قيل: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، فلو أعلم أني زدت على السبعين غفر له لزدت "، ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره وفرغ من دفنه، فعجبا لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره} [التوبة: 84] الآية، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق حتى قبضه الله عز وجل " قال الشيخ رحمه الله: فأخلى همه في مفارقة الخلق، فأنزل الله تعالى الوحي في موافقته للحق، فمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم، وصفح عمن أخذ الفداء منهم لسابق علمه منهم وطوله عليهم، وكذا سبيل من اعتقد في المفتونين الفراق، أن يؤيد في أكثر أقاويله بالوفاق، ويعصم في كثير من أحواله وأفاعيله من الشقاق، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ووفاته مجامعا، ولما اختار له في يقظته ومنامه متابعا، يقتدي به في كل أحواله، ويتأسى به في جميع أفعاله. وقد قيل: إن التصوف استقامة المناهج، والتطرق إلى المباهج
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، وثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: دخلت على أبي فقلت: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وأنه لو كان راعي إبل - أو راعي غنم - ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد، فوضع رأسه ساعة ثم رفعه فقال: إن الله عز وجل يحفظ دينه، وإني إن لم أستخلف فإن [ص:45] رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف، فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف "
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، ثنا عمرو بن حمزة، قال: أخبرني سالم، عن ابن عمر، قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظر إلي، فقلت: يا رسول الله ما شأني؟ قال: «ألست الذي تقبل وأنت صائم؟» فقلت: والذي بعثك بالحق، لا أقبل وأنا صائم "
ثنا سليمان بن أحمد، ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا يحيى بن المتوكل، ثنا أبو سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جده، قال: " لبس عمر رضي الله تعالى عنه قميصا جديدا، ثم دعاني بشفرة فقال: «مد يا بني كم قميصي، والزق يديك بأطراف أصابعي، ثم اقطع ما فضل عنها» فقطعت من الكمين من جانبيه جميعا، فصار فم الكم بعضه فوق بعض، فقلت له: يا أبته لو سويته بالمقص، فقال: «دعه يا بني، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل»، فما زال عليه حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدمه "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا المقدام بن داود، ثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة، ثنا مالك بن مغول، عن نافع، عن ابن عمر، قال: " قدم على عمر رضي الله تعالى عنه مال من العراق فأقبل يقسمه، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين لو أبقيت من هذا المال لعدو إن حضر أو نائبة إن نزلت؟ فقال عمر: «ما لك قاتلك الله نطق بها على لسانك شيطان، لقاني الله حجتها، والله لا أعصين الله اليوم لغد، لا ولكن أعد لهم ما أعد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله تعالى عنه بالحقائق لهجا عروفا، وعن الأباطيل منعرجا عزوفا. وقد قيل: إن التصوف دفع دواعي الردى [ص:46] بما يرقب من نقع الصدى
حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن يزيد بن جدعان، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن الأسود بن سريع، قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك، فقال: إن ربك عز وجل يحب الحمد "، فجعلت أنشده، فاستأذن رجل طويل أصلع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسكت»، فدخل فتكلم ساعة ثم خرج فأنشدته، ثم جاء فسكتني النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا، فقلت: يا رسول الله من هذا الذي أسكتني له؟ فقال: «هذا عمر، رجل لا يحب الباطل»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا معمر بن بكار السعدي، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن الأسود التميمي، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده، فدخل رجل طوال أقنى، فقال لي: «أمسك»، فلما خرج قال: «هات»، فجعلت أنشده، فلم ألبث أن عاد، فقال لي: «أمسك»، فلما خرج قال: «هات»، فقلت: من هذا يا نبي الله الذي إذا دخل قلت: «أمسك»، وإذا خرج قلت: «هات»؟ قال: «هذا عمر بن الخطاب، وليس من الباطل في شيء» قال الشيخ رحمه الله تعالى: فالاستدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم منه رخصة وإباحة لاستماع المحامد والمدائح، فقد كان نشيده والثناء على ربه عز وجل والمدح لنبيه صلى الله عليه وسلم، وإخباره عليه الصلاة والسلام أن عمر رضي الله تعالى عنه لا يحب الباطل، أي من اتخذ التمدح حرفة واكتسابا فيحمله الطمع في الممدوحين على أن يهيم في الأودية، ويشين بفريته المحافل والأندية، فيمدح من لا يستحقه، ويضع من شأن من لا يستوجبه إذا حرمه نائلة، فيكون رافعا لمن وضعه الله عز وجل لطمعه، أو واضعا لمن رفعه الله عز وجل لغضبه، فهذا الاكتساب والاحتراف باطل، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لا يحب الباطل». فأما الشعر المحكم الموزون فهو من الحكم [ص:47] الحسن المخزون، يخص الله تعالى به البارع في العلم ذا الفنون، وقد كان أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم يشعرون
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو يزيد القراطيسي، ثنا أسد بن موسى، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأسود بن سريع، قال: " كنت أنشده - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع، فقيل: اسكت اسكت قلت: واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل: عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع " قال الشيخ رحمه الله تعالى: فكذا سبيل الأبرياء من الشرك والعناد، الأصفياء بالمعرفة والوداد، أن لا يلهيهم باطل من الفعال والمقال، وأن لا يثنيهم في توجههم إلى الحق حال من الأحوال، وأن يكونوا مع الحق على أكمل حال وأنعم بال، كان رضي الله تعالى عنه يلتمس بالذلة لمولاه القوة والتعزز، ويترك في إقامة طاعته الرفاهية والتقزز. وقد قيل: إن التصوف النبو عن رتب الدنيا، والسمو إلى المرتبة العليا
حدثنا محمد بن أحمد، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المقرئ، ثنا يحيى بن الربيع، ثنا سفيان، عن أيوب الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: " لما قدم عمر رضي الله تعالى عنه الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره ونزع خفيه فأمسكهما، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال أبو عبيدة: لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض، فصك في صدره وقال: «أوه لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله برسوله، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله». رواه الأعمش عن قيس بن مسلم مثله
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن شبل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن قيس، قال: لما قدم عمر رضي الله تعالى عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: «لا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا، وأشار بيده إلى السماء، خلوا سبيل جملي»
حدثنا محمد بن معمر، ثنا [ص:48] يحيى بن عبد الله، ثنا الأوزاعي، أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل الليل فرأه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: «ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع؟»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن عبد الله بن رسته، ثنا شيبان، وثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا عبد الصمد، ثنا أبو الأشهب، عن الحسن، أو غيره، شك أبو الأشهب، ولم يذكر أحمد بن حنبل الشك فقال: عن الحسن، قال: مر عمر رضي الله تعالى عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: «هذه دنياكم التي تحرصون عليها، أو تتكلمون عليها» قال الشيخ رحمه الله تعالى: وكان رضي الله عنه عن فناء الملاذ منتهيا، ولباقي المعاد مبتغيا، يلازم المشقات، ويفارق الشهوات. وقد قيل: إن التصوف حمل النفس على الشدائد، الذي هو من أشرف الموارد
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو الهيثم محمد بن يعقوب الربالي، ثنا عبيد الله بن نمير، عن ثابت، عن أنس، قال: تقرقر بطن عمر رضي الله تعالى عنه، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان قد حرم على نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بأصبعه وقال: «تقرقر، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا يزيد بن مروان، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن مصعب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قالت حفصة بنت عمر لعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك، وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك، فقد وسع الله عز وجل من الرزق، وأكثر من الخير؟ فقال: " إني سأخصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش؟ فما زال يذكرها حتى أبكاها، فقال لها: «والله إن قلت ذلك، أما والله [ص:49] لئن استطعت لأشاركنهما بمثل عيشهما الشديد، لعلى أدرك معهما عيشهما الرخي»
حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي، ثنا الحسن بن المثنى، ثنا عفان، ثنا جرير بن حازم، ثنا الحسن، أن عمر، رضي الله تعالى عنه قال: " والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرقكم عيشا، إني والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة، وعن صلاء وصناب وصلايق، ولكني سمعت الله عز وجل عير قوما بأمر فعلوه فقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} [الأحقاف: 20] الآية "
حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن موسى بن سعد، عن سالم بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب، كان يقول: " والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينتبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعالى يقول: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} [الأحقاف: 20] الآية "
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا ابن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قدم على عمر رضي الله تعالى عنه ناس من أهل العراق، فرأى كأنهم يأكلون تعزيزا، فقال: " هذا يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم، ولكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا، أما سمعتم الله عز وجل قال لقوم: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} [الأحقاف: 20] الآية
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن مسلم، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن بعض، أصحابه، عن عمر، قال: قدم عليه ناس من أهل العراق، فيهم جابر بن عبد الله، قال: فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت، فقال لهم: خذوا، فأخذوا أخذا ضعيفا، فقال لهم عمر: قد رأى ما تقرمون، فأي شيء تريدون؟ حلوا وحامضا وحارا وباردا، ثم قذفا في البطون "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني [ص:50] أبي، ثنا شجاع بن الوليد، عن خلف بن حوشب، أن عمر، رضي الله تعالى عنه قال: «نظرت في هذا الأمر فجعلت إذا أردت الدنيا أضر بالآخرة، وإذا أردت الآخرة أضر بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن شبل، ثنا عبد الله بن محمد العبسي، ثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن أبي بردة، قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما: «أما بعد، فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عند الله عز وجل من شقيت به رعيته، وإياك أن ترتع فيرتع عمالك، فيكون مثلك عند الله عز وجل مثل البهيمة؛ نظرت إلى خضرة من الأرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن، وإنما حتفها في سمنها، والسلام عليك»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا محمد بن فضيل، عن السري بن إسماعيل، عن عامر الشعبي، قال: كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله تعالى عنهما: «من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله عز وجل، فما ظنك في ثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته؟ والسلام»
كلماته في الزهد والورع ومن مفاريد أقواله الدالة على حقائق أحواله
حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن مجاهد قال: قال عمر: «وجدنا خير عيشنا الصبر»
حدثنا أبو بكر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو معاوية، ووكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قال عمر في خطبة: «تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن الرجل إذا يئس من شيء استغنى عنه» رواه ابن وهب، عن الثوري، عن هشام، عن أبيه، عن زيد بن الصلت، عن عمر
حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا ابن وهب، به، حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق [ص:51] الثقفي، ثنا عبد الله بن عمر، ثنا محمد بن فضيل، ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي قال: قال عمر: والله لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد، ولقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر "
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا مسعر، عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: قال عمر بن الخطاب: «جالسوا التوابين، فإنهم أرق شيء أفئدة»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي خالد، قال: قال عمر: «كونوا أوعية الكتاب، وينابيع العلم، وسلوا الله رزق يوم بيوم»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: سمع عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه رجلا يقول: " اللهم إني أستنفق مالي ونفسي في سبيلك، فقال عمر: أولا يسكت أحدكم إذا، فإن ابتلي صبر، وإن عوفي شكر "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا الوليد بن شجاع بن الوليد، حدثني أبي، حدثني زياد بن خيثمة، عن محمد بن جحادة، أن حبيب بن أبي ثابت، حدثهم، عن يحيى بن جعدة، قال: قال عمر: " لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله: لولا أن أضع جبهتي لله، أو أجلس في مجالس ينتقى فيها طيب الكلام كما ينقى جيد التمر، أو أن أسير في سبيل الله عز وجل " رواه عن حبيب، منصور بن المعتمر، والثوري، والمسعودي في جماعة
ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سليمان بن داود، ثنا شعبة، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: قال عمر بن الخطاب: «الشتاء غنيمة العابدين» رواه زائدة وجماعة عن التيمي، مثله
حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين، ثنا أبو كريب، ثنا المطلب بن زياد، عن عبد الله بن عيسى، قال: «كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء»
حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عفان، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا هشام عن الحسن، قال: «كان عمر يمر بالآية في ورده فتخنقه فيبكي حتى يسقط ثم يلزم بيته حتى يعاد يحسبونه مريضا»
حدثنا محمد بن حميد، ثنا عبد الله بن [ص:52] زيدان، ثنا أبو كريب، ثنا ابن إدريس، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: «صليت خلف عمر فسمعت حنينه، من وراء ثلاثة صفوف»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، قال: قال عمر بن الخطاب: " زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم، وتزينوا للعرض الأكبر: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} [الحاقة: 18] "
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن مسلم، ثنا هناد، ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك، قال: قال عمر: «ليتني كنت كبش أهلي، يسمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء، وبعضي قديدا، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة، ولم أك بشرا»
حدثنا محمد بن علي، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، قال: سمعت سالما، يحدث عن ابن عمر، قال: كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه فقال لي: «ضع رأسي على الأرض» قال: فقلت: وما عليك كان على فخذي أم على الأرض؟ قال: «ضعه على الأرض» قال: فوضعته على الأرض، فقال: «ويلي وويل أمي إن لم يرضني ربي»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية، ثنا أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: " لما طعن عمر قال: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله من قبل أن أراه "
حدثنا محمد بن معمر، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله، ثنا الأوزاعي، حدثني سماك، قال: سمعت عبد الله بن عباس، يقول: لما طعن عمر دخلت عليه فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين فإن الله قد مصر بك الأمصار، ودفع بك النفاق، وأفشى بك الرزق، قال: «أفي الإمارة تثني علي يا ابن عباس؟» فقلت: وفي غيرها، قال: «والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا بهز، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا مالك بن دينار، ثنا الحسن، قال: «خطب عمر [ص:53] بن الخطاب، وهو خليفة، وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة»
حدثنا محمد بن معمر، ثنا عبد الله بن الحسن الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا الأوزاعي، حدثني داود بن علي، قال: قال عمر بن الخطاب: «لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة»
حدثنا محمد بن معمر، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا الأوزاعي، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن عمر بن الخطاب، قال: " لو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد: أيها الناس، إنكم داخلون النار إلا رجلا واحدا، لرجوت أن أكون هو "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، قال: «كان البر لا يعرف في عمر، ولا في ابنه، حتى يقولا أو يعملا» رواه ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، مثله
حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا عبيد الله بن محمد العيشي، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، حدثني رجل، من قريش، عن ابن عكيم، قال: قال عمر: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل: اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي حسنة "
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان، عن مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال المحاربي، قال: لما ولي عمر بن الخطاب قام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس ألا إني داع فهيمنوا اللهم إني غليظ فليني، وشحيح فسخني، وضعيف فقوني "
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا أبو العباس الثقفي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث بن سعد، عن هشام، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه سمع عمر بن الخطاب، يقول: «اللهم لا تجعل قتلي على يدي عبد قد سجد لك سجدة يحاجني بها يوم القيامة»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة، قالت: سمعت عمر، يقول: «اللهم قتلا في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك» قلت: وأنى [ص:54] يكون هذا؟ قال: «يأتي به الله إذا شاء»
حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الرحمن، ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا يحيى بن سعيد الأنصاري، أنه سمع سعيد بن المسيب، يذكر، أن عمر بن الخطاب، كوم كومة من بطحاء، ثم ألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها فرفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط "
حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء، ثنا محمد بن شبل، ثنا عبد الله بن محمد العبسي، ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن سليم بن حنظلة، عن عمر بن الخطاب، أنه كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك أن تأخذني على غرة، أو تذرني في غفلة، أو تجعلني من الغافلين»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا يعقوب الدورقي، ثنا روح، ثنا شعبة، أخبرنا يعلى بن عطاء، قال: سمعت عبد الله بن خراش، يحدث، عن عمه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول في خطبته: «اللهم اعصمنا بحبلك، وثبتنا على أمرك»
حدثنا أبو بكر أحمد بن السدي، ثنا الحسن بن علوية، ثنا إسماعيل بن عيسى، ثنا هياج بن بسطام، عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: " ما كان شيء أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصرا فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فخرج من القصر عليه ملحفة كأنه قد اغتسل، فقلت: كيف صنعت؟ قال: خيرا، " كاد عرشي يهوي بي لولا أني لقيت ربا غفورا، فقال: منذ كم فارقتكم؟ فقلت: منذ اثنتي عشرة سنة , فقال: إنما انفلت الآن من الحساب "
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا الحسن بن جعفر، ثنا المنجاب بن الحارث، ثنا علي بن مسهر، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن، قال: قال العباس بن عبد المطلب: " كنت جارا لعمر بن الخطاب، فما رأيت أحدا من الناس كان أفضل من عمر، إن ليله صلاة، وإن نهاره صيام وفي حاجات الناس. فلما توفي عمر سألت الله عز وجل أن يرنيه في النوم، فرأيته في النوم مقبلا متشحا من سوق المدينة، فسلمت عليه وسلم علي، ثم قلت: كيف أنت؟ قال: بخير، فقلت له: ما وجدت؟ قال: الآن فرغت من الحساب، ولقد كاد عرشي يهوي بي لولا أني وجدت [ص:55] ربا رحيما "
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن عجلان، عن إبراهيم بن مرة، عن محمد بن شهاب، قال: قال عمر بن الخطاب: «لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحتفظ من خليلك إلا الأمين؛ فإن الأمين من القوم لا يعادله شيء، ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تفش إليه سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله عز وجل»
حدثنا الحسن بن علان الوراق، ثنا عبد الله بن عبيد المقرئ، ثنا محمد بن عثمان، ثنا يوسف بن أبي أمية الثقفي، ثنا الحكم بن هشام، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن الزبير، قال: قال عمر بن الخطاب: «إن لله عبادا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره، رغبوا فرعبوا، ورهبوا فرهبوا، خافوا فلا يأمنون، أبصروا من اليقين ما لم يعاينوا فخلطوه بما لم يزايلوه، أخلصهم الخوف فكانوا يهجرون ما ينقطع عنهم لما يبقى لهم، الحياة عليهم نعمة والموت لهم كرامة، فزوجوا الحور العين، وأخدموا الولدان المخلدين»
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 38
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 38
عمر بن الخطاب- أمير المؤمنين رضي الله عنه- ابن نقيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي أبو حفص أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم.
وقالت طائفة في أم عمر: حنتمة بنت هشام بن المغيرة. ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام بن المغيرة، وليس كذلك، وإنما هي ابنة عمهما، فإن هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة أم عمر، وهشام والد الحارث وأبي جهل، وهاشم بن المغيرة هذا جد عمر لأمه، كان يقال له ذو الرمحين.
ولد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وروى أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت عمر يقول: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين.
قال الزبير: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشا كانت إذا وقعت بينهم حرب وبين غيرهم بعثوا سفيرا. وإن نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر رضوا به بعثوه منافرا ومفاخرا.
قال أبو عمر رحمه الله: ثم أسلم بعد رجال سبقوه. وروى ابن معين عن أبي إدريس، عن حصين، عن هلال بن يساف. قال: أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة.
قال أبو عمر: فكان إسلامه عزا ظهر به الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر، فهو من المهاجرين الأولين، وشهد بدرا وبيعة الرضوان، وكل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنه راض، وولي الخلافة بعد أبي بكر، بويع له بها يوم مات أبو بكر رضي الله عنه باستخلافه له سنة ثلاث عشرة، فسار بأحسن سيرة وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتح الله له الفتوح بالشام، والعراق، ومصر، وهو دون الدواوين في العطاء، ورتب الناس فيه على سوابقهم، كان لا يخاف في الله لومة لائم، وهو الذي نور شهر الصوم بصلاة الإشفاع فيه، وأرخ التاريخ من الهجرة الذي بأيدي الناس إلى اليوم، وهو أول من سمى بأمير المؤمنين، لقصة نذكرها هنا إن شاء الله تعالى.
وهو أول من اتخذ الدرة، وكان نقش خاتمه «كفى بالموت واعظا يا عمر» وكان آدم شديد الأدمة، طوالا، كث اللحية، أصلع أعسر يسر، يخضب بالحناء والكتم، وقال أنس: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر يخضب بالحناء بحتا. قال أبو عمر: الأكثر أنهما كانا يخضبان.
وقد روي عن مجاهد- إن صح- أن عمر بن الخطاب كان لا يغير شيبته.
هكذا ذكره زر بن حبيش وغيره، بأنه كان آدم شديد الأدمة وهو الأكثر عند أهل العلم بأيام الناس وسيرهم وأخبارهم، ووصفه أبو رجاء العطاردي، وكان مغفلا، فقال: كان عمر بن الخطاب طويلا جسيما أصلع شديد الصلع، أبيض شديد حمرة العينين، في عارضه خفة، سبلته كثيرة الشعر في أطرافها صهبة.
قد ذكر الواقدي من حديث عاصم بن عبيد الله، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: إنما جاءتنا الأدمة من قبل أخوالي بني مظعون، وكان أبيض، لا يتزوج لشهوة إلا لطلب الولد، وعاصم بن عبيد الله لا يحتج بحديثه ولا بحديث الواقدي.
وزعم الواقدي أن سمرة عمر وأدمته إنما جاءت من أكله الزيت عام الرمادة. وهذا منكر من القول. وأصح ما في هذا الباب- والله أعلم- حديث سفيان الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: رأيت عمر شديد الأدمة.
قال أنس: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر يخضب بالحناء بحتا. قال أبو عمر: إنهما كانا يخضبان. وقد روي عن مجاهد- إن صح- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان لا يغير شيبه. قال شعبة، عن سماك، عن هلال بن عبد الله: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا آدم ضخما، كأنه من رجال سدوس في رجليه روح.
ومن حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول: اللهم أخرج ما في صدره من غل، وأبدله إيمانا- يقولها ثلاثا. ومن حديث ابن عمر أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، ونزل القرآن بموافقته في أسرى بدر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم. وروي من حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان بعدي نبي لكان عمر. وروى سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر بن الخطاب. ورواه أبو داود الطيالسي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى ابن المبارك، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى رأيت الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر. قالوا: فما أولت يا رسول الله ذلك؟ قال: العلم. ورواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: كنا نحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت ... وذكر مثله سواء.
وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دخلت الجنة فرأيت فيها دارا- أو قال قصرا- وسمعت فيه ضوضأة، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجل من قريش. فظننت أني أنا هو، فقلت: من هو؟ فقيل: عمر بن الخطاب. فلولا غيرتك يا أبا حفص لدخلته.
فبكى عمر، أعليك يغار؟ أو قال: أغار يا رسول الله! وروى أبو داود الطيالسي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيتني في المنام والناس يعرضون علي، وعليهم قمص منها إلى كذا ومنها إلى كذا، ومر علي عمر ابن الخطاب يجر قميصه. فقيل: يا رسول الله، ما أولت ذلك؟ قال: الدين.
هكذا رواه إبراهيم بن سعد فيما حدث به عنه الطيالسي. حدثنا الحسن بن حجاج الزيات الطبراني، حدثنا الحسن بن محمد المدني، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثنا الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم والناس يعرضون علي، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ إلى الثدي، ومنها دون ذلك، وعرض علي عمر ابن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله! قال: الدين. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما. وقال رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. وروى أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا. قال: فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال: إيت عمر فمره أن يستسقي للناس، فإنهم سيسقون، وقل له: عليك الكيس الكيس. فأتى الرجل عمر فأخبره، فبكى عمر، وقال: يا رب، ما آلو إلا ما عجزت عنه، يا رب، ما آلو إلا ما عجزت عنه وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
وقال حذيفة: كان علم الناس كلهم قد درس في علم عمر.
وقال ابن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووضع علم
عمر في كفة لرجح علم عمر. لقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه مع عمر أوثق في نفسي من عمل سنة.
وذكر عبد الرزاق، عن معمر، قال: لو أن رجلا قال: عمر أفضل من أبي بكر ما عنفته، وكذلك لو قال: علي أفضل من أبي بكر وعمر لم أعنفه إذا ذكر فضل الشيخين وأحبهما وأثنى عليهما بما هما أهله. فذكرت ذلك لوكيع فأعجبه واشتهاه. قال: يدل على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل من عمر رضي الله عنه سبقه له إلى الإسلام.
وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأيت في المنام كأني وزنت بأمتي فرجحت، ثم وزن أبو بكر فرجح، ثم وزن عمر فرجح، وفي هذا بيان واضح في فضله على عمر. وقال عمر رضي الله عنه: ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه، ولوددت أني شعرة في صدر أبي بكر.
وذكر سيف بن عمر، عن عبيدة بن معتب، عن إبراهيم النخعي، قال: أول من ولى شيئا من أمور المسلمين عمر بن الخطاب، ولاه أبو بكر القضاء، فكان أول قاض في الإسلام. وقال: اقض بين الناس، فإني في شغل، وأمر ابن مسعود بعس المدينة.
وأما القصة التي ذكرت في تسمية عمر نفسه أمير المؤمنين، فذكر الزبير، قال: قال عمر لما ولي: كان أبو بكر يقال له خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال لي خليفة خليفة رسول الله، يطول هذا! قال: فقال له المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا، ونحن المؤمنون. فأنت أمير المؤمنين. قال: فذاك إذن.
قال أبو عمر: وأعلى من هذا في ذلك ما حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا أبو أحمد ابن الحسين بن جعفر بن إبراهيم، حدثنا أبو زكريا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف، حدثنا عمر بن خالد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، لأي شيء كان أبو بكر رضي الله عنه يكتب: من خليفة رسول الله؟ وكان عمر يكتب: من خليفة أبي بكر؟ ومن أول من كتب عبد الله أمير المؤمنين؟ فقال: حدثتني الشفاء- وكانت من المهاجرات الأول- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله. فبعث إليه عامل العراق لبيد بن ربيعة العامري، وعدي بن حاتم الطائي، فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فإذا هما بعمرو بن العاص، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين يا عمرو؟ فقال عمرو: أنتما والله أصبتما باسمه، نحن المؤمنون وهو أميرنا. فوثب عمرو، فدخل على عمر، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم؟ يعلم الله لتخرجن مما قلت أو لأفعلن. قال: إن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، وقالا لي: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين، فهما والله أصابا اسمك، أنت الأمير، ونحن المؤمنون. قال: فجرى الكتاب من يومئذ.
قال أبو عمر: وكانت الشفاء جدة أبي بكر، وروينا من وجوه أن عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه كان يرمي الجمرة، فأتاه جمر فوقع على صلعته، فأدماه، وثمة رجل من بني لهب، فقال: أشعر أمير المؤمنين، لا يحج بعدها. قال: ثم جاء إلى الجمرة الثانية، فصاح رجل: يا خليفة رسول الله.
فقال: لا يحج أمير المؤمنين بعد عامه هذا. فقتل عمر بعد رجوعه من الحج.
قال محمد بن حبيب: لهب- مكسورة اللام: قبيلة من قبائل الأزد، تعرف فيها العيافة والزجر.
قال أبو عمر: قتل عمر رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين من ذي الحجة، طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة لثلاث بقين من ذي الحجة- هكذا قال الواقدي. وغيره قال: لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
وروى سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر.
وقال أبو نعيم: قتل عمر بن الخطاب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين ونصفا.
أخبرنا عبد الوارث، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قتل أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فطعن معه اثنا عشر رجلا، فمات ستة، وقال: فرمى عليه رجل من أهل العراق برنسا، ثم برك عليه، فلما رآه أنه لا يستطيع أن يتحرك وجأ نفسه فقتلها.
ومن أحسن شيء يروى في مقتل عمر رضي الله عنه وأصحه ما حدثنا خلف بن قاسم بن سهل، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، قال: حدثنا أحمد بن شعيب النسائي، قال: حدثنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو ابن ميمون، قال: شهدت عمر يوم طعن، وما منعني أن أكون في الصف المقدم إلا هيبته، وكان رجلا مهيبا، فكنت في الصف الذي يليه، فأقبل عمر رضي الله عنه، فعرض له أبو لؤلؤة- غلام المغيرة بن شعبة- ففاجأ عمر رضي الله عنه قبل أن تستوي الصفوف، ثم طعنه ثلاث طعنات، فسمعت عمر وهو يقول: دونكم الكلب، فإنه قتلني، وماج الناس وأسرعوا إليه، فجرح ثلاثة عشر رجلا، فانكفأ عليه رجل من خلفه فاحتضنه، فماج الناس بعضهم في بعض، حتى قال قائل: الصلاة عباد الله، طلعت الشمس، فقدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بنا بأقصر سورتين في القرآن: {إذا جاء نصر الله}. و {إنا أعطيناك الكوثر}. واحتمل عمر ودخل عليه الناس، فقال: يا عبد الله بن عباس، اخرج فناد في الناس إن أمير المؤمنين يقول: أعن ملأ منكم هذا! فخرج ابن عباس فقال: أيها الناس. أعن ملأ منكم هذا؟ فقالوا: معاذ الله! والله ما علمنا ولا اطلعنا. وقال: ادعوا لي الطبيب، فدعي الطبيب، فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ، فسقي نبيذا، فخرج من بعض طعناته، فقال الناس: هذا دم صديد. قال: اسقوني لبنا، فخرج من الطعنة، فقال له الطبيب: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعل. وذكر تمام الخبر في الشورى، وتقديمه لصهيب في الصلاة، وقوله في علي عليه السلام: إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق الأجلح المستقيم- يعني عليا. وقوله في عثمان وغيره. فقال له ابن عمر: ما يمنعك أن تقدم عليا؟ قال: أكره أن أحملها حيا وميتا.
وذكر الواقدي، قال: أخبرني نافع، عن أبي نعيم، عن عامر بن عبد الله ابن الزبير، عن أبيه، قال: غدوت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق وهو متكئ على يدي، فلقيه أبو لؤلؤة- غلام المغيرة بن شعبة- فقال: ألا تكلم مولاي يضع عنى من حراجى! قال: كم خراجك؟ قال: دينار.
قال: ما أرى أن أفعل، إنك لعامل محسن، وما هذا بكثير. ثم قال له عمر: ألا تعمل لي رحى؟ قال: بلى. فلما ولى قال أبو لؤلؤة: لأعملن لك رحى يتحدث بها ما بين المشرق والمغرب. قال: فوقع في نفسي قوله.
قال: فلما كان في النداء لصلاة الصبح خرج عمر إلى الناس يؤذنهم للصلاة.
قال ابن الزبير: وأنا في مصلاي وقد اضطجع له عدو الله أبو لؤلؤة، فضربه بالسكين ست طعنات إحداهن تحت سرته وهي قتلته، فصاح عمر: أين عبد الرحمن بن عوف؟ فقالوا: هو ذا يا أمير المؤمنين. قال: تقدم فصل بالناس، فتقدم عبد الرحمن فصلى بالناس، وقرأ في الركعتين بـ {قل هو الله أحد}. و {قل يا أيها الكافرون}. واحتملوا عمر فأدخلوه منزله، فقال لابنه عبد الله: اخرج فانظر من قتلني. قال: فخرج عبد الله بن عمر فقال: من قتل أمير المؤمنين؟ فقالوا: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فرجع فأخبر عمر، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجل يحاجني بلا إله إلا الله، ثم قال: انظروا إلى عبد الرحمن بن عوف، فذكر الخبر في الشورى بتمامه.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا الدولابي، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا علي بن مجاهد، قال: اختلف علينا في شأن أبي لؤلؤة، فقال بعضهم: كان مجوسيا، وقال بعضهم: كان نصرانيا، فحدثنا أبو سنان سعيد بن سنان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: كان أبو لؤلؤة أزرق نصرانيا، وجأه بسكين له طرفان، فلما جرح عمر جرح معه ثلاثة عشر رجلا في المسجد، ثم أخذ، فلما أخذ قتل نفسه.
واختلف في سن عمر رضي الله عنه يوم مات، فقيل: توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة كسن النبي صلى الله عليه وسلم وسن أبي بكر حين توفيا، روى ذلك من وجوه، عن معاوية، ومن قول الشعبي. وروى عبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: توفي عمر وهو ابن بضع وخمسين سنة
وقال أحمد بن حنبل، عن هشيم، عن علي بن زيد، عن سالم بن عبد الله- أن عمر قبض وهو ابن خمس وخمسين، وقال الزهري: توفي وهو ابن أربع وخمسين سنة. وقال قتادة توفي وهو ابن اثنين وخمسين.
وقيل: مات وهو ابن ستين. وقيل: مات وهو ابن ثلاث وستين.
حدثنا عبد الله، حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا علي بن المديني، حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن زائدة ابن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، قال: حدثنا أبو بردة، عن عوف ابن مالك الأشجعي أنه رأى في المنام كأن الناس جمعوا، فإذا فيهم رجل فرعهم، فهو فوقهم بثلاثة أذرع، فقلت: من هذا؟ فقالوا: عمر. قلت: لم؟ قالوا: لأن فيه ثلاث خصال، إنه لا يخاف في الله لومة لائم. وإنه خليفة مستخلف، وشهيد مستشهد. قال: فأتى إلى أبي بكر فقصها عليه، فأرسل إلى عمر فدعاه ليبشره. قال: فجاء عمر، فقال لي أبو بكر: اقصص رؤياك. قال: فلما بلغت «خليفة مستخلف» زبرني عمر، وانتهرني، وقال: اسكت، تقول هذا وأبو بكر حي! قال: فلما كان بعد، وولي عمر مررت بالمسجد، وهو على المنبر. قال: فدعاني، وقال: اقصص رؤياك، فقصصتها. فلما قلت: إنه لا يخاف في الله لومة لائم. قال: إني لأرجو أن يجعلني الله منهم. قال: فلما قلت: خليفة مستخلف. قال: قد استخلفني الله، فسله أن يعينني على ما ولاني. فلما ذكرت: شهيد مستشهد قال: أنى لي بالشهادة وأنا بين أظهركم تغزون ولا أغزو! ثم قال: بلى يأتي الله بها أنى شاء.
أنبأنا سعيد بن سيد، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا أبو يعقوب الديري، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصا أبيض، وقال: جديد قميصك أم غسيل؟ قال: بل غسيل. قال: البس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا، ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة، قال: وإياك يا رسول الله وروى معمر، عن الزهري قال: صلى عمر على أبي بكر رضي الله عنه حين مات، وصلى صهيب على عمر رضي الله عنهما.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في انصرافه من حجته التي لم يحج بعدها: الحمد لله ولا إله إلا الله، يعطي من يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادي- يعني ضجنان - أرعى إبلا للخطاب، وكان فظا غليظا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت، وليس بيني وبين الله أحد أخشاه، ثم تمثل:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته | يبقى الإله ويودي المال والولد |
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه | والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا |
ولا سليمان إذ تجري الرياح له | والجن والإنس فيما بينها برد |
أين الملوك التي كانت لعزتها | من كل أوب إليها وافد يفد |
حوض هنالك مورود بلا كذب | لا بد من ورده يوما كما وردوا |
ظلوم لنفسي غير أني مسلم | أصلي الصلاة كلها وأصوم |
عليك سلام من أمير وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يجر أو يركب جناحي نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بواثق في أكمامها لم تفتق |
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت | له الأرض تهتز العضاة بأسوق |
جزى الله خيرا من إمام وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بوائق في أكمامها لم تفتق |
فما كنت أخشى أن يكون وفاته | بكفى سبتني أزرق العين مطرق |
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى | مساغا لنابيه الشجاع لصمما |
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 3- ص: 1144
عمر بن الخطاب.
رضي الله عنه وأرضاه. ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب. ويكنى أبا حفص.
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكان لعمر من الولد عبد الله وعبد الرحمن وحفصة وأمهم زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح. وزيد الأكبر لا بقية له. ورقية وأمهما أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وزيد الأصغر وعبيد الله قتل يوم صفين مع معاوية وأمهما أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو من خزاعة. وكان الإسلام فرق بين عمر وبين أم كلثوم بنت جرول.
وعاصم وأمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح واسمه قيس بن عصمة بن مالك بن أمة بن ضبيعة بن زيد من الأوس من الأنصار. وعبد الرحمن الأوسط وهو أبو المجبر وأمه لهية أم ولد. وعبد الرحمن الأصغر وأمه أم ولد. وفاطمة وأمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وزينب وهي أصغر ولد عمر وأمها فكيهة أم ولد. وعياض بن عمر وأمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل.
قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم أم عاصم بن عمر وكان اسمها عاصية. قال: لا بل أنت جميلة.
قال محمد بن سعد: سألت أبا بكر بن محمد بن أبي مرة المكي. وكان عالما بأمور مكة. عن منزل عمر بن الخطاب الذي كان في الجاهلية بمكة فقال: كان ينزل في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر. وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر فنسب إلى عمر بعد ذلك. وبه كانت منازل بني عدي بن كعب.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون وعفان بن مسلم وعارم بن الفضل قالوا: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار قال: مر عمر بن الخطاب بضجنان فقال: لقد رأيتني وإني لأرعى على الخطاب في هذا المكان وكان والله ما علمت فظا غليظا. ثم أصبحت إلى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال متمثلا:
لا شيء فيما ترى إلا بشاشته | يبقى الإله ويؤدي المال والولد |
ثم قال لبعيره: حوب.
قال: أخبرنا سعيد بن عامر وعبد الوهاب بن عطاء قالا: أخبرنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: أقبلنا مع عمر بن الخطاب قافلين من مكة حتى إذا كنا بشعاب ضجنان وقف الناس فكان محمد يقول: مكانا كثير الشجر والأشب. قال فقال: لقد رأيتني في هذا المكان وأنا في إبل للخطاب. وكان فظا غليظا. أحتطب عليها مرة وأختبط عليها أخرى. ثم أصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي ليس فوقي أحد. قال ثم مثل بهذا البيت:
لا شيء فيما ترى إلا بشاشته | يبقى الإله ويؤدي المال والولد |
قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي قال: أخبرنا خارجة بن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم [قال: اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك. بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هاشم. قال فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب].
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا خالد بن الحارث قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عمر بن الخطاب أو أبا جهل بن هشام قال: [اللهم اشدد دينك بأحبهما إليك. فشدد دينه بعمر بن الخطاب].
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: أخبرنا أشعث بن سوار عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب].
إسلام عمر. رحمة الله:
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال: خرج عمر متقلد السيف فلقيه رجل من بني زهرة قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدا. قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا؟ قال فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه. قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا الذي أنت عليه. قال فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب. قال فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت. فدخل عليهما فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ قال وكانوا يقرؤون طه فقالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما؟ قال فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ قال فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمي وجهها فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال وكان عمر يقرأ الكتب. فقالت أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ. قال فقام عمر فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى انتهى إلى قوله: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} طه: 14. قال فقال عمر: دلوني على محمد. فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر [فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام.] قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا. فانطلق عمر حتى أتى الدار. قال وعلى باب الدار حمزة وطلحة وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر قال حمزة: نعم فهذا عمر فإن يرد لله بعمر خيرا يسلم ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا. قال والنبي. ع.
داخل يوحى إليه. قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: [أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب. اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب.] قال فقال عمر: أشهد أنك رسول الله. فأسلم وقال: اخرج يا رسول الله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قال: وحدثني معمر عن الزهري قالا: أسلم عمر بن الخطاب بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وبعد أربعين أو نيف وأربعين بين رجال ونساء
قد أسلموا قبله. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بالأمس: [اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام]. فلما أسلم عمر نزل جبريل فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة. فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني علي بن محمد عن عبيد الله بن سلمان الأغر عن أبيه عن صهيب بن سنان قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي علانية. وجلسنا حول البيت حلقا وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الله عن أبيه قال: ذكرت له حديث عمر فقال: أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ولدت قبل الفجار الأعظم الآخر بأربع سنين.
وأسلم في ذي الحجة السنة السادسة من النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة. قال: وكان عبد الله بن عمر يقول: أسلم عمر وأنا ابن ست سنين.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير ويعلى ومحمد ابنا عبيد قالوا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
قال محمد بن عبيد في حديثه: لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر. فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي.
قال: أخبرنا يعلى ومحمد ابنا عبيد وعبيد الله بن موسى والفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله الأسدي قالوا: أخبرنا مسعر عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرا وكان إمارته رحمة. لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر. فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق. وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئا. ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك إلا لعمر كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة ويثني عليه.
قال: وقد بلغنا أن عبد الله بن عمر كان يقول: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيد دينك بعمر بن الخطاب].
قال: أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حسن عن أيوب بن موسى قال: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل].
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو حزرة يعقوب بن مجاهد عن محمد بن إبراهيم عن أبي عمرو ذكوان قال: قلت لعائشة من سمى عمر الفاروق؟
قالت: النبي. ع.
ذكر هجرة عمر بن الخطاب وإخائه. رحمه الله:
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزهري عن سالم عن أبيه وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عمر بن أبي عاتكة وعبد الله بن نافع عن نافع عن ابن عمر قال: لما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في الخروج إلى المدينة جعل المسلمون يخرجون أرسالا يصطحب الرجال فيخرجون. قال عمر وعبد الله قلنا لنافع: مشاة أو ركبانا؟ قال: كل ذاك. أما أهل القوة فركبان ويعتقبون وأما من لم يجد ظهرا فيمشون.
قال عمر بن الخطاب: فكنت قد اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل التناضب من إضاءة بني غفار وكنا إنما نخرج سرا فقلنا: أيكم ما تخلف عن الموعد فلينطلق من أصبح عند الإضاءة. قال عمر: فخرجت أنا وعياش بن أبي ربيعة واحتبس هشام بن العاص ففتن فيمن فتن. وقدمت أنا وعياش فلما كنا بالعقيق عدلنا إلى العصبة حتى أتينا قباء فنزلنا على رفاعة بن عبد المنذر فقدم على عياش بن أبي ربيعة أخواه لأمه: أبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة وأمهم أسماء ابنة مخربة من بني تميم. والنبي صلى الله عليه وسلم بعد بمكة لم يخرج. فأسرعا السير فنزلا معنا
بقباء فقالا لعياش: إن أمك قد نذرت ألا يظلها ظل ولا يمس رأسها دهن حتى تراك.
قال عمر فقلت لعياش: والله إن يرداك إلا عن دينك فاحذر على دينك. قال عياش: فإن لي بمكة مالا لعلي آخذه فيكون لنا قوة وأبر قسم أمي. فخرج معهما فلما كانوا بضجنان نزل عن راحلته فنزلا معه فأوثقاه رباطا حتى دخلا به مكة فقالا: كذا يا أهل مكة فافعلوا بسفهائكم. ثم حبسوه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال محمد بن عمرو: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن سعد بن إبراهيم قالا: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عمر بن الخطاب وعويم بن ساعدة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك. قال محمد بن عمر: ويقال بين عمر ومعاذ بن عفراء.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: منزل عمر بن الخطاب بالمدينة خطة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا: شهد عمر بن الخطاب بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج في عدة سرايا وكان أمير بعضها.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب سرية في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن بتربة في شعبان سنة سبع من الهجرة.
قال: أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة الأسلمي قال: لما كان حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
بحضرة أهل خيبر أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عمر بن الخطاب.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: أخبرنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر قال: استأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم [في العمرة فقال: يا أخي
أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا].
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له [فقال له النبي: لا تنسنا يا أخي من دعائك]. قال سليمان قال شعبة: ثم لقيت عاصما بعد بالمدينة فحدثته فقال: قال أشركنا يا أخي في دعائك. قال أبو الوليد: هكذا في كتابي عن ابن عمر.
قال: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي عن المغيرة بن زياد الموصلي عن الوليد بن أبي هشام قال: استأذن عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة وقال إني أريد المشي. [فأذن له. قال فلما ولى دعاه فقال: يا أخي شبنا بشيء من دعائك ولا تنسنا].
قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: أفرس الناس ثلاثة. أبو بكر في عمر. وصاحبه موسى حين قالت استأجره. وصاحبه يوسف.
ذكر استخلاف عمر. رحمه الله:
قال: أخبرنا سعيد بن عامر قال: أخبرنا صالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله ماذا تقول لربك إذا قدمت عليه غدا وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟ فقال: أجلسوني. أبا لله ترهبوني؟ أقول استخلفت عليهم خيرهم.
قال: أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل قال: أخبرنا عبيد الله بن أبي زياد عن يوسف بن ماهك عن عائشة قالت: لما حضرت أبا بكر الوفاة استخلف عمر فدخل عليه علي وطلحة فقالا: من استخلفت؟ قال: عمر. قالا: فماذا أنت قائل لربك؟ قال: أبا لله تفرقاني؟ لأنا أعلم بالله وبعمر منكما. أقول استخلفت عليهم خير أهلك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه قال: توفي أبو بكر الصديق مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من
جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر. رحمه الله.
قال: أخبرنا أسباط بن محمد عن أشعث عن الحسن قال فيما نظن أن أول خطبة خطبها عمر حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فقد ابتليت بكم وابتليتم بي وخلفت فيكم بعد صاحبي. فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا ومهما غاب عنا ولينا أهل القوة والأمانة. فمن يحسن نزده حسنا ومن يسيء نعاقبه ويغفر الله لنا ولكم.
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن جامع بن شداد عن أبيه قال: كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال: اللهم إني شديد فليني وإني ضعيف فقوتي وإني بخيل فسخني.
قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا شعبة عن جامع بن شداد عن ذي قرابة له قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ثلاث كلمات إذا قلتها فهيمنوا عليها: اللهم إني ضعيف فقوني. اللهم إني غليظ فليني. اللهم إني بخيل فسخني.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم ووهب بن جرير قالا: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت حميد بن هلال قال: أخبرنا من شهد وفاة أبي بكر الصديق فلما فرغ عمر من دفنه نفض يده عن تراب قبره ثم قام خطيبا مكانه فقال: إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبي. فو الله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني ولا يتغيب عني فآلو فيه عن الجزء والأمانة. ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم ولئن أساءوا لأنكلن بهم. قال الرجل: فو الله ما زاد على ذلك حتى فارق الدنيا.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: قال عمر بن الخطاب: ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيريده عنه القريب والبعيد. إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا. ولو علمت أن أحدا من الناس أقوى عليه مني لكنت أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أليه.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن أيوب وابن عون وهشام. دخل حديث بعضهم في حديث بعض. عن محمد بن سيرين عن الأحنف قال: كنا جلوسا بباب عمر فمرت جارية فقالوا سرية أمير المؤمنين. فقالت: ما هي لأمير المؤمنين بسرية وما تحل له. إنها من مال الله. فقلنا: فماذا يحل له من مال الله؟ فما هو إلا قدر أن بلغت وجاء الرسول فدعانا فأتيناه فقال: ماذا قلتم؟ قلنا: لم نقل بأسا. مرت جارية فقلنا هذه سرية أمير المؤمنين. فقالت: ما هي لأمير المؤمنين بسرية وما تحل له. إنها من مال الله. فقلنا: فماذا يحل له من مال الله؟ فقال: أنا أخبركم بما أستحل منه.
يحل لي حلتان. حلة في الشتاء وحلة في القيظ. وما أحج عليه وأعتمر من الظهر.
وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم. ثم أنا بعد رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح وقبيصة بن عقبة قالا: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر بن الخطاب: إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم. إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف. قال وكيع في حديثه: فإن أيسرت قضيت.
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا زكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه قال: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم. فإن استغنيت عففت عنه وإن افتقرت أكلت بالمعروف.
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا زائدة بن قدامة عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال عمر: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم. من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة أن عمر بن الخطاب قال: لا يحل لي من هذا المال إلا ما كنت آكلا من صلب مالي.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا سلام بن مسكين قال: أخبرنا عمران أن عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال فاستقرضه. فربما عسر فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر. وربما خرج عطاؤه فقضاه.
قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر قال: أخبرنا عيسى بن حفص قال: حدثني رجل من بني سلمة عن ابن للبراء بن معرور أن عمر خرج يوما حتى أتى المنبر. وقد كان اشتكى شكوى له فنعت له العسل وفي بيت المال عكة فقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها وإلا فإنها علي حرام. فأذنوا له فيها.
قال: أخبرنا أنس بن عياض أبو ضمرة الليثي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر قال: أرسل إلي عمر يرفا فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر أو عند الظهر. قال فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن أليه إلا بحقه. وما كان قط أحرم علي منه إذ وليته عاد أمانتي وقد أنفقت عليك شهرا من مال الله. ولست بزائدك ولكني معينك بثمر مالي بالغابة فاجدده فبعه ثم ائت رجلا من قومك من تجارهم فقم إلى جنبه. فإذا اشترى شيئا فاستشركه فاستنفق وأنفق على أهلك.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل. أخبرنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب رأى جارية تطيش هزالا فقال عمر: من هذه الجارية؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك. قال: وأي بناتي هذه؟ قال: ابنتي. قال: ما بلغ بها ما أرى؟ قال: عملك. لا تنفق عليها. فقال: إني والله ما أغرك من ولدك فأوسع على ولدك أيها الرجل.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون وأبو أسامة حماد بن أسامة قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد قال: قالت حفصة بنت عمر لأبيها. قال يزيد يا أمير المؤمنين. وقال أبو أسامة يا أبت. إنه قد أوسع الله الرزق وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير فلو طعمت طعاما ألين من طعامك ولبست لباسا من لباسك. قال: سأخاصمك إلى نفسك. أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش؟
قال فما زال يذكرها حتى أبكاها. ثم قال: إني قد قلت لك إني والله لئن استطعت لأشاركنها في عيشهما الشديد لعلي ألقى معهما عيشهما الرخي. قال يزيد بن هارون: يعني رسول الله وأبا بكر.
أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عقيل قال الحسن إن عمر بن الخطاب أبى إلا شدة وحصرا على نفسه فجاء الله بالسعة فجاء المسلمون فدخلوا على حفصة فقالوا: أبى عمر إلا شدة على نفسه وحصرا وقد بسط الله في الرزق.
فليبسط في هذا الفيء فيما شاء منه وهو في حل من جماعة المسلمين. فكأنها قاربتهم في هواهم. فلما انصرفوا من عندها دخل عليها عمر فأخبرته بالذي قال القوم فقال لها عمر: يا حفصة بنت عمر نصحت قومك وغششت أباك. إنما حق أهلي في نفسي ومالي فأما في ديني وأمانتي فلا.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن غالب. يعني
القطان. عن الحسن قال: كلموا حفصة أن تكلم أباها أن يلين من عيشه شيئا فقالت: يا أبتاه. أو يا أمير المؤمنين. إن قومك كلموني أن تلين من عيشك. فقال: غششت أباك ونصحت لقومك.
قال: أخبرنا يحيى بن حماد والفضل بن عنبسة قالا: أخبرنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يتجر وهو خليفة. قال يحيى في حديثه: وجهز عيرا إلى الشام فبعث إلى عبد الرحمن بن عوف. وقال الفضل: فبعث إلى رجل من أصحاب النبي. ع. قالا جميعا يستقرضه أربعة آلاف درهم.
فقال للرسول: قل له يأخذها من بيت المال ثم ليردها. فلما جاءه الرسول فأخبره بما قال شق ذلك عليه فلقيه عمر فقال: أنت القائل ليأخذها من بيت المال؟ فإن مت قبل أن تجيء قلتم أخذها أمير المؤمنين دعوها له وأوخذ بها يوم القيامة. لا ولكن أردت أن آخذها من رجل حريص شحيح فإن مت أخذها. قال يحيى من ميراثي. وقال الفضل من مالي.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير. قال إسماعيل بن أبي خالد قال: أخبرني سعيد بن أبي بردة عن يسار بن نمير قال: سألني عمر: كم أنفقنا في حجتنا هذه؟ قلت: خمسة عشر دينارا.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن شيخ لهم قال: خرج عمر بن الخطاب إلى مكة فما ضرب فسطاطا حتى رجع. كان يستظل بالنطع.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل. قال حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: وأخبرنا الفضل بن دكين وعبد الوهاب بن عطاء قالا: أخبرنا عبد الله العمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: صحبت عمر بن الخطاب من المدينة إلى مكة في الحج ثم رجعنا فما ضرب فسطاطا ولا كان له بناء يستظل به إنما كان يلقي نطعا أو كساء على الشجرة فيستظل تحته.
قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة قال: حدثني جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يحدث قال: قدم أبو موسى في وفد أهل البصرة على عمر. قال: فقالوا كنا ندخل كل يوم وله خبز ثلاث فربما وافقناها مأدومة بزيت. وربما وافقناها بسمن.
وربما وافقناها باللبن. وربما وافقناها بالقدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي بها. وربما
وافقنا اللحم الغريض وهو قليل. فقال لنا يوما: أيها القوم إني والله لقد أرى تعذيركم وكراهيتكم لطعامي. وإني والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وأرفعكم عيشا. أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة وعن صلا وصناب وصلائق. ولكن سمعت الله. جل ثناؤه. عير قوما بأمر فعلوه فقال: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها.
وإن أبا موسى كلمنا فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين يفرض لنا من بيت المال أرزاقنا.
فو الله ما زال حتى كلمناه فقال: يا معشر الأمراء أما ترضون لأنفسكم ما أرضاه لنفسي؟
قال قلنا: يا أمير المؤمنين إن المدينة أرض العيش بها شديد ولا نرى طعامك يعشي ولا يؤكل. وإنا بأرض ذات ريف. وإن أميرنا يعشي وإن طعامه يؤكل. فنكت في الأرض ساعة ثم رفع رأسه فقال: فنعم فإني قد فرضت لكم كل يوم من بيت المال شاتين وجريبين فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك ثم ادع بشرابك فاشرب. ثم اسق الذي عن يمينك. ثم الذي يليه. ثم قم لحاجتك. فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك. ثم ادع بشرابك فاشرب. ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم وعيالهم فإن تحفينكم للناس لا يحسن أخلاقهم ولا يشبع جائعهم. والله مع ذاك ما أظن رستاقا يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرعان في خرابه.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن يونس عن حميد بن هلال أن حفص بن أبي العاص كان يحضر طعام عمر فكان لا يأكل. فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال: إن طعامك جشب غليظ وإني راجع إلى طعام لين قد صنع لي فأصيب منه. قال: أتراني أعجز أن آمر بشاة فيلقى عنها شعرها وآمر بدقيق فينخل في خرقة ثم يصب في خرقة ثم آمر به فيخبز خبزا رقاقا وآمر بصاع من زبيب فيقذف في سعن ثم يصب عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال؟ فقال: إني لأراك عالما بطيب العيش. فقال: أجل! والذي نفسي بيده لولا أن تنتقض حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب فأعجبته هيئته ونحوه فشكا عمر طعاما غليظا أكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين إن أحق الناس بطعام لين ومركب لين وملبس لين لأنت. فرفع عمر جريدة معه فضرب بها رأسه
وقال: أما والله ما أراك أردت بها الله وما أردت بها إلا مقاربتي إن كنت لأحسب أن فيك ويحك هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ قال: وما مثلك ومثلهم؟ قال: مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم. فقالوا له: أنفق علينا. فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. قال: فكذلك مثلي ومثلهم. ثم قال عمر: إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم وليشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم. فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له علي ليرفعها إلي حتى أقصه منه. فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين أرأيت إن أدب أمير رجلا من رعيته أتقصه منه؟ فقال عمر: وما لي لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه؟ وكتب عمر إلى أمراء الأجناد: لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تحرموهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم.
قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي واستخلف أبو بكر الصديق كان يقال له خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفي أبو بكر. رحمه الله. واستخلف عمر بن الخطاب قيل لعمر خليفة خليفة رسول الله. فقال المسلمون: فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله. ع. فيطول هذا. ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدع به من بعده من الخلفاء. فقال بعض أصحاب رسول الله ص: نحن المؤمنون وعمر أميرنا. فدعي عمر أمير المؤمنين فهو أول من سمي بذلك. وهو أول من كتب التأريخ في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة فكتبه من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. وهو أول من جمع القرآن في الصحف. وهو أول من سن قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان. وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة. وجعل للناس بالمدينة قارئين. قارئا يصلي بالرجال وقارئا يصلي بالنساء. وهو أول من ضرب في الخمر ثمانين واشتد على أهل الريب والتهم وأحرق بيت رويشد الثقفي وكان حانوتا وغرب ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر وكان صاحب شراب. فدخل أرض الروم فارتد. وهو أول من عس في عمله بالمدينة وحمل الدرة وأدب بها. ولقد قيل بعده لدرة عمر أهيب من سيفكم. وهو أول من فتح الفتوح وهي الأرضون والكور التي فيها الخراج والفيء. فتح العراق كله. السواد والجبال.
وأذربيجان وكور البصرة وأرضها وكور الأهواز وفارس وكور الشام ما خلا أجنادين فإنها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق. رحمه الله. وفتح عمر كور الجزيرة والموصل ومصر والإسكندرية. وقتل. رحمه الله. وخيله على الري وقد فتحوا عامتها. وهو أول من مسح السواد وأرض الجبل ووضع الخراج على الأرضين والجزية على جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان. فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهما وعلى الوسط أربعة وعشرين درهما وعلى الفقير اثني عشر درهما. وقال: لا يعوز رجلا منهم درهم في شهر. فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر. رحمه الله. مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف واف. والواف درهم ودانقان ونصف. وهو أول من مصر الأمصار: الكوفة والبصرة والجزيرة والشام ومصر والموصل. وأنزلها العرب. وخط الكوفة والبصرة خططا للقبائل. وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار. وهو أول من دون الديوان وكتب الناس على قبائلهم وفرض لهم الأعطية من الفيء وقسم القسوم في الناس. وفرض لأهل بدر وفضلهم على غيرهم. وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقدمهم في الإسلام. وهو أول من حمل الطعام في السفن من مصر في البحر حتى ورد البحر ثم حمل من الجار إلى المدينة. وكان عمر. رضي الله عنه. إذا بعث عاملا له على مدينة كتب ماله. وقد قاسم غير واحد منهم ماله إذا عزله. منهم سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة. وكان يستعمل رجلا من أصحاب رسول الله. ع. مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة. ويدع من هو أفضل منهم مثل عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ونظرائهم لقوة أولئك على العمل والبصر به. ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له. وقيل له: ما لك لا تولي الأكابر من أصحاب رسول الله. ع؟ فقال: أكره أن أدنسهم بالعمل.
واتخذ عمر دار الرقيق. وقال بعضهم الدقيق. فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يحتاج إليه يعين به المنقطع به والضيف ينزل بعمر. ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء.
وهدم عمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد. ووسعه وبناه لما كثر الناس بالمدينة. وهو أخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام. وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة. وكان عمر خرج إلى الجابية في صفر سنة ست عشرة فأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة. وحضر فتح بيت المقدس. وقسم الغنائم بالجابية. وخرج بعد ذلك في جمادى الأولى سنة سبع
عشرة يريد الشام فبلغ سرغ فبلغه أن الطاعون قد اشتعل بالشام فرجع من سرغ.
فكلمه أبو عبيدة بن الجراح وقال: أتفر من قدر الله؟ قال: نعم إلى قدر الله.
وفي خلافته كان طاعون عمواس في سنة ثماني عشرة. وفي هذه السنة كان أول عام الرمادة أصاب الناس محل وجدب ومجاعة تسعة أشهر. واستعمل عمر على الحج بالناس أول سنة استخلف. وهي سنة ثلاث عشرة. عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس تلك السنة ثم لم يزل عمر بن الخطاب يحج بالناس في كل سنة خلافته كلها فحج بهم عشر سنين ولاء. وحج بأزواج النبي. ع. في آخر حجة حجها بالناس سنة ثلاث وعشرين. واعتمر عمر في خلافته ثلاث مرات. عمرة في رجب سنة سبع عشرة. وعمرة في رجب سنة إحدى وعشرين. وعمرة في رجب سنة اثنتين وعشرين وهو أخر المقام إلى موضعه اليوم. كان ملصقا بالبيت.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني الأشعث عن الحسن أن عمر بن الخطاب مصر الأمصار: المدينة والبصرة والكوفة والبحرين ومصر والشام والجزيرة. قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: هان شيء أصلح به قوما أن أبدلهم أميرا مكان أمير.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الله بن إبراهيم قال: أول من ألقى الحصى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب. وكان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق فبسط في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين قال: قال عمر بن الخطاب: لأعزلن خالد بن الوليد والمثنى مثنى بني شيبان حتى يعلما أن الله إنما كان ينصر عباده وليس إياهما كان ينصر.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا كثير أبو محمد عن عبد الرحمن بن عجلان أن عمر بن الخطاب مر بقوم يرتمون فقال أحدهم: أسيت. فقال عمر: سوء اللحن أسوأ من سوء الرمي.
قال: وأخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم
عن نافع قال: قال عمر: لا يسألني الله عن ركوب المسلمين البحر أبدا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يسأله عن ركوب البحر. قال فكتب عمرو إليه يقول: دود على عود فإن انكسر العود هلك الدود. قال فكره عمر أن يحملهم في البحر. قال هشام وقال سعيد بن أبي هلال: فأمسك عمر عن ركوب البحر.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا داود بن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن بريدة الأسلمي قال: بينا عمر بن الخطاب يعس ذات ليلة إذا امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها | أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج؟ |
فلما أصبح سأل عنه. فإذا هو من بني سليم فأرسل إليه فأتاه فإذا هو من أحسن الناس شعرا وأصبحهم وجها. فأمره عمر أن يطم شعره ففعل. فخرجت جبهته فازداد حسنا. فأمره عمر أن يعتم ففعل. فازداد حسنا. فقال عمر: لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها! فأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا داود بن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن بريدة الأسلمي قال: خرج عمر بن الخطاب يعس ذات ليلة فإذا هو بنسوة يتحدثن. فإذا هن يقلن: أي أهل المدينة أصبح؟ فقالت امرأة منهن: أبو ذئب.
فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من بني سليم. فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس. فقال له عمر: أنت والله ذئبهن. مرتين أو ثلاثا. والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها! قال: فإن كنت لا بد مسيرني فسيرني حيث سيرت ابن عمي. يعني نصر بن حجاج السلمي. فأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن ابن عون عن محمد أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا | فدى لك من أخي ثقة إزاري |
قلائصنا. هداك الله. إنا | شغلنا عنكم زمن الحصار |
فما قلص وجدن معقلات | قفا سلع بمختلف البحار |
قلائص من بني سعد بن بكر | وأسلم أو جهينة أو غفار |
يعقلهن جعدة من سليم | معيدا يبتغي سقط العذار |
فقال: ادعوا لي جعدة من ثليم. قال فدعوا به فجلد مائة معقولا ونهاه أن يدخل على امرأة مغيبة.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا عاصم بن العباس الأسدي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كان عمر بن الخطاب يحب الصلاة في كبد الليل.
يعني وسط الليل.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا أبو هلال عن محمد بن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب قد اعتراه نسيان في الصلاة فجعل رجل خلفه يلقنه. فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل.
قال: أخبرنا المعلى بن أسد قال: أخبرنا وهيب بن خالد عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك.
قال: أخبرنا خالد بن مخلد البجلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن الزهري قال: قال عمر بن الخطاب في العام الذي طعن فيه: أيها الناس إني أكلمكم بالكلام فمن حفظه فليحدث به حيث انتهت به راحلته. ومن لم يحفظه فأحرج بالله على امرئ أن يقول علي ما لم أقل.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري قال: أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن فاستخار الله شهرا ثم أصبح وقد عزم له فقال: ذكرت قوما كتبوا كتابا فأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله.
قال: أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن راشد بن سعد أن عمر بن الخطاب أتي بمال فجعل يقسمه بين الناس فازدحموا عليه. فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس حتى خلص إليه فعلاه عمر بالدرة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك.
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة أن حجاما كان يقص عمر بن الخطاب وكان رجلا مهيبا.
فتنحنح عمر فأحدث الحجام. فأمر له عمر بأربعين درهما. والحجام هو سعيد بن الهيلم.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثنا أبي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال في ولايته: من ولي هذا الأمر بعدي فليعلم أن سيريده عنه القريب والبعيد. وايم الله ما كنت إلا أقاتل الناس عن نفسي قتالا.
قال: أخبرنا مطرف بن عبد الله قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن معمر بن محمد عن أبيه محمد بن زيد قال: اجتمع علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد. وكان أجرأهم على عمر عبد الرحمن بن عوف.
فقالوا: يا عبد الرحمن لو كلمت أمير المؤمنين للناس فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجة حتى يرجع ولم يقض حاجته. فدخل عليه فكلمه فقال: يا أمير المؤمنين لن للناس فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك. قال: يا عبد الرحمن أنشدك الله أعلي وعثمان وطلحة والزبير وسعد أمروك بهذا؟ قال: اللهم نعم. قال: يا عبد الرحمن والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة. فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي يجر رداءه يقول بيده: أف لهم بعدك. أف لهم بعدك! قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس. فمن كانت له حاجة نظر فيها. فصلى صلوات لا يجلس فيها فأتيت الباب فقلت: يا يرفا. فخرج علينا يرفا. فقلت: أبأمير المؤمنين شكوى؟ قال: لا. فبينا أنا كذلك إذ جاء عثمان فدخل يرفا ثم خرج علينا فقال: قم يا ابن عفان. قم يا ابن عباس. فدخلنا على عمر وبين يديه صبر من مال. على كل صبرة منها كتف. فقال: إني نظرت فلم أجد بالمدينة أكثر عشيرة منكما. خذا هذا المال فاقسماه بين الناس. فإن فضل فضل فردا. فأما عثمان فحثا وأما أنا فجثيت لركبتي فقلت: وإن كان نقصانا رددت علينا؟
فقال: شنشنة من أخشن. قال سفيان: يعني حجرا من جبل. أما كان هذا عند الله إذ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون القد؟ قلت: بلى ولو فتح عليه لصنع غير الذي
تصنع. قال: وما كان يصنع؟ قلت: إذا لأكل وأطعمنا. قال: فرأيته نشج حتى اختلفت أضلاعه وقال: لوددت أني خرجت منه كفافا لا علي ولا لي.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: أصيب بعير من المال زعم يحيى من الفيء فنحره عمر وأرسل إلى أزواج النبي منه وصنع ما بقي فدعا عليه من المسلمين وفيهم يومئذ العباس بن عبد المطلب. فقال العباس: يا أمير المؤمنين لو صنعت لنا كل يوم مثل هذا فأكلنا عندك وتحدثنا. فقال عمر: لا أعود لمثلها. إنه مضى صاحبان لي. يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عملا عملا وسلكا طريقا وإني إن عملت بغير عملهما سلك بي طريق غير طريقهما.
قال: أخبرنا عبد الله بن مسلم بن قعنب الحارثي قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب خرج فقعد على المنبر فثاب الناس إليه حتى سمع به أهل العالية فنزلوا فعلمهم حتى ما بقي وجه إلا علمهم. ثم أتى أهله وقال: قد سمعتم ما نهيت عنه وإني لا أعرف أن أحدا منكم يأتي شيئا مما نهيت عنه إلا ضاعفت له العذاب ضعفين. أو كما قال.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: لا أعلمن أحدا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عروة قال: كان عمر إذا أتاه الخصمان برك على ركبتيه وقال: اللهم أعني عليهما فإن كل واحد منهما يريدني عن ديني.
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق ومحمد بن عبد الله الأنصاري وهوذة بن خليفة قالوا: أخبرنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال: قال عمر بن الخطاب: ما بقي في شيء من أمر الجاهلية إلا أني لست أبالي إلى أي الناس نكحت وأيهم أنكحت.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا القاسم بن الفضل قال: حدثني معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص الثقفي قال: كنت قاعدا مع عمر بن الخطاب فأتاه رجل فسلم عليه فقال له عمر: بينك وبين أهل نجران قرابة؟ قال
الرجل: لا. قال عمر: بلى. قال الرجل: لا. قال عمر: بلى والله. أنشد الله كل رجل من المسلمين يعلم أن بين هذا وبين أهل نجران قرابة لما تكلم. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين بلى بينه وبين أهل نجران قرابة من قبل كذا وكذا. فقال له عمر: مه فإنا نقفو الآثار.
قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا سفيان عن أبي نهيك عن زياد بن حدير قال: رأيت عمر أكثر الناس صياما وأكثرهم سواكا.
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا زهير بن معاوية قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال عمر بن الخطاب: لو كنت أطيق مع الخليفى لأذنت.
قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا مسعر بن كدام عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن أبي جعدة قال: قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبيني لله في التراب أو أجالس قوما يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال: أخبرنا عمر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه قال: قالت الشفاء ابنة عبد الله. ورأت فتيانا يقصدون في المشي ويتكلمون رويدا فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نساك. فقالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع. وهو الناسك حقا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور عن أبيها المسور بن مخرمة قال: كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن يحيى. يعني ابن سعيد. قال: قال عمر بن الخطاب ما أبالي إذا اختصم إلي رجلان لأيهما كان الحق.
[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا وهيب بن خالد قال: أخبرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أشد أمتي في أمر الله عمر].
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا محمد بن قيس الأسدي عن العلاء بن أبي عائشة أن عمر بن الخطاب دعا بحلاق فحلقه بموسى. يعني جسده.
فاستشرف له الناس فقال: أيها الناس. إن هذا ليس من السنة ولكن النورة من النعيم فكرهتها.
قال: أخبرنا حجاج بن محمد قال: أخبرنا أبو هلال الراسبي عن قتادة قال: كان الخلفاء لا يتنورون. أبو بكر وعمر وعثمان.
قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة بلغه عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله فقال لي: يا عمر إن وليت من أمر الناس شيئا فخذ بسيرة هذين.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس المديني عن الزهري عن سالم قال: كان عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر لا يعرف فيهما البر حتى يقولا أو يفعلا. قال: قلت يا أبا بكر ما تعني بذلك؟ قال: لم يكونا مؤنثين ولا متماوتين.
قال: أخبرنا معن بن عيسى وعبد الله بن مسلمة بن قعنب قالا: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: كان البر لا يعرف في عمر ولا في ابنه حتى يقولا أو يفعلا.
قال: أخبرنا معن بن عيسى وعبد الله بن مسلمة بن قعنب قالا: أخبرنا مالك بن أنس عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع قال معن: إن عمر بن الخطاب كان يسير ببعض طريق مكة. وقال عبد الله بن مسلمة عن قطن بن وهب عن عمه إنه كان مع عمر بن الخطاب في سفر فلما كان قريبا من الروحاء. قال معن وعبد الله بن مسلمة في حديثهما. فسمع صوت راع في جبل فعدل إليه فلما دنا منه صاح: يا راعي الغنم.
فأجابه الراعي فقال: يا راعيها. فقال عمر: إني قد مررت بمكان هو أخصب من مكانك وإن كل راع مسؤول عن رعيته. ثم عدل صدور الركاب.
قال: أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني عن النعمان بن ثابت عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية قال: سئل عمر عن شيء فقال: لولا أني أكره أن أزيد في الحديث أو أنتقص منه لحدثتكم به.
قال: أخبرنا معن بن عيسى وروح بن عبادة قالا: أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب
يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول. وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ والله بني الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثني أبي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول: إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم.
قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس عن هشام بن حسان عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله. فإذا رتع الإمام رتعوا.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثني أبي عن عاصم بن محمد عن زيد بن أسلم قال: أخبرني أسلم أبي أن عبد الله بن عمر قال: يا أسلم أخبرني عن عمر. قال: فأخبرته عن بعض شأنه فقال عبد الله: ما رأيت أحدا قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجد ولا أجود حتى انتهى. من عمر.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا مندل بن علي عن عاصم قال: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: والذي لو شاء أن تنطق قناني نطقت لو كان عمر بن الخطاب ميزانا ما كان فيه ميط شعرة.
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي المكي قال: أخبرنا أبو عمير الحارث بن عمير عن رجل أن عمر بن الخطاب رقي المنبر وجمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني وما لي من أكال يأكله الناس إلا أن لي خالات من بني مخزوم فكنت أستعذب لهن الماء فيقبضن لي القبضات من الزبيب.
قال ثم نزل عن المنبر فقيل له: ما أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إني وجدت في نفسي شيئا فأردت أن أطأطئ منها.
قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جعفر قال: قال سفيان. يعني ابن عيينة: قال عمر بن الخطاب: أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا حميد عن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب مضطجعا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا والله الملك الهنيء.
قال: أخبرنا خالد بن مخلد البجلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر قال: أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب يأخذ بأذن الفرس ويأخذ بيده الأخرى أذنه ثم ينزو على متن الفرس.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: كان عمر بن الخطاب يأمر عماله أن يوافوه بالموسم فإذا اجتمعوا قال: أيها الناس. إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم. إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم. فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك فلانا ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه. قال: فدعنا فلنرضه. قال: دونكم فأرضوه. فافتدى منه بمائتي دينار. كل سوط بدينارين.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: كان عمر بن الخطاب يعس المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحدا إلا أخرجه إلا رجلا قائما يصلي. فمر بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبي بن كعب فقال: من هؤلاء؟ قال أبي: نفر من أهلك يا أمير المؤمنين. قال: ما خلفكم بعد الصلاة؟ قال: جلسنا نذكر الله. قال فجلس معهم ثم قال لأدناهم إليه: خذ. قال فدعا فاستقرأهم رجلا رجلا يدعون حتى انتهى إلي وأنا إلى جنبه فقال: هات. فحصرت وأخذني من الرعدة أفكل حتى جعل يجد مس ذلك مني. فقال: ولو أن تقول اللهم اغفر لنا. اللهم ارحمنا. قال ثم أخذ عمر فما كان في القوم أكثر دمعة ولا أشد بكاء منه. ثم قال: إيها الآن فتفرقوا.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فرج بن فضالة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري قال: كان عمر بن الخطاب يجلس متربعا ويستلقي على ظهره ويرفع إحدى رجليه على الأخرى.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فرج بن فضالة عن محمد بن الوليد عن الزهري قال: قال عمر بن الخطاب إذا أطال أحدكم الجلوس في المسجد فلا عليه أن يضع جنبه فإنه أجدر أن لا يمل جلوسه.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد بن سيرين قال: قتل عمر ولم يجمع القرآن.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عائذ بن يحيى عن أبي الحويرث عن جبير بن الحويرث بن نقيد أن عمر بن الخطاب استشار المسلمين في تدوين الديوان فقال له علي بن أبي طالب: تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من مال ولا تمسك منه شيئا. وقال عثمان بن عفان: أرى مالا كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى تعرف من أخذ ممن لم يأخذ. خشيت أن ينتشر الأمر. فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة: يا أمير المؤمنين قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا وجندوا جنودا فدون ديوانا وجند جنودا. فأخذ بقوله فدعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من نساب قريش فقال: اكتبوا الناس على منازلهم. فكتبوا فبدءوا ببني هاشم ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه. ثم عمر وقومه على الخلافة. فلما نظر إليه عمر قال: وددت والله أنه هكذا ولكن ابدءوا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: رأيت عمر بن الخطاب حين عرض عليه الكتاب. وبنو تيم على أثر بني هاشم. وبنو عدي على أثر بني تيم. فأسمعه يقول: ضعوا عمر موضعه وابدءوا بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بنو عدي إلى عمر فقالوا: أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خليفة أبي بكر وأبو بكر خليفة رسول الله. ع. قالوا: وذاك فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم. قال: بخ بخ بني عدي. أردتم الأكل على ظهري لأن أذهب حسناتي لكم. لا والله حتى تأتيكم الدعوة وإن أطبق عليكم الدفتر. يعني ولو أن تكتبوا آخر الناس. إن لي صاحبين سلكا طريقا فإن خالفتهما خولف بي. والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ولا ما نرجو من الآخرة من ثواب الله على ما عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو شرفنا وقومه أشرف العرب ثم الأقرب فالأقرب. إن العرب شرفت برسول الله. ولو أن بعضنا يلقاه إلى آباء كثيرة وما بيننا وبين أن نلقاه إلى نسبه ثم لا نفارقه إلى آدم إلا آباء يسيرة مع ذلك. والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمد منا يوم القيامة. فلا ينظر رجل إلى القرابة ويعمل لما عند الله. فإن من قصر به عمله لا يسرع به نسبه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن يحيى بن عبد الله بن مالك عن أبيه عن جده. قال محمد بن عمر وأخبرنا سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس. قال محمد بن عمر وأخبرنا عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي. قال محمد بن عمر وأخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: وحدثني بعضهم في حديث بعض. قالوا: لما أجمع عمر بن الخطاب على تدوين الديوان وذلك في المحرم سنة عشرين بدأ ببني هاشم في الدعوة. ثم الأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان القوم إذا استووا في القرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أهل السابقة حتى انتهى إلى الأنصار فقالوا: بمن نبدأ؟ فقال عمر: ابدءوا برهط سعد بن معاذ الأشهلي ثم الأقرب فالأقرب بسعد بن معاذ. وفرض عمر لأهل الديوان ففضل أهل السوابق والمشاهد في الفرائض. وكان أبو بكر الصديق قد سوى بين الناس في القسم فقيل لعمر في ذلك فقال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه. فبدأ بمن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار ففرض لكل رجل منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة. حليفهم ومولاهم معهم بالسواء. وفرض لمن كان له إسلام كإسلام أهل بدر من مهاجرة الحبشة ومن شهد أحدا أربعة آلاف درهم لكل رجل منهم. وفرض لأبناء البدريين ألفين ألفين إلا حسنا وحسينا فإنه ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم. وفرض للعباس بن عبد المطلب خمسة آلاف درهم لقرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: وقد روى بعضهم أنه فرض له سبعة آلاف درهم. وقال سائرهم: لم يفضل أحدا على أهل بدر إلا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنه فرض لكل امرأة منهن اثني عشر ألف درهم. جويرية بنت الحارث وصفية بنت حيي فيهن. هذا المجتمع عليه.
وفرض لمن هاجر قبل الفتح لكل رجل ثلاثة آلاف درهم. وفرض لمسلمة الفتح لكل رجل منهم ألفين. وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين والأنصار كفرائض مسلمة الفتح. وفرض لعمر بن أبي سلمة أربعة آلاف درهم. فقال محمد بن عبد الله بن جحش: لم تفضل عمر علينا فقد هاجر آباؤنا وشهدوا؟ فقال عمر: أفضله لمكانه من النبي صلى الله عليه وسلم فليأت الذي يستعتب بأم مثل أم سلمة أعتبه. وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف درهم. فقال عبد الله بن عمر: فرضت لي ثلاثة آلاف
وفرضت لأسامة في أربعة آلاف وقد شهدت ما لم يشهد أسامة. فقال عمر: زدته لأنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وكان أبوه أحب إلى رسول الله. ع.
من أبيك. ثم فرض للناس على منازلهم وقراءتهم للقرآن وجهادهم. ثم جعل من بقي من الناس بابا واحدا فألحق من جاءهم من المسلمين بالمدينة في خمسة وعشرين دينارا لكل رجل. وفرض للمحررين معهم. وفرض لأهل اليمن وقيس بالشام والعراق لكل رجل ألفين إلى ألف إلى تسعمائة إلى خمسمائة إلى ثلاثمائة لم ينقص أحدا من ثلاثمائة. وقال: لئن كثر المال لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم. ألف لسفره وألف لسلاحه وألف يخلفها لأهله وألف لفرسه وبغله. وفرض لنساء مهاجرات. فرض لصفية بنت عبد المطلب ستة آلاف درهم. ولأسماء ابنة عميس ألف درهم. ولأم كلثوم بنت عقبة ألف درهم. ولأم عبد الله بن مسعود ألف درهم. وقد روي أنه فرض للنساء المهاجرات ثلاثة آلاف درهم لكل واحدة. وأمر عمر فكتب له عيال أهل العوالي فكان يجري عليهم القوت. ثم كان عثمان فوسع عليهم في القوت والكسوة.
وكان عمر يفرض للمنفوس مائة درهم فإذا ترعرع بلغ به مائتي درهم فإذا بلغ زاده.
وكان إذا أتي باللقيط فرض له مائة درهم وفرض له رزقا يأخذه وليه كل شهر ما يصلحه. ثم ينقله من سنة إلى سنة. وكان يوصي بهم خيرا ويجعل رضاعهم ونفقتهم من بيت المال.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني حزام بن هشام الكعبي عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب يحمل ديوان خزاعة حتى ينزل قديدا فتأتيه بقديد فلا يغيب عنه امرأة بكر ولا ثيب فيعطيهن في أيديهن ثم يروح فينزل عسفان فيفعل مثل ذلك أيضا حتى توفي.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن محمد بن زيد قال: كان ديوان حمير على عهد عمر على حده.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر العمري عن جهم بن أبي جهم قال: قدم خالد بن عرفطة العذري على عمر فسأله عما وراءه فقال: يا أمير المؤمنين تركت من ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم. ما وطيء أحد القادسية إلا عطاؤه ألفان أو خمس عشرة مائة. وما من مولود يولد إلا ألحق على مائة وجريبين كل شهر ذكرا كان أو أنثى. وما يبلغ لنا ذكر إلا ألحق على خمسمائة أو ستمائة. فإذا خرج هذا لأهل بيت منهم من يأكل الطعام ومنهم من لا يأكل الطعام.
فما ظنك به؟ فإنه لينفقه فيما ينبغي وفيما لا ينبغي. قال عمر: فالله المستعان إنما هو حقهم أعطوه وأنا أسعد بأدائه إليهم منهم بأخذه. فلا تحمدني عليه فإنه لو كان من مال الخطاب ما أعطيتموه ولكني قد علمت أن فيه فضلا ولا ينبغي أن أحبسه عنهم. فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء العريب ابتاع منه غنما فجعلها بسوادهم ثم إذا خرج العطاء الثانية ابتاع الرأس فجعله فيها فإني. ويحك يا خالد بن عرفطة. أخاف عليكم أن يليكم بعدي ولاة لا يعد العطاء في زمانهم مالا. فإن بقي أحد منهم أو أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه فيتكئون عليه. فإن نصيحتي لك وأنت عندي جالس كنصيحتي لمن هو بأقصى ثغر من ثغور المسلمين وذلك لما طوقني الله من أمرهم.
[قال رسول الله. ص: من مات غاشا لرعيته لم يرح رائحة الجنة].
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عمرو السميعي عن الحسن قال: كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم. فكتب إليه: إنا قد فعلنا وبقي شيء كثير. فكتب إليه عمر إنه فيؤهم الذي أفاء الله عليهم. ليس هو لعمر ولا لآل عمر. اقسمه بينهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الزهري وعبد الملك بن سليمان عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: والذي لا إله إلا هو. ثلاثا. ما من الناس أحد إلا له في هذا المال حق أعطيه أو منعه. وما أحد بأحق به من أحد إلا عبد مملوك. وما أنا فيه إلا كأحدهم ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرجل وبلاؤه في الإسلام. والرجل وقدمه في الإسلام. والرجل وغناؤه في الإسلام.
والرجل وحاجته. والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه. قال إسماعيل بن محمد: فذكرت ذلك لأبي فعرف الحديث.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن المنكدر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما على الأرض مسلم لا يملكون رقبته إلا له في هذا الفيء حق أعطيه أو منعه. ولئن عشت ليأتين الراعي باليمن حقه قبل أن يحمر وجهه. يعني في طلبه.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة أنه قدم على عمر من البحرين. قال أبو هريرة: فلقيته في صلاة العشاء الآخرة فسلمت عليه فسألني عن الناس. قال: هل تدري ما تقول؟ قلت: جئت بخمسمائة ألف درهم. قال: ماذا تقول؟ قال قلت: مائة ألف. مائة ألف. مائة ألف. مائة ألف.
مائة ألف. حتى عددت خمسا. قال: إنك ناعس فارجع إلى أهلك فنم فإذا أصبحت فأتني. فقال أبو هريرة: فغدوت إليه. فقال: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمسمائة ألف درهم. قال عمر: أطيب؟ قلت: نعم لا أعلم إلا ذلك. فقال للناس: إنه قد قدم علينا مال كثير فإن شئتم أن نعد لكم عددا وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديوانا يعطون الناس عليه. قال: فدون الديوان وفرض للمهاجرين الأولين في خمسة آلاف خمسة آلاف. وللأنصار في أربعة آلاف أربعة آلاف. ولأزواج النبي. عليه السلام. في اثني عشر ألفا.
قال يزيد: قال محمد بن عمرو وحدثني يزيد بن خصيفة عن عبد الله بن رافع عن برزة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها. فلما دخل عليها قالت: غفر الله لعمر! غيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني. فقالوا: هذا كله لك. قالت: سبحان الله! واستترت منه بثوب. قالت: صبوه واطرحوه عليه ثوبا. ثم قالت لي: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان. من أهل رحمها وأيتامها. فقسمته حتى بقيت بقية تحت الثوب فقالت لها برزة بنت رافع: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! والله لقد كان لنا في هذا حق.
فقالت: فلكم ما تحت الثوب. قالت: فكشفنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهما.
ثم رفعت يديها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا.
فماتت.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو عقيل يحيى بن المتوكل قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم الليلة من السرق؟ فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما. فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله واحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه. فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه. فلما كان في آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال: ويحك. إني لأراك أم سوء. ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة؟ قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة. إني أريغه عن الفطام فأبى.
قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرا. قال: ويحك لا تعجليه! فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء. فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين! ثم أمر مناديا فنادى: ألا لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق: إنا نفرض لكل مولود في الإسلام.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: استشارهم عمر في العطاء بمن يبدأ فقالوا: ابدأ بنفسك. قال فبدأ بالأقارب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قومه.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: والله لئن بقيت إلى هذا العام المقبل لألحقن آخر الناس بأولهم ولأجعلنهم رجلا واحدا.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب قال: لئن بقيت إلى الحول لألحقن أسفل الناس بأعلاهم.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر قال: لئن عشت حتى يكثر المال لأجعلن عطاء الرجل المسلم ثلاثة آلاف. ألف لكراعه وسلاحه. وألف نفقة له. وألف نفقة لأهله.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا أبو الأشهب قال: أخبرنا الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: لقد علمت نصيبي من هذا الأمر لأتى الراعي بسروات حمير نصيبه وهو لا يعرق جبينه فيه.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو قال: قسم عمر بن الخطاب بين أهل مكة مرة عشرة عشرة فأعطى رجلا. فقيل: يا أمير المؤمنين إنه مملوك. قال: ردوه ردوه. ثم قال: دعوه.
قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال عمر: إني لأرجو أن أكيل لهم المال بالصاع.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير. يحمل الرجل إلى الشام على بعير ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير. فجاءه رجل من أهل العراق قال: احملني وسحيما. فقال عمر: أنشدك بالله أسحيم زق؟ قال: نعم.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان عمر بن الخطاب يرسل إلينا بأحظائنا حتى من الرؤوس والأكارع.
قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال عمر بن الخطاب: لأزيدنهم ما زاد المال. لأعدنه لهم عدا. فإن أعياني لأكيلنه لهم كيلا. فإن أعياني حثوته بغير حساب.
قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا أبو هلال قال: أخبرنا الحسن قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى: أما بعد فأعلم يوما من السنة لا يبقى في بيت المال درهم حتى يكتسح اكتساحا حتى يعلم الله أني قد أديت إلى كل ذي حق حقه.
قال الحسن: فأخذ صفوها وترك كدرها حتى ألحقه الله بصاحبيه.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة قال: أخبرنا حميد بن هلال قال: أخبرنا زهير بن حيان قال: وكان زهير يلقى ابن عباس ويسمع منه. قال: قال ابن عباس: دعاني عمر بن الخطاب فأتيته فإذا بين يديه نطع عليه الذهب منثور حثا. قال: يقول ابن عباس. أخبرنا زهير. هل تدري ما حثا؟ قال قلت: لا. قال: التبر. قال: هلم فاقسم هذا بين قومك. فالله أعلم حيث زوى هذا عن نبيه. ع. وعن أبي بكر فأعطيته لخير أعطيته أو لشر.
قال فأكببت عليه أقسم وأزيل. قال فسمعت البكاء. قال فإذا صوت عمر يبكي ويقول في بكائه: كلا والذي نفسي بيده ما حبسه عن نبيه. ع. وعن أبي بكر إرادة الشر لهما وأعطاه عمر إرادة الخير له.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أن صهرا لعمر بن الخطاب قدم على عمر فعرض له أن يعطيه من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكا خائنا. فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.
قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن سعيد بن زيد عن
سالم أبي عبد الله قال: فرض عمر بن الخطاب للناس حتى لم يدع أحدا من الناس إلا فرض له حتى بقيت بقية لا عشائر لهم ولا موالي ففرض لهم ما بين المائتين وخمسين إلى ثلاثمائة.
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب فرض لأهل بدر من المهاجرين من قريش والعرب والموالي خمسة آلاف خمسة آلاف. وللأنصار ومواليهم أربعة آلاف أربعة آلاف.
قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا أبو إسحاق عن مصعب بن سعد أن عمر أول من فرض الأعطية. فرض لأهل بدر والمهاجرين والأنصار ستة آلاف ستة آلاف. وفرض لأزواج النبي. ع. ففضل عليهن عائشة. فرض لها في اثني عشر ألفا ولسائرهن عشرة آلاف عشرة آلاف غير جويرية وصفية فرض لهما في ستة آلاف ستة آلاف. وفرض للمهاجرات الأول: أسماء بنت عميس وأسماء بنت أبي بكر وأم عبد. أم عبد الله بن مسعود. ألفا ألفا.
قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا أبو إسحاق قال: روي عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر: لئن عشت لأجعلن عطاء المسلمين ثلاثة آلاف.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن الأسود بن قيس عن شيخ لهم قال: قال عمر بن الخطاب: لئن عشت لأجعلن عطاء سفلة الناس ألفين.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا هارون البربري عن عبد الله بن عبيد ابن عمير قال: قال عمر بن الخطاب: والله لأزيدن الناس ما زاد المال. لأعدن لهم عدا فإن أعياني كثرته لأحثون لهم حثوا بغير حساب. هو مالهم يأخذونه.
قال: أخبرنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا زهير عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر أمر بجريب من طعام فعجن ثم خبز ثم ثرد. ثم دعا عليه ثلاثين رجلا فأكلوا منه. ثم فعل في العشاء مثل ذلك. ثم قال: يكفي الرجل جريبان كل شهر.
فرزق الناس جريبين كل شهر. المرأة والرجل والمملوك جريبين جريبين كل شهر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عاصم بن عبد الله بن أسعد الجهني
عن عمران بن سويد عن ابن المسيب عن عمر قال: أيما عامل لي ظلم أحدا فبلغتني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر عن الزهري عن عمر بن الخطاب قال: إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عاصم بن عمر عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر قال: لو مات جمل ضياعا على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عكرمة بن عبد الله بن فروخ عن أبي وجزة عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب يحمي النقيع لخيل المسلمين ويحمي الربذة والشرف لإبل الصدقة. يحمل على ثلاثين ألف بعير في سبيل الله كل سنة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا يزيد بن فراس عن يزيد بن شريك الفزاري قال: عقلت عمر بن الخطاب يحمل على ثلاثين ألف بعير كل حول في سبيل الله. وعلى ثلاثمائة فرس. وكانت الخيل ترعى في النقيع.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الله الزهري عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: رأيت خيلا عند عمر بن الخطاب. رحمه الله. موسومة في أفخاذها: حبيس في سبيل الله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عكرمة بن عبد الله بن فروخ عن السائب بن يزيد قال: رأيت عمر بن الخطاب السنة يصلح أداة الإبل التي يحمل عليها في سبيل الله براذعها وأقتابها. فإذا حمل الرجل على البعير جعل معه أداته.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب استأذنه أهل الطريق يبنون ما بين مكة والمدينة فأذن لهم وقال: ابن السبيل أحق بالماء والظل.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني قيس بن الربيع عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب أنه كان يغزي الأعزب عن ذي الجليلة.
ويغزي الفارس عن القاعد.
قال: أخبرها محمد بن عمر قال: حدثني ابن أبي سبرة عن خارجة بن عبد الله
ابن كعب عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه كان يعقب بين الغزاة وينهى أن تحمل الذرية إلى الثغور.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن زادان عن سلمان أن عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة. فاستعبر عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن الحارث عن أبيه عن سفيان ابن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك. فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم. قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا. قال: ما هو؟
قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا في حق. فأنت بحمد الله كذلك. والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا. فسكت عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن محمد بن عقبة عن سالم عن ابن عمر أن عمر أمر عماله فكتبوا أموالهم. منهم سعد ابن أبي وقاص. فشاطرهم عمر أموالهم فأخذ نصفا وأعطاهم نصفا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي أن عمر كان إذا استعمل عاملا كتب ماله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عثمان بن عبد الله بن زياد مولى مصعب بن الزبير عن أيوب بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: مكث عمر زمانا لا يأكل من المال شيئا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة. وأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشارهم فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر. فما يصلح لي [منه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم. قال وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وقال لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء. قال فأخذ عمر بذلك].
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب أن عمر استشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله لأطوقنكم من ذلك طوق الحمامة. ما يصلح لي من هذا المال؟ [فقال علي: غداء وعشاء. قال: صدقت.]
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: كان عمر يقوت نفسه وأهله ويكتسي الحلة في الصيف. ولربما خرق الإزار حتى يرقعه فما يبدل مكانه حتى يأتي الإبان. وما من عام يكثر فيه المال إلا كسوته فيما أرى أدنى من العام الماضي. فكلمته في ذلك حفصة فقال: إنما أكتسي من مال المسلمين وهذا يبلغني.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب يستنفق كل يوم درهمين له ولعياله. وإنه أنفق في حجته ثمانين ومائة درهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عمر بن صالح عن صالح مولى التومة عن ابن الزبير قال: أنفق عمر ثمانين ومائة درهم فقال: قد أسرفنا في هذا المال.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني علي بن محمد عن أبيه عن ابن عمر أن عمر أنفق في حجته ستة عشر دينارا فقال: يا عبد الله بن عمر أسرفنا في هذا المال.
قال وهذا مثل الأول على صرف اثني عشر درهما بدينار.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لما ولي عمر أكل هو وأهله من المال واحترف في مال نفسه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن سليمان عن عبد الله بن واقد عن ابن عمر قال: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل طنفسة أراها تكون ذراعا وشبرا فدخل عليها عمر فرآها فقال: أنى لك هذه؟
فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري. فأخذها عمر فضرب بها رأسها حتى نغص رأسها ثم قال: علي بأبي موسى الأشعري وأتعبوه. قال فأتي به قد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين. فقال عمر: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها فلا حاجة لنا فيها.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر وعبد الله بن زيد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال لي عمر: يا أسلم أمسك على الباب ولا تأخذن من أحد شيئا. قال فرأى علي يوما ثوبا جديدا فقال: من أين لك هذا؟ قلت: كسانيه عبيد الله بن عمر. فقال: أما عبيد الله فخذه منه وأما غيره فلا تأخذن منه شيئا. قال أسلم: فجاء الزبير وأنا على الباب فسألني أن يدخل فقلت: أمير المؤمنين مشغول ساعة. فرفع يده فضرب خلف أذني ضربة صيحتني. قال فدخلت على عمر فقال: ما لك؟ فقلت: ضربني الزبير. وأخبرته خبره. قال فجعل عمر يقول: الزبير والله أرى.
ثم قال: أدخله. فأدخلته على عمر فقال عمر: لم ضربت هذا الغلام؟ فقال الزبير: زعم أنه سيمنعنا من الدخول عليك. فقال عمر: هل ردك عن بابي قط؟ قال: لا. قال عمر: فإن قال لك اصبر ساعة فإن أمير المؤمنين مشغول لم تعذرني. إنه والله إنما يدمى السبع للسباع فتأكله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: جاء بلال أن يستأذن على عمر فقلت: إنه نائم. فقال: يا أسلم كيف تجدون عمر؟ فقلت: خير الناس إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم. فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عون بن مالك الدار عن أبيه عن جده قال: صاح علي عمر يوما وعلاني بالدرة. فقلت أذكرك بالله. قال فطرحها وقال: لقد ذكرتني عظيما.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو خوف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد.
قال: أخبرنا محمد بن عمر. حدثني حزام بن هشام عن أبيه قال: لما صدر الناس عن الحج سنة ثماني عشرة أصاب الناس جهد شديد وأجدبت البلاد وهلكت الماشية وجاع الناس وهلكوا حتى كان الناس يرون يستفون الرمة ويحفرون نفق اليرابيع والجرذان يخرجون ما فيها.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل بن عوف عن الحارث عن أبيه قال: سمي ذلك العام عام الرمادة لأن الأرض كلها صارت سوداء فشبهت بالرماد وكانت تسعة أشهر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص عام الرمادة: بسم الله الرحمن
الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي. سلام عليك. أما بعد أفتراني هالكا ومن قبلي وتعيش أنت ومن قبلك؟ فيا غوثاه. ثلاثا. قال فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد أتاك الغوث فلبث لبث. لأبعثن إليك بعير أولها عندك وآخرها عندي. قال فلما قدم أول الطعام كلم عمر بن الخطاب الزبير بن العوام فقال له: تعترض للعير فتميلها إلى أهل البادية فتقسمها بينهم. فو الله لعلك ألا تكون أصبت بعد صحبتك رسول الله صلى الله عليه وسلم
شيئا أفضل منه. قال فأبى الزبير واعتل. قال وأقبل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فقال عمر: لكن هذا لا يأبى. فكلمه عمر ففعل وخرج فقال له عمر: أما ما لقيت من الطعام فمل به إلى أهل البادية. فأما الظروف فاجعلها لحفا يلبسونها وأما الإبل فانحرها لهم يأكلون من لحومها ويحملون من ودكها ولا تنتظر أن يقولوا ننتظر بها الحيا. وأما الدقيق فيصطنعون ويحرزون حتى يأتي أمر الله لهم بالفرج. وكان عمر يصنع الطعام وينادي مناديه: من أحب أن يحضر طعاما فيأكل فليفعل. ومن أحب أن يأخذ ما يكفيه وأهله فليأت فليأخذه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إسحاق بن يحيى قال: حدثني موسى ابن طلحة قال: كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن ابعث إلينا بالطعام على الإبل وابعث في البحر. فبعث عمرو على الإبل فلقيت الإبل بأفواه الشام فعدل بها رسله يمينا وشمالا ينحرون الجزر ويطعمون الدقيق ويكسون العباء. وبعث رجلا إلى الجار إلى الطعام الذي بعث به عمرو من مصر في البحر فحمل إلى أهل تهامة يطعمونه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني حزام بن هشام عن أبيه قال: رأيت رسل عمر ما بين مكة والمدينة يطعمون الطعام من الجار. وبعث إليه يزيد بن أبي سفيان من الشام بطعام. قال ابن سعد: هذا غلط. يزيد بن أبي سفيان كان قد مات يومئذ وإنما كتب إلى معاوية. فبعث إليه من يتلقاه بأفواه الشام يصنع به كالذي يصنع رسل عمر ويطعمون الناس الدقيق وينحرون لهم الجزر ويكسونهم العباء. وبعث إليه سعد بن أبي وقاص من العراق بمثل ذلك. فأرسل إليه من لقيه بأفواه العراق فجعلوا ينحرون الجزر ويطعمون الدقيق ويكسونهم العباء حتى رفع الله ذلك عن المسلمين.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عون المالكي عن أبيه عن جده قال: كتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن يبعث إليه من الطعام. فبعث عمرو في
البر والبحر وكتب إلى معاوية: إذا جاءك كتابي هذا فابعث إلينا من الطعام بما يصلح من قبلنا فإنهم قد هلكوا إلا أن يرحمهم الله. قال ثم بعث إلى سعد يبعث إليه فبعث إليه. قال فكان عمر يطعم الناس الثريد. الخبز يأدمه بالزيت قد أفير من الفور في القدور وينحر بين الأيام الجزور فيجعلها على الثريد. وكان عمر يأكل مع القوم كما يأكلون.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: كان عمر يصوم الدهر. قال فكان زمان الرمادة إذا أمسى أتي بخبز قد ثرد بالزيت إلى أن نحروا يوما من الأيام جزورا فأطعمها الناس. وغرفوا له طيبها فأتي به فإذا فدر من سنام ومن كبد. فقال: أنى هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم. قال: بخ بخ بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها.
ارفع هذه الجفنة. هات لنا غير هذا الطعام. قال فأتي بخبز وزيت. قال فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز ثم قال: ويحك يا يرفا! احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام. وأحسبهم مقفرين. فضعها بين أيديهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: كان عمر بن الخطاب أحدث في زمان الرمادة أمرا ما كان يفعله. لقد كان يصلي بالناس العشاء ثم يخرج حتى يدخل بيته فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل. ثم يخرج حتى يدخل بيته فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل. ثم يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليها وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: ركب عمر بن الخطاب عام الرمادة دابة فراثت شعيرا فرآها عمر فقال: المسلمون يموتون هزلا وهذه الدابة تأكل الشعير؟ لا والله لا أركبها حتى يحيا الناس.
قال: أخبرنا محمد بن عمر وإسماعيل بن أبي أويس قالا: أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال: وأخبرنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال: أتي عمر بن الخطاب بخبز مقتوت بسمن عام الرمادة فدعا رجلا بدويا فجعل يأكل معه. فجعل
البدوي يتبع باللقمة الودك في جانب الصحفة. فقال له عمر: كأنك مقفر من الودك.
فقال: أجل ما أكلت سمنا ولا زيتا ولا رأيت آكلا له منذ كذا وكذا إلى اليوم. فحلف عمر لا يذوق لحما ولا سمنا حتى يحيا الناس أول ما أحيوا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: لم يأكل عمر بن الخطاب سمنا ولا سمينا حتى أحيا الناس.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: تقرقر بطن عمر بن الخطاب وكان يأكل الزيت عام الرمادة. وكان حرم عليه السمن. فنقر بطنه بإصبعه. قال: تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس.
قال: أخبرنا سعد بن منصور قال: أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لتمرنن أيها البطن على الزيت ما دام السمن يباع بالأواقي.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: أصاب الناس عام سنة فغلا فيها السمن وكان عمر يأكله. فلما قل قال: لا آكله حتى يأكله الناس. فكان يأكل الزيت. فقال: يا أسلم اكسر عني حره بالنار. فكنت أطبخه له فيأكله فيتقرقر بطنه عنه فيقول: تقرقر لا والله لا تأكله حتى يأكله الناس.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن عمر بن الخطاب عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب حرم على نفسه اللحم عام الرمادة حتى يأكله الناس. فكان لعبيد الله بن عمر بهمة فجعلت في التنور فخرج على عمر ريحها فقال: ما أظن أحدا من أهلي اجترأ علي. وهو في نفر من أصحابه. فقال: اذهب فانظر. فوجدتها في التنور فقال عبيد الله: استرني سترك الله! فقال: قد عرف حين أرسلني أن لن أكذبه. فاستخرجها ثم جاء فوضعها بين يديه واعتذر إليه أن تكون كانت بعلمه. وقال عبيد الله: إنما كانت لابني اشتريتها فقرمت إلى اللحم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد قال: حدثني نافع مولى الزبير قال: سمعت أبا هريرة يقول: يرحم الله ابن حنتمة. لقد رأيته عام الرمادة وإنه
ليحمل على ظهره جرابين وعكة زيت في يده. وإنه ليعتقب هو وأسلم. فلما رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريبا. قال فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار فإذا صرم نحو من عشرين بيتا من محارب فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد. قال: فأخرجوا لنا جلد الميتة مشويا كانوا يأكلونه ورمة العظام مسحوقة كانوا يسفونها فرأيت عمر طرح رداءه ثم اتزر فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا. وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبانة ثم كساهم. وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني حزام بن هشام عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب عام الرمادة مر على امرأة وهي تعصد عصيدة لها فقال: ليس هكذا تعصدين. ثم أخذ المسوط فقال: هكذا. فأراها.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن يعقوب عن عمته عن هشام ابن خالد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لا تذرن إحداكن الدقيق حتى يسخن الماء ثم تذره قليلا قليلا وتسوطه بمسوطها فإنه أريع له وأحرى أن لا يتقرد.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن يزيد عن عياض بن خليفة قال: رأيت عمر عام الرمادة وهو أسود اللون. ولقد كان أبيض. فنقول: مم ذا؟
فيقول: كان رجلا عربيا وكان يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس حرمها حتى يحيوا فأكل بالزيت فغير لونه وجاع أكثر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت هما بأمر المسلمين.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد قالت: حدثني بعض نساء عمر قالت: ما قرب عمر امرأة زمن الرمادة حتى أحيا الناس هما.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني يزيد بن فراس الديلي عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب ينحر كل يوم على مائدته عشرين جزورا من جزر بعث بها عمرو ابن العاص من مصر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الجحاف بن عبد الرحمن عن عيسى ابن عبد الله بن مالك الدار عن أبيه عن جده قال: لما كتب عمر إلى عمرو بن العاص يبعث بالطعام في البر والبحر بعث إليه في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والودك.
وبعث إليه في البر بألف بعير تحمل الدقيق. وبعث إليه معاوية بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق. وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة. وبعث إليه عمرو بن العاص بخمسة آلاف كساء. وبعث إليه والي الكوفة بألفي بعير تحمل الدقيق.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الجحاف بن عبد الرحمن عن عيسى ابن معمر قال: نظر عمر بن الخطاب عام الرمادة إلى بطيخة في يد بعض ولده فقال: بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين. تأكل الفاكهة وأمة محمد هزلى؟ فخرج الصبي هاربا وبكى فأسكت عمر بعد ما سأل عن ذلك فقالوا اشتراها بكف من نوى.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن الحجازي عن عجوز من جهينة أدركت عمر بن الخطاب وهي جارية. قالت: سمعت أبي وهو يقول: سمعت عمر بن الخطاب وهو يطعم الناس زمن الرمادة يقول: نطعم ما وجدنا أن نطعم فإن أعوزنا جعلنا مع أهل كل بيت ممن يجد عدتهم ممن لا يجد إلى أن يأتي الله بالحيا.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: لو لم أجد للناس من المال ما يسعهم إلا أن أدخل على كل أهل بيت عدتهم فيقاسمونهم أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بحيا فعلت. فإنهم لن يهلكوا عن أنصاف بطونهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول بعد ما رفع الله المحل في الرمادة: لو لم يرفعه الله لجعلت مع كل أهل بيت مثلهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما كان عام الرمادة تجلبت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة فكان عمر ابن الخطاب قد أمر رجالا يقومون عليهم ويقسمون عليهم أطعمتهم وأدامهم فكان يزيد ابن أخت النمر. وكان المسور بن مخرمة. وكان عبد الرحمن بن عبد القاري.
وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود. فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر فيخبرونه بكل ما
كانوا فيه. وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة. وكان الأعراب حلولا فيما بين رأس الثنية إلى راتج إلى بني حارثة إلى عبد الأشهل إلى البقيع إلى بني قريظة.
ومنهم طائفة بناحية بني سلمة هم محدقون بالمدينة. فسمعت عمر يقول ليلة وقد تعشى الناس عنده: أحصوا من تعشى عندنا. فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل. وقال: أحصوا العيالات الذين لا يأتون والمرضى والصبيان. فأحصوا فوجدوهم أربعين ألفا. ثم مكثنا ليالي فزاد الناس فأمر بهم فأحصوا فوجدوا من تعشى عنده عشرة آلاف والآخرين خمسين ألفا. فما برحوا حتى أرسل الله السماء. فلما مطرت رأيت عمر قد وكل كل قوم من هؤلاء النفر بناحيتهم يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتا وحملانا إلى باديتهم. ولقد رأيت عمر يخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم وبقي ثلث. وكانت قدور عمر يقوم إليها العمال في السحر يعملون الكركور حتى يصبحوا ثم يطعمون المرضى منهم ويعملون العصائد. وكان عمر يأمر بالزيت فيفار في القدور الكبار على النار حتى يذهب حمته وحره ثم يثرد الخبز ثم يؤدم بذلك الزيت. فكانت العرب يحمون من الزيت. وما أكل عمر في بيت أحد من ولده ولا بيت أحد من نسائه ذواقا زمان الرمادة إلا ما يتعشى مع الناس حتى أحيا الله الناس أول ما أحيوا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عثمان بن عبد الله بن زياد عن عمران ابن بشير عن مالك بن أوس بن الحدثان من بني نصر قال: لما كان عام الرمادة قدم على عمر قومي مائة بيت فنزلوا بالجبانة. فكان عمر يطعم الناس من جاءه. ومن لم يأت أرسل إليه بالدقيق والتمر والأدم إلى منزله. فكان يرسل إلى قومي بما يصلحهم شهرا بشهر. وكان يتعاهد مرضاهم وأكفان من مات منهم. لقد رأيت الموت وقع فيهم حين أكلوا الثفل. وكان عمر يأتي بنفسه فيصلي عليهم. لقد رأيته صلى على عشرة جميعا. فلما أحيوا قال: اخرجوا من القرية إلى ما كنتم اعتدتم من البرية. فجعل عمر يحمل الضعيف منهم حتى لحقوا ببلادهم.
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق والفضل بن دكين قالا: أخبرنا زكرياء بن أبي زائدة عن الشعبي عن عبد الله بن عمر قال: رأيت عمر بن الخطاب يتحلب فوه فقلت له: ما شأنك؟ فقال: أشتهي جرادا مقليا.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن
عمر قال: ذكر لعمر جراد بالربذة فقال: لوددت أن عندنا منه قفعة أو قفعتين فنأكل منه.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي الشعثاء عن ابن عمر قال: سمعت عمر يقول على المنبر: وددت أن عندنا خصفة أو خصفتين من جراد فأصبنا منه.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين يطرح له من صاع من تمر فيأكلها حتى يأكل حشفها.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلابي قالا: أخبرنا همام قال: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: حدثني أنس أنه رأى عمر أكل صاعا من تمر بحشفه.
قال: أخبرنا معن بن عيسى عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر مثل ذلك.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين. أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن عبيد الله ابن عاصم أن عمر كان يمسح بنعليه ويقول: إن مناديل آل عمر نعالهم.
قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال: ربما تعشيت عند عمر بن الخطاب فيأكل الخبز واللحم ثم يمسح يده على قدمه ثم يقول: هذا منديل عمر وآل عمر.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة ووهيب بن خالد قالا: أخبرنا حميد عن أنس قال: كان أحب الطعام إلى عمر الثفل وأحب الشراب إليه النبيذ.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم ومسلم بن إبراهيم قالا: أخبرنا جعفر بن سليمان قال: أخبرنا مالك بن دينار عن الحسن قال: ما ادهن عمر بن الخطاب حتى قتل إلا بسمن أو إهالة أو زيت مقتت.
قال: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي عن الأحوص بن حكيم عن أبيه قال: أتي عمر بلحم فيه سمن فأبى أن يأكلهما وقال: كل واحد منهما أدم.
قال: أخبرنا الوليد بن الأغر المكي قال: أخبرنا عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم قال: دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته فقدمت إليه مرقا باردا وخبزا وصبت في المرق زيتا فقال: أدمان في إناء واحد. لا أذوقه حتى ألقى الله.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام عن الحسن أن عمر دخل على رجل فاستسقاه وهو عطشان فأتاه بعسل فقال: ما هذا؟ قال: عسل. قال: والله لا يكون فيما أحاسب به يوم القيامة.
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير وعبد الله بن نمير قالا: أخبرنا الأعمش عن شقيق عن يسار بن نمير قال: والله ما نخلت لعمر الدقيق قط إلا وأنا له عاص.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر بن راشد عن الزهري عن السائب بن يزيد عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب يصلي في جوف الليل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان الرمادة وهو يقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين وارفع عنا البلاء. يردد هذه الكلمة.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا زهير عن أبي عاصم الغطفاني عن يسار بن نمير قال: ما نخلت لعمر الدقيق قط إلا وأنا له عاص.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني يزيد بن فراس الديلي عن السائب بن يزيد قال: رأيت على عمر بن الخطاب إزارا في زمن الرمادة فيه ست عشرة رقعة.
ورداؤه خمس وشبر. وهو يقول: اللهم لا تجعل هلكة أمة محمد على رجلي.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن ساعدة قال: رأيت عمر إذا صلى المغرب نادى: أيها الناس استغفروا ربكم ثم توبوا إليه وسلوه من فضله واستسقوا سقيا رحمة لا سقيا عذاب. فلم يزل كذلك حتى فرج الله ذلك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد قال: حدثني من حضر عمر بن الخطاب عام الرمادة وهو يقول: أيها الناس ادعوا الله أن يذهب عنكم المحل. وهو يطوف على رقبته درة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الثوري عن مطرف عن الشعبي أن عمر خرج يستسقي فقام على المنبر فقرأ هذه الآيات: {استغفروا ربكم إنه كان
غفارا} نوح: 10. ويقول: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} هود: 3. ثم نزل فقيل: يا أمير المؤمنين ما منعك أن تستسقي؟ قال: قد طلبت المطر بمجاديح السماء التي ينزل بها القطر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر بن حفص عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال: رأيت عمر خرج بنا إلى المصلى يستسقي فكان أكثر دعائه الاستغفار حتى قلت لا يزيد عليه. ثم صلى ودعا الله فقال: اللهم اسقنا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الملك بن وهب عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن أبيه قال: لما أجمع عمر على أن يستسقي ويخرج بالناس كتب إلى عماله أن يخرجوا يوم كذا وكذا وأن يتضرعوا إلى ربهم ويطلبوا إليه أن يرفع هذا المحل عنهم. قال وخرج لذلك اليوم برد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى المصلى فخطب الناس وتضرع. وجعل الناس يلحون فما كان أكثر دعائه إلا الاستغفار حتى إذا قرب أن ينصرف رفع يديه مدا وحول رداءه وجعل اليمين على اليسار ثم اليسار على اليمين. ثم مد يديه وجعل يلح في الدعاء. وبكى عمر بكاء طويلا حتى أخضل.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني خالد بن إلياس عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه أن عمر صلى بالناس عام الرمادة ركعتين قبل الخطبة وكبر فيها خمسا وسبعا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون قال: قال عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب: يا أبا الفضل كم بقي علينا من النجوم؟ قال: العواء. قال: كم بقي منها؟ قال ثمانية أيام. قال عمر: عسى الله أن يجعل فيها خيرا. وقال عمر للعباس: اغد غدا إن شاء الله. قال فلما ألح عمر بالدعاء أخذ بيد العباس ثم رفعها وقال: اللهم إنا نتشفع إليك بعم نبيك أن تذهب عنا المحل وأن تسقينا الغيث. فلم يبرحوا حتى سقوا وأطبقت السماء عليه أياما. فلما مطروا وأحيوا شيئا أخرج العرب من المدينة وقال: الحقوا ببلادكم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد عن ميمون بن ميسرة عن السائب بن يزيد قال: نظرت إلى عمر بن الخطاب يوما في الرمادة غدا متبذلا متضرعا عليه برد لا يبلغ ركبتيه. يرفع صوته بالاستغفار وعيناه تهراقان على خديه. وعن يمينه العباس بن عبد المطلب. فدعا يومئذ وهو مستقبل القبلة رافعا يديه إلى السماء وعج إلى ربه. فدعا ودعا الناس معه. ثم أخذ بيد العباس فقال: اللهم إنا نستشفع بعم رسولك إليك. فما زال العباس قائما إلى جنبه مليا والعباس يدعو وعيناه تهملان.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن حاطب عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: رأيت عمر أخذ بيده العباس فقام به فقال: اللهم إنا نستشفع بعم رسولك إليك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني نافع بن ثابت عن أبي الأسود عن سليمان بن يسار قال: خطب عمر بن الخطاب الناس في زمان الرمادة فقد ابتليت بكم وابتليتم بي فما أدري ألسخطة علي دونكم أو عليكم دوني أو قد عمتني وعمتكم.
فهلموا فلندع الله يصلح قلوبنا وأن يرحمنا وأن يرفع عنا المحل. قال فرئي عمر يومئذ رافعا يديه يدعو الله. ودعا الناس وبكى وبكى الناس مليا. ثم نزل.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: أيها الناس إني أخشى أن تكون سخطة عمتنا جميعا فأعتبوا ربكم وانزعوا وتوبوا إليه وأحدثوا خيرا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنا في الرمادة لا نرى سحابا. فلما استسقى عمر بالناس مكثنا أياما ثم جعلنا نرى قزع السحاب. وجعل عمر يظهر التكبير كلما دخل وخرج ويكبر الناس حتى نظرنا إلى سحابة سوداء طلعت من البحر ثم تشاءمت فكانت الحيا بإذن الله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال: كانت العرب قد علمت اليوم الذي استسقى فيه عمر وقد بقيت غبرات منهم فخرجوا يستسقون كأنهم النسور العجاف تخرج من وكورها يعجون إلى الله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سعيد بن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن جده قال: رأيت عمر بن الخطاب حين وقع المطر عام الرمادة يخرج الأعراب يقول: اخرجوا اخرجوا. الحقوا ببلادكم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني خالد بن إلياس عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر أخر الصدقة عام الرمادة فلم يبعث السعاة. فلما كان قابل. ورفع الله ذلك الجدب. أمرهم أن يخرجوا فأخذوا عقالين فأمرهم أن يقسموا عقالا ويقدموا عليه بعقال.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني طلحة بن محمد عن حوشب بن بشر الفزاري عن أبيه قال: رأيتنا عام الرمادة وحصت السنة أموالنا فيبقى عند العدد الكثير الشيء الذي لا ذكر له. فلم يبعث عمر تلك السنة السعاة. فلما كان قابل بعثهم فأخذوا عقالين فقسموا عقالا وقدموا عليه بعقال. فما وجد في بني فزارة كلها إلا ستين فريضة. فقسم ثلاثون وقدم عليه بثلاثين. وكان عمر يبعث السعاة فيأمرهم أن يأتوا الناس حيث كانوا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن كردم أن عمر بعث مصدقا عام الرمادة فقال: أعط من أبقت له السنة غنما وراعيا ولا تعط من أبقت له السنة غنمين وراعيين.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الحكم بن الصلت قال: سمعت يزيد بن شريك الفزاري يقول: أنا في زمن عمر بن الخطاب أرعى البهم. قلت: من كان يبعث عليكم؟ قال: مسلمة بن مخلد. وكان يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيردها على فقرائنا.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان قال: وأخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل قال: وأخبرنا يحيى بن عباد وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حماد بن زيد قال: وأخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا أبو عوانة. قالوا جميعا عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: رأيت عمر بن الخطاب خرج مخرجا لأهل المدينة رجل آدم. طويل. أعسر. أيسر. أصلع. ملبب بردا له قطريا.
يمشي حافيا مشرفا على الناس كأنه راكب على دابة. وهو يقول: يا عباد الله. هاجروا ولا تهجروا واتقوا الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا أو يرسلها بالحجر ثم يقول بأكلها ولكن ليذك لكم الأسل والرماح والنبل.
قال يحيى بن عباد: قال حماد بن زيد: فسئل عاصم عن قوله هاجروا ولا تهجروا فقال: كونوا مهاجرين حقا ولا تشبهوا بالمهاجرين ولستم منهم.
قال محمد بن عمر: هذا الحديث لا يعرف عندنا. إن عمر كان آدم إلا أن يكون رآه عام الرمادة فإنه كان تغير لونه حين أكل الزيت.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي عن عياض بن خليفة قال: رأيت عمر عام الرمادة وهو أسود اللون ولقد كان أبيض فيقال مم ذا؟ فيقول: كان رجلا عربيا وكان يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس حرمها فأكل الزيت حتى غير لونه وجاع فأكثر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عمر بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر رجلا أبيض. أمهق. تعلوه حمرة. طوالا. أصلع.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا شعيب بن طلحة عن أبيه عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن عمر يصف عمر يقول رجل أبيض تعلوه حمرة.
طوال. أصلع. أشيب.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا موسى بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله قال: سمعت ابن عمر يقول: إنما جاءتنا الأدمة من قبل أخوالي وأم عبد الله بن عمر زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح قال: والخال أنزع شيء. وجاءني البضع من أخوالي. فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي. رحمه الله. كان أبي أبيض لا يتزوج النساء لشهوة إلا لطلب الولد.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا حزام بن هشام عن أبيه قال: ما رأيت عمر مع قوم قط إلا رأيت أنه فوقهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: كان عمر رجلا أيسر.
قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا أبو هلال قال: سمعت أبا التياح يحدث في مجلس الحسن قال: لقي رجل راعيا فقال له أشعرت أن ذاك الأعسر الأيسر أسلم؟ يعني عمر. فقال: الذي كان يصارع في سوق عكاظ؟ قال: نعم. قال: أما والله ليوسعنهم خيرا أو ليوسعنهم شرا.
قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سماك بن حرب عن بشر بن قحيف قال محمد بن سعد. وقال غير أبي داود مسلمة بن قحيف. قال: رأيت عمر رجلا ضخما.
قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سماك بن حرب قال: أخبرني هلال قال: رأيت عمر رجلا جسيما كأنه من رجال بني سدوس.
قال: أخبرنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا شعبة عن سماك أحسب عن رجل من قومه يقال له هلال بن عبد الله قال: كان عمر يسرع. يعني في مشيته. وكان رجلا آدم كأنه من رجال بني سدوس. وكان في رجليه روح.
قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: أخبرنا ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم قال: صلع عمر فاشتد صلعه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أسلم قال: رأيت عمر إذا غضب أخذ بهذا. وأشار إلى سبلته. فقال بها إلى فمه ونفخ فيه.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن عمر بن الخطاب أتاه رجل من أهل البادية فقال: يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام ثم تحمى علينا؟ فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه.
قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا سفيان قال: وأخبرنا عبد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل. قالا جميعا عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال عبيد الله في حديثه عن عبد الله قال: ركب عمر فرسا فانكشف ثوبه عن فخذه فرأى أهل نجران بفخذه شامة سوداء فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا.
قال: أخبرنا يحيى بن سعيد الأموي قال: أخبرنا الأعمش عن عدي بن ثابت الأنصاري عن أبي مسعود الأنصاري قال: كنا جلوسا في نادينا فأقبل رجل على فرس يركضه يجري حتى كاد يوطئنا. قال: فارتعنا لذلك وقمنا. قال: فإذا عمر بن الخطاب. قال فقلنا: فمن بعدك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما أنكرتم؟ وجدت نشاطا فأخذت فرسا فركضته.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: خضب عمر بالحناء.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر قال: وأخبرنا خالد بن مخلد البجلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر جميعا عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كان عمر يرجل بالحناء.
قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: كان عمر يخضب بالحناء.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا خالد بن أبي بكر قال: كان عمر يصفر لحيته ويرجل رأسه بالحناء.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: قال أنس بن مالك: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع بين كتفيه برقاع ثلاث لبد بعضها فوق بعض.
قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: رأيت عمر بن الخطاب يرمي جمرة العقبة وعليه إزار مرقوع بفرو. وهو يومئذ وال.
قال: أخبرنا شبابة بن سوار قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: كان بين كتفي عمر بن الخطاب ثلاث رقاع.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس قال: لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميص له.
قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: كنا عند عمر بن الخطاب وعليه قميص في ظهره أربع رقاع فقرأ فاكهة وأبا فقال: ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف. فما عليك أن لا تدري ما الأب.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: أخبرنا سفيان الثوري عن سعيد الجريري عن أبي عثمان قال: أخبرني من رأى عمر يرمي الجمرة عليه إزار قطري مرقوع برقعة من أدم.
قال: أخبرنا أسباط بن محمد عن خالد بن أبي كريمة عن أبي محصن الطائي قال: رئي على عمر بن الخطاب وهو يصلي إزار فيه رقاع بعضها من أدم. وهو أمير المؤمنين.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت إزار عمر بن الخطاب قد رقعه بقطعة أدم.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا علي بن زيد عن أنس بن مالك قال: رأيت قميص عمر بن الخطاب مما يلي منكبيه مرقوعا برقع.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا مهدي بن ميمون قال: أخبرنا سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهن بأديم أحمر.
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: رأيت عمر يرمي الجمار عليه إزار مرقع على مقعدته.
قال: أخبرنا عمر بن حفص عن مالك بن دينار عن الحسن أن عمر بن الخطاب كان في إزاره اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم. وهو أمير المؤمنين.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قال: رأيت على عمر بن الخطاب يوم أصيب إزارا أصفر.
قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي الأشهب أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصا فقال: [أجديد قميصك أم لبيس؟ فقال: لا بل لبيس. فقال: البس جديدا وعش حميدا وتوف شهيدا وليعطك الله قرة عين الدنيا والآخرة].
[قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا أبو الأشهب عن رجل من مزينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا فقال: أجديد ثوبك هذا أم غسيل؟ قال فقال: يا رسول الله غسيل. فقال: يا عمر البس جديدا وعش حميدا وتوف شهيدا ويعطيك الله قرة عين في الدنيا والآخرة].
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن أبي سعد البقال سعيد بن المرزبان عن
عمرو بن ميمون قال: أمنا عمر بن الخطاب في بت.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر. لما طعن. عليه ملحفة صفراء قد وضعها على جرحه وهو يقول: كان أمر الله قدرا مقدورا.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا سلام بن مسكين قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي جميلة الأنصاري قال: أبطأ عمر بن الخطاب جمعة بالصلاة فخرج. فلما أن صعد المنبر اعتذر إلى الناس فقال: إنما حبسني قميصي هذا لم يكن لي قميص غيره. كان يخاط له قميص سنبلاني لا يجاوز كمه رسغ كفيه.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن بديل بن ميسرة قال: خرج عمر بن الخطاب يوما إلى الجمعة وعليه قميص سنبلاني فجعل يعتذر إلى الناس وهو يقول: حبسني قميصي هذا. وجعل يمد يده. يعني كميه. فإذا تركه رجع إلى أطراف أصابعه.
قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي قال: أخبرنا عمر بن زياد الهلالي عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: حدثني يناق بن سلمان دهقان من دهاقين قرية يقال لها كذا قال: مر بي عمر بن الخطاب فألقى إلي قميصه فقال: اغسل هذا بالأشنان. فعمدت إلى قطريتين فقطعت من كل واحدة منهما قميصا ثم أتيته فقلت: البس هذا فإنه أجمل وألين. قال: أمن مالك؟
قال قلت: من مالي. قال: هل خالطه شيء من الذمة؟ قال قلت: لا إلا خياطه. قال: اعزب. هلم إلي قميصي. قال فلبسه وإنه لأخضر من الأشنان.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد عن أبيه عن جده قال: رأيت على عمر وهو خليفة إزارا مرقوعا في أربعة مواضع بعضها فوق بعض. وما علمت له إزارا غيره.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو إسماعيل. يعني حاتم بن إسماعيل. عن عبيد الله بن الوليد عن العوام بن جويرية عن أنس بن مالك قال: رأيت على عمر إزارا فيه أربع عشرة رقعة إن بعضها لأدم. وما عليه قميص ولا رداء. معتم.
معه الدرة. يطوف في سوق المدينة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا حزام بن هشام عن أبيه قال: رأيت عمر يتزر فوق السرة.
قال: أخبرنا سليمان بن داود أبو داود الطيالسي قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني عامر بن عبيدة الباهلي قال: سألت أنسا عن الخز فقال: وددت أن الله لم يخلقه. وما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد لبسه ما خلا عمر وابن عمر.
قال: أخبرنا معن بن عيسى وأبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قالا: أخبرنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب تختم في اليسار.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا عمرو بن عبد الله عن مهاجر أبي الحسن عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول في دعائه الذي يدعو به: اللهم توفني مع الأبرار ولا تخلفني في الأشرار وقني عذاب النار وألحقني بالأخيار.
قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت أباها يقول: اللهم ارزقني قتلا في سبيلك ووفاة في بلد نبيك. قالت: قلت وأنى ذلك؟ قال: إن الله يأتي بأمره أنى شاء.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول في دعائه: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة ببلدة رسولك.
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبيه قال: رأى عوف بن مالك أن الناس جمعوا في صعيد واحد فإذا رجل قد علا الناس بثلاثة أذرع. قلت من هذا؟ قال: عمر بن الخطاب. قلت: بم يعلوهم؟ قال: إن فيه ثلاث خصال. لا يخاف في الله لومة لائم.
وإنه شهيد مستشهد. وخليفة مستخلف. فأتى عوف أبا بكر فحدثه فبعث إلى عمر فبشره فقال أبو بكر: قص رؤياك. قال فلما قال خليفة مستخلف انتهره عمر فأسكته.
فلما ولي عمر انطلق إلى الشام فبينما هو يخطب إذ رأى عوف بن مالك. فدعاه.
فصعد معه المنبر فقال: اقصص رؤياك. فقصها. فقال: أما ألا أخاف في الله لومة
لائم فأرجو أن يجعلني الله فيهم. وأما خليفة مستخلف فقد استخلفت فأسأل الله أن يعينني على ما ولاني. وأما شهيد مستشهد فأنى لي الشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو الناس حولي؟ ثم قال: ويلي ويلي يأتي بها الله إن شاء الله.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب دعا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. وكانت تحته. فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين هذا اليهودي. تعني كعب الأحبار. يقول إنك على باب من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء الله. والله إني لأرجو أن يكون ربي خلقني سعيدا. ثم أرسل إلى كعب فدعاه.
فلما جاءه كعب قال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي. والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة. فقال عمر: أي شيء هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار.
فقال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري قال: رأيت كأني أخذت جواد كثيرة فاضمحلت حتى بقيت جادة واحدة. فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقه وإلى جنبه أبو بكر. وإذا هو يومىء إلى عمر أن تعال. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. مات والله أمير المؤمنين. فقلت: ألا تكتب بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه.
قال: أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا أبو عوانة قال: وأخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو جميعا عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال: كنت واقفا مع عمر بن الخطاب بعرفات وإن راحلتي لبجنب راحلته وإن ركبتي لتمس ركبته. ونحن ننتظر أن تغرب الشمس فنفيض. فلما رأى تكبير الناس ودعاءهم وما يصنعون أعجبه ذلك فقال: يا حذيفة كم ترى هذا يبقى للناس؟ فقلت: على الفتنة باب فإذا كسر الباب أو فتح خرجت. ففزع فقال: وما ذلك الباب وما كسر باب أو فتحه؟ قلت: رجل يموت أو يقتل. فقال: يا حذيفة من ترى قومك يؤمرون بعدي؟ قال: قلت رأيت الناس قد أسندوا أمرهم إلى عثمان بن عفان.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري قال: أخبرني ابن شهاب أن محمد بن جبير حدثه عن جبير بن مطعم قال: بينما عمر واقف على جبال عرفة سمع رجلا يصرخ يقول: يا خليفة. يا خليفة.
فسمعه رجل آخر وهم يعتافون فقال: ما لك؟ فك الله لهواتك! فأقبلت على الرجل فصخبت عليه قلت: لا تسبن الرجل. قال جبير بن مطعم: فإني الغد واقف مع عمر على العقبة يرميها إذ جاءت حصاة عائرة فنقفت رأس عمر ففصدت. فسمعت رجلا من الجبل يقول: أشعرت ورب الكعبة. لا يقف عمر هذا الموقف بعد العام أبدا. قال جبير بن مطعم: فإذا هو الذي صرخ فينا بالأمس فاشتد ذلك علي. قال ابن شهاب: فأخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أن أمه أم كلثوم بنت أبي بكر حدثته عن عائشة قالت: لما كان آخر حجة حجها عمر بأمهات المؤمنين قالت إذ صدرنا عن عرفة مررت بالمحصب سمعت رجلا على راحلته يقول: أين كان عمر أمير المؤمنين؟ فسمعت عقيرته فقال:
عليك سلام من إمام وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بوائق في أكمامها لم تفتق |
فلم يحرك ذاك الراكب ولم يدر من هو. فكنا نتحدث أنه من الجن. قال فقدم عمر من تلك الحجة فطعن فمات.
قال: حدثنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر ومحمد بن عبيد الله عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه بنحو هذا الحديث وقال: الذي قال بعرفة يا خليفة قاتلك الله لا يقف عمر هذا الموقف بعد العام أبدا. والذي قال على الجمرة أشعرت والله ما أرى أمير المؤمنين إلا سيقتل. رجل من لهب. بطن من الأزد. وكان عائفا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة قال: قالت عائشة: من صاحب هذه الأبيات:
#جزى الله خيرا من إمام وباركتفقالوا: مزرد بن ضرار. قالت فلقيت مزردا بعد ذلك فحلف بالله ما شهد تلك السنة الموسم.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر لما أفاض من منى أناخ بالأبطح فكوم كومة من بطحاء وطرح عليها طرف ثوبه ثم استلقى عليها ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. فلما قدم المدينة خطب الناس فقال: أيها الناس قد فرضت لكم الفرائض وسنت لكم السنن وتركتم على الواضحة.
ثم صفق يمينه على شماله. إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا. ثم إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم وأن يقول قائل لا نحد حدين في كتاب الله. فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ورجمنا بعده. فو الله لولا أن يقول الناس أحدث عمر في كتاب الله لكتبتها في المصحف. فقد قرأناها. والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا أبو الأشهب قال: سمعت الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: اللهم كبرت سني ورق عظمي وخشيت الانتشار من رعيتي فاقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا يوسف بن سعد عن عفان عن عثمان بن أبي العاص عن عمر بن الخطاب قال: اللهم كبرت سني ورق عظمي وخشيت الانتشار من رعيتي فاقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم.
قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس إني أريت رؤيا لا أراها لحضور أجلي. رأيت أن ديكا أحمر نقرني نقرتين. فحدثتها أسماء بنت عميس فحدثتني أنه يقتلني رجل من الأعاجم.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همام بن يحيى قال: وأخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن قال: أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي قال: وأخبرنا شبابة بن سوار الفزاري قال: أخبرنا شعبة بن الحجاج. قالوا جميعا عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب خطب الناس في يوم جمعة فذكر نبي الله وذكر أبا بكر فقال: إني رأيت أن ديكا نقرني ولا أراه إلا حضور أجلي فإن أقواما يأمرونني استخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا
خلافته. والذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الرهط الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. قد علمت أن أقواما سيطعنون في هذا الأمر بعدي أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام. فإن فعلوا فأولئك أعداء الله الكفار الضلال. ثم إني لم أدع شيئا هو أهم إلي من الكلالة وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة. وما أغلظ لي في شيء منذ صاحبته ما أغلظ لي في الكلالة حتى طعن بإصبعه في بطني فقال: يا عمر تكفيك الآية التي في آخر النساء وإن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار فإني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم ويعدلوا عليهم ويقسموا فيئهم بينهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم. ثم إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين لا أراهما إلا خبيثين. البصل والثوم. وقد كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر فأخذ بيده فأخرج من المسجد إلى البقيع. فمن أكلهما لا بد فليمتهما طبخا.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي وهشام أبو الوليد الطيالسي قالوا: أخبرنا شعبة بن الحجاج عن أبي جمرة قال: سمعت رجلا من بني تميم يقال له جويرية بن قدامة قال: حججت عام توفي عمر فأتى المدينة فخطب فقال: رأيت كأن ديكا نقرني. فما عاش إلا تلك الجمعة حتى طعن. قال: فدخل عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم آخر من دخل فإذا هو قد عصب على جراحته. قال فسألناه الوصية. قال وما سأله الوصية أحد غيرنا. فقال: أوصيكم بكتاب الله فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه. وأوصيكم بالمهاجرين فإن الناس يكثرون ويقلون. وأوصيكم بالأنصار فإنهم شعب الإسلام الذي لجأ إليه. وأوصيكم بالأعراب فإنهم أصلكم ومادتكم. قال شعبة: ثم حدثنيه مرة أخرى فزاد فيه فإنهم أصلكم ومادتكم وإخوانكم وعدو عدوكم. وأوصيكم بأهل الذمة فإنهم ذمة نبيكم وأرزاق عيالكم. قوموا عني.
قال: أخبرنا محمد بن الفضيل بن غزوان الضبي قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن ميمون قال: جئت فإذا عمر واقف على حذيفة وعثمان بن حنيف وهو يقول: تخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. فقال عثمان: لو شئت لأضعفت أرضي. وقال حذيفة: لقد حملت الأرض أمرا هي له مطيفة وما فيها كبير فضل. فجعل يقول: انظرا ما لديكما إن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. ثم قال: والله لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحد بعدي أبدا. قال فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب. وكان إذا دخل المسجد قام بين الصفوف ثم قال: استووا. فإذا استووا تقدم فكبر. فلما كبر طعن. قال فسمعته يقول: قتلني الكلب. أو أكلني الكلب. ما أدري أيهما قال. وطار العلج في يده سكين ذات طرفين ما يمر برجل يمينا ولا شمالا إلا طعنه. فأصاب ثلاثة عشر رجلا من المسلمين. فمات منهم تسعة. قال فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا له ليأخذه فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه. قال وما كان بيني وبينه. يعني عمر. حين طعن إلا ابن عباس. فأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فصلوا الفجر يومئذ صلاة خفيفة. قال فأما نواحي المسجد فلا يدرون ما الأمر إلا أنهم انصرفوا كان أول من دخل على عمر ابن عباس فقال: انظر من قتلني. فخرج ابن عباس فجال ساعة ثم أتاه فقال: غلام المغيرة بن شعبة الصناع. قال وكان نجارا. قال: ما له قاتله الله؟ والله لقد كنت أمرت به معروفا. ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي إلى الإسلام. ثم قال لابن عباس: لقد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة.
فقال ابن عباس: إن شئت فعلنا. فقال: أبعد ما تكلموا بكلامكم وصلوا بصلاتكم ونسكوا نسككم؟ فقال له الناس: ليس عليك بأس. فدعا بنبيذ فشربه فخرج من جرحه. ثم دعا بلبن فشربه فخرج من جرحه. فلما ظن أنه الموت قال: يا عبد الله بن عمر انظر كم علي من الدين. قال فحسبه فوجده ستة وثمانين ألف درهم. قال: يا عبد الله إن وفى لها مال آل عمر فأدها عني من أموالهم. وإن لم تف أموالهم فاسأل فيها بني عدي بن كعب. فإن لم تف من أموالهم فاسأل فيها قريشا ولا تعدهم إلى غيرهم. ثم قال: يا عبد الله اذهب إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها يقرأ عليك عمر السلام. ولا تقل أمير المؤمنين. فإني لست لهم اليوم بأمير. يقول تأذنين له أن يدفن مع صاحبيه؟ فأتاها ابن عمر فوجدها قاعدة تبكي فسلم عليها ثم قال: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: قد والله كنت أريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي. فلما جاء قيل هذا عبد الله بن عمر فقال عمر: ارفعاني. فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ فقال: أذنت لك. قال عمر: ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع. يا عبد الله بن عمر انظر إذا أنا مت فاحملني على سريري ثم قف بي على الباب فقل يستأذن عمر بن الخطاب. فإن أذنت لي فأدخلني. وإن لم تأذن فادفني في
مقابر المسلمين. فلما حمل فكأن المسلمين لم تصبهم مصيبة إلا يومئذ. قال فأذنت له فدفن. رحمه الله. حيث أكرمه الله مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. وقالوا له حين حضره الموت: استخلف. فقال: لا أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فأيهم استخلف فهو الخليفة من بعدي.
فسمى عليا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعدا. فإن أصابت سعدا فذاك وإلا فأيهم استخلف فليستعن به. فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة. قال وجعل عبد الله معهم يشاورونه وليس له من الأمر شيء. قال فلما اجتمعوا قال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة نفر منكم. فجعل الزبير أمره إلى علي. وجعل طلحة أمره إلى عثمان. وجعل سعد أمره إلى عبد الرحمن. فأتمر أولئك الثلاثة حين جعل الأمر إليهم. فقال عبد الرحمن: أيكم يبرأ من الأمر إلي ولكم الله علي ألا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين. فأسكت الشيخان علي وعثمان. فقال عبد الرحمن: تجعلانه إلي وأنا أخرج منها فو الله لا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين. قالوا: نعم. فخلا بعلي فقال: إن لك من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم والله عليك لئن استخلفت لتعدلن ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن. فقال: نعم. قال وخلا بعثمان فقال مثل ذلك. قال فقال عثمان فنعم. قال فقال ابسط يدك يا عثمان. فبسط يده فبايعه علي والناس.
ثم قال عمر: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله والمهاجرين الأولين أن يحفظ لهم حقهم وأن يعرف لهم حرمتهم. وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء الإسلام وغيظ العدو وجباة المال أن لا يؤخذ منهم إلا يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم.
وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام وأن يؤخذ من حواشي أموالهم فيرد على فقرائهم. وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم وأن لا يكلفوا إلا طاقتهم وأن يقاتل من وراءهم.
قال: أخبرنا معاوية بن عمرو الأزدي والحسن بن موسى الأشيب وأحمد بن عبد الله بن يونس قالوا: أخبرنا زهير بن معاوية أبو خيثمة. أخبرنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر حين طعن قال: أتاه أبو لؤلؤة وهو يسوي الصفوف فطعنه وطعن اثني عشر معه هو ثالث عشر. قال: فأنا رأيت عمر باسطا يده وهو يقول: أدركوا الكلب قد قتلني. قال فماج الناس وأتاه رجل من ورائه فأخذه. قال فمات منهم سبعة أو ستة. قال فحمل عمر إلى منزله. قال فأتى الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ. قال فدعى بنبيذ فشرب منه فخرج من إحدى طعناته. فقالوا إنما هذا الصديد صديد الدم. قال فدعى بلبن فشرب منه فخرج. فقال: أوص بما كنت موصيا. فو الله ما أراك تمسي. قال فأتاه كعب فقال: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيدا وأنت تقول من أين وأنا في جزيرة العرب؟ قال فقال رجل: الصلاة عباد الله قد كادت الشمس تطلع. قال فتدافعوا حتى قدموا عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن: والعصر وإنا أعطيناك الكوثر. قال فقال عمر: يا عبد الله ائتني بالكتف التي كتبت فيها شأن الجد بالأمس.
وقال: لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه. فقال عبد الله: نحن نكفيك هذا الأمر يا أمير المؤمنين. قال: لا. وأخذه فمحاه بيده. قال فدعا ستة نفر: عثمان وعليا وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام. قال فدعا عثمان أولهم فقال: يا عثمان إن عرف لك أصحابك سنك فاتق الله ولا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس. ثم دعا عليا فأوصاه. ثم أمر صهيبا أن يصلي بالناس.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر يوم طعن فما منعني أن أكون في الصف المقدم إلا هيبته. وكان رجلا مهيبا فكنت في الصف الذي يليه. وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا ضربه بالدرة. فذلك الذي منعني منه. فأقبل عمر فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات. قال فسمعت عمر وهو يقول هكذا بيده قد بسطها: دونكم الكلب قد قتلني. وماج الناس فجرح ثلاثة عشر. وشد عليه رجل من خلفه فاحتضنه. واحتمل عمر وماج الناس بعضهم في بعض حتى قال قائل: الصلاة عباد الله قد طلعت الشمس. فدفعوا عبد الرحمن بن عوف فصلى بنا بأقصر سورتين في القرآن: {إذا جاء نصر الله والفتح} الفتح: 1 و {إنا أعطيناك الكوثر} الكوثر: 1. واحتمل عمر فدخل الناس عليه فقال: يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في الناس أيها الناس إن أمير المؤمنين يقول أعن ملإ منكم هذا؟ فقالوا: معاذ الله ما علمنا ولا اطلعنا. فقال: ادعوا لي طبيبا. فدعي له الطبيب فقال: أي شراب أحب إليك؟ قال: نبيذ. فسقي نبيذا فخرج من بعض طعناته فقال الناس: هذا صديد.
اسقوه لبنا. فسقى لبنا فقال الطبيب: ما أرى أن تمسي فما كنت فاعلا فافعل. فقال: يا عبد الله بن عمرو ناولني الكتف فلو أراد الله أن يمضي ما فيها أمضاه. فقال له ابن عمر: أنا أكفيك محوها. فقال: لا والله لا يمحوها أحد غيري. فمحاها عمر بيده وكان فيها فريضة الجد. ثم قال: ادعوا لي عليا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدا. فلم يكلم أحدا منهم غير علي وعثمان فقال: يا علي لعل هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك من النبي ص. وصهرك وما آتاك الله من الفقه والعلم فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه. ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان لعل هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنك وشرفك. فإن وليت هذا الأمر فاتق الله ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس. ثم قال: ادعوا لي صهيبا.
فدعي فقال: صل بالناس ثلاثا وليخل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه. فلما خرجوا من عند عمر قال عمر: لو ولوها الأجلح سلك بهم الطريق. فقال له ابن عمر: فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا. ثم دخل عليه كعب فقال: الحق من ربك فلا تكونن من الممترين. * قد أنبأتك أنك شهيد فقلت من أين لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب؟
قال: أخبرنا عبد الله بن بكر السهمي قال: أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك أن عمر بن الخطاب لما حضر قال إن أستخلف فسنة وإلا أستخلف فسنة.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف. وتوفي أبو بكر فاستخلف. فقال علي: فعرفت والله أنه لن يعدل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاك حين جعلها عمر شورى بين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص. وقال للأنصار أدخلوهم بيتا ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عوانة عن حسين بن عمران عن شيخ عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر قال: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد. ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد. وفي كذا وكذا. وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب كان مستندا إلى ابن عباس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد فقال: اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئا ولم أستخلف بعدي أحدا.
وأنه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله. قال سعيد بن زيد بن عمرو: إنك لو أشرت برجل من المسلمين ائتمنك الناس. فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصا سيئا وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. ثم قال: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال عمر: من أستخلف لو كان أبو عبيدة بن الجراح. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين فأين أنت من عبد الله بن عمر؟ فقال: قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا. أستخلف رجلا ليس يحسن يطلق امرأته!.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة أن ابن عمر قال لعمر بن الخطاب: لو استخلفت. قال: من؟
قال: تجتهد فإنك لست لهم برب تجتهد. أرأيت لو أنك بعثت إلى قيم أرضك ألم تكن تحب أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض؟ قال: بلى. قال: أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك ألم تكن تحب أن يستخلف رجلا حتى يرجع؟ قال حماد: فسمعت رجلا يحدث أيوب أنه قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني.
وإن أترك فقد ترك من هو خير مني. فلما عرض بهذا ظننت أنه ليس بمستخلف.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا هارون البربري عن عبد الله بن عبيد قال: قال ناس لعمر بن الخطاب: ألا تعهد إلينا؟ ألا تؤمر علينا؟ قال: بأي ذلك آخذ فقد تبين لي.
قال: أخبرنا شهاب بن عباد العبدي قال: حدثنا إبراهيم بن حميد عن ابن أبي خالد قال: أخبرنا جبير بن محمد بن مطعم قال: أخبرت أن عمر قال لعلي: إن وليت من أمر المسلمين شيئا فلا تحملن بني عبد المطلب على رقاب الناس. وقال لعثمان: يا عثمان إن وليت من أمر المسلمين شيئا فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس.
قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: دخل الرهط
على عمر قبيل أن ينزل به عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعلي والزبير وسعد فنظر إليهم فقال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا إلا أن يكون فيكم. فإن كان شقاق فهو فيكم. وإنما الأمر إلى ستة: إلى عبد الرحمن وعثمان وعلي والزبير وطلحة وسعد. وكان طلحة غائبا في أمواله بالسراة. ثم إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة. لعبد الرحمن وعثمان وعلي. فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس. وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس. وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس. ثم قال: قوموا فتشاوروا فأمروا أحدكم. قال عبد الله بن عمر: فقاموا يتشاورون فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولا والله ما أحب أني كنت فيه علما أنه سيكون في أمرهم ما قال أبي. والله لقل ما رأيته يحرك شفتيه بشيء قط إلا كان حقا. فلما أكثر عثمان علي قلت له: ألا تعقلون؟ أتؤمرون وأمير المؤمنين حي؟ فو الله لكأنما أيقظت عمر من مرقد فقال عمر: أمهلوا فإن حدث بي حدث ليصل لكم صهيب ثلاث ليال ثم أجمعوا أمركم. فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه.
قال ابن شهاب قال سالم: قلت لعبد الله أبدأ بعبد الرحمن قبل علي؟ قال: نعم والله.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن أبي معشر قال: حدثنا أشياخنا. قال: قال عمر: إن هذا لأمر لا يصلح إلا بالشدة التي لا جبرية فيها وباللين الذي لا وهن فيه.
قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس. إنه حداد نقاش نجار. فكتب إليه عمر فأذن له أن يرسل به إلى المدينة. وضرب عليه المغيرة مائة درهم كل شهر. فجاء إلى عمر يشتكي إليه شدة الخراج فقال له عمر: ماذا تحسن من العمل؟ فذكر له الأعمال التي يحسن. فقال له عمر: ما خراجك بكثير في كنه عملك. فانصرف ساخطا يتذمر فلبث عمر ليالي. ثم إن العبد مر به فدعاه فقال له: ألم أحدث أنك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت العبد ساخطا عابسا إلى عمر. ومع عمر رهط.
فقال: لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس. فلما ولى العبد أقبل عمر على الرهط الذين معه فقال لهم: أوعدني العبد آنفا. فلبث ليالي ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السحر فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة صلاة الفجر. وكان عمر يفعل ذلك.
فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته. ثم انحاز أيضا على أهل المسجد فطعن من يليه حتى طعن سوى عمر أحد عشر رجلا. ثم انتحر بخنجره. فقال عمر حين أدركه النزف وانقصف الناس عليه: قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس. ثم غلب النزف حتى غشي عليه. قال ابن عباس: فاحتملت عمر في رهط حتى أدخلته بيته.
ثم صلى بالناس عبد الرحمن فأنكر الناس صوت عبد الرحمن فقال ابن عباس: فلم أزل عند عمر ولم يزل في غشية واحدة حتى أسفر الصبح. فلما أسفر أفاق فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ قال فقلت: نعم. فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة. ثم دعا بوضوء فتوضأ. ثم صلى ثم قال: اخرج يا عبد الله بن عباس فسل من قتلني. قال ابن عباس: فخرجت حتى فتحت باب الدار فإذا الناس مجتمعون جاهلون بخبر عمر.
قال فقلت: من طعن أمير المؤمنين؟ فقالوا: طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. قال فدخلت فإذا عمر يبد في النظر يستأني خبر ما بعثني إليه فقلت أرسلني أمير المؤمنين لأسأل من قتله فكلمت الناس فزعموا أنه طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. ثم طعن معه رهطا. ثم قتل نفسه. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط. ما كانت العرب لتقتلني. قال سالم فسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر أرسلوا إلي طبيبا ينظر إلى جرحي هذا. قال فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقى عمر نبيذا فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة. قال فدعوت طبيبا آخر من الأنصار ثم من بني معاوية فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة يصلد أبيض. قال فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين اعهد.
فقال عمر: صدقني أخو بني معاوية ولو قلت غير ذلك لكذبتك. قال فبكى عليه القوم حين سمعوا فقال: لا تبكوا علينا. من كان باكيا فليخرج. ألم تسمعوا [ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعذب الميت ببكاء أهله عليه] فمن أجل ذلك كان عبد الله بن عمر لا يقر أن يبكى عنده على هالك من ولده ولا غيرهم. وكانت عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم تقيم النوح على الهالك من أهلها فحدثت بقول عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يرحم الله عمر وابن عمر فو الله ما كذبا ولكن عمر وهل. [إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوح يبكون على هالك لهم فقال: إن هؤلاء يبكون وإن صاحبهم ليعذب. وكان قد اجترم ذلك].
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني هشام بن عمارة عن أبي الحويرث قال: لما قدم غلام المغيرة بن شعبة ضرب عليه عشرين ومائة درهم كل شهر. أربعة دراهم كل يوم. قال وكان خبيثا نظر إلى السبي الصغار يأتي فيمسح رؤوسهم ويبكي ويقول: إن العرب أكلت كبدي. فلما قدم عمر من مكة جاء أبو لؤلؤة إلى عمر يريده فوجده غاديا إلى السوق وهو متكئ على يد عبد الله بن الزبير فقال: يا أمير المؤمنين إن سيدي المغيرة يكلفني ما لا أطيق من الضريبة. قال عمر: وكم كلفك؟ قال: أربعة دراهم كل يوم. قال: وما تعمل؟ قال: الأرحاء. وسكت عن سائر أعماله. فقال: في كم تعمل الرحى؟ فأخبره. قال: وبكم تبيعها؟ فأخبره. فقال: لقد كلفك يسيرا.
انطلق فأعط مولاك ما سألك. فلما ولى قال عمر: ألا تجعل لنا رحى؟ قال: بلى أجعل لك رحى يتحدث بها أهل الأمصار. ففزع عمر من كلمته. قال وعلي معه فقال: ما تراه أراد؟ قال: أوعدك يا أمير المؤمنين. قال عمر: يكفيناه الله قد ظننت أنه يريد بكلمته غورا.
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: كان أبو لؤلؤة من سبي نهاوند.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: لما طعن عمر هرب أبو لؤلؤة. قال وجعل عمر ينادي: الكلب الكلب. قال فطعن نفرا فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش عبد الله بن عوف الزهري وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص ورجل من بني سهم فطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه فانتحر بالخنجر حين أخذ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه قال: إنما طعن نفسه به حتى قتل نفسه. واحتز عبد الله بن عوف الزهري رأس أبي لؤلؤة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن محمد بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت عمر يقول لقد طعنني أبو
لؤلؤة وما أظنه إلا كلبا حتى طعنني الثالثة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما طعن عمر بن الخطاب اجتمع الناس إليه. البدريون المهاجرون والأنصار. فقال لابن عباس: اخرج إليهم فسلهم: عن ملإ منكم ومشورة كان هذا الذي أصابني؟ قال فخرج ابن عباس فسألهم فقال القوم: لا والله ولوددنا أن الله زاد في عمرك من أعمارنا.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب يوم أصيب عليه إزار أصفر. قال وكنت أدع الصف الأول هيبة له وكنت في الصف الثاني يومئذ. قال فجاء فقال: الصلاة عباد الله استووا. ثم كبر. قال فطعنه طعنة أو طعنتين. قال وعليه إزار أصفر قد رفعه على صدره فأهوى وهو يقول: وكان أمر الله قدرا مقدورا. قال ومال على الناس فقتل وجرح بضعة عشر. فمال الناس عليه فاتكأ على خنجره فقتل نفسه.
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قال: لما طعن عمر تلك الطعنة الأصرف وهو يقول: وكان أمر الله قدرا مقدورا. قال فطلبوا القاتل وكان عبدا للمغيرة بن شعبة. وكان في يده خنجر له طرفان. قال فجعل لا يدنو منه أحد إلا طعنه طعنه فجرح ثلاثة عشر رجلا. فأفلت أربعة ومات تسعة. أو أفلت تسعة ومات أربعة.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا مسعر عن مهاجر عن عمرو بن ميمون قال: صلى عمر الفجر في العام الذي أصيب فيه فقرأ: {لا أقسم بهذا البلد} البلد: 1 {والتين والزيتون} التين: 1.
قال: أخبرنا يحيى بن حماد قال: أخبرنا أبو عوانة عن رقبة بن مصقلة عن أبي صخرة عن عمرو بن ميمون قال: سمعت عمر بن الخطاب حين طعن يقول: وكان أمر الله قدرا مقدورا.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا العمري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكتب إلى أمراء الجيوش: لا تجلبوا علينا من العلوج أحدا جرت عليه المواسي. فلما طعنه أبو لؤلؤة قال: من هذا؟ قالوا: غلام المغيرة بن شعبة. قال: ألم أقل لكم لا
تجلبوا علينا من العلوج أحدا؟ فغلبتموني.
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر من حين طعن وطعن الذي طعنه ثلاثة عشر أو تسعة عشر فأمنا عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن. ب العصر وإذا جاء نصر الله. في الفجر.
قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: طعن الذي طعن عمر اثني عشر رجلا بعمر فمات منهم ستة بعمر وأفرق ستة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر عن عمر بن أبي عاتكة عن أبيه عن ابن عمر قال: لما طعن عمر حمل فغشي عليه فأفاق فأخذنا بيده. قال ثم أخذ عمر بيدي فأجلسني خلفه وتساند إلي وجراحه تثعب دما إني لأضع إصبعي هذه الوسطى فما تسد الرتق.
فتوضأ ثم صلى الصبح فقرأ في الأولى والعصر. وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} الكافرون: 1.
قال: أخبرنا وهب بن جرير وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن نافع قال: رأى عبد الرحمن بن عوف السكين التي قتل بها عمر فقال: رأيت هذه أمس مع الهرمزان وجفينة فقلت: ما تصنعان بهذه السكين؟ فقالا: نقطع بها اللحم فإنا لا نمس اللحم. فقال له عبيد الله بن عمر: أنت رأيتها معهما؟ قال: نعم. فأخذ سيفه ثم أتاهما فقتلهما فأرسل إليه عثمان فأتاه فقال: ما حملك على قتل هذين الرجلين وهما في ذمتنا؟ فأخذ عبيد الله عثمان فصرعه حتى قام الناس إليه فحجزوه عنه. قال وقد كان حين بعث إليه عثمان تقلد السيف فعزم عليه عبد الرحمن أن يضعه فوضعه.
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي المكي قال: أخبرنا مسلم بن خالد قال: حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن أسلم أنه لما طعن عمر قال: من أصابني؟ قالوا: أبو لؤلؤة. واسمه فيروز. غلام المغيرة بن شعبة. قال: قد نهيتكم أن تجلبوا علينا من علوجهم أحدا فعصيتموني.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن ابن عباس دخل على عمر بعد ما طعن فقال: الصلاة. فقال: نعم لا حظ لامرئ في الإسلام أضاع الصلاة. فصلى والجرح يثعب دما.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن أيوب بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن عمر لما طعن جعل يغمى عليه فقيل إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة. فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين. الصلاة قد صليت. فانتبه فقال: الصلاة هاء الله إذا ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. قال فصلى وإن جرحه ليثعب دما.
قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور عن أبيها المسور بن مخرمة قال: دخلت على عمر بن الخطاب حين طعن أنا وابن عباس وأؤذن بالصلاة فقيل: الصلاة يا أمير المؤمنين. قال فرفع رأسه فقال: الصلاة. ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. قال فصلى وإن جرحه ليثعب دما. قال ودعي له طبيب فسقاه نبيذا فخرج مشاكلا للدم. فسقاه لبنا فخرج أبيض فقال: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك. فذاك حين دعا أصحاب الشورى.
قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي قال: أخبرنا مسعر عن سماك قال: سمعت ابن عباس قال: دخلت على عمر حين طعن فجعلت أثني عليه فقال: بأي شيء تثني علي. بالإمرة أو بغيرها؟ قال: قلت بكل. قال: ليتني أخرج منها كفافا لا أجر ولا وزر.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي وعبيد الله بن موسى عن مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: قلت لعمر مصر الله بك الأمصار وفتح بك الفتوح وفعل بك وفعل. فقال: لوددت أني أنجو منه لا أجر ولا وزر.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة قال: بالإمارة تغبطوني؟ فو الله لوددت أني أنجو كفافا لا علي ولا لي. قال مالك: فقال سليمان بن يسار للوليد بن عبد الملك ذلك فقال: كذبت. فقال سليمان أو كذبت.
قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة قالا: قال ابن شهاب أخبرنا سليمان بن يسار عن حديث المسور بن مخرمة عن عمر ليلة طعن دخل هو وابن عباس فلما أصبح أفزعوه وقالوا: الصلاة. ففزع فقال: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى والجرح يثعب دما.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس عن كثير النواء عن أبي عبيد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: كنت مع علي فسمعنا الصيحة على عمر.
قال فقام وقمت معه حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه فقال: ما هذا الصوت؟ فقالت امرأة: سقاه الطبيب نبيذا فخرج وسقاه لبنا فخرج. فقال: لا أرى تمسي. فما كنت فاعلا فافعل. فقالت أم كلثوم: وا عمراه! وكان معها نسوة فبكين معها وارتج البيت بكاء فقال عمر: والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع.
فقال ابن عباس: والله إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله: وإن منكم إلا واردها. إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين وأمين المؤمنين وسيد المؤمنين تقضي بكتاب الله وتقسم بالسوية. فأعجبه قولي فاستوى جالسا فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عباس؟
قال فكففت فضرب على كتفي فقال: اشهد لي بهذا يا ابن عباس. قال قلت: نعم أنا أشهد.
قال: أخبرنا هوذة بن خليفة قال: أخبرنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال: لما طعن عمر جعل الناس يدخلون عليه فقال لرجل: انظر. فأدخل يده فنظر. فقال: ما وجدت؟ فقال: إني أجده قد بقي لك من وتينك ما تقضي منه حاجتك. قال: أنت أصدقهم وخيرهم. قال فقال رجل: والله إني لأرجو أن لا تمس النار جلدك أبدا. قال فنظر إليه حتى رثينا أو أوينا له ثم قال: إن علمك بذلك يا فلان لقليل. لو أن ما في الأرض لي لافتديت به من هول المطلع.
قال: أخبرنا هوذة بن خليفة قال: أخبرنا عوف عن محمد قال: قال ابن عباس لما كان غداة أصيب عمر كنت فيمن احتمله حتى أدخلناه الدار. قال فأفاق إفاقة فقال: من أصابني؟ قلت: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. فقال عمر: هذا عمل أصحابك. كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني على أن غلبت على عقلي. فاحفظ مني اثنتين: إني لم أستخلف أحدا ولم أقض في الكلالة شيئا. قال عوف وقال غير محمد إنه قال: لم أقض في الجد والإخوة شيئا.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا عبد الله بن طاووس
عن أبيه عن ابن عباس أنه دخل على عمر لما أصيب فقال: يا أمير المؤمنين إنما أصابك رجل يقال له أبو لؤلؤة. فقال: إني أشهدكم أني لم أقض في ثلاثة إلا بما أقول لكم. جعلت في العبد عبدا وفي ابن الأمة عبدين.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عوانة قال: أخبرنا داود بن عبد الرحمن الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: أخبرنا ابن عباس بالبصرة قال: أنا أول من أتى عمر بن الخطاب حين طعن فقال: احفظ مني ثلاثا.
فإني أخاف أن لا يدركني الناس. أما أنا فلم أقض في الكلالة قضاء. ولم أستخلف على الناس خليفة. وكل مملوك لي عتيق. قال فقال له الناس: استخلف. فقال: أي ذلك ما أفعل فقد فعله من هو خير مني. إن أترك للناس أمرهم فقد تركه نبي الله صلى الله عليه وسلم وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر. فقلت: أبشر بالجنة. صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلت صحبته. ووليت أمر المؤمنين فقويت وأديت الأمانة. فقال: أما تبشيرك إياي بالجنة فو الله الذي لا إله إلا هو لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر. وأما قولك في إمرة المؤمنين فو الله لوددت أن ذلك كفاف لا لي ولا علي. وأما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاك.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي سعيد الخدري قال: كنت تاسع تسعة عشر رجلا حين طعن عمر فأدخلناه فشكا إلينا ألم الوجع.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا يوسف بن سعد عن عبد الله بن حنين عن شداد بن أوس عن كعب قال: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر وإذا ذكرنا عمر ذكرناه. وكان إلى جنبه نبي يوحى إليه فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول له: اعهد عهدك واكتب إلي وصيتك فإنك ميت إلى ثلاثة أيام. فأخبره النبي بذلك. فلما كان في اليوم الثالث وقع بين الجدر وبين السرير ثم جأر إلى ربه فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم. وإذا اختلفت الأمور اتبعت هواك وكنت وكنت. فزدني في عمري حتى يكبر طفلي وتربو أمتي.
فأوحى الله إلى النبي أنه قد قال كذا وكذا وقد صدق وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة. ففي ذلك ما يكبر طفله وتربو أمته. فلما طعن عمر قال كعب: لئن سأل عمر ربه
ليبثينه الله. فأخبر بذلك عمر فقال عمر: اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد والفضل بن دكين قالا: أخبرنا هارون بن أبي إبراهيم عن عبد الله بن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب لما طعن قال له الناس: يا أمير المؤمنين لو شربت شربة. فقال: اسقوني نبيذا. وكان من أحب الشراب إليه.
قال فخرج النبيذ من جرحه مع صديد الدم فلم يتبين لهم ذلك أنه شرابه الذي شرب.
فقالوا: لو شربت لبنا. فأتي به فلما شرب اللبن خرج من جرحه. فلما رأى بياضه بكى وأبكى من حوله من أصحابه. فقال: هذا حين. لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع. قالوا: وما أبكاك إلا هذا؟ قال: ما أبكاني غيره. قال فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين والله إن كان إسلامك لنصرا وإن كانت إمامتك لفتحا. والله لقد ملأت إمارتك الأرض عدلا. ما من اثنين يختصمان إليك إلا انتهيا إلى قولك. قال فقال عمر: أجلسوني. فلما جلس قال لابن عباس: أعد علي كلامك. فلما أعاد عليه قال: أتشهد لي بذلك عند الله يوم تلقاه؟ فقال ابن عباس: نعم. قال ففرح عمر بذلك وأعجبه.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عمر بن الخطاب حين طعن جاء الناس يثنون عليه ويودعونه فقال عمر: أبالإمارة تزكونني؟ لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقبض الله رسوله وهو عني راض. ثم صحبت أبا بكر فسمعت وأطعت فتوفي أبو بكر وأنا سامع مطيع. وما أصبحت أخاف على نفسي إلا إمارتكم هذه.
قال: أخبرنا يحيى بن خليف بن عقبة قال: أخبرنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال: لما طعن عمر جعل الناس يدخلون عليه فقال: لو أن لي ما في الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: دعا عمر بن الخطاب بلبن بعد ما طعن فشرب فخرج من جراحته فقال: الله أكبر. فجعل جلساؤه يثنون عليه فقال: إن من غره عمره لمغرور. والله لوددت أني أخرج منها كما دخلت فيها. والله لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع.
قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال حين قتل عمر: قد مررت على أبي لؤلؤة قاتل عمر ومعه جفينة والهرمزان وهم تجي فلما بغتهم ثاروا فسقط من بينهم خنجر له رأسان ونصابه وسطه. فانظروا ما الخنجر الذي قتل به عمر. فوجدوه الخنجر الذي نعت عبد الرحمن بن أبي بكر.
فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه السيف حتى دعا الهرمزان فلما خرج إليه قال: انطلق معي حتى ننظر إلى فرس لي. وتأخر عنه حتى إذا مضى بين يديه علاه بالسيف. قال عبيد الله: فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله. قال عبيد الله: ودعوت جفينة وكان نصرانيا من نصارى الحيرة. وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص أقدمه المدينة للملح الذي كان بينه وبينه. وكان يعلم الكتاب بالمدينة. قال عبيد الله: فلما علوته بالسيف صلب بين عينيه. ثم انطلق عبيد الله فقتل ابنة لأبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام. وأراد عبيد الله أن لا يترك سبيا بالمدينة إلا قتله. فاجتمع المهاجرون الأولون عليه فنهوه وتوعدوه فقال: والله لأقتلنهم وغيرهم. وعرض ببعض المهاجرين فلم يزل عمرو بن العاص به حتى دفع إليه السيف. فلما دفع إليه السيف أتاه سعد بن أبي وقاص فأخذ كل واحد منهما برأس صاحبه يتناصيان حتى حجز بينهما. ثم أقبل عثمان قبل أن يبايع له في تلك الليالي حتى واقع عبيد الله فتناصيا. وأظلمت الأرض يوم قتل عبيد الله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة على الناس. ثم حجز بينه وبين عثمان. فلما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار فقال: أشيروا علي في قتل هذا الرجل الذي فتق في الدين ما فتق. فاجتمع المهاجرون على كلمة واحدة يشايعون عثمان على قتله وجل الناس الأعظم مع عبيد الله يقولون لجفينة والهرمزان أبعدهما الله: لعلكم تريدون أن تتبعوا عمر ابنه؟ فكثر في ذلك اللغط والاختلاف ثم قال عمرو بن العاص لعثمان: يا أمير المؤمنين إن هذه الأمر قد كان قبل أن يكون لك على الناس سلطان فأعرض عنهم.
وتفرق الناس عن خطبة عمرو وانتهى إليه عثمان وودي الرجلان والجارية.
قال محمد بن شهاب: قال حمزة بن عبد الله: قال عبد الله بن عمر: يرحم الله حفصة فإنها ممن شجع عبيد الله على قتلهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن يعقوب عن أبيه عن جده
قال: جعل عثمان يومئذ يناصي عبيد الله بن عمر حتى نظرت إلى شعر رأس عبيد الله في يد عثمان. قال ولقد أظلمت الأرض يومئذ على الناس.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن يعقوب عن أبي وجزة عن أبيه قال: رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان. وإن عثمان ليقول: قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة وآخر من ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في الحق تركك! قال فعجبت لعثمان حين ولي كيف تركه. ولكنني عرفت أن عمرو بن العاص كان دخل في ذلك فلفته عن راية.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عتبة بن جبيرة عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: ما كان عبيد الله يومئذ إلا كهيئة السبع الحرب. وجعل يعترض العجم بالسيف حتى حبس يومئذ في السجن. فكنت أحسب لو أن عثمان ولي سيقتله لما كنت أراه صنع به. كان هو وسعد أشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر أن عمر أوصى إلى حفصة. فإذا ماتت فإلى الأكابر من آل عمر.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة قال: أوصى عمر بن الخطاب بالربع.
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب لم يتشهد في وصيته.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ومحمد بن عبد الله الأنصاري وإسحاق بن يوسف الأزرق وعبد الوهاب بن عطاء العجلي عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فيها فقال: أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه. فما تأمر به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وصدقت بها. قال فتصدق بها عمر. قال إنه لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث. وتصدق بها في الفقراء والقربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف. لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيها. قال ابن عون فحدثت به محمد بن سيرين فقال: غير متأثل مالا. قال إسماعيل قال ابن عون وحدثني رجل أنه قرأ في قطعة أدم. أو رقعة حمراء. غير متأثل مالا.
قال: أخبرنا مطرف بن عبد الله اليساري قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن أول صدقة تصدق بها في الإسلام ثمغ صدقة عمر بن الخطاب.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا الضحاك بن عثمان عن عثمان بن عروة قال: كان عمر بن الخطاب قد استسلف من بيت المال ثمانين ألفا فدعا عبد الله بن عمر فقال: بع فيها أموال عمر فإن وفت وإلا فسل بني عدي فإن وفت وإلا فسل قريشا ولا تعدهم. قال عبد الرحمن بن عوف: ألا تستقرضها من بيت المال حتى تؤديها؟
فقال عمر: معاذ الله أن تقول أنت وأصحابك بعدي أما نحن فقد تركنا نصيبنا لعمر فتعزوني بذلك فتتبعني تبعته وأقع في أمر لا ينجيني إلا المخرج منه. ثم قال لعبد الله بن عمر: اضمنها. فضمنها. قال فلم يدفن عمر حتى أشهد بها ابن عمر على نفسه أهل الشورى وعدة من الأنصار. وما مضت جمعة بعد أن دفن عمر حتى حمل ابن عمر المال إلى عثمان بن عفان وأحضر الشهود على البراءة بدفع المال.
قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني يحيى بن أبي راشد النصري أن عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة قال لابنه: يا بني إذا حضرتني الوفاة فاحرفني واجعل ركبتيك في صلبي وضع يدك اليمنى على جبيني ويدك اليسرى على ذقني. فإذا قبضت فأغمضني. واقصدوا في كفني فإنه إن يكن لي عند الله خير أبدلني خيرا منه. وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي. واقصدوا في حفرتي فإنه إن يكن لي عند الله خير وسع لي فيها مد بصري. وإن كنت على غير ذلك ضيقها علي حتى تختلف أضلاعي. ولا تخرجن معي امرأة. ولا تزكوني بما ليس في فإن الله هو أعلم بي. وإذا خرجتم بي فأسرعوا في المشي فإنه يكن لي عند الله خير قدمتموني إلى ما هو خير لي. وإن كنت على غير ذلك كنتم قد ألقيتم عن رقابكم شرا تحملونه.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو الأحوص عن ليث عن رجل من أهل المدينة قال: أوصى عمر بن الخطاب عبد الله ابنه عند الموت فقال: يا بني عليك بخصال الإيمان. قال: وما هن يا أبت؟ قال: الصوم في شدة أيام الصيف.
وقتل الأعداء بالسيف. والصبر على المصيبة. وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي.
وتعجيل الصلاة في يوم الغيم. وترك ردغة الخبال. قال فقال: وما ردغة الخبال؟ قال: شرب الخمر.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن زيد وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس: اعلموا أني لم أستخلف وأنه من أدرك وفاتي من سبي العرب من مال الله فهو حر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر عن حفص عن نافع عن ابن عمر أن عمر أوصى عند الموت أن يعتق من كان يصلي السجدتين من رقيق الإمارة وإن أحب الوالي بعدي أن يخدموه سنتين فذلك له.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ربيعة بن عثمان أن عمر بن الخطاب أوصى أن تقر عماله سنة. فأقرهم عثمان سنة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: وحدثني أبو بكر بن محمد بن سعد عن أبيه عن عامر بن سعد قال: قال عمر بن الخطاب إن وليتم سعدا فسبيل ذلك وإلا فليستشره الوالي فإني لن أعزله عن سخطة.
قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر قال لعبد الله بن عمر ورأسه في حجره: ضع خدي في الأرض. فقال: وما عليك في الأرض كان أو في حجري؟ قال: ضعه في الأرض. ثم قال: ويل لي ولأمي إن لم يغفر الله لي. ثلاثا.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون ووهب بن جرير وكثير بن هشام قال: أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التبنة. ليتني لم أخلق. ليت أمي لم تلدني. ليتني لم أك شيئا. ليتني كنت نسيا منسيا.
قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي قال: أخبرنا مالك بن أنس قال: وأخبرنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حماد بن زيد جميعا عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه عن عثمان بن عفان قال: أنا آخركم عهدا بعمر. دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر فقال له: ضع خدي بالأرض. قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال: ضع خدي بالأرض لا أم لك. في الثانية أو في الثالثة. ثم شبك بين رجليه فسمعته يقول: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي. حتى فاظت نفسه.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله قال: حدثني أبان بن عثمان عن عثمان قال: آخر كلمة قالها عمر حتى قضى: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي. ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي. ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي! قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال: ليتني لم أكن شيئا قط. ليتني كنت نسيا منسيا. قال ثم أخذ كالتبنة أو كالعود عن ثوبه فقال: ليتني كنت مثل هذا.
قال: أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أبي مرة المكي قال: حدثني نافع بن عمر قال: حدثني ابن أبي مليكة أن عثمان بن عفان وضع رأس عمر بن الخطاب في حجره فقال: أعد رأسي في التراب. ويل لي وويل لأمي إن لم يغفر الله لي! قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال: لما طعن عمر جاء كعب فجعل يبكي بالباب ويقول: والله لو أن أمير المؤمنين يقسم على الله أن يؤخره لأخره. فدخل ابن عباس عليه فقال: يا أمير المؤمنين هذا كعب يقول كذا وكذا. قال: إذا والله لا أسأله. ثم قال: ويل لي ولأمي إن لم يغفر الله لي! قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حريز بن عثمان قال: أخبرنا حبيب بن عبيد الرحبي عن المقدام بن معدي كرب قال: لما أصيب عمر دخلت عليه حفصة فقالت: يا صاحب رسول الله ويا صهر رسول الله ويا أمير المؤمنين. فقال عمر لابن عمر: يا عبد الله أجلسني فلا صبر لي على ما أسمع. فأسنده إلى صدره فقال لها: إني أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن تندبيني بعد مجلسك هذا فأما عينك فلن أملكها. إنه ليس من ميت يندب بما ليس فيه إلا الملائكة نمقته.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب لما طعن عولت حفصة فقال: يا حفصة أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [إن المعول عليه يعذب؟] قال وعول صهيب فقال عمر: يا صهيب
أما علمت أن المعول عليه يعذب؟
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان عن محمد قال: وأخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا ابن عون عن محمد قال: لما أصيب عمر حمل فأدخل قال صهيب: وا أخاه! فقال عمر: ويحك يا صهيب أما علمت أن المعول عليه يعذب؟
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عقيل قال: أخبرنا محمد بن سيرين قال: أتي عمر بن الخطاب بشراب حين طعن فخرج من جراحته. فقال صهيب: وا عمراه وا أخاه. من لنا بعدك؟ فقال له عمر: مه يا أخي أما شعرت أنه من يعول عليه يعذب؟
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبيه قال: لما طعن عمر أقبل صهيب يبكي رافعا صوته. فقال عمر: أعلي؟ قال: نعم. قال عمر: [أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يبك عليه يعذب؟] قال عبد الملك: فحدثني موسى بن طلحة عن عائشة أنها قالت: أولئك يعذب أمواتهم ببكاء أحيائهم. تعني الكفار.
قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب وهشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي قالا: أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن عمر نهى أهله أن يبكوا عليه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن خالد بن رباح عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن عمر بن الخطاب صلى في ثيابه التي جرح فيها ثلاثا.
قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى عائشة: ائذني لي أن أدفن مع صاحبي. قالت: إي والله. قال فكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله لا أبرهم بأحد أبدا.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس أن عمر بن الخطاب
استأذن عائشة في حياته فأذنت وإلا فدعوها فإني أخشى أن تكون أذنت لي لسلطاني.
فلما مات أذنت لهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر قال: وحدثني عبد الله بن عمر عن سالم أبي النضر عن سعيد بن مرجانة عن ابن عمر أن عمر قال: اذهب يا غلام إلى أم المؤمنين فقل لها إن عمر يسألك أن تأذني لي أن أدفن مع أخوي ثم ارجع إلي فأخبرني. قال فأرسلت أن نعم قد أذنت لك. قال فأرسل فحفر له في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا ابن عمر فقال: يا بني إني قد أرسلت إلى عائشة أستأذنها أن أدفن مع أخوي فأذنت لي وأنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السلطان. فإذا أنا مت فاغسلني وكفني ثم احملني حتى تقف بي على باب عائشة فتقول هذا عمر يستأذن. يقول إلخ... فإن أذنت لي فادفني معهما وإلا فادفني بالبقيع. قال ابن عمر: فلما مات أبي حملناه حتى وقفنا به على باب عائشة فاستأذنها في الدخول فقالت ادخل بسلام.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما أرسل عمر إلى عائشة فاستأذنها أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر فأذنت قال عمر: إن البيت ضيق. فدعا بعصا فأتي بها فقدر طوله ثم قال: احفروا على قدر هذه.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: حدثني أبي عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية عن عائشة قالت: ما زلت أضع خماري وأتفضل في ثيابي في بيتي حتى دفن عمر بن الخطاب فيه. فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جدارا فتفضلت بعد. قالا: ووصفت لنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر. وهذه القبور في سهوة بيت عائشة. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن موسى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة الأنصاري قبيل أن يموت بساعة فقال: يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم. فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم
يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم. اللهم أنت خليفتي عليهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني مالك بن أبي الرجال قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: وافى أبو طلحة في أصحابه ساعة قبر عمر فلزم أصحاب الشورى. فلما جعلوا أمرهم إلى ابن عوف يختار لهم منهم لزم أبو طلحة باب ابن عوف في أصحابه حتى بايع عثمان بن عفان.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همام بن يحيى قال: أخبرنا قتادة أن عمر بن الخطاب طعن يوم الأربعاء ومات يوم الخميس. رحمه الله.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: طعن عمر بن الخطاب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين.
فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة من متوفى أبي بكر الصديق على رأس اثنين وعشرين سنة وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما من الهجرة.
وبويع لعثمان بن عفان يوم الاثنين لثلاث ليال مضين من المحرم. قال فذكرت ذلك لعثمان بن محمد الأخنسي فقال: ما أراك إلا قد وهلت. توفي عمر لأربع ليال بقين من ذي الحجة وبويع لعثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة فاستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين.
قال: أخبرنا يحيى بن عباد قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني أبو إسحاق عن عامر ابن سعد عن حريز أنه سمع معاوية يقول: توفي عمر وهو ابن ثلاث وستين.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق قال: مات عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال محمد بن عمر: ولا يعرف هذا الحديث عندنا بالمدينة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: توفي عمر وهو ابن ستين سنة. قال محمد بن عمر: وهذا أثبت الأقاويل عندنا وقد روي غير ذلك. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أنه توفي وهو ابن بضع وخمسين سنة.
قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري قال: توفي عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة.
قال محمد بن سعد: وأخبرت عن هشيم عن علي بن زيد عن سالم بن عبد الله مثله.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلي عليه وكان شهيدا.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: غسل عمر وكفن وحنط.
قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي قال: أخبرنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن نافع عن ابن عمر أن عمر غسل وكفن وصلي عليه وكان شهيدا.
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن ابن عمر أن عمر غسل وكفن وحنط وصلي عليه وكان شهيدا.
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا شعبة بن الحجاج قال: سمعت فضيلا يحدث عن عبد الله بن معقل أن عمر بن الخطاب أوصى أن لا يغسلوه بمسك أو لا يقربوه مسكا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: غسل عمر ثلاثا بالماء والسدر.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح ومحمد بن عبد الله الأسدي عن سفيان عن عاصم ابن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر أن عمر كفن في ثلاثة أثواب. قال وكيع ثوبين سحوليين. وقال محمد بن عبد الله الأسدي صحاريين. وقميص كان يلبسه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عمر أنه كفن في قميص وحلة.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا حفص بن غياث عن الحجاج عن فضيل عن عبد الله بن معقل أن عمر قال: لا تجعلوا في حنوطي مسكا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني قيس بن الربيع عن محمد بن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الفضيل بن عمرو قال: أوصى عمر ألا يتبع بنار ولا تتبعه امرأة ولا يحنط بمسك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني هشام بن سعد قال: حدثني من سمع ابن عكرمة بن خالد يقول: لما وضع ليصلى عليه أقبل علي وعثمان جميعا وأحدهما آخذ بيد الآخر فقال عبد الرحمن بن عوف ولا يظن أنهما يسمعان ذلك: قد أوشكتما يا بني عبد مناف. فسمعاها فقال كل واحد منهما: قم يا أبا يحيى فصل عليه. فصلى عليه صهيب.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال: لما توفي نظر المسلمون فإذا صهيب يصلي بهم المكتوبات بأمر عمر. فقدموا صهيبا فصلى على عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن يعقوب عن أبي الحويرث قال: قال عمر فيما أوصى به: فإن قبضت فليصل لكم صهيب. ثلاثا. ثم أجمعوا أمركم فبايعوا أحدكم. فلما مات عمر ووضع ليصلى عليه أقبل علي وعثمان أيهما يصلي عليه. فقال عبد الرحمن بن عوف: إن هذا لهو الحرص على الإمارة. لقد علمتما ما هذا إليكما ولقد أمر به غيركما. تقدم يا صهيب فصل عليه. فتقدم صهيب فصلى عليه.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر قال: صلي على عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن عمر صلي عليه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح وسعيد بن منصور قالا: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: صلي على عمر في المسجد.
قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن أبي حسان قال: سأل علي بن الحسين سعيد بن المسيب: من صلى على عمر؟ قال: صهيب. قال: كم كبر عليه؟ قال: أربعا.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن أبي عبيدة بن
محمد بن عمار عن أبيه أن صهيبا كبر على عمر أربعا.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن يزيد مولى الأسود قال: كنت عند سعيد بن المسيب فمر عليه علي بن حسين فقال: أين صلي على عمر؟ قال: بين القبر والمنبر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر بن راشد عن الزهري قال: وحدثني كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قالا: صلى عمر على أبي بكر. وصلى صهيب على عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن الحارث عن أبي الحويرث عن جابر قال: نزل في قبر عمر عثمان بن عفان وسعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وصهيب بن سنان وعبد الله بن عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا خالد بن أبي بكر قال: دفن عمر في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وجعل رأس أبي بكر عند كتفي النبي. وجعل رأس عمر عند حقوي النبي صلى الله عليه وسلم
قال: أخبرنا سويد بن سعيد قال: أخبرنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة قال: لما سقط الحائط عنهم في زمن الوليد بن عبد الملك أخذ في بنائه فبدت لهم قدم ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما وجدوا أحدا يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النبي. ما هي إلا قدم عمر.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح والفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله الأسدي قالوا: أخبرنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قالت أم أيمن يوم أصيب عمر: اليوم وهى الإسلام. قال وقال طارق بن شهاب: كان رأي عمر كيقين رجل.
قال: أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت خلف بن خليفة يحدثنا عن أبيه عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم قال: قال يوم مات عمر: اليوم أصبح الإسلام موليا. ما رجل بأرض فلاة يطلبه العدو فأتاه آت فقال له خذ حذرك بأشد فرارا من الإسلام اليوم.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: أخبرنا سالم المرادي قال: أخبرنا
بعض أصحابنا قال: جاء عبد الله بن سلام وقد صلي على عمر فقال: والله لئن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه لا تسبقوني بالثناء عليه. فقام عند سريره فقال: نعم أخو الإسلام كنت يا عمر. جوادا بالحق بخيلا بالباطل. ترضى حين الرضى وتغضب حين الغضب. عفيف الطرف طيب الظرف. لم تكن مداحا ولا مغتابا. ثم جلس.
[قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: سمعت جعفر بن محمد يخبر عن أبيه لعله إن شاء الله عن جابر أن عليا دخل على عمر وهو مسجى فقال له كلاما حسنا ثم قال: ما على الأرض أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى بينكم].
قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا بعض أصحابنا عن سفيان بن عيينة أنه سمع منه هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله. ولم يشك.
قال [وقال: لما انتهى إليه علي قال له: صلى الله عليك. ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى بينكم].
[قال: أخبرنا أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا لما غسل عمر بن الخطاب وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي فأثنى عليه وقال: والله ما على الأرض رجل أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب].
[قال: أخبرنا يعلى ومحمد ابنا عبيد قالا: أخبرنا حجاج بن دينار الواسطي عن أبي جعفر قال: أتى علي عمر وهو مسجى فقال: ما على الأرض رجل أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى].
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: [نظر علي إلى عمر وهو مسجى فقال: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل صحيفته من هذا المسجى].
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا أبو بشر ورقاء بن عمر عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر عن علي مثله.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا عبد الواحد بن أيمن قال: أخبرنا أبو جعفر أن عليا دخل على عمر وقد مات وسجي بثوب فقال: يرحمك الله. فو الله ما كان في الأرض رجل أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من صحيفتك.
قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: حدثني سليمان بن بلال قال: حدثني جعفر
ابن محمد عن أبيه قال: لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف [عليه علي فقال: والله ما على الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب].
قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا يونس بن أبي يعقوب العبدي قال: حدثني عون بن أبي حجيفة عن أبيه قال: كنت عند عمر وقد سجي عليه [فدخل علي فكشف الثوب عن وجهه وقال: رحمك الله أبا حفص. ما أحد أحب إلي بعد النبي ع. أن ألقى الله بصحيفته منك].
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا بسام الصيرفي قال: سمعت زيد بن علي قال: [قال علي: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل صحيفته إلا هذا المسجى. يعني عمر].
[قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب وعمرو بن دينار وأبي جهضم قالوا: لما مات عمر دخل عليه علي فقال: رحمك الله. ما على الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بما في صحيفته من هذا المسجى].
[قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن ابن الحنفية قال: دخل أبي على عمر وهو مسجى بالثوب فقال: ما أحد من الناس أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى.] قال: أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزاز الواسطي قال: حدثنا شعبة عن الحكم عن زيد بن وهب قال: أتينا ابن مسعود فذكر عمر فبكى حتى ابتل الحصى من دموعه وقال: إن عمر كان حصنا حصينا للإسلام يدخلون فيه ولا يخرجون منه. فلما مات عمر انثلم الحصن فالناس يخرجون من الإسلام.
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا عبد الملك. يعني ابن أبي سليمان. عن واصل الأحدب عن زيد بن وهب قال: أتيت ابن مسعود أستقرئه آية من كتاب الله فأقرأنيها كذا وكذا فقلت: إن عمر أقرأني كذا وكذا. خلاف ما قرأها عبد الله. قال فبكى حتى رأيت دموعه خلال الحصى ثم قال: اقرأها كما أقرأك عمر فو الله لهي أبين من طريق السيلحين. إن عمر كان للإسلام حصنا حصينا يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه. فلما قتل عمر انثلم الحصن فالإسلام يخرج منه ولا يدخل فيه.
قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا حماد بن زيد عن عبد الله بن المختار عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل قال: قدم علينا عبد الله بن مسعود فنعى إلينا عمر فلم أر يوما كان أكثر باكيا ولا حزينا منه. ثم قال: والله لو أعلم عمر كان يحب كلبا لأحببته. والله إني أحسب العضاه قد وجد فقد عمر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني بردان بن أبي النضر عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف فقال: لما مات عمر بن الخطاب بكى سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل. فقيل: ما يبكيك؟ فقال: لا يبعد الحق وأهله. اليوم يهي أمر الإسلام.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الملك بن زيد من ولد سعيد بن زيد عن أبيه قال: بكى سعيد بن زيد فقال له قائل: يا أبا الأعور ما يبكيك؟ فقال: على الإسلام أبكي. إن موت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم المري عن عيسى بن أبي عطاء عن أبيه قال: قال أبو عبيدة بن الجراح يوما وهو يذكر عمر فقال: إن مات عمر رق الإسلام. ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأني أبقى بعد عمر. قال قائل: ولم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم. أما هو فإن ولي وال بعد عمر فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك ولم يحملوه وإن ضعف عنهم قتلوه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن زياد ابن أبي بشير عن الحسن قال: أي أهل بيت لم يجدوا فقد عمر فهم أهل بيت سوء.
قال: أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي سنان عن عمرو بن مرة قال: قال حذيفة: ما يحبس البلاء عنكم فراسخ إلا موته في عنق رجل كتب الله عليه أن يموت. يعني عمر.
قال: أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي عن جعفر بن سليمان عن أبي التياح عن زهدم الجرمي عن حذيفة أنه قال يوم مات عمر: اليوم ترك المسلمون حافة الإسلام. قال قال زهدم: كم ظعنوا بعده من مظعن. ثم قال: إن هؤلاء القوم قد تركوا الحق حتى كأن بينهم وبينه وعورة حتى لو أرادوا أن يرجعوا دينهم ما استطاعوا.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله الأسدي قالا: أخبرنا سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن حذيفة: كان الإسلام في زمن عمر كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربا. فلما قتل عمر. رحمه الله. كان كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدا.
قال: أخبرنا يحيى بن عباد قال: أخبرنا مالك. يعني ابن مغول. قال: سمعت منصور بن المعتمر يحدث عن ربعي بن حراش أو أبي وائل قال: قال حذيفة: إنما كان مثل الإسلام أيام عمر مثل امرئ مقبل لم يزل في إقبال. فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا سعيد بن زيد عن أبي التياح عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما قتل عمر بن الخطاب قال حذيفة: اليوم ترك الناس حافة الإسلام. وايم الله لقد جار هؤلاء القوم عن القصد حتى لقد حال دونه وعورة ما يبصرون القصد ولا يهتدون له. قال فقال عبد الله بن أبي الهذيل: فكم ظعنوا بعد ذلك من مظعنة.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن بكر السهمي وعبد الوهاب ابن عطاء العجلي قالوا: أخبرنا حميد الطويل قال: قال أنس بن مالك: لما أصيب عمر بن الخطاب قال أبو طلحة: ما من أهل بيت من العرب حاضر ولا باد إلا قد دخل عليهم بقتل عمر نقص.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن أصحاب الشورى اجتمعوا فلما رآهم أبو طلحة وما يصنعون قال: لأنا كنت لأن تدافعوها أخوف مني من أن تنافسوها. فو الله ما من أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخل عليهم في موت عمر نقص في دينهم وفي دنياهم. قال يزيد فيما أعلم.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي وقبيصة بن عقبة قالا: أخبرنا هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن سمير عن عائشة قالت: سمعت ليلا ما أراه إنسيا نعى عمر وهو يقول:
جزى الله خيرا من أمير وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يمش أو يركب جناحي نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بوائق في أكمامها لم تفتق |
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا حماد بن زيد قال: قال أيوب عن ابن أبي مليكة ويزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن الجن ناحت على عمر:
عليك سلام من أمير وباركت | يد الله في ذاك الأديم المخرق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بوائق في أكمامها لم تفتق |
قال أيوب: بوائج. وقال يزيد عن سليمان: بوائق في أكمامها لم تفتق.
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت | له الأرض تهتز العضاه بأسؤق؟ |
قال عفان في حديثه: وقال عاصم الأسدي:
فما كنت أخشى أن تكون وفاته | بكفي سبنتى أزرق العين مطرق |
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: بكي على عمر حين مات.
قال: أخبرنا المعلى بن أسد قال: أخبرنا وهيب بن خالد عن موسى بن سالم قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال: كان العباس خليلا لعمر. فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام. قال فرآه بعد حول وهو يمسح العرق عن جبينه فقال: ما فعلت؟ قال: هذا أوان فرغت وإن كاد عرشي ليهد لولا أني لقيته رءوفا رحيما.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا أبو جهضم قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس أن. العباس قال: كان عمر لي خليلا وإنه لما توفي لبثت حولا أدعو الله أن يرينيه في المنام. قال فرأيته على رأس الحول يمسح العرق عن جبهته. قال قلت: يا أمير المؤمنين ما فعل بك ربك؟ قال: هذا أوان فرغت وإن كاد عرشي ليهد لولا أني لقيت ربي رءوفا رحيما.
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو شهاب قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمارة عن ابن عباس قال: دعوت الله سنة أن يريني عمر. قال فرأيته في المنام فقال: كاد عرشي أن يهوي لولا أني وجدت ربا رحيما.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر عن قتادة عن ابن عباس قال: دعوت الله سنة أن يريني عمر بن الخطاب. قال فرأيته في النوم فقلت: ما لقيت؟ قال: لقيت رءوفا رحيما ولولا رحمته لهوى عرشي.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر عن الزهري عن ابن عباس قال: دعوت الله أن يريني عمر في النوم فرأيته بعد سنة وهو يسلت العرق عن وجهه وهو يقول: الآن خرجت من الحناذ أو مثل الحناذ.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر بن حفص عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: سمعت رجلا من الأنصار يقول: دعوت الله أن يريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبينه فقلت: يا أمير المؤمنين ما فعلت؟ فقال: الآن فرغت ولولا رحمة ربي لهلكت.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: نمت بالسقيا وأنا قافل من الحج. فلما استيقظ قال: والله إني لأرى عمر آنفا أقبل يمشي حتى ركض أم كلثوم بنت عقبة وهي نائمة إلى جنبي فأيقظها. ثم ولى مدبرا فانطلق الناس في طلبه. ودعوت بثيابي فلبستها فطلبته مع الناس فكنت أول من أدركه. والله ما أدركته حتى حسرت فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد شققت على الناس. والله لا يدركك أحد حتى يحسر. والله ما أدركتك حتى حسرت. فقال: ما أحسبني أسرعت. والذي نفس عبد الرحمن بيده إنه لعمله.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 3- ص: 201
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ابن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر العدوي، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي.
مات سنة ثلاث وعشرين؛ قال ابن عمر: وهو ابن خمس وخمسين؛ وروي عن معاوية رضي الله عنه أنه قال يوما: مات عمر وهو ابن ثلاث وستين، وكانت ولايته عشر سنين وأشهرا.
وكان من أجلاء فقهاء الصحابة وعظمائهم؛ روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’ بينا أنا نائم إذ رأيت قدحا أتيت فيه بلبن فشربت منه حتى أني لأرى الري يجري في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر ’’؛ قالوا: ما أولت يا رسول الله؟ قال: العلم. وروى الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان ’’.
وروى محمد بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه أنه قال: كان الذي يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار: عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت. وروي أن ابن عباس رضي الله عنه كان إذا سئل عن الشيء فإن لم يكن في كتاب الله وسنة رسوله قال بقول أبي بكر، فإن لم يكن فبقول عمر. وروى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: لو وضع علم عمر في كفة ووضع علم الناس في كفة لرجح علم عمر؛ قال الأعمش: فأتيت إبراهيم أبشره فقال: ألا أخبرك بأفضل من هذا عن عبد الله: قال عبد الله: لقد مات عمر فذهب بتسعة أعشار العلم. وقال معاذ بن جبل: إن أعلم الناس بفريضة وأقسمهم لها عمر بن الخطاب، وقال سعيد بن المسيب: ما أعلم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر. وقال الشعبي: من سره أن يأخذ بالوثيقة في القضايا فليأخذ بقضاء عمر فإنه يستشير. وروي أن عبد الله بن الحسن ابن الحسن مسح على خفيه فقيل له: تمسح؟ قال: نعم، مسح عمر بن الخطاب، ومن جعل عمر بن الخطاب بينه وبين الله فقد استوثق.
قال المصنف رحمه الله: ولأن من نظر في فتاويه على التفصيل، وتأمل معاني قوله على التحصيل، وجد في كلامه من دقيق الفقه ما لا يجد في كلام أحد، ولو لم يكن له إلا الفصول التي ذكرها في كتابه إلى أبي موسى الأشعري لكفى ذلك في الدلالة على فضله، فإنه كتب إليه: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم فيما أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له بين الناس في لفظك ولحظك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك؛ البينة على المدعي واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، والفهم الفهم فيما تلجلج في نفسك مما ليس في نص كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشكال والأمثال فقس الأمور عند ذلك بأشبهها بالحق. فبين في هذا الكتاب من آداب القضاء وصفة الحكم وكيفية الاجتهاد واستنباط القياس ما يعجز عنه كل أحد، ولولا خوف الإطالة لذكرت من فقهه في فتاويه ما يتحير فيه كل فاضل، ويتعجب من حسنه كل عاقل.
دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 38
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك أبو حفص العدوي وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت أبي جهل وكان قد استخلفه أبو بكر الصديق في حياته بعهد كتب له في علته التي توفى فيها فقام عمر بن الخطاب رضه الله عنه يذب عن دين الله ويبالغ المجهود في إظهار سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق رضه عنه إلى أن فتح الله عليه الأمصار وجبى إليه الأموال من غير ان لوث نفسه بشئ من حطام هذه الفانية الزائلة إلى ان حلت به المنية قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة بخنجر وجاءه يوم الأربعاء لاربع ليال بقين من ذي الحجة عند قيامة إلى صلاة الفجر طعنه ثلاث طعنات في ثنته وتوفى عمر رضه وله خمس وخمسون سنة وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال ودفن بجنب أبي بكر الصديق ودخل قبره عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 23
عمر بن الخطاب
..
دار الوعي - حلب-ط 1( 1950) , ج: 1- ص: 126
عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي
أبو حفص الفاروق أمير المؤمنين، خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي شهيداً سنة 23 هـ ’’ رضي ’’.
كان ’’ رضي ’’: نسابة، وهو أول من دون الدواوين فأنشأ ديوان الجند، ورتبه على القبائل مراعياً في تسلسلها القرب من رسوا الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ببني هاشم رهط النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بقريش وهكذا على بطون العرب.
وجائز أن يقال: إن هذا الديوان هو أول كتاب في الأنساب.
دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 13
عمر بن الخطاب بن نفيل، أبو حفص، العدوي، القرشي، رضي الله عنه.
قال ابن أبي أويس: عن ابن وهبٍ، عن يونس، عن ابن شهاب: ولي عشر سنين حجها كلها.
وقال عبد الأعلى: عن يزيد بن زريع، عن سعد، عن قتادة، عن سالم، عن معدان، في حديثه، قال: أصيب عمر، رضي الله عنه، يوم الأربعاء، لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة.
قال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وعشرين.
أبو يعلى محمد بن الصلت، قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قتل عمر وهو ابن خمس وخمسين.
هاجر بمن معه إلى المدينة قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنه راضٍ، وشهد له بالجنة.
دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 6- ص: 1
عمر بن الخطاب
...
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 13
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
أبو حفص وأمه مخزومية ابنة عم أبي جهل عنه بنوه عبد الله وعاصم وحفصة ومولاه أسلم وابن عباس استشهد لأربع بقين من ذي الحجة 23 وعاش ثلاثا وستين سنة ع
دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 1
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن فرط بن رزاح بن عدي بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر العدوي القرشي، أبو حفص، رضي الله عنه، وأمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت العاص بن هشام بن المغيرة.
شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة واستخلف في رجب سنة ثلاث عشرة ثم قتله أبو لؤلؤة غلام لمغيرة بن شعبة، مصدر الحاج يوم الأربعاء الأربع بقين من ذي الحجة سنة وثلاث وعشرين فكانت خلافته عشر سنين ونصفاً واختلفوا في سنه فقيل: مات وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل ابن تسع وخمسين، وقيل ابن ست وخمسين صلى عليه صهيب مولى رسول الله صلى الله عليه وصلم.
روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الجهاد.
روى عنه: عبد الله بن عمر في الإيمان والصلاة والجنائز وغيرها، وابنه عاصم بن عمر في الصلاة والصوم، وعقبة بن عامر في الوضوء، ومعدان بن أبي طلحة في الصلاة، ويعلى بن أمية في الصلاة، وشرحبيل بن السمط وعبد الرحمن بن عبد القارئ، والمسور بن مخرمة في الصلاة، ونافع بن عبد الحارث، أبو الطفيل ذكره عنه، وأبو هريرة في الصلاة وأبو موسى في الجنائز والحج، وأنس في الجنائز، وابن عباس في الجنائز والبيوع، وعبد الله بن السعدي في الزكاة، وابن الساعدي المالكي، وسلمان بن ربيعة في الزكاة، وأبو عبيد مولى ابن أزهر في الصوم، وعبد الله بن سرخس في الحج، وعابس بن ربيعة في الحج، وسويد بن غفلة في الحج واللباس، وجابر بن عبد الله في النكاح والجهاد، ومالك بن أوس في البيوع، وأسلم، وعلقمة بن وقاص وعبد الله بن الزبير وأبو عثمان النهدي وعدي بن حاتم في الفضائل وأسير بن جابر
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 2- ص: 1
عمر الفاروق أمير المؤمنين أبو حفص بن الخطاب العدوي
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 17
(ع) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي أبو حفص أمير المؤمنين.
ذكر ابن حبيب أن رباحاً بالباء الموحدة، والخشني وغيره يقولونه بالياء المثناة من تحت، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه أن عمران بن حصين روى عنه، وكذلك حنيفة بن أسيد، وأبو محذورة سمرة بن معير، وبريدة بن الحصيب الأسلمي، وبلال بن الحارث، وعوف بن مالك وأبو جحيفة وهب ابن عبد الله السوائي، وأبو عقرب بن أبي نوفل وله صحبة، وأم عمير، وامرأة الزبير ولهم صحبة، ومسعود بن الحكم، ومروان بن الحكم بن أبي العاص، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، ومحمود بن لبيد، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، وعبد الله بن عياش، وأبو سعيد المقبري [ق 180/أ] وهمذان رسول أهل اليمن إلى عمر رضي الله عنه، وعبد الرحمن ابن حاطب، وعبيد بن الصلت، وبجالة يعني ابن عبدة، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومي، وعمر بن سليم، وثابت بن الضحاك، والشريد بن سويد، ورافع أبو عبد الرحمن بن رافع، والسائب بن أبي هنيدة حجازي، وهشام أبو حازم، وأفلح ولي أبي أيوب، والمسيب أبو سعيد بن المسيب، وعبد الله بن عتبة، وعبد الرحمن بن أزهر، وعبد الله بن عبيد المكي، ويعلى بن منبه الحجازي كذا فرق بينه وبين ابن أمية الصحابي، وطخفة بن أبي طخفة الحضرمي، وعاصم بن سفيان الثقفي، وعبد الله بن السائب المخزومي، وسباع بن ثابت حليف لبني زهرة أبو زيد، والحكم بن أبي العاص الثقفي.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، والأحنف ابن قيس التميمي، وفضل بن يزيد الرقاشي، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وعاضرة العنبري، وكعب بن سود الأزدي، وأبو صفرة الأزدي واسمه ظالم بن سارق، وسيرين أبو محمد بن سيرين، وشويس أبو الرقاد العدوي، وأبو قتادة العدوي، والسائب بن الأقرع، وعلقمة بن عبد الله المزني، وأبو أمية جد المبارك بن فضالة، وحصين بن حدير، والمسيب بن دارم، وقرة أبو معاوية المزني، وأبو المهلب عمر أبي قلابة، وأبو عقرب ضبة بن محصن بصري، والفرافصة، وحجين بن الربيع
العدوي، وحريث بن الربيع العدوي، وسنان بن سلمة، وهب بن مسروق كوفي، والمعرور بن سويد، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، وعبد الله بن أبي ليلى الأنصاري، وزيد بن وهب الجهني، وعبيدة بن عمرو السلماني، والنزال بن سبرة الهلالي، وزياد بن حدير الأسدي، وأبو عمرو الشيباني يعني سعد بن إياس [ق 180/ب] وخرشه بن الحر الفزاري، وهمام ابن الحارث النخعي، وأبو وائل شقيق ابن سلمة الأسدي، وعبد الله بن معقل المزني، وكثير بن شهاب، وأبو معمر الأزدي يعني عبد الله بن سخبرة، والأسود بن هلال المحاربي، وربعي بن خراش، وأذينة أبو عبد الرحمن العبدي، وحارثة بن مضرب العبدي، وزيد بن صوحان، وحسان بن فائد العبسي، ومدرك بن عوف والحارث بن الأزمع الوادعي، وعباية بن ربعي، ويسار بن نير، وحصين بن سبرة، وأبو عطية مالك بن عامر الهمداني، وزر ابن حبيش، وحبيب ابن صهبان الأسدي، ومحمد بن الأشعث بن قيس، وسعيد بن معبد بن عربا، وحنظلة بن علي بن حنظلة، وهلال بن عبد الله، والمستقل بن حصين، وأبو سلامة نافع، وأبو عبد الله بن نافع، وأبو مروان، وأبو عطاء بن أبي مروان، وعبد الله بن قارب، وكليب أبو أبي معشر، وعبد الله بن أبي الهذيل، ومعقل بن أبي بكر المزني، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وعضيف بن الحارث الكندي، وعبد الله بن سنان الشامي، وأبو النعمان حديثه: قدمت المدينة.
وفي قول المزي – تابعاً صاحب ’’ الكمال ’’ -: أمه حنتمة بنت هاشم وقيل هشام وهو أشهر والأول أصح نظر؛ لقول القشيري: هي بنت هاشم وليس هشاما، ومن لا يعرف النسب يغلط فيه والمغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ولد هاشماً وهشاما إلا أن حنتمة هي بنت هاشم وقال ابن عبد البر: من قال: هشام فقد أخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث بن هشام، وإنما هي ابنة عمهما.
وفي كتاب الكلبي والبلاذري وغيرهما: فولد هاشم بن المغيرة وكنيته أبو عبد
مناف: حنتمة أم عمر بن الخطاب.
وأسلم عمر بعد تسعة وثلاثين رجلاً.
وفي حديث إسحاق بن بشير عن خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وتسعون رجلاً وثلاث وعشرون امرأة، ثم أسلم عمر فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآية: {يا أيها النبي حسبك الله ومن تبعك من المؤمنين}.
قال أبو أحمد: طعن يوم الأربعاء ودفن يوم الأحد صبيحة هلال [ق 181/أ] المحرم سنة أربع وعشرين.
وفي ’’ أمالي ’’ أبي سعيد محمد بن علي بن عمر النقاش الحنبلي من حديث زيد العمي عن ابن جبير عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ أتاني جبريل صلى الله عليهما وسلم؛ فقال: أقرئ عمر بن الخطاب عن ربه السلام، وأعلمه أن رضاه حلم وأن غضبه عز.
وفي ’’ الطبقات ’’ عن الزهري: أسلم بعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء.
وعن سعيد بن المسيب: بعد أربعين رجلاً وعشر نسوة، وعن عبد الله بن ثعلبة بن صعير: بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة.
وعن أسلم مولاه: أسلم عمر سنة ست من النبوة في ذي الحجة – قال ابن الجوزي: هذا قول لا خلاف فيه – قال: أسلم ولابنه عبد الله يومئذ ست سنين.
وعن ابن شهاب: أول من قال لعمر الفاروق أهل الكتاب، وعن أيوب بن موسى، وعائشة: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبان بن مالك، وقيل: معاذ بن عفراء. وبعثه أميراً على سرية في ثلاثين رجلاً في شعبان سنة سبع إلى عجز هوازن وأعطاه اللواء يوم خيبر، وكان يتجر وهو خليفة.
وأرخ التاريخ في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة، وهو أول من جمع القرآن العظيم في مصحف، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، ومصر الأمصار: المدينة، والبصرة، والكوفة، والبحرين، ومصر، والشام، والجزيرة، وأول من
ألقى الحصى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ودون الديوان في المحرم سنة عشرين، وكان ينفق كل يوم على نفسه وعياله درهمين، وكان يصوم الدهر، وكان أعسر يسر، وقالت عائشة رضي الله عنها: لما كانت آخر حجة حجها عمر رضي الله [عنه] بأمهات المؤمنين سمعنا برجل يرفع عقيرته يقول:
عليك السلام من إمام وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يسع أو يركب جناح بعوضة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها | بوائق في أكمامها لم تفتق |
وما كنت أخشى أن تكون وفاته | بكف سبنتي أزرق الين مطرق |
أألله قتيل بالمدينة أظلمت له | الأرض تهتز العضاة بأسوق |
يخوفني كعب ثلاثاً بعدها | ولا شك أن القول ما قال لي كعب |
وما بي حذار الموت إني لميت | ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب |
كأن ألق زنباع بن روح ببلدة | لي النصف منه يفزع السن من ندم |
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 10- ص: 1
عمر بن الخطاب الفاروق
رضي الله عنه
دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب
حدثنا الحارث بن محمد، نا عبد الوهاب بن عطاء، نا سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال: «آخر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يغيرها، فدعوا الربا والريبة»
حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر، نا سعيد بن عامر، نا جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال: ’’ وافقت ربي عز وجل في ثلاث: في الحجاب، ومقام إبراهيم، وفي أسارى بدر ’’
حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، نا سليمان بن داود الهاشمي، نا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب قال: ’’ كنا نقرأ في القرآن: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفرٌ بكم) ’’
حدثنا محمد بن شاذان، نا هوذة، عن ابن جريج قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار يحدث، عن عبد الله بن بابيه، عن يعلى بن أمية، عن عمر بن الخطاب في قصر الصلاة قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقةٌ تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته»
مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 2- ص: 1
عمر بن الخطاب (ع)
أمير المؤمنين، أبو حفص العدوي، الفاروق.
أيد الله به الإسلام، وفتح به الأمصار.
استشهد في أواخر ذي الحجة من سنة ثلاثٍ وعشرين، وله ثلاثٌ وستون سنة. رضي الله عنه.
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 1- ص: 1
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح - براء مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت - بن عبد العزى بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ابن لؤي بن غالب القرشي العدوى، أبو حفص الفاروق:
سمى بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل، أمير المؤمنين، أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفى وهو عنهم راض وصهر النبي صلى الله عليه وسلم، وأحب الرجال إليه بعد أبي بكر رضي الله عنه، على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في الصحيحين، وسيد كهول أهل الجنة، من الأولين والأخرىن، غير النبيين والمرسلين، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، في جامع الترمذي، وغيره بإسناد حسن على ما ذكر الترمذي، ووزير النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الأرض، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، في جامع الترمذي، بإسناد حسن، على ما ذكر الترمذي، إلا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، يشركه في هاتين الفضيلتين، ولعمر رضي الله عنه فضائل أخر:
منها: «أن الله تعالى جعل الحق على لسانه وقلبه»، رواه الترمذي بإسناد حسن صحيح، على ما ذكر من حديث ابن عمر مرفوعا.
ومنها: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به وبأبى بكر الصديق رضي الله عنهما، كما في الترمذي وغيره بإسناد حسن، من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا.
ومنها: «أن الشيطان ما لقى عمر رضي الله عنه سالكا فجا، إلا سلك فجا غير فجه» كما في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: «أنه لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبى لكان عمر»، كما في الترمذي، من حديث عقبة بن عامر بإسناد حسن.
ومنها: «نزول القرآن الكريم بموافقته، في أسارى بدر، وفي الحجاب، وتحريم الخمر [ ....... ].
ومنها: «إعزاز الإسلام به، حسب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك»، روينا عن ابن مسعود
رضي الله عنه قال: كان إسلام عمر رضي الله عنه فتحا، وهجرته نصرا، وإمامته رحمة، فلقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى في البيت، حتى أسلم عمر رضي الله عنه، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
وعن حذيفة رضي الله عنه، قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه، كان الإسلام كالرجل المقبل، لا يزداد إلا قربا، فلما غيل، كان الإسلام كالرجل المدبر، لا يزداد إلا بعدا.
وكان إسلامه في السنة السادسة من النبوة، على ما قال ابن سعد، وذلك بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهي الدار المعروفة بدار الخيزران عند الصفا، بعد أربعين رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وقيل عبد أربعين رجلا، وعشرة نسوة، قاله سعيد بن المسيب.
وسبب إسلامه، أن فاطمة أخته، زوجة سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلمت هي وزوجها، فسمع بذلك عمر، فقصدهما ليعاقبهما، فلما صار إليهما، قرئ عليه القرآن، فأوقع الله في قلبه الإسلام فأسلم، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم مختفون في دار الأرقم، فأظهر إسلامه، فسر المسلمون بذلك كثيرا، ثم خرج إلى مجامع قريش، فنادى بإسلامه، فضربه جماعة منهم، فأجاره خاله العاصى بن وائل السهمي، فكفوا عنه، ثم لم تطب نفس عمر حين رأي المسلمين يضربون، وهو لا يضرب في الله تعالى لجوار خاله، فرده عليه، وصار يضارب المشركين ويضاربونه كسائر المسلمين، إلى أن أظهر الله الإسلام.
وكان قبل إسلامه شديدا على المسلمين، فاستجاب الله فيه دعوة نبيهصلى الله عليه وسلم، وكان دعا الله أن يعز به الإسلام، أو بأبى جهل بن هشام، ولما هم بالهجرة إلى المدينة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهما، وأتى إلى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعا، وصلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، ثم قال: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، وترمل زوجته، فليلحقنى وراء هذا الوادى، فما تبعه منهم أحد. روينا ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وروينا عنه أنه قال: ما علمت أحدا هاجر إلا مختفيا، إلا عمر رضي الله عنه، فإنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وذكر الخبر.
وكان هاجر مع أخيه زيد بن الخطاب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وغيرهما من سادات الصحابة رضي الله عنهم، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وخيبر، وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، وسائر المشاهد، وكان شديدا على الكفار والمنافقين، وبويع رضي الله عنه بالخلافة، بعد موت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان عهد إليه بذلك، فقام بعده بمثل سيرته وجهاده، وثباته وصبره على العيش الخشن وخبز الشعير، والثوب الخام المرقوع، والقناعة باليسير، ففتح الله في خلافته الفتوحات الكبار والأقاليم الشاسعة، فافتتح عسكره مملكة كسرى، وكانت جيوش كسرى مائة ألف أو يزيدون، فكسرهم المسلمون غير مرة، وسبوا نساءهم وأولادهم، وغنموا أموالهم، وكان على المسلمين يومئذ، سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وبنى المسلمون حينئذ الكوفة والبصرة، وافتتحت في خلافته رضي الله عنه جميع مدائن الشام، بعد مصافات أربعة، أكبرها وقعة اليرموك بحوران بالشام، وكان المسلمون أكثر من عشرين ألفا، وكانت جيوش قيصر ملك النصارى، يزيدون على مائة ألف فارس، فقتل من الكفار نصفهم أو أقل، واستشهد من المسلمين جماعة من الصحابة، وافتتح في خلافته رضي الله عنه بيت المقدس، وقتل في خلافته في وقعة جلولاء بالعراق، خلائق من المجوس، وغنم المسلمون منهم غنيمة عظيمة، يقال إنها ثلاثون ألف ألف درهم.
وافتتح في خلافته الموصل والجزيرة وديار بكر والعراق وأرمينية وأذربيجان وبلاد فارس وخوزستان - واختلفوا في خراسان، فقيل فتحت في زمانه، ثم انتقضت، وفتحت في زمن عثمان رضي الله عنه، وقيل إن عثمان افتتحها وهو الصحيح، وإصطخر، وبلد الرى وهمذان وجرجان والدينور ونهاوند وديار مصر - بعضها بالسيف وبعضها صلحا - والإسكندرية عنوة، وطرابلس من أوائل بلاد المغرب، وزهت له الدنيا إلى الغاية، فلم يغتر بها، ولم يردها، وأنزل نفسه في مال الله تعالى، منزلة رجل من المسلمين.
وله رضي الله عنه في الزهد أخبار عجيبة، منها: أنه لما قدم الشام، لقيته الجنود، وعليه إزار في وسطه وعمامة، قد خلع خفيه، وهو يغوص الماء آخذا بزمام راحلته، وخفاه تحت إبطه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، الآن تلقاك الأمراء وبطارقة الشام، وأنت
هكذا؟، فقال: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلم نلتمس العز بغيره، ذكر هذا الخبر طارق ابن شهاب.
ومنها: ما رويناه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: لقد رأيت في قميص عمر رضي الله عنه أربع رقاع بين كتفيه، وروينا عن أبي عثمان، قال: رأيت عمر رضي الله عنه يرمى الجمرة، وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب، وروينا أنه رضي الله عنه، دخل على ابنته حفصة رضي الله عنها، فقدمت إليه مرقا باردا، وصبت عليه زيتا، فقال: إدامان في إناء واحد! لا آكله أبدا.
وقام رضي الله عنه بأمر الخلافة أحسن قيام، ولم يأخذه في الله لومة لائم، واهتم رضي الله عنه بأمر المسلمين، اهتماما لا يشبهه شيء. وله رضي الله عنه في ذلك أخبار، منها:
أنه خرج بنفسه إلى العالية في يوم صائف، يسوق بكرين من إبل الصدقة تخلفا، ليلحقهما بالحمى، خشية الضيعة.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجنا مع عمر رضي الله عنه إلى مكة، فما ضرب فسطاطا ولا خباء حتى رجع. وكان إذا نزل، يلقى له كساء، أو نطع على شجرة، فيستظل بها.
ورتب الناس على سابقتهم في العطاء؛ وفي الإذن عليه والإكرام. وكان أهل بدر أول الناس دخولا عليه، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أولهم دخولا عليه، وأثبت أسماءهم في الديوان، على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ ببنى هاشم وبنى المطلب، ثم الأقرب فالأقرب.
وهو أول من دون الديوان، وأرخ التاريخ من الهجرة، لقضية أوجبت ذلك، وأول من اتخذ الدرة، وأول من لقب أمير المؤمنين، وسبب لقبه بأمير المؤمنين، أنه بعث إلى عامل العراق: أرسل إلى رجلين جلدين شابين، أسألهما عن العراق وأهله، فأرسل إليه عامل العراق، لبيد بن ربيعة العامري، وعدي بن حاتم الطائى، فلما قدما المدينة، أناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا، فإذا هما بعمرو بن العاص رضي الله عنه، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فصوب عمرو مقالتهما، ودخل على عمر، وقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فسأله عمر رضي الله عنه، عن سبب خطابه بذلك، فأخبره بقول لبيد وعدي بن حاتم، فاستحسنه، وجرى الكتاب بذلك.
وقيل في سبب تلقيبه بذلك غير ما سبق، وذلك أن عمر رضي الله عنه لما ولى قال: كان يقال لأبي بكر رضي الله عنه، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال لي خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا يطول، فقال له المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، قال: فذلك إذا. ذكر الزبير بن بكار.
وهو أول من كتب: من عبد الله أمير المؤمنين، وهو أول من جمع الناس لصلاة التراويح، وهو أول من رد مقام إبراهيم إلى مكانه اليوم، لما غيره عنه السيل، وهو أول من وسع المسجد الحرام.
ثم قبضه الله تعالى إليه سعيدا شهيدا، وكان رضي الله عنه يسأل الله الشهادة، وثب عليه أبو لؤلؤة المجوسى، مولى المغيرة بن شعبة، وقد دخل المسجد لصلاة الصبح، فطعنه بخنجر في بطنه، وقيل إنه ضربه بسكين مسمومة ذات طرفين، ست ضربات في كبده، وفي خاصرته، وقد أحرم لصلاة الصبح، وجال أبو لؤلؤة الملعون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقتل سبعة نفر، وجرح جماعة، فأخذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، بساطا رماه عليه وقبضه، فلما رأي أنه قد أخذ، قتل نفسه، وحمل عمر رضي الله عنه إلى منزله، ودخل الناس يسلمون عليه ويثنون، وهو يقول: ليت أنى نجوت كفافا، وأمر رضي الله عنه بالاقتصاد في تجهيزه، وأن يدفن في بيت عائشة رضي الله عنها بإذنها، فسمحت لهبذلك، ثم مات بعد يوم وليلة، وغسله رضي الله عنه، ابنه عبد الله، على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه في مسجده، وأم بالناس عليه صهيب، فكبر أربعا، ودفن في بيت عائشة رضي الله عنها، وكان قتل أبي لؤلؤة لعمر رضي الله عنه، على ما قال ابن عبد البر، لثلاث ليال بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، هكذا قال الواقدي وغيره. وقال الربيع: لأربع بقين من ذي الحجة، وكانت خلافته رضي الله عنه عشر سنين ونصفا، وناحت عليه الجن، قبل أن يقتل بثلاث، على ما رويناه عن عبادة بهذه الأبيات [من الطويل]:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت | له الأرض تهتز العضاه بأسؤق |
جزى الله خيرا من إمام وباركت | يد الله في ذاك الأديم الممزق |
فمن يسع أو يركب جناحى نعامة | ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق |
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها | بوائق من أكمامها لم تفتق |
وما كنت أخشى أن تكون وفاته | بكفى سبنتى أزرق العين مطرق |
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 5- ص: 1
عمر بن الخطاب بن نفيل العدوى أبو حفص القرشي
رحمه الله له صحبة وهجرة روى عنه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري وأنس بن مالك وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس والنعمان بن بشير وعقبة بن عامر وأبو امامة الباهلي وعمرو بن عبسة وعبد الله بن أنيس وأبو لبابة بن عبد المنذر وعدى بن حاتم والبراء بن عازب وبريدة الأسلمي وفضالة بن عبيد وشداد بن أوس وعبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن العاص وكعب بن عجرة وعبد الله بن سرجس والمسور بن مخرمة والسائب بن يزيد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الأرقم وعبد الله بن السعدي والاشعث بن قيس ويعلى بن أمية وجابر بن سمرة وحبيب بن مسلمة وأبو الطفيل وابن أبزي وسفيان بن وهب والفلتان بن عاصم وخالد بن عرفطة وعمرو بن حريث وعبد الله بن عكيم وطارق بن شهاب ومعمر بن عبد الله والمسيب بن حزن وسفيان بن عبد الله الثقفى وعائشة وحفصة رحمة الله عليهم أجمعين.
طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 6- ص: 1