الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبو بكر، المعروف بالخطيب: احد الحفاظ المؤرخين المقدمين. مولده في ’’غزية’’ - بصيغة التصغير - منتصف الطريق بين الكوفة ومكة، ومنشأه ووفاته ببغداد. رحل إلى مكة وسمع بالبصرة والدينور والكوفة وغيرهما، وعاد إلى بغداد فقربه رئيس الرؤساء ابن مسلمة (وزير القائم العباسي) وعرف قدره. ثم حدثت شؤون خرج على اثرها مستترا إلى الشام فأقام مدةفي دمشق وصور وطرابلس وحلب، سنة 462 هـ. ولما مرض مرضه الاخير وقف كتبه وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث. وكان فصيح اللهجة عارفا بالادب، يقول الشعر، ولوعا بالمطالعة والتأليف، ذكر ياقوت اسماء 56 كتابا من مصنفاته، من افضلها (تاريخ بغداد - ط) اربعة عشر مجلدا ونشر المستشرق سلمون (G. Salomon) مقدمة هذا التاريخ بباريس في 300 صفحة. ومن كتبه (البخلاء - خ) و (الكفاية في علم الرواية - ط) في مصطلح الحديث، و (الفوائد المنيخبة - خ) حديث، و (الجامع، لاخلاق الراوي واداب السامع - خ) عشر مجلدات، و (تقييد العلم - ط) و (شرف اصحاب الحديث - خ) و (التطفيل - ط) و (الاسماء والالقاب) و (الامالي) و (تلخيص المتشابه في الرسم - خ) و (الرحلة في طلب الحديث - خ) و (الاسماء المبهمة - خ)الاول منه، و (الفقيه والمتفقه - خ) اثنا عشر جزءا، وغير ذلك. وليوسف العش (الدمشقي) كتاب (الخطيب البغدادي، مؤرخ بغداد ومحدثها - ط) اورد اسماء 79 كتابا من مصنفاته.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 172
الخطيب أبو بكر خطيب بغداد اسمه أحمد بن علي بن ثابت.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 13- ص: 0
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب أبو بكر البغدادي الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين المصنفين المكثرين، والحفاظ المبرزين، ومن ختم به ديوان المحدثين. سمع ببغداد شيوخ وقته، وبالبصرة وبالدينور وبالكوفة، ورحل إلى نيسابور في سنة خمس عشرة وأربعمائة وقدم دمشق سنة خمس وأربعين وأربعمائة حاجا فسمع بها، ثم قدمها بعد فتنة البساسيري لاضطراب الأحوال ببغداد، فآذاه الحنابلة بجامع المنصور سنة إحدى وخمسين فسكنها مدة وحدث بها بعامة كتبه ومصنفاته إلى صفر سنة سبع وخمسين، فقصد صور فأقام بها، وكان يتردد إلى القدس للزيارة ثم يعود إلى صور، إلى أن خرج من صور في سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوجه إلى طرابلس وحلب، فأقام في كل واحدة من البلدتين أياما قلائل، ثم عاد إلى بغداد في أعقاب سنة اثنتين وستين وأقام بها سنة إلى أن توفي وحينئذ روى «تاريخ بغداد». وروى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني والأزهري وغيرهما.
وقال غيث بن علي الصوري: سألت أبا بكر الخطيب عن مولده فقال: ولدت يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
وكان الخطيب يذكر انه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات، أخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له، فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد ببغداد، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي. فلما عاد إلى بغداد حدث بالتاريخ بها، ووقع إليه جزء فيه سماع الخليفة القائم بأمر الله، فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث فليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك، فسلوه ما حاجته، فسئل فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور، فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك، فحضر النقيب وأملى. ولما مات أرادوا دفنه عند قبر بشر بوصية منه، قال ابن عساكر: فذكر شيخنا إسماعيل بن أبي سعد الصوفي- وكان الموضع الذي بجنب بشر قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي قبرا لنفسه وكان يمضي إلى ذلك الموضع فيختم فيه القرآن ويدعو، ومضى على ذلك عدة سنين- فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فيه فامتنع فقال: هذا قبري قد حفرته وختمت فيه عدة ختمات، ولا أمكن أحدا من الدفن فيه، وهذا مما لا يتصور. فانتهى الخبر إلى والدي فقال له: يا شيخ لو كان بشر في الأحياء ودخلت أنت والخطيب إليه أيكما كان يقعد إلى جنبه أنت أو الخطيب؟ فقال: لا بل الخطيب، فقال له: كذا ينبغي أن يكون في حالة الموت، فإنه أحق به منك، فطاب قلبه ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع فدفن فيه. وقيل إنه كان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري.
عن أبي الفرج الاسفرايني، كان الشيخ أبو بكر الخطيب معنا في طريق مكة، فكان يختم كل يوم ختمة إلى قرب الغياب، قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون حدثنا فيحدثهم.
وقال المؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب.
وذكر في «المنتظم» ان الخطيب لقي في مكة أبا عبد الله ابن سلامة القضاعي فسمع منه بها، وقرأ صحيح البخاري على كريمة بنت أحمد المروزي في خمسة أيام، ورجع إلى بغداد فقرب من رئيس الرؤساء أبي القاسم ابن المسلمة وزير القائم بأمر الله تعالى. وكان قد أظهر بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة، وأنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعرضه رئيس الرؤساء على أبي بكر الخطيب فقال: هذا مزور، فقيل له: من أين لك ذلك؟ قال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق في سنة خمس، فاستحسن ذلك منه.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني أن رئيس الرؤساء تقدم إلى القصاص والوعاظ أن لا يورد أحد حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعرضه على أبي بكر الخطيب، فما أمرهم بايراده أوردوه، وما منعهم منه ألغوه.
ومن «المنتظم» قال: ولما جاءت نوبة البساسيري استتر الخطيب وخرج من بغداد إلى الشام وأقام بدمشق، ثم خرج إلى صور ثم إلى طرابلس وإلى حلب ثم عاد إلى بغداد في سنة اثنتين وستين فأقام بها سنة ثم مات. قال: وله ستة وخمسون مصنفا بعيدة المثل منها كتاب تاريخ بغداد. كتاب شرف أصحاب الحديث. كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. كتاب الكفاية في معرفة علم الرواية. كتاب المتفق والمفترق. كتاب السابق واللاحق. كتاب تلخيص المتشابه في الرسم. كتاب في التلخيص. كتاب الفصل والوصل. كتاب المكمل في بيان المهمل. كتاب الفقيه والمتفقه. كتاب الدلائل والشواهد على صحة العمل باليمين مع الشاهد. كتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس. كتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة. كتاب الموضح وهو أوهام الجمع والتفريق. كتاب المؤتنف تكملة المختلف والمؤتلف.
كتاب نهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب. كتاب الجهر بالبسملة. كتاب الخيل. كتاب رافع الارتياب في القلوب من الأسماء والالقاب. كتاب القنوت.
كتاب التبيين لأسماء المدلسين. كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد. كتاب من وافق كنيته اسم أبيه. كتاب من حدث فنسي. كتاب رواية الآباء عن الابناء. كتاب الرحلة في طلب الحديث. كتاب الرواة عن مالك بن أنس. كتاب الاحتجاج للشافعي فيما أسند إليه والرد على الجاهلين بطعنهم عليه. كتاب التفصيل لمبهم المراسيل.
كتاب اقتضاء العلم العمل. كتاب تقييد العلم. كتاب القول في علم النجوم. كتاب روايات الصحابة عن التابعين. كتاب صلاة التسبيح. كتاب مسند نعيم بن همار جزء. كتاب النهي عن صوم يوم الشك. كتاب الاجازة للمعلوم والمجهول. كتاب روايات السنة من التابعين. كتاب البخلاء. كتاب الطفيليين. كتاب الدلائل والشواهد. كتاب التنبيه والتوقيف على فضائل الخريف.
قال ابن الجوزي: فهذا الذي ظهر لنا من تصانيفه، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هيء له مما لم يهيأ لمن كان أحفظ منه كالدارقطني وغيره.
وحدث أبو سعد السمعاني، قرأت بخط والدي، سمعت أبا الحسين ابن الطيوري ببغداد يقول: أكثر كتب الخطيب سوى التاريخ مستفاد من كتب الصوري، كان الصوري بدأ بها ولم يتمها، وكانت للصوري أخت بصور، مات وخلف عندها اثني عشر عدلا محزوما من الكتب، فلما خرج الخطيب إلى الشام حصل من كتبه ما صنف منها كتبه. قال: وكان سبب وفاة الصوري أنه افتصد، وكان الطبيب الذي فصده قد أعطي مبضعا مسموما ليفصد به غيره، فغلط ففصده فقتله. قال ابن الجوزي عند سماع هذه الحكاية: وقد يضع الانسان طريقا فتسلك، وما قصر الخطيب على كل حال. وكان حريصا على علم الحديث، كان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه، وكان حسن القراءة فصيح اللهجة عارفا بالأدب، يقول الشعر الحسن. قال ابن الجوزي: ونقلت من خطه من شعره قوله:
لعمرك ما شجاني رسم دار | وقفت بها ولا ذكر المغاني |
ولا أثر الخيام أراق دمعي | لأجل تذكري عهد الغواني |
ولا ملك الهوى يرما قيادي | ولا عاصيته فثنى عناني |
رأيت فعاله بذوي التصابي | وما يلقون من ذل الهوان |
فلم أطمعه في وكم قتيل | له في الناس لا يحصى وعان |
طلبت أخا صحيح الود محضا | سليم الغيب مأمون اللسان |
فلم أعرف من الإخوان إلا | نفاقا في التباعد والتداني |
وعالم دهرنا لا خير فيه | ترى صورا تروق بلا معاني |
ووصف جميعهم هذا فما إن | أقول سوى فلان أو فلان |
ولما لم أجد حرا يؤاتي | على ما ناب من صرف الزمان |
صبرت تكرما لفراغ دهري | ولم أجزع لما منه دهاني |
ولم أك في الشدائد مستكينا | أقول لها ألا كفي كفاني |
ولكني صليب العود عود | ربيط الجأش مجتمع الجنان |
أبي النفس لا أختار رزقا | يجيء بغير سيفي أو سناني |
لعز في لظى باغيه يشوى | ألذ من المذلة في الجنان |
ومن طلب المعالي وابتغاها | أدار لها رحى الحرب العوان |
لا تغبطن أخا الدنيا لزخرفها | ولا للذة وقت عجلت فرحا |
فالدهر أسرع شيء في تقلبه | وفعله بين للخلق قد وضحا |
كم شارب عسلا فيه منيته | وكم تقلد سيفا من به ذبحا |
تصانيف ابن ثابت الخطيب | ألذ من الصبا الغض الرطيب |
يراها إذ حواها من رواها | رياضا تركها رأس الذنوب |
ويأخذ حسن ما قد صاغ منها | بقلب الحافظ الفطن الأريب |
فأية راحة ونعيم عيش | يوازي كتبه أم أي طيب |
قد شاب رأسي وقلبي ما يغيره | كر الدهور عن الإسهاب في الغزل |
وكم زمانا طويلا ظلت أعذله | فقال قولا صحيحا صادق المثل |
حكم الهوى يترك الألباب حائرة | ويورث الصب طول السقم والعلل |
وحبك الشيء يعمي عن مقابحه | ويمنع الأذن أن تصغي إلى العذل |
لا أسمع العذل في ترك الصبا أبدا | جهدي فما ذاك من همي ولا شغلي |
من ادعى الحب لم تظهر دلائله | فحبه كذب قول بلا عمل |
تغيب الخلق عن عيني سوى قمر | حسبي من الخلق طرا ذلك القمر |
محله في فؤادي قد تملكه | وحاز روحي وما لي عنه مصطبر |
فالشمس أقرب منه في تناولها | وغاية الحظ منها للورى النظر |
أردت تقبيله يوما مخالسة | فصار من خاطري في خده أثر |
وكم حليم رآه ظنه ملكا | وراجع الفكر فيه أنه بشر |
الشمس تشبهه والبدر يحكيه | والدر يضحك والمرجان من فيه |
ومن سرى وظلام الليل معتكر | فوجهه عن ضياء البدر يغنيه |
زوي له الحسن حتى حاز أحسنه | لنفسه وبقي للخلق باقيه |
فالعقل يعجز عن تحديد غايته | والوهم يقصر عن فحوى معانيه |
يدعو القلوب فتأتيه مسارعة | مطيعة الأمر منه ليس تعصيه |
سألته زورة يوما فأعجزني | وأظهر الغضب المقرون بالتيه |
وقال لي دون ما تبغي وتطلبه | تناول الفلك الأعلى وما فيه |
رضيت يا معشر العشاق منه بأن | أصبحت تعلم اني من محبيه |
وأن يكون فؤادي في يديه لكي | يميته بالهوى منه ويحييه |
بنفسي عاتب في كل حال | وما لمحبه ذنب جناه |
حفظت عهوده ورعيت منه | ذماما مثله لي ما رعاه |
حرمت وصاله إن كنت يوما | جرى لي خاطر بهوى سواه |
ولو تلفي رضاه لهان عندي | خروج الروح في طلبي رضاه |
خمار الهوى يربي على نشوة الخمر | وذو الحزم فيه ليس يصحو من السكر |
وللحب في الأحشاء حر أقله | وأبرده يوفي على لهب الجمر |
أخبركم يا أيها الناس أنني | عليم بأحوال المحبين ذو خبر |
سبيل الهوى سهل يسير سلوكه | ولكنه يفضي إلى مسلك وعر |
ويجمع أوصاف الهوى ونعوته | لحرفين سعد الوصل أو شقوة الهجر |
إلى الله أشكو من زماني حوادثا | رمت بسهام البين في غرض الوصل |
أصابت بها قلبي ولم أقض منيتي | ولو قتلتني كان أجمل بالفعل |
متى تتمايل بين قتل وفرقة | تجد فرقة الأحباب شرا من القتل |
فاق الخطيب الورى صدقا ومعرفة | وأعجز الناس في تصنيفه الكتبا |
حمى الشريعة من غاو يدنسها | بوضعه ونفى التدليس والكذبا |
جلا محاسن بغداد فأودعها | تاريخه مخلصا لله محتسبا |
وقام في الناس بالقسطاس منحرفا | عن الهوى وأزال الشك والريبا |
سقى ثراك أبا بكر على ظمأ | جون ركام يسح الواكف السربا |
ونلت فوزا ورضوانا ومغفرة | إذا تحقق وعد الله واقتربا |
يا أحمد بن علي طبت مضطجعا | وباء شانيك بالأوزار محتقبا |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 384
الخطيب الإمام الأوحد العلامة المفتي الحافظ الناقد محدث الوقت أبو بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، صاحب التصانيف، وخاتمة الحفاظ.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة.
وكان أبوه أبو الحسن خطيبا بقرية درزيجان، وممن تلا القرآن على أبي حفص الكتاني فحض ولده أحمد على السماع والفقه فسمع: وهو ابن إحدى عشرة سنة وارتحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة وإلى نيسابور وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وإلى الشام وهو كهل وإلى مكة وغير ذلك. وكتب الكثير وتقدم في هذا الشأن وبذ الأقران وجمع وصنف وصحح وعلل وجرح وعدل وأرخ وأوضح وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق.
سمع: أبا عمر بن مهدي الفارسي وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي وأبا الحسين بن المتيم وحسين بن الحسن الجواليقي ابن العريف يروي عن، ابن مخلد العطار وسعد بن محمد الشيباني سمع: من أبي علي الحصائري وعبد العزيز بن محمد الستوري حدثه عن، إسماعيل الصفار وإبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي وأبا الفرج محمد بن فارس الغوري وأبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي وأبا بكر محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي ومحمد بن عمر بن عيسى الحطراني حدثه عن، أحمد بن إبراهيم البلدي وأبا نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي وأبا القاسم الحسن بن الحسن بن المنذر والحسين بن عمر ابن برهان وأبا الحسن بن رزقويه وأبا الفتح هلال بن محمد الحفار وأبا الفتح بن أبي الفوارس وأبا العلاء محمد بن الحسن الوراق وأبا الحسين بن بشران. وينزل إلى أن يكتب عن، عبد الصمد بن المأمون وأبي الحسين بن النقور بل نزل إلى أن روى عن، تلامذته كنصر المقدسي وابن ماكولا والحميدي وهذا شأن كل حافظ يروي عن، الكبار والصغار.
وسمع: بعكبرا من الحسين بن محمد الصائغ حدثه عن، نافلة علي بن حرب.
ولحق بالبصرة أبا عمر الهاشمي شيخه في السنن وعلي بن القاسم الشاهد والحسن بن علي السابوري وطائفة.
وسمع بنيسابور: القاضي أبا بكر الحيري وأبا سعيد الصيرفي وأبا القاسم عبد الرحمن السراج وعلي بن محمد الطرازي والحافظ أبا حازم العبدوي وخلقا.
وبأصبهان: أبا الحسن بن عبد كويه وأبا عبد الله الجمال ومحمد ابن عبد الله بن شهريار وأبا نعيم الحافظ.
وبالدينور: أبا نصر الكسار.
وبهمذان: محمد بن عيسى وطبقته.
وسمع: بالري والكوفة وصور ودمشق ومكة.
وكان قدومه إلى دمشق في سنة خمس وأربعين، فسمع من محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي وطبقته. واستوطنها ومنها حج وقرأ صحيح البخاري على كريمة في أيام الموسم.
وأعلى ما عنده حديث مالك، وحماد بن زيد بينه وبين كل منهما ثلاثة أنفس.
حدث عنه: أبو بكر البرقاني؛ وهو من شيوخه وأبو نصر بن ماكولا والفقيه نصر والحميدي وأبو الفضل بن خيرون والمبارك بن الطيوري وأبو بكر بن الخاضبة وأبي النرسي وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي والمرتضى محمد بن محمد الحسيني ومحمد بن مرزوق الزعفراني وأبو القاسم النسيب وهبة الله بن الأكفاني ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي وغيث بن علي الأرمنازي وأحمد بن أحمد المتوكلي وأحمد ابن علي بن المجلي وهبة الله بن عبد الله الشروطي وأبو الحسن بن سعيد وطاهر بن سهل الإسفراييني وبركات النجاد وعبد الكريم بن حمزة وأبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي وقاضي المارستان أبو بكر وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن السمرقندي وأبو بكر محمد بن الحسين المزرفي وأبو منصور الشيباني؛ راوي تاريخه وأبو منصور بن خيرون المقرئ وبدر بن عبد الله الشيحي والزاهد يوسف بن أيوب الهمذاني وهبة الله بن علي المجلي وأخوه أبو السعود أحمد وأبو الحسين بن أبي يعلى وأبو الحسين بن بويه وأبو البدر الكرخي ومفلح الدومي ويحيى بن الطرح وأبو الفضل الأرموي وعدد يطول ذكرهم.
وكان من كبار الشافعية، تفقه على أبي الحسن بن المحاملي، والقاضي أبي الطيب الطبري.
قال أبو منصور بن خيرون: حدثنا، الخطيب أنه ولد في جمادى الآخرة سنة 392 وأول ما سمع: في المحرم سنة ثلاث وأربع مائة.
قال أحمد بن صالح الجيلي: تفقه الخطيب وقرأ بالقراءات وارتحل وقرب من رئيس الرؤساء فلما قبض عليه البساسيري استتر الخطيب وخرج إلى صور وبها عز الدولة؛ أحد الأجواد فأعطاه مالا كثيرا. عمل نيفا وخمسين مصنفا وانتهى إليه الحفظ شيعه خلق عظيم وتصدق بمائةي دينار وأوقف كتبه واحترق كثير منها بعده بخمسين سنة.
وقال الخطيب: استشرت البرقاني في الرحلة إلى أبي محمد بن النحاس بمصر أو إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم فقال: إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى واحد إن فاتك ضاعت رحلتك وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة إن فاتك واحد أدركت من بقي. فخرجت إلى نيسابور.
قال الخطيب في تاريخه: كنت أذاكر أبا بكر البرقاني بالأحاديث فيكتبها عني ويضمنها جموعه. وحدث عني وأنا أسمع: وفي غيبتي ولقد حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني أخبرنا، أبو بكر الخوارزمي سنة عشرين وأربع مائة حدثنا، أحمد بن علي بن ثابت حدثنا، محمد بن موسى الصيرفي حدثنا، الأصم. فذكر حديثا.
قال ابن ماكولا: كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني مثله. سألت أبا عبد الله الصوري عن، الخطيب وأبي نصر السجزي: أيهما أحفظ؟ ففضل الخطيب تفضيلا بينا.
قال المؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب.
وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه.
أنبأني بالقولين المسلم بن محمد عن، القاسم بن عساكر حدثنا، أبي حدثنا، أخي هبة الله حدثنا، أبو طاهر السلفي عنهما.
وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه.
وقال أبو الفتيان الحافظ: كان الخطيب إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله.
قال أبو القاسم النسيب: سمعت الخطيب يقول: كتب معي أبو بكر البرقاني كتابا إلى أبي
نعيم الحافظ يقول فيه: وقد رحل إلى ما عندك أخونا أبو بكر أيده الله وسلمه ليقتبس من علومك وهو بحمد الله ممن له في هذا الشأن سابقة حسنة وقدم ثابت وقد رحل فيه وفي طلبه وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ ما يحسن لديك موقعه.
قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني سمع: من الخطيب شيخه أبو القاسم عبيد الله الأزهري في سنة اثنتي عشرة وأربع مائة. وكتب عنه شيخه البرقاني وروى عنه. وعلق الفقه عن، أبي الطيب الطبري وأبي نصر بن الصباغ وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه الله.
قلت: صدق. فقد صرح الخطيب في أخبار الصفات أنها تمر كما جاءت بلا تأويل.
قال الحافظ أبو سعد السمعاني في ’’الذيل’’: كان الخطيب مهيبا وقورا ثقة متحريا حجة حسن الخط، كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ، رحل إلى الشام حاجا، ولقي بصور أبا عبد الله القضاعي، وقرأ الصحيح في خمسة أيام على كريمة المروزية ورجع إلى بغداد ثم خرج منها بعد فتنة البساسيري لتشويش الوقت إلى الشام سنة إحدى وخمسين فأقام بها وكان يزور بيت المقدس ويعود إلى صور إلى سنة اثنتين وستين فتوجه إلى طرابلس ثم منها إلى حلب ثم إلى الرحبة ثم إلى بغداد فدخلها في ذي الحجة. وحدث بحلب وغيرها.
السمع: اني: سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو سمعت الفضل ابن عمر النسوي يقول: كنت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب فدخل علوي وفي كمه دنانير فقال: هذا الذهب تصرفه في مهماتك. فقطب في وجهه وقال: لا حاجة لي فيه فقال: كأنك تستقله وأرسله من كمه على سجادة الخطيب. وقال: هذه ثلاث مائة دينار. فقام الخطيب خجلا محمرا وجهه وأخذ سجادته ورمى الدنانير وراح. فما أنى عزه وذل العلوي وهو يلتقط الدنانير من شقوق الحصير.
ابن ناصر: حدثنا، أبو زكريا التبريزي اللغوي قال: دخلت دمشق فكنت أقرأ على الخطيب بحلقته بالجامع كتب الأدب المسموعة وكنت أسكن منارة الجامع فصعد إلي وقال: أحببت أن أزورك في بيتك. فتحدثنا ساعة. ثم أخرج ورقة وقال: الهدية مستحبة تشتري بهذا أقلاما. ونهض فإذا خمسة دنانير مصرية ثم صعد مرة أخرى ووضع نحوا من ذلك. وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع: صوته في آخر الجامع وكان يقرأ معربا صحيحا.
قال السمعاني: سمعت من ستة عشر نفسا من أصحابه وحدثنا عنه يحيى بن علي الخطيب سمع: منه بالأنبار قرأت بخط أبي سمعت أبا محمد بن الآبنوسي سمعت الخطيب يقول: كلما ذكرت في التاريخ رجلا اختلفت فيه أقاويل الناس في الجرح والتعديل فالتعويل على ما أخرت وختمت به الترجمة.
قال ابن شافع: خرج الخطيب إلى صور وقصدها وبها عز الدولة الموصوف بالكرم فتقرب منه فانتفع به وأعطاه مالا كثيرا. قال: وانتهى إليه الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث.
قال الحافظ ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحكي عن، ابن خيرون أو غيره أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات أن يحدث بتاريخ بغداد بها وأن يملي الحديث بجامع المنصور وأن يدفن عند بشر الحافي. فقضيت له الثلاث.
قال غيث بن علي: حدثنا، أبو الفرج الإسفراييني قال: كان الخطيب معنا في الحج فكان يختم كل يوم ختمة قراءة ترتيل ثم يجتمع الناس عليه وهو راكب يقولون: حدثنا، فيحدثهم. أو كما قال.
قال المؤتمن: سمعت عبد المحسن الشيحي يقول: كنت عديل أبي بكر الخطيب من دمشق إلى بغداد فكان له في كل يوم وليلة ختمة.
قال الخطيب في ترجمة إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير: حج وحدث ونعم الشيخ كان ولما حج كان معه حمل كتب ليجاور منه: صحيح البخاري؛ سمع: هـ من الكشميهني فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس فكان المجلس الثالث من أول النهار وإلى الليل ففرغ طلوع الفجر.
قلت: هذه والله القراءة التي لم يسمع: قط بأسرع منها.
وفي تاريخ محمد بن عبد الملك الهمذاني: توفي الخطيب في كذا ومات هذا العلم بوفاته. وقد كان رئيس الرؤساء تقدم إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه عليه فما صححه أوردوه وما رده لم يذكروه. وأظهر بعض اليهود كتابا ادعى أنه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسقاط الجزية عن، أهل خيبر وفيه شهادة الصحابة وذكروا أن خط علي ر فيه. وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء فعرضه على الخطيب فتأمله وقال: هذا مزور قيل: من أين قلت؟ قال: فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح، وفتحت خيبر
سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات يوم بني قريظة قبل خيبر بسنتين. فاستحسن ذلك منه.
قال السمع: اني: سمعت يوسف بن أيوب بمرو يقول: حضر الخطيب درس شيخنا أبي إسحاق فروى أبو إسحاق حديثا من رواية بحر بن كنيز السقاء ثم قال للخطيب: ما تقول فيه؟ فقال: إن أذنت لي ذكرت حاله. فانحرف أبو إسحاق وقعد كالتلميذ وشرع الخطيب يقول وشرح أحواله شرحا حسنا فأثنى الشيخ عليه وقال: هذا دارقطني عصرنا.
قال أبو علي البرداني: حدثنا، حافظ وقته أبو بكر الخطيب وما رأيت مثله ولا أظنه رأى مثل نفسه.
وقال السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن، الخطيب فقال: إمام مصنف حافظ لم ندرك مثله.
وعن سعيد المؤدب قال: قلت لأبي بكر الخطيب عند قدومي: أنت الحافظ أبو بكر؟ قال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني.
قال ابن الآبنوسي: كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه.
وقال المؤتمن: كان الخطيب يقول: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس.
محمد بن طاهر: حدثنا، مكي بن عبد السلام الرميلي قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبي مليح فتكلم الناس في ذلك وكان أمير البلد رافضيا متعصبا فبلغته القصة فجعل ذلك سببا إلى الفتك به فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل فيقتله وكان صاحب الشرطة سنيا فقصده تلك الليلة في جماعة ولم يمكنه أن يخالف الأمير فأخذه وقال: قد أمرت فيك بكذا وكذا ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك عند دار الشريف ابن أبي الجن فإذا حاذيت الدار اقفز وادخل فإني لا أطلبك وأرجع إلى الأمير فأخبره بالقصة. ففعل ذلك ودخل دار الشريف فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به فقال: أيها الأمير! أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله وليس في قتله مصلحة هذا مشهور بالعراق إن قتلته قتل به جماعة من الشيعة وخربت المشاهد. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن ينزح من بلدك. فأمر بإخراجه فراح إلى صور وبقي بها مدة.
قال أبو القاسم بن عساكر: سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى أمير الجيوش فقال: هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع.
وروى ابن عساكر عمن ذكره أن الخطيب وقع إليه جزء فيه سماع القائم بأمر الله فأخذه وقصد دار الخلافة وطلب الإذن في قراءته فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث وليس له في السماع حاجة فلعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فسلوه ما حاجته؟ فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور. فأذن له فأملى.
قال ابن طاهر: سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي: هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ قال: لا كنا إذا سألناه عن، شيء أجابنا بعد أيام وإن ألححنا عليه غضب كانت له بادرة وحشة ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه.
وقال أبو الحسين بن الطيوري: أكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد مستفادة من كتب الصوري كان الصوري ابتدأ بها وكانت له أخت بصور خلف أخوها عندها اثني عشر عدلا من الكتب فحصل الخطيب من كتبه أشياء. وكان الصوري قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا.
قلت: ما الخطيب بمفتقر إلى الصوري هو أحفظ وأوسع رحلة وحديثا ومعرفة.
أخبرنا أبو علي بن الخلال، أخبرنا أبو الفضل الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا محمد بن مرزوق الزعفراني، حدثنا الحافظ أبو بكر الخطيب قال: أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: لله يد وسمع: وبصر فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ولا نقول: إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع: والبصر العلم ولا نقول: إنها جوارح. ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله: {ليس كمثله شيء} {ولم يكن له كفوا أحد}.
قال ابن النجار: ولد الخطيب بقرية من أعمال نهر الملك، وكان أبوه خطيبا بدرزيجان ونشأ هو ببغداد وقرأ القراءات بالروايات وتفقه على الطبري وعلق عنه شيئا من الخلاف إلى أن قال: وروى عنه محمد بن عبد الملك بن خيرون وأبو سعد أحمد بن محمد الزوزني ومفلح بن أحمد الدومي والقاضي محمد بن عمر الأرموي وهو آخر من حدث عنه يعني بالسماع.
وروى عنه بالإجازة طائفة عددت في ’’تاريخ الإسلام’’ آخرهم مسعود بن الحسن الثقفي ثم ظهرت إجازته له ضعيفة مطعونا فيها فليعلم ذلك.
وكتابة الخطيب مليحة مفسرة كاملة الضبط بها أجزاء بدمشق رأيتها. وقرأت بخطه: أخبرنا، علي بن محمد السمسار، أخبرنا ابن المظفر، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحجاج، حدثنا جعفر بن نوح، حدثنا محمد بن عيسى، سمعت يزيد بن هارون يقول: ما عزت النية في الحديث إلا لشرفه.
قال أبو منصور علي بن علي الأمين: لما رجع الخطيب من الشام كانت له ثروة من الثياب والذهب وما كان له عقب فكتب إلى القائم بأمر الله: إن مالي يصير إلى بيت مال فائذن لي حتى أفرقه فيمن شئت. فأذن له ففرقها على المحدثين.
قال الحافظ ابن ناصر: أخبرتني أمي أن أبي حدثها قال: كنت أدخل على الخطيب وأمرضه فقلت له يوما: يا سيدي! إن أبا الفضل بن خيرون لم يعطني شيئا من الذهب الذي أمرته أن يفرقه على أصحاب الحديث. فرفع الخطيب رأسه من المخدة وقال: خذ هذه الخرقة بارك الله لك فيها. فكان فيها أربعون دينارا فأنفقتها مدة في طلب العلم.
وقال مكي الرميلي: مرض الخطيب في نصف رمضان إلى أن اشتد الحال به في غرة ذي الحجة وأوصى إلى ابن خيرون ووقف كتبه على يده وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى المحدثين وتوفي في رابع ساعة من يوم الاثنين سابع ذي الحجة من سنة ثلاث وستين ثم أخرج بكرة الثلاثاء وعبروا به إلى الجانب الغربي وحضره القضاة والأشراف والخلق. وتقدم في الإمامة أبو الحسين بن المهتدي بالله فكبر عليه أربعا ودفن بجنب قبر بشر الحافي.
وقال ابن خيرون: مات ضحوة الاثنين ودفن بباب حرب. وتصدق بماله وهو مائتا دينار، وأوصى بأن يتصدق بجميع ثيابه، ووقف جميع كتبه، وأخرجت جنازته من حجرة تلي النظامية، وشيعه الفقهاء والخلق، وحملوه إلى جامع المنصور، وكان بين يدي الجنازة
جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن، النبي -صلى الله عليه وسلم- الكذب هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وختم على قبره عدة ختمات.
وقال الكتاني في ’’الوفيات’’: ورد كتاب جماعة أن الحافظ أبا بكر توفي في سابع ذي الحجة وحمل جنازته الإمام أبو إسحاق الشيرازي. وكان ثقة حافظا متقنا متحريا مصنفا.
قال أبو البركات إسماعيل ابن أبي سعد الصوفي: كان الشيخ أبو بكر ابن زهراء الصوفي برباطنا قد أعد لنفسه قبرا إلى جانب قبر بشر الحافي وكان يمضي إليه كل أسبوع مرة وينام فيه ويتلو فيه القرآن كله فلما مات أبو بكر الخطيب كان قد أوصى أن يدفن إلى جنب قبر بشر فجاء أصحاب الحديث إلى ابن زهراء وسألوه أن يدفنوا الخطيب في قبره وأن يؤثره به فامتنع وقال: موضع قد أعددته لنفسي يؤخذ مني!. فجاؤوا إلى والدي وذكروا له ذلك فأحضر ابن زهراء وهو أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي فقال: أنا لا أقول لك أعطهم القبر ولكن أقول لك: لو أن بشرا الحافي في الأحياء وأنت إلى جانبه فجاء أبو بكر الخطيب ليقعد دونك أكان يحسن بك أن تقعد أعلى منه؟ قال: لا بل كنت أجلسه مكاني. قال: فهكذا ينبغي أن تكون الساعة. قال: فطاب قلبه وأذن.
قال أبو الفضل بن خيرون: جاءني بعض الصالحين وأخبرني لما مات الخطيب أنه رآه في النوم فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في روح وريحان وجنة نعيم.
وقال أبو الحسن علي بن الحسين بن جدا: رأيت بعد موت الخطيب كأن شخصا قائما بحذائي فأردت أن أسأله عن، أبي بكر الخطيب فقال لي ابتداء: أنزل وسط الجنة حيث يتعارف الأبرار. رواها البرداني في كتاب المنامات عنه.
قال غيث الأرمنازي: قال مكي الرميلي: كنت نائما ببغداد في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربع مائة فرأيت كأنا اجتمعنا عند أبي بكر الخطيب في منزله لقراءة التاريخ على العادة فكأن الخطيب جالس والشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي عن، يمينه وعن يمين نصر رجل لم أعرفه فسألت عنه فقيل: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء ليسمع: التاريخ فقلت في نفسي: هذه جلالة لأبي بكر إذ يحضر رسول الله مجلسه وقلت: هذا رد لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام.
قال أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني: حدثني الفقيه الصالح حسن بن أحمد البصري قال: رأيت الخطيب في المنام وعليه ثياب بيض حسان وعمامة بيضاء وهو فرحان يتبسم فلا أدري قلت: ما فعل الله بك؟ أو هو بدأني فقال: غفر الله لي أو رحمني، وكل
من يجيء فوقع لي أنه يعني بالتوحيد إليه يرحمه أو يغفر له فأبشروا وذلك بعد وفاته بأيام.
قال المؤتمن: تحاملت الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه.
قلت: تناكد ابن الجوزي رحمه الله وغض من الخطيب ونسبه إلى أنه يتعصب على أصحابنا الحنابلة.
قلت: ليت الخطيب ترك بعض الحط على الكبار فلم يروه.
قال أبو سعد السمع: اني: للخطيب ستة وخمسون مصنفا: التاريخ مائة جزء وستة أجزاء. شرف أصحاب الحديث ثلاثة أجزاء الجامع خمسة عشر جزءا الكفاية ثلاثة عشر جزءا السابق واللاحق عشرة أجزاء المتفق والمفترق ثمانية عشر جزءا المكمل في المهمل ستة أجزاء غنية المقتبس في تمييز الملتبس من وافقت كنيته اسم أبيه الأسماء المبهمة مجلد الموضح أربعة عشر جزءا من حدث ونسي جزء التطفيل ثلاثة أجزاء القنوت ثلاثة أجزاء الرواة عن، مالك ستة أجزاء الفقيه والمتفقه مجلد تمييز متصل الأسانيد مجلد الحيل ثلاثة أجزاء الإنباء عن، الأبناء جزء الرحلة جزء الاحتجاج بالشافعي جزء البخلاء في أربعة أجزاء المؤتنف في تكميل المؤتلف ’’كتاب البسملة وأنها من الفاتحة’’ ’’الجهر بالبسملة’’ جزآن مقلوب الأسماء والأنساب مجلد ’’جزء اليمين مع الشاهد’’ ’’أسماء المدلسين’’ ’’اقتضاء العلم العمل’’، ’’تقييد العلم’’ ثلاثة أجزاء القول في النجوم جزء رواية الصحابة عن، تابعي جزء صلاة التسبيح جزء مسند نعيم بن حماد جزء النهي عن، صوم يوم الشك إجازة المعدوم والمجهول جزء ما فيه ستة تابعيون جزء.
وقد سرد ابن النجار أسماء تواليف الخطيب وزاد أيضا له: معجم الرواة عن، شعبة ثمانية أجزاء المؤتلف والمختلف أربعة وعشرون جزءا حديث محمد بن سوقة أربعة أجزاء المسلسلات ثلاثة أجزاء الرباعيات ثلاثة أجزاء طرق قبض العلم ثلاثة أجزاء غسل الجمعة ثلاثة أجزاء ’’الإجازة للمجهول’’.
أنشدني أبو الحسين الحافظ أنشدنا جعفر بن منير أنشدنا السلفي لنفسه.
تصانيف ابن ثابت الخطيب | ألذ من الصبا الغض الرطيب |
يراها إذ رواها من حواها | رياضا للفتى اليقظ اللبيب |
ويأخذ حسن ما قد صاغ منها | بقلب الحافظ الفطن الأريب |
فأية راحة ونعيم عيش | يوازي كتبها بل أي طيب |
فاق الخطيب الورى صدقا ومعرفة | وأعجز الناس في تصنيفه الكتبا |
حمى الشريعة من غاو يدنسها | بوضعه ونفى التدليس والكذبا |
جلى محاسن بغداد فأودعها | تاريخه مخلصا لله محتسبا |
وقال في الناس بالقسطاط منحرفا | عن الهوى وأزال الشك والريبا |
سقى ثراك أبا بكر على ظمأ | جون ركام تسح الواكف السربا |
ونلت فوزا ورضوانا ومغفرة | إذا تحقق وعد الله واقتربا |
يا أحمد بن علي طبت مضطجعا | وباء شانيك بالأوزار محتقبا |
تغيب الخلق عن، عيني سوى قمر | حسبي من الخلق طرا ذلك القمر |
محله في فؤادي قد تملكه | وحاز روحي فما لي عنه مصطبر |
والشمس أقرب منه في تناولها | وغاية الحظ منه للورى نظر |
وددت تقبيله يوما مخالسة | فصار من خاطري في خده أثر |
وكم حليم رآه ظنه ملكا | وردد الفكر فيه أنه بشر |
إن كنت تبغي الرشاد محضا | لأمر دنياك والمعاد |
فخالف النفس في هواها | إن الهوى جامع الفساد |
لا تغبطن أخا الدنيا لزخرفها | ولا للذة وقت عجلت فرحا |
فالدهر أسرع شيء في تقلبه | وفعله بين للخلق قد وضحا |
كم شارب عسلا فيه منيته | وكم تقلد سيفا من به ذبحا |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 419
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي أبو بكر الخطيب الحافظ الكبير أحد أعلام الحفاظ ومهرة الحديث وصاحب التصانيف المنتشرة
ولد يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
وكان لوالده الخطيب أبي الحسن علي إلمام بالعلم وكان يخطب بقرية درزيجان إحدى قرى العراق فحض ولده أبا بكر على السماع في صغره فسمع وله إحدى عشرة سنة
ورحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة وإلى نيسابور ابن ثلاث وعشرين سنة ثم إلى أصبهان ثم رحل في الكهولة إلى الشام
سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي وأبا الحسن بن رزقويه وأبا سعد الماليني وأبا الفتح بن أبي الفوارس وهلالا الحفار وأبا الحسين بن بشران وغيرهم ببغداد
وأبا عمر الهاشمي راوي السنن وجماعة بالبصرة
وأبا بكر الحيري وأبا حازم العبدوي وغيرهما بنيسابور
وأبا نعيم الحافظ وغيره بأصبهان
وأحمد بن الحسين الكسار وغيره بالدينور وبالكوفة والري وهمذان والحجاز
وقدم دمشق سنة خمس وأربعين حاجا فسمع خلقا كثيرا وتوجه إلى الحج ثم قدمها سنة إحدى وخمسين فسكنها وأخذ يصنف في كتبه وحدث بها بتآليفه
روى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني وأبو القاسم الأزهري وغيرهما
ومن أقرانه عبد العزيز بن أحمد الكتاني وغيره وابن ماكولا وعبد الله بن أحمد السمرقندي ومحمد بن مرزوق الزعفراني وأبو بكر بن الخاضبة وخلائق يطول سردهم
ثم حدث الحافظ أبو القاسم بن عساكر عن أربعة وعشرين شيخا حدثوه عن الخطيب منهم أبو منصور بن زريق والقاضي أبو بكر الأنصاري وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم
وكان من كبار الفقهاء تفقه على أبي الحسن بن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وعلق عنه الخلاف وأبي نصر بن الصباغ
وكان يذهب في الكلام إلى مذهب أبي الحسن الأشعري
وقرأ صحيح البخاري بمكة في خمسة أيام على كريمة المروزية
وأراد الرحلة إلى ابن النحاس إلى مصر قال فاستشرت البرقاني هل أرحل إلى ابن النحاس إلى مصر أو أخرج إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم فقال إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد إن فاتك ضاعت رحلتك وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة إن فاتك واحد أدركت من بقي
فخرجت إلى نيسابور
ثم أقام ببغداد وألقى عصا السفر إلى حين وفاته فما طاف سورها على نظيره يروى
عن أفصح من نطق بالضاد ولا أحاطت جوانبها بمثله وإن طفح ماء دجلتها وروى كل صاد عرفته أخبار شأنها
وأطلعته على أسرار أبنائها وأوقفته على كل موقف منها وبنيان وخاطبته شفاها لو أنها ذات لسان
ومصنفاته تزيد على الستين مصنفا
قال ابن ماكولا كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه
قال ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني مثله
وقال المؤتمن الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب
وقال أبو علي البرداني لعل الخطيب لم ير مثل نفسه
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة لحديث وحفظه
وقال أبو الفتيان الرواسي كان الخطيب إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله
وقال عبد العزيز الكتاني إنه أعني الخطيب اسمع الحديث وهو ابن عشر سنين
قال وعلق الفقه عن القاضي أبي الطيب وعن أبي نصر بن الصباغ
قلت وهو من أقران ابن الصباغ
قال وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري
قلت وهو مذهب المحدثين قديما وحديثا إلا من ابتدع فقال بالتشبيه وعزاه إلى السنة أو من لم يدر مذهب الأشعري فرده بناء على ظن فيه ظنه والفريقان من أصاغر المحدثين وأبعدهم عن الفطنة
وقال شيخنا الذهبي هنا عقيب قول الكتاني إن الخطيب كان يذهب إلى مذهب الأشعري ما نصه قلت مذهب الخطيب في الصفات أنها تمر كما جاءت
صرح بذلك في تصانيفه
قلت وهذا مذهب الأشعري فقد أتي الذهبي من عدم معرفته بمذهب الشيخ أبي الحسن كما أتي أقوام آخرون وللأشعري قول آخر بالتأويل
وقال أبو سعد بن السمعاني كان مهيبا وقورا ثقة متحريا حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ
قال وله ستة وخمسون مصنفا
وقال ابن النجار هي نيف وستون
قلت والجمع بين الكلامين أن ابن السمعاني أسقط ذكر ما لم يوجد منها فإن بعضها احترق بعد موته قبل أن يخرج إلى الناس
وفيها يقول السلفي
تصانيف ابن ثابت الخطيب | ألذ من الصبا الغض الرطيب |
يراها إذ رواها من حواها | رياضا للفتى اليقظ اللبيب |
ويأخذ حسن ما قد ضاع منها | بقلب الحافظ الفطن الأريب |
فأية راحة ونعيم عيش | يوازي عيشها بل أي طيب |
الشمس تشبهه والبدر يحكيه | والدر يضحك والمرجان من فيه |
ومن سرى وظلام الليل معتكر | فوجهه عن ضياء البدر يغنيه |
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 4- ص: 29
الخطيب البغدادي
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الشافعي الحافظ الشهير. م سنة 463 هـ رحمه الله تعالى. له: 1 - المؤتنف في تكملة المختلف.
كالذيل والتحرير لكتابي الدارقطني. م سنة 385 هـ وعبد الغني بن سعيد م سنة 409 هـ.
2 - المتفق والمفترق.
3 - تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه من نوادر التصحيف والوهم.
وفي: دار الكتب المصرية نسخة منه برقم ’’ 700 ’’.
وهو كتاب كبير الحجم جم الفوائد وقد طبع في مجلدين عام 1406 هـ نشر دار طلاس بدمشق.
4 - تالي التلخيص. في أجزاء وهو كتاب جليل القدر عظيم الفائدة
دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 101
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر الخطيب البغدادي، الحافظ المشهور.
حدث عن خلق لا يحصون كثرة، وروى عنه جماعة يطول ذكرهم، وكتب الكثير المشهور عند أهل هذا الشأن.
قال أبو الفرج الإسفرايني: كان أبو بكر الخطيب الحافظ معنا في طريق الحج فكان يختم في كل يوم ختمة إلى قرب الغياب قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون حدثنا، فيحدثهم.
وقال السلفي: سألت شجاع بن فارس الذهلي عن الخطيب فقال: إمام مصنف حافظ ثقة، لم ندرك من حفاظ الحديث وعلمائهم بمعرفته مثله.
وقال السلفي: سمعت أبا نصر المؤتمن بن أحمد الساجي يقول: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب.
قال: وسألت البرداني: هل رأيت مثل الخطيب؟ فقال: لا، ولا أظن أن الخطيب رأى مثل نفسه.
وقال أبو إسحاق الشيرازي: هو دارقطني عهدنا، وأثنى عليه ثناءً حسناً.
وقال عمر بن عبد الكريم الهسنجاني: كان إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله.
وقال ابن ناصر أخبرني الأمير ابن ماكولا في كتابه: وبعد، فإن أبا بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت كان أحد الأعيان ممن شاهدناهم معرفةً وإتقاناً وحفظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفهماً في علله وأسانيده، وخبرةً برواته وناقليه، وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني من يجري مجراه ولا قام منهم بهذا الشأن سواه، فقد استفدنا كثيراً من هذا اليسير الذي نحسنه به وعنه، وتعلمنا شطراً من هذا القليل الذي نعرفه عنه ومنه، فجزاه الله تعالى عنا الخير، ولقاه الحسن، ولجميع أئمتنا ومشايخنا ولجميع المسلمين.
وقال أبو الوليد الباجي: أبو بكر رجل حافظ متقن.
وقال ابن النجار: بعد نقل هذه الجملة نحواً منهما.
قال: وقال القزاز: قال الخطيب: ولدت يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة (392هـ) وأول ما سمعت الحديث وقد بلغت إحدى عشرة سنة في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة، وتوفي يوم الإثنين السابع من ذي الحجة سنة (463هـ) وكان أحد من حمل جنازته الإمام أبو إسحاق الشيرازي.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 1- ص: 1
الخطيب الحافظ الكبير محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي
صاحب التصانيف
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وكان والده خطيب درزيجان قرية من سواد العراق فحرص على ولده هذا وأسمعه في الصفر سنة ثلاث وأربعمائة ثم طلب بنفسه ورحل إلى الأقاليم وبرع وتقدم في فنون الحديث وصنف وسارت بتصانيفه الركبان
وتفقه بأبي الحسن المحاملي وبالقاضي أبي الطيب
وكان من كبار الشافعية آخر الأعيان معرفة وحفظاً وإتقاناً وضبطاً للحديث وتفنناً في علله وأسانيده وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه ولم يكن ببغداد بعد الدارقطني مثله
قال فيه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الفقيه أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه
وعنه أنه لما حج شرب ماء زمزم لثلاث أن يحدث بتاريخ بغداد وأن يملى بجامع المنصور وأن يدفن عند بشر الحافي فقضي له بذلك
ومن مصنفاته التاريخ الجامع الكفاية السابق واللاحق شرف أصحاب الحديث الفصل في المدرج المتفق والمفترق تلخيص المتشابه الذيل المكمل في المهمل الموضح المهمات الرواة عن مالك تمييز متصل الأسانيد البسملة الجهر بها المقتبس في تمييز الملتبس الرحلة المراسيل مقلوب الأسماء أسماء المدلسين طرق قبض
العلم من وافقت كنيته اسم أبيه وغير ذلك
قال أبو الحسن الهمذاني مات هذا العلم بوفاة الخطيب وقد كن رئيس الخطباء تقدم إلى الوعاظ والخطباء ألا يرووا حديثا حتى يعرضوه عليه وأظهر بعض اليهود كتابا بإسقاط النبي صلى الله عليه وسلم الجزية عن الخيابرة وفيه شهادة الصحابة فعرضه الوزير على الخطيب فقال مزور قيل من أين قال فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات قبل خيبر بسنين
قال ابن طاهر سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ قال لا كنا إذا سألنا عن شيء أجابنا بعد أيام
آخر من حدث عنه بالإجازة مسعود بن الحسن الثقفي الذي انفردت بإجازته عجيبة بنت الباقداري مات سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 433
أحمد بن عليّ بن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر الخطيب البغداديّ، الفقيه الحافظ.
أحد الأئمة المشهورين، والمصنّفين المكثرين، والحفّاظ المبرّزين، ومن ختم به ديوان المحدّثين. سمع ببغداد والبصرة، وأصبهان، والرّيّ، والدّينور، والكوفة، ورحل إلى نيسابور، ودخل دمشق حاجّا.
وكان مولده لستّ بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة.
وكان قد حجّ وسأل الله تعالى لمّا شرب من ماء زمزم ثلاثة أشياء: أن يعود إلى بغداد ووالدته في الحياة، وأن يؤذن له أن يروي «تاريخه» في جامع المنصور، وأن يدفن إلى جنب بشر الحافي، فقدّر الله تعالى أن قدم بغداد وأمّه في الحياة، ثم ماتت بعد ذلك بأيام.
واتّفق أن عرض قوم من اليهود على القائم بأمر الله كتابا زعموا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سوّغهم موضعا بالحجاز، وأنه بخطّ عليّ عليه السلام، وفيه شهادة جماعة من الصّحابة، فأبرزه الخليفة القائم بأمر الله إلى الوزير رئيس الرؤساء، وقال له: تعرّف صحة ذلك، فأراه جماعة من أهل العلم، فلم يعلموا حقيقة الحال فيه، فنبّه على الفقيه الخطيب أحمد بن ثابت، فأحضره وأراه إياه، فنظر فيه فقال: هذا مزوّر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقيل له: كيف عرفت ذلك؟ فقال: لأنّ فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان، وتاريخ الشّهادة سنة سبع، ومعاوية لم يكن أسلم في تلك السنة، فاستحسن ذلك منه. فسأل حينئذ أن يؤذن في قراءة «تاريخه» بجامع المنصور فأذن له، فرواه في الجامع.
ولمّا مات دفن إلى جنب قبر بشر.
ووجد له ستة وخمسون مصنّفا كلّها مفيدة، منها: كتاب تاريخ بغداد، وكتاب شرف أصحاب الحديث، وكتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، وكتاب الكفاية في معرفة علم الرّواية، وكتاب المتّفق والمفترق، وكتاب السابق واللاحق، وكتاب تلخيص المتشابه في الرّسم، وكتاب في التلخيص، وكتاب الفصل والوصل، وكتاب المكمل في بيان المهمل، وكتاب الفقيه والمتفقّه، وكتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس، وكتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، وكتاب الدلائل والشواهد، وكتاب الموضّح وهو: أوهام الجمع والتفريق، وكتاب المؤتنف تكملة المختلف والمؤتلف، وكتاب نهج الصّواب في أنّ البسملة من فاتحة الكتاب، وكتاب الجهر بالبسملة، وكتاب الخيل، وكتاب رفع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب، وكتاب القنوت، وكتاب التبيين لأسماء المدلّسين، وكتاب تمييز المزيد في متّصل الأسانيد، وكتاب من وافق كنيته اسم أبيه، وكتاب من حدّث فنسي، وكتاب رواية الآباء عن الأبناء، وكتاب الرّحلة وطلب الحديث، وكتاب الرّواة عن أنس بن مالك، وكتاب الاحتجاج للشافعيّ فيما أسند إليه والردّ على الجاهلين بطعنهم عليه، وكتاب التفصيل لمبهم المراسيل، وكتاب اقتضاء العلم العمل، وكتاب تقييد العلم، وكتاب القول في علم النّجوم، وكتاب روايات الصحابة عن التابعين، وكتاب صلاة التسبيح، وكتاب مسند نعيم بن همّار، وكتاب النهي عن صوم يوم الشّك، وكتاب الإجازة للمعدوم والمجهول، وكتاب روايات السّنة من التابعين، وكتاب البخلاء، وكتاب الطّفيليّين، وكتاب الدلائل والشواهد، وكتاب التنبيه والتوقيف على فضائل الخريف.
مات الحافظ أبو بكر الخطيب في سابع ذي الحجة من سنة ثلاث وستين وأربع مائة.
دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 270
الخطيب
الإمام، الحافظ الكبير الأوحد، محدث الشام والعراق، أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، البغدادي، صاحب التصانيف.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، وعني بهذا الشأن، ورحل فيه إلى الأقاليم، وأول سماعه في سنة ثلاثٍ وأربع مئة.
سمع أبا الحسن بن الصلت الأهوازي، وأبا الحسين بن المتيم، وأبا عمر بن مهدي، والحسين بن الحسن الجواليقي، وابن رزقويه، وابن أبي الفوارس، وهلالاً الحفار، وإبراهيم بن مخلد الباقرحي. ومن عنده ببغداد، ورحل سنة اثنتي عشرة إلى البصرة، فسمع أبا عمر القاسم [ابن جعفر الهاشمي، وسمع بنيسابور أبا القاسم] عبد الرحمن بن محمد السراج، والقاضي أبا بكر الحيري، وبأصبهان أبا الحسن بن عبدكويه، ومحمد بن عبد الله بن شهريار، وأبا نعيم الحافظ، وبالدينور أبا نصر الكسار، وبهمذان محمد بن عيسى، وسمع بالكوفة والري والحرمين ودمشق والقدس وصور، وغير ذلك.
وكان قدومه إلى دمشق سنة خمسٍ وأربعين وأربع مئة، ثم حج، ثم قدم الشام سنة إحدى وخمسين، فسكنها إحدى عشرة سنة.
حدث عنه البرقاني - أحد شيوخه - وأبو الفضل بن خيرون، والفقيه نصر المقدسي، وأبو عبد الله الحميدي، وعبد العزيز الكتاني، وأبو نصر بن ماكولا، وعبد الله بن أحمد السمرقندي، وأبو بكر بن الخاضبة، وأبي النرسي، وأبو القاسم النسيب، وهبة الله بن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وهبة الله بن عبد الله الشروطي، وأبو السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي، وعبد الرحمن بن محمد الشيباني القزاز، وأبو منصور بن خيرون المقرئ، وخلق يطول ذكرهم.
وكان من كبار الشافعية، تفقه على أبي الحسن بن المحاملي، والقاضي أبي الطيب.
قال ابن النجار: نشأ ببغداد، وقرأ القرآن بالروايات، وتفقه وعلق شيئاً من الخلاف، وآخر من حدث عنه بالسماع محمد بن عمر الأرموي القاضي.
وقال الخطيب: أول ما سمعت في المحرم سنة ثلاث، واستشرت البرقاني في الرحلة إلى عبد الرحمن بن النحاس بمصر أو الخروج إلى نيسابور؟ فقال: إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد، فإن فاتك ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة. فخرجت إلى نيسابور.
وقال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفةً، وحفظاً، وإتقاناً، وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفنناً في علله وأسانيده، وعلماً بصحيحه وغريبه، وفرده، ومنكره، ومطروحه.
ثم قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله، وسألت الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي ففضل الخطيب تفضيلاً بيناً.
وقال مؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني مثل الخطيب.
وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه.
وقال الفقيه أبو إسحاق الشيرازي: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه.
وقال شجاع الذهلي: إمام مصنف حافظ لم ندرك مثله.
وقال أبو الحسن الهمذاني: مات هذا العلم بوفاة الخطيب، وقد كان رئيس الرؤساء تقدم إلى الوعاظ والخطباء أن لا يرووا حديثاً حتى يعرضوه على أبي بكر الخطيب. وأظهر بعض اليهود كتاباً بإسقاط النبي صلى الله عليه وسلم الجزية عن الخيابرة، وفيه شهادة الصحابة، فعرضه الوزير على أبي بكر، فقال: هذا مزور، فقيل له: من أين أنت قلت هذا؟ قال: لأن فيه شهادة معاوية، وهو إنما أسلم عام الفتح، وفيه شهادة سعد بن معاذ وقد مات قبل خيبر بسنتين.
وقال أبو سعد السمعاني: كان الخطيب مهيباً وقوراً، متحرياً حجة، حسن الخط، كثير الضبط، فصيحاً، ختم به الحفاظ.
قال: وقرأ بمكة ’’الصحيح’’ على كريمة في خمسة أيام، وخرج من بغداد بعد فتنة البساسيري إلى الشام، سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو، سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول: كنت بجامع صور عند الخطيب، فدخل عليه علوي، وفي كمه دنانير، فقال: هذا الذهب تصرفه في مهماتك. فقطب وقال: لا حاجة لي فيه. فقال: كأنك تستقله. ونفض كمه على سجادة الخطيب، وقال: هي ثلاث مئة دينار. فخجل الخطيب وقام، وأخذ سجادته، وراح فما أنسى عز خروجه وذل العلوي، وهو يجمع الدنانير.
وقال أبو زكريا التبريزي: كنت أقرأ على الخطيب بحلقته بجامع دمشق كتب الأدب المسموعة له، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إلي وقال: أحببت أن أزورك. فتحدثنا ساعةً، ثم أخرج ورقة وقال: الهدية مستحبةٌ، اشتر بهذه أقلاماً، وقام، فإذا خمسة دنانير. ثم صعد مرة أخرى ووضع نحواً من ذلك. وكان إذا قرأ الحديث يسمع صوته في آخر الجامع، وكان يقرأ معرباً صحيحاً.
وقال ابن شافع: خرج الخطيب فقصد صور، وبها عز الدولة أحد الأجواد، وتقرب منه فانتفع به وأعطاه مالاً كثيراً، انتهى إليه الحفظ والإتقان، والقيام بعلوم الحديث.
وقال ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحدث عن أبي الفضل بن خيرون أو غيره أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله ثلاث حاجات، آخذاً بالحديث: ’’ماء زمزم لما شرب له’’ ؛ فالحاجة الأولى أن يحدث بـ’’تاريخ بغداد’’، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن عند بشر الحافي. فقضى الله له ذلك.
وذكر أبو الفرج الإسفراييني أن الخطيب كان معهم في الحج، فكان يختم كل يوم، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون: حدثنا فيحدث.
وقال عبد المحسن الشيحي: عادلت الخطيب من دمشق إلى بغداد فكان له في كل يوم وليلة ختمة.
وقال السمعاني: سمعت من ستة عشر من أصحابه، وله ستة وخمسون مصنفاً، ثم سرد أكثرها.
وقد أنشد السلفي لنفسه:
تصانيف ابن ثابتٍ الخطيب | ألذ من الصبا الغض الرطيب |
يراها إذ رواها من حواها | رياضاً للفتى اليقظ اللبيب |
ويأخذ حسن ما قد صاغ منها | بقلب الحافظ الفطن الأريب |
فأية راحةٍ ونعيم عيشٍ | يوازي كتبها بل أي طيب |
إن كنت تبغي الرشاد محضاً | لأمر دنياك والمعاد |
فخالف النفس في هواها | إن الهوى جامع الفساد |
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 3- ص: 1