التصنيفات

الشيخ ركن الدين ابن القوبع محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف التونسي الشيخ الإمام العلامة المحقق البارع المتقن المفنن جامع أشتات الفضايل ركن الدين أبو عبد الله الجعفري المالكي التونسي، لم أر له نظيرا في مجموعه وإتقانه وتفننه واستحضاره واطلاعه كل ما يعرفه يجيد فيه من أصول وحديث وفقه وأدب ولغة ونحو وعروض وأسماء رجال وتاريخ وشعر يحفظه للعرب والمولدين والمتأخرين وطب وحكمة ومعرفة الخطوط خصوصا خطوط المغاربة قد مهر في ذلك وبرع وإذا تحدث في شيء من ذلك كله تكلم على دقايق ذلك الفن وغوامضه ونكته حتى يقول القائل إنما أفنى عمره هذا في هذا الفن، قال لي العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن السبكي الشافعي وهو ما هو: ما أعرف أحدا مثل الشيخ ركن الدين أو كما قال وقد رأى جماعة ما أتى الزمان لهم بنظير بعدهم مثل الشيخ وغير هؤلاء، أخبرني الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس قال: قدم إلى الديار المصرية وهو شاب فحضر سوق الكتب والشيخ بهاء الدين ابن النحاس حاضر وكان مع المنادي ديوان ابن هانئ المغربي فأخذه الشيخ ركن الدين وأخذ يترنم بقول ابن هانئ

وكسر التاء وفتح الفاء والسين والفاء فالتفت إليه الشيخ بهاء الدين وقال له يا مولا ذا نصب كثير فقال له الشيخ ركن الدين بتلك الحدة المعروفة منه والنفرة أنا ما أعرف الذي تريده أنت من رفع هذه الأشياء؟ على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة أي أهذه فتكات لحظك أم كذا أم كذا وأنا الذي أقوله أغزل وأمدح وتقديره أأقاسي فتكات لحظك أم أقاسي سيوف أبيك وأرشف كؤس خمرك أم مراشف فيك فأخجل الشيخ بهاء الدين وقال له يا مولا فلأي شيء ما تتصدر وتشغل الناس فقال استخفافا بالنحو واحتقارا له وأيش النحو في الدنيا أو كما قال، وأخبرني أيضا قال: كنت وأنا وشمس الدين ابن الأكفاني نأخذ عليه في المباحث المشرقية فأبيت ليلتي أفكر في الدرس الذي نصبح نأخذه عليه وأجهد قريحتي وأعمل تعقلي وفهمي إلى أن يظهر لي شيء أجزم بأن المراد به هذا فإذا تكلم الشيخ ركن الدين كنت أنا في واد في بارحتي وهو في واد أو كما قال: وأخبرني تاج الدين المراكشي قال: قال لي الشيخ ركن الدين لما أوقفني الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس على السيرة التي عملها علمت فيها على ماية وأربعين موضعا أو ماية وعشرين السهو مني أو كما قال ولقد رأيته مرات يواقف الشيخ فتح الدين في أسماء رجال ويكشف عليها فيظهر معه الصواب، وكنت يوما أنا وهو عند الشيخ فتح الدين فقال قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية عمل ابن الخطيب أصولا في الدين الأصول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد إلى آخرها فنفر الشيخ ركن الدين وقال قل له يا عرة عمل الناس وصنفوا وما أفكروا فيك ونهض قائما وولى مغضبا، وأخبرني الشيخ فتح الدين قال: جاء إليه إنسان يصحح عليه في أمالي القالي فأخذ الشيخ ركن الدين يسابقه إلى ألفاظ الكتاب فبهت ذلك الرجل فقال له لي عشرون سنة ما كررت عليها، وكان إذا أنشده أحد شيئا في أي معنى كان أنشد فيه جملة للمتقدمين والمتأخرين كأن الجميع كان البارحة يكرر عليه وتولى نيابة الحكم للقاضي المالكي بالقاهرة مدة ثم تركها تدينا منه وقال يتعذر فيها براءة الذمة وكان سيرته فيها حسنة لم يسمع عنه أنه ارتشى في حكم لا حابى وكان يدرس في المدرسة المنكتمرية بالقاهرة ويدرس الطب بالبيمارستان المنصوري وينام أول الليل ثم يستفيق وقد أخذ راحة ويتناول كتاب الشفاء لابن سينا ينظر فيه لا يكاد يخل بذلك، قال الشيخ فتح الدين قلت له يوما يا شيخ ركن الدين إلى متى تنظر في هذا الكتاب فقال إنما أريد أن اهتدي وكان فيه سأم وملل وضجر حتى في لعب الشطرنج يكون في وسط الدست وقد نفضه وقطع لذة صاحبه ويقول سئمت سئمت وكذلك في بعض الأوقات يكون في بحث وقد حرر لك المسألة وكادت تنضج فيترك الكلام ويمضي، وكان حسن التودد يتردد إلى الناس ويهنيهم بالشهور والمواسم من غير حاجة إلى أحد لأنه كان معه مال له صورة ما يقارب الخمسين ألف درهم وكان يتصدق سرا على أناس مخصوصين، ولثغته بالراء قبيحة يجعلها همزة، وكان إذا رأى أحدا يضرب كلبا أو يؤذيه يخاصمه وينهره ويقول ليش تفعل ذا أما هو شريكك في الحيوانية، وكان خطه على وضع المغاربة وليس بحسن، وسمع بدمشق سنة إحدى وتسعين وست ماية على المسند تقي الدين ابن الواسطي واستجزته سنة ثمان وعشرين وسبع ماية بالقاهرة باستدعاء فيه نثر ونظم فأجاب وأجاز وأجاد بنثر ونظم أنشدني لنفسه إجازة ومن خطه نقلت:
منها:
ونقلت منه قوله من قصيدة يمدح بها الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد
منها في المديح:
منها:
منها:
وكتبت له استدعاء بإجازة منه لي نسخته: المسؤل من إحسان سيدنا الشيخ الإمام العالم العلامة الكامل جامع شتات الفضايل وإرث علوم الأوايل حجة المناظرين سيف المتكلمين:
المتكلم الذي ذهلت بصائر أولى المنطق نحوه، وأنتجت مقدماته المطلوب عنوة، ووقف السيف عند حده فما للآمدي في مداه خطوة، وحاز رتب النهاية فما لأبي المعالي بعدها حظوة، فهو الزاري على الرازي لأن قطب علومه من مصره، ومحصوله ذهب قبل دخول أوانه وعصره، والفقيه الذي رفع لصاحب الموطأ أعلام مذهبه مذهبة فمالك عنه رضوان، وأسفر وجوه اختياره خالية من كلف التكلف حالية بالدليل والبرهان، وأبرزها في حلاوة عبارته فهو جلاب الجلاب، وأظهر الأدلة من مكامن أماكنها وطالما جمحت تلك الأوابد على الطلاب، والنحوي الذي تركت لمعه الخليل أخفش، وأعرت الكسائي ثوب فخره الذي بهر به سيبويه وأدهش، فأبعد ابن عصفور حتى طار عن مقربه، وأمات ابن يعيش لما أخلق مذهب مذهبه، والأديب الذي هو روض جمع زهر الآداب، وحبر قلد العقد أجياد فنه الذي هو لب الألباب، وكامل أخذ كتاب الأدب عنه أدب الكتاب، فإذا نظم قلت هذا الدراري في أبراجها تتسق، أو خلت الدرر تتنضد في ازدواجها وتنتسق، أو نثر فالزهر يتطلع من كمامه غب غمامه، وألفات غصون ترنح معاطفها لحمايم همزة التي هي كهمز حمامه، والطبيب الذي تحلى منه بقراط بأقراط، وسقط عن درجته سقراط، فالفارابي ألفاه رابيا، وابن مسكويه أمسك عنه محاشيا لا محابيا، وابن سينا انطبق قانونه على جميع جزئياته وكلياته، وطلب الشفاء والنجاة من إشاراته وتنبيهاته، فلو عالج نسيم الصبا لما اعتل في سحره، أو الجفن المريض لزانه وزاد من حوره، ركن الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الجعفري المالكي:
إجازة كاتب هذه الأحرف ما له من مقول منظوم أو منثور وضع أو تأليف، جمع أو تصنيف، إلى غير ذلك على اختلاف الأوضاع، وتباين الأجناس والأنواع، وذكرت أشياء مذكورة في الاستدعاء.
فأجاب بخطه رحمه الله تعالى: يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه، وعفوه عما تعاظم من ذنبه، محمد بن محمد بن عبد الرحمن القرشي الجعفري المعروف بابن القوبع، بعد حمد الله ذي المجد والسناء، والعظمة والكبرياء، الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، خالق الأرض والسماء، وجاعل الإصباح والإمساء، والشكر له على ما من به من تضاعف الآلاء، وترادف النعماء، نحمده ونذكره، ونعبده ونشكره، لتفرده باستحقاق ذلك، وتوفر ما يستغرق الحمد والشكر هنالك، مع ما خصنا به من العلم، وأضاء به بضيايها من نور الفهم، ونصلي على نبيه محمد سيد العرب والعجم، وعلى آله وأصحابه الذين فازوا من كل فضل بعظم الحظ ووفور القسم، أجزت لفلان وذكرني:
جميع ما يجوز لي أن أرويه مما رويته من أصناف المرويات أو قلته نظما أو نثرا أو اخترعته من مسألة علمية مفتتحا، أو اخترته من أقوال العلماء واستنبطت الدليل عليه مرجحا، مما لم أصنعه في تصنيف، ولا أجمعه في تأليف، على شرط ذلك عند أهل الأثر:
ويؤيد هذا ما أخبرناه الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد الورع المسند تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي ابن الواسطي قراءة عليه ونحن نسمع بدمشق في شوال سنة إحدى وتسعين وست ماية قيل له أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن ملاعب البغداذي قراءة عليه بدمشق وأبو الفرج الفتح بن عبد الله بن عبد السلم البغداذي قراءة عليه ببغداذ قالا أنا الحاجب أبو منصور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني قراءة عليه أنا أبو القسم علي بن أحمد البسري ح، وأنا ابن ملاعب وأبو علي الحسن بن إسحاق ابن الجواليقي ببغداذ قالا أنا أبو بكر محمد بن عبيد الله الزاغوني أنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي قالا أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص الذهبي ما أبو القسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ما خلف بن هشام البزاز سنة ست وعشرين ومائتين ما عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة مختصر، وهذا الحديث من أعلى ما أرويه، ونسأل الله حالا يرضاها ورضاها أنه سميع الدعاء، فقال لما يشاء، وله الحمد والمنة كتبه محمد بن القوبع ليلة التاسع والعشرين من رجب سنة ذلح.
وتوفي الشيخ ركن الدين المذكور بالقاهرة في تاسع ذي الحجة سنة ثمان وثلثين وسبع ماية، اعتل يومين ومضى إلى رحمة ربه الرحيم ومولده سنة أربع وستين بتونس، له من التصانيف التي دونها تفسير سورة ق في مجلدة ولما تولى الإعادة في المدرسة الناصرية عمل درسا في قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وعلق مما أملاه في ذلك، وكان الشيخ ركن الدين ابن القوبع قرأ النحو على يحيى بن الفرج بن زيتون والأصول على محمد بن عبد الرحمن قاضي تونس وقدم مصر عام تسعين وسمع بدمشق من ابن الواسطي وابن القواس وبحماة من المحدث ابن مزيز.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 0