ابن مردتاش الشاعر محمد بن محمد بن محمود بن دمرداش الدمشقي شهاب الدين أبو عبد الله كان في أول حاله جنديا وخدم بحماة وصحب صاحبها الملك المنصور ثم أبطل ذلك ولبس زي العدول وجلس في مركز الرواحية بدمشق رأيته بها سنة ثمان عشرة وأظنه كان مخلا من إحدى عينيه، أنشدني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: أنشدني ظهير الدين البارزي قال أنشدني شهاب الدين المذكور لنفسه.
أقول لمسواك الحبيب لك الهنا | برشف فم ما ناله ثغر عاشق |
فقال وفي أحشائه حرقة النوى | مقالة صب للديار مفارق |
تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى | أعلله بين العذيب وبارق |
سألتك يا عود الأراكة أن تعد | إلى ثغر من أهوى فقبله مشفقا |
ورد من ثنيات العذيب منيهلا | تسلسل ما بين الأبيرق والنقا |
وعود أراكة يجلو الثنايا | من البيض الدمى جلي المرايا |
يقول مساجل الأغصان فخرا | أنا ابن جلا وطلاع الثنايا |
ولما التقينا بعد بين وفي الحشا | لواعج شوق في الفؤاد تخيم |
أراد اختباري بالحديث فما رأى | سوى نظر فيه الجوى يتكلم |
ومهفهف الأعطاف معسول اللمى | كالغصن يعطفه النسيم إذا سرى |
قال اسقني فأتيته بزجاجة | ملئت قراحا وهو لاه لا يرى |
وتأرجت برضابه وأمدها | من نار وجنته شعاعا أحمرا |
ثم انثنى ثملا وقد أسكرته | برضابه وبوجنتيه وما درى |
قال لي ساحر اللواحظ صف لي | هيفي قلت يا رشيق القوام |
لك قد لولا جوارح جفنيـ | ـك تغنت عليه ورق الحمام |
حتام لا تصل المدام وقد أتت | لك في النسيم من الحبيب وعود |
والنهر من طرب يصفق فرحة | والغصن يرقص والرياض تميد |
قد صنت سر هواكم ضنا به | إن المتيم بالهوى لضنين |
فوشت به عيني لم وأك عالما | من قبلها إن الوشاة عيون |
روى دمع عيني عن غرامي فأشكلا | ولكنه ورى الحديث فأشكلا |
وأسنده عن واقدي أضالعي | فأضحى صحيحا بالغرام معللا |
وافي النسيم وقد تحمل منكم | لطفا يقصر فهمه عن علمه |
وشكى السقام وما درى ما قد حوى | وأنا أحق من الرسول بسقمه |
إن طال ليلي بعدكم فلطوله | عذر وذاك لما أقاسي منكم |
لم تسر فيه نجومه لكنها | وقفت لتسمع ما أحدث عنكم |
عجبا لمشغوف يفوه بمدحكم | ماذا يقول وما عساه يمدح |
والكون إما صامت فمعظم | حرماتكم أو ناطق فمسبح |
من لا سير أمست قرينته | في الدوح عن حاله تسايله |
فهو يغني مبدأ الحزين لها | وهي بأوراقها تراسله |
حتى إذا رق جلباب الدجى وسرت | من تحت أذياله مسكية النفس |
تبسم الصبح إعجابا بخلوتنا | ووصلنا الطاهر الخالي من الدنس |
بالروح أفدي منطقيا علا | برتبة النحو على نشوه |
منطقه العذب الشهي الذي | قد جذب القلب إلى نحوه |
جيادك يا من طبق الأرض عدله | وحاز بأعلى الحد أعلى المناصب |
إذا سابقتها في المهامه غرة | رياح الصبا عادت لها كالجنايب |
ولو لم تكن في ظهرها كعبة المنى | لما شبهت آثارها بالمحارب |
يا سيدي أوحشت قوما ما لهم | عن حسن منظرك الجميل بديل |
وتعللت شمس النهار فما لها | من بعد بعدك بكرة وأصيل |
وبكى السحاب مساعدا لتفجعي | من طول هجرك والنسيم عليل |
انظر إلى الأزهار تلق رؤوسها | شابت وطفل ثمارها ما أدركا |
وعبيرها قد ضاع من أكمامها | وغدا بأذيال الصبا متمسكا |
ولما أشارت بالبنان وودعت | وقد أظهرت للكاشحين تشهدا |
طفقنا نبوس الأرض نوهم أننا | نصلي الضحى خوفا عليها من العدى |
ما أبطأت أخبار من أحببته | عن مسمعي بقدومه ورجوعه |
إلا جرى قلمي إليه حافيا | وشكا إليه تشوقي بدموعه |
يقولون شبهت الغزال بأهيف | وهذا دليل في المحبة واضح |
ولو لم يكن لحظ الغزال كلحظه إحـ | ـورارا لما تاقت إليه الجوارح |
بي من أمير شكار | وجد يذيب الجوانح |
لما حكى الظبي جيدا | حنت إليه الجوارح |
يقول لي الدولاب راض حبيبك الـ | ـملول بما يهوى من الخير والنفع |
فإني من عود خلقت وها أنا | إذا مال عني الغصن أسقيه من دمعي |
الصب بك المتعوب والمعتوب | والقلب بك الملسوب والمسلوب |
يا من طلبت لحاظه سفك دمي | مهلا ضعف الطالب والمطلوب |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 0