التصنيفات

علم الدين الشجاعي سنجر الأمير الكبير علم الدين الشجاعي المنصوري. وزير الديار المصرية ومشد دواوينها ونائب سلطنة دمشق. كان رجلا طويلا تام الخلق، أبيض اللون، أسود اللحية، عليه وقار وهيبة وسكون، وفي أنفه كبر وفي أخلاقه شراسة وفي طبيعته جبروت وانتقام وظلم وعسف، وله خبرة تامة بالسياسة والعمارة. ولي شد الديار المصرية، ثم الوزارة، ثم ولي نيابة دمشق، فلطف بأهلها، وقلل شره، فدام فيها سنتين، ثم عزل بعز الدين الحموي، وكان يعرض في تجمل وهيئة لا تنبغي إلا للسلطان، وكان في الجملة له ميل إلى أهل الدين وتعظيم الإسلام. وعمل الوزارة أول دولة الناصرية أكثر من شهر، ثم قال شر قتلة، وعصى في القلعة وجرت أمور ذكر بعضها في ترجمة الأشرف وترجمة أخيه الناصر. فلما كان في الرابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وتسعين وست مائة عجز وطلب الأمان، فلم يعطوه، وطلع إليه بعض الأمراء وقال: انزل إلى عند السلطان الملك الناصر، فمشى معه، فضربه: واحد طير يده، ثم طير آخر رأسه وعلق رأسه في الحال على سور القلعة، ودقت البشائر، وطافت المشاعلية برأسه وجبوا عليه، والناس يسبونه لظلمه وعسفه. يقال إن المشاعلية كلنوا يطوفون برأسه على بيوت كتاب القبط فبلغت اللطمة على وجهه بالمداس نصفا والبولة عليه درهما. فلا قوة إلا بالله. وفي الشجاعي يقول السراج الوراق ومن خطه نقلت:

ووجد بخط الشجاعي بعد موته:
أخبرني من لفظه القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله، قال: أخبرني والدي عن قاضي القضاة نجم الدين ابن الشيخ الشمس الدين شيخ الجبل، قال: كنت ليلة نائما، فاستيقظت، وكان من أنبهني وأنا أحفظ كأنما قد أنشدت ذلك:
قال: ثم جاءنا الخبر بعد أيام قلائل بقتله، وكانت قتلته في تلك الليلة التي أنشد فيها الشعر. وكان قد قارب الخمسين، وكان زوج أم الأمير بدر الدين بيدرا. وهو الذي عمر البيمارستان المنصوري بين القصرين بالقاهرة في مدة، فأتى بذلك العمل العظيم وفرغ منه في هذه المدة القريبة، وكان يستعمل الصناع والفعول بالبندق حتى لا يفوته من هو بعيد عنه في أعلى سقالة أو غيرها. ويقال إنه وقع بعض الفعول من أعلى الصقالة بجنبه ومات، فما اكترث له ولا تغير من مكانه وأمر بدفنه. وهذا المكان بما فيه من القبة والمدارس والمأذنة والبيمارستان لا يدرك بالوصف ولا يحاط به علما إلا بالمشاهدة. وامتدحه معين الدين ابن تولوا بقصيدة عند فراغه من العمل، أولها:
وامتدحه شرف الدين محمد بن موسى القدسي، وكان كاتبه، بقصيدة ميمية ذكرت منها شيئا في ترجمة القدسي، وكان قد ربا أولا بدمشق عند امرأة تعرف بست قجا جوار المدرسة المنكلانية، وانتقل إلى مصر وتعلم الخط وقرأ الأدب، واتصل بالأمير سيف الدين قلاوون الألفي، فلما تملك تقدم عنده. وعز الدين أيبك الشجاعي الذي عمل شد الدواوين بمصر أظنه كان مملوكه، والله أعلم. وفي الشجاعي يقول علاء الدين الوداعي -وقد وسع الميدان بدمشق أيام الملك الأشرف- ومن خطه نقلت:
وفيه يقول، وقد أمر بدمشق أن لا يلبس النساء خفافا ولا عمائم:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0