الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبو بكر، المعروف بالخطيب: احد الحفاظ المؤرخين المقدمين. مولده في ’’غزية’’ - بصيغة التصغير - منتصف الطريق بين الكوفة ومكة، ومنشأه ووفاته ببغداد. رحل إلى مكة وسمع بالبصرة والدينور والكوفة وغيرهما، وعاد إلى بغداد فقربه رئيس الرؤساء ابن مسلمة (وزير القائم العباسي) وعرف قدره. ثم حدثت شؤون خرج على اثرها مستترا إلى الشام فأقام مدةفي دمشق وصور وطرابلس وحلب، سنة 462 هـ. ولما مرض مرضه الاخير وقف كتبه وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث. وكان فصيح اللهجة عارفا بالادب، يقول الشعر، ولوعا بالمطالعة والتأليف، ذكر ياقوت اسماء 56 كتابا من مصنفاته، من افضلها (تاريخ بغداد - ط) اربعة عشر مجلدا ونشر المستشرق سلمون (G. Salomon) مقدمة هذا التاريخ بباريس في 300 صفحة. ومن كتبه (البخلاء - خ) و (الكفاية في علم الرواية - ط) في مصطلح الحديث، و (الفوائد المنيخبة - خ) حديث، و (الجامع، لاخلاق الراوي واداب السامع - خ) عشر مجلدات، و (تقييد العلم - ط) و (شرف اصحاب الحديث - خ) و (التطفيل - ط) و (الاسماء والالقاب) و (الامالي) و (تلخيص المتشابه في الرسم - خ) و (الرحلة في طلب الحديث - خ) و (الاسماء المبهمة - خ)الاول منه، و (الفقيه والمتفقه - خ) اثنا عشر جزءا، وغير ذلك. وليوسف العش (الدمشقي) كتاب (الخطيب البغدادي، مؤرخ بغداد ومحدثها - ط) اورد اسماء 79 كتابا من مصنفاته.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 172

الخطيب أبو بكر خطيب بغداد اسمه أحمد بن علي بن ثابت.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 13- ص: 0

أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب أبو بكر البغدادي الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين المصنفين المكثرين، والحفاظ المبرزين، ومن ختم به ديوان المحدثين. سمع ببغداد شيوخ وقته، وبالبصرة وبالدينور وبالكوفة، ورحل إلى نيسابور في سنة خمس عشرة وأربعمائة وقدم دمشق سنة خمس وأربعين وأربعمائة حاجا فسمع بها، ثم قدمها بعد فتنة البساسيري لاضطراب الأحوال ببغداد، فآذاه الحنابلة بجامع المنصور سنة إحدى وخمسين فسكنها مدة وحدث بها بعامة كتبه ومصنفاته إلى صفر سنة سبع وخمسين، فقصد صور فأقام بها، وكان يتردد إلى القدس للزيارة ثم يعود إلى صور، إلى أن خرج من صور في سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوجه إلى طرابلس وحلب، فأقام في كل واحدة من البلدتين أياما قلائل، ثم عاد إلى بغداد في أعقاب سنة اثنتين وستين وأقام بها سنة إلى أن توفي وحينئذ روى «تاريخ بغداد». وروى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني والأزهري وغيرهما.
وقال غيث بن علي الصوري: سألت أبا بكر الخطيب عن مولده فقال: ولدت يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
وكان الخطيب يذكر انه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات، أخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له، فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد ببغداد، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي. فلما عاد إلى بغداد حدث بالتاريخ بها، ووقع إليه جزء فيه سماع الخليفة القائم بأمر الله، فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث فليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك، فسلوه ما حاجته، فسئل فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور، فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك، فحضر النقيب وأملى. ولما مات أرادوا دفنه عند قبر بشر بوصية منه، قال ابن عساكر: فذكر شيخنا إسماعيل بن أبي سعد الصوفي- وكان الموضع الذي بجنب بشر قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي قبرا لنفسه وكان يمضي إلى ذلك الموضع فيختم فيه القرآن ويدعو، ومضى على ذلك عدة سنين- فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فيه فامتنع فقال: هذا قبري قد حفرته وختمت فيه عدة ختمات، ولا أمكن أحدا من الدفن فيه، وهذا مما لا يتصور. فانتهى الخبر إلى والدي فقال له: يا شيخ لو كان بشر في الأحياء ودخلت أنت والخطيب إليه أيكما كان يقعد إلى جنبه أنت أو الخطيب؟ فقال: لا بل الخطيب، فقال له: كذا ينبغي أن يكون في حالة الموت، فإنه أحق به منك، فطاب قلبه ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع فدفن فيه. وقيل إنه كان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري.
عن أبي الفرج الاسفرايني، كان الشيخ أبو بكر الخطيب معنا في طريق مكة، فكان يختم كل يوم ختمة إلى قرب الغياب، قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون حدثنا فيحدثهم.
وقال المؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب.
وذكر في «المنتظم» ان الخطيب لقي في مكة أبا عبد الله ابن سلامة القضاعي فسمع منه بها، وقرأ صحيح البخاري على كريمة بنت أحمد المروزي في خمسة أيام، ورجع إلى بغداد فقرب من رئيس الرؤساء أبي القاسم ابن المسلمة وزير القائم بأمر الله تعالى. وكان قد أظهر بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة، وأنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعرضه رئيس الرؤساء على أبي بكر الخطيب فقال: هذا مزور، فقيل له: من أين لك ذلك؟ قال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق في سنة خمس، فاستحسن ذلك منه.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني أن رئيس الرؤساء تقدم إلى القصاص والوعاظ أن لا يورد أحد حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعرضه على أبي بكر الخطيب، فما أمرهم بايراده أوردوه، وما منعهم منه ألغوه.
ومن «المنتظم» قال: ولما جاءت نوبة البساسيري استتر الخطيب وخرج من بغداد إلى الشام وأقام بدمشق، ثم خرج إلى صور ثم إلى طرابلس وإلى حلب ثم عاد إلى بغداد في سنة اثنتين وستين فأقام بها سنة ثم مات. قال: وله ستة وخمسون مصنفا بعيدة المثل منها كتاب تاريخ بغداد. كتاب شرف أصحاب الحديث. كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. كتاب الكفاية في معرفة علم الرواية. كتاب المتفق والمفترق. كتاب السابق واللاحق. كتاب تلخيص المتشابه في الرسم. كتاب في التلخيص. كتاب الفصل والوصل. كتاب المكمل في بيان المهمل. كتاب الفقيه والمتفقه. كتاب الدلائل والشواهد على صحة العمل باليمين مع الشاهد. كتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس. كتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة. كتاب الموضح وهو أوهام الجمع والتفريق. كتاب المؤتنف تكملة المختلف والمؤتلف.
كتاب نهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب. كتاب الجهر بالبسملة. كتاب الخيل. كتاب رافع الارتياب في القلوب من الأسماء والالقاب. كتاب القنوت.
كتاب التبيين لأسماء المدلسين. كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد. كتاب من وافق كنيته اسم أبيه. كتاب من حدث فنسي. كتاب رواية الآباء عن الابناء. كتاب الرحلة في طلب الحديث. كتاب الرواة عن مالك بن أنس. كتاب الاحتجاج للشافعي فيما أسند إليه والرد على الجاهلين بطعنهم عليه. كتاب التفصيل لمبهم المراسيل.
كتاب اقتضاء العلم العمل. كتاب تقييد العلم. كتاب القول في علم النجوم. كتاب روايات الصحابة عن التابعين. كتاب صلاة التسبيح. كتاب مسند نعيم بن همار جزء. كتاب النهي عن صوم يوم الشك. كتاب الاجازة للمعلوم والمجهول. كتاب روايات السنة من التابعين. كتاب البخلاء. كتاب الطفيليين. كتاب الدلائل والشواهد. كتاب التنبيه والتوقيف على فضائل الخريف.
قال ابن الجوزي: فهذا الذي ظهر لنا من تصانيفه، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هيء له مما لم يهيأ لمن كان أحفظ منه كالدارقطني وغيره.
وحدث أبو سعد السمعاني، قرأت بخط والدي، سمعت أبا الحسين ابن الطيوري ببغداد يقول: أكثر كتب الخطيب سوى التاريخ مستفاد من كتب الصوري، كان الصوري بدأ بها ولم يتمها، وكانت للصوري أخت بصور، مات وخلف عندها اثني عشر عدلا محزوما من الكتب، فلما خرج الخطيب إلى الشام حصل من كتبه ما صنف منها كتبه. قال: وكان سبب وفاة الصوري أنه افتصد، وكان الطبيب الذي فصده قد أعطي مبضعا مسموما ليفصد به غيره، فغلط ففصده فقتله. قال ابن الجوزي عند سماع هذه الحكاية: وقد يضع الانسان طريقا فتسلك، وما قصر الخطيب على كل حال. وكان حريصا على علم الحديث، كان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه، وكان حسن القراءة فصيح اللهجة عارفا بالأدب، يقول الشعر الحسن. قال ابن الجوزي: ونقلت من خطه من شعره قوله:

ومن شعره أيضا:
قال أبو الفرج ابن الجوزي: وكان الخطيب قديما على مذهب أحمد بن حنبل، فمال عليه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الشافعي وتعصب في تصانيفه عليهم، فرمز إلى ذمهم وصرح بقدر ما أمكنه، فقال في ترجمة أحمد بن حنبل: سيد المحدثين، وفي ترجمة الشافعي تاج الفقهاء فلم يذكر أحمد بالفقه. وقال في ترجمة حسين الكرابيسي انه قال عن أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي، إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق قال بدعة، وان قلنا غير مخلوق قال بدعة، ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن. وله دسائس في ذمهم عجيبة، وذكر شيئا مما زعم أبو الفرج أنه قدح في الحنابلة وتأول له، ثم قال: أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه قال سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي، وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر الخطيب. قال أبو الفرج: وصدق إسماعيل، وكان من أهل المعرفة فإن الحاكم كان متشيعا ظاهر التشيع، والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والأشاعرة. قال: وما يليق هذا بأصحاب الحديث، لأن الحديث جاء في ذم الكلام، وقد أكد الشافعي في هذا حتى قال: رأيي في أصحاب الكلام أن يحملوا على البغال ويطاف بهم. قال: وكان للخطيب شيء من المال، فكتب إلى القائم بأمر الله، إني إذا مت كان مالي لبيت المال، وأنا استأذن أن أفرقه على من شئت، فأذن له ففرقه على أصحاب الحديث، وكان مائتي دينار، ووقف كتبه على المسلمين وسلمها إلى أبي الفضل ابن خيرون فكان يعزها، ثم صارت إلى ابنه الفضل فاحترقت في داره. ووصى الخطيب أن يتصدق بجميع ما عليه من الثياب.
قال ابن طاهر: سألت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي قلت: هل كان أبو بكر الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ فقال: لا، كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام، وإن ألححنا عليه غضب، وكانت له بادرة وحشة، وأما تصانيفه فمصنوعة مهذبة، ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه.
وذكر أبو سعد السمعاني في ترجمة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز قال: سمع جميع كتاب تاريخ مدينة السلام من مصنفه أبي بكر الخطيب الحافظ إلا الجزء السادس والثلاثين فإنه قال: توفيت والدتي واشتغلت بدفنها والصلاة عليها، ففاتني هذا الجزء وما أعيد لي، لأن الخطيب كان قد شرط في الابتداء أن لا يعاد الفوت لأحد، فبقي الجزء غير مسموع.
قال السمعاني: لما رجعت إلى خراسان حصل لي تاريخ الخطيب بخط شجاع بن فارس الذهلي الأصل الذي كتبه بخطه لأبي غالب محمد بن عبد الواحد القزاز، وعلى وجه كل واحد من الأجزاء مكتوب سماع لأبي غالب ولابنه أبي منصور عبد الرحمن ولأخيه عبد المحسن، الا هذا الجزء السادس والثلاثين والجزء...
فإنه كتب على وجهيهما إجازة لأبي غالب وابنه أبي منصور، وشجاع أعرف الناس فيكون قد فاته الجزءان المذكوران لا جزء واحد.
ونقلت من خط أبي سعد السمعاني ومنتخبه لمعجم شيوخ عبد العزيز بن محمد النخشبي قال: ومنهم أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، يخطب في بعض قرى بغداد، حافظ فهم، ولكنه كان يتهم بشرب الخمر، كنت كلما لقيته بدأني
بالسلام، فلقيته في بعض الأيام فلم يسلم علي، ولقيته شبه المتغير، فلما جاز عني لحقني بعض أصحابنا وقال لي: لقيت أبا بكر الخطيب سكران، فقلت له: قد لقيته متغيرا واستنكرت حاله ولم أعلم أنه سكران، ولعله قد تاب إن شاء الله. قال السمعاني: ولم يذكر عن الخطيب رحمه الله هذا إلا النخشبي مع أني لحقت جماعة كثيرة من أصحابه.
وقال في «المذيل» والخطيب رحمه الله في درجة القدماء من الحفاظ والأئمة الكبار، كيحيى بن معين وعلي بن المديني وأحمد بن أبي خيثمة وطبقتهم، وكان علامة العصر، اكتسى به هذا الشأن غضارة وبهجة ونضارة، وكان مهيبا وقورا نبيلا خطيرا ثقة صدوقا متحريا، حجة فيما يصنفه ويقوله وينقله ويجمعه، حسن النقل والخط، كثير الشكل والضبط، قارئا للحديث فصيحا، وكان في درجة الكمال والرتبة العليا خلقا وخلقا وهيئة ومنظرا، انتهى إليه معرفة علم الحديث وحفظه، وختم به الحفاظ رحمه الله. بدأ سماع الحديث سنة ثلاث وأربعمائة وقد بلغ احدى عشرة سنة من عمره. قال: وسمعت بعض مشايخي يقول: دخل بعض الأكابر جامع دمشق أو صور ورأى حلقة عظيمة للخطيب، والمجلس غاص، يسمعون منه الحديث، فقعد إلى جانبه وكأنه استكثر الجمع، فقال له الخطيب: القعود في جامع المنصور مع نفر يسير أحب إلي من هذا.
قال: وسمعت أبا الفتح مسعود بن محمد بن أحمد أبي نصر الخطيب بمرو يقول، سمعت أبا عمر النسوي يعرف بابن ليلى يقول: كنت في جامع صور عند الخطيب، فدخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير وقال للخطيب: فلان، وذكر بعض المحتشمين من أهل صور، يسلم عليك ويقول: هذا تصرفه في بعض مهماتك، فقال الخطيب: لا حاجة لي فيه، وقطب وجهه، فقال العلوي: فتصرفه إلى بعض أصحابك، قال قل له: يصرفه إلى من يريد، فقال العلوي: كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها وقال: هذه ثلاثمائة دينار، فقام الخطيب محمر الوجه وأخذ السجادة ونفض الدنانير على الأرض وخرج من المسجد.
قال الفضل ابن ليلى: ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقوق الحصر ويجمعها.
وحدث باسناد رفعه إلى الخطيب قال: حدثت ولي عشرون سنة، حين قدمت من البصرة كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء أدخلها في تصانيفه وسألني فقرأتها عليه وذلك في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. وحدث قال: ذكر أبو الفضل ناصر السلامي قال: كان أبو بكر الخطيب من ذوي المروءات، حدثني أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب اللغوي قال: لما دخلت دمشق في سنة ست وخمسين كان بها إذا ذاك الامام أبو بكر الحافظ، وكانت له حلقة كبيرة يجتمعون في بكرة كل يوم فيقرأ لهم، وكنت أقرأ عليه الكتب الأدبية المسموعة له، فكان إذا مر في كتابه شيء يحتاج إلى إصلاح يصلحه ويقول: أنت تريد مني الرواية وأنا أريد منك الدراية، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إلي يوما وسط النهار وقال: أحببت أن أزورك في بيتك، وقعد عندي وتحدثنا ساعة، ثم أخرج قرطاسا فيه شيء وقال لي: الهدية مستحبة وأسألك أن تشتري به الاقلام، ونهض ففتحت القرطاس بعد خروجه فإذا فيه خمسة دنانير صحاح مصرية، ثم إنه مرة ثانية صعد وحمل إلي ذهبا وقال لي: تشتري به كاغدا، وكان نحوا من الأول أو أكثر، قال: وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع صوته في آخر الجامع، وكان يقرأ معربا صحيحا.
وقال أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الحافظ الاصبهاني يمدح مؤلفات الخطيب:
وحدث محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا القاسم مكي بن عبد السلام الرميلي يقول: كان سبب خروج أبي بكر الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبي صبيح الوجه- وقد سماه مكي أنا نكبت عن ذكره- فتكلم الناس في ذلك، وكان أمير البلدة رافضيا متعصبا، فبلغته القصة، فجعل ذلك سببا للفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذه بالليل ويقتله، وكان صاحب الشرطة من أهل السنة، فقصده صاحب الشرطة تلك الليلة مع جماعة من أصابه ولم يمكنه أن يخالف الأمير، فأخذه وقال له: قد أمرت بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة، إلا أني أعبر بك على دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي، فإذا حاذيت الباب فادخل الدار، فإني أرجع إلى الأمير وأخبره بالقصة، ففعل ذلك ودخل دار الشريف، وذهب صاحب الشرطة إلى الأمير وأخبره الخبر، فبعث الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال الشريف: أيها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، ولكن ليس في قتله مصلحة، هذا رجل مشهور بالعراق وإن قتلته قتل به جماعة من الشيعة بالعراق وخربت المشاهد، قال:
فما ترى؟ قال: أرى ان يخرج من بلدك، فأمر باخراجه فخرج إلى صور وبقي بها مدة إلى أن رجع إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات.
ومن شعر الخطيب أيضا:
وله أيضا:
قال عبد الخالق بن يوسف: أنشدني من لفظه الشيخ أبو العز أحمد بن عبد الله بن كادش عن الخطيب، وقال: هي في أبي منصور ابن النقور:
وله أيضا:
وله أيضا:
وله أيضا:
قال أبو بكر الخطيب: كتب معي أبو بكر البرقاني إلى أبي نعيم الأصبهاني الحافظ كتابا يقول في فصل منه: وقد نفذ إلى ما عندك عمدا متعمدا أخونا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت- أيده الله وسلمه- ليقتبس من علومك، ويستفيد من حديثك، وهو بحمد الله ممن له في هذا الشأن سابقة حسنة، وقدم ثابت، وفهم به حسن. وقد رحل فيه وفي طلبه وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله الطالبين له، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك، مع التورع والتحفظ وصحة التحصيل، ما يحسن لديك موقعه، ويجمل عندك منزلته. وأنا أرجو إذا صحت منه لديك هذه الصفة أن يلين له جانبك، وأن تتوفر له وتحتمل منه ما عساه يورده من تثقيل في الاستكثار، أو زيادة في الاصطبار، فقديما حمل السلف عن الخلف ما ربما ثقل، وتوفروا على المستحق منهم بالتخصيص والتقديم والتفضيل ما لم ينله الكل منهم.
وقال الرئيس أبو الخطاب ابن الجراح يمدح الخطيب:
وقال ابو القاسم: حدثني أبو محمد ابن الاكفاني حدثني أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي قال: مرض الشيخ أبو بكر الخطيب ببغداد في نصف رمضان إلى ان اشتد به الحال غرة ذي الحجة وأيسنا منه، وأوصى إلى أبي الفضل ابن خيرون، ووقف كتبه على يده، وفرق جميع ما له في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث، وأخرجت جنازته من حجرد تلي المدرسة النظامية من نهر المعلى، وحمل جنازته أبو إسحاق الشيرازي وتبعه الفقهاء والخلق العظيم، وعبرت الجنازة على الجسر وحملت إلى جامع المنصور، وكان بين الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله. وعبرت الجنازة بالكرخ ومعها ذلك الخلق العظيم.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 384

الخطيب الإمام الأوحد العلامة المفتي الحافظ الناقد محدث الوقت أبو بكر؛ أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، صاحب التصانيف، وخاتمة الحفاظ.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة.
وكان أبوه أبو الحسن خطيبا بقرية درزيجان، وممن تلا القرآن على أبي حفص الكتاني فحض ولده أحمد على السماع والفقه فسمع: وهو ابن إحدى عشرة سنة وارتحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة وإلى نيسابور وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وإلى الشام وهو كهل وإلى مكة وغير ذلك. وكتب الكثير وتقدم في هذا الشأن وبذ الأقران وجمع وصنف وصحح وعلل وجرح وعدل وأرخ وأوضح وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق.
سمع: أبا عمر بن مهدي الفارسي وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي وأبا الحسين بن المتيم وحسين بن الحسن الجواليقي ابن العريف يروي عن، ابن مخلد العطار وسعد بن محمد الشيباني سمع: من أبي علي الحصائري وعبد العزيز بن محمد الستوري حدثه عن، إسماعيل الصفار وإبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي وأبا الفرج محمد بن فارس الغوري وأبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي وأبا بكر محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي ومحمد بن عمر بن عيسى الحطراني حدثه عن، أحمد بن إبراهيم البلدي وأبا نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي وأبا القاسم الحسن بن الحسن بن المنذر والحسين بن عمر ابن برهان وأبا الحسن بن رزقويه وأبا الفتح هلال بن محمد الحفار وأبا الفتح بن أبي الفوارس وأبا العلاء محمد بن الحسن الوراق وأبا الحسين بن بشران. وينزل إلى أن يكتب عن، عبد الصمد بن المأمون وأبي الحسين بن النقور بل نزل إلى أن روى عن، تلامذته كنصر المقدسي وابن ماكولا والحميدي وهذا شأن كل حافظ يروي عن، الكبار والصغار.
وسمع: بعكبرا من الحسين بن محمد الصائغ حدثه عن، نافلة علي بن حرب.
ولحق بالبصرة أبا عمر الهاشمي شيخه في السنن وعلي بن القاسم الشاهد والحسن بن علي السابوري وطائفة.
وسمع بنيسابور: القاضي أبا بكر الحيري وأبا سعيد الصيرفي وأبا القاسم عبد الرحمن السراج وعلي بن محمد الطرازي والحافظ أبا حازم العبدوي وخلقا.
وبأصبهان: أبا الحسن بن عبد كويه وأبا عبد الله الجمال ومحمد ابن عبد الله بن شهريار وأبا نعيم الحافظ.
وبالدينور: أبا نصر الكسار.
وبهمذان: محمد بن عيسى وطبقته.
وسمع: بالري والكوفة وصور ودمشق ومكة.
وكان قدومه إلى دمشق في سنة خمس وأربعين، فسمع من محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي وطبقته. واستوطنها ومنها حج وقرأ صحيح البخاري على كريمة في أيام الموسم.
وأعلى ما عنده حديث مالك، وحماد بن زيد بينه وبين كل منهما ثلاثة أنفس.
حدث عنه: أبو بكر البرقاني؛ وهو من شيوخه وأبو نصر بن ماكولا والفقيه نصر والحميدي وأبو الفضل بن خيرون والمبارك بن الطيوري وأبو بكر بن الخاضبة وأبي النرسي وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي والمرتضى محمد بن محمد الحسيني ومحمد بن مرزوق الزعفراني وأبو القاسم النسيب وهبة الله بن الأكفاني ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي وغيث بن علي الأرمنازي وأحمد بن أحمد المتوكلي وأحمد ابن علي بن المجلي وهبة الله بن عبد الله الشروطي وأبو الحسن بن سعيد وطاهر بن سهل الإسفراييني وبركات النجاد وعبد الكريم بن حمزة وأبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي وقاضي المارستان أبو بكر وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن السمرقندي وأبو بكر محمد بن الحسين المزرفي وأبو منصور الشيباني؛ راوي تاريخه وأبو منصور بن خيرون المقرئ وبدر بن عبد الله الشيحي والزاهد يوسف بن أيوب الهمذاني وهبة الله بن علي المجلي وأخوه أبو السعود أحمد وأبو الحسين بن أبي يعلى وأبو الحسين بن بويه وأبو البدر الكرخي ومفلح الدومي ويحيى بن الطرح وأبو الفضل الأرموي وعدد يطول ذكرهم.
وكان من كبار الشافعية، تفقه على أبي الحسن بن المحاملي، والقاضي أبي الطيب الطبري.
قال أبو منصور بن خيرون: حدثنا، الخطيب أنه ولد في جمادى الآخرة سنة 392 وأول ما سمع: في المحرم سنة ثلاث وأربع مائة.
قال أحمد بن صالح الجيلي: تفقه الخطيب وقرأ بالقراءات وارتحل وقرب من رئيس الرؤساء فلما قبض عليه البساسيري استتر الخطيب وخرج إلى صور وبها عز الدولة؛ أحد الأجواد فأعطاه مالا كثيرا. عمل نيفا وخمسين مصنفا وانتهى إليه الحفظ شيعه خلق عظيم وتصدق بمائةي دينار وأوقف كتبه واحترق كثير منها بعده بخمسين سنة.
وقال الخطيب: استشرت البرقاني في الرحلة إلى أبي محمد بن النحاس بمصر أو إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم فقال: إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى واحد إن فاتك ضاعت رحلتك وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة إن فاتك واحد أدركت من بقي. فخرجت إلى نيسابور.
قال الخطيب في تاريخه: كنت أذاكر أبا بكر البرقاني بالأحاديث فيكتبها عني ويضمنها جموعه. وحدث عني وأنا أسمع: وفي غيبتي ولقد حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني أخبرنا، أبو بكر الخوارزمي سنة عشرين وأربع مائة حدثنا، أحمد بن علي بن ثابت حدثنا، محمد بن موسى الصيرفي حدثنا، الأصم. فذكر حديثا.
قال ابن ماكولا: كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني مثله. سألت أبا عبد الله الصوري عن، الخطيب وأبي نصر السجزي: أيهما أحفظ؟ ففضل الخطيب تفضيلا بينا.
قال المؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب.
وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه.
أنبأني بالقولين المسلم بن محمد عن، القاسم بن عساكر حدثنا، أبي حدثنا، أخي هبة الله حدثنا، أبو طاهر السلفي عنهما.
وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه.
وقال أبو الفتيان الحافظ: كان الخطيب إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله.
قال أبو القاسم النسيب: سمعت الخطيب يقول: كتب معي أبو بكر البرقاني كتابا إلى أبي
نعيم الحافظ يقول فيه: وقد رحل إلى ما عندك أخونا أبو بكر أيده الله وسلمه ليقتبس من علومك وهو بحمد الله ممن له في هذا الشأن سابقة حسنة وقدم ثابت وقد رحل فيه وفي طلبه وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ ما يحسن لديك موقعه.
قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني سمع: من الخطيب شيخه أبو القاسم عبيد الله الأزهري في سنة اثنتي عشرة وأربع مائة. وكتب عنه شيخه البرقاني وروى عنه. وعلق الفقه عن، أبي الطيب الطبري وأبي نصر بن الصباغ وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه الله.
قلت: صدق. فقد صرح الخطيب في أخبار الصفات أنها تمر كما جاءت بلا تأويل.
قال الحافظ أبو سعد السمعاني في ’’الذيل’’: كان الخطيب مهيبا وقورا ثقة متحريا حجة حسن الخط، كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ، رحل إلى الشام حاجا، ولقي بصور أبا عبد الله القضاعي، وقرأ الصحيح في خمسة أيام على كريمة المروزية ورجع إلى بغداد ثم خرج منها بعد فتنة البساسيري لتشويش الوقت إلى الشام سنة إحدى وخمسين فأقام بها وكان يزور بيت المقدس ويعود إلى صور إلى سنة اثنتين وستين فتوجه إلى طرابلس ثم منها إلى حلب ثم إلى الرحبة ثم إلى بغداد فدخلها في ذي الحجة. وحدث بحلب وغيرها.
السمع: اني: سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو سمعت الفضل ابن عمر النسوي يقول: كنت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب فدخل علوي وفي كمه دنانير فقال: هذا الذهب تصرفه في مهماتك. فقطب في وجهه وقال: لا حاجة لي فيه فقال: كأنك تستقله وأرسله من كمه على سجادة الخطيب. وقال: هذه ثلاث مائة دينار. فقام الخطيب خجلا محمرا وجهه وأخذ سجادته ورمى الدنانير وراح. فما أنى عزه وذل العلوي وهو يلتقط الدنانير من شقوق الحصير.
ابن ناصر: حدثنا، أبو زكريا التبريزي اللغوي قال: دخلت دمشق فكنت أقرأ على الخطيب بحلقته بالجامع كتب الأدب المسموعة وكنت أسكن منارة الجامع فصعد إلي وقال: أحببت أن أزورك في بيتك. فتحدثنا ساعة. ثم أخرج ورقة وقال: الهدية مستحبة تشتري بهذا أقلاما. ونهض فإذا خمسة دنانير مصرية ثم صعد مرة أخرى ووضع نحوا من ذلك. وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع: صوته في آخر الجامع وكان يقرأ معربا صحيحا.
قال السمعاني: سمعت من ستة عشر نفسا من أصحابه وحدثنا عنه يحيى بن علي الخطيب سمع: منه بالأنبار قرأت بخط أبي سمعت أبا محمد بن الآبنوسي سمعت الخطيب يقول: كلما ذكرت في التاريخ رجلا اختلفت فيه أقاويل الناس في الجرح والتعديل فالتعويل على ما أخرت وختمت به الترجمة.
قال ابن شافع: خرج الخطيب إلى صور وقصدها وبها عز الدولة الموصوف بالكرم فتقرب منه فانتفع به وأعطاه مالا كثيرا. قال: وانتهى إليه الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث.
قال الحافظ ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحكي عن، ابن خيرون أو غيره أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات أن يحدث بتاريخ بغداد بها وأن يملي الحديث بجامع المنصور وأن يدفن عند بشر الحافي. فقضيت له الثلاث.
قال غيث بن علي: حدثنا، أبو الفرج الإسفراييني قال: كان الخطيب معنا في الحج فكان يختم كل يوم ختمة قراءة ترتيل ثم يجتمع الناس عليه وهو راكب يقولون: حدثنا، فيحدثهم. أو كما قال.
قال المؤتمن: سمعت عبد المحسن الشيحي يقول: كنت عديل أبي بكر الخطيب من دمشق إلى بغداد فكان له في كل يوم وليلة ختمة.
قال الخطيب في ترجمة إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير: حج وحدث ونعم الشيخ كان ولما حج كان معه حمل كتب ليجاور منه: صحيح البخاري؛ سمع: هـ من الكشميهني فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس فكان المجلس الثالث من أول النهار وإلى الليل ففرغ طلوع الفجر.
قلت: هذه والله القراءة التي لم يسمع: قط بأسرع منها.
وفي تاريخ محمد بن عبد الملك الهمذاني: توفي الخطيب في كذا ومات هذا العلم بوفاته. وقد كان رئيس الرؤساء تقدم إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه عليه فما صححه أوردوه وما رده لم يذكروه. وأظهر بعض اليهود كتابا ادعى أنه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسقاط الجزية عن، أهل خيبر وفيه شهادة الصحابة وذكروا أن خط علي ر فيه. وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء فعرضه على الخطيب فتأمله وقال: هذا مزور قيل: من أين قلت؟ قال: فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح، وفتحت خيبر
سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات يوم بني قريظة قبل خيبر بسنتين. فاستحسن ذلك منه.
قال السمع: اني: سمعت يوسف بن أيوب بمرو يقول: حضر الخطيب درس شيخنا أبي إسحاق فروى أبو إسحاق حديثا من رواية بحر بن كنيز السقاء ثم قال للخطيب: ما تقول فيه؟ فقال: إن أذنت لي ذكرت حاله. فانحرف أبو إسحاق وقعد كالتلميذ وشرع الخطيب يقول وشرح أحواله شرحا حسنا فأثنى الشيخ عليه وقال: هذا دارقطني عصرنا.
قال أبو علي البرداني: حدثنا، حافظ وقته أبو بكر الخطيب وما رأيت مثله ولا أظنه رأى مثل نفسه.
وقال السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن، الخطيب فقال: إمام مصنف حافظ لم ندرك مثله.
وعن سعيد المؤدب قال: قلت لأبي بكر الخطيب عند قدومي: أنت الحافظ أبو بكر؟ قال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني.
قال ابن الآبنوسي: كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه.
وقال المؤتمن: كان الخطيب يقول: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس.
محمد بن طاهر: حدثنا، مكي بن عبد السلام الرميلي قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبي مليح فتكلم الناس في ذلك وكان أمير البلد رافضيا متعصبا فبلغته القصة فجعل ذلك سببا إلى الفتك به فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل فيقتله وكان صاحب الشرطة سنيا فقصده تلك الليلة في جماعة ولم يمكنه أن يخالف الأمير فأخذه وقال: قد أمرت فيك بكذا وكذا ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك عند دار الشريف ابن أبي الجن فإذا حاذيت الدار اقفز وادخل فإني لا أطلبك وأرجع إلى الأمير فأخبره بالقصة. ففعل ذلك ودخل دار الشريف فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به فقال: أيها الأمير! أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله وليس في قتله مصلحة هذا مشهور بالعراق إن قتلته قتل به جماعة من الشيعة وخربت المشاهد. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن ينزح من بلدك. فأمر بإخراجه فراح إلى صور وبقي بها مدة.
قال أبو القاسم بن عساكر: سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى أمير الجيوش فقال: هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع.
وروى ابن عساكر عمن ذكره أن الخطيب وقع إليه جزء فيه سماع القائم بأمر الله فأخذه وقصد دار الخلافة وطلب الإذن في قراءته فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث وليس له في السماع حاجة فلعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فسلوه ما حاجته؟ فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور. فأذن له فأملى.
قال ابن طاهر: سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي: هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ قال: لا كنا إذا سألناه عن، شيء أجابنا بعد أيام وإن ألححنا عليه غضب كانت له بادرة وحشة ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه.
وقال أبو الحسين بن الطيوري: أكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد مستفادة من كتب الصوري كان الصوري ابتدأ بها وكانت له أخت بصور خلف أخوها عندها اثني عشر عدلا من الكتب فحصل الخطيب من كتبه أشياء. وكان الصوري قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا.
قلت: ما الخطيب بمفتقر إلى الصوري هو أحفظ وأوسع رحلة وحديثا ومعرفة.
أخبرنا أبو علي بن الخلال، أخبرنا أبو الفضل الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا محمد بن مرزوق الزعفراني، حدثنا الحافظ أبو بكر الخطيب قال: أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: لله يد وسمع: وبصر فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ولا نقول: إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع: والبصر العلم ولا نقول: إنها جوارح. ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله: {ليس كمثله شيء} {ولم يكن له كفوا أحد}.
قال ابن النجار: ولد الخطيب بقرية من أعمال نهر الملك، وكان أبوه خطيبا بدرزيجان ونشأ هو ببغداد وقرأ القراءات بالروايات وتفقه على الطبري وعلق عنه شيئا من الخلاف إلى أن قال: وروى عنه محمد بن عبد الملك بن خيرون وأبو سعد أحمد بن محمد الزوزني ومفلح بن أحمد الدومي والقاضي محمد بن عمر الأرموي وهو آخر من حدث عنه يعني بالسماع.
وروى عنه بالإجازة طائفة عددت في ’’تاريخ الإسلام’’ آخرهم مسعود بن الحسن الثقفي ثم ظهرت إجازته له ضعيفة مطعونا فيها فليعلم ذلك.
وكتابة الخطيب مليحة مفسرة كاملة الضبط بها أجزاء بدمشق رأيتها. وقرأت بخطه: أخبرنا، علي بن محمد السمسار، أخبرنا ابن المظفر، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحجاج، حدثنا جعفر بن نوح، حدثنا محمد بن عيسى، سمعت يزيد بن هارون يقول: ما عزت النية في الحديث إلا لشرفه.
قال أبو منصور علي بن علي الأمين: لما رجع الخطيب من الشام كانت له ثروة من الثياب والذهب وما كان له عقب فكتب إلى القائم بأمر الله: إن مالي يصير إلى بيت مال فائذن لي حتى أفرقه فيمن شئت. فأذن له ففرقها على المحدثين.
قال الحافظ ابن ناصر: أخبرتني أمي أن أبي حدثها قال: كنت أدخل على الخطيب وأمرضه فقلت له يوما: يا سيدي! إن أبا الفضل بن خيرون لم يعطني شيئا من الذهب الذي أمرته أن يفرقه على أصحاب الحديث. فرفع الخطيب رأسه من المخدة وقال: خذ هذه الخرقة بارك الله لك فيها. فكان فيها أربعون دينارا فأنفقتها مدة في طلب العلم.
وقال مكي الرميلي: مرض الخطيب في نصف رمضان إلى أن اشتد الحال به في غرة ذي الحجة وأوصى إلى ابن خيرون ووقف كتبه على يده وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى المحدثين وتوفي في رابع ساعة من يوم الاثنين سابع ذي الحجة من سنة ثلاث وستين ثم أخرج بكرة الثلاثاء وعبروا به إلى الجانب الغربي وحضره القضاة والأشراف والخلق. وتقدم في الإمامة أبو الحسين بن المهتدي بالله فكبر عليه أربعا ودفن بجنب قبر بشر الحافي.
وقال ابن خيرون: مات ضحوة الاثنين ودفن بباب حرب. وتصدق بماله وهو مائتا دينار، وأوصى بأن يتصدق بجميع ثيابه، ووقف جميع كتبه، وأخرجت جنازته من حجرة تلي النظامية، وشيعه الفقهاء والخلق، وحملوه إلى جامع المنصور، وكان بين يدي الجنازة
جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن، النبي -صلى الله عليه وسلم- الكذب هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وختم على قبره عدة ختمات.
وقال الكتاني في ’’الوفيات’’: ورد كتاب جماعة أن الحافظ أبا بكر توفي في سابع ذي الحجة وحمل جنازته الإمام أبو إسحاق الشيرازي. وكان ثقة حافظا متقنا متحريا مصنفا.
قال أبو البركات إسماعيل ابن أبي سعد الصوفي: كان الشيخ أبو بكر ابن زهراء الصوفي برباطنا قد أعد لنفسه قبرا إلى جانب قبر بشر الحافي وكان يمضي إليه كل أسبوع مرة وينام فيه ويتلو فيه القرآن كله فلما مات أبو بكر الخطيب كان قد أوصى أن يدفن إلى جنب قبر بشر فجاء أصحاب الحديث إلى ابن زهراء وسألوه أن يدفنوا الخطيب في قبره وأن يؤثره به فامتنع وقال: موضع قد أعددته لنفسي يؤخذ مني!. فجاؤوا إلى والدي وذكروا له ذلك فأحضر ابن زهراء وهو أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي فقال: أنا لا أقول لك أعطهم القبر ولكن أقول لك: لو أن بشرا الحافي في الأحياء وأنت إلى جانبه فجاء أبو بكر الخطيب ليقعد دونك أكان يحسن بك أن تقعد أعلى منه؟ قال: لا بل كنت أجلسه مكاني. قال: فهكذا ينبغي أن تكون الساعة. قال: فطاب قلبه وأذن.
قال أبو الفضل بن خيرون: جاءني بعض الصالحين وأخبرني لما مات الخطيب أنه رآه في النوم فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في روح وريحان وجنة نعيم.
وقال أبو الحسن علي بن الحسين بن جدا: رأيت بعد موت الخطيب كأن شخصا قائما بحذائي فأردت أن أسأله عن، أبي بكر الخطيب فقال لي ابتداء: أنزل وسط الجنة حيث يتعارف الأبرار. رواها البرداني في كتاب المنامات عنه.
قال غيث الأرمنازي: قال مكي الرميلي: كنت نائما ببغداد في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربع مائة فرأيت كأنا اجتمعنا عند أبي بكر الخطيب في منزله لقراءة التاريخ على العادة فكأن الخطيب جالس والشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي عن، يمينه وعن يمين نصر رجل لم أعرفه فسألت عنه فقيل: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء ليسمع: التاريخ فقلت في نفسي: هذه جلالة لأبي بكر إذ يحضر رسول الله مجلسه وقلت: هذا رد لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام.
قال أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني: حدثني الفقيه الصالح حسن بن أحمد البصري قال: رأيت الخطيب في المنام وعليه ثياب بيض حسان وعمامة بيضاء وهو فرحان يتبسم فلا أدري قلت: ما فعل الله بك؟ أو هو بدأني فقال: غفر الله لي أو رحمني، وكل
من يجيء فوقع لي أنه يعني بالتوحيد إليه يرحمه أو يغفر له فأبشروا وذلك بعد وفاته بأيام.
قال المؤتمن: تحاملت الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه.
قلت: تناكد ابن الجوزي رحمه الله وغض من الخطيب ونسبه إلى أنه يتعصب على أصحابنا الحنابلة.
قلت: ليت الخطيب ترك بعض الحط على الكبار فلم يروه.
قال أبو سعد السمع: اني: للخطيب ستة وخمسون مصنفا: التاريخ مائة جزء وستة أجزاء. شرف أصحاب الحديث ثلاثة أجزاء الجامع خمسة عشر جزءا الكفاية ثلاثة عشر جزءا السابق واللاحق عشرة أجزاء المتفق والمفترق ثمانية عشر جزءا المكمل في المهمل ستة أجزاء غنية المقتبس في تمييز الملتبس من وافقت كنيته اسم أبيه الأسماء المبهمة مجلد الموضح أربعة عشر جزءا من حدث ونسي جزء التطفيل ثلاثة أجزاء القنوت ثلاثة أجزاء الرواة عن، مالك ستة أجزاء الفقيه والمتفقه مجلد تمييز متصل الأسانيد مجلد الحيل ثلاثة أجزاء الإنباء عن، الأبناء جزء الرحلة جزء الاحتجاج بالشافعي جزء البخلاء في أربعة أجزاء المؤتنف في تكميل المؤتلف ’’كتاب البسملة وأنها من الفاتحة’’ ’’الجهر بالبسملة’’ جزآن مقلوب الأسماء والأنساب مجلد ’’جزء اليمين مع الشاهد’’ ’’أسماء المدلسين’’ ’’اقتضاء العلم العمل’’، ’’تقييد العلم’’ ثلاثة أجزاء القول في النجوم جزء رواية الصحابة عن، تابعي جزء صلاة التسبيح جزء مسند نعيم بن حماد جزء النهي عن، صوم يوم الشك إجازة المعدوم والمجهول جزء ما فيه ستة تابعيون جزء.
وقد سرد ابن النجار أسماء تواليف الخطيب وزاد أيضا له: معجم الرواة عن، شعبة ثمانية أجزاء المؤتلف والمختلف أربعة وعشرون جزءا حديث محمد بن سوقة أربعة أجزاء المسلسلات ثلاثة أجزاء الرباعيات ثلاثة أجزاء طرق قبض العلم ثلاثة أجزاء غسل الجمعة ثلاثة أجزاء ’’الإجازة للمجهول’’.
أنشدني أبو الحسين الحافظ أنشدنا جعفر بن منير أنشدنا السلفي لنفسه.

رواها السمع: اني في تاريخه عن، يحيى بن سعدون عن، السلفي.
أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد ومؤمل بن محمد كتابة قالا: أخبرنا، زيد بن الحسن أخبرنا، أبو منصور القزاز أخبرنا، أبو بكر الخطيب أخبرنا، أحمد بن محمد بن أحمد الأهوازي أخبرنا، محمد بن جعفر المطيري حدثنا، الحسن بن عرفة حدثنا، زكريا بن يحيى بن أبي زائدة عن، عبيد الله بن عمر عن، أسامة بن زيد عن، عراك بن مالك عن، أبي هريرة عن، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ’’ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا أن في الرقيق صدقة الفطر’’.
وبه: قال الخطيب: أخبرنا، علي بن القاسم الشاهد من حفظه حدثنا، أبو روق الهزاني حدثنا، أبو حفص عمرو بن علي سنة سبع وأربعين ومائةين حدثنا، معتمر عن، أبيه عن، أنس قال: كانت أم سليم مع نسوة من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر وكان حاديهم يقال له: أنجشة فناداه النبي -صلى الله عليه وسلم-: ’’رويدا يا أنجشة سوقك بالقوارير’’.
قال أبو الخطاب بن الجراح المقرئ يرثي الخطيب بأبيات منها:
وللخطيب نظم جيد، فروى المبارك بن الطيوري عنه لنفسه:
قال غيث بن علي: أنشدنا الخطيب لنفسه:
أبو القاسم النسيب: أنشدنا أبو بكر الخطيب لنفسه:
ومات مع الخطيب حسان بن سعيد المنيعي وأبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن زيدون شاعر الأندلس وأبو سهل حمد بن ولكيز بأصبهان وعبد الواحد بن أحمد المليحي وأبو الغنائم محمد بن علي الدجاجي وأبو بكر محمد بن أبي الهيثم الترابي بمرو وأبو علي محمد بن وشاح الزينبي والحافظ أبو عمر بن عبد البر وأبو طاهر أحمد ابن محمد العكبري عن، ثلاث وسبعين سنة وهو أخو أبي منصور النديم وشيخ الشيعة أبو يعلى محمد بن حسن بن حمزة الطالكي الجعفري؛ صهر الشيخ المفيد.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 419

أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي أبو بكر الخطيب الحافظ الكبير أحد أعلام الحفاظ ومهرة الحديث وصاحب التصانيف المنتشرة
ولد يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
وكان لوالده الخطيب أبي الحسن علي إلمام بالعلم وكان يخطب بقرية درزيجان إحدى قرى العراق فحض ولده أبا بكر على السماع في صغره فسمع وله إحدى عشرة سنة
ورحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة وإلى نيسابور ابن ثلاث وعشرين سنة ثم إلى أصبهان ثم رحل في الكهولة إلى الشام
سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي وأبا الحسن بن رزقويه وأبا سعد الماليني وأبا الفتح بن أبي الفوارس وهلالا الحفار وأبا الحسين بن بشران وغيرهم ببغداد
وأبا عمر الهاشمي راوي السنن وجماعة بالبصرة
وأبا بكر الحيري وأبا حازم العبدوي وغيرهما بنيسابور
وأبا نعيم الحافظ وغيره بأصبهان
وأحمد بن الحسين الكسار وغيره بالدينور وبالكوفة والري وهمذان والحجاز
وقدم دمشق سنة خمس وأربعين حاجا فسمع خلقا كثيرا وتوجه إلى الحج ثم قدمها سنة إحدى وخمسين فسكنها وأخذ يصنف في كتبه وحدث بها بتآليفه
روى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني وأبو القاسم الأزهري وغيرهما
ومن أقرانه عبد العزيز بن أحمد الكتاني وغيره وابن ماكولا وعبد الله بن أحمد السمرقندي ومحمد بن مرزوق الزعفراني وأبو بكر بن الخاضبة وخلائق يطول سردهم
ثم حدث الحافظ أبو القاسم بن عساكر عن أربعة وعشرين شيخا حدثوه عن الخطيب منهم أبو منصور بن زريق والقاضي أبو بكر الأنصاري وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم
وكان من كبار الفقهاء تفقه على أبي الحسن بن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وعلق عنه الخلاف وأبي نصر بن الصباغ
وكان يذهب في الكلام إلى مذهب أبي الحسن الأشعري
وقرأ صحيح البخاري بمكة في خمسة أيام على كريمة المروزية
وأراد الرحلة إلى ابن النحاس إلى مصر قال فاستشرت البرقاني هل أرحل إلى ابن النحاس إلى مصر أو أخرج إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم فقال إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد إن فاتك ضاعت رحلتك وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة إن فاتك واحد أدركت من بقي
فخرجت إلى نيسابور
ثم أقام ببغداد وألقى عصا السفر إلى حين وفاته فما طاف سورها على نظيره يروى
عن أفصح من نطق بالضاد ولا أحاطت جوانبها بمثله وإن طفح ماء دجلتها وروى كل صاد عرفته أخبار شأنها
وأطلعته على أسرار أبنائها وأوقفته على كل موقف منها وبنيان وخاطبته شفاها لو أنها ذات لسان
ومصنفاته تزيد على الستين مصنفا
قال ابن ماكولا كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه
قال ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني مثله
وقال المؤتمن الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب
وقال أبو علي البرداني لعل الخطيب لم ير مثل نفسه
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة لحديث وحفظه
وقال أبو الفتيان الرواسي كان الخطيب إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله
وقال عبد العزيز الكتاني إنه أعني الخطيب اسمع الحديث وهو ابن عشر سنين
قال وعلق الفقه عن القاضي أبي الطيب وعن أبي نصر بن الصباغ
قلت وهو من أقران ابن الصباغ
قال وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري
قلت وهو مذهب المحدثين قديما وحديثا إلا من ابتدع فقال بالتشبيه وعزاه إلى السنة أو من لم يدر مذهب الأشعري فرده بناء على ظن فيه ظنه والفريقان من أصاغر المحدثين وأبعدهم عن الفطنة
وقال شيخنا الذهبي هنا عقيب قول الكتاني إن الخطيب كان يذهب إلى مذهب الأشعري ما نصه قلت مذهب الخطيب في الصفات أنها تمر كما جاءت
صرح بذلك في تصانيفه
قلت وهذا مذهب الأشعري فقد أتي الذهبي من عدم معرفته بمذهب الشيخ أبي الحسن كما أتي أقوام آخرون وللأشعري قول آخر بالتأويل
وقال أبو سعد بن السمعاني كان مهيبا وقورا ثقة متحريا حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ
قال وله ستة وخمسون مصنفا
وقال ابن النجار هي نيف وستون
قلت والجمع بين الكلامين أن ابن السمعاني أسقط ذكر ما لم يوجد منها فإن بعضها احترق بعد موته قبل أن يخرج إلى الناس
وفيها يقول السلفي

وكان للخطيب ثروة ظاهرة وصدقات على طلاب العلم دارة يهب الذهب الكثير للطلبة
قال المؤتمن الساجي تحاملت الحنابلة عليه
قلت وابتلى منهم بوضع أكاذيب عليه لا ينبغي شرحها
وقال غير واحد ممن رافق الخطيب في الحج إنه كان يختم كل يوم ختمة إلى قريب الغياب قراءة ترتيل ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون حدثنا فيحدثهم
قال أبو سعد السمعاني سمعت مسعود بن محمد بن أبي نصر الخطيب يقول سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول كنت في جامع صور عند الخطيب فدخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير وقال للخطيب فلان يسلم عليك ويقول لك اصرف هذا في بعض مهماتك
فقال الخطيب لا حاجة لي فيه
وقطب وجهه
فقال العلوي كأنك تستقله
ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها وقال هذه ثلاثمائة دينار
فقام الخطيب محمرا وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانير على الأرض وخرج من المسجد
قال الفضل ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقوق الحصير ويجمعها
ويذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد والثانية أن يملي بجامع المنصور والثالثة أن يدفن إذا مات عند بشر الحافي فحصلت الثلاثة
وحكي أن بعض اليهود أظهر كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة رضي الله عنهم وذكروا أن خط علي فيه فعرض على الخطيب فتأمله وقال هذا مزور لأن فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح
وخيبر فتحت قبل ذلك ولم يكن مسلما في ذلك الوقت ولا حضر ما جرى وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات في بني قريظة بسهم أصابه في أكحله يوم الخندق وذلك قبل فتح خيبر بسنتين
ولما مرض وقف جميع كتبه وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث وكان ذا ثروة ومال كثير فاستأذن أمير المؤمنين القائم بأمر الله في تفريقها فأذن له
وسبب استئذانه أنه لم يكن له وارث إلا بيت المال
وحضر أبو بكر الخطيب مرة درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي فروى الشيخ حديثا من رواية بحر بن كنيز السقاء ثم قال للخطيب ما تقول فيه فقال إن أذنت لي ذكرت حاله
فاستوى الشيخ وقعد مثل التلميذ بين يدي الأستاذ يسمع كلام الخطيب وشرع الخطيب في شرح أحواله وبسط الكلام كثيرا إلى أن فرغ
فقال الشيخ هذا دارقطني عهدنا
قال السلفي سألت أبا علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني الحافظ ببغداد هل رأيت مثل الخطيب فقال ما أظن أن الخطيب رأى مثل نفسه
قال المؤتمن بن أحمد الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب
وقال أبو الفرج الإسفرايني وأسنده عنه الحافظ ابن عساكر في التبيين قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي كنت نائما في منزل الشيخ أبي الحسن الزعفراني ببغداد فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الخطيب لقراءة التاريخ في منزله على العادة وكان الخطيب جالسا وعن يمينه الشيخ نصر المقدسي وعن يمين الفقيه نصر رجل لا أعرفه فقلت من هذا الذي لم تجر عادته بالحضور معنا فقيل لي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليسمع التاريخ
فقلت في نفسي هذه جلالة للشيخ أبي بكر إذ حضر النبي صلى الله عليه وسلم مجلسه وقلت في نفسي هذا أيضا رد لمن يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام وشغلني التفكر في هذا عن النهوض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن
أشياء كنت قد قلت في نفسي أسأله عنها فانتبهت في الحال ولم أكلمه صلى الله عليه وسلم
توفي الخطيب في السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة ببغداد ودفن بباب حرب إلى جانب بشر بن الحارث
وأوقف جميع كتبه على المسلمين وتصدق بمال جزيل وفعل معروفا كثيرا في مرض موته وتبع جنازته الجم الغفير وكان له بها جماعة ينادون هذا الذي كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله
وكان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ممن حمل جنازته
ورآه بعض الصلحاء في المنام وسأله عن حاله
فقال أنا في روح وريحان وجنة نعيم
ورؤي له منامات كثيرة تدل على مثل هذا
ومن شعره
في أبيات أخر
ومن الفوائد عن الخطيب
ذكر في حديث عبد الله بن مسعود عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم (إن خلق أحدكم) الحديث أن من أول الحديث إلى قوله (شقي أو سعيد) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده إلى آخر الحديث من كلام ابن مسعود ويؤيده أن سلمة بن كهيل رواه بطوله عن زيد بن وهب ففصل كلام النبي صلى الله عليه وسلم من كلام ابن مسعود
قلت ولكن حاء في صحيح مسلم من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتم
وفي صحيح البخاري في كتاب الجهاد في باب لا يقول فلان شهيد من حديث سهل بن سعد أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) انتهى
ولم أر من تنبه له عند ذكر حديث ابن مسعود وإنما تنبهوا لرواية مسلم
وأقول جائز أن يكون ابن مسعود سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه سهل بن سعد ثم أدرجه في هذا الحديث
وهذه الزيادة وهي فيما يبدو للناس أو فيما يرى الناس عظيمة الوقع جليلة الفائدة عند الأشعرية كثيرة النفع لأهل السنة والجماعة في مسألة أنا مؤمن إن شاء الله فليفهم الفاهم ما ينبه عليه

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 4- ص: 29

الخطيب البغدادي
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الشافعي الحافظ الشهير. م سنة 463 هـ رحمه الله تعالى. له: 1 - المؤتنف في تكملة المختلف.
كالذيل والتحرير لكتابي الدارقطني. م سنة 385 هـ وعبد الغني بن سعيد م سنة 409 هـ.
2 - المتفق والمفترق.
3 - تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه من نوادر التصحيف والوهم.
وفي: دار الكتب المصرية نسخة منه برقم ’’ 700 ’’.
وهو كتاب كبير الحجم جم الفوائد وقد طبع في مجلدين عام 1406 هـ نشر دار طلاس بدمشق.
4 - تالي التلخيص. في أجزاء وهو كتاب جليل القدر عظيم الفائدة

  • دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 101

أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر الخطيب البغدادي، الحافظ المشهور.
حدث عن خلق لا يحصون كثرة، وروى عنه جماعة يطول ذكرهم، وكتب الكثير المشهور عند أهل هذا الشأن.
قال أبو الفرج الإسفرايني: كان أبو بكر الخطيب الحافظ معنا في طريق الحج فكان يختم في كل يوم ختمة إلى قرب الغياب قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون حدثنا، فيحدثهم.
وقال السلفي: سألت شجاع بن فارس الذهلي عن الخطيب فقال: إمام مصنف حافظ ثقة، لم ندرك من حفاظ الحديث وعلمائهم بمعرفته مثله.
وقال السلفي: سمعت أبا نصر المؤتمن بن أحمد الساجي يقول: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب.
قال: وسألت البرداني: هل رأيت مثل الخطيب؟ فقال: لا، ولا أظن أن الخطيب رأى مثل نفسه.
وقال أبو إسحاق الشيرازي: هو دارقطني عهدنا، وأثنى عليه ثناءً حسناً.
وقال عمر بن عبد الكريم الهسنجاني: كان إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله.
وقال ابن ناصر أخبرني الأمير ابن ماكولا في كتابه: وبعد، فإن أبا بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت كان أحد الأعيان ممن شاهدناهم معرفةً وإتقاناً وحفظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفهماً في علله وأسانيده، وخبرةً برواته وناقليه، وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني من يجري مجراه ولا قام منهم بهذا الشأن سواه، فقد استفدنا كثيراً من هذا اليسير الذي نحسنه به وعنه، وتعلمنا شطراً من هذا القليل الذي نعرفه عنه ومنه، فجزاه الله تعالى عنا الخير، ولقاه الحسن، ولجميع أئمتنا ومشايخنا ولجميع المسلمين.
وقال أبو الوليد الباجي: أبو بكر رجل حافظ متقن.
وقال ابن النجار: بعد نقل هذه الجملة نحواً منهما.
قال: وقال القزاز: قال الخطيب: ولدت يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة (392هـ) وأول ما سمعت الحديث وقد بلغت إحدى عشرة سنة في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة، وتوفي يوم الإثنين السابع من ذي الحجة سنة (463هـ) وكان أحد من حمل جنازته الإمام أبو إسحاق الشيرازي.

  • مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 1- ص: 1

الخطيب الحافظ الكبير محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي
صاحب التصانيف
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وكان والده خطيب درزيجان قرية من سواد العراق فحرص على ولده هذا وأسمعه في الصفر سنة ثلاث وأربعمائة ثم طلب بنفسه ورحل إلى الأقاليم وبرع وتقدم في فنون الحديث وصنف وسارت بتصانيفه الركبان
وتفقه بأبي الحسن المحاملي وبالقاضي أبي الطيب
وكان من كبار الشافعية آخر الأعيان معرفة وحفظاً وإتقاناً وضبطاً للحديث وتفنناً في علله وأسانيده وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه ولم يكن ببغداد بعد الدارقطني مثله
قال فيه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الفقيه أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه
وعنه أنه لما حج شرب ماء زمزم لثلاث أن يحدث بتاريخ بغداد وأن يملى بجامع المنصور وأن يدفن عند بشر الحافي فقضي له بذلك
ومن مصنفاته التاريخ الجامع الكفاية السابق واللاحق شرف أصحاب الحديث الفصل في المدرج المتفق والمفترق تلخيص المتشابه الذيل المكمل في المهمل الموضح المهمات الرواة عن مالك تمييز متصل الأسانيد البسملة الجهر بها المقتبس في تمييز الملتبس الرحلة المراسيل مقلوب الأسماء أسماء المدلسين طرق قبض
العلم من وافقت كنيته اسم أبيه وغير ذلك
قال أبو الحسن الهمذاني مات هذا العلم بوفاة الخطيب وقد كن رئيس الخطباء تقدم إلى الوعاظ والخطباء ألا يرووا حديثا حتى يعرضوه عليه وأظهر بعض اليهود كتابا بإسقاط النبي صلى الله عليه وسلم الجزية عن الخيابرة وفيه شهادة الصحابة فعرضه الوزير على الخطيب فقال مزور قيل من أين قال فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات قبل خيبر بسنين
قال ابن طاهر سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ قال لا كنا إذا سألنا عن شيء أجابنا بعد أيام
آخر من حدث عنه بالإجازة مسعود بن الحسن الثقفي الذي انفردت بإجازته عجيبة بنت الباقداري مات سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 433

أحمد بن عليّ بن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر الخطيب البغداديّ، الفقيه الحافظ.
أحد الأئمة المشهورين، والمصنّفين المكثرين، والحفّاظ المبرّزين، ومن ختم به ديوان المحدّثين. سمع ببغداد والبصرة، وأصبهان، والرّيّ، والدّينور، والكوفة، ورحل إلى نيسابور، ودخل دمشق حاجّا.
وكان مولده لستّ بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة.
وكان قد حجّ وسأل الله تعالى لمّا شرب من ماء زمزم ثلاثة أشياء: أن يعود إلى بغداد ووالدته في الحياة، وأن يؤذن له أن يروي «تاريخه» في جامع المنصور، وأن يدفن إلى جنب بشر الحافي، فقدّر الله تعالى أن قدم بغداد وأمّه في الحياة، ثم ماتت بعد ذلك بأيام.
واتّفق أن عرض قوم من اليهود على القائم بأمر الله كتابا زعموا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سوّغهم موضعا بالحجاز، وأنه بخطّ عليّ عليه السلام، وفيه شهادة جماعة من الصّحابة، فأبرزه الخليفة القائم بأمر الله إلى الوزير رئيس الرؤساء، وقال له: تعرّف صحة ذلك، فأراه جماعة من أهل العلم، فلم يعلموا حقيقة الحال فيه، فنبّه على الفقيه الخطيب أحمد بن ثابت، فأحضره وأراه إياه، فنظر فيه فقال: هذا مزوّر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقيل له: كيف عرفت ذلك؟ فقال: لأنّ فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان، وتاريخ الشّهادة سنة سبع، ومعاوية لم يكن أسلم في تلك السنة، فاستحسن ذلك منه. فسأل حينئذ أن يؤذن في قراءة «تاريخه» بجامع المنصور فأذن له، فرواه في الجامع.
ولمّا مات دفن إلى جنب قبر بشر.
ووجد له ستة وخمسون مصنّفا كلّها مفيدة، منها: كتاب تاريخ بغداد، وكتاب شرف أصحاب الحديث، وكتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، وكتاب الكفاية في معرفة علم الرّواية، وكتاب المتّفق والمفترق، وكتاب السابق واللاحق، وكتاب تلخيص المتشابه في الرّسم، وكتاب في التلخيص، وكتاب الفصل والوصل، وكتاب المكمل في بيان المهمل، وكتاب الفقيه والمتفقّه، وكتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس، وكتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، وكتاب الدلائل والشواهد، وكتاب الموضّح وهو: أوهام الجمع والتفريق، وكتاب المؤتنف تكملة المختلف والمؤتلف، وكتاب نهج الصّواب في أنّ البسملة من فاتحة الكتاب، وكتاب الجهر بالبسملة، وكتاب الخيل، وكتاب رفع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب، وكتاب القنوت، وكتاب التبيين لأسماء المدلّسين، وكتاب تمييز المزيد في متّصل الأسانيد، وكتاب من وافق كنيته اسم أبيه، وكتاب من حدّث فنسي، وكتاب رواية الآباء عن الأبناء، وكتاب الرّحلة وطلب الحديث، وكتاب الرّواة عن أنس بن مالك، وكتاب الاحتجاج للشافعيّ فيما أسند إليه والردّ على الجاهلين بطعنهم عليه، وكتاب التفصيل لمبهم المراسيل، وكتاب اقتضاء العلم العمل، وكتاب تقييد العلم، وكتاب القول في علم النّجوم، وكتاب روايات الصحابة عن التابعين، وكتاب صلاة التسبيح، وكتاب مسند نعيم بن همّار، وكتاب النهي عن صوم يوم الشّك، وكتاب الإجازة للمعدوم والمجهول، وكتاب روايات السّنة من التابعين، وكتاب البخلاء، وكتاب الطّفيليّين، وكتاب الدلائل والشواهد، وكتاب التنبيه والتوقيف على فضائل الخريف.
مات الحافظ أبو بكر الخطيب في سابع ذي الحجة من سنة ثلاث وستين وأربع مائة.

  • دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 270

الخطيب
الإمام، الحافظ الكبير الأوحد، محدث الشام والعراق، أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، البغدادي، صاحب التصانيف.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، وعني بهذا الشأن، ورحل فيه إلى الأقاليم، وأول سماعه في سنة ثلاثٍ وأربع مئة.
سمع أبا الحسن بن الصلت الأهوازي، وأبا الحسين بن المتيم، وأبا عمر بن مهدي، والحسين بن الحسن الجواليقي، وابن رزقويه، وابن أبي الفوارس، وهلالاً الحفار، وإبراهيم بن مخلد الباقرحي. ومن عنده ببغداد، ورحل سنة اثنتي عشرة إلى البصرة، فسمع أبا عمر القاسم [ابن جعفر الهاشمي، وسمع بنيسابور أبا القاسم] عبد الرحمن بن محمد السراج، والقاضي أبا بكر الحيري، وبأصبهان أبا الحسن بن عبدكويه، ومحمد بن عبد الله بن شهريار، وأبا نعيم الحافظ، وبالدينور أبا نصر الكسار، وبهمذان محمد بن عيسى، وسمع بالكوفة والري والحرمين ودمشق والقدس وصور، وغير ذلك.
وكان قدومه إلى دمشق سنة خمسٍ وأربعين وأربع مئة، ثم حج، ثم قدم الشام سنة إحدى وخمسين، فسكنها إحدى عشرة سنة.
حدث عنه البرقاني - أحد شيوخه - وأبو الفضل بن خيرون، والفقيه نصر المقدسي، وأبو عبد الله الحميدي، وعبد العزيز الكتاني، وأبو نصر بن ماكولا، وعبد الله بن أحمد السمرقندي، وأبو بكر بن الخاضبة، وأبي النرسي، وأبو القاسم النسيب، وهبة الله بن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وهبة الله بن عبد الله الشروطي، وأبو السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي، وعبد الرحمن بن محمد الشيباني القزاز، وأبو منصور بن خيرون المقرئ، وخلق يطول ذكرهم.
وكان من كبار الشافعية، تفقه على أبي الحسن بن المحاملي، والقاضي أبي الطيب.
قال ابن النجار: نشأ ببغداد، وقرأ القرآن بالروايات، وتفقه وعلق شيئاً من الخلاف، وآخر من حدث عنه بالسماع محمد بن عمر الأرموي القاضي.
وقال الخطيب: أول ما سمعت في المحرم سنة ثلاث، واستشرت البرقاني في الرحلة إلى عبد الرحمن بن النحاس بمصر أو الخروج إلى نيسابور؟ فقال: إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد، فإن فاتك ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة. فخرجت إلى نيسابور.
وقال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفةً، وحفظاً، وإتقاناً، وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفنناً في علله وأسانيده، وعلماً بصحيحه وغريبه، وفرده، ومنكره، ومطروحه.
ثم قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله، وسألت الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي ففضل الخطيب تفضيلاً بيناً.
وقال مؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني مثل الخطيب.
وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه.
وقال الفقيه أبو إسحاق الشيرازي: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه.
وقال شجاع الذهلي: إمام مصنف حافظ لم ندرك مثله.
وقال أبو الحسن الهمذاني: مات هذا العلم بوفاة الخطيب، وقد كان رئيس الرؤساء تقدم إلى الوعاظ والخطباء أن لا يرووا حديثاً حتى يعرضوه على أبي بكر الخطيب. وأظهر بعض اليهود كتاباً بإسقاط النبي صلى الله عليه وسلم الجزية عن الخيابرة، وفيه شهادة الصحابة، فعرضه الوزير على أبي بكر، فقال: هذا مزور، فقيل له: من أين أنت قلت هذا؟ قال: لأن فيه شهادة معاوية، وهو إنما أسلم عام الفتح، وفيه شهادة سعد بن معاذ وقد مات قبل خيبر بسنتين.
وقال أبو سعد السمعاني: كان الخطيب مهيباً وقوراً، متحرياً حجة، حسن الخط، كثير الضبط، فصيحاً، ختم به الحفاظ.
قال: وقرأ بمكة ’’الصحيح’’ على كريمة في خمسة أيام، وخرج من بغداد بعد فتنة البساسيري إلى الشام، سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو، سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول: كنت بجامع صور عند الخطيب، فدخل عليه علوي، وفي كمه دنانير، فقال: هذا الذهب تصرفه في مهماتك. فقطب وقال: لا حاجة لي فيه. فقال: كأنك تستقله. ونفض كمه على سجادة الخطيب، وقال: هي ثلاث مئة دينار. فخجل الخطيب وقام، وأخذ سجادته، وراح فما أنسى عز خروجه وذل العلوي، وهو يجمع الدنانير.
وقال أبو زكريا التبريزي: كنت أقرأ على الخطيب بحلقته بجامع دمشق كتب الأدب المسموعة له، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إلي وقال: أحببت أن أزورك. فتحدثنا ساعةً، ثم أخرج ورقة وقال: الهدية مستحبةٌ، اشتر بهذه أقلاماً، وقام، فإذا خمسة دنانير. ثم صعد مرة أخرى ووضع نحواً من ذلك. وكان إذا قرأ الحديث يسمع صوته في آخر الجامع، وكان يقرأ معرباً صحيحاً.
وقال ابن شافع: خرج الخطيب فقصد صور، وبها عز الدولة أحد الأجواد، وتقرب منه فانتفع به وأعطاه مالاً كثيراً، انتهى إليه الحفظ والإتقان، والقيام بعلوم الحديث.
وقال ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحدث عن أبي الفضل بن خيرون أو غيره أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله ثلاث حاجات، آخذاً بالحديث: ’’ماء زمزم لما شرب له’’ ؛ فالحاجة الأولى أن يحدث بـ’’تاريخ بغداد’’، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن عند بشر الحافي. فقضى الله له ذلك.
وذكر أبو الفرج الإسفراييني أن الخطيب كان معهم في الحج، فكان يختم كل يوم، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون: حدثنا فيحدث.
وقال عبد المحسن الشيحي: عادلت الخطيب من دمشق إلى بغداد فكان له في كل يوم وليلة ختمة.
وقال السمعاني: سمعت من ستة عشر من أصحابه، وله ستة وخمسون مصنفاً، ثم سرد أكثرها.
وقد أنشد السلفي لنفسه:

وقال أبو محمد بن الأبنوسي: سمعت الخطيب يقول: كل من ذكرت فيه أقاويل الناس من جرح وتعديل فالاعتماد على ما أخرت، [وختمت به الترجمة].
وقال ابن طاهر: سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي: هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ قال: لا، كنا إذا سألناه عن شيءٍ أجابنا بعد أيامٍ، وإن ألححنا عليه غضب، كانت له بادرة وحشة.
وقد قيل: إن سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم فيه الناس، وبلغ ذلك أمير البلد، وكان رافضياً متعصباً، فامر بقتله فشد منه بعض العلوية، وأشار على الأمير بإخراجه من البلد، فأمر بذلك، فذهب إلى صور وأقام بها مدة.
قال ابن السمعاني: خرج من دمشق في صفر سنة سبعٍ وخمسين
فقصد صور، وكان يزور منها القدس، ويعود إلى أن سافر إلى العراق سنة اثنتين وستين.
وقال المؤتمن الساجي: تحاملت الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه.
وقال أبو منصور علي بن علي الأمين: كتب الخطيب إلى القائم: إذا مت يكون ما لي لبيت المال، فليؤذن لي حتى أفرقه على من شئت. فأذن له، ففرقه على المحدثين.
قال ابن ناصر: حدثتني أمي أن أبي حدثها قال: دخلت على الخطيب في مرضه فقلت له يوماً: يا سيدي، إن ابن خيرون لم يعطني شيئاً من الذهب الذي أمرته أن يفرقه على أصحاب الحديث. فرفع الخطيب رأسه من المخدة، وقال: خذ هذه [الخرقة] بارك الله لك فيها. فكان فيها أربعون ديناراً.
وقال مكي الرميلي: مرض الخطيب في رمضان من سنة ثلاث وستين إلى أن اشتد به الحال في أول ذي الججة، ومات يوم سابعه، وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون، ووقص كتبه على يده، وفرق ماله
في وجوه البر، وشيعه القضاة والخلق، وأمهم أبو الحسين بن المهتدي بالله، ودفن بجنب بشر الحافي.
قال ابن خيرون: دفن بباب حرب، وتصدق بماله وهو مائتا دينار، وأوصى بأن يتصدق بثيابه، وكان بين يدي جنازته جماعةٌ ينادون: هذا الذي [كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الذي كان ينفي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الذي] كان يحفظ [حديث] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختم على قبره عدة ختمات.
وقال عبد العزيز الكتاني: ورد كتاب جماعةٍ أن الحافظ أبا بكر مات في سابع ذي الحجة، وكان أبو إسحاق الشيرازي ممن حمل جنازته.
وقال علي بن الحسين بن جدا: رأيت بعد موت الخطيب كأن شخصاً قائمٌ بحذائي فأردت أن أسأله عن الخطيب فقال لي ابتداءً: أنزل وسط الجنة حيث يتعارف الأبرار.
وقال غيث الأرمنازي: قال مكي الرميلي: كنت ببغداد نائماً في ليلة ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستين، فرأيت كأنا عند الخطيب لقراءة ’’تاريخه’’ على العادة، والشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي عن يمينه، وعن يمين نصر رجلٌ، فسألت عنه فقيل: هذا رسول الله صلى الله
عليه وسلم جاء ليسمع ’’التاريخ’’، فقلت في نفسي: هذه جلالة لأبي بكر.
قال غيث: أنشدنا الخطيب لنفسه:

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 3- ص: 1